تأویل الشك في المسائل الجزائیـة أصوله، ومجالات تطبیقاته

تأویل الشك في المسائل الجزائیـة أصوله، ومجالات تطبیقاته

تأویل الشك في المسائل الجزائیـة أصوله، ومجالات تطبیقاته

إن قاعـدة الشـك یفسـر لصـالح المـتهم متعلقـة أساسـا بتفسـیر النصـوص الجنائیـة، وهـي لیست متعلقة بالأدلة فقط ، وهـي متعلقـة أكثـر بتكـوین القاضـي لقناعتـه، ویسـتوجب علیـه دسـتورا وقانونا أن یبني حكمه على الیقین الصارم والجازم ، والذي لا یرقي إلى الشك.

إن فـي احتـرام مبـدأ الأصـل فـي الإنسـان البـراءة المكـرس قانونـا، یجـد أساسـا فـي تطبیـق قاعدة الشك یفسر لصالح المتهم، وهي قاعدة قضائیة.

حیث أن قاعدة الشك یفسر لصالح المتهم، هي نتاج مباشر لمبـدأ بـراءة الإنسـان، ویجـب أن یعامل على هذا الأساس إلي غایة الیقین بالتهمة، أي بالإدانة.

ذلك أنه  وبمجرد وقوع الجریمة تقوم قرینتان، الأولى قرینة واقعیـة، وهـي ارتكـاب الجریمـة وٕإلا لمـا حركـت الـدعوى العمومیـة، حیـث یكـون كـل أفـراد المجتمـع موضـوع الشـك فـي ارتكـاب الجریمة، بل وتتسع دائرة الشك لتشمل حتى الضبطیة القضائیة، بل وحتى القضاة.

أما القرینة الثانیة، وهي قرینة دستوریة قانونیة، وهي قرینة براءة الإنسان إلى غایة إثبات العكس.

إن القاضـي الجنـائي یجـب علیـه أن یلجـأ وأن یحـتكم دائمـا إلـى الأصـل العـام، وهـو مبـدأ البـراءة، والـذي یجـد أساسـه فـي الدسـتور عمومـا، وفـي مبـدأ الشـرعیة الجنائیـة بصـفة خاصـة وبالتالي فإن تطبیق النص الجنائي على المتهم، یجـب ألا یشـوبه أي شـبهة أو شـك، والشـك هـو عكس الیقین.

وإذا جئنـا لتأصـیل وتتبـع الشـك عبـر مراحل الخصـومة الجزائیـة، فنجـد أن المرحلـة الاسـتدلالیة أو مرحلـة الضـبطیة القضـائیة، تقـوم فـي معظمهـا علـي الشـك المحـض أو المطلـق كما أنـه یجـوز قانونـا فـتح تحقیـق ضـد مجهـول، ولا یشـترط ولا یسـتلزم علـى الضـبطیة القضـائیة تقـدیم وتحصـیل أدلـة إثبـات كافیـة لإسـناد الفعـل للفاعـل، لأن المرحلـة كلهـا تقـوم علـى الشـك باستثناء حالة التلبس التي یجب أن تقوم على أدلة واضحة.

أمـا المرحلـة الثانیـة، وهـي مرحلـة التحقیـق القضـائي، والتـي فیهـا تـتم عملیـة تمحـیص وسـائل وأدوات الإثبـات، ومـن ثمـة تـرجیح البـراءة أو الإدانـة، وأن عمـل أو دور قاضـي التحقیـق هو تمحیص وحشد الأدلة هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن القانون مكنه من آلیات جمع الأدلة حتى یصل، إما أن هناك ترجیح للإدانة، أو أن هناك ترجیح للبراءة.

وأن لقاضـي التحقیـق أن یتخـذ إجـراءات المتابعـة للكشـف عـن الحقیقـة، وأن یصـدر شـبه حكم في حالة البراءة، وهو الأمر بألا وجه للمتابعة.

أمـا المرحلـة الثالثـة والأخیـرة، وهـي المحاكمـة، وهـي المرحلـة التـي یسـتوجب فیهـا القـانون أن تقوم على الیقین، ولا یجوز للقاضي الجنائي أن یبین قناعته على الشك، وأن الحكم الجنـائي یسـتوجب أن یقـوم علـى الیقـین الجـازم، لأن الأحكـام الجزائیـة جـد قاسـیة، وأن حریـة الأفـراد لا یمكن الاستهانة بها.

وأن الغرض في قاعـدة الشـك یفسـر لصـالح المـتهم، أنهـا تسـهر علـى حمایـة مبـدأ الأصـل فـي الإنسـان البـراءة كمبـدأ دسـتوري، والتـي ترمـي إلـي تفسـیر النصـوص الجنائیـة للمـتهم، وأن مجالات قاعدة تفسیر الشك لصالح المتهم، لیست بالنسبة للإثبات فقط، فهي تمتد علي مستوى أسباب الإباحة، وموانـع المسـؤولیة، وموانـع العقـاب، والـركن المـادي للجریمـة مـن حیـث تصـور كیفیة ارتكاب الجریمة، وكذلك في تطبیق النص الجنائي.

وهـذه القاعـدة تتعلـق فـي الأخیـر بالقصـد الجنـائي ویسـتوجب علـى القاضـي أن یفسـر الشـك لمصلحة المتهم.

المرجع:

  1. د. نسيم بلحو، محاضرات في مقياس الإثبات الجنائي، ملقاة على طلبة السنة الأولى ماستر، تخصص قانون جنائي، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، قسم الحقوق، السنة الجامعية: 2017/2018، ص41 إلى ص42.
google-playkhamsatmostaqltradent