أصالة الشريعة الإسلامية

أصالة الشريعة الإسلامية

أصالة الشريعة الإسلامية
لا عجب إذا بعد الذي قيل عندما نؤكد على أن الشريعة الإسلامية أصيلة ومستقلة عن غيرها مما وضعه البشر من نظم أو شرائع، لأنها تجد مصدرها في الوحي الإلهي، وفي هذا يقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري مقارنا بين الشريعة والقانون الروماني في كتابه أصول القانون: "فإن هذا القانون بدأ عادات، كما قدمنا، ونما وازدهر عن طريق الدعوى والإجراءات الشكلية، أما الشريعة الإسلامية فقد بدأت كتابا منزلا من عند الله ونمت وازدهرت عن طريق القياس المنطقي والأحكام الموضوعية ... إلا أن فقهاء المسلمين امتازوا عن فقهاء الرومان، بل امتازوا عن فقهاء العالم باستخلاصهم أصولا ومبادئ عامة من نوع آخر هي أصول استنباط الأحكام من مصادرها وهذا ما سموه بعلم أصول الفقه"، وهو ما ردده العالم الفرنس إ. زايس E.ZEYS قائلا: "إني أشعر حينما أقرأ في كتب الفقه الإسلامي أني قد نسيت كل ما أعرفه عن القانون الروماني... وأصبحت أعتقد أن الصلة منقطعة بين الشريعة الإسلامية وبين هذا القانون، فبينما يعتمد قانوننا على العقل البشري تقوم الشريعة على الوحي الإلهي... فكيف يتصور التوفيق بين نظامين قانونيين وصلا إلى هذه الدرجة من الاختلاف؟
تأسيسا على ذلك خلت الشريعة الإسلامية من النظم الجائرة ولاسيما الميز العنصري والاستئثار بالسيادة وتضمنت من المبادئ والنظم ما لم يوجد في غيرها مثل نظام الوقف ونظام الشفعة وربط القانون بالأخلاق، ولبيان أهمية النظم التي تميزت بها الشريعة الإسلامية يكفي أن نشير إلى أنه في إطار الدراسات الاجتماعية التي قامت بها جامعة الدول العربية ومندوبو الأمم المتحدة بدمشق في شهر ديسمبر من عام 1952، أعلن أحد أساتذة علم الاجتماع أن نظام الوقف لا يصلح فقط لعلاج مشكل الفقر في الدول العربية بل حتى في العالم المتحضر، لذلك قرر رجال القانون على إثر مؤتمر لاهاي للقانون المقارن المنعقد في سنة 1938 أن الشريعة الإسلامية لم تؤخذ من غيرها وتعتبر مصدرا من مصادر التشريع العام لما تتسم به من الحيوية والمرونة والقابلية للتطور.
في الواقع لقد عرف فقهاء الغرب فضل الشريعة الإسلامية على الأنظمة القانونية الأوروبية منذ وجود المسلمين بالأندلس حيث كانت الشريعة الإسلامية مطبقة لزمان طويل، فحسب ما ذكره المؤرخ الألماني "موسهيم" في كتابه "تاريخ الكنيسة"، استفاد رجال القانون وخاصة الفرنسيون والألمان الوافدون إلى هذا البلد من النظم الإسلامية وعملوا على تطبيقها في بلدانهم، لكن دون الإشارة إلى أصلها خشية رد فعل المتعصبين من المسيحيين.
لا ترجع علاقة الأنظمة الغربية بالشريعة الإسلامية إلى ما ورثوه عن عهد الأندلس فحسب، بل أضحى الفقه والتشريع الغربيان يستمدان ما هو مناسب من الفقه الإسلامي كلما بلغا درجة من التطور، ومن ذلك نظرية التعسف في استعمال الحق المعتبرة من النظريات الحديثة، واهتداء المشرع الفرنسي في سنة 1945 إلى الأخذ بنظام الشفعة إذ جعل للمزارع أن يمارس حق الشفعة إذا باع المالك الأرض التي يزرعها لغيره وإلى تقرير مسؤولية عديم التمييز في سنة 1968 في حالة ما لم يوجد من هو مسؤول عنه أو تعذر الحصول على التعويض من هذا المسؤول... الخ، وما أحوج البشرية اليوم إلى الأخذ بالمزيد مما يتضمنه الفقه الإسلامي من نظريات ومبادئ في مختلف فروع القانون، وهو ما يوافقنا فيه الأستاذ "شبرل" عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا إذ قال في مؤتمر الحقوق سنة 1927: "إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها إذ إنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرنا أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيون أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة".
وترجع هذه المكانة إلى كون الشريعة الإسلامية جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهو ما نقرأه في الآية الكريمة: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، وبالتالي فهي رحمة كلها كما يدل على ذلك قوله تعالى: (فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ)، (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، وتفريعا عن ذلك قامت الشريعة الإسلامية على أسس تضمن للأفراد والجماعات معيشة كريمة وواسعة، وهي: السماحة، قلة التكاليف، التدرج في التشريع، تحقيق مصالح الناس جميعا وإقامة العدل بينهم.
1- السماحة: يقصد بالسماحة السهولة واليسر، والشريعة الإسلامية تقوم على هذا الأساس كما يتبين في آيات كثيرة: (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ)، وهو ما يلائم الطبيعة البشرية التي تنفر من الضيق والشدة، لذلك التف الناس حول الرسول صلى الله عليه وسلم ودخلوا في دين الإسلام فرادى وجماعات كما يخبرنا بذلك الله تعالى القائل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقتدوا به في هذه الخصلة، فعن أنس رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولاتنفروا".
بناء على ذلك وبعدما فصل الله تعالى المحرمات من الأكل والشرب في قوله: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)، قدر ظروف الإنسان وأراد أن يخفف عنه كما جاء في قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)، فقرر أن حالة الضرورة تخرج من يتناول تلك المحرمات عن دائرة المنع، فيقول: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ)، (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ).
وعلى ذلك وضع فقهاء الإسلام قاعدة فقهية كلية مقتضاها "الضرورات تبيح المحظورات"، وهي موضوع دراسة في القواعد الفقهية الكلية.
2- قلة التكاليف: تعتبر قلة التكاليف نتيجة منطقية للتيسير ورفع الحرج عن المكلفين، إذا إن الشارع الحكيم ضيق من دائرة الممنوعات ووسع في المباحات، ففي قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ)، ذكر المحرمات من الطعام على سبيل الحصر والباقي فهو حلال طيب عملا بقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ).
كذلك في مجال تنظيم العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في إطار الزواج الشرعي حصر الشارع المحرمات من النساء في قوله: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ۞ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ۞ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ)، أما بقية النساء فلا ينطبق عليهن المنع لأن الله تعالى ختم كلامه بـ (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ)، والاسم الموصول "ما" يفيد عموم النساء.مما سبق يتبين أن مظاهر التيسير لا تكمن فقط في التوسيع في مجال المباحات بما أن الطيبات جاءت بلفظ عام سواء تعلق الأمر بما يحل أكله أو بمن يجوز الزواج بهن، بل أنه يلمس التيسير في نطاق الممنوعات أيضا لأن الشارع لم يحرم إلا خبيثا مصداقا لقوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، ولا يجد ذو الفطرة السليمة أية مشقة لاجتناب هذه الخبائث.
وبصفة عامة لقد تضمنت الشريعة الإسلامية مبادئ عامة دون التطرق للتفاصيل تاركة ذلك للمجتهدين عبر الأزمنة والأمكنة بما يخدم مصالح الناس، ففي قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، أو عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش"، لم يهتم الشارع بالطريقة التي تتحقق بها الشورى ولم يحدد عقوبة الراشي أو المرتشي أو الرائش أو بمعنى آخر، لم يكلف بشيء لتحقيق الرضا بمن يتولون أمور الحكم أو لزجر المرتشين، بل ترك ذلك لظروف الحال وحاجات الجماعة، فالمجتمع في مكان وزمان معينين هو الذي يفصل في الأسلوب الذي تتحقق به المشاركة في الشيء العام وفي تقدير العقوبة التي تردع الموظفين المرتشين، وفي ذلك يقول الرسول الكريم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".
3- التدرج في التشريع: لم ينزل القرآن الكريم دفعة واحدة بل استغرق كل فترة الرسالة، ومرد ذلك هو أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يغير العادات السيئة المستحكمة في النفوس ولا سبيل لذلك إلا بتهيئة الأذهان شيئا فشيئا، فاهتم الشارع في بداية الأمر بترسيخ العقيدة الصحيحة، ثم تدرج في الأحكام الشرعية لكيلا يشق على المخاطبين بها، ولو أخذنا الخمر كمثال لوجدناها قد مرت بثلاث مراحل، ففي البداية بين الشارع مضارها قائلا: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)، فكان لهذه الآية وقع في نفوس المسلمين فقال بعضهم لا خير في شيء فيه إثم ثم نزلت الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ). فقال بعض الناس نشربها ونبقى في بيوتنا، وقال آخرون لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة في المسجد ثم نزلت آية التحريم نهائيا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). فأراقوا خمورهم جميعا، فلو نزلت آية التحريم دفعة واحدة لما فعلوه.
لقد كان لهذا النهج أثر إيجابي في نفوس المسلمين فظل المذنب منهم هو الذي يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتوقيع العقاب عليه حتى ينجو من عذاب الله، وفي الوقت الحالي لو أردنا تطبيق شيء من شريعة الإسلام مما لم يألفه الناس لا بد من التمهيد لذلك أولا ثم إذا لمسنا ميل المجتمع إليه أمكن سن قانون أو عرض القضية محل النقاش لاستفتاء شعبي.
4- تحقيق مصالح الناس جميعا: جاءت الشريعة الإسلامية رحمة للعالمين كما نقرأ ذلك في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، ومن أجل ذلك كلف أنبياءه بالإصلاح ونبذ الفساد فيقول الله تعالى على لسان نبيه شعيب: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)، وعلى لسان نبيه صالح: (وَلَا تُطِیعُوۤا۟ أَمۡرَ ٱلۡمُسۡرِفِینَ ۞ ٱلَّذِینَ یُفۡسِدُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا یُصۡلِحُونَ)، وفي خطابه للأمة الإسلامية، يقول: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا).
بناء على ذلك يسعى الشارع الحكيم إما إلى جلب مصلحة أو درء مفسدة في معاملات الناس المختلفة، فمن مظاهر جلب المصالح تحليل الطيات كما في قوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ)، وإباحة القيام بمختلف التصرفات القانونية من بيع وإجارة ومزارعة وهبة ووصية، أما درء المفاسد فيكون بوسائل مختلفة منها الشفعة والدية والعقوبة، وقد شدد الله تعالى العقاب عندما يكون الفساد كبيرا، فيقول: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وتلك هي عقوبة قطع الطريق لما في الجريمة من خطر كبير على النظام العام والحريات العامة.
5- إقامة العدل بين الناس جميعا:ك لما كان الله تعالى قد كرم الإنسان كما جاء في قوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، فإن ذلك يقتضي الحكم بين الناس بالعدل، وهو ما صرح به القرآن الكريم: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)، ذلك لأن الظلم يقوض النظام الاجتماعي ويدفع إلى الهلاك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد".
لذلك كا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه متشددا في مسألة إقامة العدل بين الناس فقال لأمير من الأمراء لما ضرب أحد الشباب: "له القصاص أو يعفو عنك"، فرد الأمير:"كيف وأنا أمير وهو سوقة"، فقال عمر: "لقد سوى بينكما الإسلام"، فظل الأمير يطلب العفو من الشاب لكنه تمسك بحقه في القصاص، ولما علم الأمير أن عمر يمكن الشاب من القصاص، فر إلى الروم وارتد عن الإسلام، ولم يبال به عمر لأن الظلم ينفر أهل الحق، والعدل يقرب ذوي القلوب الطاهرة التي تتجه إلى الحق تبتغيه، وهؤلاء مهما قل عددهم أوفر خيرا وأعظم أثرا".
بناء على ذلك فإن العدل واجب إسلامي يتعين تحقيقه للناس كافة دون إيلاء الاهتمام لأي اعتبار آخر ولو كان الأمر يتعلق بالأعداء لأن الله تعالى يقول: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا)، وقال مخاطبا نبيه داود عليه السلام: (فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ).

المرجع:


  1. د. أعمر يحياوي، الخصائص العامة للشريعة الإسلامية، نموذج من الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم، دار هومة، الجزائر، 2009، من ص39 إلى ص 49.
google-playkhamsatmostaqltradent