التعريف بالقانون وبيان خصائصه ونطاقه

التعريف بالقانون وبيان خصائصه ونطاقه 

التعريف بالقانون وبيان خصائصه ونطاقه

سنتطرق إلى تحديد المقصود بالقانون ومدلولاته، ونتعرض لخصائص القاعدة القانونية، ثم لصلة القانون بقواعد السلوك الاجتماعي الأخرى، وعلاقته بغيره من العلوم.

المبحث الأول: مفهوم القانون:

نتطرق إلى تعريف القانون، وعلاقته بالحق.

المطلب الأول: التعريف بالقانون:

إن تعريف القانون يقتضي التطرق إلى أصله اللغوي، وبيان الاستعمالات المختلفة لكلمة قانون، وبيان تعريفه الاصطلاحي.

الفرع الأول: الأصل اللغوي لكلمة قانون:

 تعني كلمة قانون: مقياس كل شيء وطريقه.

ويرجع أصل كلمة ''قانون'' إلى الاقتباس من اللغة اليونانية، فهي كلمة معربة أخذت من الكلمة اليونانية ''Kanun'' أو من الكلمة اللاتينية "Kanon'' والتي تعني ''العصا المستقيمة''. ويعبرون بها مجازيا عن القاعدة (Regula''  la Règle'') ، أو القدوة أو المبدأ أو النظام، ومنها إلى فكرة الخط المستقيم الذي هو عكس الخط المنحني أو المنحرف أو المنكسر، و هذا تعبير إستعاري للدلالة على الأفكار التالية: الاستقامة (la Rectitude) والصراحة la Franchise)) والنزاهة (Loyauté la) في العلاقات الإنسانية ، ولا يقصد بها العصا كأداة للضرب والتأديب.

ويفسر ذلك انتقالها إلى اللغات الأخرى بمعنى: "مستقيم" وقد عبرت عنها اللغة الفرنسية بكلمة Droit وتقابلها في الإيطالية Diritto وفى الألمانية Recht ... الخ.

ويستخلص من هذا أن كلمة ''قانون" تستعمل كمعيار لقياس انحراف الأشخاص عن الطريق المستقيم، أي عن الطريق الذي سطره لهم القانون لكي يتبعوه في معاملاتهم. فالقانون لغة معناه: الخط الذي يميز بين الاستقامة والانحراف.

ولكن، لا يستخلص من هذه المعاني إلا فكرة تقريبية عن القانون، فلا بد من تفحص استعمال كلمة القانون التي لها عدة معان.

الفرع الثاني: الاستعمالات المختلفة لكلمة '' قانون'':

تطلق كلمة قانون ويقصد بها أحيانا معنى عام (واسع) وأحيانا أخرى معنى خاص (ضيق):

1- المقصود بكلمة ''قانون'' بالمعنى العام (الواسع)، القانون الوضعي (Droit Positif): تستعمل هذه الكلمة استعمالا عاما للدلالة على مجموعة القواعد التي تحكم سلوك الافراد وتنظم علاقاتهم في المجتمع على نحو ملزم، سواء كانت هذه القواعد مكتوبة أو غير مكتوبة، وذلك دون اعتبار لمصدر هذه القواعد، فيستوي أن يكون مصدر هذه القواعد هو التشريع الذي تتكفل بوضعه السلطة المختصة في الدولة، أو أن يكون مصدرها أحد مصادر القانون المعترف بها رسميا، كمبادئ الشريعة الإسلامية والعرف.

وعليه فقد جرى التعبير عن القانون المطبق فعلا في بلد معين وفي زمن معين بـ: القانون الوضعي، ويعنى هذا الاصطلاح مجموعة القواعد القانونية السارية في بلد معين وفي زمن معين، فالقانون الوضعي الجزائري الحالي مثلا يشمل مجموعة القواعد القانونية المعمول بها الآن في الجزائر بغض النظر عن مصدرها، فالمقصود بصفة "الوضعية" هنا هو توفر الصفة الإيجابية لقواعد القانون عن طريق ما يصحبها في التطبيق من اجبار مادي تملكه السلطة العامة.

2- المعنى الخاص (الضيق) لكلمة قانون: ينصرف اصطلاح القانون أحيانا إلى غير المعنى العام المشار إليه، فيطلق للدلالة على معنى خاص: حيث يطلق ويقصد به التشريع، أو يأتي بمعنى التقنين.

أ- استعمال كلمة قانون في معنى "التشريع Loi": والذي يقصد به: مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تصدرها السلطة المختصة في الدولة بقصد تنظيم مسألة معينة.

فهو مجموعة القوانين المتعلقة بفرع من فروع القانون، والتي تنظم ميدانا واحدا من ميادين الحياة الاجتماعية ،مثلا: التشريع الجنائي (قانون العقوبات+ قانون الإجراءات الجزائية+ قانون إصلاح السجون+ كل القواعد القمعية المتواجدة في قوانين أخرى)، قانون العمل، قانون الإعلام، قانون المحاماة ،قانون الشهر العقاري...

مع أن الأصوب والأدق هو استعمال كلمة التشريع على القواعد التي تحكم هذه المسائل (فيقال: تشريع المحاماة، تشريع العمل، تشريع الشهر العقاري... ).

فهناك فرق واضح بين القانون والتشريع، فإذا كان التشريع – كما أشرنا- هو مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تصدرها السلطة المختصة في الدولة، فإن القانون بمعناه العام أوسع من ذلك، فهو مجموعة القواعد المنظمة لسلوك الافراد وعلاقاتهم في المجتمع على نحو ملزم، بغض النظر عن مصدرها وعن كونها مكتوبة أو غير مكتوبة.

وبالتالي فإن كل تشريع يعتبر قانونا لكن ليس كل قانون يعتبر تشريعا.

وفي هذا السياق، نلاحظ أن اللغة الفرنسية تميز بين مصطلحي: القانون والتشريع، فهي تستعمل لفظ Droit عندما تقصد القانون، ولفظ Loi عندما تقصد معنى التشريع.

ب- استعمال كلمة قانون في معنى التقنين "code": حيث تستعمل كلمة ''قانـون'' للدلالة على فرع معين من فروع القانون، أو مجموعة نصوص قانونية جمعت بصفة متناسقة ومنظمة بحيث تخص فرعا معينا من التشريع ويطلق عليها البعض إسم مدونة (Code)، فيقال مثلا: القانون المدني (Code Civil) قانون الإجراءات المدنية والإدارية (Code de Procédure Civile et administrative) قانون العقوبات (Code Pénal).

مع أن الأصح هو أن يستعمل لفظ التقنين، فيقال: التقنين المدني، التقنين التجاري، تقنين العقوبات، تقنين العمل...

فالتقنين هو مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة المختصة في كتاب واحد بعد تبويبها وتقسيمها وتنسيقها بهدف تنظيم نوع معين من أنواع نشاط الافراد، وعادة ما تقسم هذه المجموعة القانونية (Code) إلى مواد Articles)) مرتبة ومرقمة، والتي هي بدورها قد تنقسم (أي المادة) إلى فقرتين أو أكثر.

مما سبق، يتضح أن كلمة قانون أعم من كلمة التقنين، فكل تقنين يعتبر قانونا، لكن العكس غير صحيح، ومع ذلك فيشيع في لغة القانون العربية استعمال لفظ القانون بدلا من التقنين، بينما نجد في الصياغة الفرنسية للنصوص القانونية ان المشرع يحسن استعمال المصطلح حيث يجب، فمثلا: يعبر عن مصطلح القانون المدني في النسخة العربية (وهو تقنين) بعبارة Code civil في النسخة الفرنسية.

الفرع الثالث: التعريف الاصطلاحي للقانون:

قدم الفقه عدة تعريفات للقانون، يمكن ذكر أهمها فيما يأتي:

1- تعريف القانون على أساس الغاية منه: حيث تتمثل أهم غايات القانون في تحقيق العدالة بين الافراد، فعرفه بعض الفقهاء استنادا الى الغاية التي يصبو الى تحقيقها بأنه: (مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأشخاص في المجتمع تنظيما عادلا يكفل حريات الافراد ويحقق الخير العام).

غير ان هذا التعريف منتقد، على أساس:

- أن فكرة الخير العام ليست بالفكرة الثابتة والمحددة، وانما هي فكرة نسبية.

- كما أن فكرة الغاية من القانون تعتبر من الأفكار الأكثر قابلية للنقاش، ومحاولة حصر غايات القانون كلها في تعريف القانون من شأنها إلى تضعنا في عدة إشكالات.

2- تعريف القانون على أساس الجزاء: عرف جانب آخر من الفقهاء القانون على أساس الجزاء، وقالوا بأن: (القانون هو مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الأشخاص الخاضعين لهذه الدولة أو الداخلين في تكوينها).

غير أن هذا التعريف تم انتقاده على أساس:

- أن عنصر الجزاء لا يدخل في تكوين القاعدة القانونية التي تكون قد استكملت كل عناصر وجودها قبل تدخل الجزاء، فاللجوء الى الجزاء لا يتصور إلا عند وقوع مخالفة للقاعدة القانونية وليس قبل ذلك الوقت.

- كما أن قواعد القانون لا تصدر كلها عن إرادة الدولة، فتوجد قواعد الدين مثلا التي يكون مصدرها غير إرادة الدولة.

3-  تعريف القانون بالنظر إلى الخصائص المميزة لقواعده: ذهب هذا الاتجاه – وهو الراجح عند غالبية شراح القانون- إلى تعريف القانون بالنظر إلى الخصائص المميزة لقواعده عن غيرها من قواعد السلوك الاجتماعي الأخرى.

حيث يعرف القانون بأنه: (مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع والتي تكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة عند الإقتضاء).

المطلب الثاني: القانون والحق:

إلى جانب مفهوم القانون يوجد مفهوم ينبثق عنه وهو مفهوم الحق، فإذا كان القانون يتصدى لحكم سلوك الأفراد فى المجتمع حكما ملزما فإنه يعمل -أمام تشابك مصالح الأفراد وتعارضها فيما يقوم بينهم من علاقات- على تغليب بعض هذه المصالح على بعض، ووضع أصحاب المصالح المغلبة في مركز ممتاز بالنسبة إلى غيرهم من الأفراد، بحيث يثبت لهم حقوقا تخولهم الاستئثار بسلطات معينة يلتزم الكافة باحترامها، فالحقوق على هذا النحو تنشأ بموجب قوانين.

فقد يخول لفرد من الأفراد الاستئثار والتسلط على شيء من الأشياء بإعطائه حق الملكية عليه، فيضعه بذلك في مركز ممتاز في مواجهة غيره وتلزمهم باحترام حقه في هذا.

وقد يخول القانون لفرد من الأفراد سلطة اقتضاء عمل أو امتناع من جانب شخص آخر يلزم بالخضوع لهذا الاقتضاء، فيثبت له بذلك حقا قبل هذا الشخص، يجعله في مركز ممتاز سواء بالنسبة إلى الملتزم بالعمل أو الامتناع لقدرته على اقتضاء الوفاء منه بهذا الالتزام، أو بالنسبة إلى الكافة جميعا لانفراده دونهم قبل الملتزم بمثل هذه القدرة.

وبذلك تتفرع الحقوق عن القانون، وتلك ظاهرة يمتاز بها القانون عن الأخلاق كما سنرى، إذ هو لا يقنع كالأخلاق بمجرد فرض التكاليف والواجبات على الأفراد، بل يجاوز ذلك إلى تقرير الحقوق لهم وهو ما لا تفعله الأخلاق، وبذلك تحتل الحقوق أهمية كبرى في النظام القانوني.

فم ما تقدم يتبين أن هناك علاقة تلازم بين القانون والحق فهما وجهان لعملة واحدة، فالقوانين سنت أساسا إما لإنشاء حقوق أو لرعايتها والمحافظة عليها.

هذه أفكار عامة عن مدلول كلمة ''قانون''، والذي يجب أن نتطرق إلى أهدافه في المجتمع السياسي المنظم (الدولة)، فأحد أهداف الدولة هو المحافظة على حقوق الأفراد المتعلقة بحماية أرواحهم و أعراضهم و أموالهم.

وهذا يقودنا إلى القول بأنه من وظائف الدولة هناك وظيفة المحافظة على النظام الاجتماعي.

وبما أنه لا يجد نظام اجتماعي تلقائي (عـفوي)، و بما أن حالة الفوضى لا تكون إلا حكم الأقوى، فللقانون وظيفة عامة التي هي تكريس و ضمان النظام الاجتماعي.

غير أن هذا النظام الاجتماعي لا يكون الهدف النهائي للمجتمعات، حيث يهدف المجتمع إلى غايات أدبية أو اجتماعية سواء كانت فردية أو جماعية، وهذه الغايات متعددة وأحيانا متناقضة، فيلجأ القانون إلى اختيار البعض وتكريس كل غاية بقواعد قانونية.

مثلا: ـ غايات أدبية: حسن السيرة والأخلاق، العدالة...

ـ غايات مادية: إدارات، مصالح عمومية: جيش ـ تربية ـ والتعليم ـالصحة ... وتشجيع بعض الأنشطة الاقتصادية وتحديد البعض الآخر...

فالقانون هو أمر مهم في الدولة حيث يلعب دورا في الحفاظ على الدولة وما تحتويها، كما أنه يضمن المساواة وتحقيق العدالة عن طريق الموازنة بين السلطات الثلاث بالدولة، ولا تكمن أهمية القانون بذلك فقط، بل توجد الكثير من الأهداف التي وضع وأنشئ القانون من أجلها.

وفيما يلي نذكر بعض أهداف وأهمية وجود القانون في الدولة أو في المجتمع:

- يوجه المجتمع لما هو صحيح ومقبول.

- يحتوي على معايير يتم اللجوء إليها في حال حدوث صراعات بين أبناء المجتمع.

- يتم التفاعل به مع المنظمات الاجتماعية بشكل غير مباشر.

- يحقق المساواة الطبقية والدفاع عن حقوق الطبقة الضعيفة.

- يوضع معايير للتغير الاجتماعي المنوط بتغير وتقدم التكنولوجيا.

- يتم بواسطته الدفاع عن المجتمع بشكل عام من أي عدوان أو نية سيئة.

- يتم من خلاله وضع معايير وأسس لموارد الدولة المحدودة، وتوزيعها بطريقة عادلة.

ونستخلص من هذه المعطيات بأن للفرد حقوق يحميها القانون ومقابل ذلك عليه واجبات هو ملزم باحترامها، و من هنا تبرز فكرتا الحق والقانون:

- فالحق (Droits Subjectifs): مزية أو قدرة يقرها القانون ويحميها لشخص معين على شخص آخر  (طبيعي أو معنوي) أو على شيء معين (مادي أو أدبي) مثلا: حق الملكية، حق الانتخاب.

- أما القانون (Droit Objectif) فهو بصفة عامة مجموعة القواعد القانونية الملزمة التي تحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع، وتتضمن أحكاما موضوعية تبين الحقوق والواجبات المختلفة في مجتمع ما، والتي تسهر على احترامها السلطة العمومية.

المبحث الثاني: خصائص القاعدة القانونية:

في تعريف القانون تبين لنا بأن القواعد القانونية تنظم العلاقات التي قد تكون بين فرد وآخر وقد تكون بين الدولة والأفراد وهذا في مجال من مجالات الحياة الاجتماعية، أي تنظيم  نشاط معين لجماعة أو لفرد كما أنها تنظم سلوك الأشخاص في حياتهم اليومية.

ونستخلص من هذا أن القاعدة القانونية هي قاعدة للسلوك الاجتماعي والتي تضمن السلطة العمومية احترامها وتنفيذها من جميع المخاطبين بها، حيث أن هذا الالتزام يتجسد في الجزاء الذي يحدده القانون لمن يمتنع عن تنفيذ تلك القاعدة أو يخالفها وهذا الإلزام هو العنصر الذي يميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد (كالقواعد الأخلاقية)، وبما أن القاعدة القانونية لا تخاطب شخصا محددا بذاته فهي عامة ومجردة.

وعليه يتضح أن للقاعدة القانونية عدة خصائص تتميز بها، وهي:

القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي، عامة ومجردة، وملزمة.

المطلب الأول: القاعدة القانونية قاعدة سلوك إجتماعي:

القانون ظاهرة اجتماعية فلا قانون بلا مجتمع إذ هو تلك المجموعة من القواعد السلوكية التي تنشأ لتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع ليفض ما قد ينشأ بينهم من تضارب ويحل ما عسى أن يثور بينهم من خلافات بحيث أنه إذا لم يوجد مجتمع فلا تقوم الحاجة إلى القانون، ويستوي أن يكون مصدر هذه القواعد هو التشريع أو مصدر قانوني نعترف به.

وهذا القانون الموجه إلى الأشخاص إما أن يتضمن أمرا لهم بالقيام بفعل معين، أو نهيا عن القيام به، أو مجرد إباحة هذا الفعل دون أمر به أو نهي عنه.

وفى إطار المجتمع الإنساني فإن المقصود بالمجتمع هنا ليس هو مجرد اجتماع عدد من الأشخاص لقضاء حاجة ما كالاستمتاع بمنظر طبيعي، أو مشاهدة عرض معين، ولكن المقصود بالمجتمع الذي على قدر معين من الاستقرار أي المجتمع السياسي المنظم الذي يخضع أفراده لسيادة سلطة عامة تملك عليهم حق الجبر والقهر حتى ولو لم يتخذ هذا التنظيم السياسي شكل الدولة بمعناها الحديث.

كما أن القانون لا يهتم بسلوك الإنسان إلا فيما يتصل بتنظيم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع أي السلوك المتصل بالجماعة دون غيره من أنواع السلوك الأخرى التي ليست لها ذات الصفة.

المطلب الثاني: القاعدة القانونية عامة ومجردة

الفرع الأول: المقصود بعمومية القاعدة القانونية وتجريدها:

المقصود بعمومية القاعدة القانونية وتجريدها أنها لا تخص واقعة محددة بعينها ولا شخصا محددا بالذات، بل أنها تبين الشروط التي يجب توفرها في الواقعة التي تنطبق عليها والاوصاف التي يتعين بها الشخص الذي تخاطبه، بحيث تنطبق هذه القاعدة على كل شخص توافرت فيه هذه الأوصاف أو على كل واقعة استجمعت هذه الشروط، أي أن القاعدة القانونية تخاطب الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم، وتتناول الوقائع بشروطها لا بذواتها.

مثلا: القاعدة الواردة في نص المادة 350 من قانون العقوبات التي تقضي بأن : ''كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 100.000 دج إلى 500.000 دج''، وعبارة (كل من) يقصد بها (أي شخص) أو (أيا كان هذا الشخص). إذا فأي شخص قام باختلاس شيء مملوك للغير، أي أنه قد قام بتحويل شيء من حيازة الحائز الشرعي له إلى حيازته، (أي الجاني) يعد سارقا وتسلط عليه العقوبة المقررة لهذا الفعل (السرقة)، إذا أصحبه عدم رضى الضحية.

 فالقاعدة القانونية وضعت دون التنبؤ بمن سيكون هذا السارق، ولكن حددت شروط السرقة وعندما تتوفر هذه الشروط في فعل فيعد مرتكبه سارقا ويعاقب.

وبعبارة أخرى فالقاعدة القانونية وضعت مجردة من تحديد شخص بذاته أي دون التنبؤ مسبقا بمن تنطبق عليه.

ومثالها أيضا: القواعد المحددة لشروط الناخب الواردة في قانون الانتخابات، أو القواعد المحددة لشروط المشاركة في مسابقة القضاء، أو القاعدة الواردة بالمادة 124 من التقنين المدني التي تقضي بأن: "كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطأه ويسبب ضرار للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض"، فهي قاعدة عامة ومجردة تنصرف إلى كل الوقائع التي يتحقق فيها ركن الخطأ وتتوجه إلى كل الأشخاص الذين يرتكبون هذا الخطأ، غير أنها تطبق فقط على شخص معين بالذات وهو مسبب الضرر لغيره متى توفر في فعله صفة الخطأ.

ولا يشترط لعمومية القاعدة القانونية أن تطبق على كل افراد المجتمع، بل يمكن أن تخص طائفة معينة، فقواعد القانون التجاري تخص فئة التجار، وقانون المحاماة أو قانون القضاء أو قانون الأطباء... كلها قواعد عامة رغم أنها تمس فئة من أفراد المجتمع، بل حتى وان كانت أحيانا تقصد مركزا قانونيا وحيدا تظل تتصف بالعمومية، مثل: القاعدة الدستورية التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية ، أو التي تحدد المدة الرئاسية، ذلك أنها خطاب موجه لكل شخص ينتخب في أي وقت رئيسا للجمهورية، ونفس الأمر بالنسبة للقاعدة التي تحدد مهام وصلاحيات الوزير الأول.

الفرع الثاني: الهدف من خاصية عموم القاعدة القانونية وتجريدها:

- تحقيق المساواة بين الناس أمام القانون ومنع التحيز لمصلحة شخص معين أو ضد شخص معين:

حيث ان القاعدة تطبق على جميع الحالات المتماثلة، ومن هنا يرتبط وصف العموم والتجريد بفكرة العدل، وبذلك أيضا يمثل هذا الوصف انتصارا للأخلاق في إطار القانون.

- كما تعد هذه الخاصية ضمانا هاما لحريات المواطنين وصيانتها من استبداد الحكام، وذلك لأنهم على غرار المواطنين العاديين يجب عليهم أن يراعوا في تصرفاتهم ما تقضي به القاعدة القانونية الموضوعة سلفا، والتي تجعل الجميع على قدم المساواة تحقيقا لمبدأ هام من مبادئ القانون العام وهو مبدأ شرعية السلطة.

- إذا كانت خاصية العمومية والتجريد وثيقة الصلة بمبدأ سيادة القانون ومبدأ تساوي الجميع أمام القانون، فإنها وثيقة الصلة كذلك باعتبار آخر عملي أساسه استحالة وضع قرارات أو أوامر خاصة لحكم سلوك كل فرد من أفراد المجتمع على حدة.

المطلب الثالث: القاعدة القانونية قاعدة ملزمة:

أي أن القاعدة القانونية واجبة الاحترام والتنفيذ من جميع المخاطبين بها، فهي قد تفرض التزامات متعددة وعلى المعنيين بالأمر تنفيذها إذا كانت القاعدة القانونية آمرة، ولكن إذا كانت القاعدة القانونية مكملة فيجوز للأشخاص الاتفاق على عكس ما قررته.

إذا فالقاعدة القانونية ملزمة، ووجه الإلزام هنا يتجسد في اقترانها بجزاء والذي يحدده القانون لمن يمتنع عن تنفيذ تلك القاعدة أو يخالفها، والمقصود بالجزاء هو العقاب أو الإجبار على الالتزام والاحترام الذي تفرضه السلطة العامة، حيث أن الهدف من توقيع الجزاء هو التطبيق الفعلي للقاعدة القانونية بالقوة ومعاقبة المخالف لتلك القاعدة.

والإلزام هو ما يميز القاعدة القانونية عن قواعد الأخلاق والدين، وتبرز خاصية الإلزام في الجزاء الذي يوقع على من يخالف تلك القاعدة القانونية،

الفرع الأول: خصائص الجزاء القانوني:

 يتميز الجزاء القانوني بالخصائص والشروط التالية:

- الجزاء القانوني جزاء مادي محسوس: حيث يمس من يخالف القاعدة القانونية في جسمه أو ماله أو يتمثل في إزالة المخالفة ذاتها.

- الجزاء القانوني جزاء حال: حيث يوقع عند مخالفة القاعدة القانونية حال حياة المخالف، فهو ليس بجزاء آجل، مثل الجزاء الديني الذي قد يكون دنيويا أو أخرويا.

- الجزاء القانوني توقعه السلطة العامة: أي أنه منظم حيث تملك السلطة العامة تنفيذه جبرا على المخالف، إذ تمارسه باسم المجتمع وتوقعه عن طريق القوة التي تملك وسائلها، ولا يجوز للأفراد أن يوقعوا الجزاء بأنفسهم.

الفرع الثاني: أنواع الجزاء القانوني:

 يتخذ الجزاء القانوني صورا متعددة طبقا لتنوع القواعد القانونية التي تعرضت للمخالفة، وأهمها هي:

1/ الجزاء الجنائي: يعد من أشد الجزاءات صرامة، والعقوبات تتدرج في قوتها تبعا لجسامة الجريمة المرتكبة.

أما العقوبات الجنائية التي تلحق بمرتكبي الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات فقد تكون إما في شكل:

- عقوبات بدنية، وهي: عقوبة الإعدام (مثلا المواد 261، 263 من قانون العقوبات).

- أو عقوبات سالبة للحرية: وتكون العقوبة السجن المؤبد، السجن المؤقت ،أو الحبس. (مثلا المواد

265، 288، 289، 290، 144 من قانون العقوبات).

- أو عقوبات تمس المخالف في ماله: وتتمثل في الغرامة، أو المصادرة. (مثلا المواد 463، 390،

263/4 من قانون العقوبات).

وتدعى الجزاءات سالفة الذكر بالعقوبات الأصلية (المادة 5 قانون العقوبات)، ويوجد إلى جانبها عقوبات تكميلية (المادة 9 من قانون العقوبات).

أما تدابير الأمن الشخصية، فمثل المنع من ممارسة مهنة أو نشاط أو فن، وتدبير الأمن العينية مثل مصادرة الأموال واغلاق المؤسسات.

2/ الجزاءات المدنية: وهو الأثر الذي يرتبه القانون على انتهاك احدى قواعد القانون المدني، كالإخلال برابطة عقدية (مسؤولية عقدية) أو ارتكاب عمل يسبب ضرار للغير (مسؤولية تقصيرية)، مما يستوجب جزاءا مدنيا، والذي يتخذ عدة صور منها:

أ‌- التنفيذ الجبري (لعيني) للالتزام: وهو ما نصت عليه المادة 164 من القانون المدني، مثال: حالة امتناع المشتري عن تسديد الثمن للبائع فيكره على ذلك.

ب‌- التعويض عن الضرر الذي يلحقه أحد طرفي العقد بالآخر (المادة 124 مدني).

ت- إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل حدوث المخالفة، ويكون ذلك إما:

- بالازالة المادية للمخالفة، مثل سد المطلات، أو هدم سور يحجب الضوء أو الهواء عن الجار.

- أو بطلان التصرف القانوني (مثلا المادة 81 مدني)، والذي قد يكو ن بطلانا مطلقا لتخلف أحد أركانه وهي: الرضا او المحل او السبب او الشكلية، أو بطلانا نسبيا بسبب شرط الاهلية او وجود عيب من عيوب الإرادة.

- أو فسخ التصرف القانوني (الموادة 119، 365 مدني)، في حالة عدم قيام أحد الطرفين بتنفيذ إلتزامه، حيث ينشأ التصرف صحيحا ثم يطرأ سبب يؤدي إلى عدم تنفيذه يتمثل في امتناع أحد الطرفين عن تنفيذ إلتزامه، فيكون للطرف الأخر الحق في طلب الفسخ.

وقد يجتمع الجزاء المدني والجزاء الجنائي، وذلك إذا ترتب على ارتكاب جريمة معينة ضرر يقتضي الجمع بين الحكم بتعويض مدني عن الضرر الذي أصاب المضرور والعقوبة الجنائية، فمن يقتل شخصا يكون مسؤولا مسؤولية جنائية تتمثل في العقوبة ويكون مسؤولا مسؤولية مدنية تتمثل في التعويض.

3/ الجزاءات الإدارية: ويتقرر عند مخالفة مختلف قواعد القانون الإداري، ويتخذ صوار مختلفة، أهمها:

- إلغاء القرارات الإدارية التي يشوبها عيب قانوني.

- توقيع الجزاءات التأديبية على الموظفين الذين يخالفون القواعد الإدارية تبعا لدرجة الخطأ المرتكب، مثل: الإنذار، التوبيخ، التنزيل في الرتبة، توقيف الراتب، تجميد الترقية خلال مدة معينة، فصل الموظف...

- ابطال العقود الإدارية مع التعويض، وغيرها من الجزاءات الإدارية الأخرى.

وقد يجتمع الجزاء الإداري مع الجزاء الجنائي في فعل واحد، فالموظف الذي يختلس أموال الدولة يوفع عليه جزاء جنائي كالسجن وقد يفصل من وظيفته (جزاء اداري).

4/ الجزاء الدولي: لا نجد الجزاءات في مجال العلاقات بين أفراد المجتمع فحسب بل يتعدى ذلك إلى العلاقات فيما بين الدول والمنظمات الدولية في وقت السلم والحرب، ويحكم بهذه الجزاءات مجلس الأمن الدولي حسب طبيعة مخالفة قاعدة من قواعد القانون الدولي، وتأخذ الجزاءات الدولية الأشكال الآتية:

- مقاطعة اقتصادية للدولة المخالفة كليا أو جزئيا.

- عزل الدولة المخالفة في المواصلات الجوية والبحرية.

- حصار أو تدخل عسكري.

- عقوبات ديبلوماسية، كسحب الاعتراف بالدولة أو طرد ممثليها الديبلوماسيين...

المبحث الثالث: تمييز القاعدة القانونية عن غيرها من قواعد السلوك الاجتماعي

رأينا سابقا بأن قواعد القانون تهدف إلى تنظيم سلوك الأشخاص، غير أن القانون لا ينفرد لوحده بهذا الهدف بل توجد إلى جانبه كثير من القواعد التي تشاركه في هذا الشأن والتي تساهم إلى جانب القانون في تحقيق حالة الانضباط الاجتماعي، إلا أنها تختلف عن القواعد القانونية، لذا وجب التفرقة بينها، وتتمثل هذه القواعد في: قواعد الدين، قواعد الأخلاق، والعادات الاجتماعية.

المطلب الأول: القانون وقواعد الدين:

الدين عبارة عن جملة الأحكام والأوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السماوية والتي أنزلها الله عز وجل على أنبيائه ورسله لتبليغها للناس للعمل بها.

حيث يرتبط الإنسان المؤمن بربه بعلاقات روحية وينتظم الدين عادة في قواعد من نوعين:

الأولى قواعد العبادات والثانية قواعد المعاملات.

الفرع الأول: قواعد العبادات

 تتعلق بعلاقات الفرد نفسه بخالقه مباشرة وتتمثل في الشهادة، والصلاة، والزكاة، والحج والصوم.

وهذا النوع من القواعد لا تتدخل فيه قواعد القانون عن قرب وان كانت تلمسه عن بعد، ومثل ذلك ما ينص عليه الدستور بقوله: ''الإسلام دين الدولة.'' و'' لا مساس بحرية المعتقد ولا بحرية الرأي''، وغير ذلك من نصوص قانون العقوبات التي تحمي إقامة الشعائر الدينية.

ونستخلص أن هذا النوع من قواعد العبادات يعتبر مجالا شخصيا للفرد بينه وبين خالقه ولا دخل للقانون فيه إلا بقدر ضئيل لتقريره أو لحماية الحرية الدينية للأفراد. ولكن لا شك أن هذه القواعد الدينية تعتبر قواعد سماوية ملزمة ويترتب على مخالفتها جزاء إلاهي ينفد في الآخرة بعد الممات.

الفرع الثاني: قواعد المعاملات

وهي تتعلق بعلاقة الفرد بغيره من الأفراد، وتختلف الديانات السماوية في هذا الشأن أي في احتوائها على تلك القواعد في الدين الإسلامي قد عنى بقواعد العبادات وقواعد المعاملات معا وأهتم بالعلاقات ذات الصبغة المالية كالبيع والإيجار والرهن وغير ذلك، فنظم أمور الدين والدنيا معا.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل تتطابق قواعد القانون والقواعد الدينية في تنظيم المعاملات؟

في الواقع فإن المشرع عادة يضع تلك القواعد الدينية في اعتباره، ويطبقها بقدر الإمكان، والدليل على ذلك هو أن المشرع نص في المادة الأولى من القانون المدني على ما يأتي: ''واذا لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية'' وهو الشأن بخصوص قانون الأسرة (الزواج، الطلاق، النيابة الشرعية، الكفالة، الميراث، الوصية، الهبة، الوقف...).

ولكن مجال المعاملات القانونية في عهدنا، مع تشعب نواحي النشاط الاجتماعي، يتسع كثيرا عن مجال المعاملات الدينية الأمر الذي معه تتزايد باستمرار مجالات المعاملات القانونية وقواعدها.

المطلب الثاني: قواعد الأخلاق والمجاملات والتقاليد

الفرع الأول: قواعد الأخلاق:

وهي قواعد سلوكية اجتماعية يحددها المجتمع وقد تتأثر الأخلاق بالدين وبالتقليد وبالمجاملات إلى حد كبير. وأحيانا قد تلتقي القواعد الأخلاقية بالقواعد القانونية في قاسم مشترك يتمثل في المثل العليا للمجتمع فكل منهما يدعي تمثيله لهذه المثل التي تتجسد في نشر الفضيلة ونبذ الرذيلة، ومثل ذلك معاونة الغير في الدفاع عن نفسه وماله وهو جانب أخلاقي بالدرجة الأولى ومع ذلك تبناه المشرع وجعله قاعدة قانونية حيث أباح الضرب والجرح والقتل في سبيل حماية النفس، الغير والمال وذلك في المادة 39 الفقرة الثانية من قانون العقوبات، ونصها هو:

 ''لا جريمة: ... 2- إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء''.

في موضوع آخر يوجب المشرع إغاثة الأشخاص ومساعدتهم إن أمكن ذلك: تنص المادة 182 فقرة 2 على ما يلي: ''ويعاقب ... كل من امتنع عمدا عن تقديم مساعدة إلى شخص في حالة خطر كان إمكانه تقديمها إليه بعمل مباشر منه أو بطلب الإغاثة له وذلك دون أن تكون هناك خطورة عليه أو على الغير''. (أنظر أيضا المادة 451 فقرة 8 من قانون العقوبات...).

الفرع الثاني: قواعد التقاليد:

أما فيما يخص المجاملات والتقاليد الفرعية في المجتمع كتبادل التهاني في المناسبات السعيدة ،ومبادلات شعور الحزن والتعزية في المناسبات المؤلمة، وتبادل التحية عند اللقاء، وغير ذلك من العادات المستقرة في ذهن الجماعة، فهذه القواعد الاجتماعية لم يهتم القانون بها، فمجالها يختلف عن مجال قواعد القانونية خاصة من حيث الجزاء، والذي يكون في قواعد العادات والمجاملات عبارة عن استهجان السلوك أو الغضب او المعاملة بالمثل، عكس الجزاء المترتب على مخالفة قواعد القانون.

المبحث الرابع: علاقة القانون بالعلوم الاجتماعية الاخرى:

من خصائص القاعدة القانونية أنها قاعدة سلوك وعلاقات إجتماعية، وبذلك فإن القانون يعتبر جزءا من العلوم الإجتماعية ويشكل بالنسبة لها فرعا من فروعها المختلفة، وهذا ما جعل هناك ترابطا وثيقا بين مختلف هذه الفروع، وبهذا المعنى يكون للقانون صلة وطيدة بهذه العلوم الإجتماعية ،وهي العلاقة التي نسعى إلى ابرازها من خلال ما يأتي.

المطلب الأول: علاقة القانون بعلم الاقتصاد

يعرف علم الاقتصاد بأنه مجموعة النظم التي تحكم النشاط الاقتصادي في مظاهره المختلفة من إنتاج وتوزيع واستهلاك، ويتوقف نجاح أي نشاط إقتصادي على نجاعة قواعد التسيير المعتمدة، ومن هنا تتجلى العلاقة المباشرة بين النشاط الإقتصادي وكنتيجة والقاعدة القانونية كوسيلة.

أولا: القانون بإعتباره يؤثر في الاقتصاد: قد يلجأ المشرع إلى القانون من أجل وضع قواعد قانونية لتنظيم نشاط إقتصادي على وجه معين يستجيب لتوجهات النظام السياسي القائم في الدولة، فالنشاط الإقتصادي لم يكن موجودا من قبل، بل وجد بإرادة المشرع عن طريق هذه القواعد، ومنها:

- القواعد التي تتعلق بتنظيم انتاج سلعة معينة وتسويقها وفقا لأولويات إستراتيجية الدولة.

- القواعد التي تتعلق بتنظيم استهلاك سلعة معينة مستهدفة الحد من إستهلاك بعض السلع، فتقرر وضع حد لإستهلاكها بمنع إنتاجها وبرفع أسعارها لغرض التقليل من إستهلاكها، وكذلك كل ما يقرره المشرع بخصوص مواجهة الأزمات الإقتصادية وخاصة في أعقاب الاضطرابات الداخلية.

ثانيا: الاقتصاد بإعتباره يؤثر في القانون: في هذه الحالة هناك واقع اقتصادي موجود في المجتمع، ولغرض تثبيته واستمراره يتدخل المشرع في تنظيمه عن طريق اعداد قواعد قانونية ملائمة، وبهذا المعنى يتأثر القانون بالنشاط الاقتصادي القائم في الدولة وكلما زاد حجمه واتساعه أثرَ على القانون.

كلما كان هناك نشاط اقتصادي جديد، كان تدخل الدولة لغرض تحقيقه وحمايته، لاسيما بالنسبة للدول التي تتبع النهج الرأسمالي، حيث تخصص له قواعد قانونية تنظمه في إطار فرع جديد من فروع القانون، كإستحداث قانون الاستثمار نتيجة ازدهار حركة هذا النشاط الاقتصادي.

المطلب الثاني: علاقة القانون بعلم السياسة

يمكن تعريف علم السياسة باعتباره جزءا من العلوم الإجتماعية بأنه: ذلك العلم الذي يتناول بالدراسة والبحث كيفية تسيير شؤون كيان إجتماعي وعلاقات إنسانية بفرض وتجسيد مجموعة من الأفكار ذات التوجه معين لغرض تحقيق غاية ما بأساليب معينة.

وللقانون علاقة وطيدة بعلم السياسة، ذلك إن كل نظام سياسي له تشريع أساسي يقوم على قواعد قانونية دستورية تحدد نظام الحكم في الدولة ونظام عمل السلطات وشكلها، فيبين العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وصلاحيات رئيس الجمهورية.

ويتناول القانون عموما كل ما يتعلق بتنظيم شؤون الحكم المختلفة، ونشاطك الهيئات العامة المعهود إليها إدارة المرافق المختلفة وتسييرها وتحديد العلاقات فيما بينها وبين الأفراد، كما تظهر الصلة بين القانون وعلم السياسية في عدة نواح نذكر منها:

1- فهي تظهر أولا حين يؤثر القانون في السياسة وهو يضع قواعد النظام السياسي في المجتمع، فيحدد شكل الحكم في الدولة وتنظيم السلطات العامة فيها وتعاونها.

2- تظهر جلية في مرحلة وضع قواعد قانونية جديدة أو تعديل قواعد قانونية قائمة، اذ يجب على المشرع حينئذ مراعاة الاوضاع والتيارات السياسية السائدة في مجتمعه، فلن يستطيع المشرع المنصف تجاهل مثل هذه العوامل، والا جاء تشريعه غريبا في البيئة التي وضع من أجل التطبيق فيها.

3- وتظهر الصلة بينهما أخيرا في صورة تأثر القانون بالسياسة في مرحة تطبيق القاعدة القانونية من طرف القاضي، الذي كثيرا ما يستوحي الأفكار السياسية السائدة في مجتمعه، وهو يصدر حكمه ليأتي الحكم الذي يصدره موافقا تلك الأفكار.

المطلب الثالث: علاقة القانون بعلم التاريخ

يقصد بالتاريخ هنا تلك التجارب التي مرت بها الإنسانية وعرفتها نظمها القانوينة، وهي كخبرة صقلها الزمن تدخل في الإعتبار عند وضع القواعد القانونية، إذ هي تشكل تراثا مكتسبا لا يمكن التغاضي عنه أو إستبعاده كليا في مرحلة إنشاء قواعد القانون، فدور التاريخ هو تمكين المشرع من الوقوف على النظم القانونية التي سارت على هديها الأمم السابقة قصد التعرف على مدى نجاحها في التطبيق العملي، فيستنير المشرع و يضع قواعد القانون بالتجارب الناجحة، وذلك مع مراعاة مقتضيات العصر ومتطلبات عامل تطور وتقدم الحياة الاجتماعية المستمر.

المطلب الرابع: علاقة القانون بعلم الإجتماع

يتصل القانون بعلم الإجتماع اتصالا وثيقا، فالقانون يستعين بعلم الاجتماع للاحاطة بالظواهر الاجتماعية المختلفة ليتسنى له الربط والملاءمة بين القواعد التي يقررها لتنظيم سلوك وعلاقات الافراد والبيئة الاجتماعية التي توضع هذه القواعد من أجلها، فظاهرة زيادة عدد السكان مثلا توجه المشرع الى وضع قواعد من شأنها تحديد النسل، بينما تدفعه ظاهرة نقص السكان إلى وضع قواعد مغايرة تستهدف تشجيع النسل.

وظاهرة ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع تحفز المشرع على التدخل للحد من استعمال حق الطلاق بوضع القيود التي تحول دون التعسف في استعماله، وظاهرة الاحجام عن الزواج قد تهيب بالمشرع أن يتدخل لتشجيع الإقدام عليه بفرض ضرائب عالية على غير المتزوجين ومنح علاوات بمناسبة الزواج.

ونظرا لخطورة تلك الظواهر الإجتماعية، يتدخل المشرع لحماية المجتمع منها، فيستلهم القانون قواعده من علم الإجتماع للإحاطة بها ومعالجتها، وليتسنى له الربط بين القواعد التي يقررها لتنظيم سلوك وعلاقات الأفراد من جهة وبين البيئة الإجتماعية التي برزت فيها هذه الظواهر من جهة أخرى وذلك بغية معرفة الأسباب والوصول إلى الحلول للحد منه والتي تحملها القواعد القانونية.

المطلب الخامس: علاقة القانون بعلم النفس

يظهر وجه الصلة بين القانون وعلم النفس من حيث أن الأول يسترشد بالثاني في مجالات عديدة، أهمها:

1- في مجال تطبيق القانون: إن القضاة في كثير من القضايا المطروحة عليهم يلجأون إلى علم النفس ليمدهم بيد المساعدة للوصول الى انسب الحلول القانونية لتلك القضايا، فكثيرا من يؤخذ حسن نية الشخص أو سوء نيته لتقرير مسؤوليته والوقوف على هذه النية يستدعي الاستعانة بعلم النفس، كما أن القضاة في المسائل التي يكون فيها دليل الإثبات هو الشهادة، يستعينون في تقدير هذه الشهادة بعلم النفس القضائي الذي يعالج سيكولوجية الشهادة.

2- في مجال تقرير المسؤولية الجنائية أو الإعفاء منها: إن لعلم النفس وطب الأمراض العقلية دوار هاما في تقرير هذه المسؤولية أو الإعفاء منها، فإستعانة القاضي بهما من شأنها أن تؤدي إلى رفع المسؤولية الجنائية عن المتهم إذا ثبتت إصابته بمرض أو قصور عقلي يعدم لديه الوعي والإدراك وبالتالي يفقده ركن القصد الجنائي أثناء إرتكابه الفعل المجَرم، وقد قرر تقنين العقوبات الجزائري في المادة 47 منه أن"لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت إرتكاب الجريمة".

3- في مجال معاملة بعض طوائف المجرمين: يقرر تقنين العقوبات في مختلف الدول معاملة خاصة لطائفة المجرمين الاحداث، فعوضا من أن يسلط العقوبات عليهم، يخصهم بإجراءات ترمي إلى إعادة تربيتهم وتأهيلهم، الامر الذي يجعل هذه الإجراءات بمثابة علاج نفسي لهم يبعدهم نهائيا عن التمادي في الإجرام، وقد قرر تقنين العقوبات الجزائري ذلك بأن نص في المادة 49/ 1 على أن: "لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر إلا تدابير الحماية او التربية"، وقضى في الفقرة من ذات المادة بأن "يخضع القاصر الذي يبلغ سنة من 13 الى 18 إما لتدابير الحماية أو التربية أو لعقوبات مخففة".

المرجع:

  1. د. علال ياسين، مطبوعة بيداغوجية بعنوان: نظرية القانون، محاضرات ألقيت على طلبة السنة الأولى جذع مشترك، جامعة 8 ماي 1945 – قالمة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم القانونية والإدارية، السنة الجامعية 2019/ 2020، ص4 إلى ص22.

google-playkhamsatmostaqltradent