إثبات الجنسية الجزائرية ومنازعاتها

إثبات الجنسية الجزائرية ومنازعاتها

إثبات الجنسية الجزائرية ومنازعاتها

سنتناول بالبحث والتحليل كل من مسألة إثبات الجنسية الجزائرية (المبحث الأول)، وأيضا المنازعات التي قد تنشأ بخصوص الجنسية الجزائرية إثباتا أو نفيا (المبحث الثاني).

المبحث الأول: إثبات الجنسية الجزائرية

يقع عبء الإثبات على المدعي بدعوى او بدفع بأن الشخص يحمل الجنسية الجزائرية تبعا لما يدعيه وكذا الأمر إذا تعلق بجنسية شخص آخر إثباتا أو نفيا، ويستخلص هذا الحكم من المادة 31.

أما محل الإثبات في الجنسية فيتمثل في التمتع او عدم التمتع بها، وعموما فإن أراد الشخص إثبات تمتعه بالجنسية الجزائرية وجب عليه إثبات الشروط التي بتوافرها يكتسب الشخص الجنسية الجزائرية، فمتى لم تكن له الجنسية الجزائرية أصلا فيتعين عليه إثبات تخلف أحد شروط اكتسابها، أما إذا كان قد اكتسبها ثم فقدها فيجب عليه إثبات حالة من حالات الفقد.

المطلب الأول: إثبات التمتع بالجنسية الجزائرية

نميز هنا بين ما إذا كان المطلوب إثبات التمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية (الفرع الأول) أو المكتسبة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: إثبات الجنسية الجزائرية الأصلية

تختلف أدوات الإثبات بحسب ما إذا كانت الجنسية الجزائرية الأصلية المطلوبة الإثبات تقوم على أساس المادة السادسة أي حق الدم (أولا)، أو تستند إلى المادة السابعة أي حق الإقليم (ثانيا).

أولا: إثبات الجنسية الأصلية بالنسب

يتضح من نص المادة 32 أن الجنسية الجزائرية الأصلية عن طريق النسب تثبت بوجود أصلين ذكرين من جهة الأب أو من جهة الأم (تبعا لتعديل المادة السادسة بموجب الأمر 05/01) مولودين بالجزائر ومتمتعين بالشريعة الإسلامية وتثبت الجنسية الجزائرية وفقا للمادة 34 في هذه الحالة بشهادة يسلمها وزير العدل أو سلطة مؤهلة لذلك، والسلطة المؤهلة لذلك هي المحاكم أين يتحصل الشخص على الجنسية بعد تقديمه طلبه للقاضي الذي يتولى تسليمها له تبعا لمدى توافر الوثائق التي يتطلبها حصوله عليها.

1- وسائل الإثبات المعتادة

وفقا للمنشور الوزاري رقم 1 لسنة 1997 الصادر عن وزارة العدل، نميز هنا بين ما إذا كانت النسب إلى الأب الجزائري أو إلى الأم الجزائرية:

1- 1- نسبه الولد إلى الأب الجزائري

وهنا أيضا نميز بين ثلاث حالات، وهي:

أ- الولد المولود من أب ذي جنسية جزائرية أصلية

تسلم له شهادة الجنسية في هذه الحالة بناء على تقديم الوثائق التالية:

- شهادة ميلاد الطالب، مستخرجة من مكان تسجيل ميلاده (نسخة كاملة).

- شهادة ميلاد الأب، صادرة من مكان ميلاده (نسخة كاملة).

- شهادة ميلاد الجد، صادرة من مكان ميلاده.

ويشترط أن تكون جميع الوثائق مطابقة لسجل قيد المواليد الموجودة لدى مصلحة الحالة المدنية الكائنة بالبلدية التي ولد الشخص بها.

ب- الولد المولود بعد اكتساب الأب الجنسية الجزائرية

وتشترط الوثائق التالية:

- شهادة ميلاد المعني – نسخة من مرسوم اكتساب الأب الجنسية الجزائرية.

ج- من أثبت القضاء لأبيه جنسيته الأصلية

تشترط الوثائق التالية:

- شهادة ميلاد المعني – شهادة ميلاد الأب – نسخة تنفيذية للحكم القضائي النهائي المثبت للأب جنسيته الجزائرية الأصلية.

1-2- نسبة الإبن لأم جزائرية

ونميز أيضا بين ثلاث حالات ممكنة:

أ- الولد المولود من أم ذات جنسية جزائرية أصلية: وتشترط الوثائق التالية:

- شهادة ميلاد المعني.

- شهادة الجنسية الجزائرية للأم أو الوثائق الثبوتية لذلك وهي: شهادة ميلادها وشهادة ميلاد أبيها، وشهادة ميلاد جدها.

ب- الولد المولود بعد اكتساب الأم الجنسية الجزائرية: وتشترط الوثائق التالية:

- شهادة ميلاد المعني – نسخة من مرسوم إكتساب الأم الجنسية الجزائرية.

ج- من أثبت القضاء لأمه جنسيتها الجزائرية الأصلية: وتشترط الوثائق التالية:

- شهادة ميلاد المعني – شهادة ميلاد الأم – نسخة تنفيذية للحكم القضائي النهائي المثبت للأم جنسيتها الجزائرية الأصلية.

واقعيا تظهر صعوبات تصادف المواطن في سبيل الحصول على شهادة جنسية لعدم تمكنه من تقديم شهادة ميلاد الأب أو شهادة ميلاد الجد لكونهما غير مسجلين بالحالة المدنية.

ومن أجل تفادي هذه الإشكاليات صدرت تعليمة وزارية تحت رقم 95/32 بتاريخ 8/9/1995 تضمنت ما يلي:

- حالة عدم توافر شهادة ميلاد الأب أو شهادة ميلاد الجد: إرفاق ملف طالب الجنسية بشهادة وفاة الأب على أن تتضمن هذه الأخيرة تاريخ ومكان الولادة ونفس الوضع بالنسبة لعدم وجود شهادة ميلاد الجد.

- حالة قبول عقد اللفيف بالنسبة للجد فقط: في حالة عدم وجود شهادة ميلاد ووفاة الجد بسبب عدم تسجيله بالحالة المدنية، يرفق طالب الجنسية ملفه "عقد لفيف" للجد شرطه أن يكون الشاهدين مولودين في الفترة الزمنية التي ولد فيها الجد، وتكون الكلمة للمحكمة إن ظهر ما يخالف صحة هذا العقد.

2- وسائل الإثبات الأخرى

يتضح من نص المادة 32/2 من قانون الجنسية الجزائرية أن للشخص أن يثبت تمتعه بالجنسية الجزائرية بجميع وسائل الإثبات كشهادة الشهود أو القرائن وغيرها وخاصة بحيازته للحالة الظاهرة التي تبين أنه يتمتع بحقوقه الوطنية، ويسلك في ذلك سلوك الفرد المنتمي للدولة على مختلف الأصعدة الاجتماعية أو السياسية أو غيرها.

وحسب ذات الفقرة من المادة 32 فإن حيازة الحالة الظاهرة للمواطن الجزائري عن مجموعة من الوقائع العلنية المشهورة المجردة من كل التباس والتي تثبت أن المعني بالأمر وأبويه كانوا يتظاهرون بالصفة الجزائرية وكان يعترف لهم بهذه الصفة لا من طرف السلطات العمومية فحسب بل وحتى من طرف الأفراد.

ويقصد بالحالة الظاهرة أن يظهر الشخص بمظهر الوطني، وبعبارة أخرى فإن الحالة الظاهرة ما هي إلا مجموعة من العناصر تتوافر في حق شخص فيستشف منها ممارسته فعلا للجنسية الوطنية، وهو استنباط يقوم على افتراض هو أن الظاهر يترجم الحقيقة، وتتكون الحالة الظاهرة من ثلاثة عناصر تحدث معا فعلها، ولا يحدث الواحد منها وحده أي أثر، ألا وهي الاسم والمعاملة والشهرة، فمن تشهد له الحالة الظاهرة بكونه متمتعا بالجنسية الجزائرية فيعد كذلك، وهي تشهد له متى توافرت عناصرها بأن يكون حاملا لاسم جزائري، ويتحقق أنه عوامل باعتباره جزائريا كممارسته لحق الانتخاب أو دعوته لداء الخدمة العسكرية وبالإضافة إلى شهرته بين الناس على أنه جزائري.

على أن إثبات حيازة الحالة الظاهرة لا يقتصر على الشخص المعني للجنسية فقط وإنما يمتد إلى أبويه المباشرين أي الأب والجد إذا كان المطلوب هو الانتساب إلى الأب، أو أب أمه وجدها إذا كان المطلوب الانتساب من جهة الأم.

ثانيا: إثبات الجنسية الأصلية المبنية على حق الإقليم

بحسب المادة 7 من قانون الجنسية الجزائرية، هناك حالتين للحصول على الجنسية الجزائرية الأصلية استنادا إلى حق الإقليم، وبحسب الحالة تختلف الوسيلة الثبوتية على النحو التالي:

1- الأولاد المولودين بالجزائر من أبوين مجهولين (المادة 07 فقرة 01)

ويتم إثبات الجنسية هنا بشهادة ميلاد المعني فقط.

2- الأولاد المولودين في الجزائر من أم مسماة فقط (الأطفال المسعفين) (المادة 07 الفقرة 2)

نصت المادة 32/5 من قانون الجنسية بأن إثبات الجنسية في هذه الحالة يتم بتقديم شهادة ميلاد المعني وشهادة أخرى تسلمها الهيئات المختصة، وقد بين المنشور الوزاري سالف الذكر أن هذه الشهادة تسلم من طرف المديرية المكلفة بالطفولة المسعفة تثبت عدم معرفة الأم المذكور اسمها في شهادة ميلاد المعني.

الفرع الثاني: إثبات الجنسية الجزائرية المكتسبة

أولا: إثبات الجنسية الجزائرية المكتسبة بالزواج: (المادة 09 مكرر)

وفقا للمادة 33 التي تنص "يثبت اكتساب الجنسية الجزائرية بنظير المرسوم "فإن من يدعي اكتسابه للجنسية الجزائرية بزواجه من جزائري فإن عليه الاستشهاد بالمرسوم الذي بناء عليه اكتسبها، ويمكن اكتساب الجنسية الجزائرية بالزواج من جزائري أو جزائرية بموجب مرسوم متى توافرت الشروط المنصوص عليها بالمادة 09 مكرر، وبعد تشكيل ملف اكتساب الجنسية التالي:

- نسخة من عقد الميلاد – نسخة من سجل عقد الزواج – نسخة من صفيحة السوابق القضائية رقم 03 – شهادة الجنسية الجزائرية الخاصة بالزوج (الزوجة) – شهادة الإقامة لرقم 04 تسلمها المصالح المختصة – ثلاث صور فوتوغرافية لتحقيق الهوية – شهادة عمل أو نسخة من السجل التجاري – مستخرج من مصلحة الضرائب (شهادة عدم الخضوع للضرائب).

ثانيا: إثبات الجنسية المكتسبة عن طريق التجنس

يثبت المتجنس اكتسابه للجنسية الجزائرية بتقديمه للمرسوم الرئاسي الذي منحه الجنسية وذلك طبقا للمادة 33 السالفة الذكر.

ولاكتساب الشخص الجنسية الجزائرية باتباع طريق التجنس لزم في حقه توافر الشروط المنصوص عليها بالمادة 10، فضلا عن تشكيل ملف التجنس الذي يستوجب توافر الوثائق التالية:

- نسخة من عقد الميلاد – صفيحة السوابق العدلية رقم 03 – شهادة إقامة رقم 04 تسلمها المصالح المختصة – شهادة عدم الفقر – شهادة طبية تثبت سلامة الجسم والعقل – شهادة العمل أو البطاقة المهنية أو ضورة من السجل التجاري – نسخة من عقد الزواج – نسخ من عقود ميلاد الأولاد القصر – مستخرج من مصلحة الضرائب (شهادة عدم الخضوع للضرائب) – ثلاث صور فوتوغرافية لتحقيق الهوية.

ثالثا: إثبات الجنسية المكتسبة عن طريق الإسترداد

حسب المادة 33 سالفة الذكر، فإن إثبات إكتساب الجنسية يتم عن طريق نظير المرسوم المتضمن إكساب الشخص المعني الجنسية الجزائرية.

رابعا: إثبات الجنسية المكتسبة عن طريق المعاهدة

طبقا للفقرة الثانية من المادة 33 فإن من اكتسب الجنسية الجزائرية عليه أن يتبع طرق الإثبات المبينة في المعاهدة، وبالتالي عليه التقيد بها دون اللجوء لطرق أخرى.

المطلب الثاني: إثبات فقدان الجنسية والتجريد منها وسحبها

نتناول هنا إثبات فقدان الجنسية (الفرع الأول)، ثم إثبات التجريد منها (الفرع الثاني)، وأخيرا إثبات سحبها (الفرع الثالث).

الفرع الأول: إثبات فقدان الجنسية الجزائرية

يتم إثبات فقدان الجنسية الجزائرية في الحالات التي تضمنتها المادة 18 في فقرتها الأولى والثانية والثالثة طبقا للمادة 35 من قانون الجنسية المعدل والمتمم بتقديم المرسوم المتضمن الفقد. والأمر 05/01 يجعل إثبات فقد الجنسية في كل الحالات يتم بالوثيقة المتضمنة للفقدان أو نسخة رسمية منها، وهو ما يتضح من خلال نصها "بنظير المرسوم".

أما عن الحالة الرابعة المتعلقة بحالة تخلي أولاد الأجنبي القصر وتنازلهم عن الجنسية الجزائرية في المدة المقررة لهم فإن إثبات الفقدان يتم بالإدلاء بشهادة من وزير العدل تثبت أن التصريح بالتخلي كان قد وقع عليه بصورة قانونية، وهو نفس الحكم الذي كان قانون الجنسية قبل تعديله ينص عليه.

الفرع الثاني: إثبات التجريد من الجنسية الجزائرية

وفقا لأحكام المادة 35 فإن الفقرة الأخيرة منها نصت على أن إثبات التجريد يتم بنظير المرسوم، فيما كانت هذه الفقرة قبل تعديلها تقضي بالإثبات بتقديم الوثيقة التي أعلنت عن التجريد أو نسخة رسمية منه والمقصود بها هو المرسوم لكون التجريد يتم بموجب مرسوم.

الفرع الثالث: إثبات سحب الجنسية الجزائرية

بما أن من تسحب منه الجنسية كان مكتسبا لها بموجب مرسوم التجنس فإن إسقاطها عنه يتم بذات الطريقة حيث قضت بذلك المادة 13، وعليه فالسحب يتم بمرسوم، إذ لم يورد المشرع أي تعديل بشأن إثبات نزع الجنسية الجزائرية باتباع إجراء السحب.

أخيرا، تضمنت المادة 36 من قانون الجنسية الجزائرية بأنه في جميع الحالات يتم إثبات التمتع بالجنسية الجزائرية سواء كانت أصلية أو مكتسبة أو عدم التمتع بها بتقديم نسخة تنفيذية للحكم القضائي النهائي الذي بت في منازعة الجنسية، وفي مثل هذا الحالات يكفي الشخص أن يقدم ملفا يتضمن شهادة ميلاده ونسخة تنفيذية عن الحكم القضائي.

المبحث الثاني: المنازعات الخاصة بالجنسية الجزائرية

تضمن قانون الجنسية الجزائرية إلى جانب الأحكام الموضوعية سالفة الذكر، القواعد الإجرائية الخاصة بالمنازعات التي تنشأ بسبب الدعاوى التي ترفع من المعني بالأمر أو من الغير بغية إثبات تمتعه أو عدم تمتعه بالجنسية الجزائرية.

ومن البداية يجب أن نشير إلى ورد في المادة 30 من الأمر 70/86 ما يلي: "تختص المحكمة الإدارية بالبت في الطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة ضد المقررات الإدارية في قضايا الجنسية". وكان المعمول به آنذاك، وطبقا لقانون الإجراءات المدنية في المادة 231 بأن الطعن بالإلغاء في القرارات المركزية (قرار وزير العدل) يرفع وجوبا أمام الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا (مجلس الدولة بعد صدور القانون العضوي رقم 98/01 المؤرخ في 30 ماي 1998 المنظم لمجلس الدولة) ليصدر قرارا ابتدائيا نهائيا في هذا الشأن.

وكانت منازعات الإلغاء توجه ضد المراسيم الرئاسية المتضمنة منح الجنسية أو سحبها أو استردادها أو فقدانها أو تجريد الشخص منها، وإما أن توجه ضد القرارات الصادرة عن وزير العدل بشأن الطلبات والتصريحات المقدمة لاكتساب الجنسية أو التنازل عنها أو استردادها.

غير أنه بعد صدور الأمر رقم 05/01 المعدل والمتمم للأمر 70/86، ألغى المشرع الجزائري المادة 30، ولم يفهم ما إذا كان هذا الإلغاء يعني استبعاد المشرع الجزائري لطرح أي منازعة إدارية في مادة الجنسية؟ أم أن المشرع إرتأى الإكتفاء بالقواعد العامة للمنازعة الإدارية المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية؟

في الحقيقة تعد الإجابة على هذا السؤال صعبة بالذات مع افتقاد الاجتهادات القضائية الصادرة عن القضاء الإداري أو القضاء العادي في هذا الصدد، حيث يشير الأستاذ "مقني بن عمار" مثلا أنه لم يعثر على أي قرار قضائي سواء صادر عن المحكمة العليا أو عن مجلس الدولة في هذا النوع من المنازعات ومع ذلك نعتقد أنه ليس هناك ما يمنع من الطعن في القرارات الإدارية الخاصة بمادة الجنسية، وبالذات القرارات ذات الطابع العقابي مثل قرارات سحب الجنسية أو التجريد منها، وفقا للقواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

عموما سوف نقتصر في هذا الجزء من الدراسة على المنازعات الخاصة بالجنسية التي يؤول الاختصاص بشأنها إلى القضاء العادي على نحو ما تناولته المواد من 37 إلى 40 من قانون الجنسية الجزائري.

المطلب الأول: منازعة الجنسية وأطرافها وتحديد المحكمة المختصة

نتعرض بداية لموضوع منازعة الجنسية وطرق إثارتها (الفرع الأول)، ثم أطراف منازعة الجنسية (الفرع الثاني) وأخيرا نتناول المحكمة المختصة (الفرع الثالث).

الفرع الأول: موضوع منازعة الجنسية وطرق إثارتها

يتضح إذا مما تضمنته المادة 38 أن موضوع دعاوى الجنسية لا يخرج عن كونه طلب لاستصدار حكم قضائي بتمتع شخص ما بالجنسية الجزائرية أو استصدار حكم بعدم تمتعه بتلك الجنسية، وبالتالي لا مجال لرفع دعوى جنسية لإثبات تمتع أو عدم تمتع شخص بجنسية أجنبية، لما في تدخل في سيادة دولة أجنبية.

وبالرجوع إلى المادتين 37 و 38 من قانون الجنسية الجزائرية، يتضح أن هناك طريقين لإثارة منازعة الجنسية أمام القضاء الجزائري وهما:

أولا: الدعوى الأصلية

استعمل المشرع الجزائري في المادة 38 عبارة "يكون موضوعها الأصلي" للتعبير عن دعوى الجنسية الأصلية، وتعرف الدعوى الأصلية بأنها: "الدعوى التي يختصم فيها الفرد والدولة بصفة أصلية ومستقلة ويطلب فيها الحكم بثبوت الجنسية أو نفيها"، ويسمى الفقه هذا النوع من الدعاوى بـ "الدعوى الأصلية أو المجردة".

وميزة هذا النوع من الدعاوى أنه لا وجود مسبق لنزاع مطروح أمام القضاء يحتاج الفصل فيه إلى الفصل في مسألة الجنسية، وإن المنازعة نشأت أصلا لتقرير تمتع الفرد أو عدم تمتعه بالجنسية، ولا وجود لطلبات أخرى.

ثانيا: الدفع في دعوى أخرى

تضمنت الفقرة الثالثة من المادة 37 وسيلة أخرى للنظر في منازعات الجنسية وهي الدفع في دعوى أخر "وعندما تثار هذه المنازعات عن طريق الدفع أمام المحاكم الأخرى..." وتسمى أيضا لدى بعض الفقه بالدعوى الفرعية، أو المنازعة في الجنسية التي تتخذ مسألة أولية.

إن الفرضية التي تعالجها الفقرة الثالثة من المادة 37 هي تلك الحالة التي تنشأ عن دعوى قضائية أصلية منظورة أمام القاضي المدني أو التجاري أو الإداري أو الجنائي يكون موضوعها الأصلي منازعة مدنية أو تجارية أو إدارية بعيدة عن منازعة الجنسية، غير أنه تتم إثارة دفع بتمتع أو عدم تمتع أحد الخصوم بالجنسية، وكانت مسألة الفصل في الجنسية مسألة أولية يتعين الفصل فيها من أجل الفصل في المنازعة الأصلية المنظورة امام القاضي.

إن المادة 37/3 تفرض على القاضي الذي يثار أمامه الدفع الخاص بالجنسية بتأجيل الفصل في الدعوى الأصلية حتى يتم البت في الدفع من قبل المختصة محليا.

وبعد إنتهاء أجل الشهر وحلول الجلسة الموالية بعد التأجيل، يتعين على الطرف الذي دفع بالجنسية أن يثبت أن الدعوى الجنسية تم رفعها أمام الجهة المختصة، وهنا سوف يضطر القاضي إلى وقف الفصل في الدعوى لغاية البت في مسألة الجنسية، وإذا لم ترفع دعوى الجنسية كان للقاضي أن يتجاهل الدفع والفصل في الدعوى المنظورة أمامه.

الفرع الثاني: أطراف منازعة الجنسية

تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في كل منازعات الجنسية، حيث نصت المادة 37/2 من قانون الجنسية على ما يلي: "... وتعد النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذا القانون"، ويقصد بالطرف الأصلي أن تكون النيابة العامة مدعية أو مدعى عليها.

ويكون الطرف الثاني في منازعة الجنسية الفرد المتنازع في جنسيته سواء بوصفه مدعيا أو مدعى عليه، مع ملاحظة أن النيابة العامة هي الوحيدة التي يمكن أن يكون طرفا مدعيا في منازعات الجنسية بحسب ما ورد في المادة 38/2 من قانون الجنسية الجزائري.

أضافت المادة 38/1 بأنه لا يجب على الشخص في الحالة التي يرفع فيها دعوى قضائية ضد النيابة العامة أن يضر بحق تدخل الغير، والغير هو كل شخص له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في دعوى الجنسية، ولكنه لا يمكن أن يكون طرفا أصليا في المنازعة لأنه يفترض فيه في هذه الحالة أن يكون طرفا مدعيا، وهي الإمكانية غير متاحة لأن المشرع جعل من النيابة العامة دون غيرها صاحبة هذه الصفة بحسب المادة 38/2 من قانون الجنسية.

وبناءا على ما سبق إذا أرادت السلطات العامة رفع دعوى متعلقة بالجنسية فعليها أن تطلب من النيابة العامة القيام بذلك لأنها لا يمكن أن تكون (أي السلطة الإدارية) طرفا مدعيا في منازعة الجنسية، ومتى تم توجيه الطلب على النحو سالف الذكر إلتزمت النيابة العامة برفع الدعوى وجوبا إذا لا تملك في هذه الحالة السلطة التقديرية وتقدير مدى جدوى الدعوى من عدمها، وهذا ما نصت عليه المادة 38/2 من قانون الجنسية الجزائري، وبمفهوم المخالفة إذا ما تلقت النيابة العامة طلبا لرفع الدعوى من شخص يطعن في جنسيته شخص آخر، فإن النيابة العامة تملك السلطة التقديرية لرفع تلك الدعوى أو الامتناع عن رفعها.

الفرع الثالث: الاختصاص القضائي في منازعات الجنسية

مثل أي منازعة قضائية، لا تكون منازعة الجنسية مقبولة إلا إذا رفع الدعوى أمام الجهة القضائية المختصة نوعيا (أولا) ومحليا (ثانيا).

أولا: الاختصاص القضائي النوعي في منازعات الجنسية

نصت المادة 37/1 من قانون الجنسية الجزائري على ان: "تختص المحاكم وحدها بالنظر في المنازعات حول الجنسية الجزائري". ويقصد بالمحاكم الواردة في المادة سالفة الذكر بأنها المحكمة الابتدائية على مستوى القضاء العادي.

وأمام عدم تعرض المشرع الجزائري لدعاوى الجنسية وتحديد القسم المختص بنظرها، ينبغي الرجوع إلى القواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية والتي تجعل من القسم المدني هو القسم العام مثلما نصت على ذلك المادة 32/5.

ثانيا: الاختصاص القضائي المحلي في منازعات الجنسية

لم يحدد قانون الجنسية الجزائري المحكمة المختصة محليا في نظر منازعات الجنسية، مما يحتم الرجوع إلى قانون الإجراءات المدنية والغدارية، ويتضح من هذا الأخير أن المشرع لم يضمن ي إشارة إلى دعاوى الجنسية في المواد من 37 إلى 40 التي حددت أحكام الاختصاص المحلي للمحاكم، وعليه يجب تطبيق المبدأ العام الوارد في المادة 37 من والتي تنص على: "يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع في دائرة إختصاصها موطن المدعى عليه، وإن لم يكن له موطن معروف فيعود الاختصاص للجهة القضائية التي يقع فيها آخر موطن له، وفي حالة اختيار موطن، يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع فيها الموطن المختار...".

المطلب الثاني: الإجراءات المتعلقة بالخصومة في منازعات الجنسية والأحكام الصادرة بشأنها

عندما تكون دعوى الجنسية مرفوعة ضد النيابة العامة، فإن هذه الأخيرة تلتزم بتبليغ نسخة من العريضة إلى وزير العدل مثلما نصت على ذلك المادة 39 من قانون الجنسية "عندما تقم العريضة من قبل أحد الأشخاص يتعين على النيابة العامة أن تبلغ نسخة منها إلى وزير العدل". ولا تملك المحكمة النظر في الدعوى إلا بعد مرور فترة 30 يوما من تاريخ الإخطار، وهذا حتى تتمكن وزارة العدل من تزويد النيابة العامة بالبيانات والمستندات الخاصة بقضية الحال.

وإبتداءا من تسجيل القضية، تصبح القضية قابلة للتحقيق، وفي هذا الصدد تنص المادة 39 من قانون الجنسية الجزائري على أنه: "يجري التحقيق والحكم في النزاعات حول الجنسية الجزائرية وفقا لقواعد الإجراءات العادية" أي وفقا لقواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

وفي حالة ما إذا طرحت مسألة تفسير اتفاقية دولية متعلقة بالجنسية، تتولى النيابة توجيه طلب إلى وزارة الشؤون الخارجية لتقوم هذه الأخيرة بتقديم التفسير الصحيح لأحكام هذه الاتفاقية الذي يجب أن تتقيد به المحاكم، وهذا يعني من جهة أخرى أنه ليس من مهمة القاضي تفسير النص الاتفاقي الدولي.

وبينت المادة 39/1 من قانون الجنسية الجزائري بأنه يجري الحكم في النزاعات حول الجنسية الجزائرية وفقا للقواعد الإجرائية العادية" أي وفقا لقواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

على أن تكون الأحكام المتعلقة بالنزاعات حول الجنسية قابلة للاستئناف (المادة 37/4 من قانون الجنسية) أمام الغرفة المدنية بالمجلس القضائي، والحقيقة إن تخصيص المادة 37/4 لطريق الطعن بالاستئناف دون غيره، لا يعني أن هذا الحكم غير قابل للطعن وفقا للطرق الأخرى العادية أو غير العادية لأن القول بعكس ذلك يحتاج إلى نص وهو ما لا يتوافر في أحكام قانون الجنسية أو غيره من القوانين.

أما بالنسبة لحجية الحكم الصادر في منازعة الجنسيةّ، فيلاحظ تراجع المشرع الجزائري في التعديل الجديد لعام 2005 عن موقفه السابق في ظل الأمر 70/86، حيث يتبين من المادة 40 المعدلة أن المشرع قام بحذف عبارة "وتكون لها قوة الشيء المحكوم به بالنسبة للغير

 الموجودة في النص القديم والتي كانت تعني بأن الحكم الصادر في المنازعة ذا حجية مطلقة، وبالتالي فإن القراءة الحالية للمادة 40 تبين أن المشرع تبني قاعدة الحجية النسبية للأحكام الصادرة في مادة الجنسية.

أخيرا فإن الأحكام الصادرة في منازعة الجنسية ينبغي أن تنشر في إحدى الجرائد اليومية الوطنية، وتعلق بلوحة الإعلانات بالمحكمة المختصة وفقا لما تضمنته المادة 40 من قانون الجنسية الجزائري.

المرجع:

  1. أ. بوجلال صلاح الدين، محاضرات في مادة الجنسية، جامعة سطيف 2، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، السنة الجامعية 2013/2014، الجزائر، ص27 إلى ص36. 
google-playkhamsatmostaqltradent