نظام الإثبات الجنائي ونظام الإثبات المدني

نظام الإثبات الجنائي ونظام الإثبات المدني

نظام الإثبات الجنائي ونظام الإثبات المدني

یختلف نظام الإثبات فـي الأمـور الجنائیـة عـن نظـام الإثبـات فـي المـواد المدنیـة فـي العدیـد من المسائل نذكرها كالتالي:

أولا/ مـن حیـث مضـمون الإثبـات

الإثبـات فـي المسـائل المدنیـة موضـوعي، أي أنـه یتعلـق بموضوع النزاع أو موضوع الطلب القضـائي كالحیـازة، أو الـزواج، أو الملكیـة...الخ، وعلـى هـذا كـان الإثبـات فـي المـواد المدنیـة ینصـب فـي الأسـاس علـى موضـوع الطلـب القضـائي أو موضـوع الدعوى.

أمـا الإثبـات فـي المـواد أو المسـائل الجنائیـة، فإنـه یتعلـق بإثبـات مسـائل قانونیـة ووقـائع موصـوفة بأنهـا جـرائم فـي قـانون العقوبـات، والعمـل علـى إسـنادها مادیـا ومعنویـا إلـي مرتكـب الجریمة، فالنیابة العامة تسعي إلى إثبات من ارتكب الجریمة، بصفته فـاعلا أصـلیا أو محرضـا أو فاعلا معنویا أو شریكا، أي أنها تسعي لإثبات صفات قانونیة.

ثانیا/ من حیث نطاق الـدعوى

حریـة الإثبـات فـي المـواد الجنائیـة یترتـب عنهـا توسـیع فـي دائـرة الدعوى العمومیة، عن طریق توسیع الاتهام من جهة المتابعة، وبذلك تتوسع الصـفات القانونیـة في الجریمة الواحدة، فقد تنطلق الدعوى العمومیة بدایة أثناء مرحلـة الشـك ضـد شـخص أو اثنـان وتحال على التحقیق أو المحاكمة بعدد كبیر من المتهمین.

أما الدعوى المدنیة، فهي كأصل عام لا تعرف هذا التوسع، والخصوم بدایة محـددین مـع انطلاق الدعوى، إلا استثناءا وفقا لإجراءات إدخال الغیر في الخصومة.

ثالثا/ من حیث وسائل الإثبات

وسائل الإثبات المدنیة محددة حصـرا ، أمـا فیمـا یتعلـق بالإثبـات الجنائي فهي مطلقة وغیر محددة، وترتیبا لذلك یجور إثبات الجـرائم بكافـة طـرق الإثبـات شـریطة ألا تكون مخالفة أو مناقضة للقانون، أي أن تكون مشروعة.

كمـا أن الیمـین تعتبـر وسـیلة إثبـات فـي المـواد المدنیـة، دون المـواد الجنائیـة، فالقـانون الجنائي لا یقبل الیمین كأداة إثبات ولا یعول علیها، وهي غیـر مقبولـة ولا یجـوز اسـتعمالها حتـى ولو كان المـتهم ینكـر جمیـع الـتهم المنسـوبة إلیـه، وبالتـالي لا یجـوز للمحكمـة أو قاضـي التحقیـق أن یوجه الیمین للمتهم في سبیل تكوین أو تكمله قناعته الشخصیة.

رابعا/ من حیث السلطة التقدیریة

تحدید وسائل الإثبات في المواد المدنیة یترتب عنه وبالتبعیـة تقید سلطة القاضي في تقدیر قیمة الدلیل لأن المشرع سبقه في ذلك.

بینمـا الأمـر بالنسـبة للقاضـي الجنـائي، فإنـه وفقـا لمبـدأ حریـة الإثبـات یسـتطیع أن یلفـق ویشد ویسـاند بـین جمیـع الأدلـة كمـا یجـوز لـه أن یجـزأ هـذه الأدلـة وأن یغلـب بعضـها علـى بعـض بقدر ما تحدثه من راحة واطمئنان في وجدانه

خامسا/ من حیث دور القاضي

إن الدور الذي یضطلع به القاضي الجزائي في الإثبات یختلف عـن دور القاضـي المـدني، فالقاضـي المـدني ینظـر فیمـا یعـرض علیـه فقـط مـن قبـل الخصـوم ویكون دوره دور الحكم الحیادي، وهو دور سلبي في عملیة الإثبات.

أما القاضي الجزائي فدوره إیجابي، فله أن یبحث عن كل دلیل یسمح له في الكشـف عـن الحقیقـة، ولـو لـم یعـرض علیـه مـن قبـل الخصـوم، فالقاضـي الجزائـي باعتبـاره ممـثلا للدولـة فـي إحقاق الحق یعنیه هذا الغرض باعتباره جزءا منها، فیجب علیه أن یتحرك، وأن یتخذ المبادرة.

كمـا أن قـانون الإجـراءات الجزائیـة یخـول لقاضـي التحقیـق بـأن یقـوم بـأي إجـراء فـي سـبیل الوصول إلي الحقیقة، فدوره ایجابي في التحقیق، كما یجوز للنیابة العامة أن تطلـب فـي قاضـي التحقیق إجراء أي عمل أو اتخاذ أي إجراء یمكن من خلاله الوصول إلى كشف الحقیقة.

كمـا یجـوز فـي ذات الصـدد للمحكمة (قاضـي الحكـم) أن یقـوم بـأي إجـراء تحقیقـي أو أي إجـراء أخـر یكـون مكمـلا للعمـل السـابق للوصـول إلـي الحقیقـة، فحتـى دور قاضـي الحكـم هـو إیجابي إذا ما قورن بالقاضي المدني، وكـل هـذه الفـوارق والاختلافـات إنمـا تجتمـع فـي الأخیـر فـي ید القاضي الجزائي، لأن الدعوى العمومیة في بعض الأحیـان، وبالنسـبة لـبعض الجـرائم تتضـمن شقین شق جزائي وشق مدني، أي أن القاضي الجزائي له ازدواج في الشخصیة حال الفصل فـي الدعوى المدنیة التبعیة، ویلزم علیه ألا یخلط بینها.

كمـا أن الإثبـات الجنـائي یخـدم وبشـكل كبیـر الشـق المـدني، لأن القاضـي الجزائـي عنـدما یحكم علي المتهم بالإدانة، فإن الضحیة ینتظر التعـویض، ویعتبـر الحكـم الجنـائي حینهـا وسـیلة إثبـات للقضـاء المـدني إذا مـا كانـت مرفوعـة باسـتقلالیة أمـام القاضـي الطبیعـي، ویمكـن للمـدعي المدني أن یلتزم الصـمت، كمـا یمكنـه أن یلعـب دور ایجـابي فـي معاونـة ومسـاعدة النیابـة العامـة في حشد وجمع وسائل الإثبات وتلفیقها للوصول إلي الحقیقة التي تـنعكس علیـه بالفائـدة فـي الشـق المدني.

المرجع:

  1. د. نسيم بلحو، محاضرات في مقياس الإثبات الجنائي، ملقاة على طلبة السنة الأولى ماستر، تخصص قانون جنائي، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، قسم الحقوق، السنة الجامعية: 2017/2018، ص14 إلى ص15.
google-playkhamsatmostaqltradent