المبادئ التي تقوم عليها إجراءات إبرام الصفقات العمومية

 المبادئ التي تقوم عليها إجراءات إبرام الصفقات العمومية

المبادئ التي تقوم عليها إجراءات إبرام الصفقات العمومية

تمهيد:

تنص المادة 05 من المرسوم الرئاسي 15/247 " لضمان نجاعة الطلبات العمومية والاستعمال الحسن للمال العام، يجب أن تراعى في الصفقات العمومية مبادئ حرية الوصول للطلبات العمومية والمساواة في معاملة المرشحين وشفافية الإجراءات ضمن احترام أحكام هذا المرسوم".

من خلال هذا النص القانوني يتضح أن المبادئ التي تراعى وتقوم عليه الصفقة العمومية هي:

المطلب الأول: حرية الوصول للطلب العمومي

يقتضي ضمان حرية الوصول للطلب العمومي، ضمان الإعلان والإطلاع للجميع.

فالحرية تفتح باب المشاركة لنيل الطلب العمومي، من خلال إمكانية تقديم العروض لكل من تتوفر فيهم الشروط دون قيد أو تمييز، وهذا يتطلب توفر المعلومة.

والمعلومة لا تتوفر إلا عن طريق الإعلان والإطلاع للجميع دون استثناء، وهذا ما سنتطرق إليه تباعا.

الفرع الأول: الإعـلان

إن المقصود بالإعـلان هنا هو الإشهار والنشر وفـي هـذا تنص المادة 61 مـن المرسوم الرئاسي 15/247 على: "يكون اللجوء إلى الإشهار الصحفي إلزاميا في الحالات الآتية:

- طلب العروض المفتوح

- طلب العروض المفتوح مع اشتراط قدرات دنيا

- طلب العروض المحدود

- المسابقة

- التراضي بعد الاستشارة عند الاقتضاء". 

وتنص المادة 65 دائما من المرسوم الرئاسي 15/247 في فقرتها الأولى:

" يحرر إعلان طلب العروض باللغة العربية وبلغة أجنبية واحدة على الأقل كما ينشر إجباريا في النشرة الرسمية للصفقات العمومية..."

حيث يظهر أن الإشهار والنشر طريقان متلازمان لتحقيق الإعلان، وهما في نفس الوقت يجسدان مبدأ قانوني، يؤدي تخلفه، إلى مخالفة التشريع المنظم لعملية الإبرام.

تكمن الغاية من الإعلان في ضرورة احتوائه على بيانات ونقاط معينة، وذلك ما تنص عليه المادة 62 من المرسوم الرئاسي 15/247، حيث تتمثل في:

- تسمية المصلحة المتعاقدة وعنوانها ورقم تعريفها الجبائي.

- كيفية طلب العروض.

- شرط التأهيل أو الانتقاء الأولي.

- موضوع العملية.

- قائمة موجزة بالمستندات المطلوبة مع إحالة القائمة المفصلة إلى أحكام دفتر الشروط ذات الصلة.

- مدة تحضير العروض ومكان إيداع العروض.

- مدة صلاحية العروض.

- إلزامية كفالة التعهد، إذا اقتضى الأمر.

- تقديم العروض في ظرف مغلق بإحكام، تكتب عليه عبارة "لا يفتح إلا من طرف لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض" ومراجع طلب العروض.

 إن هذه البيانات الإلزامية تعد بمثابة إعلان عن بدء المنافسة، وأحد المقومات الأساسية لمنافسة نزيهة، الأمر الذي يضمن ترشيد استعمال المال العام ونجاعة الطلب العمومي.

الفرع الثاني: الاطلاع

يعد الاطلاع بمثابة مكمل للإعلان، حيث يجسد هذا الاطلاع، من خلال تقديم وتحضير ملف الطلب العمومي، ووضعه تحت تصرف كل من يرغب في المشاركة إلى جانب تقديم كل التوضيحات الضرورية والمطلوبة، ولقد أكدت على ذلك المادة 64 من المرسوم الرئاسي 15/247 فنصت "يحتوي ملف استشارة المؤسسات الذي يوضع تحت تصرف المتعهدين على جميع المعلومات الضرورية التي تمكنهم من تقديم عروض مقبولة، لاسيما ما يأتي:

- الوصف الدقيق لموضوع الخدمات المطلوبة أو كل المتطلبات بما في ذلك المواصفات التقنية واثبات المطابقة، والمقاييس التي يجب أن تتوفر في المنتجات أو الخدمات وكذلك التصاميم والرسوم والتعليمات الضرورية، إن اقتضى الأمر ذلك.

- الشروط ذات الطابع الاقتصادي والتقني والضمانات المالية، حسب الحالة.

- المعلومات أو الوثائق التكميلية المطلوبة من المتعهدين.

- اللغة أو اللغات الواجب استعمالها في تقديم التعهدات والوثائق التي تصاحبها.

- كيفيات التسديد وعملة العرض، اذا اقتضى الأمر.

- كل الكيفيات الأخرى والشروط التي تحددها المصلحة المتعاقدة والتي يجب أن تخضع لها الصفقة.

- الأجل الممنوح لتحضير العروض.

- أجل صلاحية العروض أو الأسعار.

- تاريخ وآخر ساعة لإيداع العروض والشكلية الحجية المعتمدة فيه.

- تاريخ وساعة فتح الأظرفة.

- العنوان الدقيق حيث يجب أن تودع التعهدات."

إن الاطلاع الحقيقي على مضمون الطلب العمومي الذي تريد تلبيته المصلحة المتعاقدة سيسمح بتقديم عروض تنافسية تعود بالفائدة على المصلحة المتعاقدة والصالح العام. من خلال تحقيق الهدف المرجو من الطلب العمومي، وعلى قدر تحقيق هذا الهدف تتحقق النجاعة المطلوبة.

المطلب الثاني: المساواة في معاملة المرشحين

تنص المادة 34 من الدستور على: "تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية".

يظهر من خلال هذا النص، أن المساواة في المعاملة هو مبدأ دستوري، لابد أن يراعى في جميع مظاهر الحياة، وما يعنينا هنا هو الحياة الاقتصادية.

إن تحقيق مبدأ المساواة في المعاملة، ضمن إطار الحياة الاقتصادية يستلزم من المؤسسات أو المصلحة المتعاقدة التزام الحياد وحفظ مسافة واحدة من الجميع.

يظهر هذا الحياد في إطار الصفقات العمومية، من خلال تمكين جميع المترشحين الذين تتوفر فيهم الشروط الضرورية لتلبية الطلب العمومي، من المشاركة وفي نفس الوقت التساوي في المعاملة حتى نكون أمام وضعية تنافس حقيقية تخدم المصلحة العامة.

إن الحياد أيضا يستلزم عدم توجيه الطلب العمومي نحو منتوج معين أو نحو متعامل اقتصادي معين كما يستلزم تحديد الطلب العمومي بدقة، وهذا ما أكدت عليه المادة 27 من المرسوم الرئاسي 15/247 في فقرتها الرابعة "يجب إعداد الحاجات من حيث طبيعتها ومداها بدقة، استنادا إلى مواصفات تقنية مفصلة تعد على أساس المقاييس و/ أو النجاعة يتعين بلوغها أو متطلبات وظيفية، ويجب أن لا تكون هذه المواصفات التقنية موجهة نحو منتوج أو متعامل اقتصادي محدد".

إلا أن التساؤل الذي يمكن أن يطرح هنا بالمناسبة، هل الأحكام المتعلقة بترقية الإنتاج الوطني والأداة الوطنية للإنتاج والمنصوص عليه في القسم السابع من المرسوم الرئاسي 15/1247، تمس بمبدأ المساواة في معاملة المرشحين؟

تنص المادة 83 "يمنح هامش الأفضلية، بنسبة خمسة وعشرين في المائة (25%) للمنتجات ذات المنشأ الجزائري و/ أو المؤسسات الخاضعة للقانون الجزائري، التي يحوز أغلبية رأسمالها جزائريون مقيمون فيما يخص جميع أنواع الصفقات المذكورة في المادة 29 أعلاه.

وتخضع الاستفادة من الهامش، في حالة ما إذا كان المتعهد تجمعا يتكون من مؤسسات خاضعة للقانون الجزائري كما هو محدد في الفقرة السابقة، ومؤسسات أجنبية إلى تبرير الحصص التي تحوزها المؤسسات الخاضعة للقانون الجزائري، والمؤسسات الأجنبية من حيث الأعمال التي يتعين إنجازها ومبالغها.

يجب أن يحدد له استشارة المؤسسات بوضوح الأفضلية الممنوحة والطريقة المتبعة لتقييم ومقارنة العروض لتطبيق هذه الأفضلية.

تحدد تطبيق أحكام هذه المادة بموجب قرار من الوزير المكلف بالمالية".

تنص المادة 85 في فقرتها الثامنة:"وعندما تصدر المصلحة المتعاقدة دعوة للمنافسة الوطنية و/أو دولية، مع مراعاة حالات الاستثناء المنصوص عليها في أحكام هذا المرسوم فانه عليها حسب الحالة أن:

تأخذ بعين الاعتبار عند إعداد شروط التأهيل ونظام تقييم العروض إمكانيات المؤسسات الخاضعة للقانون الجزائري، ولاسيما منها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للسماح لها بالمشاركة في إجراءات الصفقات العمومية في ظل احترام الشروط المثلى المتعلقة بالجودة والكلفة وأجال الإنجاز.

تعطى الأفضلية للاندماج في الاقتصاد الوطني وأهمية الحصص أو المنتجات التي تكون محل مناولة أو اقتناء في السوق الجزائرية"...

ظاهريا، يبدو وكأن الأمر فيه مساس بمبدأ المساواة في معاملة المرشحين، ولكن يتحقق هذا الإخلال فعلا، إذا ما تم الإخلال بالمبدأ الأول والمتعلق بمبدأ حرية الوصول للطلب العمومي.

فكما قلنا سابقا، أن مبدأ حرية الوصول للطلب العمومي ،إنما يتحقق من خلال ضمان الإعلان والاطلاع، فإذا ما تم ضمان هذا المبدأ في مثل هذه الحالات، وخصوصا ما تعلق بوضوح هذه الأفضلية الممنوحة والطريقة المتبعة في التقييم ومقارنة العروض في تطبيق هذه الأفضلية مثلما تنص عليه المادة 83 من المرسوم الرئاسي 15/247 ، فإن الأمر هنا، لا يعد مساسا بمبدأ المساواة، هذا من جهة.                      

ومن جهة أخرى ، مبدأ المساواة إنما مرتبط بنجاعة الطلب العمومي، ونجاعة الطلب العمومي من متطلباته ترقية الإنتاج الوطني والأداة الوطنية للإنتاج.

وفي هذا الاتجاه تنص المادة الثانية من القانون 08/12 والمتعلق بالمنافسة " تطبق أحكام هذا الأمر على: الصفقات العمومية ابتداء من الإعلان عن المناقصة وإلى غاية المنح النهائي للصفقة.

غير أنه وجب ألا يعيق تطبيق هذه الأحكام، أداء مهام المرفق العام أو ممارسة صلاحيات السلطة العامة".

إن تحقيق مبدأ المساواة في المعاملة بين المترشحين، يتجسد من خلال تحقيق مبدأ حرية الوصول للطلب العمومية، هذا الأمر الذي يظهر من خلال المشاركة الفعلية في الحياة الاقتصادية وفق الأطر التي تحفظ المصلحة العامة، وتحقق نجاعة الطلب العمومي.

المطلب الثالث: شفافية الإجراءات

تتطلب شفافية الإجراءات أولا ، التحديد المسبق لقواعد المنافسة وتحديد قواعد المنافسة يتطلب التحديد المسبق لحاجات المصلحة المتعاقدة، بصدق وعقلانية وذلك ما تؤكده المادة 27 من المرسوم الرئاسي 15/247 في فقرتيها الأولى والثانية "تحد د حاجات المصالح المتعاقدة الواجب تلبيتها مسبقا قبل الشروع في أي إجراء لإبرام صفقة عمومية.

يحدد مبلغ حاجات المصالح المتعاقدة استنادا إلى تقدير إداري صادق وعقلاني، حسب الشروط المحددة في المادة".

إن من بين ما يستوجبه الصدق والعقلانية في تحديد الحاجيات، أن يتم هذا التحديد بعيدا عن المرشحين المحتملين للدخول في هذه المنافسة.

كذلك تظهر شفافية الإجراءات من خلال العلنية في فتح الأظرفة المتعلقة بملف الترشح والعروض التقنية والمالية، حيث تنص المادة 70 من المرسوم الرئاسي 15/247 في فقرتها الأولى على: "يتم فتح الأظرفة المتعلقة بملف الترشح والعروض التقنية والمالية في جلسة علنية، خلال نفس الجلسة، في تاريخ وساعة فتح الأظرفة المنصوص عليها في المادة 66 من هذا المرسوم وتدعو المصلحة المتعاقدة كل المرشحين أو المتعهدين لحضور جلسة فتح الأظرفة حسب الحالة، في إعلان أو عن طريق رسالة موجهة للمرشحين أو المتعهدين المعنيين".

كما تظهر الشفافية من خلال إعلان المنح المؤقت للصفقة في الجرائد التي نشر فيها طلب العروض، وتمكين المرشحين والمتعهدين الراغبين في الاطلاع على النتائج المفصلة للتقييم من ذلك.

المرجع

د. ملاتي معمر، مطبوعة بيداغوجية في مقياس قانون الصفقات العمومية، السنة الأولى –قانون عام معمق-، جامعة امحمد بوقرة –بومرداس-، السنة الجامعية: 2016/ 2017، ص19 إلى ص25.

google-playkhamsatmostaqltradent