مفهوم الحق وتقسيماته

 مفهوم الحق وتقسيماته

مفهوم الحق وتقسيماته

يتمحور هذا الجزء من الدراسة حول كل المعاني المتعلقة بمفهوم الحق ثم مختلف أنواع الحقوق.

المطلب الأول: مفهوم الحق

لكي يتجلى لنا الحق ومن كل جوانبه ينبغي لنا التطرق لعلاقته بالقانون وبالحريات العامة، وكذا التعرض لأهم النظريات التي قيلت في ذلك.

الفرع الأول: الحق والقانون

يتقرر الحق دائما بالقانون، ولا يكون لأي حق أية قيمة إلا إذا اعترف به القانون وأقره، فالقانون هو الذي ينشئ الحقوق ويحدد مداها ويبين شروط التمتع بها[1]، ويقع على عاتق جميع الأشخاص واجب احترام السلطة التي يقررها القانون لصاحب الحق[2].

الفرع الثاني: الحق والحريات العامة

كثيرا ما تستعمل عبارتا الحق والحرية العامة في نفس السياق، فهل تحملان نفس المعنى أم كلا منهما تحمل معنى مستقلا؟

عبارة الحرية العامة ليست مرادفة للحق وإنما ترادف حرية التصرف وهي رخص للأفراد كافة، والدستور عادة هو الذي يتكفل بحماية الحريات العامة وذلك لجميع الأفراد كحرية التملك والتعبير وإنشاء الجمعيات...إلخ.

أما الحق فهو مصلحة محددة ذات حدود مرسومة يحميها القانون، وبالتالي فأساس الاختلاف بين الحق والحريات العامة تتمثل عموما في النقاط الآتية:

- الحريات العامة إباحة أصلية ومطلقة للجميع، أما الحقوق فقاصرة على أشخاص معينين، فحرية التملك رخصة عامة للجميع أما حق الملكية فهو حق خاص بشخص معين.

- الحرية العامة لا يقابلها التزام في جانب شخص معين، أما الحق فيقابله دائما التزام في مواجهة الغير.

- القيود الواردة في القانون، كالتعسف وسوء الاستعمال، ترد على الحق والسلطة في حين لا ترد على الحريات العامة، فنقول أن شخصا تعسف في استعمال حقه ولا نقول تعسف في استعمال حريته.[3]

المطلب الثاني: تعريف الحق

توجد ثلاثة مذاهب أساسية في تعريف الحق:

أولا: المذهب الشخصي (نظرية الإرادة): ويتزعمه الفقيه الألماني سافيني – savigny فيعرفه بأنه: "قدرة أو سلطة إرادية لصاحب الحق يستمدها من القانون".

نقد:

- هذا التعريف يفترض وجود الإرادة لثبوت الحق ولكن هذا لا يتوفر دائما، فالإرادة ليست شرطا لازما لثبوت الحقوق، كعديمي الأهلية (الصبي غير المميز والمجنون) وكذلك الجنين.

- هناك حقوق تنشأ دون تدخل إرادة صاحب الحق، كحق المضرور في المسؤولية التقصيرية.

- ثبوت الحقوق للشخص المعنوي رغم انعدام الإرادة الحقيقية له.

- يؤدي التعريف السابق إلى عدم ثبوت الحق لشخص ما دون علمه لأنه يربط بين الحق وبين توفر الإرادة، ولكن هذا لا يحدث في بعض الحالات منها الوارث الذي لا يعلم بوفاة مورثه.

- يخلط بين وجود الحق ومباشرته، لأن هذه الأخيرة هي التي تستدعي وجود الإرادة، أما وجود الحق في حالات كثيرة لا يستلزم وجودها.[4]

ثانيا: المذهب الموضوعي (النظرية الموضوعية): ويتزعمه الفقيه الألماني إهرنج – Ihrering: "الحق هو مصلحة مادية أو معنوية يحميها القانون"، إذ أن الحق يقوم على عنصرين:

- الأول: موضوعي: الحق مصلحة مادية أو معنوية لصاحبه.

- الثاني: شكلي: حماية القانون لتلك المصلحة عن طريق الدعوى القضائية.[5]

نقد:

- المصلحة لا تصلح دائما معيارا للحق، فقد يثبت الحق ولا تثبت  المصلحة، كأن يتلقى الموهوب له مالا محملا بعبء يستغرق كل منافعه، كما قد توجد مصلحة دون وجود الحق، ففرض رسوم جمركية على السلع الأجنبية يشكل مصلحة لأصحاب المصانع المحلية دون أن يثبت لهم الحق في فرض هذه الرسوم.

- اعتبار الحماية القانونية ركنا من أركان الحق أمر غير صائب لأن الحماية لاحقة لوجود الحق، وليست ركن من أركانه، فالحق ليس حقا لأن القانون يحميه، ولكن لأنه حق فالقانون يحميه.[6]

ثالثا: المذهب المختلط: حاول أنصار هذا المذهب الجمع بين ما تقدم به فقهاء المذهبين السابقين لوضع تعريف توفيقي للحق، فمن جهة يعتبرون أن  الحق هو سلطة إرادية ومن جهة اخرى بأنه مصلحة يحميها القانون، وعلى ذلك فقد اقترحوا تعريفا للحق بأنه: "القدرة الإرادية لشخص في سبيل تحقيق مصلحة يحميها القانون".

لقد وجهت انتقادات إلى هذا المذهب بدوره، بحيث لم يأت بالجديد وإنما حاول التوفيق بين المذهب الشخصي والمذهب الموضوعي واعتبارا لذلك فإن الحق ليس هو ذاته الإرادة كما لا يمكن القول بأنه هو المصلحة ذاتها، ثم إنه هذا وذاك معا، لأن الحق يثبت حتى بدون وجود الإرادة والمصلحة هي غاية الحق لا جوهره إذ لا يمكن جمع النقيضين.[7]

رابعا: النظرية الحديثة (نظرية دابان): تزعم هذه النظرية الفقيه الفرنسي Dabin، وبعد أن قام بتحليل ونقد النظريات السابقة استجمع تعريفا جديدا للحق، بحيث عرف بأنه: "ميزة يمنحها القانون لشخص يحميها بطرق قانونية ويكون له بمقتضاها الحق في التصرف متسلطا على مال معترف له بصفته مالكا أو مستحقا له".

نلاحظ أن الفقيه "دابان" جاء بتعريف يجمع بين أغلب العناصر التي يمكن للحق أن يشملها وهي بالإضافة إلى صاحب الحق ما يلي:

1- الاستئثار L'appartenance : وهي انفراد صاحب الحق بالميزات التي يخولها له هذا الحق، فيكون له دون غيره كافة السلطات التي تسمح له بالتصرف فيه واستعماله واستغلاله.

2- التسلط La maitrise : وهو النتيجة الطبيعية للاستئثار، ويقصد بالتسلط القدرة على التصرف بحرية في المال أو القيمة التي يستأثر بها صاحب الحق، لكننا نلاحظ أن حدود التسلط التي تسمح لصاحب الحق باستعماله واستغلاله والتصرف فيه تتسع بالنسبة للحقوق العينية بينما تضيق بالنسبة للحقوق اللصيقة بالشخص.

3- حجية الحق في مواجهة الغير l'opposabilité du droit au tiers : إن الحق يقتضي الغيرية لأنه يثبت للشخص في مواجهة الأشخاص الآخرين، بحيث يلتزم هؤلاء باحترام هذا الحق طواعية وإلا أجبروا على احترامه بالقانون، كما أن الحق لا يوجد إلا بالنظر إلى الأشخاص الآخرين، أي بوجود الغير، والعلة في ذلك عند دابان أن الحقوق تستلزم المنافسة بين أفراد المجتمع.

4- الحماية القانونية la protection juridique : هذه الحماية هي النتيجة الحتمية لحجية الحق في مواجهة الغير، لهذا يمكن أن ننظر إليها على أساس أنها عنصر لاحق لتكوين الحق، بحيث لا يمكن للقانون أن يحمي حقا إلا إذا كان موجودا من قبل، المهم في كل هذا أن الحماية القانونية هي الوسيلة التي تضمن احترام الحق.

5- يرد الحق على قيمة معينة تكون محلا له، فقد يكون ماديا (عقارا أو منقولا) أو يكون عملا أو امتناعا عن عمل، أو يكون قيمة معنوية كالإنتاج الفكري أو حق لصيق بالشخصية كحق الشخص في عدم التعرض لشرفه أو عرضه.

نقد

رغم أن الفقيه دابان تفادى الانتقادات الموجهة للنظريات السابقة بتفاديه الخلط بين مرحلة ثبوت الحق ومرحلة استعماله، وبعدم جعله المصلحة أساسا للحق،ن غلا أن نظريته لم تسلم من بعض الانتقادات الفقهية ومنها:

1- رغم أن الاستئثار هو كل معنى الحق لأنه مرادف له، إلا أن دابان جعله عنصرا من عناصره إلى جانب العناصر الثلاثة الأخرى.

2- إضافة إلى ذلك، فإن الاستئثار إذا كان يصدق على الحقوق في نطاق القانون الخاص فإنه لا يصدق على الحقوق في نطاق القانون العام.

3- يؤخذ عليه كذلك فصله بين عنصر احترام الغير للحق و الحماية القانونية له، فقد فصل بذلك بين واجب احترام الحق وبين الوسيلة التي تضمن حمل الغير على احترام هذا الواجب، وهو فصل غير منطقي لأنه لا فائدة منه.

4- عرف دابان الحق بأنه "ميزة يمنحها القانون لشخص يحميها بطرق قانونية ويكون له بمقتضاها الحق في التصرف، متسلطا على مال معترف له بصفته مالكا أو مستحقا له"، ويتساءل الفقه عن معنى كلمة ميزة والمقصود بها في هذا التعريف، فهي إما أن تكون القدرة أو المصلحة، ويكون دابان بذلك قد تبنى ما ذهب إليه من سبق ولم يأت بالتالي بنظرية حديثة، لهذا نجد من الفقهاء ممن صنف رأي دابان ضمن النظريات أو  المذاهب المختلطة والتي سبق وأن أشرنا إليها، بحيث قسم النظريات المختلطة إلى قسمين، الأول أطلق عليه النظرية التقليدية والثاني نظرية دابان بالإضافة إلى نظرية روبييه المختلطة والتي تتحدث عن المركز القانوني الشخصي والموضوعي.

خامسا: تعريف الحق في الفقه الإسلامي: لا نجد عند فقهاء الإسلام القدامى تعريفا للحق، وتراهم عند تعرضهم لتفسيره يعمدون إلى ذكر معناه اللغوي دون زيادة، والسبب كما يرى البعض وضوحه، وهذا ما دفع الفقهاء المحدثين إلى بذل محاولات عدة لوضع  تعريف مناسب للحق، فمنهم من عرفه بأنه "كل مصلحة تثبت باعتبار الشارع". ومنهم من عرفه بأنه "مصلحة ثابتة للفرد أو المجتمع أو لهما يقررها الشارع الحكيم".

كما جاء الشيخ مصطفى الزرقا بتعريف للحق يضع فيه الفقه الشرعي في المقدمة من الفكر القانوني، حيث عرفه بأنه "اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا".

وقد حلل الشيخ مصطفى الزرقا تعريفه كالآتي:

- هو اختصاص من حيث كونه علاقة تشمل الحق الذي موضوعه مادي، كاستحقاق الدين في الذمة بأي سبب كان، وتشمل كذلك الحق الذي موضوعه ممارسة سلطة شخصية كممارسة الولي ولايته والوكيل وكالته، وكلاهما حق لشخص يجب أن يتناوله تعريف.

- ولكي تكون هذه العلاقة حقا يجب أن تختص بشخص معين أو بفئة، لانه ميزة ممنوحة لصاحبه ممنووعة على غيره،ن فلا وجود للحق إلا بوجود فكرة الاختصاص الذي هو قومها وحقيقتها، وبالتالي تخرج من هذا الإطار العلاقة التي لا اختصاص فيها وإنما هي من بين الإباحات العامة كحرية التنقل فهي لا تعتبر حق بالمعنى المراد هنا، وإنما هي رخصة.

- واشترط إقرار الشرع لهذا الاختصاص لأن نظره الشرع هي أساس الاعتبار، فما اعتبره الشرع حقا، وما لم يعتبره كذلك فلا.

- وقول سلطة أو تكليفا لأن الحق يتضمن تارة حقا وتارة تكليفا، والسلطة نوعان، سلطة على شخص وسلطة على شيء معين.

هذا بعض ما جاء في تعريف الحق من بعض فقهاء الاسلام وفي ذلك تفصيل كبير لا يتسع المقام له.[8]

سادسا: التعريف المقترح للحق: علر الرغم من اختلاف الفقه التقليدي والحديث حول تحديد مفهوم "الحق" إلا أنه هناك من أجمع على أن الحق عبارة عن سلطة قانونية تمكن الشخص من القيام بعمل معين تحقيقا لمصلحة مشروعة له.[9]

كما عرف أيضا "هو ثبوت قيمة معينة لشخص بمقتضى القانون، فيكون لهذا الشخص أن يمارس سلطات معينة يكفلها له القانون، بغية تحقيق مصلحة جديرة بالرعاية"[10]

المطلب الثالث: أنواع الحق

يذهب الفقه إلى تقسيم الحقوق إلى عدة أنواع تبعا للمعيار المعتمد.

الفرع الأول: الحقوق السياسية

تنقسم الحقوق بصفة عامة إلى حقوق سياسية وحقوق مدنية، فالحقوق السايسية هي تلك التي تتقرر للشخص لتمكينه من أن يساهم في إدارة شؤون بلده، فهي تثبت باعتباره عضو في دولة سياسية، ومن أمثلتها حق الانتخاب وحق التشريح وحق تولي الوظائف العامة.

الفرع الثاني: الحقوق المدنية

هي الحقوق المقررة لحماية الشخص في كيانه وحريته ولتمكينه من مزاولة نشاطه كحق الشخص في الحياة وحريته في العقيدة وحريته في التعاقد، وهذه الحقوق تكون للشخص بحكم وجوده، فهي بذلك تختلف عن الحقوق السياسية في أن الأصل فيها تثبت لكل شخص، وفي أنها ضرورية لكل شخص، فالإنسان يمكنه أن يعيش دون أن يعطي صوته في الانتخاب أو أن يرشح نفسه لعضوية المجلس النيابي أو أن يتولى وظيفة عامة، ولكن لا يمكنه ذلك إذا فقد حريته أو لم يكن في استطاعته أن يبيع أو يشتري.

وتنقسم الحقوق المدنية إلى حقوق عامة وحقوق خاصة.

أولا: الحقوق العامة

الحقوق العامة أو الحقوق الشخصية هي مجموعة القيم التي تثبت للإنسان باعتبارها مقومات لشخصيته،[11] ويقرر هذه الحقوق القانون العام وينظمها الدستور تحت عنوان الحقوق والحريات، وهذه الحقوق العامة هي المعنى الذي نقصده عندما نتحدث عن الحريات العامة لأنها ملك للجميع وإباحة للجميع[12] فهي بهذه المثابة الحقوق التي تكفل للشخص حماية شخصيته في مظاهرها المختلفة كحق الشخص في الحياة وحقه في الحرية حقه في أن ينسب إليه نتاج ذهنه العلمي أو الأدبي أو الفني.[13]

ثانيا: الحقوق الخاصة

تتعلق الحقوق الخاصة بعلاقات يحكمها القانون الخاص، فهي تلك التي لا تثبت إلا لمن يتوفر له سبب خاص لكسبها، كحق الشخص في ملكية عين أو اقتضاء دين وكسلطة الأب على ولده، فهي تهدف إلى حماية المصالح الخاصة للشخص حتى يتمكن من مزاولة نشاطه وتختلف هذه الحقوق عن الحقوق العامة أو حقوق الشخصية في أنها حقوق يختص بها الشخص دون غيره، بينما تثبت حقوق الشخصية للناس كافة على حد سواء.

وتنقسم الحقوق الخاصة إلى حقوق الأسرة والحقوق المالية.

أ- حقوق الأسرة

ويقصد بحقوق الأسرة تلك التي تثبت للشخص باعتباره عضوا في أسرة معينة، سواء كان ذلك بسبب الزواج أم النسب، ومن أمثلتها حق الزوج في طاعة زوجته له، وحق الأب في تأديب ولده، والحق في الإرث والحق في النفقة.

وتعتبر حقوق الأسرة من مسائل الأحوال الشخصية.

والكثرة الغالبة من حقوق الأسرة حقوق غير مالية، والقليل منها حقوق مالية كالحق في النفقة والحق في الإرث، وسواء بالنسبة إلى هذه الطائفة أو تلك فإن حقوق الأسرة جميعها تتميز بمالها من طابع أدبي يرجع إلى رابطة القرابة التي تجمع بين أعضاء الأسرة.[14]

ب- الحقوق المالية

هي التي يكون محلها قابلا للتقويم بمبلغ من النقود، فقد يرد الحق المالي على:

- شيء (دار، سيارة، محفظة)، فيسمى حينئذ حقا عينيا،

- وقد يرد الحق على عمل (أداء العامل لمهمته) أو امتناع عن عمل (عدم المنافسة)، ويسمى الحق في هذه الحالة حقا شخصيا،

- وقد ينصب على نتاج ذهن أو فكر الإنسان، وهو موضوع الحقوق الذهنية أو الأدبية (حق المؤلف).[15]

وعليه فإن الحقوق المالية تنقسم إلى الحقوق العينية والحقوق الشخصية ثم الحقوق الذهنية وسنتناول كل منها في فرع خاص كالتالي:

الفرع الأول: الحقوق العينية

يرد الحق العيني على شيء مادي و يخوّل لصاحبه سلطة مباشرة على هذا الشيء، أي أنّ صاحب هذا الحق لا يحتاج إلى وسيط لاستعماله، و هذا الوسيط هو المدين. وتسمى هذه الحقوق بالعينية لأنّها متعلقة بالعين أي بالشيء المادي. وتنقسم إلى حقوق عينية أصلية و حقوق عينية تبعية.

أوّلا˸ الحقوق العينية الأصلية

الحق العيني الأصلي هو سلطة لشخص على شيء معيّن تمكنه من استعماله واستغلاله والتصرف فيه. وينشٲ هذا الحق بصفة أصلية مستقلة. ولا ينشا لضمان حق آخر، مثلما هو الحال بالنسبة للحق العيني التبعي. و تتمثل الحقوق العينية الأصلية في حق الملكية وما يستتبعه والحقوق المتفرعة عن حق الملكية.

1) حق الملكية: هو من أهم الحقوق العينية الأصلية وأوسعها نطاقا، وهو سلطة مباشرة لشخص على شيء معيّن تخوّله استعماله و استغلاله و التصرف فيه .

‌أ) الاستعمال: يكون استعمال الشيء المملوك باستخدامه فيما اعدّ له، ويتمّ ذلك بالقيام بالأعمال التي تتفق مع طبيعة الشيء المملوك والتي تمكّن المالك من الحصول على المنفعة المادية له دون الحصول على ثماره، كالسكن وزراعة الأرض للاستفادة الذاتية، وركوب السيارة أي استعمالها استعمالا خاصا.

‌ب) الاستغلال: هو القيام بالأعمال اللازمة للحصول على ثمار الشيء. فاستخدام دار للسكن هو استعمال لها، أمّا تأجيرها فهو استغلال لها. أي أنّ استغلال الشيء يكون بالاستفادة منه بطريق غير مباشر وذلك للحصول على ثماره. والمقصود بالثمار هو ما يتولّد عن الشيء ويتميّز بدوريته وتجدّده دون أن يترتب على ذلك مساس بأصل الشيء. وهذه الصفات هي التي تفرّق بين الثمار والمنتجات. وتختلف الثمار عن المنتجات في كون هذه الأخيرة تُطلق على ما ينتج عن الشيء في مواعيد غير دورية وبالتالي يترتب عليها الانتقاص من أصل الشيء كالأحجار من المحاجر و الأثرية و المياه من الآبار، و قد تكون الثمار طبيعية أو مدنية.

- الثمار الطبيعية تتولّد إمّا بفعل الطبيعة كنتاج الحيوان (الحليب، صوف الأغنام ...) أو بفعل الإنسان كالإنتاج الزراعي وعسل النحل و تسمى بالثمار المستحدثة.

 -أما الثمار المدنية فهي ما ينتجه الشيء من ربع كأجرة تأجير مسكن وفوائد السندات، وأرباح الأسهم وفوائد الأموال.

‌ج) التصرف: ويعني التصرف المادي أو القانوني في منافع الشيء و في رقبته.

- التصرف المادي: يكون بإجراء أعمال مادية على الشيء المملوك نتيجتها القضاء على مادته، كهدم البناء أو شقّ طريق أو حفر بئر أو إقامة بناء.

- التصرف القانوني: يكون بنقل سلطات المالك كلّها أو بعضها إلى الغير بمقابل كالبيع، أو دون مقابل كالهبة. كما يمكن أن يرتب على حقّه حق ارتفاق أو انتفاع أو رهن. و ملكية الرقبة لا تكون إلاّ للمالك.

وهذه السلطات الثلاث (الاستغلال، الاستعمال، التصرف) إذا اجتمعت في يد شخص واحد قيل أنّ له الملكية التامة، لكن حق التصرف هو الذي يميّز حق الملكية عن غيره من الحقوق العينية الأصلية، لأنّه يظلّ دائما بيد المالك، أمّا الاستغلال والاستعمال فيجوز ثبوتهما لغير المالك.

ومن خصائص حق الملكية انّه حق دائم، أي يدوم بدوام الشيء -عكس الحقوق الأخرى لأنّها مؤقتة – ولا ينقضي، و لكنّه ينتقل بالميراث أو الوصية أو التصرف. ويتميز حق الملكية بأنّه لا يسقط بعدم الاستعمال، عكس الحقوق الأخرى إلاّ إذا اقترن ذلك بحيازة الشيء من طرف الغير.

2) الحقوق المتفرغة عن حق الملكية: وهي حقوق تقتطع بعض سلطات حق الملكية لصالح شخص آخر غير المالك. إذا كان التصرف لا يتسنى إلاّ للمالك فٳنّ باقي الحقوق يمكن أن تثبت لغير المالك وهي حق الانتفاع ، حق الاستعمال والسكنى وحق الارتفاق.

‌أ) حق الانتفاع، l’usufruit: هو حق عيني يخوّل للمنتفع حق استعمال واستغلال شيء مملوك للغير لمدّة معيّنة دون التصرّف فيه، لٲنّ التصرف في يد المالك، لأنّه مازال محتفظا بملكية الرقبة. ويرد حق الانتفاع على عقار أو منقول و ينتهي بموت المنتفع أو بانتهاء مدة الانتفاع أو بهلاك الشيء محلّ الانتفاع (المواد من 852 إلى 853 ق.م) ، كما يسقط هذا الحق بعدم استعماله لمدّة 15 سنة (المادة 854 ق.م)،  ويكون المنتفع ملزما بالمحافظة على ذلك الشيء ورده لصاحبه عند انتهاء مدّة الانتفاع (المادة 849 ق.م)

‌ب) حق الاستعمال وحق السكن، Droit d’usage et Droit d’habitation: تنص المادة 855 ق.م على أنّ حق الاستعمال يخوّل لصاحبه استعمال الشيء لنفسه و لأسرته، لهذا يسمى حق الاستعمال الشخصي، فهو من جهة حق انتفاع ولكنّه محدود بحيث يخوّل لصاحبه الاستعمال دون الاستغلال. فإذا كان للشخص حق استعمال ارض زراعية، فله الحصول على ثمارها بالقدر الذي يحتاجه هو و أسرته، وليس له أن يبيع هذه الثمار أو يعطيها للغير (856 ق.م).

أمّا حق السكن فهو أضيق نطاقا من حق الاستعمال لأنّه لا يخوّل لصاحبه إلاّ نوعا من الاستعمال، وهو استعمال الشيء للسكن فقط ولمدّة معيّنة. وتسري الأحكام الخاصة بحق الانتفاع على حق الاستعمال وحق السكنى متى كانت لا تتعارض مع طبيعة هذين الحقين (857 ق.م).

‌ج) حق الارتفاق، Droit de servitude˸ تنص المادة 867 ق.م على أنّ الارتفاق حق يجعل حدا لمنفعة عقار لفائدة عقار آخر مملوك لشخص أخر. ويجوز أن يترتب الارتفاق على مال عام إن كان ذلك لا يتعارض مع الاستعمال الذي خصّص لهذا المال. ويُكسب حق الارتفاق بالوصية والميراث والتقادم والعقد. ويسمى العقار الذي تقرّر لصالحه الارتفاق بالعقار المخدوم (المرتفق)، أمّا العقار الذي يقع عليه الارتفاق فيسمى بالعقار الخادم (المرتفق به).

وتتمثل شروط حق الارتفاق فيما يلي:

- يجب أن يكون حق الارتفاق بين عقارين، عقار مرتفق وعقار مُرتفق به.

 -يجب أن يكون العقاران مملوكين لشخصين مختلفين.

- يكون التكليف مفروضا على العقار المرتفق به ذاته وليس التزاما شخصيا على مالك العقار المرتفق به.

 -التكليف يكون لمصلحة عقار وليس لفائدة شخص.

وينتهي حق الارتفاق في الحالات الآتية (المادة 876 ق.م و ما يليها):

- بانقضاء الأجل المحدد إذا كان محدّدا بمدّة.

 -بهلاك العقار المرتفق به كلّيا.

- باجتماع العقار المرتفق به والمرتفق في يد مالك واحد.

 -بعدم استعماله لمدّة 10 سنوات.

- إذا فقد حق الارتفاق كل منفعة للعقار المرتفق أو بقيت له فائدة محدودة لا تتناسب مع الأعباء الواقعة على العقار المرتفق به.

نستخلص في الأخير أنّ حق الملكية هو حق العيني الأصيل، وتتمثل هذه الأصالة في أنّ الملكية حق جامع مانع، وهذه الخاصية جوهرية في حق الملكية ولا توجد في غيره من الحقوق المتفرعة عنه. فهو جامع لكافة المزايا والمنافع التي يمكن استخلاصها من الشيء، ومانع لغير المالك من مشاركته تلك المزايا والمنافع المستخلصة منه، إلاّ ما سمح به القانون لغير المالك وقيّد به المالك في ممارسة سلطاته على الشيء المملوك للمصلحة العامة أو المصالح الخاصة، و تبقى هذه الحالة استثناء من الأصل.

ثانيا: الحقوق العينية التبعية

إلى جانب الحقوق العينية الأصلية التي تقوم بذاتها مستقلة غير مستندة إلى حق أخر، هناك نوع أخر من الحقوق العينية تستند في وجودها إلى حق أخر، وهي الحقوق العينية التبعية. وهي حقوق عينية لأنّها تمنح لصاحبها سلطة مباشرة على شيء معيّن، وهي تبعية لأنّها لا تنشا مستقلّة وإنّما تنشٲ لضمان الوفاء بحق شخصي فتكون تابعة له، بحيث تنقضي إذا انقضى ذلك الحق الشخصي. ويخوّل هذا الحق امتيازين لصاحبه وهما حق التتبع و حق الأفضلية.

1. حق التتبع: للدائن حق تتبع المال المخصص كتٲمين عيني في أيّ يد يكون، والتنفيذ عليه لاستيفاء دينه.

2. حق الأفضلية: وهو ضمان للدائن، بحيث يقيه من سلبيات الضمان العام فيحميه من خطر تعاقد مدينه على ديون جديدة، فتكون له الأفضلية على غيره في التنفيذ على المال محلّ الحق العيني التبعي لاستيفاء دينه. لهذا تسمى هذه الحقوق بالتأمينات العينية، وتنشا بمقتضى عقد أو حكم صادر عن القضاء أو نص في القانون. وهذه التأمينات تجمعها فكرة تخصيص مال ضمانا للوفاء بدين معيّن.

وكما سبق ذكره فٳنّ للضمان العام سلبيات، وهذا راجع للخصائص التي يتميز بها، فقد ورد في المادة 188 من التقنين المدني الجزائري ما يلي: " أموال المدين جميعها ضامنة لوفاء ديونه. و في حالة عدم وجود حق أفضلية مكتسب طبقا للقانون فٳنّ جميع الدائنين متساوون تجاه هذا الضمان". ومن هذا نستنتج أنّ الضمان العام يتميز بالآتي:

1. يشمل الضمان العام جميع أموال المدين ولو كان المدين اكتسبها في تاريخ لاحق لتاريخ نشوء حق الدائن.

2. يخرج من الضمان العام للدائنين ما كان مملوكا للمدين من أموال وقت نشوء حق الدائن ثم خرج من ملكيته وقت التنفيذ.

3. الضمان العام مقرّر لجميع الدائنين، وهم متساوون في اقتضاء ديونهم من أموال المدين لسداد جميع الديون، و تقسم هذه الأموال فيما بينهم قسمة غرماء، أي كل بنسبة دينه لأنّهم جميعا في مرتبة واحدة.

نستخلص في الأخير أنّ الضمان العام ليس ضمانا حقيقيا للدائنين، وبالتالي يُستثنى من هذه القاعدة من كان له حق التقدم طبقا للقانون وذلك بمقتضى رهن أو تخصيص أو امتياز وهذه هي التأمينات العينية. مع الإشارة إلى أنّ هناك تأمينات شخصية بحيث يطلب الدائن، عوضا عن تخصيص مال معيّن كتٲمين للوفاء بالدين، تقديم شخص أخر ضامنا للدين إلى جانب المدين الأوّل.

وتتنوع الحقوق العينية التبعية بحسب مصدرها إلى: حق الرهن، و ينقسم إلى رهن رسمي ورهن حيازي، حق التخصيص وحقوق الامتياز.

1. الرهن الرسمي L’hypothèque:

الرهن الرسمي حق عيني تبعي ينشا بموجب عقد رسمي لصالح الدائن، محلّه عقار، و يخوّل للدائن حق التقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة، في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار، في أيّ يد يكون (المادة 882 ق.م)

- كقاعدة عامة لا يرد الرهن الرسمي إلاّ على العقارات.

 -تبقى حيازة العقار المرهون للمالك الراهن.

 -قد يكون المالك الراهن المدين نفسه، أو شخصا آخر يقدّم رهنا لمصلحة المدين.

- لا ينعقد الرهن الرسمي إلاّ بورقة رسمية.

- ولا يُحتج به على الغير إلاّ إذا تمّ شهره.

 -تتحدد مرتبة الدائن المرتهن بتاريخ الرهن.

2. الرهن الحيازي Le nantissement:

الرهن الحيازي حق عين تبعي ينشٲ بموجب عقد يلتزم به شخص، ضمان لدين عليه أو على غيره، بٲن يسلم إلى الدائن أو إلى شخص أجنبي، يعينه المتعاقدان، شيئا يترتب عليه هذا الحق العيني، يخوله حبس الشيء لحين استيفاء الدين، بٲن يتقدم الدائنين العاديين والتالين له في المرتبة.

 -يرد الرهن الحيازي على منقول أو عقار يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني.

- لا يُحتج بالرهن الحيازي على الغير إذا كان محلّه عقار إلاّ إذا كان مقيّدا (المادة 966 ق.م).

 -يُحتج بالرهن الحيازي الوارد على منقول  في حق الغير بانتقال الحيازة إلى الدائن وتدوين العقد في ورقة ثابتة التاريخ.

- يحدّد مرتبة الدائن المرتهن التاريخ الثابت في ورقة الرهن الحيازي أو القيد.

3. حق التخصيص  Droit d’affectation:

يتقرر حق الاختصاص أو حق التخصيص بأمر من القضاء – عكس الرهن –(المواد 937 إلى 947 ق.م)، ويمكن تعريفه بأنّه حق عيني تبعي للدائن يتقرّر على عقار أو أكثر من عقارات المدين. بعد حصول الدائن على حكم واجب التنفيذ يلزم المدين بالدين، ويخوّل الدائن حق التقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه وعلى رئيس المحكمة أن يراعي مقدار الدين و قيمة العقارات.

- لا يقرّر إلاّ على عقارات (المادة 940 ق.م)

- كما يبقى العقار المعني في حيازة المالك

 -لحق التخصيص نفس السلطات والأسبقية التي يخوّلها حق الرهن الرسمي، والأولوية تقرّر بالأسبقية في القيد (المادة 947 ق.م).

4. حق الامتياز Droit de privilege:

حق الامتياز أولوية يقرّرها القانون لحق معيّن مراعاة منه لصفته (المادة 982 ق.م). وقد ٲبرز المشرّع جوهر حق الامتياز وهو الأفضلية الممنوحة للدائن. وهذه الأولوية لا يمنحها إلاّ القانون وتمليها أحيانا المصلحة العامة، كما هو الشأن بالنسبة للحقوق المستحقة للخزينة العامة، أو تقرّرها اعتبارات اجتماعية كحق الامتياز الخاص بأجور العمال لدى رب العمل.

وتنقسم حقوق الامتياز إلى:

- حقوق امتياز عامة على جميع أموال المدين (المادة 984 ق.م)، كأجرة الخدم والنفقة المستحقة للأقارب ...( المادة 993 ق.م)

- حقوق امتياز خاصة ترد على عقار أو منقول معيّن (المادة 984 ق.م)، كامتياز صاحب الفندق على المنقولات المملوكة للنزيل (996 ق.م)، وامتياز بائع العقار على العقار المبيع (المادة 999 ق.م).

الفرع الثاني: الحقوق الشخصية

ٲوّلا: معنى الحق الشخصي

قد تنشا رابطة قانونية بين شخصين يصبح بمقتضاها لأحدهما (الدائن) الحق في اقتضاء أداء معيّن من الأخر (المدين). وتسمى هذه الرابطة بحق الدائنية أو الحق الشخصي. لهذا يمتاز الحق الشخصي بٲنّ صاحبه لا يمكنه الحصول على حقه إلاّ بتدخل المدين وهذا ما يميّز الحق الشخصي عن الحق العيني لٲنّ هذا الأخير سلطة مباشرة على الشيء.

ثانيا: أركان الحق الشخصي

أمّا عن أركان الحق الشخصي فتتمثل في طرفي الحق ومحله، وهي:

 -الدائن le créancier: وهو صاحب الحق.

- المدين Le débiteur: و هو الملتزم.

محل الحق: وهو إمّا الالتزام بالقيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل.

يتميز الالتزام بالقيام بعمل انّه ايجابي مثل التزام المقاول ببناء منزل، والتزام الرسام برسم لوحة فنية .أمّا الالتزام بالامتناع عن عمل فهو التزام سلبي، كالتزام التاجر بعدم منافسة من باع له المحل التجاري.

ثالثا: مصادر الحق الشخصي

أمّا عن مصادر الحق الشخصي فهي العقد أو الإرادة المنفردة كالوعد بجائزة أو الفعل الضار أو الإثراء بلا سبب كالتزام المثرى برد ما ٲثري به بغير سبب، أو القانون كالالتزام بالنفقة أو الفضالة في حالة ردّ  رب العمل إلى الفضولي على ما أنفقه.

رابعا˸ محاولة التقريب بين الحق الشخصي والحق العيني

قبل التعرض لنقاط الاختلاف بين الحقين الشخصي والعيني، تجدر بنا الإشارة إلى أنّ هناك جانب مهم من الفقه حاول التقريب بين الحق العيني والحق الشخصي، بحيث أرادوا نفي الفوارق الموجودة بينهما، وانقسم هؤلاء إلى قسمين: مذهب شخصي وأخر مادي.

1. يرى أنصار المذهب الشخصي أنّ الحقين يقتربان، لٲنّ القول أنّ الحق الشخصي يحتاج إلى تدخل وسيط أو مدين للحصول عليه عكس الحق العيني غير صحيح، لٲنّ لصاحب الحق العيني كذلك علاقة مع كافة الناس الذين يكونون ملزمين باحترام هذا الحق وهو التزام سلبي.

ويمكن انتقاد هذا الرأي بما يلي:

 -الالتزام السلبي المفروض على كافة الناس حيال الحق العيني موجود كذلك حيال الحق الشخصي.

 -الحق يخوّل صاحبه حق التتبع والأفضلية.

- الحق الشخصي يتعلق حقه بالضمان العام بالنسبة لكل أموال المدين، ويتقاسمها قسمة غرماء مع الدائنين الآخرين.

2. أمّا المذهب المادي فيرى أصحابه أنّ المحل هو الأصل في الحق الشخصي وهو القيمة المالية، وهذا الذي يهمّ الدائن. أمّا المدين فهو الواسطة التي تمكّنه من الحصول على القيمة المالية. فالحق الشخصي علاقة غير مباشرة بالشيء، أمّا الحق العيني فهو علاقة مباشرة به.

ويبقى هذا لب الانتقاد، فصاحب الحق الشخصي تظلّ له مجرّد سلطة غير مباشرة على الشيء موضوع الحق ولا يمكنه استعمالها إلاّ بواسطة المدين، وتبقى شخصية المدين محل اعتبار في الكثير من العقود، كمن تعاقد مع مهندس معيّن بذاته. ويبقى الاختلاف قائما بين الحق الشخصي والحق العيني.

خامسا: التمييز بين الحق العيني والحق الشخصي

- محلّ الحق الشخصي هو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل، أمّا الحق العيني فيرد مباشرة على شيء مادي عقارا أو منقولا.

 -الحق الشخصي حق نسبي، لا ينتج أثاره إلاّ في مواجهة شخص معيّن هو المدين، أمّا الحق العيني فحق مطلق يُحتج به على الجميع وينتج أثره في مواجهة جميع الناس.

 -الحق الشخصي استئثار غير مباشر، لا يحصل الدائن على حقه دون تدخل المدين، عكس الحق العيني الذي هو استئثار مباشر بشيء يمكّن صاحبه من الحصول على مزاياه دون وساطة.

 -الحقوق الشخصية ليست واردة على سبيل الحصر، فيمكن للأفراد إنشاء ما شاؤوا منها شرط عدم مخالفة النظام العام والآداب العامة. أمّا الحقوق العينية فواردة على سبيل الحصر في القانون.

 -الحق الشخصي مؤقت عكس الحق العيني الذي قد يكون مؤبدا في حالة حق الملكية الذي ينصب على شيء مادي معيّن، فيدوم ما دام ذلك الشيء، و قد يكون مؤقتا إذا كان حقا عينيا تبعيا، لأنّه لم يوجد إلاّ لضمان الحق الشخصي فينقضي بانقضائه.

 -الحق الشخصي منقول دائما لٲنّ محلّه التزام بعمل أو امتناع عن عمل، وهو لذلك لا يوصف بالثبات. أمّا الحق العيني فيكون منقولا أو عقارا بحسب طبيعة الشيء المادي الذي ينصبّ عليه. فإذا انصب ّعلى عقار يعتبر مالا عقاريا وإذا انصبّ على منقول يعتبر مالا منقولا.

 -لا يُكتسب الحق الشخصي بالتقادم عكس الحق العيني.

 -يسقط الحق الشخصي بالتقادم عكس الحق العيني.

 -الحق الشخصي يخوّل لصاحبه الحق في الضمان العلم لمدينه، أمّا الحق العيني التبعي يعطي لصاحبه حق التتبع والأفضلية.

الفرع الثالث: الحقوق الذهنية

للحقوق الذهنية طبيعة خاصة، فهي تمزج الحق العيني و الحق الشخصي، لهذا يُطلق عليها تسمية الحقوق المختلطة. وهي ترد على شيء غير مادي لٲنّ محلها أشياء معنوية غير محسوسة لأنّه عبارة عن إنتاج فكري و إبداع.

إنّ الجانب المادي للحقوق الذهنية هو استئثار صاحب هذا الحق بناتجها واستغلاله ماديا. أمّا الجانب المعنوي فهو حق صاحب الحق الذهني في أن يُنسب إليه ما أنتجه.

و تنقسم هذه الحقوق إلى قسمين: حقوق الملكية الصناعية وحقوق الملكية الفنية والأدبية.

أوّلا: حق الملكية الصناعية

ترد الملكية الصناعية على منقول معنوي وهو براءة الاختراع، العلامة التجارية، الرسوم النماذج والاسم التجاري.

يتمثل الجانب المالي لهذه الحقوق في حق الشخص في استغلال اختراعه. أمّا الجانب المعنوي والأدبي فيتمثل في حقه في احتكار هذا الاستغلال.

1. براءة الاختراع ˸ هي شهادة رسمية تمنح للمخترع هي شهادة تُمنح للمخترع ليتمكن من استغلال اختراعه ماليا بالاستئثار به في مواجهة الغير أو التصرف فيه كليا أو جزئيا، بعوض أو بدون عوض,

2. النماذج و الرسوم الصناعية: الرسم المقصود هنا هو كل تركيب لخطوط معيّنة بٲلوان أو بدون ألوان لإعطاء مظهر خاص لشيء صناعي أو خاص بالصناعة التقليدية . أمّا النموذج فهو كل تشكيل لشيء بألوان أو بدونها لصناعة معيّنة، ويمكن استعماله لصنع وحدات أخرى. و يمتاز عن النماذج الأخرى المشابهة له بشكله الخارجي. وليحتج بها اتجاه الآخرين ينبغي تسجيلها ونشرها.

3. العلامة التجارية و الصناعية: هي كلّ رمز أو إشارة يستعملها الشخص ليميّز صناعته عن غيرها، أو ليميّز خدمته عن الخدمات الأخرى، ويكون ذلك بالأحرف أو الكلمات أو الأرقام أو الرسوم ...

4. الاسم التجاري: هو الاسم الذي يتخذه التاجر للدلالة على منشآته التجارية أو الصناعية لتمييزها عن غيرها من المنشآت، والقانون يلزم التاجر باتخاذ اسم يميّز محلّه عن غيره من المحلاّت. كما يجوز التصرف فيه باعتباره حقا من حقوق الملكية الصناعية، وهو عنصر من عناصر المحل التجاري.

وقد يكون هذا الاسم هو الاسم الشخصي للتاجر أو لقبه أو يكون اسم احد الشركاء، إذا كانت شركة، وقد يُستمد الاسم من غرض الشركة.

5. العنوان التجاري: يوضع على لافتة المحل التجاري، و قد يستعمل الاسم التجاري كعنوان تجاري. ولا يجوز التصرف فيه مستقلا لأنّه عنصر من عناصر المحلّ التجاري.

ثانيا˸ الملكية الأدبية والفنية

الملكية الأدبية والفنية هي الحق الذي يكسبه المؤلف على المصنّف أو إنتاجه الفكري، سواء كان فنيا أو أدبيا. وتتمثل أركان حق الملكية الأدبية والفنية في المؤلِّف والمؤلَّف.

1. المؤلِّف L’auteur: هو كل شخص يقدم ابتكارا جديدا في المجال الفكري والذهني أيا كان نوعه، كالكاتب والرسام والملحِّن.

2. المؤلَّف أو المصنّف L’œuvre: وهو الإنتاج الفكري المقدّم من طرف هذا المؤلَّف مهما كان نوعه وقيمته ومقصده، ويخوّل لصاحبه حقّا يسمى بحق المؤلف.

ولصاحب هذا الحق الاستفادة منه ماديا باستغلاله عن طريق نشره أو ترجمته و إظهاره في أيّ شكل جديد. وهذا الحق قابل للتصرف فيه وينتقل إلى الورثة للاستئثار به لمدة 25 سنة من وفاة مورّثهم ، ثم يصبح بعد ذلك ملكا للجمهور.

أمّا الحق الأدبي لحق للمؤلف فيتمثل في حقه في حمايته وفي نشره أوعدم ذلك أو تعديله أو سحبه من التداول. وهذا الحق من الحقوق اللصيقة بالشخصية، فلا يجوز الصرف فيه أو الحجز عليه ولا التنازل عليه، كما لا يسقط بالتقادم.[16]

التحميـل PDF


[1] آيت شاوش دليلة، محاضرات في مادة المدخل للعلوم القانونية "نظرية الحق"، جامعة عبد الرحمان ميرة –بجاية الجزائر، السنة الجامعية 2014-2015، ص2.

[2] محمد الصغير بعلي، المدخل للعلوم القانونية،دار العلوم، الجزائر، السنة 2006، ص99.

[3] آيت شاوش دليلة، نفس المرجع، ص 3.

[4] آيت شاوش دليلة، نفس المرجع، ص8، 9.

[5] محمد الصغير بعلي، نفس المرجع، 98.

[6] آيت شاوش دليلة، نفس المرجع، ص10.

[7] غضبان سمية، محاضرات في نظرية الحق، جامعة محمد بوضياف، الجزائر، السنة الجامعية: 2018-2019، ص3، 4.

[8] آيت شاوش دليلة، نفس المرجع، ص10 إلى ص14.

[9] غضبان سمية، المرجع السابق، ص5.

[10] مولود ديدان، مقرر وحدتي المدخل ونظرية الحق، دار بلقيس، الجزائر، ص51.

[11] مولود ديدان، نفس المرجع، ص52

[12] آيت شاوش دليلة، نفس المرجع، ص16

[13] مولود ديدان، نفس المرجع، ص52

[14] مولود ديدان، المرجع السابق، ص54

[15] محمد الصغير بعلي، المرجع السابق، ص102.

[16] آيت شاوش دليلة، المرجع السابق، ص20 إلى ص35.

المراجع:

  1. آيت شاوش دليلة، محاضرات في مادة المدخل للعلوم القانونية "نظرية الحق"، جامعة عبد الرحمان ميرة –بجاية الجزائر، السنة الجامعية 2014-2015.
  2. محمد الصغير بعلي، المدخل للعلوم القانونية،دار العلوم، الجزائر، السنة 2006.
  3. غضبان سمية، محاضرات في نظرية الحق، جامعة محمد بوضياف، الجزائر، السنة الجامعية: 2018-2019.
  4. مولود ديدان، مقرر وحدتي المدخل ونظرية الحق، دار بلقيس، الجزائر.
google-playkhamsatmostaqltradent