حماية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة

حماية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة

حماية حقوق الانسان في الأمم المتحدة
في هذه الدراسة سنتطرق الى نصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان في ظل الأمم المتحدة، ثم دورالاجهزة العامة للامم المتحدة في حماية حقوق الانسان، وبعدها الاجهزة الفرعية والوكالات المتخصصة، وايضا طرق واجراءات – اساليب- حماية حقوق الانسان، واخيرا نظام المسؤولية الجنائية الدولية كآلية لتنفيذ القانون الدولي لحقوق الإنسان -المحكمة الجنائية الدولية-.

المطلب الأول: نصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان في ظل الأمم المتحدة

سنتناول النصوص العامة لحقوق الانسان (الفرع الاول) ثم نتطرق الى النصوص الخاصة لحقوق الانسان (الفرع الثاني).

الفرع الاول: النصوص العامة لحقوق الإنسان

اولا: حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945

تم توقيع ميثاق الامم المتحدة في عام 1945 في سان فرانسيسكو عقب الحرب العالمية الثانية 
- جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة :"أن شعوب الأمم المتحدة قد آلت على نفسها أن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب .... وأنها تؤكد من جديد، إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الإنسان وبما للرجال والنساء والأمم صغيرها وكبيرها من حقوق متساوية...". في هذه الديباجة نجد تعهدا من منظمة الأمم المتحدة في تجنيب العالم ويلات الحروب والمحافظة على حقوق الإنسان وعدم انتهاكها.
- أما بالنسبة لنصوص الميثاق المتعلقة بحقوق الإنسان، فهي كثيرة منها:
نصت المادة/ 1ف 3/ من الميثاق على تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الانسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية.
وفي إطار تناول الميثاق لصلاحيات الجمعية العامة ودورها في إعداد الدراسات والاتفاقيات والتوصيات تنص المادة 13/1 على دور الجمعية العامة في تنمية التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية          
وأكد الميثاق ايضا على دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي في مجال التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي والانساني بموجب المادة 55 والمادة 56 والزم الميثاق المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمتابعة تنفيذ كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وحدد اختصاصاته في المادة 62 بتقدم توصيات واعداد مشروع اتفاقات لتعرض علي الجمعية وقد سمحت المادة 68 للمجلس إنشاء لجان للشئون الاقتصادية والاجتماعية ولتعزيز حقوق الإنسان.
وعليه يلاحظ ان احترام حقوق الانسان يعتبر جزءا من الوظائف الاساسية ومن المبادئ العامة التي ترسم وتحدد سياسة الامم المتحدة في المجتمع الدولي.

ثانيا: الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948

يعد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان أول بيان دولى شامل يتناول حقوق كافة أعضاء الأسرة الإنسانية
1- التعريف بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان لعام 1948: صدر الاعلان عن الجمعية العامة للامم المتحدة فى 10/12/1948  على شكل توصية، وهذا الاعلان يتألف من ديباجة وثلاثين مادة وهذه المواد حددت فيها الحقوق الأساسية لكل شخص في العالم بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه أو رأيه السياسي، أو أصله الوطني أو ثروته أو مولده، أو أي أعتبار آخر. ولا فرق ايضا بين ان يكون البلد مستقلا ومتمتعا بالسيادة الكاملة او ان هناك قيود ترد على سيادته.
2- انواع الحقوق في الاعلان: الحقوق في الاعلان هي على نوعين: حقوق مدنية وسياسية: كحق الفرد في المساواة وان الناس يولدون احرارا، - منع تجارة الرقيق- ومنع القبض على اي شخص او حجزه او نفيه بدون سند قانوني و حق التمتع بجنسية دولة ما والحق قي حرية التفكير وحرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية .وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية: كالحق في العمل و في الاجر المناسب وحق كل فرد في التعلم وفي الصحة والملكية ...
3- اهمية الاعلان العالمي لحقوق الانسان للاعلان اهمية  كبيرة تظهر فيما يلي:
أ- يعتبر اول تقنين دولي شامل يعتني بحقوق الانسان ويدافع عنها.
ب- بعد صدوره اصبحت حقوق الانسان شأناَ دوليا بعد ان كانت شأناَ داخلياَ
ج- اصبح مصدراَ للعديد من الاتفاقيات الدولية والاقليمية التي تتعلق بحقوق الانسان.
د- اصبح مصدراَ للدساتير فلا يكاد دستور يخلو من ذكر الحقوق معتمدا الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

ثالثا: العهدان الدوليان لعام 1966

يعتبر العهدان الدوليان تفصيلا للمبادئ الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبإصدارهما اكتملت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ويمكن النظر للإعلان العالمي لحقوق الإنسان علي أنه جذع شجرة حقوق الإنسان ومنه ينبثق الفرعان الأساسيان وهما العهدان سالفا الذكر. وقد صدر العهدان في صورة معاهدة دولية لذلك فهما ملزمان للدول الأطراف فيهما، ويعدان نقلة نوعية رفعت مكانة حقوق الإنسان علي الصعيد الدولي من مجرد إعلان دولي غير ملزم إلي معاهدات دولية توافرت لها مقومات الالتزام القانوني.
1- العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية: الصادر بقرار الجمعية العامة في 16 ديسمبر 1966 وبدأ نفاذه في 23 مارس 1976.
وقد نص العهد الدولى أنه لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً (المادة 6) وعدم جواز إخضاع أى فرد للتعذيب (المادة 7) وأنه لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا على أساس الإجراءات المقررة في القانون (المادة 9) وكذا حق كل فرد تم توقيفه أو اعتقاله دون سند من القانون فى الحصول على تعويض (المادة 9/5) نصت المادة(12) على حق كل فرد مقيم بصفة قانونية فى الدولة حق النتقل وفى اختيار مكان إقامته، وأنه لا يجوز تعريض أى شخص على نحو غير قانونى للتدخل فى خصوصياته أو شئون بيته أو مراسلاته (المادة 17) ومن الحقوق السياسية المعترف بها أيضاً حق كل مواطن فى إدارة الشئون العامة، وفى الإدلاء بصوته ، وفى الترشيح للانتخابات ...الخ.
ولقد تعهدت كل دولة طرف فى العهد باحترام وتأمين الحقوق المقررة لكافة الأفراد وأن تكفل احترامها بالمعاقبة في حالة الاعتداء على الحقوق والحريات غير العهد أجاز للدول الأطراف، ان تعطل ممارسة بعض الحقوق في حالة الطوارئ
وللعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وثيقتان اضافيتان هما:
- البرتوكول الاختياري الاول الخاص بالشكاوى الفردية
- البرتوكول الاختياري الثاني الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام
2- العهد الدولى للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية: الصادر بقرار الجمعية في 16 ديسمبر 1966 وبدأ نفاذه في 3 جانفي 1976.
وتؤكد المادة الأولى من العهد أن الحق فى تقرير المصير حق عالمى، وتدعو الدول إلى أن تعمل تحقيق نمائها الاقتصادى والإجتماعى والثقافى. وتعترف نصوص العهد بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، فنجد العهد ينص على الحق فى العمل (المادة 6) ، وفى تكوين النقابات (المادة 8) ، وفى الضمان الإجتماعى (المادة 9)، والحق فى الصحة الجسمية والعقلية (المادة 12) ، والحق فى التعليم...إلخ.
ملاحظات:
1- ان السبب في عدم وضع الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في وثيقة واحدة تجسد مبدا عدم قابلية حقوق الانسان للتجزئة هو الاختلاف الشديد بين انصار المذهب الفردي الليبيرالي- الاولوية للحقوق المدنية والسياسية-
انصار المذهب الاشتراكي- الاولوية للحقوق الإقتصادية والإجتماعية-
2- كانت هناك اشارات مبدئية في عهد الحقوق الإقتصادية والإجتماعية لما يسمى بالحقوق الجماعية او حقوق الجيل الثالث.
3- بالنسبة لآليات الرقابة : في عهد الحقوق الإقتصادية والإجتماعية كان جهاز الرقابة في البداية هو المجلس الاقتصادي و الاجتماعي وبعدها قررت الدول انشاء لجنة خاصة بعهد الحقوق الإقتصادية والإجتماعية في سنة 1985، اما بالنسبة لعهد الحقوق السياسية والمدنية فقد قررت الدول انشاء لجنة للرقابة منذ سنة 1966 وتسمى باللجنة المعنية بحقوق الانسان.

الفرع الثاني: الاتفاقيات الخاصة  لحقوق الإنسان

نظرا للثغرات التي ظهرت في الاتفاقيات العامة و تطور حاجيات المجتمع الدولي بدأ تدوين اتفاقيات خاصة تهدف لحماية فئات معينة واتفاقيات خاصة تهدف لحماية حقوق معينة من الانتهاك:

الصنف الاول: اتفاقيات تحمى فئات معينة – حماية الفئات الضعيفة:

هناك العديد من النصوص الاتفاقية التي تهدف لحماية فئات ضعيفة مثل الاتفاقية الخاصة باللاجئين  (1950) والاتفاقية الخاصة بحقوق المعوقين (1975) والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1990) غير اننا نكتفي بدراسة مايلي:

اولا: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979)

صدرت في 18 ديسمبر 1979 ودخلت حيز النفاذ في 03-12-1981 وتعد هذه الاتفاقية أول معاهدة دولية شاملة تندد بالتمييز- سواء النصوص أو الأفعال التي لها تأثير تمييزي ضد المرأة في جميع المجالات: كالعمل والسياسة والصحة والتعليم والأسرة- وتعتبره انتهاكا لحقوق الإنسان. وهو ما يجعلها أهم أداة دولية للدفاع عن حقوق المرأة ولضمان تطبيقها أنشات الاتفاقية لجنة لمتابعة التنفيذ الاتفاقية تتكون اللجنة من (23) عضوا.

ثانيا: اتفاقية حماية حقوق الطفل لعام 1989:

حظيت حقوق الطفل باهتمام شديد من المجتمع الدولي والسبب في ذلك ان الدول قد أدركت أن السبيل لتجنب الفظائع التي جرت خلال الحروب، هو تنشئة مجتمعات أقل استعدادا للانخراط في أعمال عنف وصراعات وحروب كما أدرك المجتمع الدولي أن الأطفال فئة خاصة تنتمي إلي الفئات الضعيفة فأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 20-11- 1989 ودخلت حيز النفاذ في 02-09-1990 هذه الاتفاقية المؤلفة من 54 مادة  تمثل "شرعة حقوق" للطفل، تجعل مصالح الطفل العليا الهدف الأساسي لها. وسمحت الاتفاقية للدول امكانية التحفظ عليها.
ويعرف الطفل في الاتفاقية بأنه كل إنسان لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة، ومن الحقوق التي وردت بالاتفاقية: الحق في الاسم والجنسية الحق في التغذية والرعاية الصحية الأولية والحق في الرعاية الأسرية وفي مستوي معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي وحق الطفل في  الحماية من جميع أشكال الاستغلال الاقتصادي أو الاجتماعي ..- و لللعلم يجوز التحفظ على هذه الاتفاقية.
ويتم متابعة مدى التزام الدول المصدقة على الاتفاقية من طرف لجنة حقوق الطفل وهم خبراء مستقلين ترشحهم الدول الأطراف وعددهم 18 عضواً. وقد صدر بروتوكول اختياري يتعلق بمنع اشتراك الطفال في النزاعات المسلحة.

الصنف الثاني: اتفاقيات تحمي حقوقا محددة- تواجه انتهاكات معينة:

 هناك العديد من النصوص الاتفاقية التي تهدف لحماية حقوق محددة من الانتهاك مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري(1965) اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية (1968) والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (1976) غير اننا نكتفي بدراسة مايلي:

اولا- اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها.- الحق قي الحياة-

صدرت الاتفاقية بقرار الجمعية العامة في 9 ديسمبر 1948 ليبدأ نفاذها في 12 جانفي 1951 وكان سبب إيجاد هذه الاتفاقية سياسة الإبادة التي اتبعتها بعض الدول قبل و اثناء الحرب العالمية الثانية.
وقد اكدت الاتفاقية بان العقاب يشمل الفاعلين، والمتآمرين، والمحرضين، والذين يحاولون ارتكاب الابادة الجماعية، ولم تستثنى من العقاب أي موظف رسمي رفيع او عادي. وقد جاء عدم الاستثناء من العقوبة كي لا يفلت الحكام من العقوبة بدعوى الحصانة التي يتمتعون بها.
وتقول المادة/ 2/ من الاتفاقية بان جريمة الإبادة الجماعية هي تلك الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، أو اثنية، أو عنصرية، أو دينية بصفتها هذه أي ان فعل الابادة يوجه لتدمير جماعة معينة ومحددة- نطاقها ضيق- .

ثانيا: اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز العنصري لعام 1965- حق المساواة-

صدرت الاتفاقية بقرار الجمعية العامة في 21 ديسمبر 1965 ودخلت حيز نفاذه 1969 وتشكل هذه الاتفاقية في الوقت الحالي الاداة الرئيسية لتكريس المساواة ومنع التمييز والتفرقة على اساس اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي، أو الأصل او الثروة أو أي أعتبارآخر نصت الاتفاقية على إنشاء لجنة القضاء على التمييز العنصري تتألف اللجنة من 18 خبيرا.

ثالثا: اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أوالمهينة –1984- الحق في السلامة الجسدية-

صدرت عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 10-12-1984 وتحتوي على ديباجة و 33 مادة. وقد جاءت هذه الاتفاقية للقضاء على ظاهرة التعذيب التي انتشرت في العديد من الدول في السلم والحرب.
تعرف هذه الاتفاقية التعذيب بأنه أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما لأحد الأسباب التالية: • الحصول على معلومات • العقاب • التهديد • التمييز ونصت الاتفاقية على انشاء لجنة لمكافحة التعذيب تتألف من عشرة خبراء.

المطلب الثاني: دورالاجهزة العامة للامم المتحدة في حماية حقوق الانسان

للأمم المتحدة وبنص المادة السابعة من الميثاق ستة أجهزة رئيسية، تقع مقار خمسة منها في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك، وهي الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية والأمانة العامة. أما مقر الجهاز السادس، وهو محكمة العدل الدولية، فيقع في لاهاي بهولندا.
أعطى الميثاق الجزء الأكبر من مسائل حقوق الإنسان إلى الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلا ان الممارسة الحالية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أي – منذ 1990- توضح سطوة مجلس  الامن على هذه المسالة، وهو ما سيتوضح طبقاً للتفصيل الآتي:

الفرع الاول: دور الجمعية العامة في حماية حقوق الإنسان

وفيما يتعلق بحقوق الانسان أوكلت المادتين 10 و 13 من الميثاق، للجمعية العامة مناقشة المسائل المتعلقة بحقوق الانسان وايضا بوضع دراسات واصدار التوصيات والاتفاقيات الدولية بقصد إنماء التعاون الدولي على حماية هذه الحقوق وتنشئ الجمعية العامة طبقاً للمادة (22) من الميثاق ما تراه ضرورياً من الأجهزة الفرعية للقيام بوظائفها، ومن هذه الاجهزة لجنة القانون الدولي وهذه اللجنة تتشكل من 34 شخصا من اكفئ الخبراء في القانون الدولي حيث تقوم لجنة القانون الدولي بصياغة المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تصدرها الجمعية العامة كما انشات الجمعية العامة في 2006 جهاز يسمي مجلس حقوق الانسان.

الفرع الثاني: دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي في حماية حقوق الإنسان

وهو جهاز استشاري وتقني بالدرجة الأساس متخصص في المسائل الاقتصادية والاجتماعية وهو يتكون من 54 دولة، وطبقاً للمادة 62 والمادة 64 من الميثاق يمكن للمجلس ان يقدم توصيات ودراسات تتعلق بحقوق الإنسان خاصة في مجالات الاقتصاد والثقافة والتعليم والصحة كما يساهم المجلس  في إعداد مشاريع الاتفاقيات الدولية غير ان اكثر ما يعرف به المجلس الاقتصادي هو نشاطه الكبير في تقديم وايضا تلقي التقارير سواءا من الجمعية العامة او الوكالات المتخصصة ...
منحت المادة (68) من الميثاق المجلس الاقتصادي والاجتماعي الحق بإنشاء اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه، و قد أنشأ المجلس عدداً كبيراً من الأجهزة أهمها لجنة حقوق الإنسان سنة 1946 وقد ساهمت لجنة حقوق الانسان خلال ستين عاما من عمرها بانجازات كبيره في مجال حقوق الانسان حيث اعدت اغلب مشاريع الاتفاقيات التي احالها المجلس  الاقتصادي للجمعية العامة الا ان الكثير من السلبيات رافقت عملها، مما ادى الى تاسيس جهاز اخر يحل محلها هو مجلس حقوق الانسان.

الفرع الثالث: مجلس الأمن الدولي وحماية حقوق الإنسان

مجلس الأمن هو الأداة التنفيذية للأمم المتحدة وأهم جهاز فيها ويعد هذا الجهاز المسئول الأول عن حفظ السلم والسهر على الأمن الدولي، وقمع العدوان، وإنزال العقوبات بالأعضاء المخالفين والدول الأعضاء ملزمة بتنفيذ قراراته.
1- تدخل مجلس الامن في حالة تهديد انتهاكات حقوق الانسان للسلم والامن الدوليين - متي يتدخل المجلس ؟
اذا لم تتمكن الدول والمنظمات الدولية الاخرى- خاصة الاقليمية- بما فيها بعض اجهزة الامم المتحدة من وقف انتهاكات حقوق الانسان معنى ذلك ان استمرارها قد يهدد السلم والامن الدوليين هنا يقوم مجلس  الامن بالنظر في الانتهاكات الجسيمة والخطيرة لحقوق الإنسان بوصفها وصلت الى حد تهديدا للسلام والامن الدوليين ويتصرف بالتالي بموجب الفصل السابع- فصل القمع- من ميثاق الأمم المتحدة أي ان تدخل مجلس الامن مرتبط بتكييف الجرائم المرتكبة ضد حقوق الانسان في دولة ما بانها تهدد السلم والامن الدوليين في باقي دول العالم، ففي  كثير من الحالات تمتد آثار تلك الجرائم الى الدول الاخرى، مما يستوجب تدخل مجلس الامن لوقف تلك الانتهاكات.
كان الفقة الدولي يطلق على حالة تدخل مجلس الامن لحماية حقوق الانسان مصطلح "التدخل الانساني او التدخل لاجل الانسانية" و مع الاحداث الاخيرة في الدول العربية خاصة في ليبيا بدا يظهر مصطلح جديد هو "المسؤولية عن حماية المدنيين" ويدخل ضمن هذين المصطلحين العديد من الانتهاكات التي تناولها مجلس الامن مثل جرائم الابادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجريمة العدوان والتعذيب  وجرائم القمع والقصف ضد الأفراد المدنيين- حماية المدنيين- و اللاجئين والانتهاكات ضد منظمات الاغاثة الانسانية و وسائل الإعلام...
2- التدابير والاجراءات التي يتخذها مجلس الامن – تدابير القمع والعقوبات- 
- كيف يتدخل المجلس؟
نص الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة على التدابير السلمية التي يمكن للمجلس ان يتخذها لحل النزاعات الدولية الا ان الطبيعة الخاصة لانتهاكات حقوق الانسان كثيرا ما تجبر مجلس الأمن على التدخل بموجب الفصل السابع من الميثاق- خاصة المواد 39-45- حيث يتخذ المجلس ما يراه ضرورياً من التدابير لحفظ السلم ووقفا لانتهاكات ان التدابير القمعية تتدرج على نوعين:
أ‌- التدابير التي لا تتطلب استخدام القوة – تدابير قمعية غير عسكرية – وهي تمثل المرحلة الاولى من العقوبات مثل وقف المواصلات البرية والبحرية وحظر الطيران وقطع العلاقات الدبلوماسية وفرض عقوبات اقتصادية - جزئياً أو كلياً-  أما إذا رأى المجلس ان تلك التدابير لا تفي بالغرض فله ان يلجأ للمرحلة الاشد وهي
ب‌- تدابير استخدام القوة العسكرية - تدابير قمعية عسكرية- وهنا يتدخل المجلس عسكريا ويستعين في تدخله بالدول والمنظمات الدولية الاقليمية والمتخصصة ويعد الحلف الاطلسي – حلف الناتو- الخيار المفضل للمجلس في اغلب حالات التدخل العسكري مثل تدخل الناتوا في يوغسلافيا وليبيا و ...؟
بالاضافة الي تدابير القمع السابقة قد يلجأ مجلس الأمن في حماية حقوق الإنسان، الي طرق اخرى ظهرت في بعض النزاعات مثل: عمليات حفظ السلام ونشر الخبراء والمراقبين وارسال لجان تقصي الحقائق  في الميدان لرصد حالة حقوق الإنسان كما أصدر مجلس الأمن قرارات لإنشاء محاكم جنائية دولية متخصصة مثل: المحكمة الجنائية ليوغسلافيا ومحكمة رواندا ومحكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الحريري..
ملاحظة
غير ان الحاصل في موضوع تدخل مجلس الامن لحماية حقوق الانسان ان هذه الحماية تخضع لسياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير بحسب مصالح الخمسة الكبار في مجلس الامن لان الواقع يثبت ان التدخل يتم في بعض الحالات دون الاخرى فهو يتم في العراق و ليبيا .. ولا يتم في فلسطين والشيشان... 

الفرع الرابع: دور محكمة العدل الدولية في حماية حقوق الإنسان

للمحكمة نوعين من الاختصاص هما: الفصل في المنازعات بين الدول – الاختصاص القضائي- وتقديم استشارات وفتاوى لاجهزة الامم المتحدة- اختصاص استشاري-
إنّ دور محكمة العدل الدولية في مجال حقوق الانسان يظهر في تفسيرها للمعاهدات والاتفاقيات عند فصلها في النزاعات بين الدول او تقديمها لاستشارات التي لها علاقة بحقوق الانسان حيث يمكن للمحكمة ان تشرح وتفسر مضمون اتفاقيات ومعاهدات القانون الدولي لحقوق الانسان، كما يمكنها أيضا أن تلفت الانتباه إلى النقائص التي تعيب هذا القانون، وأن تنبه للتطورات والممارسات الجديدة الناشئة فيه وأن تذكر الدول بواجباتها وتعهداتها باحترام هدا القانون، وهذا الدور مهما كان متواضعا يبقى دون شك مهمّا  وقد تناولت محكمة حقوق الانسان في عدة قضايا من اهمها فتوى محكمة العدل الدولية بشأن "الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة الصادرة في 09 جويلية 2004".

الفرع الخامس: دور الأمانة العامة للامم المتحدة في حماية حقوق الانسان

يعد الأمين العام للامم المتحدة الرئيس الإداري الأعلى في المنظمة وهو يشرف على جميع موظفي الأمم المتحدة وبالإضافة إلى مسؤولياته الإدارية يجوز للهيئة أن توكل إليه أي وظيفة أخرى.
وفيما يتعلق بجهود الأمناء العامين لهيئة الأمم المتحدة في حماية حقوق الانسان، فكثيرا ما ينبه الأمين العام للأحداث والأوضاع غير المستقرة في مناطق العالم ويصدر تقارير ودراسات تشير للعواقب المدمرة للحروب على الفئات الضعيفة ويحث الدول والمنظمات الإنسانية على المساهمة في جهوده الاغاثة الإنسانية وعلى حماية المدنيين كما يحث الدول على مساءلة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لقانون حقوق الإنسان وبصفة عامة يمارس الامين العام ما يمكن تسميته "بدبلوماسية حقوق الانسان".
و للأمين  العام العديد من الاجهزة المساعدة للقيام بأعماله في ميدان حقوق الإنسان منها جهاز يسمى مركز حقوق الإنسان –جهاز تعليمي- ايضا انشئ الامين العام جهاز يسمى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في عام 1992 - هيئة تنسيق لعمل وكالات الأمم المتحدة المختلفة التي تتولى تقديم المساعدة الإنسانية في الأوضاع الطارئة بالاضافة الى الجهاز الفرعي المسمى ب "المفوضية السامية لحقوق الانسان".

الفرع السادس: دور مجلس الوصاية في حماية حقوق الإنسان

كان الهدف من انشاء مجلس الوصاية مساعدة الاقاليم التي كانت خاضعة لنظام الانتداب في عهد العصبة اضافة لتقديم المساعدة للدول التي تطلبها بمحض ارادتها - خاصة الدول حديثة الاستقلال- وفيما يتعلق بدور مجلس الوصاية في حماية حقوق الانسان فيتضح من المادة 76 من الميثاق ان مجلس الوصاية يساعد في حماية حقوق حقوق الشعوب التي تخضع لنظام الوصاية
لقد حصلت الغالبية العظمي من تلك الاقاليم على استقلالها الامر الذي جعل مجلس الوصاية في "شبه بطالة" وانه أصبح "بدون عمل" لذلك ترتفع الاصوات لانهاء وجوده او تحويله الى جهاز اخر من اجهزة المنظمة.

المطلب الثالث: الأجهزة الفرعية وحماية حقوق الإنسان

الاجهزة الفرعية هي تلك الاجهزة التي تنشئها الاجهزة الرئيسية لمساعدتها في مجال حقوق الانسان  ويعمل الجهاز الفرعي تحت وصاية الجهاز الرئسي المنشئ له مع الملاحظة ان الاجهزة الفرعية هي الاكثر ارتباطا من الاجهزة الرئسية بمسائل حقوق الانسان ونركز على ثلاثة آليات فرعية وهي: لجنة حقوق الإنسان –سابقا- مجلس حقوق الإنسان ومفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.

الفرع الاول: لجنة حقوق الإنسان- سابقا:

اولا: نشأة و تشكيلة لجنة حقوق الإنسان:

أنشئت بموجب قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي في سنة 1946. تتكون اللجنة من(53) عضو، يجري انتخابهم لمدة ثلاث سنوات، مع مراعاة التمثيل الجغرافي في اختيارهم، وتتخذ اللجنة من جنيف مقراً لها 72 وقد تم إلغاءها في 13/3/2006، ليرثها جهاز آخر هو مجلس حقوق الإنسان.

ثانيا: طريقة عمل اللجنة

تجتمع اللجنة في مقرها مرة واحدة في العام، ويدوم اجتماعها لمدة ستة أسابيع- بين شهرى مارس افريل- ويمكن أن تجتمع في حالات استثنائية، عند حصول انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. أمّا عن كيفية أداء اللجنة للمهام الملقاة على عاتقها، فإنها تقوم باستعراض القضايا المطروحة عليها بمساعدة العديد من الآليات.

ثالثا: مهام لجنة حقوق الإنسان

1- اعداد تقارير و دراسات وإعداد إعلانات واتفاقيات دولية تتعلق بحقوق الإنسان وهو ماقامت به بدءاً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومروراً بالعهدين الدوليين لعام 1966 ووصولا للعديد من المواثيق الدولية – كان هذا هو الهدف الاساسي من انشائها-
2- تتعاون اللجنة تعاوناً وثيقاً مع جميع هيئات الأمم المتحدة  ومع الدول الأعضاء في القضايا المتصلة بحقوق الإنسان.
3- تقوم اللجنة احيانا بمهام خاصة تشمل التحقيق في الادعاءات المتعلقة بالانتهاكات.

الفرع الثاني: مجلس حقوق الإنسان

اولا: إنشاء وتشكيلة – تأليف- مجلس حقوق الإنسان

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 مارس 2006 قرار بإنشاء مجلس حقوق الإنسان كبديل للجنة حقوق الإنسان، يوجد مقر المجلس بجنيف، بوصفه هيئة فرعية تابعة للجمعية العامة، وقد وافقت على انشائه 170 دولة.
يتألف مجلس حقوق الإنسان من 47 دولة عضو تنتخبهم الجمعية العامة بناءا على التوزيع الجغرافي العادل، وتمتد فترة العضوية ثلاث سنوات. لقد تقرر فتح باب عضوية المجلس أمام جميع الدول غير انه يجوز إسقاط عضوية اي دولة عضو في المجلس إذا ما ارتكب انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان.

ثانيا: طريقة العمل

يعقد المجلس ما لا يقل عن ثلاث دورات في السنة، تمتد فترة لا تقل مدتها عن عشرة أسابيع، ويجوز له عقد دورات استثنائية عند الاقتضاء بناء على طلب من أحد أعضاء المجلس ويشارك في دورات المجلس  الدول الاعضاء فيه، اضافة لمشاركة المراقبين والخبراء والوكالات المتخصصة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية.

ثالثا: مهام مجلس حقوق الانسان

1- التكفل بجميع مهام ومسؤوليات لجنة حقوق الإنسان والعمل على تحسينها.
2- المراقبة والتحقيق في حالات انتهاك حقوق الإنسان الجسيمة.
3- متابعة مدى التزام الدول بتعهداتها بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
4- إقامة الحوار والحث على التعاون الدولي لمنع حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والاستجابة سريعا في الحالات الطارئة.
5- تقديم توصيات وتقرير سنوي إلى الجمعية العامة بهدف تطوير القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ونود التأكيد على أن فعالية المجلس الدولى لحقوق الإنسان فى تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها هو رهن بضرورة تفادى الانتقائية والبعد عن إزدواجية المعايير .. وتجنب التسييس الذى كان أكثر سهام النقد التى وجهت إلى اللجنة الدولية لحقوق الإنسان السابقة.

الفرع الثالث: المفوضية السامية لحقوق الإنسان

اولا: نشأتها: يرأس المفوضية مفوض سامي يعين من قبل الأمين العام للأمم المتحدة لمدة أربع سنوات بدرجة نائب سكرتير عام وقد أنشأت وظيفة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بتاريخ 20 ديسمبر 1993، وذلك تلبية لمطالب وتوصيات المنظمات غير الحكومية.
ثانيا: مهامها
1) الإشراف على نشاطات الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، وتنسيق برامج الأمم المتحدة للتثقيف والإعلام في ميدان حقوق الإنسان،
2) متابعة بعثات تقصى الحقائق، والتدخل في الحالات الطارئة التي تستدعى إجراءات وقائية، ومتابعة لجان التحقيق.
3) إجراء حوار مع الحكومات والمنظمات الدولية والاقليمية والمنظمات غير الحكومية بهدف ضمان احترام حقوق الإنسان.

المطلب الرابع: دور الوكالات المتخصصة في حماية حقوق الإنسان

للأمم المتحدة عدة وكالات متخصصة تعمل في مجالات متنوعة تشمل الصحة والعمل والتمويل النقدي والتجارة والطيران المدني والاتصالات .. ويؤدي كثير من الوكالات أنشطة متعلقة بحقوق الإنسان منها.

الفرع الاول: منظمة العمل الدولية:

تعتبر اقدم المنظمات الدولية انشئت في سنة 1919 كانت منظمة مستقلة الى ان ارتبطت بالامم المتحدة كوكالة متخصصة بداية من عام 1946 مقرها في جنيف.
تركز في أهدافها على حماية حقوق العمال بتحسين ظروف العمل واجور العمال وساعات العمل وسلامة العمال وحرية قيام النقابات العمالية وتوفير الضمان الاجتماعي وحماية النساء والاطفال من الاستغلال وهي تؤكد ان تحقيق العدالة الاجتماعية يساهم في ضمان السلم والامن الداخلي والدولي.

الفرع الثاني: منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)

منظمة اليونسكو (1945) مقرها بباريس تستهدف بصورة أساسية ضمان حق الإنسان في التربية والتعليم والثقافة وحماية التراث الثقافي...، وقد وضعت عدد من الصكوك والإجراءات لحماية الحق في التعليم، وتعزيز ثقافة عالمية بشأن حقوق الإنسان والسلام، وبدور رئيسي في تنفيذ عقد الأمم المتحدة للتثقيف في مجال حقوق الإنسان (1995م 2004م) ان منظمةاليونسكو(منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) الغرض منها هو المساهمة في صون السلم والامن وذلك من خلال العمل عن طريق التربية والعلم والثقافة.

الفرع الثالث: منظمة الصحة العالمية

هي الوكالة الرئيسية لتعزيز وحماية الحق في الصحة ،(1946) مقرها بجنيف ان دور منظمة الصحة العالمية ليس محصورا في إعداد التشريعات الصحية الدولية بل تقوم بتنفيذ وتمويل عدة نشاطات لتطوير الظروف الصحية للدول خاصة الفقيرة حيث تقدم المساعدة الفنية – التقنية- للدول في المجال الصحي وتساهم في تمويل حملات التلقيح وتوفير تدريب خاص لمراقبة الأوبئة والطوارئ الصحية...

الفرع الرابع: منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة

هي وكالة متخصصة من وكالات الأمم المتحدة المقر الدائم في روما بإيطاليا انشأت منظمة دائمة للأغذية والزراعة يوم 16 أكتوبر عام 1945 تحتفل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بيوم الأغذية العالمي كل عام يوم 16 اكتوبر تهدف هذه المنظمة لحماية الحق في الغذاء يوجد مقرها في روما وقد أنشأت عام 1945 تتمثل مهمة المنظمة في تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز القدرة الإنتاجية والزراعية لذلك تضع المنظمة خبرتها تحت تصرف الدول لرسم السياسات الزراعية.

الفرع الخامس: مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين

تعد المنظمة الدولية للاجئين أول الأجهزة التي تعالج مشكلات اللاجئين. وتتخذ المفوضية من جنيف سويسرا مقرا لها وهي تعقد كل سنة دورة في جنيف شهر أكتوبر لإقرار برامج.
وتعتبر كذلك المفوضية الجهاز الدولي المسؤول عن تنسيق القوانين والإجراءات التي تتخذها الدول المختلفة في ما يتعلق بحق اللجوء وحماية اللاجئين. وقد استبدلت المنظمة الدولية للاجئين بمكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين عام 1951.
وقد تم تبني الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين في الوقت نفسه الذي تم فيه إنشاء مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

المطلب الخامس: طرق و اجراءات – اساليب- حماية حقوق الانسان

تولدت عن النصوص الدولية التزامات على الدول بضمان احترام حقوق وحريات الانسان، وبغرض تطبيق الحماية الواردة في النصوص الدولية ورصدها ووضعها موضع التنفيذ أنشأت الأمم المتحدة عددا من طرق واساليب العمل التي يمكن من خلالها رصد اوضاع حقوق الانسان.

الفرع الاول: اللجان الاتفاقية لحقوق الإنسان

تعرف اللجان بانها الجهاز الذي يسهر على مراقبة تنفيذ الاتفاقية المعنية، وتتشكل اللجان من خبراء يجب ان يراعي في اختيارهم التوزيع الجغرافي العادل وتمثيل مختلف أشكال النظم القانونية ويختلف عدد الخبراء من لجنة لاخرى مع العلم ان اللجنة تبدا عملها عندما تدخل الاتفاقية حيز النفاذ وليس بمجرد صدورها وتعمل اللجان من خلال عقد دورات عادية كما يجوز الدعوة إلي دورات استثنائية.

أولاً: مهام اللجان الاتفاقية

وتختص اللجنة بمراقبة تنفيذ أحكام الاتفاقيات من خلال:
أ- تلقي ودراسة التقارير الأولية والدورية المقدمة من الدول الأطراف واحيانا من المنظمات الدولية وتتقدم باقتراحات وتوصيات ذات طابع عام على أساس نظرها في هذه التقارير.
ب- تتلقى اللجنة شكاوى من الأفراد الذين يدعون بوقوع انتهاكات لحقوقهم من دولهم
ج- يمكن للجنة النظر في البلاغات التى تقدمها دولة ضد أخرى.

ثانيا: انواع اللجان الاتفاقية

وتوجد لجان اتفاقية عامة واخري خاصة بحسب نوع الاتفاقية وهي بالترتيب:
1: اللجان الاتفاقية العامة:
أ‌. اللجنة المعنية بحقوق الإنسان: هي لجنة مشكلة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ب‌. اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: جاء إنشاؤها بقرار من المجلس  الاقتصادي والاجتماعي عام 1985.
2- اللجان الاتفاقية الخاصة:
أ. اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري: مشكلة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
ب. اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة: مشكلة من اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة. ج. لجنة مناهضة التعذيب: مشكلة من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة.
د. لجنة حقوق الطفل: مشكلة من اتفاقية حقوق الطفل

الفرع الثاني: التقارير

تعرف بانها عبارة عن وثيقة تقدمها الدولة الطرف في اتفاقية حقوق الانسان، ويتضمن التقرير بالشرح والتفصيل وضعية الحق الذي تنضمه الاتفاقية وتقدم لاول مرة عند الانظمام للاتفاقية -تقرير أولى-  كما تقدم بشكل دوري -تقارير دورية-.
اولا : انواع التقارير – المقدمة أمام اللجان التعاقدية –
هناك نوعين الحكومية المقدمة أمام اللجان التعاقدية:
1- تقرير أولى: حيث تقدمه الدول الأطراف بشكل عام خلال سنة من الانضمام إلى الاتفاقية وهو اول اتصال بين الدولة واللجنة المعنية وبعدها تقدم الدول.
2- تقارير دورية: حيث تقدمها الدول الأطراف بشكل عام كل أربع سنوات ويعتبر وسيلة للتواصل المستمر بينهما لانه يتضمن الانجازات والصعوبات والاخفاقات التي حدثت في الفترة الواقعة ما بين مناقشة التقرير السابق الحالي.
ثانيا- النظر في التقارير
يتم النظر في التقارير خلال جلسات اللجنة المعنية بالحق، ولضمان إجراء حوار بناء مع اللجنة واعضائها  تتبع الإجراءات التالية:
1- يدعى ممثل الدولة الطرف إلي عرض التقرير بإبداء تعليقات موجزة.
2- ويقوم رئيس اللجنة عادة بدعوة أعضاء اللجنة إلي توجيه الأسئلة وإبداء الملاحظات والتعليقات بصدد كل مسألة من المسائل، ثم يدعو ممثلي الدولة الطرف إلي الرد فورا او لاحقا.
3- يجوز دعوة ممثلي الوكالات المتخصصة والمنظمات غير الحكومية غيرها من الهيئات الدولية ذات الصلة إلي المساهمة في الحوار -تقارير الظل او التقارير المضادة-
4- تتألف المرحلة النهائية من مراحل نظر التقارير في صياغة مشروع الملاحظات الختامية الذى يقدم في شكل ملاحظات و توصيات للدول...

الفرع الثالث: نظام شكاوي الأفراد

يعتبر اسلوب الشكاوى اسلوبا مهما في تعزيز وتنفيذ مقاصد الاتفاقيات الدولية وهنا يجب نشير أن هذا الاجراء المتبع في بعض اللجان يعد اجراءا ثوريا لانه من الصعب تقبل الدولة لان يقوم رعاياها وسكانها بالهجوم عليها على المستوى الدولي وحتى تقبل الدولة بهذا الاجراء فإنها ستكون لا محالة متأكدة من عدم خرقها للاتفاقية التى تحمي ذلك الحق من حقوق الانسان والا فلن تغامر في الموافقة على ان يرفع احد رعاياها شكوى ضدها لفضحها على المستوي الدولي.

اولا- تعريف اسلوب الشكاوى

يعرف اسلوب الشكاوى – الرسائل- بانه نظام يسمح للأفراد تقديم رسالة كتابية إلى اللجنة المعنية لتنظر فيها وتكون الرسالة او الشكوى من افراد ضد الدولة الطرف الداخلين في ولايتها-تحت سلطتها- التي يدعون أنها قد انتهكت أي حق من حقوقهم المذكورة في الاتفاقية.

ثانيا- شروط دراسة الشكاوى والرسائل الفردية

1- شرط الاعتراف المسبق- من الدول-: يجب ان تعترف الدولة مسبقا باختصاص اللجنة في استلام الشكاوي أي انه لا يكفي ان تكون الدولة طرفا في الاتفاقية التي تحمي الحق بل يجب ايضا ان تعترف باختصاص اللجنة في استلام ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد ويكون قبول الدولة باسلوب الشكاوي من خلال اعلان او انظمامها لبروتوكول اضافي يتعلق بإعترافها بقبول الشكاوي ولا يجوز للجنة استلام شكوى تتعلق بدولة طرف في الاتفاقية لا تقبل الشكاوي – أي ان هذا الاجراء لا يطبق تلقائياعلى الدول- 
2- استنفاذ جميع طرق التظلم الداخلية - من الفرد-: أي يجب على الفرد المشتكي استنفاذ جميع طرق التظلم المحلية المتاحة في الدولة قبل التوجه للهيئات الدولية ولا تنطبق هذه القاعدة في الحالات التي تستغرق فيها إجراءات التظلم مدة تتجاوز الحدود المعقولة او يكون الفصل في النزاع صوريا – فساد الجهاز القضائي-.
3- شرط الاختصاص- من اللجنة-: يجب ان توضح المراسلة او الشكوى بدقة نوعية الحق الذي تم انتهاكه وان يدخل حماية هذا الحق في اختصاص اللجنة اي توجد علاقة بين الحق المنتهك واللجنة 
4- ترفض الرسائل المجهولة حيث تقرر اللجنة رفض أية رسالة مقدمة بدون اسم وعنوان المدعي وتحديد الوقائع ...، كما ترفض اللجنة الرسائل التي تتضمن إساءة استعمال هذا الحق كاستعمال اسلوب القذف او العبارات المسيئة للدولة او كل ما يخرج عن اسلوب التعامل الودي.
5- الا تكون المسألة ذاتها محل دراسة من قبل هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

ثالثا- إجراءات دراسة الشكاوى الفردية

1- تحيل اللجنة المختصة أية رسالة قدمت إليها إلى الدولة المتهمة بانتهاك الحق.
2- وتقوم الدولة المذكورة -في غضون ستة أشهر- بموافاة اللجنة بالإيضاحات أو البيانات الكتابية اللازمة لجلاء المسألة، مع الإشارة عند الاقتضاء إلى أية تدابير لرفع الظلم قد تكون اتخذتها.
3- تفصل اللجنة في الشكاوى التي تتلقاها على ضوء المعلومات الكتابية المتوفرة لها من قبل الفرد المعنى ومن قبل الدولة المتهمة في اجتماعات مغلقة.
4- وتقوم اللجنة بإرسال الرأي الذي انتهت إليه إلى الدولة الطرف المعنية وإلى الفرد.
5- تدرج اللجنة في التقرير السنوي – يتضمن مختلف النشاطات- الذي تضعه ملخصا للأعمال التي قامت بها وتذكر فيه قائمة بالدول التي قامت بتنفيذ او التي لم تقم بتنفيذ احكام اللجنة.

الفرع الرابع: البلاغات المقدمة من الدول:

لكل دولة عضو في اتفاقية ما حق تقديم بلاغ  ضد أي دولة أخرى طرف فيها، اذا رأت الدولة المبلغة أن الدولة المبلغ عنها لم تقم بالوفاء بالالتزامات التي رتبتها عليها المعاهدة.

الفرع الخامس: نظام المقرر الخاص- لجان التحقيق، فرق العمل، خبراء…- :

1- تعريف المقرر الخاص: هي آليات غير اتفاقية - لا تنشؤها اتفاقية بل غالبا تتبع اجهزة ح ا- ، يتم فيها تعيين مقررين خاصين لدراسة وضع حقوق الإنسان في دولة معينة - الية قطرية- أو لدراسة حق محدد من حقوق الإنسان - الية موضوعية- ويمكن ان يكون المقرر فردا او جماعة لذلك له تسميات مختلفة منها: مقرر خاص، ممثل خاص للامين العام ، خبير مستقل، فريق عمل، مجموعة لجان التحقيق ... ويعين المقرر الخاص نظرا لكفاءته الشخصية.
2- أنواع  المقررين الخاصين: هناك نوعين للمقررين الخاصين:
أ‌- آليات موضوعية - المقرر الخاص المعني بموضوع:
تبحث في أنواع محددة من انتهاكات حقوق الإنسان فهي تختص بحق محدد، مثل الفريق العامل المعنى بحالات الاختفاء القسرى، المقرر الخاص بحرية الرأي والتعبير والمقرر الخاص بالتعصب الديني المقرر الخاص بيع الأطفال. وقد وجهت الجزائر منذ سنة 2010 دعوة لسبع مقررين خاصين لزيارتها جاء منهم المقرر الخاص بالعنف ضد المرأة، والمقرر الخاص بالإسكان الملائم.
ب‌- آليات قطرية -المقرر الخاص المعني بالدولة:
تعمل ببحث حالة حقوق الإنسان في بلدان محددة، فهي تختص بدول محددة وليس بحق محدد وأنشأت أول آلية قطرية عام 1984 بتعيين المقرر الخاص المعنى بوضع حقوق الإنسان في أفغانستان، ثم تلاه تعيين مقررين خاصين في بلدان أخرى: العراق كمبوديا، والأراضي الفلسطينية المحتلة، والصومال، والسودان، مقرر خاص للكونجو الديمقراطية، واخيرا مبعوث الامم المتحدة الي سوريا في فيفري 2012.
3- مهمة المقررين الخاصين: مهمتهم هي إعداد تقارير إلى للأمم المتحدة عن الموضوع أو الدولة المبعوثين اليها ويشمل الأسلوب الرئيسي الذي يستخدمه المقررون تجميع كل المعلومات ذات الصلة من كافة المصادر - خاصة المنظمات غير الحكومية- ويجوز لهم أيضا القيام بالزيارات الميدانية لمواقع الأحداث.
4- القواعد و الاجراءات العملية التي تضمن نزاهة المهمة: هناك قواعد عملية يجب على الدول إحترامها لضمان موضوعية ونزاهة مهمتهم هي:
أ- حرية وسهولة الحركة خاصة في مناطق يكون الدخول اليها مقيدا.
ب- حرية التحقيق خاصة في السجون ومراكز الإحتجاز، والإتصال بالشهود...
ج- ضمان عدم تعرض المقرر الخاص للتهديدات أو الضغوط او الاغراءات أو الملاحقة القضائية.

المطلب السادس: نظام المسؤولية الجنائية الدولية كآلية لتنفيذ القانون الدولي لحقوق الإنسان -المحكمة الجنائية الدولية-

ساهمت الجهود الساعية إلى تدويل المسؤولية الجزائية، في إيجاد نوع من الحماية، لعدم إفلات المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب وبذلك يتحقق الأثر المانع والرادع للاعتداء على تلك الحقوق.
تعتبر محاكمات الحرب العالمية الثانية في نورمبرغ و طوكيو سابقة تاريخية ذات أهمية كبرى في مجال ملاحقة ومحاكمة مجرمي الحرب، وبعد انتهاء محاكمات نورمبرغ وطوكيو بقيت الملامح العامة للاتجاهات القانونية الدولية تدين الجرائم ضد الإنسانية دون ان نشهد تطبيقات عملية...غير ان هذه  المحاكمات قد مهدت الطريق أمام إنشاء المحاكم الجنائية الدولية الخاصة في التسعينات من القرن الماضي  حيث شُكَّلت محكمتي "يوغسلافيا السابقة " لعام 1993، و"راوندا " لعام 1994 بناء على قرارات مجلس  الأمن، و شهدت هذه المحاكم محاكمة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية أثناء النزاعات المسلحة التي شهدها البلدان وقد مهدتا لظهور المحكمة الدوليه الجنائيه لعام 1998.
أن قمع الجرائم ضد حقوق الإنسان يتم من خلال أربع أنواع من المحاكم الجنائية، تنشأ خصيصاً لمحاكمة مرتكبي الجرائم التي نصت الاتفاقيات الدولية عليها وهي: 1- المحاكم الجنائية الوطنية-العراق– 2- أو المحاكم الجنائية المؤقتة- رواندا، ويوغسلافيا- أو 3- أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة –لاهاي-، او 4- المحاكم الجنائية المدولة والمختلطة- سيراليون لبنان كمبوديا-
والسؤال المطروح :هل يمكن لحماية حقوق الانسان أن تتحقق بتحقق العدالة الدولية؟

الفرع الأول: جهود الأمم المتحدة في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة

قامت لجنة القانون الدولي - منذ نشأة الأمم المتحدة - بناءا على تكليف من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعدة جهود لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة. وقد انتهت كلها بالفشل، بحجة أن وضع المجتمع الدولي المنقسم الي قطبين اشتراكي ورأسمالي، والمنقسم أيضا لدول تدعوا للتدخل لحماية الإنسان وأخرى متمسكة بالسيادة، لا يسمح بقيام القضاء الجنائي الدولي الدائم. إن الانقسام السابق انتقل إلي اللجنة، وشكل تيارين احدهما يرفض قيام المحكمة وتيار آخر يؤيد قيام هذه المحكمة.
غير انه تمخض عن المؤتمر الدبلوماسي المنعقد في روما – بمقر منظمة الأغذية والزراعة- اعتماد النظام الأساسي للمحكمة بموافقة 120 دولة مقابل معارضة 7 دول وامتناع 21 دولة عن التصويت. وفتح باب التوقيع على المعاهدة في 18 جويلية 1998 ودخل النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ من الناحية القانونية في 01/07/2002.
ويعد هذا مرحلة هامة من مراحل التطور المؤسساتي التي مرت بها حقوق الإنسان.

الفرع الثاني: الاتجاهات الدولية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة

أ- الاتجاه المعارض لإنشائها:
1- مبدأ إقليمية القانون الجنائي: إن وجود مثل هذه المحكمة يتنافى ومبدأ إقليمية القانون الجنائي.
2- وسيلة من وسائل التدخل: إن القضاء الدولي يعد وسيلة من وسائل تدخل في الشؤون الداخلية للدول، إذ تتحكم القوى السياسية الكبرى في تحريك هذا القضاء.
ب- الاتجاه المؤيد لإنشائها: -انتصر رأي الاتجاه المؤيد-
1- تسهل مهمة تسليم مجرمي الحرب من رعايا الدول المختلفة لمحاكمتهم.
2- الحد من أعمال الانتقام –الثار- التي تلجأ إليها الدول في زمن الحرب، حيث يمكن اللجوء إلى هذه المحكمة.
3- تراجع مفهوم السيادة الذي لم يعد له ذات القيمة السابقة في ظل تشعب العلاقات الدول.
4- اختصاص المحكمة مكمل: فالمحكمة لا تستأثر بالاختصاص كليا بل وظيفتها تكاملية مع المحاكم الوطنية.

الفرع الثالث: تشكيلة وأجهزة المحكمة الجنائية الدائمة

أولا: القضاة: تتألف المحكمة من ثمانية عشر (18) قاضيا. وينتخب القضاة بالاقتراع السري في اجتماع لجمعية الدول الأطراف، وعند اختيار القضاة يراعى تمثيل النظم القانونية الرئيسة في العالم، ويشغل القضاة مناصبهم لمدة تسعة سنوات، ويتمتع القضاة بالاستقلال في أداء عملهم، حيث لا يزاول أي نشاط قد يتعارض ووظيفتهم القضائية.
ثانيا- هيئة الرئاسة: (رئاسة المحكمة) وهي أعلى هيئة قضائية في المحكمة، وتتكون من 03 أعضاء هم رئيس ونائبين له، وتتولى الرئاسة ممارسة المهام الآتية: 1- مهام عامة هي إدارة المحكمة الجنائية بتشكيلاتها وأجهزتها القضائية كافة باستثناء مكتب المدعي العام 2- مهام الخاصة تتعلق ببعض بالطعون. 
ثالثا- الشعب والدوائر القضائية: (الغرف او المراحل) تنقسم الشعب القضائية في المحكمة الدولية إلى ثلاثة وتشمل:
1) الشعبة التمهيدية: (ما قبل المحاكمة اي مرحلة التحقيق)
من مهام الشعبة التمهيدية النظر في طلبات المدعي العام بإجراء التحقيقات، حيث يمكن أن تأذن بها، ويمكن أن ترفضها إذا رأت ان الأدلة المقدمة غير كافية وهنا يجوز للمدعي العام أن يعيد الطلب إذا قدم أدلة جديدة.
2) الشعبة الابتدائية: (الحكم الابتدائي) تكفل الدائرة الابتدائية في الحكم الابتدائي أن تكون المحاكمة عادلة وسريعة وأن تنعقد في جو من الاحترام التام لحقوق المتهم والمراعاة الواجبة لحماية المجني عليهم والشهود. وأن تحدد اللغة أو اللغات الواجب استخدامها في المحاكمة؛ وتعقد المحاكمة في جلسات علنية واستثناءا في جلسة سرية.
3) الشعبة الاستئنافية: (الحكم النهائي) يجوز استئناف قرار البراءة أو الإدانة أو حكم العقوبة بسبب عدم التناسب بين الجريمة والعقوبة او بسبب وجود خطا في القانون او الإجراءات...
رابعا- مكتب المدعي العام (النيابة العامة) يكون مكتب المدعي العام مسؤولا عن تلقى الإحالات وأية معلومات موثقة عن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، وذلك لدراستها والاضطلاع بمهام التحقيق والمقاضاة أمام المحكمة.
خامسا- قلم المحكمة: (كتابة الضبط) يعد قلم المحكمة الجهاز الإداري المسؤول عن تهيئة الالتزامات الإدارية غير القضائية التي تسهل للمحكمة أداء مهامها على أحسن وجه. ويمارس المسجل مهامه تحت سلطة رئيس  المحكمة.
 سادسا- جمعية الدول الأطراف: يعتبر هذا الجهاز بمثابة السلطة التشريعية للمحكمة الجنائية، تتشكل جمعية الدول الأطراف في النظام الأساسي من ممثلي الدول حيث يمثل فيها كل دولة طرف بممثل واحد. ومن مهامها أيضا النظر في ميزانية المحكمة، أو أي مهمة أخرى تتعلق بهذا النظام الأساسي. لجمعية الدول الأطراف دورات انعقاد عادية وأخرى استثنائية، حيث تجتمع الجمعية بدورة انعقاد اعتيادية واحدة على الأقل في السنة.

الفرع الرابع: اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية الدائمة

اختصاصات المحكمة وهي:
أولا: الاختصاص الشخصي للمحكمة (الشخص مرتكب الجريمة) يقصد بالاختصاص الشخصي اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة الأشخاص الطبيعيين فقط، فلا يسأل عن الجرائم التي تختص بنظرها المحكمة الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية، وتمتد المساءلة الجنائية للفرد لتشمل ليس الفاعل المباشر فقط، وإنما أيضا الشريك والمحرض في ارتكاب الجريمة بأي صورة من الصور، كما ان المحكمة لا تختص بمحاكمة الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما.
ثانيا: الاختصاص الزماني للمحكمة: (زمن ارتكابها) اختصاص المحكمة مستقبلي فقط، ومقتضى ذلك أن نصوص النظام تسري بأثر فوري ومباشر، ولا تطبق إلا على الوقائع والعلاقات التي تقع منذ تاريخ نفاذه ولا تسري أحكامه على الوقائع التي حدثت قبل هذا التاريخ. فالمحكمة لا تختص الا بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة للدولة.
ثالثا- الاختصاص المكاني او القضائي– مباشرة الاختصاص وطرق الإحالة -:الأصل ان المحكمة تختص بالجرائم التي تقع في إقليم كل دولة طرفا في نظام روما، ولكن للمحكمة ايضا صلاحية نظر أي قضية تحال إليها من قبل مجلس الأمن والمدعي العام وبغض النظر عما إذا كانت الدولة المعنية طرفا في النظام أم لا.
وبالتالي للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 5 وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:
(أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت؛
(ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت؛
(ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم.
رابعا: الاختصاص الموضوعي للمحكمة (نوع الجريمة والانتهاكات): يتمثل الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية بما تضمنته المادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة، وذلك في النظر بالجرائم الأشد خطورة والتي هي موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره وهذه الجرائم هي:
1: الإبادة الجماعية -إبادة الجنس البشري- تعني أي فعل من الأفعال، يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أواثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه هلاك كليا أو جزئيا (نطاق-القصد- الجريمة ضيق).
2: الجرائم ضد الإنسانية الأشكال المكونة لهذه الجريمة ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد السكان المدنيين. (نطاق –القصد- الجريمة واسع).
3: جرائم الحرب هي جريمة ناتجة عن الانتهاكات الجسيمة للقوانين والقواعد المنظمة لسير العمليات الحربية والعسكرية، سواء كان النزاع المسلح دولي، او داخلي مثل الجرائم ضد الاسرى.. (نطاق الجريمة فترة الحرب)
4: جريمة العدوان تعتبر جرائم العدوان -الحرب العدوانية- إحدى صور الجرائم ضد السلام – احتلال دولة لأخرى- وهي من أخطر الأفعال نظرا لما قد يترتب عليه من دمار للحضارة الإنسانية.غير ان ممارسة المحكمة لاختصاصها بخصوص هذه الجريمة، يتوقف على اعتماد تعريف لجريمة العدوان.

الفرع الخامس: مبادئ وأسس المحكمة الجنائية الدولية

هناك عدة مبادئ تحكم عمل المحكمة الجنائية الدولية هي:
1- مبدأ نزع الحصانة وعدم الاعتداد بالصفة الرسمية: في القوانين الوطنية تمنح دساتير الدول حصانة دستورية لبعض من يمثلون السلطة... اما في القانون الدولي فالحصانة مرفوضة، حيث جاءت المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية بحكم هام، يقضي بعدم الاعتداد بالصفة الرسمية للأشخاص المتهمين بارتكاب أي من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، سواء فيما يتعلق بالإعفاء من المسؤولية أو فيما يتعلق بتخفيف العقوبة.
2- مبدأ مسؤولية القادة والرؤساء عن أعمال مرؤوسيهم: قررت المادة 28 من النظام الأساسي، مسؤولية القائد العسكري، أومن يقوم مقامه مسؤولية جنائية، عن الجرائم التي ارتكبتها قوات تخضع لإمرته وسلطته الفعليتين.
3- مبدأ التكاملية -الإختصاص التكميلي للمحكمة- إن اختصاص المحكمة الدولية الجنائية مكمل للمحاكم الجنائية الوطنية، فهو مكمل لها ولا ينتزع منها الاختصاص، فالقضاء الوطني هو الأصل أما القضاء الدولي فهو الاستثناء الذي يتدخل في حالة فشل القضاء الوطني.
معني ذلك أن المحكمة الداخلية الوطنية تختص بصفة أصلية للفصل في الجرائم الدولية بشرط أن تكون راغبة وقادرةعلى القيام بهذه المهمة. و بمفهوم المخالفة تكون المحكمة الجنائية الدولية مختصة بنظر الجرائم الدولية في حالة ما إذا وجد فراغ في المحاكمة، وهو فراغ محدد بعدم الرغبة أو عدم القدرة في محاكمة ومعاقبة مرتكب الجريمة.
4- مبدأ الامتناع عن تنفيذ الأوامر التي تنتهك حقوق الإنسان: الأساس القانوني لهذا المبدأ هو نص المادة 33 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
يقصد بهذا المبدأ عدم جواز تنفيذ الأوامر والتعليمات التي تنتهك حقوق الإنسان، لان طاعة المرؤوس –الموظف- للرئيس - المسؤول- يجب أن لا تمتد بأي حال من الأحوال لارتكاب الجرائم او المحرمات.
ولا يعفي الشخص من المسؤولية ومن العقاب إذا ارتكب الجريمة الدولية تنفيذا لأمر حكومة، أو رئيس  عسكريا كان أو مدنيا لأنه لايجوز التذرع او التحجج بطاعة الأوامر والتعليمات لارتكاب جريمة.

خلاصة موجزة الدراسة:

من خلال تناولنا المفصل لحماية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، يمكن أن نتوصل لنتيجة جدّ هامة وهي ان الاعتراف الدولي المعاصر- وبشكل خاص في الأمم المتحدة- قد مر بمراحل خمسة أساسية هي:    
1- مرحلة ظهور الحق: تتعلق بتشكل مفهوم الحق، وانتقائه وتحديده كمبدأ فلسفي وفكري، وغالبا ما تتم هذه المرحلة من خلال كتابات فقهاء القانون والمفكرين، وكذلك التطورات الاجتماعية؛
2- مرحلة القبول: وهو إقرار الحق كمبدأ عام ومعترف به من قبل المجتمع الدولي، إن هذا القرار غالبا ما يأخذ شكل إعلان عالمي أو ومبادئ توجيهية، تتسم بالعمومية وعدم الإلزام؛
3-مرحلة النفاذ: هذه المرحلة تتم من خلال تحديد الحق وتعريفة وتطويره على شكل اتفاقيات دولية ملزمة للدول الأطراف مثل العهدين الدوليين لعام 1966 والاتفاقيات الخاصة الأخرى...؛
4- مرحلة تشكيل آليات التنفيذ: وهذه المرحلة تأتي من خلال إنشاء أجهزة و لجان لمتابعة تنفيذ الاتفاقية الدولية او تقوم على تكوين لجنة تحقيق او تقصي الحقائق ومقرر خاص أو .. ومن خلال تلك الآليات يتم دراسة التقارير والشكاوى و.. وتوجيه النقد الى الحكومات المخالفة؛
5- مرحلة الحماية الجنائية: في هذه المرحلة يبدأ العمل على وضع حد للانتهاكات الواقعة على الحق المعني بالحماية، من خلال نص تجريمي يفرض عقوبات جنائية رادعة علي مرتكبيه.
وفي هذه المرحلة الأخيرة – أي المرحلة الخامسة - يمكن القول أن القانون الدولي لحقوق الإنسان تحول من قانون هش ومرن - SOFT LAW– إلى قانون صلب ومكتمل –HARD LAW-.

المرجع:


  1. د. شوقي سمير، محاضرات في حقوق الإنسان، جامعة محمد دباغين –سطيف 02، الجزائر، ص26 إلى ص51.
google-playkhamsatmostaqltradent