أساليب التنظيم الإداري

أساليب التنظيم الإداري

أساليب التنظيم الإداري

تمهيد:

تنحصر أساليب التنظيم الإداري في الدولة في المركزية الإدارية من جهة (المطلب الأول)، واللامركزية الإدارية من جهة أخرى (المطلب الثاني).
على أن المفاضلة بين النظامين - أي الأخذ بالمركزية الإدارية لوحدها أو تطبيق اللامركزية الإدارية بجانبها -، يتوقف على الأسلوب الذي تختاره الدولة في تنظيمها الإداري، والذي يكون وليدا لظروف سياسية واقتصادية واجتماعية من جهة، ودرجة التشبع بفكرة الديمقراطية في المجالين السياسي والإداري من جهة أخرى.

المطلب الأول: المركزية الإدارية (La centralisation administrative)

إن التطرق إلى المركزية الإدارية كأسلوب للتنظيم الإداري، يقتضي بداية التعريف بفكرة المركزية الإدارية (الفرع الأول)، ثم بعد ذلك التطرق إلى صورها (الفرع الثاني)، ثم الحديث عن عناصر هذا النظام (الفرع الثالث)، وأخيرا البحث عن تطبيقات المركزية الإدارية في الجزائر (الفرع الرابع).

الفرع الأول: تعريف المركزية الإدارية

يقصد بنظام المركزية الإدارية، وحدة السلطة التي تباشر الوظيفة الإدارية في الدولة أي حصر مظاهر النشاط الإداري بصوره المختلفة في يد سلطة إدارية واحدة يطلق عليها عادة الحكومة المركزية، تباشره من عاصمة البلاد إما بمفردها، أو بمشاركة ممثليها عبر الأقاليم.
والسائد في معظم الدول التي تتبع أسلوب المركزية الإدارية أن تنحصر السلطة الإدارية في رئاسة الدولة ومجلس الوزارء فيها والوزارء. إلا أن ذلك لا يعني قيام الوزارء بجميع الأعمال الإدارية في جميع أنحاء البلاد، كون أن ذلك ضرب من المستحيل في الدولة الحديثة، ولذلك يقتضي التنظيم الإداري حتى في ظل المركزية الإدارية، وجود هيئات إدارية مختلفة في أقاليم الدولة للتعامل اليومي مع المواطنين، وهي هيئات تابعة للسلطة الإدارية المركزية في العاصمة.

الفرع الثاني: صور المركزية الإدارية

تأخذ المركزية الإدارية في الواقع إحدى صورتين، فإما أن تأخذ شكل المركزية المتطرفة، أو ما يسمى بالتركيز الإداري (أولا). وٕإما أن تأخذ شكل المركزية المبسطة، أو ما يسمى بعدم التركيز الإداري (ثانيا). 

 أولا: التركيز الإداري (La concentration administrative)

 إن التركيز الإداري كصورة لنظام المركزية الإدارية، يعني أن الوظيفة الإدارية في كلياتها وجزئياتها تكون مركزة في يد السلطات العليا في الدولة. فهذه وحدها هي التي تملك سلطة البت النهائي في كل المسائل الإدارية، بحيث لا تترك للموظفين التابعين لها بالإدارات والمصالح الحكومية، سواء بعاصمة البلاد، أو في مختلف أقاليم الدولة، سوى تنفيذ ما اتخذته السلطات العليا في الدولة.

ثانيا: عدم التركيز الإداري (La déconcentration)

يقوم أسلوب عدم التركيز الإداري على توزيع السلطات والاختصاصات الإدارية بين الحكومة المركزية وممثليها عبر الأقاليم، بحيث تمنح لهؤلاء بعض الصلاحيات والاختصاصات والسلطات للقيام بالعمل الإداري مع بقائهم تابعين للحكومة المركزية ومعينين من قبلها دون أن يترتب على ذلك استقلالهم عنها، إذ يبقون خاضعين للتوجيه والرقابة والإشراف من قبل السلطات المركزية.
هذا وتجدر الإشارة، إلى أنه إذا كان عدم التركيز الإداري يقوم على توزيع الوظيفة الإدارية بين شاغليها على مستوى العاصمة، وممثليهم عبر الأقاليم المختلفة للدولة، فإن هذا التوزيع يتم إما بقانون، وٕإما بموجب قرار بالتفويض.
وٕإذا كان توزيع الوظيفة الإدارية بموجب قانون لا يثير إشكالات كبيرة، ما دام أن الأمر يتعلق بإرادة المشرع الذي منح صراحة المرؤوسين سلطة البت النهائي في بعض الأمور الإدارية الداخلة في اختصاصاتهم، ودون الرجوع في ذلك إلى الرئيس الإداري الأعلى، فإن توزيع الوظيفة الإدارية بموجب قرار بالتفويض يقتضي التطرق إلى مفهوم التفويض الإداري (I)، ثم محاولة التمييز بينه وبين التصرفات المشابهة له (II).

I) المقصود بالتفويض الإداري

تستلزم ضرورات العمل الإداري وحسن سير المرافق العامة أن يكون هناك تفويض إداري، وهو أن يعهد صاحب الاختصاص بممارسة جزء من صلاحياته إلى أحد مرؤوسيه، شرط أن يسمح القانون بذلك، وأن تكون ممارسة الاختصاص المفوض تحت رقابة الرئيس الإداري صاحب الاختصاص الأصيل.
وعلى هذا، فإن للتفويض الإداري شروط لا بد من توافرها حتى يكون القرار الصادر بشأنه سليما ومطابقا لمبدأ المشروعية. هذه الشروط يمكن إجمالها فيما يلي:
1) وجود نص يبيح التفويض: ومعنى ذلك أن التفويض لا يكون مشروعا ما لم يسمح به القانون، إذ لا تفويض بغير نص.
2) أن يكون التفويض جزئيا: فلا يجوز أن يفوض الرئيس الإداري جميع صلاحياته، لأن ذلك يعد تنازلا منه عن مباشرة اختصاصاته المحددة قانونا.
3) بقاء المفوّض مسؤولا عن أعمال المفوض إليه: ومفاد ذلك أنه بالرغم من التفويض فإن آثار الأعمال تنصرف للأصيل.
4) عدم جواز تفويض الأعمال المفوّضة: ومعنى ذلك أنه لا يجوز للمفوض إليه أن يفوض غيره، وٕإلا كان قراره معيبا بعدم الاختصاص.
وٕإذا كان التفويض بهذه الشروط جائزا، وبإمكان الرئيس أن يعهد إلى أحد مرؤوسيه بجزء من صلاحياته، فهل يجوز له باعتباره أصيلا أن يباشر الاختصاصات التي فوضها أثناء فترة التفويض؟
ذهب فريق من الفقه إلى الإجابة عن السؤال بالنفي، فحسب هؤلاء الفقهاء، إذا أراد الأصيل مباشرة الاختصاصات التي فوضها، يجب عليه قبل ذلك أن يقوم بإلغاء قرار التفويض إما كليا أو جزئيا، كما يقوم بتبليغ هذا القرار الجديد إلى المفوض إليه، وبعد ذلك يباشر الاختصاصات التي فوضها (وألغى التفويض بشأنها).
في حين ذهب فريق آخر - وهو الأولى بالإتباع - إلى وجوب التمييز بين الاعتبارات القانونية والاعتبارات العملية للتفويض:
فطبقا للاعتبارات القانونية: والمتمثلة في أن العلاقة التي تربط الأصيل بالمفوض إليه هي العلاقة التي تربط الرئيس بمرؤوسه. فما دام أن المفوض إليه هو مرؤوس للمفوض، بإمكان هذا الأخير أن يباشر الاختصاصات التي فوضها أثناء فترة التفويض، إعمالا للقواعد العامة التي تحكم النظام المركزي، والتي يجوز من خلالها للرئيس الإداري أن يباشر رقابته على مرؤوسيه (الإلغاء، السحب، الحلول) هذا من جهة. و من جهة أخرى، فإن المسؤولية في التفويض يتحملها الأصيل، أي المفوض وليس المفوض إليه، ومن هنا يجوز للأصيل أن يباشر اختصاصات المفوضة أثناء فترة التفويض.
أما طبقا للاعتبارات العملية: فإن الغرض من التفويض هو تخفيف العبء عن الأصيل، وذلك حتى يتفرغ لأهم المسائل، ويتخذ فيها قراراته بعد دراسة متأنية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن الغرض من التفويض هو خلق روح المبادرة لدى المرؤوسين، وتعويدهم على تحمل المسؤوليات، وبالتالي خلق روح المبادرة لديهم لتقوية الثقة في أنفسهم. ومن جهة ثالثة، لو سمح للأصيل بمباشرة الاختصاصات المفوضة أثناء فترة التفويض، فإن ذلك قد يترتب عليه تتضارب القرارات، وفي هذا مساس بمبدأ وحدة القيادة والأمر. وعليه لو تم التمسك بالاعتبارات العملية للتفويض لأمكن القول بأنه لا يجوز للأصيل أن يباشر الاختصاصات التي فوضها أثناء فترة التفويض.
ومن هنا يخلص أصحاب هذا الرأي على وجوب التوفيق بين الاعتبارات القانونية للتفويض ،والاعتبارات العملية له، وعليه فإن الجواب الذي يقدمونه للسؤال المتعلق بمدى إمكانية ممارسة الأصيل للاختصاصات التي فوضها أثناء فترة التفويض تكون على الشكل التالي: إذا كان من حق الأصيل قانونا ممارسة الاختصاص المفوضة، فإنه مع ذلك لا يلجأ إلى استعمال هذا الحق إلا في الحالات الاستثنائية المحضة تاركا الفرصة للمفوض إليه في مباشرة الاختصاصات المفوضة إليه.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن التفويض على نوعين: تفويض الاختصاص (délégation de competence (، وهو ما الحديث عنه لحد الآن، وتفويض التوقيع (délégation de signature).
فإذا كان يقصد بتفويض الاختصاص، تنازل الأصيل عن جزء من اختصاصاته لفائدة المرؤوس بمقتضى نصوص قانونية، فإن تفويض التوقيع يقصد به تنازل الأصيل عن عملية مادية هي مجرد التوقيع على القرارات باسم الأصيل.
وٕإذا كان هذان النوعان يشتركان في الشروط الواجب توافرها، لتحقق كل منهما، والتي من بينها ضرورة استنادهما إلى نص قانوني، وأن يتم النشر أو الإعلان عنهما، فإنهما يختلفان من حيث النتائج التي تترتب على كل واحد منهما، وذلك على الشكل التالي:
1- في تفويض الاختصاص لا يباشر مبدئيا الأصيل الاختصاصات التي فوضها أثناء التفويض. أما في تفويض التوقيع فيجوز للأصيل أن يقوم هو الآخر بالتوقيع إلى جانب المفوض إليه.
2- إن تفويض السلطة يوجه إلى الشخص بصفته لا بذاته، فالأمر يتعلق بصفة الشخص، كتفويض الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي،  وبالتالي لو تغير المفوض آو المفوض إليه، فإن التفويض يبقى قائما. وعلى العكس من ذلك، فإن تفويض التوقيع يوجه إلى الشخص بذاته، أي باسمه. و يترتب على ذلك زوال التفويض إذا تغير أحد أطراف العلاقة فيه.
3- تنسب القرارات الصادرة في تفويض الاختصاص إلى المفوض إليه، وبالتالي فإنها تأخذ مرتبته (المفوض إليه) في السلم الإداري. أما القرارات الصادرة في تفويض التوقيع، فإنها تنسب إلى الأصيل، وبالتالي فإنها تأخذ مرتبته (الأصيل) في السلم الإداري.

II) تميز التفويض عن التصرفات المشابهة

للوقوف على خصائص التفويض، يستوجب الأمر التعرف على التصرفات المشابهة للتفويض (1)، ثم بعد ذلك التمييز بين هذه التصرفات وبين التفويض (2).
1- تعريف التصرفات المشابهة للتفويض: تمت الإشارة أعلاه إلى أن التفويض هو أن يعهد الرئيس الإداري (الأصيل) بممارسة جانب من اختصاصاته التي يستمدها من النصوص القانونية إلى موظف آخر(المفوض إليه)، وفقا للنصوص القانونية. ومع ذلك، هناك تصرفات أخرى مشابهة للتفويض، والمتمثلة في الحلول (أ) والإنابة (ب). 
أ - الحلول (La substitution ou la suppléance): يقصد بالحلول انتقال جميع اختصاصات الأصيل في حالة قيام مانع يحول دون ممارسته لاختصاصاته، إلى موظف آخر بقوة القانون.
فالحلول يفترض قيام مانع  يمنع الأصيل من مباشرة الاختصاصات المنوطة به. والمانع قد يكون بصفة مؤقتة، كالعطلة، أو التوقف عن الخدمة في الوظيفة. وقد يكون المانع بصفة دائمة، كالتسريح من الوظيفة، أو الإحالة على التقاعد، أو الوفاة.
والحلول يتم بقوة القانون عند تحقق المانع، أي أن الشخص الذي سوف يمارس الاختصاصات التي كانت بيد الأصيل، يقوم بها مباشرة دون حاجة لصدور قرار بذلك. والأصل أن يكون الحلول كليا، أي شاملا لجميع الاختصاصات التي كان يمارسها الأصيل، إلا إذا وجد نص قانوني يقضي بخلاف ذلك، ففي هذه الحالة ،يجب احترام النص القانوني.
ب- الإنابة (L’intérim): ويقصد بها أن تصدر جهة إدارية قرارا بتعيين أحد الموظفين لممارسة اختصاص موظف آخر تغيب لسبب من الأسباب عن مزاولة مهامه. فالإنابة تفرض ثلاثة أطراف هي: الطرف الأول وهو الأصيل الذي تغيب عن ممارسة مهامه. أما الطرف الثاني، فهو المنيب، أي الجهة التي أصدرت قرار الإنابة. وغالبا ما تكون هذه الجهة جهة رئاسية لكل من الأصيل والنائب. مع ملاحظة أن هذه الجهة، يجب عليها أن تستند عند إصدارها لقرار الإنابة إلى نص قانوني يسمح بذلك، أو إلى مبدأ من المبادئ العامة للقانون. أما الطرف الثالث، فهو النائب الذي صدر له قرارا لمباشرة اختصاصات الأصيل.
2- الفرق بين التفويض والحلول والإنابة:
يتمثل الفرق بين التفويض والحلول والإنابة فيما يلي:
أ- التفويض والإنابة أعمال إدارية تحتاج إلى صدور قرار. وٕإذا كان هذا القرار يصدر في التفويض من الأصيل، فإنه يصدر في حالة الإنابة من جهة إدارية أخرى. أما الحلول فإنه يتم بقوة القانون عند تحقق سببه، ودون أي تدخل من الأصيل أو أية جهة أخرى.
ب– في حالة التفويض فإن الأصيل باق، بحيث يمارس الاختصاصات التي لم يتنازل عنها للمفوض إليه، بل إنه يمارس سلطته الرئاسية على المفوض إليه باعتباره رئيسا إداريا له. أما في حالتي الحلول والإنابة فلا وجود للأصيل، ذلك أنه لا يمكن تصور وجود الحال أو النائب إلا باختفاء الأصيل.
ج– التفويض جزئي، فهو لا ينصب سوى على جزء من اختصاصات الأصيل. أما الحلول والإنابة فهما كليان، أي يشملان كل الاختصاصات التي كان يمارسها الأصيل.
د - في التفويض لا يجوز للمفوض إليه أن يفوض غيره الاختصاصات التي تلقاها عن طريق التفويض.أما الحال والنائب بإمكانه أن يفوض غيره إذا توفرت الشروط القانونية للتفويض.
ه - ترتبط القرارات الصادرة في التفويض بمرتبة المفوض إليه في السلم الإداري. أما القرارات الصادرة في الحلول والإنابة، فإنها تأخذ مرتبة الأصيل في السلم الإداري.
و– يتحمل الأصيل المسؤولية بالنسبة للأعمال الصادرة إعمالا للتفويض. أما المسؤولية عن الأعمال الصادرة إعمالا للحلول أو للإنابة، فتحملها الحال في الحلول، والنائب في الإنابة.

المطلب الثاني: عناصر المركزية الإدارية

تقوم المركزية الإدارية على ثلاثة أركان أو عناصر أو دعائم أساسية هي:
تركيز الوظيفة الإدارية في يد السلطة المركزية (الفرع الأول)، والتدرج السلمي (الفرع الثاني)، وأخيرا على فكرة السلطة الرئاسية (الفرع الثالث).

الفرع الأول: تركيز الوظيفة الإدارية في يد السلطة المركزية

ومعنى ذلك تركيز سلطة ممارسة الوظيفة الإدارية في يد السلطة التنفيذية بالعاصمة، أو قد يساعدها في ذلك مجموعة من الهيئات التابعة لها والخاضعة لإشرافها ولرقابتها، مما يؤكد على عدم وجود أشخاص معنوية أخرى إقليمية كانت أو مرفقية مستقلة عن السلطة المركزية في هذا النظام.

الفرع الثاني: التدرج السلمي (administrative La hiérarchie)

ومعناه أن يخضع موظفي الإدارة المركزية لمبدأ التدرج الذي يأخذ شكل الهرم المتدرج والمترابط، بحيث تكون الدرجات الدنيا تابعة للدرجات التي تعلوها وصولا إلى أعلى السلم الإداري، وهذه الدرجات تكون ما يسمى بنظام التسلسل الإداري ،الذي من خلاله تتشكل طبقتي الرئيس والمرؤوس ومن هنا تبرز علاقة التبعية والسلطة الرئاسية.

الفرع الثالث: السلطة الرئاسية (Le pouvoir hiérarchique)

تعد السلطة الرئاسية أو الرقابة الرئاسية أهم ركائز المركزية الإدارية، وهي حق معترف به للرؤساء الإداريين بدون الحاجة لوجود نص قانوني بذلك، فهي تمثل العلاقة القانونية القائمة بين الرئيس والمرؤوس أثناء ممارسة النشاط الإداري، كما أنها تعبر عن التبعية الإدارية. 
وتأخذ الرقابة الرئاسية إحدى مظهرين، فإما أن تمارس على الأشخاص (أولا)، وٕإما أن تمارس على الأعمال (ثانيا). 

أولا: الرقابة على الأشخاص

تتمثل هذه الرقابة في مجموعة من الاختصاصات التي يباشرها الرئيس الإداري تجاه مرؤوسيه، وذلك فيما يتعلق بتعينهم، وترقيتهم، ونقلهم، وتأديبهم.

ثانيا: الرقابة على أعمال المرؤوسين

تتضمن هذه الرقابة صورتين: فقد تكون سابقة على ممارسة هذه الأعمال (I)، وتأخذ في هذه الحالة أسلوب التوجيه والنصح والإرشاد. وقد تكون لاحقة على ممارسة تلك الأعمال، وذلك من أجل التحقق من مطابقتها للنصوص القانونية (II).

I) الرقابة السابقة على أعمال المرؤوسين

تتمثل هذه الرقابة في سلطة التوجيه والنصح، وذلك بقصد تدريب الموظفين على شؤون أعمالهم، وٕإعانتهم على فهم النصوص القانونية. وفي هذا الصدد فإن هذه الرقابة تكون في شكل تعليمات أو أوامر أو منشورات.
إن هذه الرقابة قد تكون موجهة إلى موظف معين، سواء كانت شفاهة أو كتابة، كما قد تكون موجهة إلى طائفة غير محددة من الموظفين، وفي هذه الحالة فإنها تأخذ دائما شكلا كتابيا.
ومن المستقر عليه في فقه القانون العام أن مثل هذه التوجيهات ما هي إلا إجراءات إدارية داخلية، أي أنها لا تعد كقاعدة قرارات إدارية قابلة للطعن فيها بدعوى تجاوز السلطة وعلى ذلك، فلا يلتزم بها سوى الموظفين الذين وجهت إليهم، والذين يلتزمون من المفروض بإطاعتها، وٕإلا تعرضوا للمسؤولية التأديبية.
إلا أن السؤال الذي يجب طرحه في هذا الصدد يتمثل في معرفة ما مدى طاعة المرؤوس للأوامر الصادرة إليه من الرئيس؟ بمعنى هل يلتزم الموظفون بإطاعة تلك الأوامر مهما كانت، أي سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة؟
لابد أن هنا من التمييز بين فرضين: الفرض الأول يتمثل في الأوامر المشروعة الصادرة من الرئيس الإداري، أما الفرض الثاني فيتعلق بالأوامر غير المشروعة الصادرة من الرئيس الإداري. 
الفرض الأول: وفيه تكون الأوامر والتوجيهات الصادرة من الرئيس الإداري للمرؤوس مشروعة
 ففي مثل هذه الحالة يجب على المرؤوس أن يقوم بتنفيذ تلك الأوامر والتوجيهات، ذلك أن السلطة الرئاسية في مظاهرها المختلفة يمارسها من المفروض رؤساء لهم من الخبرة والأقدمية ما يجعلهم أكثر دراية لحاجات العمل الإداري، بل أكثر من ذلك، فإن الرئيس الإداري هو المسؤول الأول عن سير العمل الإداري في الهيئة التي يشرف عليها. لذلك فإن إطاعة الأوامر والتعليمات في هذه الحالة أمر تمليه طبائع الأمور.
الفرض الثاني وفيه تكون الأوامر والتوجيهات الصادرة من الرئيس الإداري غير مشروعة: هنا اختلف الفقه في الجواب على هذا السؤال:
فلقد ذهب رأي إلى القول بأن المرؤوس غير ملزم باحترام تلك الأوامر والتعليمات، لأنه مطالب أولا باحترام القانون، ومراعاة أحكامه. والقول بغير ذلك، معناه الخروج على أحكام المشروعية، هذا المبدأ الذي يجب أن يعمل في إطاره كل من الرئيس والمرؤوس.
إلا أن هذا الرأي يترتب عليه، أنه بإعطائه للمرؤوس سلطة تقدير مدى مشروعية الأوامر والتوجيهات الصادرة إليه من رئيسه الإداري، فإن ذلك من شأنه إعاقة الأعمال الإدارية ذلك أن المرؤوس من أجل التهرب من القيام بالأعباء الملقاة عليه، سوف يحتج بأن الأمر الصادر إليه هو أمر غير مشروع، وفي هذا مساس بمبدأ سير الأعمال الإدارية بانتظام وباضطراد.
ولقد ذهب رأي آخر إلى القول بعكس ذلك، إذ اعتبر بأن المرؤوس عليه أن ينفذ الأوامر والتوجيهات الصادرة إليه من رئيسه الإداري مهما كان الأمر، ودون البحث فيما إذا كانت مشروعة أو غير مشروعة، ما دام ان العلاقة التي تربط الرئيس بالمرؤوس هي علاقة تبعية وخضوع.
إلا أن هذا الرأي يؤخذ عليه إهماله لشخصية المرؤوس بحيث يتحول إلى شبه آلة تنفذ الأوامر فقط. 
وأخيرا هناك رأي ثالث يتوسط الرأيين السابقين، وهو الأولى بالإتباع. ومؤدى هذا الرأي الأخير هو أنه إذا كانت طاعة الأوامر والتوجيهات من حيث الأصل واجبة على المرؤوس، حتى ولو كانت غير مشروعة، وذلك حفاظا على السير الحسن للمرفق العام، إلا أن الالتزام بتنفيذها مقيد من ناحية أخرى، بألا يكون وجه عدم المشروعية واضحا أو ظاهرا، وبألا يترتب على التنفيذ إلحاق أضرار جسيمة بالمصلحة العامة.
وعلى ذلك، يجب على الموظف العام الذي يرى بأن الأوامر والتوجيهات الموجهة إليه غير مشروعة، وأن عدم مشروعيتها واضحة، أن ينبه مصدر تلك الأوامر والتوجيهات بذلك. ومعنى ذلك أن مجرد صدور أمر من الرئيس إلى المرؤوس حتى ولو كان ذلك الأمر كتابيا، لا يعفي المرؤوس من تحمل مسؤولية التنفيذ (المسؤولية الإدارية). ففي مثل هذه الحالات بإمكان السلطات الإدارية المختصة أن توقع على المرؤوس عقوبات تأديبية. ويزداد الوضع خطورة بالنسبة للمرؤوس، إذا كانت عملية التنفيذ تشكل جريمة جنائية. (المسؤولية الجزائية).
هذا فيما يتعلق بالمسؤوليتين الإدارية والجزائية. أما فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية، فإن الأحكام السابقة تنطبق، ما دام أن تنفيذ المرؤوس لأوامر غير مشروعة بدرجة واضحة، يعتبر خطأ شخصيا يترتب عليه تحمله لمسؤولية الأضرار التي لحقت بالغير من جراء التنفيذ.
هذا وتجدر الإشارة على أن المشرع الجزائري قد أخذ بهذا الرأي الأخير. فلقد نصت المادة 129 من القانون المدني على ما يلي : "لا يكون الموظفون والأعوان العموميون مسئولين شخصيا عن أفعالهم التي أضرت بالغير إذا قاموا بها تنفيذا لأوامر صدرت إليهم من رئيس متى كانت إطاعة هذه الأوامر واجبة عليهم." ومعنى ذلك أن هناك أوامر تكون فيها الطاعة واجبة، وأوامر لا تكون الطاعة فيها واجبة.
وواضح أن الأوامر التي تكون الطاعة فيها غير واجبة، هي الأوامر التي يكون وجه عدم المشروعية فيها واضحا.
ولقد أكد المشرع الجزائري على هذا الرأي في المادة 31 من القانون الأساسي العام للوظيفة العامة، فلقد نصت هذه المادة على ما يلي: "إذا تعرض الموظف لمتابعة قضائية من الغير، بسبب خطأ في الخدمة، وجب على المؤسسة أو الإدارة العمومية التي ينتمي إليها أن تحميه من العقوبات المدنية التي تسلط عليه ما لم ينسب إلى هذا الموظف خطأ شخصي يعتبر منفصلا عن المهام الموكولة له".

II) الرقابة اللاحقة على أعمال الموظفين

تتمثل هذه الرقابة في حق الرئيس الإداري في إقرار أعمال مرؤوسيه، أو التصديق عليها، أو القيام بتعديلها، أو إلغائها، أو سحبها أو الحلول محلهم في القيام بها.َ

1) إقرار عمل المرؤوس

إن هذا الإقرار قد يكون صريحا، وذلك إذا ما تطلبه المشرع صراحة. وفي هذه الحالة لا يصبح عمل المرؤوس نهائيا إلا بعد قيام الرئيس الإداري بإقراره. أما إذا رفض الرئيس إقرار ذلك العمل، فإن هذا الأخير لا يصبح نهائيا مهما طال الزمن.
وقد يكون الإقرار ضمنيا. ومعناه أنه إذا مضت مدة معينة – تحددها النصوص القانونية- دون اعتراض الرئيس على أعمال المرؤوس، فإنه يستفاد ضمنا بأنه أقر تلك الأعمال، وأصبحت بالتالي نهائية. أي أن الإقرار الضمني معناه بطريقة أخرى، أن حق الرئيس في الإقرار ينقلب إلى مجرد حق اعتراض على أعمال المرؤوس خلال مدة معينة.
2) وتتمثل الرقابة اللاحقة أيضا في: حق الرئيس الإداري في إلغاء وسحب قرارات المرؤوس، أو تعديل آثارها كلية أو جزئيا، وأخيرا الحلول محلهم في القيام بها.
إن هذه الرقابة يمارسها الرئيس الإداري إما تلقائيا، وٕإما بناء على تظلم رفعه الأشخاص المتضررين من الأعمال التي قام بها المرؤوس. كما أن هذه الرقابة تتم سواء بسبب عدم مشروعية أعمال المرؤوس، أو بسبب عدم ملاءمتها لسير العمل الإداري حتى ولو كانت مشروعة.

الفرع الرابع: السلطات المركزية في الجزائر

تتجسد المركزية الإدارية في الجزائر في مستويين، يتمثل الأول في السلطات المركزية العليا (أولا)، أما الثاني فيتمثل في السلطات المركزية الدنيا (ثانيا).

أولا: السلطات المركزية العليا في الجزائر

يقصد بالسلطات المركزية، تلك السلطات التي تقوم برسم السياسات العامة في الدولة وتشرف على تنفيذها، وتتمثل هذه السلطات في الجزائر في كل من رئاسة الجمهورية (I)، وفي الحكومة (II). 

I) رئاسة الجمهورية

هي أهم مؤسسة بالنسبة للدول التي تتبنى النظام الرئاسي، وفي الجزائر رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية، وهو بذلك يتمتع بمركز قانوني سامي فهو الرئيس الإداري الأعلى للإدارة العامة.
وعلى ذلك فإن الحديث عن رئيس الجمهورية في الجزائر يقتضي التطرق إلى سلطاته وصلاحياته (1)، ثم بعد ذلك لا بد من الإشارة إلى الهيئات والأجهزة المساعدة له في أداء مهامه (2).

1) سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية

بالرجوع إلى الدستور الجزائري يتضح بأن رئيس الجمهورية يتمتع بسلطات وصلاحيات متنوعة ومتعددة، فمنها ما هو تنفيذي ومنها ما هو مرتبط بالسلطة التشريعية، ومنها ما هو مرتبط بالسلطة القضائية، ومنها ما هو مرتبط بالأحوال غير العادية.
وبما أن محور الدراسة يقتصر فقط على المجال الإداري فسيتم التطرق فقط إلى الصلاحيات الإدارية لرئيس الجمهورية والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
أ) سلطة التعيين في المناصب الإدارية العليا: بما أن رئيس الجمهورية هو الرئيس الإداري الأعلى في الإدارة العامة الجزائرية، فإن الدستور يخول له صلاحية تعيين المسؤولين السامين في الدولة مثل الوزير الأول، فهو الذي يعينه بعد استشارة الأغلبية البرلمانية وله كذلك أن ينهي مهامه. كما أن رئيس الجمهورية هو الذي يعين أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول.
وبالإضافة إلى ذلك يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية التعيين بموجب في الوظائف المنصوص عليها في المادة 92 من الدستور الجزائري لسنة 1996 والمتمثلة فيما يلي:
- الوظائف والمهامّ المنصوص عليها في الدّستور،
- الوظائف المدنيّة والعسكرّيّة في الدّولة،
- التعيينات الّتي تتمّ في مجلس الوزراء،
- الرئيس الأول للمحكمة العليا،
- رئيس مجلس الدّولة،
- الأمين العامّ للحكومة،
- محافظ بنك الجزائر،
- القضاة،
- مسؤولوا أجهزة الأمن،
- الولاة.
كما لرئيس الجمهورّيّة أن يعيّن سفراء الجمهورّيّة والمبعوثين فوق العادة إلى الخارج ،وينهي مهامهم، ويتسلمّ أوراق اعتماد الممثلين الدّبلوماسيّين الأجانب وأوراق إنهاء مهامهم.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مرسوم رئاسي وسع من صلاحيات رئيس الجمهورية في التعيين لتشمل جميع القطاعات الوزارية والإدارية والإقليمية للدولة.
ب) سلطة التنظيم: يتمتع رئيس الجمهورية بسلطة التنظيم، كنوع من أنواع الاختصاص القاعدي. فبإمكان رئيس الجمهورية أن يضع قواعد عامة ومجردة عن طريق سلطة التقرير المستقلة التي يتمتع بها والممنوحة له وفقا لأحكام الدستور، إذ تنص المادة 143 من الدستور الجزائري لسنة 1996 في فقرتها الأولى على ما يلي: "يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون ...". 

2) الأجهزة والهيئات المساعدة لرئيس الجمهورية

تتمثل الأجهزة والهيئات المساعدة لرئيس الجمهورية في أدائه لمهامه وصلاحياته الدستورية في كل من: الأجهزة الإدارية التابعة لرئاسة الجمهورية (أ)، وفي الهيئات الاستشارية (ب).
أ) الأجهزة الإدارية التابعة لرئاسة الجمهورية: بالرجوع إلى النصوص المنظمة لمصالح رئاسة الجمهورية، يتبين بأن إدارة رئاسة الجمهورية تضم المصالح التالية:
- ديوان لرئاسة الجمهورية يتألف من رئيس للديوان ومدير للديوان.
- أمانة عامة لرئاسة الجمهورية على رأسها الأمين العام لرئاسة الجمهورية.
- أمانة عامة للحكومة على رأسها الأمين العام للحكومة.
- كتابة خاصة.
- مستشارون.
- مجموع هياكل رئاسة الجمهورية أو الهياكل التابعة لها.
ولكل من هذه المصالح مديريات تابعة لها تقوم بإدارة العمل على مستوى رئاسة الجمهورية كل على حسب اختصاصها المنصوص عليه.
ب) الهيئات الاستشارية لرئاسة الجمهورية: يقتصر دور هذه الهيئات على تقديم الرأي والمقترحات والتوصيات والتقارير لرئيس الجمهورية متى طلب منها ذلك. ولقد نص الدستور الجزائري لسنة 1996 على البعض منها مما يجعلها مؤسسات دستورية، في حين تم تأسيس البعض الآخر منها بموجب التنظيم.
وعلى كل فإن أهم هذه الهيئات الاستشارية تتمثل فيما يلي:
- المجلس الإسلامي الأعلى
- المجلس الأعلى للأمن
- المجلس الوطني لحقوق الإنسان
- المجلس الأعلى للشباب
- الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته
- المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي
- المجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجي

II) الحكومة

تعد الحكومة القطب الثاني في السلطة التنفيذية بعد رئاسة الجمهورية، وتتشكل من الوزير الأول (1) ومن الوزراء (2).

1) الوزير الأول

يعين الوزير الأول في منصبه وتنهى مهامه من طرف رئيس الجمهورية. وبما أن منصب الوزير الأول سياسي بطبيعته فقد يوحي ذلك بأن لرئيس الجمهورية السلطة التقديرية الواسعة في تعيين من يشاء، خاصة وأن النص الدستوري قد جاء عاما، إلا أنه وباعتبار رئيس الجمهورية الحامي الأول للبلاد والدستور والمجسد لوحدة الأمة، فإن الأمر يفرض عليه أن يراعي عدة اعتبارات لاختيار وزيره الأول، من أهمها الكفاءة والسمعة والانتماء السياسي.
وتجدر الإشارة إلى أن للوزير الأول هو الآخر جملة من الصلاحيات تخوله القيام بالمهمة التنفيذية البحتة المسندة إليه بموجب أحكام الدستور، فهو يعمل على تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وله في ذلك ما يلي:
- ضبط برنامج عمله وعرضه على مجلس الوزراء وعلى البرلمان.
- توزيع الصلاحيات على أعضاء الحكومة.
- السهر على تنفيذ القوانين والتنظيمات.
- يرأس اجتماعات الحكومة.
- يوقع المراسيم التنفيذية.
- يسهر على حسن سير الإدارة العمومية.
- يعين في وظائف الدولة بعد موافقة رئيس الجمهورية.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن للوزير الأول مصالح تساعده في قيادة العمل الحكومي تتمثل في كل من:
- مدير للديوان.
- رئيس للديوان.
- مكلفين بمهمة.

2) الوزراء

إضافة للوزير الأول تتألف الحكومة من عدة وزراء يترأس كل منهم قطاع إداري محدد يسمى بالوزارة، التي تعد أصدق صورة لنظام المركزية الإدارية، ذلك أن عمل الوزارة عمل إداري محض، وعلى رأسها الوزير الذي يعد الموظف الأعلى رتبة في الهرم التسلسلي.
وتجدر الإشارة إلى أن الوزارات عبارة عن أقسام إدارية، أي أنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة عن شخصية الدولة، وبذلك فإن الوزراء حينما يباشرون أعمالهم ،إنما يقومون بذلك في الواقع باسم الدولة ولحسابها، باعتبار أن الدولة هي الشخص المعنوي العام الذي تنطوي تحت لوائه مختلف الوازارت.
كما أن الوزارات تخضع لقاعدة التخصص. أي أن كل وزارة تهدف إلى تحقيق غرض معين، ولذلك فهي تتعدد بتعدد هذه الأغراض. وعلى هذا الأساس فإن اختيار الوزراء في معظم الدول، ومنها الجزائر يتم في أغلب الأحيان على أساس انتمائهم من بين المتخصصين في مجال نشاط الوزارات التي يعملون بها (التقنوقراطيين)، وذلك لإمكانية تحقيق الأهداف المرجوة منها، مع ملاحظة أن كل وزارة من الوزارات إنما تمارس نشاطها على مستوى الدولة ككل، على أساس أنها ممثلة للسلطة الإدارية المركزية. 

ثانيا: السلطات المركزية الدنيا في الجزائر

تمت الإشارة سابقا إلى أن عدم التركيز الإداري عبارة عن صورة من صورة المركزية الإدارية المبسطة، وهو كأسلوب للتنظيم الإداري يعتمد بالأساس على توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطات المركزية العليا في العاصمة وممثليها عبر الأقاليم.
إن ممثلي السلطة المركزية عبر الأقاليم هم من ينطبق عليهم وصف السلطات المركزية الدنيا، ويتجسدون في كل من الوالي (I) ورئيس الدائرة (II)، ذلك أن كلا الوظيفتين تصنفان ضمن الوظائف العليا في الدولة.

I) الوالي

يعتبر الوالي ممثلا للدولة ومفوضا للحكومة أو مندوبا عنها على مستوى الولاية، وهو بذلك الواسطة الحتمية بين الإدارة المحلية والسلطة المركزية.
ونظرا لكون منصب الوالي من المناصب العليا للدولة فإن مسألة تعيينه وٕإنهاء مهامه تكون بموجب مرسوم رئاسي صادر عن رئيس الجمهورية، وذلك وفقا لشروط محددة قانونا.
وللوالي باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الإقليمي جملة من الصلاحيات (1) كما أنه له أجهزة إدارية تابعة له تساعده في تأدية مهامه (2).

1) صلاحيات الوالي

استنادا إلى النصوص القانونية والتنظيمية يمكن تحديد الصلاحيات العامة للوالي فيما يلي:
- يعتبر الوالي ممثلا للدولة ومندوبا للحكومة على مستوى الولاية، وعليه فهو يعمل على تنفيذ قرارات الحكومة. وهذا زيادة على تنفيذ التعليمات التي يتلقاها من كل وزير من الوزراء.
- يسهر الوالي على تنفيذ القوانين والتنظيمات.
- يسهر على تنشيط وتنسيق ورقابة عمل المصالح التابعة للدولة على مستوى الولاية، وبالتالي له دور هام في مجال التنمية الاقتصادية على مستوى الولاية.
- كما يعتبر الوالي هيئة تنفيذية، إذ يتولى تنفيذ القرارات التي تسفر على مداولات المجلس الشعبي الولائي.
- كما يمثل الوالي الولاية في جميع أعمال الحياة المدنية والإدارية، حسب الأشكال والشروط المنصوص عليها في النصوص القانونية.
- للوالي صلاحيات في مجال الأمن. فهو المسؤول عن المحافظة على النظام العام والأمن والسلامة والسكينة العامة داخل إقليم الولاية. ولهذا السبب وضع المشرع تحت تصرفه مصالح الأمن لتطبيق القرارات المتخذة في هذا الصدد.

2) الأجهزة الإدارية المساعدة للوالي

نظرا للدور الهام الذي يقوم به الوالي لتمثيل الدولة على المستوى الإقليمي، فمن الطبيعي أن يساعده في ذلك مجموعة من الأجهزة الإدارية والاستشارية والتي تتكون مما يلي:
- الكتابة العامة.
- الأمانة العامة.
- المفتشية العامة.
- الديوان.
- الدائرة.
- مجلس الولاية.
- مديرية الإدارة المحلية.
- مديرية التنظيم العام.

II) رئيس الدائرة

إن الدائرة في النظام الجزائري هي عبارة عن مقاطعة إدارية تابعة للولاية على أن الدائرة وٕإن كانت مقاطعة إدارية، إلا أنها لا تعتبر هيئة مستقلة (إدارة محلية)، لأنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فهي فقط جزء أو فرع أو قسم إداري تابع ومساعد للدولة، ولذلك فهي عبارة عن تطبيق لفكرة عدم التركيز الإداري.
أما الهدف من وجود الدائرة في النظام الجزائري، فهو محاولة تقريب خدمات الإدارة من المواطنين، إذن هي حلقة وصل بين الولاية والبلديات.
وتوضع الدائرة تحت تصرف رئيس الدائرة، الذي يعين بموجب مرسوم رئاسي، بناء على اقتراح من الحكومة، من مسؤولي المصالح المركزية والمناصب العليا الأخرى في الإدارة المحلية، مع مراعاة الشروط العامة للتعيين في الوظائف العليا.
وعلى هذا الأساس يقوم رئيس الدائرة بمساعدة الوالي في مهمة تمثيل الدولة على المستوى المحلي.
وٕإذا كان رئيس الدائرة هو الذي يشرف على تسيير أعمال دائرته، فإنه مع ذلك يوضع تحت سلطة الوالي السلمية عند ممارسة مهامه. وبهذه الصفة فإنه يقوم بتنشيط عمل بلديتين أو أكثر وذلك على النحو التالي:
- فيسهر على تطبيق القوانين والتنظيمات في دائرته، وحسن سير المصالح الإدارية والتقنية التي يتكفل بها.
- يسهل تنفيذ قرارات الحكومة ومداولات المجلس الشعبي الولائي، في البلديات المعنية.
- يعلم الوالي بالوضع العام في البلديات التي ينسق أعمالها.
- يسهر على حسن سير العمليات الانتخابية.
- يقوم بتسليم السندات والرخص التي تتعلق بتنقل الأشخاص، والتي تدخل في اختصاصه في حدود القانون.
- يسهر تحت رقابة الوالي على المحافظة على النظام العام.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه بإمكان رئيس الدائرة أن يتلقى تفويضا من الوالي من أجل القيام بأعمال معينة قد يراها الوالي ضرورية أو مفيدة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يجوز للوالي أن يصدر قرارا لرئيس إحدى الدوائر التابعة له يقضي باستخلاف رئيس دائرة أخرى، أو عدة رؤساء دوائر إذا ما تغيبوا أو وقع لهم مانع مؤقت.

المطلب الثالث: اللامركزية الإدارية (La décentralisation administrative)

إن الحديث عن اللامركزية الإدارية يتطلب بداية وضع تعريف لها (الفرع الأول)، ثم التطرق إلى صورها (الفرع الثاني)، وبعد ذلك الحديث عن العناصر التي تقوم عليها (الفرع الثالث)، وفي الأخير البحث عن تطبيقات لها في النظام الجزائري (الفرع الرابع).

الفرع الأول: تعريف اللامركزية الإدارية

على خلاف المركزية الإدارية، يقصد باللامركزية الإدارية، توزيع الوظيفة الإدارية في الدولة بين الحكومة المركزية، وهيئات مستقلة، إقليمية كانت أم مصلحية، تباشر وظيفتها تحت رقابة الدولة.
إن اللامركزية الإدارية بهذا المفهوم، لم تظهر إلا بعد ظهور وانتشار المبادئ والأفكار الديمقراطية، ونتيجة للتقدم التقني والعلمي والصناعي، وما ترتب على ذلك من متغيرات هامة في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث أصبحت الدولة الحديثة مثقلة بالتزاماتها تجاه الأفراد.
كل هذه الظروف جعلت من الصعب على السلطة المركزية أن تجمع بين يديها مقاليد الأمور. ومن هنا بدأ التفكير في نقل بعض الأنشطة والاختصاصات إلى هيئات إقليمية أو مصلحية، تباشر تلك الاختصاصات استقلالا عن الدولة، وعلى نحو يسمح بإشراك أفراد الأقاليم المختلفة للدولة في تسيير شؤونهم بأنفسهم.

الفرع الثاني: صور اللامركزية الإدارية

تتمثل صور اللامركزية الإدارية في كل من: اللامركزية الإقليمية (أولا) واللامركزية المرفقية أو المصلحية (ثانيا)..

أولا: اللامركزية الإقليمية

وتسمى كذلك باللامركزية المحلية، ومعناها أن تمنح السلطات المركزية إلى جزء من إقليم الدولة جانبا من اختصاصاتها في إدارة المرافق والمصالح المحلية مع تمتعها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصورة من صور اللامركزية الإدارية تستند إلى فكرة الديمقراطية التي تقتضي إشراك المواطنين في تسيير شؤونهم المحلية والإقليمية عن طريق منحهم حق انتخاب ممثلين عنهم في المجالس المحلية.

ثانيا: اللامركزية المرفقية أو المصلحية

إن هذا النوع من اللامركزية يعد ضرورة حتمية لعدم إمكانية قيام الدولة بكل المهام المنوطة بها لوحدها، لذلك فإنها تعد أسلوبا متطورا من أساليب التنظيم الإداري، إذ تقوم على أساس منح بعض المرافق العامة الوطنية أو المحلية، الشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي في إدارة شؤونها، وذلك قصد تمكينها من مباشرة نشاطها بطرق وأساليب تتلاءم مع طبيعة ونوعية تلك النشاطات، مع خضوعها في ذلك لرقابة السلطة المركزية.

الفرع الثالث: عناصر اللامركزية الإدارية

تقوم اللامركزية الإدارية بتحقق أو بتوافر ثلاثة أركان هي: وجود مصالح محلية أو مرفقية متميزة عن المصالح الوطنية (أولا)، ووجود هيئات مستقلة لإدارة هذه المصالح الذاتية (ثانيا)، وأخيرا وجود رقابة إدارية على هذه الهيئات التي تسير الشأن المحلي (ثالثا).

أولا: وجود مصالح ذاتية متميزة

قد توجد داخل الدولة مصالح وحاجيات محلية تختلف عن المصالح العامة لكل المواطنين، أي أنه قد يوجد بجانب الحاجيات العامة المشتركة والتي تهم كل مواطني الدولة، حاجيات خاصة تقتصر على سكان إقليم محدد دون سواهم، وهذه المصالح المحلية باعتبارها قضايا خاصة تتطلب لإدارتها مرافق عامة متميزة عن المرافق الوطنية، والتي يطلق عليها عادة اسم المرافق العامة المحلية.
ويمكن التمييز بين المصالح المحلية الذاتية وبين المصالح الوطنية بالاعتماد إما على الأسلوب الانجليزي (I)، أو على الأسلوب الفرنسي (II).

I) الأسلوب الانجليزي للتمييز بين المصالح المحلية والمصالح الوطنية

وفقا للأسلوب الإنجليزي، يتم تحديد المصالح الذاتية على سبيل الحصر، ولا يجوز للمجالس المحلية أن تمارس أي اختصاص لم ينص عليه المشرع صراحة.
أي أن السلطة المركزية هي صاحبة الاختصاص الأصيل في ممارسة النشاط الإداري للدولة، وأما المجلس المحلية تتدخل بناء على نصوص حددها المشرع.
على أن المشرع هنا لا يتبع نمطا موحدا في تحديده للمصالح المحلية، بل يغاير بينها تبعا لظروف كل منطقة على حدة. وعلى ذلك ما قد يعتبر مرفقا محليا في إقليم معين، قد لا يعد كذلك في إقليم آخر، والعكس صحيح. وعلى هذا الأساس تنوعت المصالح المحلية في انجلترا لدرجة يصعب التمييز بينها.

II) الأسلوب الفرنسي للتمييز بين المصالح المحلية والمصالح الوطنية

وهو على عكس الأسلوب الانجليزي، إذ يقوم المشرع هنا بتحديد اختصاصات السلطة المركزية مع منح الهيئات اللامركزية اختصاصا عاما، وعلى ذلك فإن الهيئات المحلية وفقا لهذا الأسلوب هي التي تحدد مصالحها الذاتية.

ثانيا: الاعتراف بوجود هيئات مستقلة لإدارة المصالح المحلية أو الذاتية

ويقصد بذلك، ضرورة وجود هيئات مستقلة عن السلطة المركزية، عن طريق الاعتراف لها بالشخصية المعنوية، التي تمكنها من اتخاذ ما تراه مناسبا من القرارات لتسيير الشأن المحلي ودونما تدخل من السلطة المركزية.
على أن هذا الاستقلال قد لا يتحقق إلا إذا تم الاعتماد على أسلوب الانتخاب في اختيار الأعضاء المشكلين للهيئات المحلية. فالانتخاب ضمانة أساسية ووسيلة مثلى لتحقيق الديمقراطية التي تفرض مشاركة المواطنين في تسيير شؤونهم المحلية.
ومع ذلك فإن فكرة الانتخاب لا تصلح إلا بالنسبة للصورة الأولى من اللامركزية الإدارية ألا وهي اللامركزية الإقليمية، أما بالنسبة للامركزية المرفقية أو المصلحية فإنها تقوم على أساس التعيين من جانب السلطة المركزية، ومع ذلك فإنها تتمتع بالاستقلالية كأثر من آثار اكتسابها للشخصية المعنوية.

ثالثا: وجود رقابة إدارية على الهيئات اللامركزية

إن استقلالية الهيئات اللامركزية (محلية كانت أو مرفقية) لا يعني على الإطلاق وجود انفصال مطلق بينها وبين السلطة المركزية، ذلك أن هذه الهيئات جزء لا يتجزأ من الدولة وبالتالي لا بد من إخضاعها لرقابة وٕإشراف السلطة المركزية عن طريق ما يسمى بالرقابة الإدارية أو الوصاية الإدارية.
وعلى ذلك لا بد من تحديد فكرة الرقابة الإدارية (I)، ثم البحث حول الهدف من إقرارها على الهيئات اللامركزية (II)، ثم العمل على التمييز بينها وبين السلطة الرئاسية المعروفة في النظام المركزي (III)، وأخيرا التطرق إلى بيان وسائل هذه الرقابة (IV).

I) تحديد فكرة الرقابة الإدارية

يقصد بالرقابة الإدارية أو الوصاية الإدارية "... مجموع السلطات التي يقررها القانون لسلطة عليا على أشخاص الهيئات اللامركزية وأعمالهم قصد حماية المصلحة العامة ..." ، فالرقابة الإدارية أداة قانونية تضمن وحدة الدولة بإقامة علاقة قانونية دائمة ومستمرة بين الهيئات اللامركزية والسلطة المركزية.

II) أهداف الرقابة الإدارية

إن الاستقلال الممنوح للهيئات اللامركزية هو استقلال نسبي. ومعنى ذلك أن هذا الاستقلال لا يمنع السلطة المركزية من مباشرة رقابتها على نشاط هذه الهيئات. فوجود الرقابة أمر تقتضيه ضرورة التنسيق بين نشاط السلطة المركزية، ونشاط الهيئات اللامركزية. كما أن الرقابة على الهيئات اللامركزية هي وسيلة تحمي وحدة الدولة، دون أن يضحى بأهداف الإدارة المحلية في الديمقراطية، وحسن إدارة المرافق المحلية.

III) تمييز الرقابة الإدارية عن السلطة الرئاسية

تتميز الرقابة الإدارية عن الرقابة الرئاسية أو السلطة الرئاسية المعروفة في النظام المركزي من عدة جوانب، يتمثل أهمها فيما يلي:
1) تختلف الرقابة الإدارية عن الرقابة الرئاسية من حيث أداة ممارسة كلمنهما، فإذا كانت السلطة الرئاسية مقررة سواء تكلم النص أو سكت، فإن الرقابة الإدارية لا تتقرر إلا بوجود نص تطبيقا للمبدأ القائل: "لا وصاية بدون نص ولا وصاية أزيد من النص".
2) تختلف الرقابة الإدارية كذلك عن الرقابة الرئاسية من حيث طبيعة كل واحدة منهما، فإذا كانت السلطة الرئاسية تمكن الرئيس الإداري بحكم موقعه من إصدار الأوامر لمرؤوسيه بغرض تنفيذها، فإن الرقابة الإدارية لا تخول للسلطة المركزية صلاحية توجيه الأوامر للهيئات اللامركزية لأن العلاقة ليست تبعية وٕإنما تقوم على أساس الاستقلالية.
3) تختلف الرقابة الإدارية عن الرقابة الرئاسية من حيث إمكانية الطعن فيهما، فإذا كانت السلطة الرئاسية لا تبيح للمرؤوس أن يطعن في قراار رئيسه، فإن المسألة على خلاف ذلك بالنسبة للرقابة الإدارية، إذ يمكن للهيئات اللامركزية أن تطعن قضائيا ضد قرارات السلطة المركزية.

IV) وسائل الرقابة الإدارية

تمارس السلطة المركزية الرقابة الإدارية على الهيئات اللامركزية، والتي تتجلى مظاهرها في رقابة على الأعمال (1)، ورقابة على الأشخاص (2).

1) الرقابة على أعمال الهيئات اللامركزية

تتخذ الرقابة الإدارية على أعمال الهيئات اللامركزية الأشكال التالية: الترخيص أو الإذن (أ)، التصديق (ب)، الإلغاء (ج)، الحلول (د).
‌أ) الترخيص أو الإذن: وهو صورة من صور الرقابة السابقة، ومفاده انه لا يجوز للهيئات المحلية القيام بأي تصرف يشترط القانون قبل اتخاذه الإذن المسبق أو الترخيص المسبق من السلطة المركزية، وٕإلا عد ذلك العمل غير مشروع. ويشترط في هذه الحالة أن يكون الإذن أو الترخيص صريحين إذ لا يحتملان بطبيعتهما أن يكونا ضمنيان.
‌ب) التصديق: التصديق أو المصادقة صورة من صور الرقابة اللاحقة على الأعمال، ويكون ذلك متى اشترط المشرع إخضاع قرارات الهيئات اللامركزية لتزكية السلطة المركزي، وذلك إما بصفة صريحة أو بصفة ضمنية وفق ما ينص عليه القانون.
ويكون التصديق صريحا متى اشترط المشرع على السلطة المركزية أن تفصح عن نيتها بإصدار قرار إداري يتضمن الموافقة على أعمال الهيئة اللامركزية، أما التصديق الضمني، فهو ذلك التصديق الذي يستشف من سكوت السلطة المركزية والتزامها الصمت إزاء العمل أو القرار المعروض عليها. 
هذا وتجدر الإشارة إلى أن سكوت الإدارة كأصل لا يمكن اعتباره موافقة ولا رفضا إلا إذا كان هناك نص يقضي بذلك، وهذا وفقا للمبدأ القائل بأنه "لا ينسب لساكت قول".
‌ج) الإلغاء: ويقصد به إلغاء التصرف أو إبطاله، وهو من أشد مظاهر الرقابة الإدارية على أعمال الهيئات اللامركزية خطورة، حيث يؤدي إلى القضاء على التصرف برمته بأثر رجعي منذ يوم صدوره فيصبح وكأنه لم يكن،إلا أن هذا لا يعني أن تقوم السلطة المركزية بإلغاء التصرفات الصحيحة وٕإنما فقط تلك المشوبة بعدم المشروعية. 
د) الحلول:  وهو من أهم وأخطر أنواع الرقابة التي قد تلجأ إليها جهة الرقابة، لذلك فإنه لا يتقرر إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحالات المنصوص عليها قانونا، إذ أنه من المسائل المستقر عليها – ما لم ينص القانون على خلاف ذلك - أن جهة الرقابة لا يحق لها الحلول محل الهيئات اللامركزية إلا إذا امتنعت هذه الأخيرة عن مباشرة تصرف أو اتخاذ قرار يفرضه عليها القانون.
فحق الحلول لا يتقرر إلا إذا كان اختصاص الهيئة اللامركزية مقيدا. كما يشترط أن تقوم جهة الرقابة بتنبيه الهيئة اللامركزية بضرورة اتخاذ القرار، أو مباشرة التصرف الذي يفرضه عليها القانون، وأن يثبت بقاء الوضع على حاله، ومثال ذلك ما جاء به قانون البلدية من إمكانية حلول الوالي باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى المحلي محل رئيس المجلس الشعبي البلدي.

2) الرقابة على أشخاص الهيئات اللامركزية

لا تقتصر الرقابة الإدارية على رقابة أعمال الهيئات اللامركزية، بل تمتد لتشمل الأشخاص كذلك، ذلك أن هؤلاء قد يخالفون القانون فيما فرضه عليه من واجبات النزاهة والتجرد وبالتالي ينحرفون عن الهدف الذي تسعى إليه الإدارة العامة بتحقيق أغراض شخصية، وهنا يمكن للسلطة المركزية أن تسقط عضوية هؤلاء الأفراد.
كذلك للسلطة المركزية أن تقوم بحل المجلس المنتخب بأسره، ومع ذلك ليس لها أن تعين الأعضاء إذ يجب أن يتم اختيار هؤلاء عن طريق انتخابهم من طرف مواطني الإقليم.

الفرع الرابع: الهيئات اللامركزية في الجزائر

لقد سبقت الإشارة إلى أن اللامركزية الإدارية تتجسد في صورتين فهي إما لامركزية إقليمية أو محلية وٕإما لامركزية مصلحية أو مرفقية.
وٕإذا كانت اللامركزية المصلحية أو المرفقية تتخذ شكل المؤسسات والهيئات العمومية فإن اللامركزية المحلية تتجسد في شكل المجالس المحلية المنتخبة.
في هذا الفرع سيحتوي فقط على الهيئات المحلية المنتخبة في الجزائري والتي تتمثل في المجالس الشعبية الولائية والمجالس الشعبية البلدية، على أن البحث في هذه المجالس المنتخبة التي تمثل الهيئات المحلية أو الإدارة المحلية في الجزائر يقتضي الإشارة إلى تشكيلتها (I)، وٕإلى نظام سير أعمالها واختصاصاتها (II)، ثم بعد ذلك يجب الحديث عن القواعد التي تحكم العضوية فيها (III)، وأخيرا يجب التطرق إلى الرقابة عليها (IV).

I) تشكيل هيئات الإدارة المحلية في الجزائر

سيتم البحث في تشكيلة المجالس الشعبية المحلية (1)، ثم بعد ذلك البحث في تشكيلة الهيئات التنفيذية للهيئات المحلية (2).
1) تشكيل المجالس الشعبية المحلية: بالرجوع إلى أحكام الدستور الجزائري يتضح بأن الهيئات المحلية للدولة هي الولاية والبلدية، والتي يشكل المجلس المنتخب في كليهما قاعدة اللامركزية، ومكان مشاورة المواطنين في تسيير الشؤون العامة.
وعلى هذا فإن المجلس الشعبي سواء على مستوى الولاية (المجلس الشعبي الولائي) أو على مستوى البلدية (المجلس الشعبي البلدي)، عبارة عن جهاز للمداولة، ويعتبر الأسلوب الأمثل للقيادة الجماعية والصورة الحقيقية التي بموجبها يمارس سكان الإقليم حقهم في تسييره والسهر على شؤونه ورعاية مصالحه.
ويتشكل المجلس الشعبي البلدي أو المجلس الشعبي الولائي من أعضاء منتخبين لعهدة مدتها خمس سنوات بطريقة الاقتراع النسبي على القائمة، ويختلف عدد الأعضاء من مجلس منتخب لآخر باختلاف عدد النسمات في الإقليم والمحدد في قانون الإنتخاب، أما عن رئاسة المجالس الشعبية فيجب التمييز بين رئيس المجلس الشعبي البلدي ورئيس المجلس الشعبي الولائي.
فبالنسبة للمجلس الشعبي البلدي يعلن رئيسا له متصدر القائمة التي تحصلت على غالبية أصوات الناخبين، وفي حالة تساوي الأصوات، يعلن رئيسا المترشحة أو المترشح الأصغر سنا، أما بالنسبة للمجلس الشعبي الولائي، فلقد حدد قانون الولاية كيفية انتخاب الرئيس كما يلي:
- ينتخب رئيس المجلس الشعبي الولائي من بين أعضائه، للعهدة الانتخابية، ويقدم المترشح لانتخاب رئيس المجلس الشعبي الولائـي مـن القـائمة الحـائزة على الأغـلبـيـة المـطلقة للمقاعد.
- وفي حالة عدم حصول أي قائمة على الأغلبية المطلقة للمقاعد، يمكن القائمتين الحائزتين خمسة وثلاثين بالمائة 35 % على الأقل من المقاعد تقديم مرشح.
- أما في حالة عدم حصول أي قائمة على خمسة وثلاثين بالمائة 35 % على الأقل من المقاعد، يمكن جميع القوائم تقديم مرشح عنها ويكون الانتخاب سريا، ويعلن رئيسا للمجلس الشعبي الولائي المترشح الذي تحصل على الأغلبية المطلقة للأصوات.
- وٕإذا لم يحصل أي مترشح على الأغلبية المطلقة للأصوات، يجرى دور ثان بين المترشحين الحائزين المرتبتين الأولى والثانية، ويعلن فائزا المترشح المتحصل على أغلبية الأصوات، وفي حالة تساوي الأصوات المحصل عليها، يعلن فائزا المترشح الأكبر سنا.
2) تشكيل الهيئات التنفيذية للجماعات الإقليمية: إن الدور الرئيسي للهيئات التنفيذية هو تنفيذ مداولات المجالس الشعبية المحلية، إلا أن اختلاف تشكيلة الهيئة التنفيذية للبلدية (أ) عن تشكيلة الهيئة التنفيذية للولاية (ب)، يؤدي إلى التطرق لكل واحدة منهما على حدة، وذلك على النحو التالي:
أ) الهيئة التنفيذية للبلدية: يترأس الهيئة التنفيذية للبلدية رئيس المجلس الشعبي البلدي، فهو الذي يسهر على تنفيذ مداولات المجلس الشعبي البلدي ويطلعه على ذلك، وهذا باعتباره ممثلا للبلدية، وبهذه الصفة يتمتع بجملة من الصلاحيات تتمثل فيما يلي:
- يمثل رئيس المجلس الشعبي البلدي البلدية في جميع المراسم التشريفية والتظاهرات الرسمية. وينبغي عليه المشاركة فيها حسب التزاماته المحددة في قانون البلدية.
- يمثل رئيس المجلس الشعبي البلدي البلدية في كل أعمال الحياة المدنية والإدارية وفق الشروط والأشكال المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما.
- يرأس رئيـس المجلس الشعبي البلدي، المجلس الشعبي البلدي، وله بهذه الصفة أن يستدعيه ويعرض عليه المسائل الخاضعة لاختصاصه، كما يعد مشروع جدول أعمال الدورات ويترأسها.
- ينفذ رئيس المجلس الشعبي البلدي ميزانية البلدية وهو الآمر بالصرف.
- يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي وتحت رقابة المجلس الشعبي البلدي باسم البلدية، بجميع التصرفات الخاصة بالمحافظة على الأملاك والحقوق المكونة للممتلكات البلدية وٕإدارتها. ويجب عليه، على وجه الخصوص، القيام بما يأتي:
التقاضي باسم البلدية ولحسابها، وإدارة مداخيل البلدية والأمر بصرف النفقات ومتابعة تطور المالية البلدية، وإبرام عقود اقتناء الأملاك والمعاملات والصفقات والإيجارات وقبول الهبات والوصايا، والقيام بمناقصات أشغال البلدية ومراقبة حسن تنفيذها، واتخاذ كل القرارات الموقفة للتقادم والإسقاط، وممارسة كل الحقوق على الأملاك العقارية والمنقولة التي تملكها البلدية بما في ذلك حق الشفعة، واتخاذ التدابير المتعلقة بشبكة الطرق البلدية، والسهر على المحافظة على الأرشيف، واتخاذ المبادرات لتطوير مداخيل البلدية.
- يسهر رئيس المجلس الشعبي البلدي على وضع المصالح والمؤسسات العمومية البلدية وحسن سيرها، هذا فيما يخص الصلاحيات الممنوحة لرئيس المجلس الشعبي البلدي باعتباره الهيئة التنفيذية للبلدية، إلا أن ما ينبغي الإشارة إليه، أنه في حالة تعارض مصـالح رئيس المجلس الشـعبي البلدي مع مصالح البلدية، باسمه الشخصي أو باسم زوجه أو أصوله أو فروعه إلى الدرجة الرابعة أو بصفته وكيلا، يعين المجلس الشعبي البلدي المجتمع تحت رئاسة منتخب آخر غير رئيس المجلس الشعبي البلدي، أحد أعضائه لتمثيل البلدية سواء أمام القضاء أو عند إبرام العقود. ولا يمكن لرئيـس المجـلس الشـعبي البلدي أن يتولى تنفيذ قرارات ناجمة عن المداولة ولا يحق له تمثيل البلدية في جميع القضايا المتنازع فيها ذات الصلة بموضوع المداولة.
ب) الهيئة التنفيذية للولاية: يعتبر الوالي هيئة تنفيذية للمجلس الشعبي الولائي، وبهذه الصفة يتمتع بجملة من السلطات تتمثل فيما يلي:
- يسهر الوالي على نشر مداولات المجلس الشعبي الولائي وتنفيذها.
- يقدم الوالي عند افتتاح كل دورة عادية تقريرا عن تنفيذ المداولات المتخذة خلال الدورات السابقة. كما يطلع المجلس الشعبي الولائي سنويا على نشاط القطاعات غير الممركزة بالولاية.
- يطلع الوالي رئيس المجلس الشعبي الولائي بانتظام، خلال الفترات الفاصلة بين الدورات، على مدى تنفيذ التوصيات الصادرة عن المجلس الشعبي الولائي في إطار التشريع والتنظيم المعمول بهما.
- يمثل الوالي الولاية في جميع أعمال الحياة المدنية والإدارية حسب الأشكال والشروط المنصوص عليها في القوانين والتنظيمات المعمول بها. ويؤدي باسم الولاية، كل أعمال إدارة الأملاك والحقوق التي تتكون منها ممتلكات الولاية. ويبلغ المجلس الشعبي الولائي بذلك.
- يمثل الوالي الولاية أمام القضاء.
- يعد الوالي مشروع الميزانية ويتولى تنفيذها بعد مصادقة المجلس الشعبي الولائي عليها وهو الآمر بصرفها.
- يسهر الوالي على وضع المصالح الولائية ومؤسساتها العمومية وحسن سيرها ويتولى تنشيط ومراقبة نشاطاتها طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما.
- يقدم الوالي أمام المجلس الشعبي الولائي بيانا سنويا حول نشاطات الولاية يتبع بمناقشة. يمكن أن تنتج عن ذلك توصيات يتم إرسالها إلى الوزير المكلف بالداخلية وٕإلى القطاعات المعنية.

II) نظام سير أعمال المجالس الشعبية المحلية في الجزائر واختصاصاتها

سيتم الحديث في هذه النقطة عن سير أعمال كل من المجلس الشعبي البلدي والمجلس الشعبي الولائي (1)، ثم بعد ذلك الحديث عن اختصاصات كل هيئة على حدة (2).
1) نظام سير أعمال المجالس الشعبية المحلية في الجزائر: بالرجوع إلى كل من قانون البلدية وقانون الولاية يتضح بأن قواعد سير أعمال المجالس الشعبية المحلية في الجزاائر تحدد في القواعد التي تحكم سير الاجتماعات (أ)، وفي القواعد التي تحكم سير مداولات هذه الهيئات (ب).
أ) قواعد سير اجتماعات الهيئات المحلية
- بالنسبة لاجتماعات المجلس الشعبي البلدي: يجتمع المجلس الشعبي البلدي في دورة عادية كل شهرين ولا تتعدى مدة كل دورة خمسة أيام. إلا أنه بإمكان المجلس الشعبي البلدي أن يجتمع في دورة غير عادية كلما اقتضت شؤون البلدية ذلك، بطلب من رئيسه أو من ثلثي 2/3 أعضائه أو بطلب من الوالي.
وفي حالة الظروف الاستثنائية المرتبطة بخطر وشيك أو بكارثة كبرى يجتمع المجلس الشعبي البلدي بقوة القانون ويخطر الوالي بذلك فو ار.
على أنه ولصحة الاجتماعات لا بد من حضور الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الشعبي البلدي الممارسين فإذا لم يكتمل النصاب القانوني بعد الاستدعاء الأول، يوجه استدعاء ثاني بفارق خمسة أيام كاملة على الأقل، وفي هذه الحالة تكون المداولات صحيحة مهما كان عدد الأعضاء الحاضرين.
وتجدر الإشارة إلى أنه بإمكان عضو المجلس الشعبي البلدي الذي حصل له مانع لحضور جلسة أو دورة أن يوكل كتابيا عضوا آخر من المجلس من اختياره، ليصوت نيابة عنه بشرط ألا يكون العضو الموكّل حاملا لأكثر من وكالة واحدة، كما أن الوكالة لا تصح إلا لجلسة أو لدورة واحدة.
- بالنسبة لاجتماعات المجلس الشعبي الولائي: يعقد المجلس الشعبي الولائي، في أربع دورات عادية في السنة، مدة كل دورة منها خمسة عشر يوما على الأكثر، تنعقد هذه الدورات وجوبا خلال أشهر مارس ويونيو وسبتمبر وديسمبر ولا يمكن جمعها إلا أنه بإمكان المجلس الشعبي الولائي أن يجتمع في دورة غير عادية بطلب من رئيسه أو ثلث 1/3أعضائه أو بطلب من الوالي، كما يجتمع المجلس الشعبي الولائي بقوة القانون في حالة كارثة طبيعية أو تكنولوجية وتختتم الدورة غير العادية باستنفاد جدول أعمالها.
ولا تصح اجتماعات المجلس الشعبي الولائـي إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائه الممارسين وٕإذا لم يجتمع المجلس الشعبي الولائي بعد الاستدعاء الأول لعدم اكتمال النصاب القانوني، فإن المداولات المتخذة بعد الاستدعاء الثاني بفارق خمسة أيام كاملة على الأقل، تكون صحيحة مهما يكن عدد الأعضاء الحاضرين.
وتجدر الإشارة إلى أنه بإمكان عضو المجلس الشعبي الولائي الذي حصل له مانع لحضور الجلسة أو الدورة أن يوكل كتابيا أحد الأعضاء من اختياره، ليصوت نيابة عنه إلا أنه لا يجوز لنفس العضو أن يكون حاملا لأكثر من  وكالة واحدة.
ب) قواعد سير مداولات الهيئات المحلية
- بالنسبة لمداولات المجلس الشعبي البلدي: تجري مداولات المجلس الشعبي البلدي في جلسة علنية وتكون مفتوحة لمواطني البلدية ولكل مواطن معني بموضوع المداولة غير أنه بإمكان المجلس الشعبي البلدي أن يجري مداولاته في جلسة مغلقة من أجل دراسة الحالات التأديبية للمنتخبين، أو دراسة المسائل المرتبطة بالحفاظ على النظام العام.
كما أنه يمنع علـى أي عضـو بالمجلس الشـعـبي البلدي حضـور جلـسـات المجـلس التي يداول فيها حول موضوع يخصه أو تكون له مصلحة فيه بمفهوم أحكام المادة 60 من قانون البلدية، وفي هذه الحالة يجب على رئيس الجلسة التأكد من ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن قانون البلدية قد اشترط أن تجري المداولات وتحرر باللغة العربية، والتي لا تكون نافذة إلا بعد مرور 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية ومع ذلك هناك مداولات لا تنفذ إلا بعد مصادقة الوالي عليها وهي: المداولات المتعلقة بالميزانيات والحسابات، قبول الهبات والوصايا الأجنبية، اتفاقيات التوأمة، التنازل عن الأملاك العقارية البلدية.
- بالنسبة لمداولات المجلس الشعبي الولائي: يتداول المجلس الشعبي الولائي في الشؤون التي تدخل في مجال اختصاصاته ، وتتخذ المداولات بالأغلبية البسيطة لأعضاء المجلس الشعبي الولائي الحاضرين أو الممثلين عند التصويت وفي حالة تساوي الأصوات يكون صوت الرئيس مرجحا.
ويرسل مستخلص من المداولة في أجل ثمانية أيام من رئيس المجلس الشعبي الولائي إلى الوالي مقابل وصل استلام يعتبر تاريخ إيداع مستخلص المداولة التاريخ المسجل على وصل الاستلام.
وتجدر الإشارة إلى أن قانون الولاية يشترط أن تجري المداولات بلغة وطنية (العربية أو الأمازيغية)، على أن تحرر باللغة العربية تحت طائلة البطلان.
كما أن المداولات تصبح نافذة بقوة القانون بعد مرور 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية، ومع ذلك هناك مداولات لا تنفذ إلا بعد مصادقة الوزير المكلف بالداخلية عليها، في أجل أقصاه شهران، وهي المداولات المتضمنة ما يأتي:الميزانيات والحسابات، التنازل عن العقار واقتناءه أو تبادله، اتفاقيات التوأمة، الهبات والوصايا الأجنبية.

المرجع

  1. د. بلماحي زين العابدين، المدخل للقانون الإداري ونظرية التنظيم الإداري، جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان، الجزائر، السنة الجامعية: 2015-2016، ص79 إلى ص129.
google-playkhamsatmostaqltradent