مداخلة بعنوان: تكريس حقوق الإنسان في قانون الأسرة الجزائري بقلم د. جنادي نسرين

الصفحة الرئيسية

مداخلة بعنوان: تكريس حقوق الإنسان في قانون الأسرة الجزائري بقلم د. جنادي نسرين

مداخلة بعنوان: تكريس حقوق الإنسان في قانون الأسرة الجزائري بقلم د. جنادي نسرين

مداخلة بعنوان: "تكريس حقوق الإنسان في قانون الأسرة الجزائري"

من إعداد: د. جنادي نسرين (أستاذة مساعدة قسم – أ- بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة الشلف)

مقدمة:

مما لاشك فيه أنّ الأسرة هي نواة المجتمع والخلية الأساسية القاعدية له، تشكل الوحدة الطبيعية وأساس الحياة العاطفية حيث تزدهر بداخلها شخصية الفرد، تحظى بعناية فائقة من الأديان السماوية ومختلف القوانين والشّرائع الوضعية الوطنية والدّولية[1] بل منذ الحضارات القديمة كانت لها ميزة في مختلف شرائعها كالحضارة الفرعونية وحضارة بلاد الرافدين وهكذا إلى غاية عصر التنظيم الدّولي الذّي ازدادت في ظله العناية بها وأصبحت المواثيق والإعلانات الدّولية من أغزر المصادر القانونية في هذا الشّأن بدءا من ميثاق منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 وما تلاه من وثائق بوأت الفرد مكانة مرموقة ولم يعد التعامل معه مسألة تدخل في الإختصاصات الدّاخلية للدّول بل شأنا دوليّا سيما مجال حماية حقوقه وحرياته الأساسية بما فيها حقوقه الأسرية[2].
وفي الجزائر لم تكن مسألة حقوق الإنسان وليدة الاهتمامات الحديثة بالمسألة والأهمية المتزايدة التي اكتسبتها بمرور السنين بل بالعكس فهي متجذّرة في التاريخ العميق لبلدنا والتقاليد الإنسانية الراسخة في المجتمع الجزائري بفضله موروثه الروحي والثقافي العربي الإسلامي، وبذلك فقد واجهت دوما التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان، و بهذه الطريقة صادقت على عدد هام من الصّكوك القانونية الدّولية والإقليمية المتعلقة بترقية وحماية الحقوق والتّي كرستها في الدّستور وفي القوانين العادية[3] كقانون الأسرة خاصّة بعد تعديله[4] بكلّ ما يتعلق بحماية الأسرة ككل بدءا بالرابطة الزوجية سواءا عند قيامها أو إنهائها أين تظهر فيها مكانة المرأة المحفوظة بالإضافة إلى الطّفل باعتبارهما أضعف الفئات المكوّنة للأسرة، انه التعديل الذّي أسال الكثير من الحبر وما زال وقد كان الفضل يومها يعود بالدّرجة الأولى إلى المنظمات النسوية التّي استطاعت تمرير مطلبها هذا مستقوية بالمتغيّرات الدّولية أبرزها إعادة النظر في مسألة حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة والطفل وفقا لما نصّت عليه الإتفاقيات التّي صادقت عليها الجزائر هذا كله أفرز حتمية إعادة النظر فيه، هي موجة طالت كلّ دول المغرب والمشرق العربي فهي دولية بامتياز، هذا ما اكسب المجتمع المدني قوة الطرح ليصبح تعديله أمرا واقعيا فرضته المتغيّرات الدّولية[5]  
وعليه سنعالج من خلال هذه المداخلة الإشكالية التالية:
- ما هي أهمّ الأحكام التي تضمّنها قانون الأسرة الجزائري التي تُظهر جليا تأثره بنزعة حقوق الإنسان؟
وعليه تمّت الإجابة على هذه الإشكالية من خلال المحاور التالية:

المحور الأوّل: تأثير نزعة حقوق الإنسان على الرابطة الزوجية في قانون الأسرة الجزائري

إذا كانت الدّول الإسلامية تجتهد في صياغة تشريعا تها المتعلقة بالأسرة فإنها مع ذلك متأثرة بواقع التحولات العالمية المختلفة في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية سيما حقوق المرأة في سبيل لإرتقاء بها وتفعيل دورها في كلّ المجالات واكتساب حقوقها على قدم المساواة مع الرجل وبالفعل في قانون الأسرة الجزائري يظهر هذا التأثر من خلال الأحكام المتعلقة بالرابطة الزوجية سواءا عند قيامها أوفكّها وبذلك تظهر مكانة المرأة المميزة على ضوء ذلك[6].

أولا: تأثير نزعة حقوق الإنسان على الأحكام المتعلقة بقيام الرابطة الزوجية

يعتبر تنظيم علاقة الزواج أمرا حسّاسا جدّا لأنه مرتبط بالحياة الشخصية للأفراد من جهة  ومن جهة أخرى يمسّ في كثير من الحالات بمبادئ واعتقادات راسخة في أذهان أفراد المجتمع عبر أزمنة بعيدة أو ديانة معينة يدين بها هؤلاء، غير أنّ المشّرع في قانون الأسرة الجزائري حاول أن يراعي هذه المبادئ والإعتقادات وكذا أحكام الشريعة الإسلامية من خلال صياغته وفي نفس الوقت مراعيا للالتزامات الدّولية المتعلقة بحقوق الأسرة سيما المتعلقة بالمرأة عند إبرام عقد الزواج وقيام الرابطة الزوجية خاصّة بعد تعديله وتتمثل هذه الحقوق في:

1- الحقّ في الزّواج وتكوين أسرة

لقد نصّت مختلف الصّكوك الدّولية على هذا الحقّ منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادّة 16 منه حيث جاء فيها أنّ للرجل والمرأة متى بلغا سنّ الزواج حقّ التزوج وتأسيس أسرة دون أيّ قيد بسبب الجنس أو الدّين[7] كما نصّت على ذلك المادّة 23 فقرة 2 من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن يكون للرجل والمرأة ابتداءا من بلوغ سنّ الزواج حقّ معترف به في التزوّج وتكوين أسرة[8] والتزاما بذلك كرّس المشرع الجزائري هذا الحقّ في قانون الأسرة في المادّة 04 منه مع إضفاء نوع من القدسية عليه بحيث يكون الهدف من التمتع بالزواج ليس مجرد تكوين أسرة فحسب بل أسرة يكون أساسها المودّة والرحمة والتّعاون وإحصان الزوجين والمحافظة على الأنساب.

2- القبول الطوعي بالزواج

أن ينعقد الزواج برضا تام وكامل وحرّ مسألة نصّت عليها العديد من الصّكوك الدّولية المتعلقة بحقوق الإنسان بداية من اختيار الزوج إلى غاية تحديد ميعاد الزواج، خاصّة من جانب المرأة التّي يجب أن لا تتعرّض لأيّ نوع من الضّغط أو الإكراه مهما كان نوعه أو صفته عند إفصاحها بنية قبول الزواج من عدمه، وهذا ما جاء في نصّ المادة 23 فقرة 3 من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مؤكّدا أنه لا ينعقد أيّ زواج إلاّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضا كاملا لا إكراه فيه، وكذلك نجد هذا في نصّ المادة 01 من اتفاقية القبول الطوعي بالزواج والسنّ الدنيا للزواج وتسجيله[9] والتّي جاء فيها أنّ الزواج لا ينعقد قانونيا إلاّ برضا الطرفين رضاءا كاملا لا إكراه فيه وبإعرابهما عنه بشخصيهما بعد تأمين العلانية اللّازمة[10] كما أنّ نصّ المادة 16 فقرة- ب-  من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة تناول هذه المسألة وأكّد عليها من خلال أنّ الزواج لا ينعقد إلاّ برضا المرأة الحرّ والكامل[11]. 
وبالفعل كرّس المشرعّ الجزائري هذا الحقّ من خلال نصّ المادةّ 09 منه بعد التعديل سيما في الجانب المتعلق برضا المرأة  كتراجع عن التحفظ الذّي أبدته الجزائر على المادة 16 من إتفاقية القضاء على  كافّة أشكال التمييز ضدّ المرأة، وأعطى بذلك المرأة مثلها مثل الرجل تحقيقا للمساواة في الرضا أي الحقّ الكامل في التعبير عن إرادتها الحرة والكاملة في عقد الزواج من خلال القبول به أو رفضه هذا تماشيا مع الالتزام الدّولي حول تجسيد رضا المرأة الكامل والحرّ في عقد الزواج وجعل منه ركنا فإذا تخلف بطل عقد الزواج[12] هذا من أجل القضاء على الزواج القسري. 
وفي سبيل تكريس حقّ المساواة في الرضا بين المرأة والرجل كذلك أخرج المشرع الجزائري الوليّ من الأركان وجعله شرطا فقط كما عدّل المادة 11 وأصبح يفرق بين المرأة القاصرة والراشدة عند الزواج، بحيث أنّ هذه الأخيرة تعقد زواجها بحضورها وليها أو أحد أقاربها أو أيّ شخص آخر تختاره وتراه مناسبا وبذلك يكون المشرع الجزائري قد وسّع في حرية المرأة وجعلها تتماشى مع حرية الذمّة المالية وهذا ما نجده في المادة 10 فقرة 02 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة[13]، وحتىّ إن كانت قاصرة المشرع الجزائري في نصّ المادة 13 من القانون يمنع تزويج القاصرة جبرا سواءا من طرف أبيها أو غيرها دون موافقتها[14].

3- المساواة في سنّ الزّواج

لقد كافحت النساء في مختلف أنحاء العالم من أجل رفع سنّ الزّواج وفي هذا الإطار ألزمت إتفاقية القبول الطوعي بالزواج والسنّ الدنيا للزواج وتسجيله في المادّة 02 منها الدّول الأطراف باتّخاذ مجموعة من الإجراءات التشريعية اللازمة من أجل تحديد سنّ أدنى للزواج ومنع الأشخاص الذين لم يبلغوا هذا السنّ من إبرام عقد الزواج ما لم تقرر السّلطة المختصّة الإعفاء من شروط السنّ لأسباب جدّية لمصلحة الطرفين المزمع زواجهما، وفي هذا الصّدد اعتبرت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة خطوبة الطفل أو زواجه خالية من أيّ أثر قانوني ومع ذلك لم تحدّد هذه الوثائق السنّ القانوني للزواج تاركة المسألة للتقدير الخاص بكلّ دولة طرف فيها[15]، وبما أن الجزائر قد صادقت عليها وبموجب تعديل قانون الأسرة تمّ توحيد سنّ الزواج لكلّ من الرجل والمرأة بتمام 19 سنة وللقاضي أن يرخّص قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة متى تأكّدت قدرة الطرفين على الزواج.

4- الحقّ في تسجيل الزّواج

تسجيل عقود الزّواج عبارة عن حقّ وضمانة، خاصّة بيد النساء ليثبتن زواجهنّ ونسب الأبناء من جهة  وليتمتعن بالحقوق التّي تنجرّ على الزواج من جهة أخرى، وطبقا لهذه الأهمية نصّت المادة 03 من اتفاقية القبول الطوعي بالزواج السنّ الدّنيا للزواج وتسجيله على ضرورة توثيق كلّ عقود الزواج من قبل السّلطة المتخصّة فوق دفتر رسميّ وكذا نصّ المادة 16 فقرة 2 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة فانه يقع على عاتق الدّول الأطراف فيها الإلتزام باتّخاذ جميع الإجراءات الضّرورية بما في ذلك التشريعية منها لجعل تسجيل الزواج في سجلّ رسمي أمرا إلزامياّ[16]، وهذا ما كرسه المشرع الجزائري من خلال نصّ المادّة 18 بحيث يتمّ عقد الزواج أمام الموثق أو أمام موظف مؤهّل قانونا.

ثانيا: تأثير نزعة حقوق الإنسان على فكّ الرابطة الزّوجية

بالرغم من اعتبار المولى عزّ وجلّ الزواج ميثاقا غليظا في قوله تعالى "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا "[17] إلا أنّ بيت الزوجية قد لا يخلو في كثير من الأحيان من المشاكل قد تدوم وتستمرّ لا يجد لها الزوجين حلاّ فتتحوّل الحياة الزوجية من نعمة إلى نقمة ما يؤدّي إلى استحالتها واستمرارها في هكذا ظروف ومشاكل لذلك يتمّ اللجوء دوما إلى وسيلة الطّلاق كحلّ نهائي وجذري لكلّ ذلك[18].
وتقرّ الصكوك الدّولية بالطلاق لحلّ الرابطة الزوجية غير أنّ استئثاره لطرف واحد دون الطرف الآخر خاصة الزوج فذلك يعدّ خرقا لمبدأ المساواة بين الرجال والنساء، وأنّ التمييز في هذا المجال يجرد المرأة من إمكاناتها ويمكن أن يجعلها غير قادرة على اتّخاذ خطوات فعالة لطلب الحماية أو الخروج من وضع يتسم بلا مساواة[19]، نجد هذا في المادّة 16 فقرة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "للرجل والمرأة حقوق متساوية عند انحلال عقد الزواج"، إضافة لنصّ المادّة 23 فقرة 04 من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية "على الدّول الأطراف في العهد اتّخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق والمسؤوليات عند فسخ الزواج"، ونجد كذلك نصّ المادة 16 فقرة 01 –ج- من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة والتي ألزمت الدّول الأطراف فيها على اتّخاذ جميع التدابير المناسبة لضمان على أساس التساوي بين الرجال والنساء نفس الحقوق والمسؤوليات عند فسخ الزواج. 
وفي الجزائر نجد أنها صادقت وفي نفس الوقت تحفّظت على المادتين السالف ذكرهما من العهد والإتفاقية، بخصوص المادّة 23 فقرة 04 من العهد صرحت الجزائر بأنها تفسّرها بما لا يخالف المبادئ الأساسية للنظام القانوني الجزائري، ونفس الأمر يتعلق بالمادة 16 من اتفاقية القضاء على كافّة أشكال التمييز ضدّ المرأة حيث أعلنت آنذاك أنّ تطبيق المادّة لا بدّ أن لا يتعارض مع أحكام قانون الأسرة الجزائري[20]، غير أننا نلمس تغيّرا في هذه المواقف خاصّة في ظلّ قانون الأسرة الحالي بعد تعديله يظهر في تأثرّ المشرع الجزائري بها من خلال:

1- توسيع حقّ الزّوجة في التطليق

بحيث أضاف المشرع الجزائري ثلاث حالات جديدة بالإضافة إلى سبع حالات يحقّ للمرأة فيها التّطليق، وهي حالة وقوعها ضحية تدليس الزوج عند إعادة الزواج[21]، وحالة الشّقاق المستمرّ بين الزوجين والحالة الثالثة هي حالة مخالفة الشّروط المتفق عليها في عقد الزواج خاصّة شرط تعدّد الزوجات وعمل المرأة وهذا ما يتوافق مع نصّ المادة 11 المتعلقة بحقّ المرأة في العمل دون تمييز من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة[22].

2- حقّ الزّوجة في الخلع

تأثر المشرع الجزائري بالصّكوك الدّولية المتعلقة بحقوق المرأة يتضح من خلال مسألة الخلع التّي عدّل فيها بإضافة عبارة للمادّة 54 من قانون الأسرة الجزائري أعطى من خلالها حرية أكبر وحماية أوفر للمرأة عبارة "دون موافقة الزوج" يمكنها أن تخالع نفسها بمقابل مالي.

المحور الثاني: تأثير نزعة حقوق الإنسان على مكانة الطفل في قانون الأسرة الجزائري

بالتصديق على الإتفاقية الدّولية لحقوق الطفل[23] من طرف الجزائر أكّدت بذلك التزامها بازدهار الطفل وهذا ما انعكس بالفعل في التشريع والسّياسة الجزائرية ومنذ ذلك الحين حقّقت تقدّما كبيرا في مختلف مجالات حقوق الطفل بدءا باقرارها في الدّستور والتشريعات العادية وحمايتها[24]. 
ولعلّ ما تضمّنه قانون الأسرة الجزائري خاصّة بعد تعديله يظهر جليّا تأثر المشرع الجزائري بنزعة حقوق الإنسان في مجال حقوق الطفل من خلال إقرار  ومراعاة مصلحته الفضلى في أيّ حال من الأحوال ويظهرها من خلال: 

أولا: الحقّ في النّسب والعائلة

لقد أدخل المشرع الجزائري تعديلات على قانون الأسرة الجزائري فيما يتعلق بحماية الطفولة ومراعاة المصلحة الفضلى للطفل سيما حقّه في النسب سواءا أكان معلوم أو مجهول النسب تكريسا لما جاء في إتفاقيّة حقوق الطفل في المادّة 07 منها "يسجّل الطفل فورا بعد ولادته ويكون له الحقّ منذ ولادته في اسم والحقّ في اكتساب الجنسية، ويكون له قدر الإمكان الحقّ في معرفة والديه وتلقّي رعايتهما" وبما أنّ المادّة تشير لمعرفة الطفل لوالديه معناه يكون ذلك بمعرفة نسبه وأهله وأقاربه وبذلك تتفرع عن هذا جميع الحقوق التي تمكّنه من العيش في وسط عائلي يوفر له الرّفاهية والمحبة.
وقد نظم المشرع الجزائري هذه المسألة في المواد من 40 إلى 46 في قانون الأسرة الجزائري ويتعلق الأمر بالطفل المولود من عقد زواج صحيح أو حتّى غير صحيح مع توافر الفراش[25] بحيث اعترف للطفل الناتج عن هكذا زواج بالإنتساب لكلا والديه طبقا لنصّ المادّة 40 بحيث يثبت النسب بنكاح أو بكلّ زواج بعد الدّخول طبقا للمواد 32 33 و34 من قانون الأسرة الجزائري، وبذلك اعترف بحقّ الطفل في عائلة من خلال النسب لوالديه مضيفا طريقة أخرى غير التلاقي الجنسي سواءا أكان زواجا صحيحا أو غير صحيح التّلقيح الإصطناعي، غير أنّ طفل بن الزنا لم تنظم مسألة نسبه لوالده في قانون الأسرة الجزائري وإن كان يقرّ بثبوت نسبه لأمّه طبقا للمادتين 40 و41 بذلك قد أهدر تماما مصلحة الطفل بن الزنا بحرمانه من الإنتساب لأبيه وأكثر من هذا فهو بذلك يحمّله خطأ والديه وكذا المجتمع بحيث يصبح هذا الأخير ملزما بتحمّل أخطاء والدي هذا الطفل التي جعلته عبء عليه، إضافة إلى حرمانه من نسبه لأبيه سيشكّل ذلك فيه عقدة وخللا نفسيا، كما أنه عادة ما يؤدّي تحميل الأمّ وحدها نتائج فعل اشتركت فيه مع أب الطفل قد يدفعها إلى التخلص منه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يعدّ خرقا واضحا لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات والإلتزامات الوارد في المادّة 18 من إتفاقية حقوق الطفل القاضي بأنّ كلا الوالدين يتحمّلان مسؤوليات مشتركة عن تربية الطفل ونموه[26]. 
غير أنه فتح من خلال قانون الأسرة الجزائري في المواد 46 والمواد من 116 إلى المادة 125 منه المجال للكفالة إمّا بالنسبة للولد مجهول النسب أو معلوم النسب، وتتمّ بعقد أمام المحكمة أو الموثق[27]، وقد أقرت الكفالة إتفاقية حقوق الطفل كنظام بديل بالنسبة للدّول الإسلامية التّي تحرم التبني شرعا وقانونا، واعتبرتها إحدى الوسائل البديلة للطفل الذّي لا أسرة له التّي يجب أن تمنح لكلّ الأطفال الذّين لا عائل لهم[28].   

ثانيا: الحقّ في العيش في كنف أسرته

إن وجود الطفل مع أبيه وأمّه في محيط أسرة توفر له العناية، الإهتمام والحبّ والحنان طيلة فترة طفولته هو من أبسط حقوقه وأهمها، لذا فقد أولت الهيئات والمنظمات الدّولية العاملة في مجال الطفولة اهتماما خاصا بالتنشئة الأسرية كما أدرجت ضرورة حماية ومساعدة الأسرة والعمل على شمل الأسر في العديد من الصّكوك الدّولية المتعلقة بحقوق الطفل، أبرزها إتفاقية حقوق الطفل في ديباجتها حينما ذكرت أنّ الطفل كي تنمو شخصيته نموا كاملا ومتناسقا يجب أن ينشأ في بيئة عائلية في جوّ من السّعادة والمحبة والتفاهم، وهذا بالإضافة للمادّة 05 منها جاء فيها "تحترم الدّول الأطراف مسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين، أو عند الإقتضاء أعضاء الأسرة الموسّعة أو الجماعة حسبما ينصّ عليه العرف المحلي أو الأوصياء أو غيرهم من الأشخاص المسؤولين قانونا عن الطفل[29] ولم تكتف الإتفاقية بهذا فنصّت في مادتها 18 على أن تبذل الدّول قصارى جهدها لضمان الإعتراف بالمبدأ القائل إنّ كلا الوالدين أو الأوصياء القانونيين حسب الحالة المسؤولية الأولى عن تربية الطفل ونموه، وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمام رئيسي، وتضيف المادتين 20 و21 الإلتزام بضرورة العمل على تمتع الطفل برعاية والديه وباتّخاذ الإجراءات اللّازمة في حالة حرمانه من هذا الوسط العائلي وذلك بتهيئة له وسط بديل أي عدم فصل الطفل عن والديه وفي حالة انفصالهما لابدّ من رعايته وتكوينه بالرعاية البديلة هذا ما هو إلا تحقيق لمصالحه الفضلى[30].
وبالفعل كرست الجزائر ما تضمّنته الإتفاقية في هذا الشأن من خلال قواعد قانون الأسرة حتى في حالة تشتت أسرته من خلال انفصال الوالدين وذلك باقرار مجموعة من الحقوق لا شكّ بأّنها تضمن له العيش في وسط عائلي لكي ينشأ وينمو كما يجب تحقيقا لمصالحه الفضلى، ويظهر هذا في: 

1- الحضانة

نتيجة تأثره الكبير باتفاقية حقوق الطفل أقرّ المشرع الجزائري في قانون الأسرة للطفل الحقّ في الحضانة باعتبارها إحدى وسائل الرعاية البديلة عند انفصال والديه، وجعل من قاعدة مراعاة مصلحة المحضون المعيار الأساسي الذّي يعتمد القاضي عليه في تسبيب أحكامه المتعلقة بها سواءا صراحة أو ضمنا، هذا إضافة إلى مسألة ترتيب أصحاب الحقّ في حضانته حيث أحدث بتعديل المادّة 64 مخالفا لما أدلى به فقهاء الشّريعة الإسلامية انقلابا محاولا أن يساوي بين جهة الأمّ والأب وان أبقى الأولوية لجهة الأمّ كأوّل مرتبة لأنّ هذه الأخير أجدر لتحمّل هذه المهمّة مع مراعاة مصلحة المحضون فالتّرتيب الذّي جاء به المشرع ليس من النظام العام أي يمكن مخالفته إذا ثبت بالدّليل أنّ الأسبق في ممارسة الحضانة ليس أهلا للقيام بها، وأنّ غيره تباعا مؤهلين أكثر وبالتالي تبقى مسألة إثبات الأجدر للحضانة أمر موضوعي يخضع لسلطة القاضي التقديرية[31].

2- الزيارة

طبقا للمادّة 06 من اتفاقية حقوق الطفل التّي نصّت فقرتها الأولى على حقّ الزيارة للأزواج الذين هم في حالة انفصال، كرّس المشرع الجزائري في المادّة 64 من قانون الأسرة الحكم بحقّ الزيارة للزوج الآخر الذّي لم يحكم له بالحضانة، وعلى العموم فالزيارة ستوفر ولو قليلا للطفل الإتصال والديه (الحاضن والمحكوم له بالزيارة) وهذا بالطبع سيمنحه نوعا من الراحة النفسية لتجنب الشعور بالنقص جراء انفصال والديه ومن أجل المحافظة على توازن الطفل، ونظرا لهذه الأهمية يعتبر هذا الحقّ من الحقوق التي حماها القانون نظرا لأهميته البالغة ورعاية لمصلحة المحضون فقد رّتب عقوبات جزائية لمن يخلّ بهذا الحقّ أو يعبث به[32].

الخاتمة:

من خلال دراستنا لموضوع "تكريس حقوق الإنسان في قانون الأسرة الجزائري" توصّلنا في هذه الورقة البحثية إلى النتائج التالية: 
- تعديل قانون الأسرة الجزائري الأخير في 2005 أتى بعدّة تغييرات إيجابية تصبّ كلها في خانة تكريس حقوق الإنسان بما فيها على الأخصّ حقوق المرأة والطفل بعدما كان الأمر على عكسه في القديم لسنة 1984، حيث كانت المرأة تابعة للرجل سواءا في دورها كزوجة أو كأمّ وهذا متعارض مع روح اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة والإلتزامات الناتجة عنها.
- أكّد المشرع الجزائري من خلال تعديل المادة 09 من قانون الأسرة الجزائري على ركن الرضا عند إبرام عقد الزواج من الرجل والمرأة على السواء وهذا من أجل حماية النساء من أن يكنّ ضحية لزواج قسري أو تعسّفي بحيث يكون تخلفه مبطلا لعقد الزواج.
- اعترف المشرع الجزائري بالمساواة بين المرأة والرجل في سنّ الزواج ووحّده بحيث جعله 19 سنة لكلا الجنسين تحقيقا لمبدأ المساواة.
- تسجيل الزواج في سجّل رسمي يعدّ وجوب كضمانة بيد النساء لإثبات زواجهنّ ونسب أولادهنّ وضمان التمتع بحقوقهنّ المترتبة عن الزواج.
- وسّع المشرع الجزائري من حالات طلب المرأة التطليق وأضاف ثلاث حالات جديدة وعدّل في مسألة الخلع بإضافة عبارة دون موافقة الزوج أي أعطى المرأة حرية أكبر وحماية أوفر مما كانت عليه قبل التعديل.
- جعل المشرع الجزائري للطفل مكانة مميزة اتسمت بمراعاة مصلحته الفضلى في جميع الحالات من خلال حقّه في النسب وحقّه في العيش في وسط عائلي سواءا بوجود الوالدين أو في حالة انفصالهما عن طريق وسائل بديلة منها الكفالة الحضانة وحقّ الزيارة حماية له من الناحية النفسية والعقلية وضمانا لتوازنه واستقراره العاطفي.
- الكثير من أحكام قانون الأسرة الجزائري خلفياتها حقوق الإنسان وهذا دليل على إلتزام الجزائر بما صادقت عليه من صكوك دولية في هذا الشأن سيما حقوق المرأة والطفل غير أنه يبقى قانون لا يعكس توجّهات غالبية القوى السّياسية والإجتماعية والدّليل تعارض الكثير من أحكامه مع معالم الشريعة الإسلامية إذ حمل قيم الثقافة الغربية المبنية على الفردية والحرية خاصّة المواد المتعلقة باختيار المرأة لوليها، إعادة ترتيب أصحاب الحقّ في الحضانة، تقييد تعدّد الزوجات...الخ، كلّ هذا بلا شكّ سيؤدّي إلى تفكيك وتشتيت العلاقات الأسرية وبالتالي خلق مجتمع مفكّك والذّي يبقى مصيره مجهولا إلى حدّ كتابة هذه السّطور...


[1] عبد الجليل مفتاح، (حماية الأسرة في الإتفاقيات الدّولية والدّساتير الجزائرية)،مجلة الإجتهاد القضائي، مخبر أثر الإجتهاد القضائي على حركة التشريع، جامعة خيضر بسكرة، 20 جانفي 2014، العدد 07، ص.08.
[2] المرجع نفسه، ص. 08.
[3] اللجنة الوطنية الإستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، حالة حقوق الإنسان في الجزائر،التقرير السنوي، الجزائر، 2012، ص.55 .ص.57.
[4] قانون الأسرة الجزائري بعد الإستقلال في 09 رمضان 1404 الموافق ل09  جوان 1984 تحت رقم 84-11 وتمّ تعديلة بموجب الأمر 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005. 
[5] كلثوم مسعودي، الأسرة الجزلئرية كما يصورها قانون الأسرة الجزائري لسنة 2005، الملتقى الوطني الثاني حول"الإتصال وجودة الحياة في الأسرة"، جامعة قاصدي مرباح كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية قسم العلوم الإجتماعية، ورقلة، أيام 09 و10 أبريل 2013، ص.06.
[6] محفوظ بن صغير، الإجتهاد القضائي في الفقه الإسلامي وتطبيقاته في قانون الأسرة الجزائري، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم الإجتماعية والإسلامية قسم الشريعة، جامعة الحاج لخضر، باتنة، 2008-2009 ،ص.06.
[7] اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر .1948
[8] صادقت الجزائر على العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89-67 المؤرخ في 11 شوال 1409، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية، العدد 20 الصادرة في 12 شوال 1409
[9] اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الرضا بالزواج السنّ الأدنى وتسجيل الزواج بموجب قرارها المؤرخ في 07 نوفمبر 1964.
[10] سرور طالبي المل، حقوق المرأة في الدّول العربية خلال اصلاحات 2000-2008، سلسلة المنشورات العلمية، مركز جيل البحث العلمي، العدد 03، لبنان، 03-12-2014،ص.118.
[11] اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضدّ المرأة بموجب قرارها 34-180 المؤرخ في 18 ديسمبر 1979 وقد صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 96 -51 المؤرخ في 22-01. 1996
[12] صياد مختار، تأثير الإتفاقيات الدولية على قيام الرابطة الزوجية وانحلالها في قانون الأسرة الجزائري، مذكرة ماستر، قسم الحقوق كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة، 2014 -2015،ص.20.ص.22
[13] المرجع نفسه،ص.25.
[14] سرور طالبي المل،المرجع السابق، ص.117
[15] سرور طالبي المل ،المرجع والموضع نفسه.
[16] المرجع نفسه، ص.120
[17] الآية 21 من سورة النساء. 
[18] كربال سهام، الحضانة في قانون الأسرة الجزائري، مذكرة ماستر، قسم القانون الخاص كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة آكلي محند أولحاج، جامعة البويرة، 2012 -2013، ص.05. 
[19] سرور طالبي المل، المرجع السابق، ص.121
[20] المرجع نفسه، ص.147
[21] قيد المشرع الجزائري من خلال المادة 08 قانون الأسرة الجزائري الرجل الراغب في التعدد بشروط متى وجد المبرر الشرعي وتوافرت شروط ونية العدل واخبار الزوجة السابقة والزوجة التّي يقبل على الزواج منها مع حصوله على رخصة من رئيس المحكمة. 
[22] صياد مختار، المرجع السابق، ص.33.
[23] تعتبر الإتفاقية الدذولية لحقوق الطفل لسنة 1989 القانون الدّولي لحقوق الطفل لأ ا تضمّنت كلّ الجوانب المتعلقة بالطفل كما أ ا تتوافر على آليات تنفيذ ووسائل حماية تشكّل مرجعا قانونيا هامّا وملزما في مجّال حقوق الطفل في العالم. 
[24] من التقرير السنوي للجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، المرجع السابق، ص.66.
[25] الزواج الصحيح هو الزواج الذي يتوافر فيه ركن الرضا طبقا للمادة 09 من قانون الأسرة الجزائري والشروط المنصوص عليها في المادة 09 مكرر من نفس القانون والمادة 23 وما بعدها كذلك حتّى ولو كان زواجا غير رسمي لأنّ الرسمية ليست ركنا بل وسيلة لإثباته، أمّا الزواج غير الصحيح هو زواج اختل فيه الركن أو أحد الشروط وفقا للمواد 3233 و34 من قانون الأسرة الجزائري فيعتبر شبهة. 
[26] بن عصمان نسرين إيناس، مصلحة الطفل في قانون الأسرة الجزائري، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة أبي بكر بلقايد، تلمسان، 2008-2009، ص.69.ص.83.
[27] بن رزق اﷲ إسماعيل، حقوق الطفل وفقا للتشريع الجزائري، محكمة تبسة، 2008-2009، ص.11.
[28] إتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 تبنت المفهوم الواسع للأسرة لتشمل اضافة للوالدين الأقارب والأهل جميعا.
[29] بن عصمان نسرين إيناس، المرجع السابق، ص.70.ص.72.
[30] المرجع نفسه، ،ص.75.
[31] المرجع نفسه، ص.115.ص.116.
[32] المرجع نفسه، ص.122.
google-playkhamsatmostaqltradent