حقوق الإنسان (التعريف، الخصائص، المصادر، التصنيفات)

حقوق الإنسان (التعريف، الخصائص، المصادر، التصنيفات)

حقوق الإنسان (التعريف، الخصائص، المصادر، التصنيفات)

مقدمة

تزايد حجم الاهتمام الدولي والوطني بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في السنوات الأخيرة، إلى الحد الذي أصبح يمكن القول معه أن هذا العصر –وبحق- عصر حقوق الإنسان، ويرجع ذلك أساسا إلى سمو وعلو قيمة الإنسان مصداقا لقول اﷲ تعالى (ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
وقد ازداد اهتمام المجتمع الدولي بحماية حقوق الإنسان، وتردد اليوم الكثير من المفاهيم والأفكار حول حقوق الإنسان وحرياته، وهي في الواقع حقيقة قديمة ولدت مع الإنسان عبر مراحل تطور عديدة في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية، وحقوق الإنسان باعتبارها حقوقا طبيعية تولد مع الإنسان دون اشتراط اعتراف الدولة بها قانونا.[1]
وفي هذه الدراسة سنتعرض أولا إلى تعريف حقوق الإنسان (المطلب الأول) ثم التطرق إلى خصائصه (المطلب الثاني) ثم إلي مصادر حقوق الإنسان (المطلب الثالث) وأخيرا تصنيفات حقوق الإنسان (المطلب الرابع).

المطلب الأول: تعريف حقوق الإنسان

ثمة صعوبات عديدة مرتبطة بتعريف حقوق الإنسان، ترتد إلى تباين الثقافات الإنسانية، والمذاهب الفكرية وتباين الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمختلف الدول، وهذا ما يؤدي إلى اختلاف المعايير والاعتبارات التي يعتمد عليها في تعريف الموضوع.
فالدول الغربية يعتمد مفهومها على المذهب الفردي بمصادره المتعددة، ونجدها تركز على الحقوق والحريات الفردية، وفي إطارها على ما يسمى بالحقوق والحريات التقليدية أي الحقوق والحريات المدنية والسياسية، والتي تعدها مقدسـة، ويتـساوى فيـها الجـميع، وعلى الـدولة عـدم التدخل فيها مما يجعل مضمونها ذو طابع سلبي، بينما نجد الدول الاشتراكية تنتقد الدول الغربية لاعتمادها على الحقوق والحريات التقليدية، والتي لا تلتزم فيها الدولة سوى بالتزام سلبي وهو ما لم يعد كافياً بل لابد من اضطلاعها بدورها وهو ضمان ظروف حياة كريمة للأفراد، وهو ما يجعلها تلتزم إيجابياً، وتعمل على إبراز الانتهاكات التي تعرفها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدول الغربية، وتعمل جاهدة على صيانتها في دولها.
ومع ذلك، فإن هذا التباين لم يمنع من بروز عدة تعاريف أكاديمية لحقوق الإنسان، إذ عرفها "كارل فاساك" بأنها: (تلك الحقوق التي ينبغي الاعتراف بها للإنسان لمجرد كونـه إنسانـاً، وتختلف عـن الحقوق الوضعية في كون المطالبة بها تتوقف على شرط  وهو الحماية القانونيـة لها). وعرفتها "إيفا ماديو" بأنها: (دارسة الحقوق الشخصية المعترف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة، تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى). كما عرفها "جون ريفيرو" بأنها : (حقوق ملازمة أو لصيقة بشخص الإنسان، وإنكارها لا يمنع وجودها لأنها تدور وجودا وعدما مع الكائن الإنساني).
وورد تعريف حقوق الإنسان في قاموس الفكر السياسي بأنها: (الحقوق التي يملكها الكائن البشري لمجرد انه كائن بشري، فحقوق الإنسان تعرف وفقا لذلك ضمن حالة الطبيعة وهي حالة الحرية والمساواة التي يكون عليها الناس قبل أن تقوم فيهم سلطة تحد من حقهم في ممارستها. أما وفق الناحية القانونية فتعرف حقوق الإنسان على أنها حصيلة مكتسبة من خلال كفاحّ إنساني طويل عبر التاريخ، ويكون خطها البياني صاعدا من تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية للإنسان.[2]

المطلب الثاني: خصائص حقوق الإنسان

هناك العديد من الخصائص التي تميز حقوق الإنسان عن غيرها ومن هذه الخصائص:
1- حقوق الإنسان، ثابتة لكل إنسان - ليست منحة من أحد – فهي ثابتة للإنسان باعتباره إنسانا أي أنها لصيقة بالصفة الإنسانية و هي ثابتة سواء تمتع بها أم حرم منها واعتدي عليها وهي ثابتة أي لا تزول باستمرارية الانتهاك.
2- حقوق الإنسان لها طابع الكونية والعالمية: وللعالمية ثلاث أبعاد: أ- العالمية من حيث التكوين والنشأة: ساهمت جميع الحضارات والثقافات والشعوب في تكوينها، ب- العالمية من حيث التطبيق: لجميع الأشخاص الحق في التمتع بها دون تمييز  ج - العالمية من حيث ضمانات الحماية: هناك ضمانات قانونية عالمية يمكن من خلالها حماية الأفراد والمجموعات من الحكومات التي تمس  بها.
3- حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة: أي حقوق الإنسان كل لا يتجزأ، سواء كانت تلك الحقوق حقوق مدنية، أو حقوق ثقافية، أو اقتصادية، أو سياسية، أو اجتماعية، فكلها مترابطة، و إدراك حق واحد غالبا ما يعتمد، كلياً أو جزئياً، على إدراك الحقوق الأخرى، على سبيل المثال: ربما يتوقف إدراك الحق في الغذاء،على إدراك الحق في العمل، او يتوقف حق الحصول على العمل على حق التعلم.
4- حقوق الإنسان لا تقبل التصرف - التنازل عنها-: أي لا يمكن انتزاعها؛ او التصرف فيها أو نزع ملكيتها، ولا يمكن لإنسان يملك تلك الحقوق أن يتنازل عنها حتى طوعاً، كما لا يمكن للآخرين أن يسلبوها، والتنازل عن بعض الحقوق قد يكون مخالفا للقانون وباطلا- كبيع جزء من الجسم او التنازل عن حق العودة للفلسطينيين-.
5- حقوق الإنسان متطورة ومتجددة ومتغيرة: فهي تواكب تطورات العصر في تجذرها وتجددها لتشمل مختلف مجالات الحياة.
6- حقوق الإنسان تخضع للمساءلة: على ممثلي الدول – المسؤولين-  أن يخضعوا للمسائلة من قبل الجهات القضائية أو الجهات المعنية بمراقبة حقوق الإنسان، الدولية والداخلية. وحين يثبت إخفاقهم او تسببهم في المساس بالحقوق، يحق للمتضررين اتخاذ الإجراءات المناسبة للاقتصاص أمام المحاكم المختصة أو أي جهة أخرى ذات اختصاص وذلك وفقا للقواعد والإجراءات التي ينص عليها القانون.

المطلب الثالث: مصادر حقوق الإنسان

تتكون مصادر حقوق الإنسان من ثلاثة مصادر رئيسية هي:
أولا: المصدر الدولي العالمي: و يشمل المواثيق الدولية في الأمم المتحدة، وتنقسم هذه المواثيق بدورها إلى مواثيق عامة ومواثيق خاصة.
1- المواثيق العامة-: وهي تلك المواثيق التي تكفل معظم حقوق الإنسان، فهي شاملة لجميع الفئات والحقوق، كما أنها تعتبر بمثابة الإطار المرجعي الأساسي وتسمي هذه الوثائق "الشرعة الدولية لحقوق الإنسان" كما تسمي "الميثاق الدولي لحقوق الانسان" وتتكون هذه المواثيق من:
- حقوق الإنسان ميثاق الأمم المتحدة للعام1945.
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.
- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966.
- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية للعام 1966.
2- المواثيق الخاصة: وهي تلك المواثيق التي تفَسِر وتفَصِل الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وهي نوعين: 
أ- اتفاقيات خاصة بفئات ضعيفة محددة كاللاجئين، والنساء، والأطفال، والأقليات والشعوب الأصلية والمعاقين... 
ب- اتفاقيات خاصة بحقوق محددة كالحق في العمل أو التعليم او الصحة أو كمنع التعذيب أو الرق.
2- المصدر الدولي الإقليمي: ويشمل مواثيق حقوق الإنسان في المنظمات الإقليمية، كمواثيق حقوق الإنسان في أوروبا وفي منظمة الدول الأميركية ومنظمة الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
ثالثا - المصدر الوطني:هي الدساتير والتشريعات الوطنية التي تتضمن نصوصا تكفل حقوق الإنسان. 
رابعا - المصدر الديني: هذا المصدر من المصادر الأساسية في بعض الدول التي تستمد أحكامها القانونية من الدين، فبعض الدول الإسلامية تعتبر الإسلام من المصادر الرئيسية للدستور والتشريع، وهو أيضا من المصادر الاحتياطية عند الدول التي تلجأ إلى الشريعة الإسلامية بعد استنفاذ النصوص التشريعية.

المطلب الرابع: تصنيفات –أنواع- حقوق الإنسان

يمكن تصنيف تلك الحقوق إلى أربع فئات أو أجيال:  
اولا- الحقوق المدنية والسياسية: تسمى بالجيل الأول من الحقوق-ازدهرت مع الفكر الليبرالي-
ويندرج تحت هذا الجيل الأول الحقوق اللصيقة بشخصيته وبكرامته ، والحقوق الخاصة بفكر الإنسان- حقوق مدنية- إضافة للحقوق والحريات السياسية.
1- الحقوق المدنية: وهي الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان وبكرامته وشرفه والحقوق والحريات الخاصة بفكر الإنسان.
أ- الحقوق والحريات اللصيقة بشخصية الإنسان وبكرامته وشرفه -الحد الأدنى من الحقوق-
وتتصل هذه الحريات بشخص الإنسان، وضمانها يحدد مدى تحقيق كرامة الإنسان لأنها تشكل الحد الادني من الحقوق و تبرز أهميتها لاتصالها بكيان الفرد ومقدار تمتعه بها يحدد مقدار تمتعه بالحقوق والحريات الأخرى ومن أهم هذه الحقوق الحق في الأمن ويعتبر هذا الحق في الأمن حقا أصليا وتستند إليه كافة الحقوق الأخرى: لأنه يضمن حق الإنسان في الأمن على حياته وسلامته الجسدية والحماية من الاعتداء عليه بالقبض أو حبسه أو تقييده تعسفيا، حقه في أن يكون حرا من العبودية وحق الإنسان في الخصوصية واحترام الشرف والكرامة، وحرية التنقل ومنها أيضا الحق في المساواة والحق في محاكمة عادلة والحق في الجنسية...
ب- الحقوق والحريات الخاصة بفكر الإنسان: هذه المجموعة يغلب عليها الطابع الفكري والعقلي للإنسان، وتضم حرية العبادة والعقيدة وحرية الرأي والتعبير وحرية الاجتماع، وكذلك حق إنشاء الجمعيات المدنية والانخراط فيها.
2-الحقوق السياسية: وهي تتعلق بمشاركة الأفراد في الحياة السياسية كالحق في التصويت في الانتخابات، والاستفتاءات وحق الترشح لعضوية المجالس النيابية والولائية والمحلية، وكذا حق الاشتراك في تكوين الجمعيات ذات الطابع السياسي والأحزاب...
ثانيا- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: وهذه الحقوق تسمى بالجيل الثاني من الحقوق، -ازدهرت مع المذهب الاشتراكي الذي نادى بالعدالة الاجتماعية وتدخل الدولة-
وهي تتضمن الحقوق والحريات ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي يطلق عليها الفقيه  كارل فزاك droits de l’égalité"" "تسمية "حقوق المساواة" أو "droits de creance" "حقوق الدائنية".
1- الحقوق الاقتصادية: وهي مجموعة الحقوق المتصلة بالنشاط الاقتصادي، بكل جوانبه ومجالاته الفردية والجماعية لبلوغ الحياة الكريمة، لما ينتج عن هذا النشاط من ثروات مادية وهي من امثلته الحق في العمل ويتفرع عن هذا الحق الحق في الأجر وتكوين النقابات وحق الإضراب الحق في الحماية والأمن من الأمراض المهنية، والضمان الاجتماعي، الحق في الراحة ...، وأيضا حق الملكية ويتفرع عن هذا الحق الحق في الرهن والإيجار والبيع و الشراء الحق في الإرث وكل ما يتعلق بحرية النشاط الاقتصادي.
2- الحقوق الاجتماعية: وتندرج ضمنها مجموعة من الحقوق التي ينجم عنها تحقيق نوع من المساواة الاجتماعية -إلى جانب المساواة السياسية بين أفراد المجتمع- مما يكفل كرامة الإنسان ، ومن بينها الحق في الصحة- الوقاية من الأمراض والأوبئة، وخلق ظروف من شأنها تأمين الخدمات والعناية في حالة المرض وتوفير العلاج- الحق في السكن اللائق، والمستوى اللائق للمعيشة؛ والحق في الغذاء الحق في تكوين أسرة، الحق في الرعاية الاجتماعية للأسرة والطفولة والشبيبة والشيخوخة.
3- الحقوق الثقافية: ويدخل ضمن الحقوق الثقافية التي تعني حق كل إنسان في الثقافة، الحق في التعلم، والحق في حماية التراث الثقافي وحقوق الهوية...
ثالثا- الحقوق الجماعية- حقوق الشعوب-: وهذه الحقوق تسمى الجيل الثالث هذه الحقوق ذات بعد إنساني جماعي لذلك تعتبر حقوقا للشعوب وهي الحقوق التي كثرت المطالبات حولها مع استقلال الدول الإفريقية لذلك ركزت عليها المواثيق الإفريقية كالحق في التنمية، والحق في السلم، والحق في بيئة نظيفة، والحق في السيطرة على الثروات الطبيعية، وحق تقرير المصير السياسي والاقتصادي والاجتماعي...
رابعا-الحقوق المبرمجة – المستقبلية- تسمي حقوق الجيل الرابع وهي توصف بكونها حقوق الرفاهية وتوجد خاصة في ظل دول الاتحاد الأوربي: مثالها الحق في السياحة والحق في جودة الحياة
ملاحظات:
- البعض يقسم الحقوق إلي حقوق فردية- الجيل الأول والثاني- و حقوق جماعية.
- البعض يرفض أصلا تقسيم وتصنيف حقوق الإنسان بحجة أنها تخالف مبدا عدم قابلية الحقوق للتجزئة بمعنى أن البعض يتخوف من ان وضع حقوق الإنسان في مجموعات وتصنيفات قد يؤدي للاهتمام ببعض الحقوق وإهمال أخرى مما يمس بتماسك حقوق الإنسان وترابطها فمثلا لا أهمية لإقرار الحقوق السياسية، دون توفير أدنى مستوى المعيشة لحفظ كرامة الإنسان.[3]

المراجع:

  1. حساني خالد، محاضرات في قانون الإنسان، جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية، الجزائر، السنة الجامعية 2014-2015.
  2. بوجلال صلاح الدين، محاضرات في قانون حقوق الإنسان جامعة سطيف 2، الجزائر، السنة الجامعية 2013-2014.
  3. شوقي سمير، محاضرات في حقوق الإنسان، جامعة محمد لمين دباغين – سطيف02، الجزائر.


[1] حساني خالد، محاضرات في قانون الإنسان، جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية، السنة الجامعية 2014-2015، ص1.
[2] بوجلال صلاح الدين، محاضرات في قانون حقوق الإنسان جامعة سطيف 2، السنة الجامعية 2013-2014، ص2، 3.
[3] شوقي سمير، محاضرات في حقوق الإنسان، جامعة محمد لمين دباغين – سطيف02، الجزائر، ص5 إلى ص9.
google-playkhamsatmostaqltradent