الأركان الموضوعية الخاصة بعقد الشركة

الأركان الموضوعية الخاصة بعقد الشركة

الأركان الموضوعية الخاصة بعقد الشركة
إلى جانب الأركان الموضوعية العامة يجب أن تتحقق الأركان الخاصة، وتنحصر هذه الأركان حسب المادة 416 من القانون المدني الجزائري في تعدد الشركاء، وتقديم الحصص، ونية المشاركة وما تستتبعه من اقتسام الأرباح أو الخسائر بين الشركاء.

المطلب الأول: تعدد الشركاء

من الشروط اللازمة لانعقاد عقد الشركة أن تتكون من شخصان أو أكثر كما هو واضح من تعريف الشركة في المادة 416 من القانون المدني الجزائري(يشترك به شخصان طبيعيان أو اعتباريان أو أكثر) فالحد الأدنى شخصين، لأنه لا يمكن إنشاء عقد بغير هذا العدد، فالعقد التقاء أكثر من إرادة وهذا أي كان نوع الشركة، ويختلف عدد الشركاء في التشريع الجزائري باختلاف أشكال الشركات، ففي شركة المساهمة تشترط المادة 592 من القانون التجاري الجزائري أن لا يكون عدد الشركاء أقل من سبعة، أما في الشركة ذات المسؤولية المحدودة فنصت المادة 590 من ذات القانون على أنه لا يسوغ أن يتجاوز عدد الشركاء عشرين شريكا، أما بالنسبة لشركة التوصية بالأسهم فتشترط المادة 715 ثالثا أن لا يقل عدد الشركاء الموصين فيها عن ثلاثة، أما بالنسبة لشركة التضامن فلم ينص القانون التجاري الجزائري على عدد الشركاء وعلى ذلك يجب أن لا يقل عدد الشركاء عن اثنين، إلا أن بعض التشريعات الأجنبية كالتشريع الإنجليزي والتشريع الألماني أجاز قيام شركة الرجل الواحد، وتبعا لهذه التشريعات يحق للشخص الواحد أن يقتطع جزءا من ثروته ويخصصه لاستغلال مشروع معين في شكل شركة فتحدد بذلك مسئوليته عن ديون الشركة بقدر ما خصص لها من أموال وتبقى أمواله الأخرى في مأمن من رجوع دائني الشركة عليها، أما بعض التشريعات كما في الجزائر ومصر وفرنسا أخذت بمبدأ وحدة الذمة، بحيث لا يجوز للشخص الواحد أن يخصص جزءا من أمواله للشركة وتكون أمواله الأخرى في مأمن من رجوع دائني الشركة عليها، ومقتضاه أن أموال المدين تشكل كتلة واحدة تكون جميعها ضامنة للوفاء بديونه، واستثناء على مبدأ تعدد الشركاء، أجازت التشريعات الحديثة ومن بينها التشريع الجزائري قيام شركة الشخص الواحد بحيث يحق للشخص الوحيد تأسيس شركة ذات المسؤولية المحدودة المسماة (شركة ذات الشخص الوحيد وذات المسؤولية المحدودة)، كما يحق للدولة ولأشخاص القانون العام إنشاء شركات صناعية أو تجارية أو مالية دون أن يشترك معهم أشخاص آخرون وهذا ينطبق فقط على الشركات التابعة للقطاع العام، وإن كانت هذه التشريعات الحديثة تتعارض مع الفكرة التقليدية التي ترى في الشركة عقدا بين شخصين أو أكثر، إلا أنها لا تتعارض مع الفكرة الحديثة القائلة بأن الشركة هي نظام قانوني أكثر مما هي عقد يقوم على إرادة المشرع بالدرجة الأولى لا على إرادة الشركاء، ومن ثم يمكن اعتبار الشركات التي تنشئها المؤسسات العامة أو تؤول إليها بمقتضى التأميم من قبيل شركات الرجل الواحد، هذا ويجوز للشركة أن تكون شريكا في شركة مع أشخاص طبيعيين أو أشخاص معنوية، إلا أنه لا يجوز لها أن تكون شريكا في الشركة ذات المسؤولية المحدودة لأن هذه الأخيرة تقتصر على الأشخاص الطبيعيين دون الأشخاص المعنوية.

المطلب الثاني: تقديم الحصص

لا يكف تعدد الشركاء لانعقاد عقد الشركة بل يشترط القانون أن يلتزم كل شريك بتقديم الحصة التي تعهد بها لرأس مال الشركة، إذ لا تستطيع الشركة النهوض بأعبائها بغير رأس مال يكفي لمواجهة هذه الأعباء، ويمثل رأس المال الضمان العام لدائني الشركة، إضافة إلى ما لدى الشركة من موجودات، وهذه الحصص على أنواع ثلاث: فقد تكون نقدية أو عينية أو بالعمل.

1- الحصة النقدية

غالبا ما تكون الحصة التي يقدمها الشريك للشركة مبلغا من النقود، ويلتزم الشريك في هذه الحالة بدفع المبلغ الذي تعهد بتقديمه في الميعاد المتفق عليه، ووضعت بعض التشريعات كالتشريع الفرنسي والمصري قاعدتين خرجت فيهما عن القواعد العامة، أما القاعدة الأولى فتقتضي بأن الفوائد التأخيرية تستحق من تاريخ استحقاق الحصة من غير حاجة إلى مطالبة قضائية أو أعذار، هذا في حالة ما إذا تعهد الشريك بدفع مبلغ من النقود ولم يقدمه، وهذه القاعدة هي بخلاف ما هي عليه القاعدة العامة التي تنص على أن الفوائد التأخيرية لا تسري إلا من يوم المطالبة القضائية، وأما القاعدة الثانية تجيز مطالبة الشريك بتعويض الفوائد التكميلية ولو لم يكن سيئ النية، وذلك خلافا للقاعدة العامة والتي لا تجيز للدائن المطالبة بتعويض تكميلي عن التأخير بالوفاء إلا إذا أثبت أن الضرر قد تجاوز قيمة الفوائد التأخيرية وقد تسبب فيه المدين بسوء نيته، وقد رعى المشرع في تقرير هذين الاستثناءين حاجة الشركة إلى المال في المواعيد المتفق عليها حتى تتمكن الشركة من بدأ أعمالها، فإن أهمل الشريك تنفيذ التزامه بتقديم الحصة في الميعاد المحدد فقد يضر ذلك بحسن سير أعمال الشركة، وأما المشرع الجزائري فقد اكتفى بنص المادة 421 من القانون المدني الجزائري التي تنص على "أنه إذا تعهد الشريك بأن يقدم حصته في الشركة مبلغا من النقود ولم يقدم هذا المبلغ ففي هذه الحالة يلزمه التعويض"، كما أن المشرع الجزائري لم ينص على الاستثناءين المذكورين في القانونين المصري والفرنسي الخاصة بالفوائد التأخيرية والتكميلية والعلة في ذلك أن التشريع الجزائري يمنع القرض بفائدة فيما بين الأفراد.

2- الحصة العينية

وقد يقدم الشريك حصة عينية للشركة، والحصة العينية هي أي مال مقدم كان من غير النقود سواء كان عقارا أو منقولا، والعقار قد يكون قطعة أرض أو مبنى كالمصانع والمخازن والمناجم، أما المنقول فقد يكون ماديا كالآلات أو البضائع، أو منقولا معنويا كالمحل التجاري أو براءة اختراع أو علامة تجارية أو رسوم أو نماذج صناعية أو دين للشريك قبل الغير أو حق من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية، وقد ترد الحصة العينية التي يقدمها الشريك للشركة إما لتتملكها أو لتنتفع بها، فإن كانت الحصة المقدمة للشركة على سبيل التمليك عقارا فتخضع لإجراءات الشهر والتسجيل المنصوص عليها في المادة 793 من القانون  المدني والخاصة بنقل حق الملكية، وبانتقال ملكية الحصة العينية إلى الشركة تنتقل إليها تبعة الهلاك وذلك عملا بأحكام البيع، بمعنى أن الشريك يبقى ضامنا للحصة المقدمة كضمان البائع للمبيع فيما يتعلق بالهلاك والاستحقاق والعيوب الخفية أو النقص، فإذا كانت الحصة المقدمة من قبيل الشريك منقول وهلك قبل التسليم فإن هلاكه يكون على الشريك، أما إذا هلك بعد التسليم فإن هلاكه يكون على الشركة، وهذا ما جاءت به نص المادة 422 من القانون المدني الجزائري بقولها: "إذا هلكت الحصة بعد انتقال ملكيتها للشركة بسبب لا بد لها فيه كان الهلاك على الشريك ملزما عليه أن يقدم للشركة حصة أخرى وإلا لأقضي عنها، وأما إذا هلكت الحصة بعد انتقال ملكيتها للشركة فإنها تملك في ذمة الشركة لا في ذمة الشريك فتتحمل بالتالي الشركة وحدها تبعة الهلاك"، وبالتالي فإن كان هلاك الحصة من فعل الشركة فيبقى حق الشريك في قبض الأرباح قائما كما لو كانت الحصة لم تهلك، وإذا ظهر في الحصة عيب من العيوب الخفية أو نقص تطبق أحكام ضمان الاستحقاق، وبكلمة فإن أحكام البيع عن طريق القياس هي التي تسري في ضمان الحصة إذا أهلكت أو استحقت أو ظهر فيها عيب أو نقص، كما يجب أن تنتقل الحصة إلى الشركة في الموعد المحدد أو عند انعقاد العقد، وبانتقال حق الملكية إلى الشركة يتخلى الشريك نهائيا عن حقوقه على الحصة التي تصبح ملكا للشركة، فإن انقضت الشركة فإن الحصة لا تعود للشريك الذي قدمه بل يصبح مملوكا للشركاء على وجه الشيوع وإذا تم بيعه فيوزع ثمنه على الشركاء، وقد نصت المادة 424 من القانون المدني الجزائري على أنه "إذا كانت الحصة التي قدمها الشريك هي ديون له في ذمة الغير فلا ينقص التزامه للشركة إلا إذا استوفيت هذه الديون ومع ذلك يبقى الشريك مسئولا عن تعويض الضرر إذا لم توف الديون عند حلول أجلها"، بمعنى ان الشريك لا يضمن للشركة مجرد وجود الدين كما هو الحال في ضمان المحيل في حوالة الدين بل يضمن علاوة على ذلك استيفاء مبلغ الدين من قبل الشركة فلا ينقضي التزامه في مواجهة الشركة إلا بتمام الوفاء بهذا الدين وإذا لم يتحقق هذا الوفاء التزم الشريك بتعويض ما يصيب الشركة من جراء عدم الوفاء عند حلول أجل الدين، وقد استهدف المشرع الجزائري بذلك درء ما قد يقع من غش إذا قدم الشريك للشركة على سبيل التمليك وقد تقدم إليها على سبيل الانتفاع، وأخيرا إذا كانت الحصة المقدمة من قبيل الشريك مجرد الانتفاع بمال لمدة معينة مع احتفاظه بملكيته، فتسري أحكام الإيجار كما ورد في نص المادة 422 من القانون المدني الجزائري، فيصبح الشريك في مركز المؤجر والشركة في مركز المستأجر فإذا هلكت الحصة المقدمة بفعل لا يد للشركة فيها كان الهلاك على الشريك، وعليه في هذه الحالة أن يقدم حصة أخرى وإلا يلتزم بالخروج من الشركة، أما إذا كان هلاك الحصة المقدمة جزئيا أو أصبحت في حالة لا تصلح للانتفاع بها ولم يكن ذلك من فعل الشركة، جاز للشركة أن تطلب من الشريك إعادة الحصة إلى الحالة التي كانت عليها فإذا امتنع الشريك من تنفيذ هذا الالتزام جاز للشركة أن تقوم به على نفقته أو تطلب فسخ العقد (المادة 481 من القانون المدني الجزائري)، وإذا ظهر في الحصة عيب يحول دون الانتفاع بها أو صدر تصرف من الشريك أو من الغير التزم الشريك بالضمان قبل الشركة، وتلتزم الشركة برد العين ذاتها إلى الشريك عند انقضاء مدة الانتفاع، وإذا حددت مدة الانتفاع قبل انقضاء الشركة زالت عن مقدم الحصة صفة الشريك بمجرد انتهاء مدة الانتفاع، فإذا كانت الحصة محل الانتفاع مما يهلك بالاستعمال كالمواد الأولية او الفواكه فإنه يصبح مملوكا للشركة من وقت تقديمه فإذا هلكت تتحمل الشركة تبعة هلاكه وتلتزم برد ما يقابله عند انتهاء مدة الانتفاع.

3- الحصة بالعمل

ويجوز للشريك أن يقدم عمله كحصة في الشركة دون أن يساهم بحصة نقدية أو عينية، ويجب أن يكون العمل المقدم من قبل الشريك ذات أهمية واضحة في نجاح الشركة وليس من الاعمال التافهة التي تؤدي من قبل أي شخص وإذا قدم مثل هذا العمل فلا يكون صاحبه شريكا إنما أجيرا أو عاملا، ولذلك يشترط أن يكون العمل المقدم من الأعمال الفنية، كعمل المدير والمهندس وكالخبرة الفنية والتجارية، وإذا قدم الشريك عمله كحصة في الشركة وجب عليه ان يمتنع من ممارسة نفس العمل الذي تعهد به إلى الشركة لحسابه الخاص أو لحساب الغير لما ينطوي عليه ذلك من منافسة للشركة، فإن فعل وحقق منه أرباحا كانت هذه الأرباح حقا خالصا للشركة، وعلى الشريك بالعمل أن يقدم للشركة حسابا عما يكون قد كسبه من وقت قيام الشركة بمزاولة العمل الذي قدمه حصة لها، ويجوز للشريك القيام بأعمال أخرى مستقلة غير التي تعهد بها للشركة مادام ذلك لا يتعارض مع غرض الشركة ويحتفظ في هذه الحالة لنفسه بأرباح هذا العمل بشرط أن لا يكون الوقت الذي يكرسه لعمله الخاص يمنعه من القيام بخدمات التي تعهد بها للشركة، وإلا جاز للشركة مطالبته بالتعويض، ولا يكون الشريك بالعمل ملزما بأن يقدم للشركة ما يكون قد حصل عليه من حق اختراع إلا إذا وجد اتفاق يقضي بغير ذلك (المادة 423 من القانون المدني الجزائري)، وعند حل الشركة يسترد الشريك بالعمل حصته، أي أنه يتحلل من التزامه بتكريس نشاطه لأعمال الشركة، فيصبح مطلق التصرف في وقته، وإذا أصيب الشريك بمرض يمنعه من أداء عمله بصفة دائمة فإنه يعتبر متخلفا عن تنفيذ التزامه ويتعرض لفسخ العقد الذي يربطه بالشركة، ولا يجوز أن تكون حصص جميع الشركاء عملا لأن رأس مال الشركة يتكون من الحصص النقدية والعينية بمعنى أن الحصص بالعمل لا تندرج في رأس مال الشركة، وبالتالي فلا يمكن لها أن تتصرف فيه أو لدائنها أن ينفذوا عليه، كما لا يجوز للشريك تقديم حصة بالعمل في شركة المساهمة أو في الشركة ذات المسؤولية المحدودة لأنه يسأل عن ديونها مسؤولية محدودة أي بقدر الحصة المقدمة إليها، وكذلك يمتنع عن الشريك تقديم حصة من عمل إذا انضم إلى شركة التوصية البسيطة، ولكن يجوز للشريك في شركة التضامن أن يقدم عمله كحصة للشريك حيث يكتسب صفة التاجر ويسأل عن ديونها مسؤولية مطلقة تنصرف إلى كل ذمته المالية، أما بالنسبة لصاحب المشروع الفردي، أي المؤسسة ذات الشخص الوحيد وذات المسئولية المحدودة فله الحرية في أن يقدم عمله، على أن ذلك لا يمثل رأس المال ولابد من تقديم رأس المال المقدر بالنقد، سواء كان من النقود أو الأعيان، قبل صدور شهادة تأسيس المشروع، ولم يلزم المشرع الجزائري من الشركاء تقديم نوع واحد من الحصص إلى الشركة فلهم كامل الحرية في تقديم الحصص فيمكن أن يساهم الواحد منهم بحصة نقدية والآخر بحصة عينية والثالث بحصة عمل، ونصت المادة 419 من القانون المدني الجزائري بقولها: "يجب أن تكون الحصص المقدمة للشركة متساوية القيمة ما لم يوجد اتفاق أو عرف يخالف ذلك"، ونصت المادة 420 من القانون المدني الجزائري على انه "لا يجوز أن تقتصر حصة الشريك على ما يكون له من نفوذ أو على ما يتمتع به من ثقة مالية:" فالنفوذ الذي يتمتع به رجل سياسي أو موظف سامي في الدولة يعتبر استغلال للنفوذ يجافي النظام العام والآداب، كما أن الثقة المالية التي يتمتع بها الشخص لا تعتبر حصة ولا يمكن تقويمها بمال إلا إذا انضم إليها مجهود الشخص ونشاطه.

المطلب الثالث: نية الاشتراك والمشاركة

تعتبر نية الاشتراك ركن من الأركان الأساسية لعقد الشركة، بحيث من غير الممكن أن ينعقد العقد من دونه بل هو الركن الأول الواجب توافره قبل تقديم الحصص وهذا بالرغم من أن المادة 416 من القانون المدني قد أغفلته، وتقتضي نية الاشتراك أن تتصرف إرادة جميع الشركاء إلى التعاون الإيجابي فيما بينهم على قدم المساواة من أجل استغلال مشروع الشركة وتحقيق أهدافها، وتتجلى مظاهره في تقديم الحصص وتنظيم إدارة الشركة والإشراف عليها والرقابة على أعمالها ونية الاشتراك بغية تحقيق الربح لتوزيعه بين الشركاء وتحمل المخاطر المشتركة التي قد يتسبب بها انهيار المشروع الذي قامت من أجله، إلا أن نية الاشتراك تختلف باختلاف نوع الشركة، حيث تكون أكثر ظهورا في شركات الأشخاص وبالتدقيق في شركة التضامن التي تسود فيها الفكرة التعاقدية المبنية على الثقة المتبادلة والتعاون الإيجابي بين الشركاء من أجل تحقيق غرض الشركة، ولكنها أقل وضوحا في شركات الأموال وخاصة في شركة المساهمة، حيث يقتصر دور الشريك على توظيف أمواله في مشروع الشركة دون أن يهتم بشخصيه المديرين إلا بصفة تبعية، ومع هذا تبقى نية الاشتراك قائمة في هذا النوع من الشركة مادام المساهمون في تسيير شؤون الشركة عن طريق إبداء الرأي ضمن الجمعية العامة ومراقبة تصرفاتها وتعيين هيئة إدارة الشركة والتصديق على أعمال المدراء، وحيث أن نية المشاركة هي إرادة جماعية للاشتراك في إدارة الشركة وتحمل أعبائها فإن هذه الإرادة يجب أن تتوفر ليس فقط عند إنشاء الشركة وإنما يتوجب استمرارها طيلة مدة الشراكة، وقد طرح التساؤل في فرنسا بصدد المؤسسة ذات الشخص الوحيد وذات المسئولية المحدودة لمعرفة ما إذا كان يجب توفر نية المشاركة رغم انتفاء تعدد الشركاء، ويؤكد الاجتهاد السائد أن نية المشاركة يجب أن تتوفر حتى في حالة المؤسسة ذات الشخص الوحيد وذات المسئولية المحدودة، وتتحقق هذه النية بإرادة الشريك الوحيد بوجوب النظر إلى المشروع الانفرادي كشركة مستقلة لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة المالية العامة وأن يحترم موضوعها ومصالحها بدون أن يعاملها وكأنها شخص خاص به.

المطلب الرابع: رأس مال الشركة وأصولها

يتكون رأس مال الشركة من مجموع الحصص النقدية والعينية المقدمة إلى الشركة، وبما أن رأس مال الشركة هو الضمان العام للدائنين فيحق لهم أن ينفذوا عليه، أما حصص العمل فلا تدخل في تكوين رأس مال الشركة لأنها غير قابلة للتقويم بالنقود ولا تكون محلا للتنفيذ الجبري، ومن ثم فهي لا تعتبر ضمانا لدائني الشركة، وبالتالي فلا يجوز تقديم الحصة بالعمل إلى الشركة ذات المسؤولية المحدودة أو إلى شركة المساهمة لأن الشركاء جميعا في كلا هذين النوعين من الشركات يسأل عن ديون الشركة مسؤولية محدودة أي بقدر الحصص المقدمة للشركة، والواقع أن رأس مال الشركة والذي يقتصر على الحصص النقدية والتقويم النقدي للحصص العينية دون حصص العمل هو عبارة عن قيمة حسابية تقدم عند إنشاء الشركة، فهو لا ينطوي على أموال معينة بالذات لممتلكات الشركة، فبعد أن تنطلق الشركة في مباشرة نشاطها فتصبح دائنة ومدنية وتحقق الأرباح أو تبؤ بالخسارة يصبح رأسمالها عاجزا عن تصوير مركزها المالي، إذ يتحدد هذا المركز بموجودات الشركة وبه يتحدد كذلك الضمان الحقيقي لدائني الشركة، ويجب التفرقة في هذا الصدد بين موجودات الشركة الإجمالية وهي مجموعة الأموال والقيم الإيجابية العائدة للشركة وبين الموجودات الصافية والتي تتكون من الموجودات الإجمالية بعد خصم الديون المتعلقة بذمة الشركة كشخص معنوي، والقاعدة أنه لزاما على الشركاء أن يحتفظوا لدائني الشركة دائما بموجودات صافية لا تقل قيمتها عن قيمة رأسمال الشركة، وهذا هو ما يسمى بمبدأ ثبات رأسمال الشركة، فلا يجب اقتطاع جزء منه وتوزيعه في صورة أرباح على الشركاء، ذلك لأن هذه الأرباح تكون أرباح صورية لا أرباح حقيقية، أما إذا حققت الشركة أرباح حقيقية، بمعنى أن قيمة مجوداتها الصافية كانت أكثر من رأسمالها حق لها أن توزع هذه الأرباح، أما إذا أخفقت الشركة فأصبحت قيمة مجوداتها الصافية أقل من رأسمالها كان لزاما عليها أن تقتطع الخسارة من الأرباح المقبلة، فلا يحق لها أن توزع أرباح سنوية إلا بعد أن تفوق قيمة مجوداتها الصافية على مبلغ رأسمالها، والمحافظة على الموجودات الصافية تساوي مبلغ رأسمال الشركة على الأقل أمر ذات أهمية بالغة في الشركة ذات المسؤولية المحدودة وفي شركة المساهمة، أما في شركة التضامن فلا يشكل رأسمال الشركة الضمان الوحيد لدائنيها بل إن دائني الشركة يحق لهم فوق ذلك الرجوع على ذمم الشركاء لأن هؤلاء يسألون عن ديون الشركة مسؤولية شخصية تضامنية ومطلقة، إلا أن دائني الشركة كشخص معنوي يتزاحمون في الرجوع على ذمم الشركاء مع الدائنين الشخصيين للشركاء، بمعنى أن رأس مال الشركة إذا ما كان وقفا على دائنيها لا يكون كذلك الحال بالنسبة لذمم الشركاء الخاصة.

المطلب الخامس: اقتسام الأرباح والخسائر

لا يكفى قصد الاشتراك لوحده لانعقاد عقد الشركة أو تعدد أطرافه وتقديم الحصص، بل لابد إضافة على ذلك أن تتوافر رغبة الشركاء في تحقيق الربح عن طريق إستغلال المشروع لاقتسامه وقابلية كل شريك في تحمل نصيب من الخسائر التي قد تنجر عن استغلال المشروع هذا ما نصت عليه صراحة المادة 416 من القانون المدني الجزائري، وعامل الربح هو الذي يميز الشخص التجاري عن الشخص المدني، لأن عنصر الربح هو المحرك للشركة والباعث لقيامها والدافع لنشاطها.

المطلب السادس: التمييز بين الشركة والجمعية

تهدف الشركة التجارية إلى تحقيق الربح وتوزيعه على الشركاء، بينما الجمعية لا تهدف إلى تحقيق الربح لأعضائها وإنما إلى تحقيق غايات علمية أو سياسية أو اجتماعية أو أدبية أو غيرها من الأهداف العامة والتي لا شأن لها بالكسب المادي، كالجمعيات الخيرية والعلمية والدينية والرياضية وغيرها، وقد عرفت الفقرة الأولى من المادة 2 من القانون رقم 90-31 المؤرخ في 4 ديسمبر 1990 المتعلق بالجمعيات الجزائرية، الجمعية كالآتي: " تمثل الجمعية اتفاقية تخضع للقوانين المعمول بها ويجتمع في إطارها أشخاص طبيعيون أو معنويون على أساس تعاقدي ولغرض غير مربح"، أما المادة 54 من القانون المدني المصري عرفت الجمعية بأنها "جماعة ذات صفة دائمة مكونة من عدة أشخاص طبيعية أو اعتبارية لغرض غير الحصول على ربح مادي"، كما عرف التشريع الفرنسي الجمعية على أنها "عقد مبرم بين شخصين أو أكثر لغرض غير الحصول على أرباح مادية واقتسامها"، وعلى هذا فإن عنصر السعي وراء الربح هو الذي يميز الشركة عن الجمعية، فقد تنشأ شركة وتبؤ بالخسارة وعلى الرغم من ذلك تبقى شركة، كما أن هنالك جمعيات تحقق ربح من نشاطها ولا تعتبر شركة لأن العبرة بالغرض، فبينما غرض الشركة هو مادي بحث، أما غرض الجمعية فهو معنوي، كما لا تعتبر الجمعيات التعاونية التي تشتري السلع لبيعها لأعضائها بسعر التكلفة من الشركات بالرغم من أنها تمارس نشاط اقتصادي لأنها لا تهدف إلى تحقيق الربح، ونفس القاعدة تنطبق على جمعيات التجار وأرباب العمل التي تهدف للدفاع عن مصالح أعضائها بالرغم من أن كل المنخرطين فيها يمارسون التجارة، وعلى هذا الأساس فإن الجمعية لا تكتسب صفة التاجر ولو كانت تمارس نشاط اقتصادي كما لا يطبق عليها نظام الإفلاس ولا تخضع للضريبة التجارية والصناعية، كما أن في حالة حل الجمعية لا تؤول أموالها إلى أعضائها أو لورثتهم وإنما تؤول إلى جمعيات أخرى تعمل في ميدان عمل الجمعية المنحلة، أما إذا انحلت الشركة فتقسم أموالها بين الشركاء، ورغم هذا الاختلاف إلا أن هناك أوجه تشابه بين الشركة والجمعية يتمثل في اعتراف المشرع لكل منهما بالشخصية المعنوية وأنهما يستوجبان عدد من الأشخاص لتأسيسهما لأنه يتعذر على الشخص القيام بهذا العمل بمفرده، إضافة على أن إدارة الجمعية تشبه إدارة شركة المساهمة من حيث أنها مؤلفة من مجلس إدارة وجمعية عمومية ورئيس يمثلها ويدير أعمالها ومحافظي حسابات يراقبون أموالها.

المطلب السابع: مفهوم الربح

المقصود بالربح فيما يتعلق بالشركة هو الزيادة الإيجابية في الذمة المالية، أو هي زيادة في الأصول على الخصوم بموجب جرد سنوي وإعداد ميزانية كما هو معروف في الفكر المحاسبي، أما مفهوم الربح بالنسبة للشركاء فقد ثار خلاف حوله.
- فأخذت محكمة النقض الفرنسية بدوائرها المجتمعة بمفهوم وسط للربح بحكم مشهور صدر منها بتاريخ 14 ماري سنة 1914 مفاده "أن الربح هو الكسب النقدي أو المادي الذي يضيف شيئا إلى ثروة الشركاء"، سواء في ذلك أحققت الشركة أرباحا أو أخفقت فبآت بالخسارة، ذلك أن العبرة في اتجاه نية الشركاء إلى تحقيق الربح لا في النتيجة.
- بينما أخذ فريق بمفهوم ضيق للربح يقول في شأنه أن الربح هو المبلغ النقدي الذي يوزع على الشركاء في نهاية السنة المالية.
- وأخذ فريق آخر بمفهوم موسع للربح يرى فيه أنه كل فائدة إيجابية تضاف إلى ذمم الشركاء ويمكن تقويمها بمال أو سلبية تقتصر على تخفيف عبء الشركاء أو دفع ضرر عنهم.

المطلب الثامن: مساهمة الشركاء في الأرباح والخسائر

تنص المادة 426 من القانون المدني الجزائري على أنه "إذا وقع اتفاق على أن أحد الشركاء لا يسهم في أرباح الشركة ولا في خسائرها كان عقد الشركة باطلا"، ويفهم من هذا النص أنه يجب على جميع الشركاء أن يساهموا في أرباح الشركة وخسائرها، فإذا اتفقوا على حرمان شريك من الأرباح أو إعفائه من الخسارة كان العقد باطلا، وبالتالي فلا جدوى من بقاء الشركة، وتسمى هذه الشروط الغير قانونية بشروط الأسد، فهي باطلة لأنها تتنافى مع عقد الشركة الذي يلزم جميع الشركاء على المساهمة في أرباح وخسائر الشركة، وبما أن المساهمة ركن من أركان العقد فإذا تخلف أو بطل هذا الركن أصبحت الشركة باطلة، ولما كان شرط الأسد يخالف المادة 426 فإذا وجد يبطل الشرط والعقد معا، ويختلف شرط الأسد باختلاف نوع الشركات فإذا وجد في شركات الأشخاص وبالخصوص في شركة التضامن يبطل الشرط والعقد معا، لأن نية الاشتراك أكثر ظهورا في هذا النوع من الشركات التي يسأل فيها الشركاء عن ديون الشركة مسؤولية مطلقة، أما وجود شرط الأسد في شركة الأموال مثل شركة المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة فلا يؤدي إلى بطلان عقد الشركة ولكن يكون الشرط لوحده باطلا لأن الشركاء جميعا يسألون عن ديون الشركة مسؤولية محدودة، إلا أن الفقرة 2 من المادة 426 تجيز الاتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم سوى عمله من كل مساهمة في الخسائر على شرط ألا يكون قد قررت له أجرة ثمن عمله، وهذا الاستثناء على القاعدة إنما هو استثناء ظاهري أكثر منه استثناء حقيقي، ذلك أن الشريك في العمل الذي لا يتقاضى أجرا عن عمله يكون قد تحمل في خسارة الشركة ضياع وقته وجهده بلا مقابل، وإذا قدم الشريك إلى الشركة حصة مالية نقدية كانت أم عينية وأخرى بالعمل فلا يجوز الاتفاق على إعفاء حصته المالية من أية خسارة.

المطلب التاسع: طريقة توزيع الأرباح والخسائر

الشركاء أحرار في تحديد النصاب العائد إليهم في أرباح الشركة وخسائرها، فالعبرة فيما اتفقوا عليه في العقد بشرط مراعاة عدم حرمان شريك من الأرباح أو إعفائه من الخسارة، ويطلق على مثل هذا الشرط إن وجد في عقد الشركة بشرط الأسد قياسا على خرافة الأسد الذي اشترك في الصيد مع غيره من وحوش الغابة، ولما حان وقت توزيع الغنائم استأثر بها وحده ولم يجرؤ شركاؤه على معارضته نظرا لقوته وهيمنته، كما تسمى الشركة في هذه الحالة بشركة الأسد، والشركة التي تتضمن شرط الأسد تعد باطلة لأنها تتنافى مع طبيعة عقد الشركة، فالمشرع الجزائري يسمح في حال وجود اتفاق بين الشركاء بأن لا توزع أرباح الشركة وخسائرها بالتساوي أو أن تتساوى نسبة الاشتراك في الأرباح مع نسبة الاشتراك في خسارة أو أن يكون نصيب كل من الشركاء في الأرباح والخسائر بنسبة حصته في رأس مال الشركة، بل المهم أن ينال كل شريك نصيبا في الأرباح والخسائر قل هذا النصيب أو أكثر، وعند عدم النص في عقد الشركة على قواعد التوزيع للأرباح والخسائر وجب إتباع القواعد القانونية المنصوص عليها في المادة 425 من القانون المدني جزائري التي تقضي بما يلي: " إذا لم يبين عقد الشركة نصيب كل واحد من الشركاء في الأرباح والخسائر كان نصيب كل واحد منهم بنسبة حصته في رأس مال الشركة، فإذا اقتصر العقد على تعيين نصيب الشركاء في الأرباح وجب اعتبار هذا النصيب في الخسارة أيضا، وكذلك الحال إذا اقتصر العقد على تعيين النصيب في الخسارة، وإذا كانت حصة أحد الشركاء مقصورة على عمله وجب أن يقدر نصيبه في الربح والخسارة حسب ما تفيده الشركة من هذا العمل فإذا قدم فوق عمله نقودا أو شيئا آخر كان له نصيب عن العمل وأخر عما قدمه فوقه".

المرجع :


  1. أ.عمورة عمار، شرح القانون التجاري الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2016، من ص 131 إلى ص 141.
google-playkhamsatmostaqltradent