المدلول القانوني لفكرة التنظيم الإداري

المدلول القانوني لفكرة التنظيم الإداري

المدلول القانوني لفكرة التنظيم الإداري
يقوم التنظيم الإداري على أساس قانوني يتمثل في فكرة الشخصية المعنوية، باعتبارها السند الأول لعملية تنظيم وتوزيع الوظائف والاختصاصات الإدارية بين مختلف هيئات وأجهزة الإدارة العامة بالدولة. 
على أن التعرض لفكرة الشخصية المعنوية، يقتضي التطرق إلى مفهومها (المطلب الأول)، ثم دراسة نظامها القانوني (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم الشخصية المعنوية

 إن نشاط الهيئات الإدارية العامة في الحقيقة، ما هو إلا نشاط الأشخاص القائمين بأعمالها، غير أن أعوان الإدارة لا يؤدون الأعمال الموكلة لهم بأسمائهم أو بصفتهم الشخصية، وٕإنما باسم الإدارة التابعين لها ونيابة عنهم. وهكذا تتمتع الإدارة العامة بمركز قانوني متميز عن المراكز القانونية لمستخدميها، وبالتالي تكون للإدارة شخصية قانونية أي يتوفر للإدارة العامة القدرة أو الإمكانية على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات
ومن هنا ظهرت فكرة الشخصية المعنوية التي يقصد بها: "...مجموعة من الأفراد أو الأشخاص، تستهدف غرضا معينا، أو مجموعة من الأموال ترصد لتحقيق هدف معين، يعترف لها المشرع بالشخصية القانونية، أي أهلية اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، بحيث ينظر إليها كوحدة واحدة مجردة عن الأفراد أو العناصر المالية المكونة لها...".
على أن البحث في مفهوم الشخصية المعنوية يؤدي إلى دراسة طبيعتها (الفرع الأول)، ثم تحديد عناصرها (الفرع الثاني)، وأخيرا التطرق إلى أنواعها (الفرع الثالث).

الفرع الأول: طبيعة الشخصية المعنوية

إن الحديث عن طبيعة الشخصية المعنوية يؤدي إلى الخوض في الآراء الفقهية المختلفة التي قيلت بشأنها (أولا)، ثم إلى تقييم هذه الآراء (ثانيا).

أولا: موقف الفقه من الشخصية المعنوية

يرى بعض الفقهاء أن الشخصية المعنوية ذات طبيعة حقيقية (I)، في حين يرى آخرون بأنها مجرد افتراض أو مجاز (II)، وذهب فريق ثالث إلى إنكار الشخصية المعنوية تماما (III).

I) الشخصية المعنوية حقيقية

يرى أصحاب هذا الرأي، بأن الشخصية المعنوية واقعة حقيقية تفرض نفسها على المشرع فالشخص المعنوي هو من الحقائق المعنوية المجردة، فليس من الضروري أن تتجسد الحقائق القانونية في شكل مادي، فحين يجتمع عدد من الأفراد مستهدفين غرضا مشتركا فإنه يتكون شعور وٕإرادة جماعية مستقلة عن إرادة الأفراد المكونين لهذه المجموعة.
ولتدعيم رأيهم، فإن أنصار هذا الاتجاه يركزون على مسألة أساسية هي وجوب التفرقة بين المعنى اللغوي لكلمة حق التي تدل على الإنسان، والمعنى الاصطلاحي لها، والتي تدل على كل كائن أهلا لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الحق - حسب أنصار هذا الاتجاه- لا يعني قدرة إرادية، بل هو مصلحة يحميها القانون.

II) الشخصية المعنوية مجرد افتراض أو مجاز

يرى أصحاب هذه النظرية بأن الشخصية المعنوية مجرد مجاز أو افتراض قانوني، وأن الإنسان وحده من يتمتع بالشخصية الحقيقية وهو الوحيد من يتمتع بالحقوق والإرادة التي تؤهله لاكتسابها، ويتحمل بموجبها الالتزامات، بينما الشخصية المعنوية تعد من قبيل الافتراض، فالمشرع هو من يضفي هذه الصفة على مجموعات الأشخاص والأموال متى أرى أن فيها فائدة اجتماعية أو اقتصادية تحقيقا للمصالح العامة.

III) الفقه المنكر للشخصية المعنوية

بالموازاة مع الاتجاهين السابقين، ظهر فريق آخر من الفقهاء ينكر تماما فكرة الشخصية المعنوية، إذ يرى أصحاب هذه النظرية أن فكرة الشخصية المعنوية ليست لها فائدة ترجى منها، كما أنها منعدمة الأساس القانوني، وبذلك يقولون بفكرة الملكية المشتركة، التي تقوم على أساس أن مجموعة من الأشخاص الطبيعيين الذين ينشأ من أجلهم عمل، إنما يملكونه والأموال الخاصة به ملكية مشتركة.
فيكون ذلك المال مملوكا للجماعة وكأنها فرد واحد. بحيث لا يمكن لأي منهم التصرف بهذا المال المملوك ملكية مشتركة، بل يجب لمشروعية التصرف أن يتصرفوا به جميعا باعتباره مالا مملوكا لهم جميعا.

ثانيا: نقد الآراء الفقهية التي قيلت بشأن الشخصية المعنوية

بداية يجب استبعاد الاتجاه الثالث المنكر أساسا لفكرة الشخصية المعنوية، لأنه لم يأت ببديل حقيقي لهذه الفكرة، بل اقتصر على النظر إلى الأغراض المالية كنتيجة أساسية ووحيدة للأشخاص المعنوية، مع أن هذه الأغراض لا تمثل سوى نتيجة من عدة نتائج أخرى. فلا يمكن القول بأن الدولة لا تمثل إلا مجموعة من الأموال مملوكة ملكية مشتركة لجميع  مواطنيها، لأن الدولة تهدف في الحقيقة إلى أغراض أخرى أرفع منزلة من ذلك.
أما الاتجاه الثاني الذي يعتبر أن الأشخاص المعنوية ما هي إلا مجاز، فإنه منتقد، وبالتالي لا يصلح لأن يكون أساسا لفكرة الشخصية المعنوية. على أن أهم الانتقادات الموجهة له تتمثل فيما يلي:
1- إنه لا يفسر أساس شخصية الدولة، أي لا يوضح من الذي أسبغ على الدولة الشخصية المعنوية، ما دام أن وجودها سابق على القانون. فإذا كانت الشخصية المعنوية مرتبطة بإرادة المشرع – كما ذهب إلى ذلك أنصار الاتجاه الثاني - فمن الذي منح الدولة شخصيتها القانونية، ما دام أن المشرع لم يكن موجودا قبل وجود الدولة؟.
2- لا يبين هذا الاتجاه المالك الحقيقي لأموال الشخص المعنوي، ما دام أن هذا الأخير ليس حقيقة بل مجرد مجاز -كما قال أنصاره- لا وجود له في الواقع.
3- يترتب على هذا الاتجاه عدم إمكانية مساءلة الشخص المعنوي مدنيا أو جزائيا، طالما انه منعدم الإرادة الذاتية.
أما الاتجاه الأول الذي يعتبر أن الشخص المعنوي حقيقة، فإنه منتقد كذلك.
وفي هذا الصدد يقول الفقيه Jèze: "لم أُقابل يوما ما الدولة، ولم أتناول الطعام في حياتي مع شخص معنوي". ومعنى ذلك أن الأشخاص المعنوية لا تعد حقيقة قائمة. 
والواقع أن مثل هذا القول كما أشار إليه جانب من الفقه ينطوي على قدر من الحقيقة، ومرد ذلك أن كلمة "شخص حقيقي" قد توحي بالتجسيد المادي لهذا الشخص، وهو ما يخالف الواقع فيما يتعلق بالأشخاص المعنوية. ومن هنا لا يمكن تأييد الاتجاه القائل بأن الشخصية المعنوية هي حقيقة كائنة، كما لا يمكن من جهة أخرى تأييد الاتجاه القائل بأن الشخصية المعنوية هي مجاز.
فالحقيقة أن الشخصية المعنوية، ما هي إلا مجرد صياغة فنية أو قانونية ،تعني مجموعة من الأموال أو الأشخاص، تستهدف تحقيق غرض معين مستقل عن أغراض أو مصالح عناصر تكوينها. فالشخص القانوني ما هو إلا مركز لمصالح محمية قانونا.

الفرع الثاني: عناصر الشخصية المعنوية

لابد لقيام الشخص المعنوي من توافر عنصر شكلي (أولا) وعناصر موضوعية (ثانيا).

أولا: العنصر الشكلي

يتمثل العنصر الشكلي للشخصية المعنوية في الاعتراف بوجودها من طرف السلطة المختصة وبالوسيلة القانونية اللازمة والسلطة المختصة هنا تتمثل في المشرع الذي يعترف إما صراحة أو ضمنيا بوجود الشخصية المعنوية.
وتجدر الإشارة إلى أن الاعتراف الصريح قد يكون اعترافا خاصا أو اعترافا عاما. فأما الاعتراف الخاص الصريح، فإنه ينصب على هيئة أو جماعة معينة بالذات، ومثال ذلك ما جاء في المادة الأولى من قانون البلدية "البلدية هي الجماعة الإقليمية القاعدية للدولة. وتتمتع بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة. وتحدث بموجب قانون". والمادة الأولى من قانون الولاية "الولاية هي الجماعة الإقليمية للدولة. وتتمتع بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة. وهي أيضا الدائرة غير الممركزة للدولة ...". أما الاعتراف العام الصريح، ففيه يضع المشرع المبادئ التي يجب أن تتوافر في جماعة ما لاكتساب الشخصية المعنوية.
أما الاعتراف الضمني، فهو الذي يمكن أن يستفاد من النصوص القانونية المنظمة للأشخاص القانونية.

ثانيا: العناصر الموضوعية

تتمثل العناصر الموضوعية للشخصية المعنوية فيما يلي:
1- يقوم الشخص المعنوي على مجموعة من الأشخاص أو الأموال، وقد يقوم على مجموعة الأشخاص والأموال في وقت واحد، فالبلدية مثلا هي مجموعة الأفراد والممتلكات التابعة لها.
2- وجود مصالح مشروعة تحتاج إلى حماية القانون، بمعنى أن الشخص المعنوي يجب أن يهدف من وراء نشاطه إلى تحقيق غرض مشروع يسمح به القانون.
3- مبدأ تخصص الشخص المعنوي، أي أن وجوده يهدف إلى تحقيق غرض محدد، وأن يكون ذلك الغرض مستمرا لا يمكن تحقيقه دفعة واحدة.

الفرع الثالث: أنواع الشخصية المعنوية

بالرجوع إلى نص المادة 49 من القانون المدني 192، يتضح بأن هناك نوعين من الأشخاص المعنوية: الأشخاص المعنوية الخاصة (أولا) والأشخاص المعنوية العامة (ثانيا).

أولا: الأشخاص المعنوية الخاصة

الأشخاص المعنوية الخاصة هي كل شخصية معنوية خاضعة لأحكام القانون الخاص كالشركات المدنية والشركات التجارية والجمعيات والمؤسسات الخاصة.

ثانيا: الأشخاص المعنوية العامة

وتسمى كذلك بأشخاص القانون العام والتي تتمثل في كل من: الدولة (I) والأشخاص المعنوية العامة الإقليمية (II)، والأشخاص المعنوية العامة المرفقية أو المصلحية (III).

I) الدولة:

تعد الدولة أهم الأشخاص المعنوية العامة، ولهذا فقد نصت المادة 49 من القانون المدني على الشخصية المعنوية للدولة قبل أي شخص معنوي آخر.
وتجدر الإشارة إلى أن الشخصية المعنوية للدولة لا تحتاج إلى نص دستوري أو قانوني لتقريرها، إذ أن شخصية الدولة تتقرر تلقائيا وبالضرورة متى توافرت الأركان من سلطة وشعب وٕإقليم، وهذا دون الحاجة إلى اعتراف دولي بها لثبوتها، ذلك أن الاعتراف الدولي مجرد شرط للدخول في علاقات دولية خارجية وليس ركنا من أركان الدولة. كما أن الدولة كشخصية معنوية عامة تشكل تقسيما لوحده، وذلك لأنها هي التي تمنح باقي المجموعات الشخصية المعنوية، وعلى هذا لا يمكن المقارنة بين الدولة وبين باقي أشخاص القانون العام، ذلك أن المقارنة تكون بين فئتين أو طائفتين من نفس المستوى. وعليه وبالنتيجة فإن الدولة كشخص معنوي عام متميزة عن باقي الأشخاص المعنوية العامة.

II) الأشخاص المعنوية العامة الإقليمية

إن الأشخاص المعنوية العامة الإقليمية في الدولة هي الولاية والبلدية، والتي تجسد بمجالسها المنتخبة فكرة الديمقراطية التي تسمح لكل إقليم من أقاليم الدولة أن يدير شؤونه المحلية.
وبالتالي فإن النظام الإداري الجزائري لا يعرف أشخاص معنوية عامة إقليمية أخرى، ذلك أن المادة 16 من الدستور الجزائري لسنة 1996 قد عددتها على سبيل الحصر لا المثال.

III) الأشخاص المعنوية العامة المرفقية أو المصلحية

الأشخاص المعنوية العامة المصلحية أو المرفقية عبارة عن "... أشخاص معنوية يتحدد اختصاصها بالغرض الذي تستهدفه، أي يقتصر نشاطها على الهدف الذي أنشئت من أجله...". وهي ما يعرف كذلك بالمؤسسات العامة الإدارية التي تعد تجسيدا لنظام اللامركزية المصلحية أو المرفقية، الذي يعتبر أحد صور اللامركزية الإدارية على النحو الذي سيتم توضيحه عند التطرق لأساليب التنظيم الإداري.
وزيادة على هؤلاء الأشخاص المعنوية العامة هناك من الفقه من يضيف المنظمات المهنية الوطنية والتي يقصدون بها كل: "... هيئة تشرف على تأطير مهنة معينة مبنية على التخصص العلمي، تعمل على تنميتها وتطويرها باعتبارها خدمة عمومية، وتمثّلها لدى الغير من أفراد وسلطات عمومية، وتتمتع في سبيل ذلك بالشخصية الاعتبارية وبعض مظاهر امتيازات السلطة العامة باعتبارها مرفقا عموميا متخصصا...". ومن أمثلتها في الجزائر الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين، المنظمات الجهوية للمحامين، المنظمة الوطنية للخبراء المحاسبين ومحافظي الحسابات والمحاسبين المعتمدين، هيئة المهندسين الخبراء العقاريين، نقابة المهندسين المعماريين،إلى غير ذلك من المنظمات المهنية.
على أن تصنيف المنظمات المهنية الوطنية ضمن طائفة أشخاص القانون العام واعتبارها مرافق عامة متخصصة، مسألة تحتاج إلى نظر، وذلك راجع لكون هذه المنظمات تنتمي إلى طائفة الأشخاص الخاصة ولكنها تقوم ببعض الأعمال التي تشبه ما يقوم به المرفق العام، كإصدار بعض القرارات الإدارية، مما جعل المشرع يعطي الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة ببعض أعمالها للقضاء الإداري. وبمفهوم المخالفة، فإن ما لم يعط للقضاء الإداري بصريح النص، يبقى من اختصاص القاضي العادي.

المطلب الثاني: النظام القانوني للشخصية المعنوية

سيتم الحديث في هذا المبحث عن النتائج المترتبة على ثبوت الشخصية المعنوية (الفرع الأول)، وعن انقضاء الشخص المعنوي (الفرع الثاني).

الفرع الأول: النتائج المترتبة على منح الشخصية المعنوية

بالرجوع إلى نص المادة 50 من القانون المدني، يتضح بأن المشرع قد حدد جملة من الآثار القانونية الناتجة عن ثبوت الشخصية المعنوية، والمتمثلة في:
الاستقلال الإداري والمالي للشخص المعنوي تجاه الدولة (أولا)، الذمة المالية المستقلة للشخص المعنوي (ثانيا)، الأهلية القانونية للشخص المعنوي (ثالثا)، حق التقاضي (رابعا).

أولا: الاستقلال الإداري والمالي

ويترتب على هذا الاستقلال، انفصال موظفي الشخص المعنوي عن موظفي الدولة، وخضوعهم فيما يتعلق بتعيينهم، وترقيتهم، وتأديبهم لنظم خاصة بهم، وٕإن كان ذلك لا يمنع من خضوعهم للقانون الأساسي العام للوظيفة العامة، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص في نظمهم الخاصة. على أن هذا الاستقلال لا يفقدهم صفتهم كموظفين عموميين، لأن علاقاتهم بالدولة تبقى علاقة تنظيمية، كما تطبق عليهم أحكام قانون العقوبات بالنسبة للجرائم التي يرتكبونها.
ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن استقلال الأشخاص المعنوية عن الدولة لا يعد استقلالا مطلقا، لأن هذه الأشخاص تبقى خاضعة - رغم تمتعها بالشخصية المعنوية - لرقابة الدولة. أي أن استقلالية الشخص المعنوي مقيدة بالحدود التي رسمها القانون المنشئ لهذه الهيئات الإدارية، بحيث تبقى خاضعة لرقابة الدولة وٕإشرافها عن طريق نظام الوصاية الإدارية أو ما يسمى كذلك بالرقابة الإدارية.
أما بالنسبة للاستقلال المالي للشخص المعنوي العام، فيعني أن يتكفل هو بذاته بعملية إقرار كل النشاطات المتعلقة بميزانيته من إيرادات ونفقات، أي أن يتكفل بإجراءات التسيير المالي.

ثانيا: الذمة المالية المستقلة

يتمتع الشخص المعنوي العام، بذمة مالية مستقلة عن الدولة من جهة، وعن الذمة المالية لموظفيه من جهة أخرى، فالديون التي تترتب عليه مثلا، لا يجوز أن تلقى على عاتق موظفيه، والعكس كذلك صحيح.

ثالثا: الأهلية القانونية

ومفاد ذلك، أنه باستطاعة الشخص المعنوي أن يباشر جملة من التصرفات القانونية، وعلى الخصوص إبرام العقود التي يستلزمها النشاط الذي يقوم به. على أن يتولى الممثل القانوني للشخص المعنوي إبرام هذه العقود نيابة عنه، طبقا لما تقتضيه النصوص القانونية في هذا الصدد. كما يجوز للشخص المعنوي أن يقبل الهدايا والهبات والوصايا، وذلك في الحدود التي ترسمها النصوص القانونية

رابعا: حق التقاضي أو أهلية التقاضي

المقصود بحق التقاضي بالنسبة للشخص المعنوي، إمكانية هذا الأخير رفع الدعاوى التي يراها مناسبة لحماية مصالحه وحقوقه، عن طريق ممثله القانوني، وفي هذه الحالة يكون الشخص المعنوي مدعيا. 
 كما يقصد بذلك، إمكانية إقامة الدعاوى وقبولها ضد الشخص المعنوي ممثلا بواسطة ممثله القانوني، وفي هذه الحالة يكون مدعى عليه. 
وفي هذا الصدد نصت المادة 828 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على ما يلي: "مع مراعاة النصوص الخاصة، عندما تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا في الدعوى بصفة مدعي أو مدعى عليه، تمثل بواسطة الوزير المعني، الوالي، رئيس المجلس الشعبي البلدي على التوالي، والممثل القانوني بالنسبة للمؤسسة ذات الصبغة الإدارية".

الفرع الثاني: انقضاء الشخصية المعنوية

إن انقضاء الشخص المعنوي مرتبط بزوال أحد عناصر وجوده (أولا). على أن الإشكال الذي يطرح لمن تؤول أموال الشخص المعنوي بعد انقضائه؟ (ثانيا).

أولا: أحوال انقضاء الشخص المعنوي

مصير الشخص المعنوي كمصير الشخص الطبيعي مآله الزوال، فالشخصية المعنوية عموما تنقضي بفقدان أحد العناصر المكونة لها، كما يمكن أن تنقضي لعدة أسباب أخرى، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1) انتهاء الأجل: ويقصد بذلك انتهاء الأجل المخصص للشخصية المعنوية إذا كان محددا، أو بتحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله.
2) الحل الإتفاقي: والذي يتحقق في حالة اتفاق الأعضاء المؤسسين للشخصية المعنوية، أي بإرادتهم. 
3) الحل الإداري: وهو ذلك الحل الذي يستند على قرار إداري صادر عن السلطة الإدارية المختصة.
4) الحل القضائي: أي ذلك الحل الذي يكون بموجب حكم أو قرار قضائي.
 وبالإضافة إلى طرق انقضاء الشخص المعنوي بصفة عامة، والتي تمت الإشارة إليها أعلاه، فإن أشخاص القانون العام تنفرد في هذا الصدد بالأحكام التالية:
فبالنسبة للدولة: تنقضي شخصية الدولة بزوال ركن أو أكثر من أركانها، أو بفنائها كلية، كما لو تم إدماجها في دولة أخرى، أو تفككت إلى دويلات.
أما بالنسبة للأشخاص الإقليمية: تنقضي شخصيتها القانونية بنفس الأسلوب الذي نشأت به، أو بأسلوب أقوى. ففيما يتعلق بالبلدية، أو بالولاية، يتم إلغاؤها بموجب قانون صادر عن البرلمان.
وبخصوص الأشخاص المصلحية أو المرفقية: تنقضي شخصيتها بنفس الطريقة التي نشأت بها، وذلك إما بسحب شخصيتها وتصبح مصلحة تابعة للهيئة التي كانت تابعة لها قبل منحها الشخصية المعنوية. وقد يتحقق ذلك بالاستغناء عن خدماتها. وأخيرا قد يتم هذا الانقضاء بإدماج الهيئة المراد إلغاؤها في هيئة أخرى، وبتقسيمها إلى عدة أشخاص معنوية.

ثانيا: مصير أموال الشخص المعنوي بعد انقضائه

من المؤكد أن للأشخاص المعنوية-سواء الخاصة أو العامة، إقليمية كانت أم مصلحية - مالا معينا. ومن المؤكد كذلك أن هذا المال ليس مباحا، بل مخصص لتحقيق الغرض الذي أنشئ الشخص المعنوي من أجله. فإذا انقضى هذا الشخص ،فما هو مصير أمواله؟
إن الحلول الممكنة تتمثل فيما يلي:
1- إذا وجد نص قانوني يبين كيفية التصرف في أموال الشخص المعنوي بعد انقضائه، وجب تطبيق ذلك النص.
2- وفي حالة ما إذا لم يوجد مثل ذلك الحل في النصوص القانونية، وٕإنما وجد في القانون الأساسي للشخص المعنوي، وجب أخذ الحل من القانون الأساسي، طالما أن النص مشروع.
3- وفي حالة عدم وجود النص على الإطلاق، لا في النصوص القانونية، ولا في القانون الأساسي المنظم للشخص المعنوي، وجب النظر إلى الغرض الذي أنشئ من أجله الشخص المعنوي. فإذا كان غرضه تحقيق الربح، وجب توزيع الأموال على أعضائه. أما إذا لم يكن غرضه الربح، فإن أمواله يجب أن  تذهب إلى أقرب شخص يحقق نفس الغرض.
أما بالنسبة للأشخاص المعنوية المرفقية، فبعد زوال شخصيتها المعنوية، سواء بإلغائها، أو بسحبها، فإن أموالها تؤول إلى الجهة التي كانت تتبعها قبل منحها الشخصية المعنوية. أما إذا تم إدماجها في هيئة أخرى، فإنه من الطبيعي أن تؤول أموالها إلى هذه الهيئة الأخيرة.

المرجع

  1. د. بلماحي زين العابدين، المدخل للقانون الإداري ونظرية التنظيم الإداري، جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان، الجزائر، السنة الجامعية: 2015-2016، ص63 إلى ص79.
google-playkhamsatmostaqltradent