وسائل الإثبات

 وسائل الإثبات

وسائل الإثبات

وسائل الإثبات في المواد الجنائیة یمكن تقسیمها إلي أربعة أنماط:

أولا/ وسائل إثبات ناتجة عن الإجراءات

وتأتي في مقدمتها المحاضر والتقاریر والمحاضر، وهي على أنواع، محاضر استدلال، ومحاضر التحقیق، ومحاضر الجلسات، وكل هذه المحاضر تساهم في عملیة الإثبات الجنائي وینظـر إلیهـا بتفـاوت مـن حیـث قیمتهـا، وقوتهـا القانونیـة، والحجیـة المترتبـة عنهـا فـي الإثبـات الجنائي.

فمحاضـر الضـبطیة القضـائیة مـثلا هـي لیسـت وسـائل إثبـات بمعنـى الكلمـة، ولا تأخـذ إلا علي سبیل الاستئناس، وعلـى عكـس هـذه المحاضـر هنـاك محاضـر التحقیـق، والتـي تعتبـر أرقـي وأقـوى مـن سـابقتها، فهـي تتمیـز بحجیـة إلا إذا طعـن فیهـا بـالتزویر، ویعتبـر مـا ورد فیهـا حجـة قاطعة، وتعتبر وسیلة إثبات، ومع ذلك یمكن إثبات ما یناقضها.

وٕإلى جانب محاضر التحقیـق، هنـاك محاضـر الجلسـات، وتعتبـر هـذه الأخیـرة حجـة لمـا ورد فیها ما لم یطعن فیها بالتزویر، عكس محاضر الاستدلال، وٕإلى جانب ذلك هناك نـوع أخـر من المحاضر، وهي المحاضر المثبتـة للجـرائم، وهـي قاطعـة بمـا جـاء فیهـا، إلا إذا طعـن فیهـا بـالتزویر، حیـث أعطـى لهـا المشـرع مرتبـة وقیمـة قانونیـة أعلـى وأكثـر مـن مرتبـة المحاضـر التـي هي في مستواها.

وكذلك هناك المحاضر الإداریة، التي لها الحجیة النسبیة، وكذلك التقـاریر الطبیـة، فـرأي الطبیب أو الخبیر غیر إلزامي للقاضي لأن الكلمة الأخیرة له، ویجوز للقاضي أن یطلب أو یلجأ إلى تعین خبیرا أو عدة خبراء، ویجوز له أكثر من هذا أن یستبعد عدة خبـرات، ولكـن وفـي كـل الأحـوال، لا یجـوز لـه أن یبنـي حكمـه علـي أریـه الشخصـي، فـإذا كانـت هنـاك مسـألة فنیـة واحترامـا للعلـوم والاختصـاص، فـإن استعصـي علیـه الأمـر فـي الوقـوف علـى الحقیقـة، كـان ولابـد علیه من ندب الخبیر، ما عدا إذا كانت المسألة التقنیة غیر معقدة.

وٕإذا كانت هناك خبرتین قضائیتین متناقضتین، فلا یجوز للقاضي أن یسـتند إلـى احـدهما وعلـى القاضـي فـي هـذه الحالـة أن یلجـأ إلـي خبـرة ثالثـة مرجحـة، وهـذا مـا أكدتـه محكمـة الـنقض عندنا في العدید من القرارات.

ثانیا/ وسائل إثبات موضوعیة مباشرة

ویـأتي فـي مقـدمتها الاعتـراف وشـهادة الشـهود والكتابـة، وتخضـع كلهـا لتقـدیر القاضـي الجنـائي، والاعتـراف كوسـیلة إثبـات موضـوعیة فـي المـواد الجزائیـة یمكـن تجزئتـه، بمعنـى أخـذ القاضي جزء من الاعتراف وطرح الباقي، على عكس الاعتراف في المواد المدنیة، الذي لا یقبل التجزئة.

والإنسـان عنـدما یعتـرف، فإنمـا یعتـرف علـى نفسـه، ومـن ثمـة اعتـراف مـتهم علـى مـتهم أخر غیر جائز، ولیس للقاضي أن یأخذ به إلا علي سبیل الاستئناس، والاعتراف الجنـائي حجـة قاصـرة علـي المقـر لوحـده حتـى فـي جریمـة الزنـا، والشـاهد هـو مـن شـهد الفعـل أو الواقعـة، فمـن سمع على من شهد غیر جائز.

ثالثا/ وسائل إثبات موضوعیة غیر مباشرة

وهـي تلـك الوسـائل والأدوات التـي مـن شـأنها أن تسـاهم فـي عملیـة الإثبـات بشـكل غیـر مباشر، وتأتي في مقدمتها القرائن، والقرینـة تعنـي اسـتنباط أمـر مجهـول مـن أمـر معلـوم، ومثـال ذلـك المـرأة غیـر متزوجـة التـي یظهـر علیهـا الحمـل، تعتبـر قرینـة علـي جریمـة الزنـا، وكـذلك تقیـأ الخمر قرینة علي شرب الجمر، وفي كلا المثالین ، القرینة فیهما قرینة موضوعیة قاطعة.

أما وجود أشیاء مسروقة في حوزة إنسان غیر المالك تعتبر قرینـة موضـوعیة بسـیطة علـى ارتكاب جریمة السرقة، والقرائن من حیث قیمتها وقوتها في الإثبات، لا تعتبر أدلة إثبات، فهي أقل قیمة و وزنا وقوة من الأدلة، ومن ثمة لا یمكن بناء الحكم الجنائي بالإدانة علي قرینة واحدة وٕإنما علي مجموعة من القرائن، ویمكن تعزیز هذه القرائن بقرائن أخرى.

وعلـة عـدم بنـاء الحكـم الجنـائي بنـاءا علـى قرینـة واحـدة، كونهـا تعتمـد علـى الاسـتنباط والاستخلاص.

وكـذلك فـي نطـاق وسـائل الإثبـات الموضـوعیة غیـر المباشـرة، توجـد الـدلائل، التـي هـي مجموعة من الأمارات، وهي من حیث حجیتها وقوتها في الإثبات الجنائي أقل من القرائن، فمثلا أثـار الأقـدام المشـابهة لأقـدام شـخص معـین، وكـذلك البصـمة، وبقـع الـدم، والتـي لا ترقـي لأن تكـون قـرائن أو أدلـة، وٕإذا تظـافرت هـذه الـدلائل یمكـن لهـا أن تشـكل لنـا دلیـل أو أدلـة أو قـرائن  وهو ما یسعي إلیه البحث الفني.

رابعا/ الوسائل العلمیة في الإثبات الجنائي

وهي زاد نظام الإثبات الجنائي، وقوتها تبقى في مجال الاستدلال، كجهاز فضح الكـذب والتـي هـي مسـتعملة بشـكل واسـع فـي الأنظمـة الأنجلـوسكسـونیة، وخاصـة فـي الجـرائم السیاسـیة والأخیذة كذلك التـي تأخـذ مـن جسـم الإنسـان، كجریمـة السـیاقة فـي حالـة سـكر، وجریمـة الزنا عند أخذ الحیوانات من جسم المرأة أو الرجل، وكذلك التنویم المغناطیسي.

وكلها وسائل إثبات تأخذ علي سبیل الاستئناس، علـي أسـاس أن الإنسـان لا یجـرم نفسـه ذلـك أنـه مـن شـأنها إدانـة الـنفس بـالنفس، إلا إذا نـص القـانون صـراحة، والقـانون الجزائـري لـم ینص إلا علي حالة واحدة في جریمة السـیاقة فـي حالـة السـكر، والتـي تسـتوجب نسـبة معینـة مـن الكحول في الدم وفقا للتعدیل الأخیر.

المشكلات المتعلقة بالإثبات بالقرائن

1- عبء الإثبات في المواد الجنائیة

إذا كـان الإثبـات الجنـائي یعنـي إقامـة الـدلیل علـى وقـوع الجریمـة وعلـى صـحة إسـناد الواقعة للمتهم من خلال أدلة مشروعة تكشـف الحقیقـة، فـان عـبء الإثبـات یقصـد بـه تحدیـد مـن المسئول عن تقدیم الدلیل للقضاء، وقد أسـند المشـرع للنیابـة العامـة الاختصـاص المطلـق بالنسـبة لعبء الإثبات، فلا یرد علیه أي قید أو استثناء من المشرع مع الاحتفاظ بحق المجنـي علیـه فـي الادعاء مدنیا.

2- الدلیل الجنائي

إن كلمـة الـدلیل یقصـد بهـا الوسـیلة الاثباتیـة فـي ذاتهـا، والمسـتخدمة فـي تحقیـق حالـة الیقین لدي القاضي أو ترجیح موقف الشك لدیه، ونظـرا لأن الـدلیل قـد یكـون دلیـل إدانـة أو بـراءة وكلهمـا یخضـعان لشـروط المشـروعیة، فـلا بـد الـدلیل أیضـا وسـیلة اثباتیـة مشـروعة، ویجـب أن یتوافر فیه المشـروعیة، وأن یكـون قـد طـرح فـي الجلسـة، وأن یـؤدي بـالمنطق والعقـل إلـى النتـائج المترتبـة علـي الأخـذ بـه موضـوعیا، ذلـك لأن سـمة الحكـم الجنـائي أن یكـون مبنیـا علـي الجـزم والیقین وٕإلا تعرض الدلیل للانعدام أو البطلان.

3- تساند الدلیل مع غیره من أدلة الدعوى

إذا كان المشرع قد أوجب على أن القاضي یحكم حسب العقیدة التي تكونـت لدیـه مـن أي دلیل له مأخذه من الأوراق متـى اطمـأن إلیـه، فـإن الـنص جـاء عامـا دون تفرقـة بـین الأدلـة، إلا أن ذلك لا یعني إطلاق سلطة القاضي حیث ألزمه المشرع أن یكون الدلیل متسـاندا مـع غیـره مـن الأدلـة، أي أن یكـون بینهمـا جمیعـا ارتباطـا غیـر قابـل للفصـل بحیـث تـؤدي فـي مجموعهـا إلـى النتیجة التي قررها في الموضوع وألا یشوبها خطأ في الاستدلال ولا یشوبها تناقض أو تخاذل.

مركز القرینة من أدلة الإثبات في الدعوى

أولا/ القرینة دلیل إثبات في القانون الجنائي

إن تطبیـق القـرائن فـي مجـال الإثبـات تبـدو أهمیتـه فـي دور القـرائن فـي مسـاعدة القاضـي الجنائي في البلوغ إلي درجـة الیقـین دون مصـادرة لفكـره فـي الاقتنـاع بأدلـة الـدعوى المطروحـة فـي الجلسـة، لأن هنـاك فارقـا بـین قیمـة الـدلیل المقـدم فـي الـدعوى وبـین مـا یعتبـره القاضـي بمثابـة مفترضـات قانونیـة تخـرج دائمـا عـن مجـال الإثبـات كلیـة إذا مـا وافـق القاضـي علـى ذلـك وبالتـالي یخضـع فـي تلـك الحالـة لمجـال إعمـال القاضـي لسـلطتة فـي تقـدیر قیمتهـا الاثباتیـة بـل هـي بمثابـة مسائل أولیة ومعطیات قانونیة افتـرض المشـرع توافرهـا وسـلم بصـحتها لـیس بهـدف عـرض قیمتهـا الاقناعیة على القاضي ولكن لتسهیل عمله وتخفیف قدر من الأعباء الملقاة علي عاتقه ودون أن یلغي حقه في التشكك في قیمتها بالرغم من هذه الافتراضات.

ثانیا/ القرائن تعزز أدلة الإثبات في الدعوى

1- القرائن تعزز الاعتراف وتؤكده

القاعـدة أن الشـك یحـیط دائمـا بـاعتراف المـتهم بـدلیل یثبـت إدانتـه، الأمـر الـذي یجعـل القاضـي دائمـا فـي موقـف الباحـث عـن أسـباب الاعتـراف والباعـث علیـه وتقـدیر صـحته، فلـم یعـد الاعتراف سید الأدلة –كما كان سائدا – إذ یشترط أن یطابق الحقیقة فهو كغیره من وسائل الإثبـات الأخرى متروك للتقدیر الحر من جانب قاضي الموضوع، لهذا كان علیه أن یبحث عن عناصر أخـرى للاسـتدلال بهـا علـي صـحة اعتـراف المـتهم ومـدى مطابقـة أقوالـه للحقیقـة فـي إطـار مبـدأ الاقتناع الشخصي للقاضي الجنائي ومدى حریته في تقدیر قیمة الاعتـراف أو العـدول عنـه والـذي لـه أن یقـدر بـلا معقـب مجمـل أو مضـمون الاعتـراف، وهـل صـدر عـن إكـراه، وهـل یسـتند الاعتراف إلي إجراءات صحیحة في الدعوى أم لا.

فـالاعتراف فـي جمیع المراحـل السـابقة علـى الحكـم علـى المـتهم لا یـدعو أكثـر مـن استدلالات، فإذا حضر المتهم أمام المحكمة كان على القاضـي أن یتأكـد بعنایـة ودقـة مـن حجـة الاعتـراف، ویسـتدل القاضـي بـالقرائن فـي تأكیـد صـحة الاعتـراف مـن خـلال اسـتظهار جوانـب الإكراه التي أحاطت بالمتهم، والتأكد من صدق أقواله وفحصه طبیا ونفسیا عن طریق الخبراء.

فـالقرائن یمكـن أن تؤكـد أو تفنـد إقـرارات المـتهم علـي النحـو الـذي یتفـق مـع الحقیقـة وفقـا للتصور المنطقي والعقلـي، وللمحكمـة أن تأخـذ بـالاعتراف الصـادر مـن المـتهم فـي أي مرحلـة مـن مراحل الدعوى، حتى ولو عدل المتهم عن ذلك في جلسة الحكم.

2- القرائن والإثبات بالشهادة

الشهادة إثبات واقعة معینة مـن خـلال أحـد الأشـخاص بمـا شـاهده أو سـمعه أو أدركـه بأحـد حواسه عن الواقعة وبطریقة مباشرة وتعتبر إقرارات الشاهد من أهم الأدلة التي یستعین بها قاضي الموضوع في الفصل في الخصـومة حیـث ینصـب الإثبـات بالشـهادة علـي وقـائع مادیـة أو معنویـة قد یستحیل في كثیر من الأحیان إثباتها بالكتابة ووفقا لمبدأ حریة القاضي الجنائي في تقدیر أدلـة الـدعوي، فـإن لمحكمـة الموضـوع أن تمحـص أقـوال الشـاهد، ولهـا أن تقـول بكـذبها، وأن تأخـذ بشـهادة الشـاهد فـي التحقیـق الابتـدائي دون جلسـات الحكـم أو العكـس، ولهـا أن تأخـذ بشـهادة المجنـي علیـه متـى اطمأنـت إلـى صـدق الشـهادة، كمـا لهـا أن تأخـذ بـأقوال مـتهم علـى مـتهم ،أو تجزئ الشهادة للحكم بها فتأخذ ببعضها دون البعض الأخر ولا تلتزم المحكمة بالكشف عن العلـة أو إعطـاء قیمـة معینـة للشـهادة ، وٕإذا ذكـرت هـذه العلـة فـلا مجـال لمناقشـتها ولا رقابـة لمحكمـة النقض في تقدیر الشهادة.

والقـرائن بالنسـبة للشـهادة أكثـر صـدقا مـن الشـهود، لأن الوقـائع لا تعـرف الكـذب، فهـي الشاهد الصامت الذي یشیر بكل حواسه إلي مرتكب الجریمة.

فمن سلطة القاضي أن یدعم اقتناعه بقرائن واضحة ومطابقة ولـه تقـدیر قوتهـا مـن الوقـائع المعروضة علیه وظروف الدعوى ودون معقب علیه، ولـذلك تبـدو أهمیـة علـم القاضـي بالدارسـات النفسـیة والاجتماعیـة التـي تؤهلـه وتعینـه وترفـع مـن قـدره ومهارتـه فـي كشـف الجوانـب النفسـیة لشخص الشاهد.

3- القرائن والدلائل

إن القرینـة هـي النتیجـة النهائیـة لإعمـال الاسـتدلال العقلـي والفحـص العمیـق فـي إیضـاح الارتباط بین الوقائع المفترضة قانونا أو المراد إثباتها من وقائع معلومة وثابتة في الدعوي، حیث یهدف القاضي كشف العلاقة بین الواقعة المفترضة قانونا وبین الواقعة المادیة الممثلة للجریمة.

فمـثلا، الأثـر المـادي الـذي یتركـه الجـاني فـي مكـان الحـادث، أو مـا یوجـد علـى ملابـس المتهم من أثار عنف أو دماء یتبین من الفحص العلمي والفني أنها مـن نفـس دمـاء المجنـي علیـه فإذا تعددت القرائن كان على القاضي دائما أن یتـولي فحصـها وبیـان خصائصـها ومـدى الارتبـاط بینهـا، أمـا إذا تبـین تنـافر القـرائن بعضـها مـع الـبعض الأخـر بطریقـة لا یمكـن قبولهـا وفقـا للعقـل والمنطق وبما یؤدي إلي إهدار الدلیل المستمد منها مجتمعة أو المستمدة من الأدلة الأخـرى، فـإن قاضي الموضوع تكون له سلطة استنتاج براءة المتهم أو إدانته وفقا للارجح لدیه مـن أدلـة الـدعوى دون تعقیب من محكمة النقض طالما كان استنتاجه قائما على الاسـتخلاص السـائغ المسـتمد مـن الوقائع المطروحة من الدعوي.

والـدلائل هـي وقـائع مادیـة أو أمـارات خارجیـة أو سـیكولوجیة یسـتدل منهـا علـى قبـول شـبهة لقیام الاتهام عن واقعة مخالفة للقانون، وكافة الدلائل تصلح لأن یستنبط منها القرائن طالما كانت هذه الدلائل قویة فیما تضمنته، ثابتة فیما تقطع فیه.

4- القرائن والتحریات

إن تحریـات الشـرطة تمثـل أهـم وأخطـر الإجـراءات الجوهریـة، لكونهـا تـأتي فـي المرحلـة الخاصة بجمع الاستدلالات التـي تمثـل أسـاس بنـاء الـدعوى الجنائیـة، وتـتم التحریـات علـي أسـاس جمع المعلومات من الوقائع المطلوب معرفة حقیقتها، وعلي أسـاس المراقبـة أو المشـاهدة أو عـن طریـق اسـتیقاف الأشـخاص وقـد اسـتقر الفقـه والقضـاء علـى أن التحریـات التـي تقـدم مـن رجـال الشـرطة تعتبـر مـن عناصـر الإثبـات ویمكـن الاسـتناد إلیهـا، ویخضـع تقـدیر كفایـة التحریـات ومـا تضمنته من معلومات ومبلغ أثرها بالنسبة للسلطة المختصة، كما تراقب محكمة الموضوع سلطة التحقیـق فـي شـأن تقـدیر التحریـات، فلهـا أن تأخـذ بهـا متـى اطمأنـت إلیهـا، أو تجزئتهـا فتأخـذ بمـا یطمئن إلیه ضمیرها وتطرح الباقي منها أو تطرحها كلها جانبا.

5- القرائن واستجواب المتهم

الاستجواب هو واحد من الإجراءات التي تتم بمعرفة سلطة التحقیق، ویهدف إلـى مواجهتـه بالأدلـة القائمـة ضـده بهـدف الوصـول للاعتـراف بالواقعـة المنسـوبة إلیـه أو نفـي علاقتـه بهـا وعناصر الاستجواب تنحصر في مناقشة المتهم في التهم المنسوبة إلیه، ومواجهة المتهم بالأدلـة المقدمة في الدعوى.

وٕإذا كان المشرع قد جاز للمتهم الحق في الصمت وعدم التزامه بالرد على ما یوجه إلیه من أسئلة وٕإیضاحات عـن التهمـة المنسـوبة إلیـه وعـدم اعتبـار صـمت المـتهم قرینـة علـي إدانتـه، فـإن السـلطة القائمـة علـي مباشـرة الاسـتجواب تسـتطیع أن تسـتخلص مـن أدلـة الـدعوى مـن القـرائن والدلائل التي تؤكد لدیها صحة اتصال المتهم بالواقعة المنسوبة إلیه، أو نفـي العلاقـة بـین المـتهم وهذه العلاقة.

6- القرائن والتفتیش

التفتـیش هـو البحـث الـدقیق عـن جمیـع عناصـر الإثبـات التـي یمكـن اسـتخدمها، والـذي یـتم بالنسـبة لأحـد الأشـخاص أو منزلـه، وتكمـن الغایـة فـي التفتـیش فـي ضـبط أدلـة الجریمـة وأثارهـا المادیة في حیازة المتهم، وأن استخدام التفتیش كوسیلة من وسائل جمع الدلیل في المواد الجنائیة واعتباره مـن إجـراءات التحقیـق یسـتلزم قیـام جریمـة تحققـت أركانهـا، وأن تكـون الجریمـة جنایـة أو جنحـة، ویسـتلزم أیضـا صـدور إذن مـن السـلطة المختصـة بشـرط تـوافر أدلـة قویـة تقـدرها السـلطة المختصة كمبرر لإجراء الإذن.

ویعتبر التفتیش مصدرا  لكثیر من القـرائن، كمـا فـي ضـبط بصـمة للمـتهم، أو ضـبط أثـر من متعلقات المتهم الشخصیة ، أو اسـتخدام الإسـتعراف فـي تأكیـد إتصـال المـتهم بـالأثر الموجـود وغیره من الآثار المادیة التي تفید ضبطها في تحقیق الواقعة وكشف الغموض فیها.

7- القرائن والمعاینة

المعاینـة إجـراء مـن إجـراءات الاسـتدلال أو التحقیـق وغایاتهـا إثبـات حالـة محـل الجریمـة ومحتویاته ومن فیه بهدف الوصول إلي أدلة تفید فـي كشـف الحقیقـة، والمعاینـة إجـراء حاسـم فـي الجـرائم كافـة، إذ تتـیح للمحقـق تتبـع أثـار الأشـیاء المنقولـة، وهـي إجـراء یقـوم بـه مـأمور الضـبط القضائي باعتباره مـن أعمـال الاسـتدلال والتحقیـق، وهـي إجـراء مـن إجـراءات جمـع الـدلیل تهـدف إلـي تحقیـق صـدق دلیـل الإثبـات أو نفـي الـدلیل أیضـا، فـإذا تمـت المعاینـة فـور الحـادث دون أن تمتـد إلیهـا یـد العبـث فـإن المعاینـة تمثـل الشـاهد الصـادق إذ تنصـب علـى وقـائع ثابتـة وتسـهم فـي بیان الصورة الحقیقیة للواقعة أمام محكمة الموضوع بما تتضمنه من معلومات عن مسرح الجریمة ونتیجتها وما توصلت إلیه من أدوات وآلات ومتعلقات وأثار مادیة تعین علي تحقیق صدق أقـوال الشهود وصحة اعتراف المتهم من خلال ما تستنتجه المحكمة من الوقائع أو بالاستقراء.

8- القرائن والخبرة

إن اسـتخدام أعمـال الخبـرة الجنائیـة یهـدف إلـي تحقیـق وقـائع فنیـة عـن طریـق المعالجـة بمعرفـة المختصـین خاصـة إذا كانـت الوقـائع مـن المسـائل الفنیـة البحـث التـي لا یسـتطیع القاضـي أن یمارسها، ویقدم الخبیر رأیه في المسألة موضوع الفحص، وقاضي الموضوع عند فحص أدلة الدعوى أن یأخذ بما یطمئن إلیه ضمیره ویتفق مع المنطق والعقل.

وللخبرة دورها المؤثر باعتبارها مصدرا لكثیر من القرائن العلمیة في مجال الإثبات الجنائي خاصة في مجال تحقیق ذاتیة الآثار المادیة المضبوطة بمكـان الحـادث ومـدى علاقتهـا بالجریمـة بالإضافة إلي دور الخبرة في تحقیق توافر شرط من شروط القـوة القـاهرة التـي تنعـدم بـه المسـئولیة أو السبب الكافي في حالة تعدد الأخطاء وحصر المسئولیة وغیرها.

ولا شك أن مثل هذه المسائل الهامة یشق علي القاضي أن یضع تقریرا مسبقا لهـا دون أن یكون بین یدیه تحدید لمعطیات صادقة أمینة تعین وتیسر له القضاء.

المرجع:

د. نسيم بلحو، محاضرات في مقياس الإثبات الجنائي، ملقاة على طلبة السنة الأولى ماستر، تخصص قانون جنائي، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، قسم الحقوق، السنة الجامعية: 2017/2018، ص43 إلى ص50.

google-playkhamsatmostaqltradent