مصادر ومبادئ القانون الدولي الانساني

مصادر ومبادئ القانون الدولي الانساني

مصادر ومبادئ القانون الدولي الانساني

إذا كان القانون الدولي الإنساني فرع من فروع القانون الدولي العام فان المادة 38/ 1 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية هي تحدد المصادر التي يعتمد عليها (المطلب الأول). 

يقوم القانون الدولي الإنساني على وجوب احترام العديد من القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية التي تم تقنينها بموجب الاتفاقيات الدولية، أو مبادئ أخرى كرسها العرف الدولي (المطلب الثاني)، كما نجد أن الاتفاقيات في القانون الدولي الإنساني تعالج موضوعين رئيسين هما تنظيم القتال وأساليبه وأدواته في إطار مقتضيات الضرورة العسكرية، وحماية ضحايا النزاعات المسلحة، في إطار مقتضيات الاعتبارات الإنسانية (المطلب الثالث).

المطلب الأول: مصادر القانون الدولي الانساني

يتجه أغلب فقهاء القانون الدولي العام عند تحديد مصادر القانون الدولي وفق التحديد الوارد بنص المادة 38/1 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، حيث حددت في أربعة مصادر، المصادر المكتوبة والمتمثلة في الاتفاقيات الدولية (الفرع الأول)، العرف الدولي (الفرع الثاني)، مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة (الفرع الثالث)، أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم (الفرع الرابع).

الفرع الأول: المصادر المكتوبة (الاتفاقيات الدولية)

كانت قواعد القانون الدولي العام – قديما تستند بالدرجة الأولى على العرف الدولي، ولكن مع تطور المجتمع الدولي، وتعقد العلاقات الدولية زادت حاجة الدول إلى اللجوء لإبرام الاتفاقيات الدولية من أجل صياغة قواعد جديدة للقانون الدولي، أو لتقنين القواعد العرفية الدولية، وتحديدها وتطويرها وقد أدى ذلك إلى زيادة عدد الاتفاقيات وتنوعها فأصبحت تحتل اليوم المرتبة الأولى بين أدلة ومصادر القاعدة القانونية الدولية.

تعَرَف الاتفاقية الدولية بأنها اتفاق يعقد كتابة بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام بقصد إحداث أثار قانونية ويخضع لقواعد القانون الدولي العام، سواء تم هذا الاتفاق في وثيقة واحدة أو أكثر، وأيا كانت التسمية التي تطلق عليه، والاتفاقيات الدولية قد تكون ثنائية، أو متعددة الأطراف كما قد تكون إقليمية أو عالمية.

تعالج الاتفاقيات في القانون الدولي الإنساني موضوعين رئيسين هما:

- تنظيم القتال وأساليبه وأدواته في إطار مقتضيات الضرورة العسكرية.

- حماية ضحايا النزاعات المسلحة، في إطار مقتضيات الاعتبارات الإنسانية.

علاوة على ما سبق، يمكن اعتبار الاتفاقيات الدولية في شأن حماية حقوق الانسان وحرياته الأساسية، المطبقة أساسا في زمن السلم، مصدرا للقانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة، على اعتبار أن نسبة كبيرة من النصوص الخاصة بحقوق الإنسان ،يمكن تطبيقها في زمن النزاعات المسلحة.

تشتمل هذه الاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، على مجموعة من الاتفاقيات العالمية والإقليمية المتمثلة في:

أ- مجموعة من الاتفاقيات الدولية العالمية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على النحو التالي:

- اتفاقية منع جريمة ابادة الجنس البشري والمعاقبة عليها لعام 1948.

- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.

- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.

- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.

- اتفاقية قمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لعام 1973.

- اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984.

- اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الانسانية لعام 1968.

- اتفاقية حماية حقوق الطفل لعام 1989.

ب- مجموعة من الاتفاقيات الدولية الإقليمية الصادرة عن المنظمات الدولية الاقليمية على النحو التالي:

- الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان لعام 1950.

- الاتفاقية الأمريكية لحقوق الانسان لعام 1969.

- الميثاق الإفريقي لحقوق الانسان والشعوب لعام 1971.

- الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 1994.

يؤكد الفقه الدولي على أن الطبيعة القانونية لأحكام الاتفاقيات الدولية للقانون الدولي الإنساني تندرج في طائفة القواعد الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (60) من قانون فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 فبعد أن ذكرت امكانية التحلل من الالتزامات التي تتضمنها المعاهدات متعددة الأطراف، في حالة الإخلال أحد الأطراف بمخالفة هذه الالتزامات.

نصت ذات المادة على أنه يستثنى في ذلك النصوص المتعلقة بحماية الشخصية الانسانية في القانون الدولي الإنساني، والجدير بالذكر، أن ذلك يعد الاستثناء الوحيد الذي تم النص عليه من القواعد العامة في قانون المعاهدات، وتم إضافته في المراحل الأخيرة للمؤتمر الدولي المنعقد لذلك الغرض بناءً على اقتراح سويسرا، استنادا إلى رأي الفقيه "فيترا موريس" الذي عبر عنه بلجنة القانون الدولي العام عام 1950 عندما وصف بعض القواعد بأنها مطلقة وموجودة بذاتها لا تعتمد على الأداء المتبادل من قبل أطراف أخرى، من أمثلة القواعد التي ذكرها الفقيه فيترا موريس: اتفاقيات حقوق الانسان والاتفاقيات المتعلقة بتأمين الحياة في البحر وبعض اتفاقيات العمل، كما يتضمن الطابع المطلق للحماية، كذلك من الالتزام الذي تفرضه المادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949، على الدول الأطراف ليس فقط باحترام، بل كذلك بضمان احترام أحكام الاتفاقيات في جميع الأحوال، أي بتحميل كل منها مسؤولية مراقبة العمل على حسن تطبيق الاتفاقيات بواسطة كل الأطراف الآخرين وبغض النظر عما إذا كان هذا التطبيق يمسها مباشرة أم لا ،أو بعبارة أخرى فإن الاتفاقيات قررت مسؤولية جماعية على دائرة الدول الأطراف تجعل كل منها ضمانا متضامنا وكفيلا باحترام أحكامها.

الفرع الثاني: القواعد العرفية

لم ينشأ القانون الدولي الإنساني من فراغ ،بل استمد قواعده من ديانات وثقافات ونظم مختلفة لعبت كلها دوار هاما في بلورة تلك القواعد وتشكيلها، وهكذا يشكل العرف وما يمليه الضمير العام بخصوص سير العمليات الحربية، وما يمكن الحاقه بالعدو من أذى أو بالأشخاص الذين قد يتأثرون بويلات النزاع المسلح مصدرا لا يمكن إنكاره من مصادر القانون الدولي للنزاعات المسلحة.

إذا في هذا الإطار كما هو الحال بالنسبة لأي قانون: "المعروف عرفا كالمشروط شرطا" و"الثابت بالعرف كالثابت بالنص" و "العادة المحكمة"، أي يحتكم إليها ويرتكز عليها، وتبدو أهمية العرف كذلك في أنه عند عدم وجود نص مكتوب، تظل المسألة محكومة بالقواعد العرفية.

يعتبر العرف الدولي مصدرا من مصادر القاعدة القانونية الدولية، وهو مجموعة القواعد القانونية التي وجدت من خلال اعتياد الدول على ممارستها لفترة طويلة مما جعلها مقبولة من الدول، ويترتب على مخالفتها التزام قانوني على المستوى الدولي، كما يشكل خرق هذه القواعد انتهاكا للقانون الدولي يترتب عليه المسؤولية الدولية.

يتضح من هذا التعريف أن العرف الدولي قانون غير مكتوب، ينشأ من التكرار المستمر لأفعال وتصرفات معينة في إطار موضوع معين صادرة من أشخاص القانون الدولي في المجال الذي ينظمه.

يفرق بعض الفقهاء بين العرف والعادة فيذهبون إلى القول أن العرف يتميز عن العادة في أنه يرتب حقوقا والتزامات دولية، في حين أن العادة لا يرتب عليها أي شيء من ذلك، ولكن بتواتر الدول على اتباع العادة والشعور العام بالالتزام بها تصبح عرفا دوليا ملزما متى كانت مقبولة من الدول.

يمكننا القول أن العادة حلقة في تكوين العرف، ولا يشترط في السلوك الدولي الذي يصبح عرفا دوليا أن يكون ايجابيا بل قد يكون سلبيا يستفاد من الامتناع عن القيام بعمل معين وكان من شأن ذلك استنباط قاعدة قانونية معينة.

واذا ما انتقلنا إلى تعريف العرف كمصدر للقواعد القانونية في القانون الدولي الإنساني فقد عرفه بعض الفقهاء الدولي بأنه "مجموعة القواعد القانونية العرفية نشأت من ممارسات الدول أثناء النزاعات المسلحة والتي تتضمن المبادئ العامة الملزمة للدول لتجنب غير المقاتلين والأعيان المدنية الهجمات العسكرية، هذه القواعد دخلت في اطار العرف الدولي بالتكرار وتواتر ممارستها واتباعها من قبل الدول واكتسابها الصفة الالزامية من هذا التكرار، وبالتالي مخالفتها تشكل انتهاكا لمبادئ القانون الدولي العرفي إذا ما كان هذا الانتهاك جريمة، فإنه يرتب المسؤولية الدولية للدول المنتهكة أو أحد أفرادها".

الفرع الثالث: المبادئ العامة للقانون وقرارات المنظمات الدولية

 أدى تطور المجتمع الدولي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي واستقلال العديد من دول العالم، وكذا ظهور العديد من المنظمات الدولية التي لعبت دوار مهما على المستوى الدولي إلى تشعب العلاقات الدولية وتطورها، الأمر الذي كشف بوضوح عن قصور قواعد القانون الدولي العام وعدم مقدرتها على مواكبة هذا التطور، فلم تعد المصادر التقليدية للقانون الدولي المذكورة آنفا تكفي وحدها لسد هذا القصور والنقص، وبالتالي لتسوية النزاعات الدولية التي طرأت على الساحة الدولية، فكان لابد من اللجوء إلى مصادر أخرى، ومن بين هذه المصادر نجد المبادئ العامة للقانون وكذا قرارات المنظمات الدولية. 

أولا : المبادئ العامة للقانون: هي مجموعة المبادئ الأساسية التي تعترف بها وتقرها النظم القانونية الداخلية في الدول المتمدنة، وقد جرت الدول على اعتبار المبادئ العامة للقانون مصدرا من مصادر القانون الدولي التي تلجأ إليها لاستنباط القواعد اللازمة لتسوية النزاعات التي تكون طرفا فيها، أو تنظيم علاقاتها بالدول الأخرى، ولذا يرد النص في اتفاقيات التحكيم مثلا على حق المحكمين –صراحة - في الرجوع إلى المبادئ العامة للقانون للفصل في المنازعات الدولية موضوع التحكيم إذا لم يجدوا في المعاهدات أو العرف ما يعينهم على إصدار الحكم المطلوب، وتمثل هذه المبادئ أحد المصادر الأساسية للقواعد القانونية الدولية، ومن بينها قانون النزاعات المسلحة طبقا للمادة 38/ج من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

ومن أمثلة المبادئ العامة الخاصة بالقانون الدولي الإنساني نجد:

- مبدأ المعاملة الإنسانية.

- مبدأ الضرورة العسكرية.

- مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين.

وتبدو أهمية المبادئ العامة للقانون في تزويد القانون الدولي الإنساني بالأحكام اللازمة لمواجهة الإشكالات الجديدة التي تكشف عنها النزاعات المسلحة سواءا كانت دولية أم غير دولية.

ثانيا: قرارات المنظمات الدولية: استقر الفقه الدولي في الوقت الحالي على أن المنظمات الدولية تساهم في تكوين قواعد القانون الدولي، فقرارات المنظمات الدولية هي كل تعبير من جانب المنظمات الدولية -كما هو محدد في دستورها – عن اتجاه إرادتها الذاتية وما لها من آثار قانونية معينة ومحددة على سبيل الالزام أو التوصية، ولقد ساهمت هذه القرارات بشكل كبير في تطور القانون الدولي الانساني، ويكفي للتدليل في ذلك بما ساهمت به منظمة الأمم المتحدة في تعزيز أحكام القانون الدولي الإنساني من خلال ما تصدره أجهزتها المختلفة من قرارات تتضمن إقرارً لقواعد قانونية دولية، الكثير منها يعد جديدا وأساسا لإلزام الدول بالعمل بموجبه لضمان مواكبة التطورات المتسارعة في الحياة الدولية.

الفرع الرابع: أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم

يمكن أن تشكل آراء كبار فقهاء القانون الدولي الانساني، وكتاباتهم، مصدرا احتياطيا من مصادر القانون الدولي الإنساني، وذلك عن طريق الكشف عن الثغرات والنقائص في الاتفاقيات ذات الصلة، ولفت أنظار الدول اليها، وحثيها على تبنيها في اتفاقيات دولية أخرى، فدراسة الفقهاء لنصوص الاتفاقيات وانتقادها غالبا ما يؤثر على الرأي العام الوطني والدولي.

اختلف الفقه الدولي حول الدور الفقهي لفقهاء القانون الدولي كمصدر احتياطي من مصادر القانون الدولي العام، فقد ذهب البعض الى القول أنه لا ينشئ قواعد دولية وانما يفسر هذه القواعد الدولية الموجودة، مما يعني أنه مصدر كاشف للقاعدة القانونية الدولية وليس منشأً لها.

ذهب غالبية الفقهاء إلى القول بتراجع هذا الدور إلى ما دون المصادر الثانوية كمصدر من مصادر القانون الدولي، إلا أنه ليس من الغريب أن يتبوأ القضاء ومذاهب كبار المؤلفين مكانة ضمن مصادر القانون، وقد نصت المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على أن أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم تعتبر مصدرا احتياطياً لقواعد القانون الدولي، مع مراعاة أحكام المادة (59) من النظام نفسه التي ترى أن لا يكون للحكم قوة الإلزام إلا بالنسبة لمن صدر بينهم وفي خصوص النزاع الذي فصل فيه.            

من أمثلة الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية نجد، ما أكدته في قرارها حول الأعمال العسكرية وشبه العسكرية في دولة نيكارغوا في عام 1986 حول الزامية كل دولة احترام اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 حسب مضمون المادة الأولى المشتركة التي تنص على أن:" تتعهد الأطراف السامية بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال".

من خلال الأحكام الاستشارية لمحكمة العدل الدولية والتي ساهمت في التأكيد على ضرورة احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، سواء كان في قرارها لعام 1996، حول مشروعية استخدام السلاح النووي، أو في قرارها لعام 1986 حول الأعمال العسكرية وشبه العسكرية في دولة نيكارغوا أو غيرها، فهي تكون قد ساهمت في اثراء قواعد القانون الدولي الإنساني، وبالتالي تعتبر اجتهادات محكمة العدل الدولية مصدرا من مصادر القانون الدولي الإنساني.

المطلب الثاني: مبادئ القانون الدولي الإنساني

لم تكن الالتزامات التعاقدية والاتفاقية التي تمثل قواعد القانون الدولي الإنساني لتوجد بهذا الشكل لولا المبادئ والقواعد التي لها منابع روحية ومعنوية، ولقد كانت هذه المبادئ توجد في بعض الأحيان ضمنيا قبل وجود الاتفاقية كتعبير عن عرف دولي، وبناءً على ذلك يمكن القول أن المبادئ وجدت قبل وجود القانون، وأنها تحكم القانون بعد تدوينه، وتشير إليها الاتفاقيات صراحة في الديباجة أو في سياق النص.

تبرز أهمية المبادئ في القانون الدولي الإنساني في أنها الدافع لكل شيء، وتقدم الحل بالاستقراء للحالات غير المتوقعة، وتسهم في سد ثغرات القانون، وتساعد في تطوره مستقبلا بتبيان المسار الذي ينبغي إتباعه في حالة وجود نزاعات أو خلافات، وتنقسم هذه المبادئ إلى مبادئ أساسية وعامة (الفرع الأول)، ومبادئ خاصة بضحايا النزاعات وقانون الحرب (الفرع الثاني).

الفرع الأول: مبادئ القانون الدولي الإنساني الأساسية والعامة

تحكم هذه المبادئ سلوك الأفراد وتنظم العلاقات والمعاملات فيما بينهم، وهي المبادئ التي يستند إليها القانون الدولي العام، وترعاها كافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني، وهي مبادئ عامة للإنسانية، أو هي اعتبارات أساسية للإنسانية. 

يرى "جان بيكتيه" بأنّه هناك ستة مبادئ، ثلاثة منها تتعلق بقانون الحرب وثلاثة أخرى مشتركة بين قانون جنيف وحقوق الإنسان، وتتمثل هذه المبادئ فيما يلي:

أولا: مبدأ المعاملة الإنسانية: يعني هذا المبدأ أنّ كل شخص يجب أن يتلقى معاملة إنسانية كفرد، لا لذاته شخصيا ولا كوسيلة لغرض آخر، أي أنّ الحماية يتلقاها الفرد باعتباره إنسانا فقط، وقد قررت اتفاقيات جنيف ثلاثة واجبات تجاه ضحايا الحرب، وهي احترامهم ،وحمايتهم، ومعاملتهم معاملة إنسانية، وعليه فبمقتضى المعاملة الإنسانية هو توفير الحد اللائق من المتطلبات اللازمة لحياة مقبولة.

ثانيا: مبدأ الحق في الحركة والسلامة الشخصية والبدنية: يعتبر الحق في الحياة من أقدس الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، حيث يجب أن تصان حرمة من يسقط في المعركة ،ويجب المحافظة على حياة من يستسلم من الأعداء، فلا يجوز قتل إلا الجندي القادر على القتل، وبمجرد انتهاء العدوانية يجب أن يتوقف كل عمل عدائي، ويتفرع عن هذا المبدأ مجموعة من المبادئ الأخرى تشمل ما يلي:

1- حظر التعذيب والإهانة والمعاملة اللاإنسانية: من المسلم به أن الإرادة الإنسانية هي إرادة حرة وواعية وأنّ أي محاولة للتأثير على هذه الإرادة هو أمر غير قانوني وغير شرعي.

ولا شك أنّ التعذيب يعد انتهاكا لكرامة الإنسان إذ يرغم على تصرفات أو إقرارات ضد إرادته، بل  وتنزل به إلى مستوى العبيد في العصور القديمة ،وفضلا عن ذلك فإنّ التعذيب يحط من قدر فاعليه أكثر مما يسئ إلى الضحية.

إن القسوة بما تولده من كراهية تؤدي إلى الثأر والانتقام وبالتالي إلى مزيد من العنف، وهكذا يدخل الإنسان في حلقة مفرغة لا مفر له في النهاية منها، ومن أجل القضاء على سوء المعاملة والقسوة الزائدة لا بد من إبطال التعذيب، فالتعذيب إذن لا يوجد ما يبرره سواء كان في الظروف العادية أو الاستثنائية، لأنّ تحريم التعذيب أو المعاملات اللاإنسانية أو المهينة قد جاء مطلقا بغض النظر عن نوع الظروف أو درجة خطورتها.

2- الاعتراف بالحقوق المدنية والشخصية للفرد: يجب أن يعترف للشخص بحق التعاقد وحق التقاضي وغيره من الحقوق الأخرى، إذ أنّه بدون ذلك لا ينعم الإنسان بحريته ولا يشعر بوجودها، وتؤكد الاتفاقيات الدولية على هذا الحق، إلا أنّها تقرر أنّ هذا الحق قد ترد عليه بعض القيود التي تمنع ممارسته، فوقوع الشخص في الأسر تعني أنّ حرية الحركة والعمل غير ممكنة.

3- احترام كرامة الإنسان وممتلكاته ومعتقداته: تعتبر ممتلكات الشخص أمر لصيق بحياته، فالفرد يبذل كل ما لديه من أجل المحافظة هذه الممتلكات، وقد أكدت الاتفاقيات الدولية هذا المبدأ وحظرت النيل أو التعرض للممتلكات الخاصة بأي صورة من الصور سواء بالتدمير أو خلافه، وبالنسبة للمعتقدات الفكرية والدينية والسياسية فإنه أصبح من المسلم به أن الإنسان له الحق المطلق في أن يعتنق أي دين من الديانات أو العكس، والأمر كذلك بالنسبة للعادات.

ثالثا: مبدأ الضرورة الحربية: يطلق عليه أيضا بمبدأ تقييد أطراف النزاع في اختيار أساليب ووسائل القتال، والضرورة الحربية.

عرفها فقهاء القانون الدولي بأنّها "الحالة التي تكون ملحة إلى درجة لا تترك وقتا كافيا من قبل الأطراف المتحاربة لاختيار الوسائل المستخدمة في أعمالها العسكرية الفورية" أو هي الأحوال التي تظهر أثناء الحرب وتفرض حال قيامها ارتكاب أفعال معينة على وجه السرعة بسبب موقف ما وبسبب الظروف الاستثنائية الناشئة لحظتها، وهذا يعني أنّه ليس لأطراف النزاع أو أفراد القوات المسلحة حق مطلق في اختيار طرق وأساليب الحرب ويحظر استخدام الأسلحة أو أساليب الحرب التي من شأنها إحداث خسائر وآلام لا مبرر لها أو معاناة مفرطة، واتفق الفقه والقضاء الدوليين على أن الضرورة العسكرية محكومة ومقيدة بعدة شروط قانونية وهي:

1- ارتباط هذه الحالة بسير العمليات الحربية خلال مراحل القتال بين المتحاربين أو لحظة الاشتباك المسلح، ولذلك لا يمكن الادعاء بتوفر الضرورة الحربية أثناء توقف القتال.

2- الطبيعة المؤقتة للضرورة الحربية وغير الدائمة وهي بالنظر لطابعها الاستثنائي ليس أكثر من حالة واقعية تبدأ ببداية الفعل وتنتهي بانتهائه، فإذا ما كان مبرر الضرورة استهداف منشأة مدنية يجري إطلاق النار منها، تزول هذه الضرورة بانتهاء إطلاق النار ولا يجوز استهدافها لاحقا.

3- ألا تكون الإجراءات المستخدمة لتنفيذ حالة الضرورة محظورة بموجب أحكام وقواعد القانون الدولي كالتذرع باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، أو قصف وابادة السكان المدنيين أو عمليات الثأر والاقتصاص من المدنيين وممتلكاتهم.

4- ألا يكون أمام القوات المتحاربة في حالة الضرورة أي خيار بتحديد طبيعة ونوع الوسائل سوى التي استخدمت بالفعل حال قيام وتوافر الضرورة الحربية والتي تسمح باستخدام وسائل متفاوتة الضرر، فعلى سبيل المثال، إذا كان مجال للقوات المتحاربة لاستخدام وسيلة الاستيلاء والمصادرة للممتلكات كإجراء بديل عن التدمير، وجب على القوات المتحاربة العزوف عن التدمير واللجوء إلى الحالات الأخرى.

نصت أحكام القانون الدولي وقواعد القانون الدولي الإنساني الخروج عن بعض أحكام ومبادئ حالة الضرورة الحربية ولم يأت ذلك مطلقا بل قيد بمبدأ التناسب الذي يتم تناوله لاحقا، وبمبدأ تقييد وضبط وسائل إلحاق الضرر بالخصم والذي نصت عليه المادة (22) من لائحة لاهاي حيث ذكرت بأنّه "ليس للمتحاربين الحق المطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو"، وكذلك نصت المادة (35) من بروتوكول جنيف الأول "أنّ حق أطراف أي نزاع مسلح في اختيار وسائل القتال ليس حقا لا تقيده قيود"، وبالتالي يتعين على الأطراف المتحاربة أن تأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن تتماشى الوسائل التي قد تستخدمها مع ما هو جائز ومسموح لها باستخدامه وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني. 

رابعا: مبدأ الأمن: مفاد هذا المبدأ أنّه لا يجوز معاقبة شخص على عمل لم يرتكبه، كما تمنع أعمال الانتقام والعقوبات الجماعية وأخذ الرهائن، ومن أعمال الانتقام التي تتخذها الدول أعمال القمع التي تمارسها دولة ضد خصم لها ردا على أفعال غير قانونية ارتكبها ذلك الخصم، وذلك كوسيلة وحيدة للإكراه في زمن الحرب لإجبار الخصم على احترام التزاماته، وهذا معارض للمبدأ القانوني الذي يقضي بألا يعاقب البريء بالنيابة عن المخطئ.

يستند تنفيذ هذا المبدأ إلى أربعة مبادئ للتطبيق على وجه الخصوص، والمتمثلة في منع مساءلة شخص عن تصرف لم يقم به، ومنع الانتقام والعقوبات الجماعية وأخذ الرهائن والنفي، وحق كل شخص من الاستفادة من الضمانات القضائية المعروفة لدى الشعـوب، كمـا لا يمكـن لأي أحد أن يرفـض القـوانين التي وضعتها المعاهدات الإنسانية.

علاوة على ذلك فإنّ الانتقام يسبب الكثير من المعاناة ولا يحقق أغراضه في جميع الحالات تقريبا، ومهما يكن من أمر فإن أعمال الانتقام ضد الأفرد الذين تحميهم اتفاقيات جنيف محظورة تماما، وهذا الحظر يتفق مع الاتجاه الحديث في القانون الدولي والذي يحد تدريجيا من مبدأ السيادة، حيث تنص المادة (34) من اتفاقية جنيف الرابعة على أنّ "أخذ الرهائن محظور" وهو التزام يقع على عاتق جميع الدول.

ينصرف مدلول مبدأ الأمن أيضا إلى أنّه لا يجوز أن يتعرض شخص للقبض عليه أو اعتقاله تعسفيا، ولا يعتبر الشخص مذنبا إلا على أساس قانوني وبموجب حكم صادر من محكمة مشكلة بطريقة عادية وتتوافر فيها شروط عدم التمييز، ولا يطبق قانون العقوبات بأثر رجعي، وأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، وأن كل متهم بجريمة يجب أن يزود بالمساعدة في الدفاع عن نفسه، وله أن يطلب الاستماع إلى شهوده.

يندرج في إطار هذا المبدأ أيضا أنه لا يجوز للإنسان أن يتنازل عن الحقوق التي تخولها له الاتفاقيات الإنسانية، ويأتي ذلك من منطلق منع بعض الممارسات التي كانت سائدة على نطاق واسع في الحرب العالمية الثانية، حيث كانت هذه الممارسات تمنح الأشخاص المحميين مراكز أفضل في الظاهر بينما تحرمهم في الواقع من مزايا الاتفاقيات.

خامسا: مبدأ التناسب: يسعى مبدأ التناسب لإقامة التوازن بين مصلحتين متعارضتين ،تتمثل الأولى فيما تمليه الضرورة العسكرية "الضرورة الحربية"، بينما تتمثل الثانية فيما تمليه مقتضيات الإنسانية حينما لا تكون هناك حقوق أو محظورات مطلقة، لذلك صيغ البروتوكولان الإضافيان لعام 1977، لتعزيز كفالة احترام مبدأ التناسب في جميع العمليات العسكرية منعا لمعاناة المدنيين التي لا ضرورة لها، ويتطلب ذلك من كل المعنيين اتخاذ كافة الاحتياطات الضرورية والممكنة عند اختيار وسائل وأساليب الحرب، لمنع إلحاق خسائر بالمدنيين أو إلحاق الأذى بهم أو الإضرار بالممتلكات المدنية بشكل عرضي.

يقتضي مبدأ التناسب أن تتلاءم أعمال القصف والتدمير والتخريب للممتلكات الخاصة أو العامة الجاري تنفيذها مع الهدف من العمليات العسكرية وفقا لمبدأ الضرورة الحربية، وبالتالي لا يجوز للاحتلال حتى في ظل قيام وتوافر مبررات الضرورة أن يتعسف في استخدام هذا الحق، أو أن يمس باحتياجات السكان ويحظر حركتهم أو يؤثر على بقاء استقرارهم في الأراضي التي يقيمون عليها، ومن أمثلة ذلك بناء جدار الفصل في فلسطين ،وقصف المناطق المحاذية للمستوطنات، أو سياسة هدم وتدمير المنازل الفلسطينية بحجة الدواعي الأمنية، مما يؤدي إلى وضع المدنيين الفلسطينيين في ظروف إنسانية صعبة خلافا للحماية المقرر في القانون الدولي الإنساني بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.

سادسا: مبدأ عدم التمييز: بمقتضى هذا المبدأ يحظر على الدولة التي تعد طرفا في النزاع، أو من يقومون بتقديم الخدمات لضحايا النزاعات المسلحة، أن يفرقوا بين الأشخاص على أساس اللون، أو العرق، أو الجنس، أو الثروة، أو الدين، ونحوه، ولا يمكن التمييز في المعاملة بين ضحايا النزاعات المسلحة مهما كانت طبيعة هذه النزاعات، وهذا ما أكدت علية المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949.

أما مسألة الاهتمام برعاية الأطفال، والنساء، والعجزة المسنين، فمرجع هذه الرعاية هي الظروف الخاصة بهم، وهذا لا يخل بمبدأ المساواة.

الفرع الثاني: مبادئ القانون الدولي الإنساني الخاصة

يوجب القانون الدولي الإنساني احترام الأشخاص المدنيين الذين لا يشاركون في النزاع المسلح وتفرض حمايتهم ومعاملتهم بشكل إنساني، وفي هذا الصدد ينص البروتوكولان الملحقان باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1977 على وجوب الاعتماد على المبادئ والقواعد التالية:

أولا: مبدأ التمييز: يعتبر مبدأ التمييز حجر الأساس في البروتوكولين الإضافيين، ويتطلب هذا المبدأ من أطراف النزاع المسلح التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومراعاة هذا المبدأ لا غنى عنه لكفالة حماية المدنيين، حيث يحظر البروتوكولان القيام بما يلي:

- لا يجوز أن يكون السكان المدنيين هدفا للهجوم.

- تظاهر المقاتلين بمظهر المدنيين.

- الهجمات العشوائية.

- ارتكاب أعمال الخطف الرامية أساسا إلى بث الذعر بين السكان وتهديدهم.

- تدمير الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين.

- الهجوم على دور العبادة وتدمير الآثار.

إذن يتعين على أطراف النزاع بمقتضى هذا المبدأ التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين بهدف الحفاظ على السكان المدنيين وعلى الممتلكات المدنية، ولا يجوز أن يتعرض السكان المدنيون للهجوم لا جماعة ولا أفرادا.

ثانيا: مبدأ الحماية: يجب أن توجه الهجمات ضد الأهداف العسكرية، ويكون للأشخاص الذين لا يشاركون أو لم يعد بإمكانهم المشاركة في العمليات العدائية الحق في أن تحترم حياتهم وسلامتهم البدنية والعقلية، ويجب أن يحمى هؤلاء الأشخاص ويعاملوا في جميع الأحوال معاملة إنسانية وبدون أي تمييز مجحف، ويفرض هذا المبدأ على الدولة ضمان الحماية الدولية والوطنية للأشخاص الذين يسقطـون تحـت سلـطتها، كما يحظر قتل أو جرح عدو يستسلم أو يصبح عاجزا عن المشاركة في القتال.

ثالثا: مبدأ الحياد: يعني هذا المبدأ أنّه لا يجوز اعتبار المساعدات الإنسانية بأي حال من الأحوال تدخلا في النزاع، فأفراد الخدمات الطبية، والهلال الأحمر والصليب الأحمر الدوليين يجب أن يمتنعوا عن التدخل في العمليات العسكرية ويعود ذلك إلى كونهم محايدين وتقتصر مهمتهم في تقديم المساعدة في علاج الجرحى والمرضى، ومن ثم فيجب ألا يتجاوز دورهم هذا القدر.

إذا كانت اتفاقيات جنيف تبيح لهؤلاء الأفراد حمل السلاح فإن هذا يكون بمناسبة حفظ النظام والدفاع عن أنفسهم ولحماية الجرحى من أعمال الانتقام، ويلاحظ أن اتفاقيات جنيف الأربعة لم تمنح هذه الحماية أو الحصانة لأفراد الخدمات الطبية لذاتهم، وانّما بسبب كونهم معالجين للجرحى.

ما يبرر تقرير هذا المبدأ هو ما حدث خلال العديد من النزاعات المسلحة مما أدى بإحداث أضرار مادية ومعنوية أصابت أفراد الخدمات الطبية أثناء أداء مهامهم في الاعتناء بالمرضى والجرحى، وهذه الأفعال تتعارض مع مبدا الحياد في القانون الدولي الإنساني. 

إعمالا لمبدأ الحياد فإن اتفاقية جنيف الرابعة سنة 1949 تحظر مهاجمة المستشفيات المدنية تماما مثل حظر مستشفيات الميدان، ولا يؤثر في وجود هذه الحماية وجود جرحى أو مرضى من الأسرى داخل هذه المستشفيات، كما يجب عل الدول المتنازعة أن تسمح بمرور المستلزمات الطبية والتوريدات التي تتطلبها هيئات الخدمات الطبية، كما يحظر على الدول مهاجمة عربات الإسعاف المدنية، وطائرات الإسعاف التي تحمل شارة الهلال والصليب الأحمرين.   

هناك قواعد أساسية ثابتة في القانون الدولي الإنساني لا يمكن أن تكون مجهولة ويلزم اتباعها والتقيد بها، تتمثل فيما يلي:

- يجب أن يجمع الجرحى والمرضى وأن تقدم لهم العناية من جانب طرف النزاع الذي يخضعون لسلطته، وينبغي الحفاظ على أفراد الخدمات الطبية وعلى المؤسسات الطبية ووسائل النقل الطبي والمعدات الطبية.

- تمثل شارة الصليب الأحمر والهلال الأحمر على أرضية بيضاء العلامة المميزة التي تشير إلى وجوب احترام من يحملها من أشخاص أو مباني أو عربات.

- الحق للمقاتلين والمدنيين الذين يقبض عليهم ويقعون تحت سلطة الطرف الخصم في أن تحترم حياتهم وكرامتهم وحقوقهم الشخصية وآراؤهم ومعتقداتهم الدينية، ويتوجب حمايتهم من كل أعمال العنف أو الأعمال الانتقامية، ومن حقهم تبادل الأخبار مع أسرهم وتسلم المساعدات، ويجب أن يتمتعوا بالضمانات القضائية الأساسية.

المطلب الثالث: الموضوعات المتناولة في الاتفاقيات الدولية المعنية بالقانون الدولي الإنساني

حين دراسة هذا الموضوع نجد أن هناك موضوعين تناولتها هذه الاتفاقيات والمتمثلة في الاتفاقيات المنظمة للقتال وأساليبه وأدواته (الفرع الأول)، الاتفاقيات المنظمة لحماية ضحايا النزاعات المسلحة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الاتفاقيات المنظمة للقتال وأساليبه وأدواته

تتمثل الاتفاقيات المنظمة للقتال وأساليبه وأدواته فيما يلي:

1- تصريح باريس الصادر 16 أبريل لعام 1856 في شأن الحرب البحرية.

2- تصريح سان بيترسبوغ الصادر في 11 ديسمبر لعام 1868 في شأن استخدام الرصاص المتفجر الذي يقل وزنه عن 400 غرام.

3- اتفاقية واشنطن المبرمة في 8 ماي لعام 1871 في شأن الالتزامات الدولية للدول المحايدة.

4- تصريح بروكسل الصادر في 27 أوت 1874 في شأن التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين.

5- الاتفاقيات الدولية التي تمخضت عن مؤتمر لاهاي الأول للسلام المنعقد في عام 1899، والتي تأتي في مقدمتها الاتفاقية الخاصة بقواعد وأعراف الحرب البرية، والاتفاقية الخاصة بانطباق أحكام اتفاقية جنيف لعام 1864 في مواجهة الحرب البحرية، والتصريح الخاص بحظر استخدام المقذوفات التي تنتشر منها الغازات الخانقة، والاتفاقية الصادرة في 29 جوان 1899 في شأن حظر استعمال الرصاص المقابل للانتشار أو التمدد في جسم الإنسان بسهولة مثال الرصاص ذي الغشاء الصلب الخفيف القاطع.

6- الاتفاقية الدولية التي تمخضت عن مؤتمر لاهاي الثاني للسلام المنعقد في عام 1907، والتي تأتي في مقدمتها الاتفاقية الثالثة الخاصة بقواعد بدء الحرب، والاتفاقية الرابعة الخاصة بقواعد وأعراف الحرب البرية، الاتفاقية الخامسة الخاصة بحقوق والتزامات الدول المحايدة في الحرب البرية، وأخيرا الاتفاقيات السبع في شأن الحرب البرية. 

7- تصريح لندن الصادر في 26 فبراير لعام 1909 في شأن الحرب البحرية.

8- اتفاقية واشنطن المبرمة في 6 فبراير لعام 1922 في شأن حرب الغواصات وحرب الغازات.

9- مشروع اتفاقية لاهاي لعام 1923 بشأن الحرب الجوية الذي لم يدخل حيز النفاذ.

10- بروتوكول جنيف الصادر في 17 جويلية لعام 1925 في شأن خطر استعمال الغازات الخانقة والسامة وغيرها من الغازات والمواد المماثلة، وقد ألحق الحظر بموجب هذا البروتوكول كافة استخدامات الأسلحة البيكتولوجية والكيميائية أثناء الحرب.

11- اتفاقية لندن المبرمة في 22 أفريل 1930 في شأن الحرب البحرية.

12- بروتوكول لندن الصادر في 6 نوفمبر 1936 في شأن حرب الغواصات.

13- اتفاقية حظر استحداث وانتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية الموقعة في كل من لندن وموسكو وواشنطن في أبريل لعام 1972 ويلاحظ أن هذه الاتفاقية تحظر مجرد حيازة هذه الأسلحة.

إذا كانت هذه الاتفاقية السابقة، قد أسهمت في تطور القانون الدولي الإنساني إلا أنه يلاحظ أن أحكامها ليست ملائمة بصورة كاملة للتطورات الجديدة في الأسلحة، لذلك اتجهت منظمة الأمم المتحدة في أوائل السبعينات إلى دفع الجهود الرامية إلى منع وتقييد استعمال اسلحة تقليدية معينة هي ما يسمى "بالأسلحة غير الإنسانية " بالنظر إلى الآثار التي تحدثها والحروق الناجمة عنها، ومدى انتشارها جغرافيا، ومدى التحكم فيها.

قررت الجمعية للأمم المتحدة في عام 1973 توسيع نطاق النظر في هذه المسألة ليشتمل على جميع الأسلحة التقليدية الاخرى التي تعتبر من الأسلحة التي تسبب الآلام بلا داع أو التي تكون لها أثار تؤدي بدون تمييز، والسعي إلى الوصول إلى اتفاق دولي في هذا الشأن، وقد بات واضحا من خلال تقارير الخبراء، والمؤتمرات المعنية، أن مسألة حظر أو تقييد استعمال أسلحة معنية يرتبط ارتباطا وثيقا بالاعتبارات العسكرية وعلى هذا الأساس قررت الجمعية العامة بموجب قرارها رقم 32/ 153 لعام 1977 عقد مؤتمر الأمم المتحدة في شأن أسلحة تقليدية يمكن اعتبارها مفرطة الضرر، اقتناعا منها بأنه يمكن التخفيف بدرجة كبيرة من الآلام التي يتعرض لها السكان المدنيون والمقاتلون إذا أمكن التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن، وفي سبتمبر 1979 عقد اول مؤتمر دولي كبير بشأن حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة منذ مؤتمرات لاهاي.

14- وفي العاشر من أكتوبر 1980 اعتمد هذا المؤتمر بالإجماع اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر، وقد تم التوقيع على الاتفاقية في 10 أفريل 1984 وأصبحت نافذة في 02 ديسمبر 1983. 

ألحق بالاتفاقية أربعة بروتوكولات ثلاثة منها منذ البداية والرابع والأخير في أكتوبر لعام 1995.

- البروتوكول الأول: وهو خاص بحظر الشظايا التي لا يمكن الكشف عنها بالأشعة السينية

- البروتوكول الثاني: خاص بحظر أو تقييد استعمال الألغام.

- البروتوكول الثالث: خاص بحظر أو تقييد استعمال الأسلحة المحرقة.

- البروتوكول الرابع: خاص بحظر أو تقييد لاستخدام اسلحة الليزر المسببة للعمى في النزاعات المسلحة والذي صدر في فينا في 13 أكتوبر لعام 1995.

15- الاتفاقية المبرمة في عام 1993 في شأن تحريم الأسلحة الكيميائية والتي دخلت حيز النفاذ في  29 أبريل لعام 1998 .

16- الاتفاقية المبرمة في عام 1976 في شأن حظر التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية.

17- اتفاقية أوتاوا في ديسمبر 1997 في شأن حظر واستعمال وتخزين وانتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام.

الفرع الثاني: الاتفاقيات المنظمة لحماية ضحايا النازعات المسلحة

إن الاتفاقيات الرامية إلى تنظيم القتال وتنظيم أدواته وأساليبه، تكمل تلك الاتفاقيات الرامية إلى حماية ضحايا النزاعات المسلحة، فكلها تحقق في النهاية مبدأ الانسانية، وفيما يلي أهم الاتفاقيات الدولية المبرمة من أجل حماية ضحايا النزاعات المسلحة.

1-اتفاقية جنيف المبرمة في 22 أغسطس 1864 في شأن حماية جرحى الحروب البرية، تعد بمثابة أول اتفاقية دولية تبرم في محال القانون الدولي الإنساني.

2- اتفاقية لاهاي الثالثة المبرمة في 12 يوليو 1899 والتي أدخلت تعديلات على اتفاقية عام 1864 لتطبيقها على الحرب البحرية.

3- اتفاقية جنيف المبرمة في 6 يوليو 1906 في شأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان، وهي تعد تطويرا لاتفاقية جنيف لعام 1864.

4- اتفاقية لاهاي الرابعة المبرمة في 18 أكتوبر 1907 في شأن التمتع بمركز أسير الحرب.

5- اتفاقية جنيف المبرمة في 27 جوان 1929 في شأن حماية جرحى ومرضى القوات المسلحة في الحروب البرية، والتي قامت بتطوير اتفاقية جنيف لعام 1906.

6-اتفاقية جنيف الثانية المبرمة في 27 يوليو 1929 في شأن معاملة أسرى الحرب وهي تحسين لأوضاع اتفاقية عام 1907 والمبرمة في لاهاي.

7- اتفاقية واشنطن المبرمة في 15 أبريل 1935 والخاصة بكفالة الحماية الدولية في زمن الحرب المرافق ذات الطابع التاريخي أو العلمي أو الفني.

8- اتفاقية لندن المبرمة في 8 أوت 1945 في شأن مجرمي الحرب.

9- اتفاقية الأمم المتحدة المبرمة في ديسمبر 1948 والخاصة بمكافحة ابادة الجنس البشري.

10- اتفاقية جنيف الأربع المبرمة في 12 أوت 1949 على النحو التالي:

- الاتفاقية الأولى: في شأن تحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة بالميدان

- الاتفاقية الثانية: في شأن تحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى للقوات المسلحة في البحار 

- الاتفاقية الثالثة: في شأن أسرى الحرب

- الاتفاقية الرابعة: في شأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.

ولما كشفت النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وبعد صدور ميثاق الأمم المتحدة عند التطور التكنولوجي من وسائل قتال مستحدثة ووسائل نقل القوة العسكرية بالطائرات واستخدام الصواريخ العابرة للقارات عن النقص في اتفاقيات جنيف لعام 1949، وحتى يمكن حماية ضحايا النزاعات المسلحة، تم عقد مؤتمر دبلوماسي في جنيف أسفر عن إبرام بروتوكولين مكملين لأحكام اتفاقيات جنيف الأربع:

- البروتوكول الأول لعام 1977 يتعلق بضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.

- البروتوكول الثاني لعام 1977 الخاص بضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.

- البروتوكول الثالث لعام 2005 الخاص باعتماد شارة مميزة إضافية.  

المرجع:

  1. د. لونيسي علي، محاضرات في مادة القانون الدولي الإنساني، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثالثة ليسانس، تخصص قانون عام، جامعة أكلي محند ولحاج -البويرة- كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية 2019/2020، ص37 إلى ص57. 
google-playkhamsatmostaqltradent