مصادر القانون

مصادر القانون

مصادر القانون

يقصد بمصدر القانون المنبع الذي تتكون منه القاعدة القانونية، والبحث عن مصدر القاعدة القانونية هو البحث عن السبب المنشئ لها في مجتمع معين.

فالقاعدة القانونية لا تنشأ من العدم، بل إن لها مصدرا ماديا (أو موضوعيا) تستمد منه مادتها، ومصدرا رسميا (شكليا) تستمد منه قوتها الملزمة.

I- المصادر المادية للقاعدة القانونية (les sources matérielles): ويقصد بالمصادر المادية للقاعدة القانونية (مجموعة العوامل التي تستمد منها القاعدة القانونية موضوعها أو مادتها (أي التي ساهمت في تكوين القاعدة القانونية)، سواء كانت عوامل سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو خلقية أو دينية أو طبيعية)، ومن ثم فهي تمثل المصدر غير المباشر للقاعدة القانونية.

من أمثلة المصادر المادية للقانون الجزائري المصدر التاريخي، فقد استمد القانون الجزائري عدة قواعد من الشريعة الإسلامية والقانون المصري، و كذا القانون الفرنسي مثلا، والذي يعتبر مصدرا تاريخيا لكثير من القوانين الوضعية ومنها القانون الجزائري في بعض فروعه، كما تعتبر الشريعة الإسلامية مصدرا لجزء من قواعد القانون الوضعي الجزائري كقانون الأسرة.

II- المصادر الرسمية (الشكلية) للقاعدة القانونية (les sources formelles): ويقصد بها الوسائل التي يتم بها تحويل المادة الأولية (المواد المستمدة من العوامل المكونة للمصادر المادية) للقانون إلى قواعد قانونية لها صفة الإلزام، بحيث يتعين على القاضي تطبيقها على المنازعات التي تعرض عليه، وهذا طبقا للتسلسل الذي جاء به المشرع، فالمصادر المادية لا تكفي لإنشاء القواعد القانونية بل لا بد من وسيلة تظهر بها هذه القواعد إلى الوجود حتى تصبح صالحة للتطبيق العملي.

وقد بين المشرع الجزائري المصادر الرسمية للقانون في المادة الأولى من القانون المدني والتي تنص على: (يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها، واذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية،

فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة). ويستخلص من هذا النص أن المصادر الرسمية للقانون الجزائري هي:

- المصدر الرسمي الأصلي: وهو: التشريع.

- المصادر الرسمية الإحتياطية: وتتمثل في كل من: مبادئ الشريعة الإسلامية، العرف ،مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، ويلجأ إليها عند عدم وجود نص تشريعي وعدم معالجة موضوع معين وفقا للترتيب الذي أورده المشرع.

ولم تذكر المادة الأولى من القانون المدني كل من الفقه والقضاء باعتبارهما من المصادر التفسيرية للقانون وليس من المصادر الرسمية.

المبحث الأول: التشريع (المصدر الرسمي الأصلي للقانون):

وهو أهم مصادر القاعدة القانونية في العصر الحديث، ولهذا المصطلح معنى عام ومعنى خاص.

المطلب الأول: مفهوم التشريع:

1/ المعنى العام للتشريع la législation: وهو عملية قيام السلطة المختصة (التشريعية أو التنفيذية) في الدولة بوضع قواعد قانونية مكتوبة لتنظيم العلاقات في المجتمع، وذلك في حدود اختصاصاتها ووفقا للإجراءات المقررة لذلك.

2/ المعنى الخاص للتشريع la loi : وهو مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة المختصة (التشريعية) في الدولة لتنظيم العلاقات في المجتمع، في حدود الإختصاص المخول لها دستوريا.

وقد يتم تجميع بعض القواعد القانونية الخاصة بموضوع ما في مجموعة يطلق عليها إصطلاح التقنين.

ومن خلال ما سبق يتضح أن التشريع يتميز بالخصائص الآتية:

- يتضمن قواعد قانونية عامة ومجردة وملزمة.

- قواعده مكتوبة.

- يصدر عن سلطة مختصة وهي السلطة التشريعية (وأحيانا السلطة التنفيذية فيما يخص التشريع بأوامر).

المطلب الثاني: أهمية التشريع (مزايا التشريع، عيوب التشريع)

أ/ مزايا التشريع: يتميز بمزايا كثيرة، تتمثل أهمها في أنه:

- يتضمن قواعد مكتوبة وواضحة للمخاطبين بها.

- يعتبر أداة لتحقيق وحدة القانون

- يستجيب بسرعة لضرورات المجتمع (إصدار، تعديل، إلغاء).

- يصدر عن سلطة عامة مختصة.

- يمكن السلطة من الإستعانة بقوانين أجنبية.

ب/عيوب التشريع: رغم ما له من مزايا فقد عاب عليه بعض الفقهاء ما يلي:

- طالما كان صادرا عن السلطة فقد يكون غير ملائم لظروف المجتمع.

- جامد لا يتماشى مع تطور المجتمع.

- استعماله مصطلحات دون تحديد معناها (حسن النية، سوء النية، المصلحة العامة، الخطأ الجسيم).

- قد يتحول التشريع إلى وسيلة تحكمية في يد السلطة.

المطلب الثالث: أنواع التشريع:

للتشريع أنواع متفاوتة في درجاتها وقوتها وهي:

التشريع الأساسي (الدستور)، المعاهدات، التشريع العادي والعضوي، التشريع الفرعي أو اللوائح.

حيث يجب إحترام التشريع الأدنى للتشريع الأعلى منه، أي أن لا يخالفه.

الفرع الأول: التشريع الأساسي (الدستور)

وهو أعلى التشريعات في الدولة ويقصد به: التشريع الذي يضع أساس بناء الدولة ونظام الحكم فيها وشكله وتعدد السلطات العامة فيها واختصاصاتها وعلاقاتها فيما بينها وبين الأفراد.

1/ طريقة سن أو إعداد الدستور: تتمثل طرق وضع الدساتير في:

أ/ أساليب غير ديموقراطية:

- أسلوب المنحة: من الملك إلى الشعب، أمثلة: دستور سنة 1814 في فرنسا، دستور سنة 1923 في مصر، دستور إمارة موناكو لسنة 1911، الدستور الياباني لسنة 1889 والدستور اليوغسلافي لسنة 1831.

- أسلوب العقد: بين الحاكم وبعض ممثلي الشعب الذين اختارهم الحاكم، مثال: العهد الأعظم عام 1215 ميلادي في انجلترا، دستور الكويت 1962.

ب/ أساليب ديموقراطية: والعامل المشترك بينها، هو مشاركة الشعب في وضع الدستور، وان كان بدرجات متفاوتة حسب كل طريقة، ويمكن رد هذه الأساليب إلى:

- الجمعية التأسيسية: وهي جمعية ممثلة للشعب، تضع الدستور النهائي، مثال: الدستور الفرنسي عام 1848 وعام 1875.

- الإستفتاء: وهو اقتراح من وضع لجنة مقترحة من السلطة التنفيذية او البرلمان يقدم للاستفتاء الشعبي، ولا يكتسب قوته الإلزامية والصفة القانونية الا بعد موافقة الشعب عليه، وهي الطريقة المتبعة في الجزائر.

- الجمع بين أسلوب الجمعية التأسيسية والإنتخاب: حيث تعد الجمعية مشروع دستور تعرضه على الشعب للاستفتاء، مثال الدستور الفرنسي عام 1946.

2/أنواع الدساتير:

-الدستور العرفي (مثل الدستور البريطاني)

-الدستور المكتوب.

3/ كيفية تعديل الدستور: ونفرق في هذا الصدد بينما إذا كان الدستور مرنا أو جامدا.

أ‌- الدستور المرن: يكفي لتعديله صدور تشريع عادي عن السلطة التشريعية وبنفس الإجراءات التي يصدر بها التشريع العادي (مثل دستور بريطانيا، دستور نيوزيلاندا، دستور الصين).

ب‌- الدستور الجامد: لا يمكن تعديله إلا بواسطة هيئة مغايرة للهيئة التي تملك تعديل التشريع العادي، وباتخاذ إجراءات وشروط مختلفة، (مثال: الدساتير الجزائرية لعام 1996 المادة 174-177) وأغلب دساتير العالم هي دساتير جامدة.

تنص المادة 208 من الدستور (174 سابقا): "لرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري".

وتنص المادة 211 من الدستور (177 سابقا): "لـ 3 /4 أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا حق المبادرة بالتعديل الدستوري".

الفرع الثاني: التشريع العادي loi la Ordinaire والعضوي la loi Organique (القانون):

1/ المقصود به: هو مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تقوم السلطة التشريعية أساسا بوضعها في حدود اختصاصها الذي بينه الدستور، وقد حددت مجالات التشريع العادي المادة 140 (تقابلها سابقا المادة 122)، ومجالات التشريع العضوي 141 (تقابلها سابقا المادة 123 من الدستور).

وهو ما أكدت عليه المادة 112 (98 سابقا) من الدستور بقولها: "يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وله السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه".

وقد أوجد دستور 1966 نوعا جديدا من التشريع يسمى بالتشريع العضوي loi organique، والقوانين العضوية هي التشريعات التي تصدر وفقا للمادة 141 (المادة 123 سابقا) من الدستور يثبت للبرلمان حق سن القانون العضوي في مجالات خاصة وهي: تنظيم السلطات العمومية وعملها، القانون المتعلق بالأحزاب السياسية، القانون المتعلق بالإعلام، نظام الإنتخابات، القانون المتعلق بقوانين المالية، القانون الأساسي للقضاء والتنظيم القضائي، القانون المتعلق بالأمن الوطني.

ويخضع وضع التشريع العضوي لما يخضع له سن التشريع العادي من إجراءات، وان كان يختلف عنه في خضوعه لمراقبة مطابقته مع الدستور من طرف المجلس الدستوري قبل صدوره (أي بعد مصادقة البرلمان).

2/ مراحل سن التشريع العادي (والعضوي): تختص السلطة التشريعية أساسا بسنه، ويمر بعدة مراحل:

2-1/ مرحلة المبادرة بالتشريع: المبادرة بالتشريع هي تقديم وعرض مشروعه على السلطة التشريعية.

وتنص المادة 136 (119 سابقا) من الدستور على أن: "لكل من الوزير الأول والنواب وأعضاء مجلس الأمة حق المبادرة بالقوانين.

تكون اقتراحات القوانين قابلة للمناقشة إذا قدمها عشرون (20) نائبا، أو عشرون (20) عضوا في مجلس الأمة في المسائل المنصوص عليها في المادة 137 أدناه.

تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء، بعد أخذ رأي مجلس الدولة ثم يودعها الوزير الأول مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس الأمة ".

فالمبادرة بالتشريع هي حق مخول لكل من: الوزير الأول (السلطة التنفيذية)، و20 نائبا من المجلس الشعبي الوطني (السلطة التشريعية)، و20 عضوا من مجلس الأمة، ويسمى في الحالة الأولى بـ:

مشروع قانون (projet de loi)، وفي الحالة الثانية بـ: إقتراح قانون (proposition de loi).

وحتى يقبل مشروع أو اقتراح القانون يجب أن يرفق ببيان أسباب تبرر عرضه للمناقشة ويحرر في شكل مواد (هذا ما نصت عليه المادة 20 من القانون العضوي رقم 99 /02 المؤرخ في 08 مارس 1999 المتعلق بتنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الامة، وحسب المادة 119 من الدستور، فإن مشاريع القوانين تحال أولا على مجلس الدولة، ثم يعرض على مجلس الوزراء.

أما إقتراح القانون، وفور إيداعه لدى مكتبة المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة، ويبلغ للحكومة التي تبدي رأيها فيه، ومن ثم يحال على اللجنة المختصة.

2-2/ مرحلة الدراسة والفحص: تعرض المشاريع أو اقتراحات القوانين على مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة (المتكون من رئيس المجلس الشعبي الوطني ونوابه التسعة (09) وهذا حسب المادة 11 من القانون العضوي 99 /02) ويتولى مكتب المجلس إحالة المشروع أو الإقتراح للجنة المختصة ( 12 لجنة دائمة) والتي تتولى دراسته بعد سماع ممثل الحكومة أو مندوب أصحاب الإقتراح، وتقدم تقريرا تضمنه رأيها في الامر المرفوع إليها (حول ما إذا كان صالحا للمناقشة أم لا).

حيث يتكون المجلس الشعبي الوطني من اللجان الدائمة التالية:

1/ لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات.

2/ لجنة الشؤون الخارجية والتعاون والجالية

3/ لجنة الدفاع الوطني.

4/ لجنة المالية والميزانية.

5/ لجنة الشؤون الإقتصادية والتنمية والصناعة والتجارة والتخطيط.

6/ لجنة التربية والتعليم العالي والشؤون الدينية.

7/ لجنة الفلاحة والصيد البحري وحماية البيئة.

8/ لجنة الثقافة والإتصال والسياحة.

9/ لجنة الشؤون الإجتماعية والعمل والتكوين المهني.

10/ لجنة الإسكان والتجهيز والري والتهيئة العمرانية.

11/ لجنة النقل والمواصلات والإتصالات السلكية واللاسلكية.

12/ لجنة الشباب والرياضة والنشاط الجمعوي.

2-3/ مرحلة المناقشة والتصويت على مستوى الغرفة الأولى (المادة 139): بعد سماع تقرير ممثل الحكومة أو مندوب أصحاب الإقتراح، وممثل اللجنة المختصة، يتم مناقشة النص المعروض والتصويت عليه، حيث يكون مصير النص:

- المصادقة عليه بالأغلبية المطلقة (أي 50% +01 من عدد نواب المجلس الشعبي الوطني)،

- أو إلغائه إذا لم تتحقق هذه الأغلبية.

يتم التصويت بالإقتراع العام أو السري، كما يمكن أن يتم بالإقتراع العام بالمناداة الإسمية تبعا لما يقرره مكتب المجلس الشعبي الوطني.

ويتخذ التصويت ثلاثة أشكال:

- التصويت مع المناقشة العامة: وهو الإجراء العادي لدراسة مشاريع واقتراحات القوانين، حيث يمر النص بمرحلة المناقشة العامة، ثم المناقشة مادة بمادة، حيث تبدأ المناقشة بالإستماع إلى ممثل الحكومة أو أصحاب الإقتراح، ثم يقدم تقريرا للجنة المختصة، ويليها تدخلات النواب، ثم يتم التصويت على النص مادة بمادة، وبعد التصويت على آخر مادة يعرض الرئيس النص بكامله للتصويت عليه.

- التصويت مع المناقشة المحدودة: لا تجري مناقشة عامة ولا يأخذ الكلمة إلا مندوبو أصحاب التعديل ورئيس اللجنة أو مقررها أو ممثل الحكومة، وهو إجراء إستثنائي.

- التصويت بدون مناقشة: يكون في حالة عرض رئيس الجمهورية على كل غرفة الأوامر التي أصدرها طبقا للمادة 124 من الدستور، وذلك بغرض المصادقة عليها، حيث ينحصر التصويت على الأمر قبولا أو رفضا، دون إمكانية تعديله، وهذا بعد سماع اللجنة المختصة.

2-4/ إحالة النص المصادق عليه على مجلس الدولة: بعد المصادقة على النص بالأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس الشعبي الوطني، تعرض الحكومة النص المصوت عليه على رئيس مجلس الأمة (في غضون عشر أيام وهذا قبل تعديل 2016) ويشعر الوزير الأول بهذا الإرسال، ويقوم رئيس مجلس الأمة بإحالة النص على اللجنة المختصة لتتولى دراسته وفحصه (يتكون مجلس الأمة من 09 لجان)، وذلك بعد سماعها لممثل الحكومة أو مندوب أصحاب الإقتراح، حيث يتكون مجلس الأمة من اللجان التالية:

1/ لجنة الشؤون القانونية والإدارية وحقوق الإنسان.

2/ لجنة الدفاع الوطني.

3/ لجنة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والجالية الجزائرية في الخارج.

4/ لجنة الفلاحة والتنمية الريفية.

5/ لجنة الشؤون الإقتصادية والمالية.

6/ لجنة التربية والتكوين العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية.

7/ لجنة التجهيز والتنمية المحلية.

8/ لجنة الصحة والشؤون الإجتماعية والعمل والتضامن الوطني.

9/ لجنة الثقافة والإعلام والشبيبة والسياحة.

وبعد سماع تقرير ممثل الحكومة، ورأي اللجنة المختصة، تتم مناقشة النص من طرف أعضاء مجلس الأمة، ويتم التصويت، بأغلبية ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الأمة، وهذا حسب المادة 138 /4 (120 /3 سابقا)، بالنسبة لمشاريع القوانين، والأغلبية المطلقة بالنسبة للقوانين العضوية.

فإن توافرت هذه الأغلبية مر النص إلى مرحلة الإصدار، وان لم تتوافر الأغلبية كنا أمام حالة خلاف بين الغرفتين الأولى والثانية ،مما يستوجب عرض الخلاف على اللجنة المتساوية الأعضاء.

2-5/ عرض الخلاف على اللجنة المتساوية الأعضاء: تنص المادة 138 /05 (سابقا 120 /4) من الدستور على: "في حالة حدوث خلاف بين الغرفتين تجتمع بطلب من الوزير الأول لجنة متساوية الأعضاء تتكون من أعضاء كلتا الغرفتين من أجل اقتراح نص يتعلق بالأحكام محل الخلاف، تعرض الحكومة هذا النص الجديد على الغرفتين للمصادقة عليه، ولا يمكن إدخال أي تعديل عليه إلا بموافقة الحكومة. في حالة استمرار الخلاف يسحب النص".

وتتكون اللجنة متساوية الأعضاء من 20 عضوا بعدد مقاعد متساو بين الغرفتين، (المادة 88 من القانون العضوي 99 /02)، تتولى اللجنة دراسة الأحكام محل الخلاف التي لم تحصل على أغلبية ثلاث أرباع مجلس الأمة ، كما ينصب عملها على النص كاملا في حالة رفضه من الغرفة الثانية، وعند إنهاء عملها يحرر تقرير في الموضوع يرفع إلى الوزير الأول، ثم تتولى الحكومة عرض النص الجديد على الغرفتين للمصادقة عليه، وفي حالة استمرار الخلاف (يسحب النص) يمكن للحكومة أن تطلب من المجلس الشعبي الوطني الفصل نهائيا.

*أحكام خاصة بقانون المالية: تنص المادة 138 /8 (120 /5 سابقا) من الدستور:"يصادق البرلمان على قانون المالية في مدة أقصاها 75 يوما من تاريخ إيداعه طبقا للفقرات السابقة، في حالة عدم المصادقة عليه في الأجل المحدد سابقا يصدر رئيس الجمهورية مشروع الحكومة بأمر ".

فالمصادقة على قانون المالية دون غيره من القوانين مربوطة بأجل 75 يوما، لأن قانون المالية لا بد أن يظهر قبل بداية السنة المالية المعنية، والا فإن رئيس الجمهورية سيصدره بموجب أمر.

ونجد أن المادة 44 من القانون العضوي 99-02 المتضمن تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة قد وزعت هذا الأجل 75 يوما كما يلي:

-47 يوما كمدة قصوى لمصادقة المجلس الشعبي الوطني، وتبدأ من تاريخ إيداع المشروع لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني.

- 20 يوما كمدة قصوى ينبغي على مجلس الأمة أن يصوت خلالها على النص المصادق عليه.

- 08 أيام: مخصصة للجنة المتساوية الاعضاء للفصل في الأحكام محل الخلاف، وذلك في حالة حدوث خلاف بين الغرفتين.

2-6/ مرحلة الإصدار (عدم اعتراض رئيس الجمهورية): يقصد بإصدار التشريع تسجيل سن التشريع ووضعه موضع التنفيذ بتكليف رجال السلطة التنفيذية بتنفيذه باعتباره أحد تشريعات الدولة، فالإصدار يعتبر بمثابة شهادة ميلاد لهذا التشريع، واقرارا من رئيس الجمهورية بأن هذا التشريع قد تمت موافقة البرلمان عليه.

حيث يتكفل رئيس الجمهورية طبقا للمادة 144 (126 سابقا) من الدستور بإصدار مشاريع أو إقتراحات القوانين المصادق عليها من طرف البرلمان في أجل 30 يوما ابتداء من تاريخ تسلمه إياه ،ويصبح بعد ذلك قانونا ينشر في الجريدة الرسمية.

ومع ذلك، يمكن أن لا يقوم رئيس الجمهورية بعملية الإصدار، وانما يلجأ إلى طلب قراءة ثانية من البرلمان، أو إخطار المجلس الدستوري.

- طلب القراءة الثانية: حسب المادة 145 (127 سابقا) من الدستور، يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب من البرلمان إجراء مداولة ثانية حول مشروع القانون في غضون 30 يوما الموالية لإقراره، ويلزم لإقرار القانون موافقة ثلثي (2 /3) أعضاء المجلس الشعبي الوطني، وأعضاء مجلس الأمة.

- إخطار المجلس الدستوري: يمكن لرئيس الجمهورية (إضافة إلى رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني أو الوزير الأول، أو 50 نائبا أو 30 عضوا حسب المادة 187 من الدستور) أن يخطر المجلس الدستوري لمراقبة مدى دستورية القانون، وهذا حسب المادة 187 (165 سابقا) من الدستور،   واذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا غير دستوري، يفقد هذا النص أثره، إبتداء من يوم قرار المجلس طبقا للمادة 191 (المادة 169 سابقا) من الدستور.

وقد أكدت المادة 141 من الدستور (123 سابقا) على وجوب خضوع القوانين العضوية لرقابة المجلس الدستوري قبل صدورها، وهذا بعد أن يخطره رئيس الجمهورية.

2-7/ مرحلة نشر التشريع: ويقصد بالنشر إبلاغ مضمون التشريع إلى كافة الأشخاص في المجتمع، والنشر واجب بالنسبة للتشريع الأساسي والعادي والفرعي، والوسيلة المعتمدة للنشر هي الجريدة الرسمية للدولة، ولا تغني عن هذه الوسيلة طرق الإعلام الأخرى، وفيما يتعلق بميعاد نفاذ التشريع بعد نشره، نجد المادة 04 من القانون المدني الجزائري قد حددت ذلك، حيث جاء فيها: "تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية ابتداء من يوم واحد من نشرها في الجريدة الرسمية.

تكون نافذة المفعول بالجزائر العاصمة بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي الاخرى في نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة الموضوع على الجريدة ".

3/ حلول السلطة التنفيذية محل السلطة التشريعية (التشريع بأوامر): الأصل أن التشريع مخول للسلطة التشريعية في حدود الصلاحيات المخولة بموجب الدستور، وتكلف السلطة التنفيذية بتنفيذه، وهذه القاعدة يقرها مبدأ الفصل بين السلطات.

لكن توجد حالات خاصة تسمح لرئيس الجمهورية أن يحل محل السلطة التشريعية في سن التشريع العادي، وذلك بموجب إصدار أوامر les ordonnances، وهو ما تنص عليه المادة 142 (124 سابقا) من الدستور: "لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في مسائل عاجلة في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو خلال العطل البرلمانية بعد رأي مجلس الدولة، ويعرض رئيس الجمهورية النصوص التي اتخذها على كل غرفة من البرلمان في أول دورة له لتوافق عليا، تعد لاغية الأوامر التي لا يوافق عليها البرلمان.

يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في الحلة الإستثنائية المذكورة في المادة 107 (93 سابقا) من الدستور تتخذ الاوامر في مجلس الوزراء ".

فالأوامر تتعلق بمجال القانون، حيث تنصب على المجالات المخصصة أصلا للسلطة التشريعية حسب المواد 140 و141 (122 و123 سابقا) من الدستور، حيث أن الدستور يخول لرئيس الجمهورية أن يشرع –عوضا عنها- في الحالات الآتية:

- حالة شغور المجلس الشعبي الوطني نتيجة حله مثلا من طرف رئيس الجمهورية بموجب المادة 147 (129 سابقا) من الدستور.

- خلال فترة العطل البرلمانية، حيث أصبح البرلمان يعقد دورة عادية واحدة مدتها 10 أشهر حسب المادة 135 (118 سابقا) من الدستور.

- الحالة الإستثنائية: إذا ما تزايد الخطر على الدولة وأصبح النظام العام مهددا وفقا للمادة 107 من الدستور (93 سابقا).

- حالة عدم مصادقة البرلمان على قانون المالية بعد مرور 75 يوما من إيداعه لديه وفقا للمادة 138 من الدستور (120 سابقا).

حيث تخضع الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية بين دورتي البرلمان وفي حالة الشغور، للرقابة من طرف البرلمان بالموافقة عليها أو عدم الموافقة، وذلك دون الأوامر التي يصدرها في الحالة الإستثنائية.

أمثلة تطبيقية عن الأوامر:

- الأمر رقم 05 /01 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المعدل والمتمم للأمر 70 /86 المؤرخ في 15 ديسمبر 1970 المتضمن قانون الجنسية.

- الأمر رقم 05 /02 المؤرخ في 27 فبراير 2005، المعدل والمتمم للقانون رقم 84 /11 المؤرخ في 09 جوان 1984 المتضمن قانون الأسرة.

- الأمر 06 /03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانوني الأساسي العام للوظيفة العمومية.

الفرع الثالث: التشريع الفرعي أو اللائحي (التنظيم la réglementation):

وهو مجموعة النصوص القانونية التي تختص السلطة التنفيذية أصلا بوضعها في الحدود التي خولها إياها الدستور.

وتتمثل السلطة المختصة بوضع اللوائح في كل من: رئيس الجمهورية، الوزير الأول، الوزراء ،الولاة، رؤساء البلديات، رؤساء المصالح.

أنواع اللوائح (التنظيمات): تنقسم إلى ثلاثة أنواع وهي: اللوائح التنظيمية، اللوائح التنفيذية، لوائح الضبط أو البوليس.

1/ اللوائح التنظيمية les règlement d'organisation : وهي ما تسنه السلطة التنفيذية من تشريعات لتنظيم المصالح والمرافق العامة في الدولة، وهذا الحق منح لرئيس الجمهورية، حيث تنص المادة 143 من الدستور (125 سابقا) على أنه: "يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون"، وفي سبيل ذلك يصدر رئيس الجمهورية المراسيم الرئاسية décrets présidentiels.

 *أمثلة عن اللوائح التنظيمية: المرسوم الرئاسي 15 /247 المؤرخ في 07 أكتوبر 2010 يتضمن تنظيم الصفقات العمومية.

2/ اللوائح التنفيذية: وهي التشريعات التفصيلية التي تضعها السلطة التنفيذية (الحكومة) بغرض تنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية.

ويختص الوزير الاول بإصدار هذه اللوائح بموجب ما يوقعه من مراسيم تنفيذية décrets exécutifs وذلك تطبيقا للمادة 143 /2 من الدستور ( 125 /2 سابقا) التي تنص على أنه:"يندرج تطبيق القوانين في المجال التنظيمي الذي يعود للوزير الأول".

وطالما أن التشريع العادي هو الأصل واللوائح التنفيذية هي الفرع، فلا يجوز لهذه الاخيرة أن تخالف التشريع العادي، حيث لا يجوز أن تتضمن إلغاء أو تعديلا لقاعدة من قواعد التشريع.

3/ لوائح الضبط الإداري أو البوليس: وهي القواعد التي تضعها السلطة التنفيذية للمحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة: الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة.

وحق إصدار هذه اللوائح ممنوح للإدارة المركزية، كما تتمتع به سلطات الإدارة اللامركزية، (القرارات التنظيمية) بموجب قوانين الإدارة المحلية (البلدية والولاية).

*أمثلة عن لوائح الضبط.

- المرسوم الرئاسي 91 /196 المؤرخ في 04 جوان 1991 المتضمن حالة الحصار.

- المرسوم الرئاسي 92 /44 المؤرخ في 09 فيفري 1992 المتضمن إعلان حالة الطوارئ.

- لوائح المرور، اللوائح المتعلقة بالمحال المقلقة للراحة أو الضارة بالصحة العامة.

المطلب الرابع: الرقابة على صحة التشريعات:

للتشريع درجات متفاوتة، ويعتبر التشريع الأساسي أعلاها درجة، والتشريع العادي أوسطها، والتشريع الفرعي أدناها درجة.

ويترتب على ذلك عدم جواز مخالفة التشريع الأدنى للتشريع الأعلى منه درجة، والا سيتم الإمتناع عن تطبيقه.

ويمارس مهمة الرقابة على دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، المجلس الدستوري، وذلك حسب نص المادة 186 من الدستور ( 165 سابقا)، ويسهر المجلس الدستوري على دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح نافذة، أو بقرار بعد نفاذها (186 / 165 سابقا)، على أن يبدي رأيه وجوبا في دستورية القوانين العضوية قبل نفاذها.

حيث أن المجلس الدستوري إذا ارتأى أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري يفقد أثره ابتداء من يوم قرار المجلس حسب المادة 191 من الدستور (169 سابقا).

أما فيما يتعلق بالرقابة على مطابقة اللوائح للتشريع، فيمارسها القضاء الإداري ممثلا في مجلس الدولة عن طريق دعوى الإلغاء في القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية، كما تمارسها المحاكم الإدارية، وذلك فيما يتعلق بقرارات الولاة والمؤسسات العمومية المحلية ذات الطبيعة الإدارية، وكذلك فيما يخص القرارات الصادرة عن رؤساء المجالس الشعبية البلدية وقرارات المؤسسات المستقلة.

*إلغاء التشريع: تنص المادة 02 من القانون المدني الجزائري: "لا يسري القانون إلا على ما يقع في المستقبل ولا يكون له أثر رجعي، ولا يجوز إلغاء قانون إلا بقانون لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء.

وقد يكون الإلغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم ".

صور الإلغاء:

1/ الإلغاء الصريح: وذلك إذا نص المشرع صراحة في قانون لاحق على إلغاء قانون سابق، او بعضا من مواده، كما قد يكون الإلغاء صريحا أيضا بنص التشريع ذاته على أن يعمل به لفترة معينة فيتحقق إلغاء هذا التشريع بفوات المدة المعينة.

2/ الإلغاء الضمني: لا ينص المشرع صراحة في تشريعه اللاحق على إلغاء التشريع السابق، فإذا شرع المشرع حكما معارضا لحكم شرعه سابقا فذلك يدل على أن المشرع قد ألغى الحكم الأول.

وللإلغاء الضمني صورتين:

- صدور تشريع ينظم من جديد نفس الموضوع الذي كان ينظمه التشريع القديم فيعتبر التشريع اللاحق ملغيا للأول. (القانون رقم 91 /10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف، أعاد تنظيم موضوع الذي تضمنته المواد 213-220 من قانون الاسرة).

- وجود تعارض بين التشريع الجديد والتشريع القديم.

 المبحث الثاني: المصادر الرسمية الإحتياطية للقانون:

تتمثل المصادر الرسمية الاحتياطية للقانون الجزائري حسب المادة الأولى من القانون المدني، في كل من: مبادئ الشريعة الإسلامية والعرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، حيث ان القاضي عندما يحكم في نزاع لا يوجد بشأنه حكم في التشريع يلتزم بالتقيد بترتيب هذه المصادر.

المطلب الأول: مبادئ الشريعة الإسلامية:

إذا لم يجد القاضي نصا تشريعيا يبني عليه حكمه في القضية المرفوعة إليه، يرجع في هذه الحالة إلى المصدر الإحتياطي الأول، وهو مبادئ الشريعة الإسلامية حسب المادة الأولى/2 من القانون المدني الجزائري.

ويقصد بالشريعة الإسلامية: ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده من الأحكام على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك بالقرآن الكريم أم بالسنة النبوية.

أما الفقه فهو فهم العلماء للشريعة الإسلامية أي العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، وهو علم مستنبط بالرأي والإجتهاد ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل.

والمصادر الأصلية للشريعة الإسلامية هي: القرآن الكريم، السنة النبوية الشريفة، الإجماع والقياس.

والمقصود بالشريعة الإسلامية حسب المادة الأولى من القانون المدني الجزائري ليس الدين الإسلامي كله، وانما جانب المعاملات فيه، علاقة الفرد بغيره هي التي تمثل المجال المشترك بين الدين والقانون. 

وعليه، فإذا لم يجد القاضي نصا في التشريع، يجب عليه الرجوع إلى المبادئ المقررة في الشريعة الإسلامية، سواء في الأحكام المتعلقة بتكوين الأسرة أي الأحوال الشخصية، أو بالنسبة إلى الأحكام المتعلقة بالأموال أي الأحوال العينية وغيرها.

واضافة إلى كون الشريعة الإسلامية مصدرا رسميا احتياطيا بعد التشريع، فهي تعد مصدرا ماديا للقانون الجزائري، خاصة في أحكام قانون الأسرة، وبعض أحكام القانون المدني. (مثل حوالة الدين، تصرفات المريض مرض الموت، نظرية الظروف الطارئة المأخوذة من نظرية العذر في الشريعة الإسلامية، الطلاق في مرض الموت، الحد الأدنى للصداق، متى يكون الزواج صحيحا، الخطبة على الخطبة (في حالة سكوت المخطوبة عن الخاطب الأول)، أثر العدول عن الخطبة بالنسبة للمهر المدفوع مسبقا، شروط الشهود، أثر الفقد على الزوجة ...).

ويترتب على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا رسميا احتياطيا للقانون الجزائري:

- أن القاضي لا يرجع إليها إلا إذا لم يجد نصا يطبقه على النزاع المعروض عليه.

- القاضي مطالب باستعمال أحكام التقنين (المدني) فيما لم يرد فيه نص بالرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، وليس له أن ينتقل إلى أي مصدر آخر يليها في المرتبة.

- يبحث القاضي عن الحل في أي مذهب من المذاهب دون الإقتصار على أحد منها.

- لا يجوز للقاضي وهو يرجع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية أن يأخذ منها حكما يتعارض مع المبادئ العامة الأساسية التي يقوم عليها التشريع.

- النصوص المستمدة من الشريعة الإسلامية أصبحت قواعد تشريعية تطبق باعتبارها كذلك، لا باعتبارها قواعد دينية، فأصبحت الشريعة بالنسبة إليها مصدرا تاريخيا أو ماديا فحسب يرجع غليها عند التفسير...

المطلب الثاني: العرف Le coutume

الفرع الأول: تعريف العرف

هو اعتياد الناس على إتباع سلوك معين في مسألة معينة، مع استقرار اعتقادهم بإلزامية ذلك السلوك ووجوب الخضوع له.

ويعد العرف أقدم المصادر الرسمية للقاعدة القانونية، ففي المجتمعات البدائية لم يوجد المشرع الذي يضع القواعد القانونية التي تنظم مختلف الروابط الإجتماعية، وانما قامت الأعراف بهذا التنظيم، غير أنه ومع تعقد الروابط الاجتماعية بين الأفراد، تراجع دوره وظهر عجز العرف عن مسايرة الأوضاع الحديثة، لأن نموه بطيء ولا يقوم بتنظيم كل شيء.

الفرع الثاني: مزايا العرف وعيوبه:

مزايا العرف: تتجلى أهم مزاياه في:

- أنه وليد إرادة أفراد المجتمع ويعبر بصدق عما يريده أفراد المجتمع.

- وأنه يلائم أفراد المجتمع.

عيوب العرف:

- أنه بطيء النشأة، وعسير الإثبات والتحديد.

– كما أنه ضيق النطاق، وصعب التغيير.

الفرع الثالث: أركان العرف

من التعريف السابق يتضح أن العرف يقوم على ركنين: ركن مادي وركن معنوي.

1/ الركن المادي élément matériel : يقصد به اعتياد الناس على اتباع سلوك معين وتكراره لفترة طويلة لتنظيم علاقات معينة.

وهذا السلوك ينشأ في الجماعة من غير توجيه السلطة الحاكمة، فالعادة تنشأ نشوءا ذاتيا، تبدأ بسلوك فرد واحد أو أكثر، ثم يتكرر هذا السلوك ويتواتر مما يبعث في القاعدة العرفية استقرارا ويزيد في قوتها.

ولتوافر الركن المادي للعرف يجب أن يتوفر في العادة التي تنشأ نتيجة تكرار السلوك الشروط التالية:

- أن تكون العادة عامة: أي يتم اتباعها بين عدد كبير من الأفراد، حيث لا ينشأ العرف من اتباع فرد واحد.

وليس معنى العمومية أن يتم اتباع السلوك من كل أفراد المجتمع، بل قد يخص منطقة دون أخرى، أو فئة من الأفراد، كأن تكون القاعدة العرفية مطبقة بين التجار أو المزارعين أو الصيادلة أو الأطباء...الخ.

- أن تكون العادة قديمة: أي أن يمضي على اتباعها فترة طويلة، تؤكد تكرارها وتأصلها في نفوس الناس، وليس هناك مقياس زمني لتحديد ذلك، بل أن تحديد هذا الزمن متروك للسلطة التقديرية للقاضي، والذي يقدر ما إذا كانت العادة قد استقرت بحكم القدم أم لا.

- أن تكون العادة ثابتة: أي يكون تكرارها بصفة منتظمة دون تغيير وانقطاع فلا تظهر في وقت وتغيب في وقت آخر "وقد نفت محكمة النقض المصرية في حكمها 6/3/1952 وجود عرف في مصر أن الزوج هو وكيل عن زوجته في معاملاتها المالية لمجرد كونه زوجا ".

- أن لا تكون العادة متعارضة مع النظام العام والآداب العامة، كأن يتعود الناس على أخذ ثأرهم بأنفسهم، فهذه القاعدة لا يسمح اعتبارها عرفا مهما كان عمرها، أو حرمان النساء من الميراث.

2/ الركن المعنوي élément moral: وهو عنصر نفسي داخلي ويتمثل في الشعور والإعتقاد بإلزام السلوك.

والركن المعنوي هو الذي يفرق بين العرف كقاعدة قانونية، وبين العادات الإجتماعية وعادات الحياة كتبادل الزيارات وغيرها

*وعليه فإذا توافر الركنان السابقان وجدت القاعدة العرفية وتصبح قاعدة قانونية ملزمة دون حاجة إلى إجراء آخر (حيث قد تكون قاعدة عرفية آمرة أو مكملة).

مثال عن القواعد العرفية الآمرة: القاعدة التي تقضي في بعض الدول كفرنسا بحمل الزوجة لقب زوجها.

مثال عن القواعد العرفية المكملة: القاعدة التي تقضي باعتبار آثاث المنزل في الأسرة المسلمة ملكا للزوجة.

الفرع الرابع: العرف والعادة الإتفاقية:

يتكون العرف بتوافر عنصريه المادي والمعنوي، فإذا توافرا أصبحت القاعدة العرفية ملزمة قانونا، أما العادة فتتكون من العنصر المادي فقط، حيث تتكرر لكن دون أن يعتقد الناس بإلزامها، بل يظل الإلتزام بها متروكا لإرادة الأفراد في الأخذ بها في مختلف العقود التي تربطهم.

ومن أمثلة العادات الإتفاقية: الإتفاق على تحمل المؤجر ثمن ما يستهلكه المستأجر من مياه، او ما تجري عليه العادة من تحمل المستأجر لهذا الثمن.

الفرع الخامس: إثبات العرف

بما أن العرف مصدر من مصادر القانون حسب المادة الأولى من القانون المدني الجزائري، ألزم القاضي بمعرفته والعمل به، يفترض فيه الإلمام بقواعد العرف، ونظرا لصعوبة معرفة ذلك، عادة ما يستعين القاضي بغيره، وأيضا بالخصوم، فصاحب المصلحة يساعد القاضي من التحقق من وجود العرف وتحديد مضمونه، خاصة إذا تعلق الأمر بالأعراف المهنية والتجارية، وهذا بعد إثبات ركنيه المادي والمعنوي، والقاضي وهو يستعين بغيره للتحقق من وجود العرف، يظل صاحب التقدير النهائي، وهو يخضع في ذلك لرقابة المحكمة العليا.

الفرع السادس: دور العرف بين المصادر الرسمية للقانون

تنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من تقنيننا المدني على أنه:"إذا لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف"، فطبقا لهذا النص فإن المشرع الجزائري يقضي صراحة بوضع التشريع في المرتبة الأولى بين المصادر الرسمية للقانون الجزائري، ومن بعده يأتي كل من مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعد العرف لإكمال ما قد يعتري التشريع من نقص مما يجعلهما مصدرين رسميين تكميليين للمصدر الرسمي الأصلي وهو التشريع.

ولإبراز دور العرف بين المصادر الرسمية للقانون ندرس هنا موضوعين: الأول هو تخلف العرف عن التشريع في المرتبة، والثاني هو تخلف العرف عن مبادئ الشريعة الإسلامية في المرتبة.

1/ تخلف العرف عن التشريع في المرتبة: رأينا فيما مضى أن العرف أسبق من الناحية التاريخية، ومع ذلك فإن التشريع تفوق عليه نظرا لكون العرف بطيئا في إنتاج القواعد القانونية، مما لا يسعف المجتمع الحديث في الاستجابة لحاجات أفراده الدائمة المتجددة بالسرعة الواجبة، ونظرا لمزايا التشريع الواضحة من حيث سرعة وضع قواعده ووضوح مضمونه وسهولة إثباته والعلم به، مما يجعله كفيلا باستقرار المعاملات وحسن التناسق بين قواعده.

ولكن العرف، رغم أنه لم يعد يحتل المرتبة الأولى بين المصادر الرسمية في القانون، فإنه لم يفقد أهميته كمصدر احتياطي إلى جانب التشريع، بل إن وجوده إلى جانبه أمر حتمي نظرا لأن التشريع -وهو عمل إنساني لا يمكن أن يتصف بالكمال– لا يمكن تجنب النقص فيه، وذلك بحكم طبيعة الأشياء التي تجعل إحاطة المشرع بكل شيئ أمرا متعذرا، وبحكم التطور الذي لا يقف عند حد فيؤدي إلى خلق صور من العلاقات لم تخطر على بال المشرع وهو يصوغ قواعد التشريع، لذا فإن العرف يقف إلى جانب التشريع (والشريعة الإسلامية) إذ يليه في المرتبة. وسنتناول هنا بحث المسألتين الآتيتين: نتائج تأخر العرف عن التشريع في المرتبة، ودور العرف بجانب التشريع.

أ/ نتائج تأخر العرف عن التشريع في المرتبة: يترتب على تخلف مرتبة العرف عن مرتبة التشريع في القانون الجزائري أن العرف لا يملك إلغاء التشريع، كما ينبني على ذلك أيضا أن العرف بحسب الأصل، لا يملك مخالفة نص تشريعي آمر وان كان يملك مخالفة نص تشريعي مكمل.

-عدم قدرة العرف على إلغاء نص تشريعي: تنص المادة الثانية من التقنين المدني صراحة على أنه: "لا يجوز إلغاء القانون (التشريع) إلا بقانون لاحق ...". فطبقا لهذا النص فإن العرف لا يملك إلغاء نص تشريعي آمر، سواء وجد هذا النص لحماية المصالح العامة أو لحماية المصالح الخاصة. كذلك لا يستطيع العرف إلغاء نص تشريعي مكمل، لأن العرف أدنى مرتبة من التشريع. وعليه فإن التشريع أيا كان آمرا أو مكملا، لا يلغى إلا بتشريع آخر ،وبالتالي فلا يلغى التشريع بواسطة العرف.

-عدم قدرة العرف على مخالفة نص تشريعي آمر متحد معه في الولاية والإختصاص: لا يملك العرف المدني مثلا مخالفة قاعدة من قواعد التقنين المدني الآمرة، كما لا يستطيع العرف التجاري أن يخالف قاعدة آمرة من قواعد التقنين التجاري لأنهما متحدان في الولاية ومجال الإختصاص، إذ حينئذ يجب تغليب النص الآمر على القاعدة العرفية.

- جواز مخالفة العرف التجاري لنص تشريعي مدني آمر: تعتبر نصوص التقنين المدني مكملة للقانون التجاري لأن القانون المدني هو الشريعة العامة لفروع القانون الخاص، أما القانون التجاري فهو الحكم الخاص في المسائل التجارية، فحيث لا توجد قواعد خاصة لحكم مسألة تجارية ما وجب الرجوع إلى قواعد القانون المدني، أما إذا وجد عرف تجاري في هذه المسألة فقد وجدت قواعد قانونية تجارية، لذا فإن هذه القواعد التجارية –باعتبارها قواعد خاصة- هي التي تطبق في هذا الصدد، ولا تكون هناك حاجة للرجوع إلى القانون المدني، إذ الخاص يقيد العام، ولو كانت القواعد العرفية في القانون التجاري مخالفة لنصوص التقنين المدني ، دون أن يحمل ذلك معنى غلبة العرف التجاري على نصوص التشريع الآمرة بصفة عامة. آية ذلك أنه إذا وجد نص تشريعي آمر في التقنين التجاري فلا يمكن لقاعدة تجارية عرفية أن تخالفه، أي أن العرف التجاري يبقى مقتصرا على الدور الإحتياطي كلما تعلق الأمر بالنطاق الذي يطبق فيه القانون التجاري.

وينبني على ما سبق أن العرف التجاري يملك مخالفة نص مدني آمر، إذ الإختصاص حينئذ ينعقد للعرف التجاري وحده في حكم المسألة التجارية دون النص المدني ولو كان آمرا، إعمالا لقاعدة أن "الخاص يقيد العام". وقد صرح النقنين المدني في بعض نصوصه بتغليب العرف التجاري في مجال المسائل التجارية على النص المدني الآمر، من ذلك مثلا نصه على عدم اتباع الحكم الذي يحضر تعاقد الشخص مع نفسه دو ن ترخيص من الأصيل إذا وجد ما يخالفه من قواعد التجارة، ثم إن نص المادة 449 من التقنين المدني يقضي صراحة بما يلي:"لا تطبق مقتضيات هذا الفصل على الشركات التجارية إلا فيما لا يخالف القوانين التجارية والعرف التجاري ".

- جواز مخالفة العرف للنصوص التشريعية المكملة: لقد وجدت النصوص التشريعية المكملة لتكملة ما نقص من شروط العقد في حالة سكوت المتعاقدين عن تنظيم هذه الشروط، وهي –على خلاف القواعد الآمر- نصوص يجوز للأفراد الإتفاق على استبعادها ومخالفة حكمها. فإذا كان لإرادة المتعاقدين ذلك، فإنه من باب أولى يجوز أن ينشأ عرف مخالف لها، لذا نجد المشرع ينبه المتعاقدين، في كثير من النصوص التشريعية المكملة، إلى عدم سريانها في حالة وجود عرف مخالف لها، من ذلك مثلا ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 387 من تقنيننا المدني من أنه: "يدفع ثمن البيع في مكان تسليم المبيع ما لم يوجد إتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك"، وما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 388 من نفس التقنين من أنه:"يكون ثمن البيع مستحقا في الوقت الذي يقع فيه تسليم المبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بخلاف ذلك "، ففي مثل هاتين الحالتين يؤخذ بالإتفاق إن وجد، فإن لم يوجد تطبق القاعدة العرفية إن وجدت رغم وجود القاعدة التشريعية. هذا مع الإشارة إلى أن الأخذ بالقاعدة العرفية في مثل هاتين الحالتين، رغم مخالفتها للقاعدة التشريعية المكملة، لا يعني أن القاعدة العرفية تلغي القاعدة المكملة، بل إن ذلك يعني فقط استبعاد تطبيق هذه الأخيرة.

ب/ دور العرف بجانب التشريع: يقوم العرف بجانب التشريع بدورين متميزين: مكمل للتشريع ومساعد له.

- العرف المكمل للتشريع: العرف مصدر رسمي إحتياطي للقانون الجزائري، فالقاضي يلجأ إليه إذا أعوزه نص في التشريع أو بعد أن يلجأ إلى مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رسمي إحتياطي ذي أولوية على العرف. فإذا وجد نقص في التشريع، ولم تسد مبادئ الشريعة الإسلامية هذا النقص، تعين على القاضي أن يكمل هذا النقص مستعينا بالعرف.

وقد علقت المذكرة الإيضاحية لمشروع التقنين المدني المصري على دور العرف المكمل للتشريع فقررت ما يلي: "والواقع أن العرف هو المصدر الذي يلي التشريع في المرتبة، فمن الواجب أن يلجأ إليه القاضي مباشرة إذا افتقد النص ... فالعرف هو المصدر الشعبي الأصيل الذي يتصل اتصالا مباشرا بالجماعة، ويعتبر وسيلتها الفطرية لتنظيم تفاصيل المعاملات ومقومات المعايير التي يعجز التشريع عن تناولها بسبب تشبعها أو استعصائها على النص. ولذلك ظل هذا المصدر وسيضل إلى جانب التشريع مصدرا تكميليا خصبا لا يقف إنتاجه عند حدود المعاملات التجارية بل يتناول المعاملات التي تسري في شأنها قواعد القانون المدني وسائر فروع القانون الخاص والعام على السواء"، مع مراعاة أن العرف لا يعتبر مصدرا احتياطيا للقانون الجنائي حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

- العرف المساعد للتشريع: حيث لا يوجد نقص في التشريع، إنما تحيل نصوص التشريع صراحة بخصوص مسألة معينة إلى العرف، ويكون ذلك: إما لتحديد مضمون قاعدة تشريعية، أو للتعرف على نية المتعاقدين، أو لسد ما يوجد من نقص في إرادة المتعاقدين.

أمثلة:

- تنص المادة 488 من القانون المدني الجزائري على ان: "يضمن المؤجر للمستأجر جميع ما يوجد بالعين المؤجرة من عيوب تحول دون الإنتفاع بها أو تنقص من هذا الإنتفاع نقصا محسوسا لكن لا يضمن العيوب التي جرى العرف بالتسامح فيها". فحتى يعرف القاضي ما يجوز التسامح فيه وما لا يجوز فإنه يستعين بالعرف.

- تنص المادة 365 /01 من القانون المدني على أن: "إذا عين في عقد البيع مقدار البيع كان البائع مسؤولا عما ينقص منه بحسب ما يقضى به العرف"، وكذلك ما ورد في المادة 107 /2 من القانون المدني الجزائري.

- تنص المادة 111 من القانون المدني الجزائري على أن: "أما إذا كان هناك محل لتأويل العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عل المعنى الحرفي للألفاظ مع الإستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من امانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجاري في المعاملات". حيث يستعين القاضي بالعرف للبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين. كذلك المادة 65 من القانون المدني.

الفرع السابع: نصيب العرف في فروع القانون المختلفة

- في القانون التجاري: بسبب كثرة العلاقات التجارية وتجددها وتطورها، يلعب العرف دوار رئيسيا في تنظيم أحكام القانون التجاري يتجاوز دوره أي فرع من فروع القانون، ومن الأعراف التجارية: افتراض التضامن بين المدينين، إنذار المدين بخطاب عادي حيث كان عرفا سائدا ثم أصبح منصوصا عليه قانونا.

- في القانون الدستوري: حيث يعود للقاعدة العرفية إيجاد حل للمسائل التي تغفل عنها القواعد الدستورية والعرف دور مهم خاصة إذا كان الدستور عرفيا كما هو الحال في إنجلترا.

ومثاله أيضا: مسألة توزيع السلطات بين الطوائف المختلفة في لبنان بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب.

- في القانون الإداري: يتميز القانون الإداري بأنه قانون غير مقنن وبالتالي فلكل من القضاء والعرف دور مهم في حل مختلف الإشكالات القانونية، والعرف الإداري هو أن تتبع الإدارة سلوكا معينا بصورة متكررة ولمدة طويلة نسبيا على نحو يجعل الإدارة وكذلك الأفراد المتعاملين معها يعتقدون بإلزامية انتهاج مثل هذا السلوك.

- في المجال الجنائي: لا يلعب العرف أي دور (مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات).

المطلب الثالث: مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة Principes du droit naturel et
 règles de l'équité

وتعد المصدر الرسمي الإحتياطي الأخير حيث يطبقها القاضي في حالة عدم وجود نص تشريعي، او في الشريعة الإسلامية أو في العرف.

واحالة القاضي إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة تعني تمكين القاضي من الفصل في النزاع عن طريق الإجتهاد برايه على ضوء هذه المبادئ ، حيث يجتهد للوصول إلى حل يراعي فيه جانب العدالة التي تقتضي الاخذ في الإعتبار كل حالة على حدة.

ويقصد بالقانون الطبيعي القواعد المثلى التي كان يمكن أن توضع لحكم الحالات التي لا يجد القاضي لها حلا في بقية المصادر ، أو هو مجموعة المبادئ التي يكشف عنها العقل الإنساني ويسلم بحاجته إليها لضبط سلوكه بأمثاله في أي مجتمع بشري، أي مجموعة القواعد الازلية الأبدية الكفيلة بتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.

ومن ذلك وجدت فكرة العدالة مقترنة بفكرة القانون الطبيعي، ومن أمثلة الحلول العادلة المستوحاة من مبادئ القانون الطبيعي ما يلي:

- المساواة في الحكم على الوقائع المتساوية وعلى العلاقات المتماثلة بين الأفراد.

- عدم جواز توقيع عقوبتين على نفس الشخص.

- مراعاة الظروف الشخصية التي أدت إلى وجود الحالة التي ينظر فيها القاضي.

فإحالة القاضي إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة يعني تكليفه بالاجتهاد برأيه أي البحث عن الحل العادل للنزاع، حيث يقوم بعمل هو أقرب إلى عمل المشرع.

حيث لا يستطيع أن يمتنع عن الحكم في أي نزاع يعرض عليه بحجة عدم وجود قاعدة قانونية يمكن تطبيقها، إلا عد مرتكبا لجريمة إنكار العدالة (136 من قانون العقوبات)

في هذا الصدد نصت المادة الأولى من قانون الإلتزامات السويسري: "...في حالة عدم وجود نص تشريعي يمكن تطبيقه، فإن القاضي يحكم بمقتضى العرف، فإن لم يوجد عرف فحسب القواعد التي كان سيضعها لو انه كان يقوم بعمل تشريعي".

وقد استندت المحاكم المصرية فيما مضى إلى فكرة القانون الطبيعي وقواعد العدالة لحسم الكثير من النزاعات ومما يذكر في هذا المجال ما صدر عنها من أحكام بشأن حماية الملكية الأدبية والفنية والصناعية كحق المؤلف والمخترع.

المرجع:

  1. د. علال ياسين، مطبوعة بيداغوجية بعنوان: نظرية القانون، محاضرات ألقيت على طلبة السنة الأولى جذع مشترك، جامعة 8 ماي 1945 – قالمة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم القانونية والإدارية، السنة الجامعية 2019/ 2020، ص50 إلى ص77. 
google-playkhamsatmostaqltradent