الإطار المفاهيمي والقانوني للجريمة الدولية

الإطار المفاهيمي والقانوني للجريمة الدولية

الإطار المفاهيمي والقانوني للجريمة الدولية

أثار موضوع تعريف الجريمة الدولية جدلا كبيرا بين الفقهاء، كما تعددت تعريفاتها فمنهم من عرفها على أنها كل سلوك محظور يقع تحت طائلة الجزاء الجنائي الذي يطبق وينفذ باسم المجتمع الدولي، كما عُرفت بأنها كل فعل يخالف القانون الدولي كونه يضر بالمصالح التي يحميها هذا القانون في نطاق العلاقات الدولية ويوصف بأنه عمل جنائي يستوجب تطبيق العقاب على فاعله.

استقر العرف وأكدت التجارب الدولية على جملة من الحقائق أعطت للجريمة الدولية بعض الخصائص الذاتية والقانونية التي تميزها عن الجريمة المحلية، من هذه الخصائص خطورة الجريمة الدولية وجسامتها، جواز التسليم في الجرائم الدولية...الخ (المبحث الأول).

تتشابه الجريمة الدولية مع الكثير من أنواع الجرائم الأخرى، لأن الجريمة الدولية حديثة العهد بالتعريف، لذلك يحدث الكثير من الخلط بينها وبين جرائم من الممكن أن تتشابه معها ومن أهم هذه الجرائم الجريمة السياسية والجريمة العالمية، علاوة على ذلك الجريمة المحلية لأن أول ما نسمع كلمة الجريمة نميل إلى التفكير بالجرائم التقليدية، بيد أنه تغير مفهوم الجريمة من منظورها العادي ليتجسد وتتعدى آثارها الحدود وتصطبغ بصبغة دولية، حيث تنفرد الجريمة الدولية بالركن الدولي عن غيرها من الجرائم العادية التي تجرمها القوانين المحلية، وتشترك معها في الأركان الثلاثة الأخرى والمتمثلة في الركن المادي والمعنوي والشرعي (المبحث الثاني).                                                      

المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للجريمة الدولية

تعتبر الجريمة الدولية فعل أو امتناع ارادي غير مشروع، يصدر عن صاحبه بالمخالفة لأحكام القانون الدولي بقصد المساس بمصلحة دولية يكون الاعتداء عليها جديرا بالجزاء الجنائي، وليس كل فعل تتوافر فيه هذه الصفات يُعد جريمة دولية ،فالمصلحة الدولية المعتدى عليها يجب ان كون مصلحه جوهرية بل  وأساسية ومؤثرة في استمرار المجتمع الدولي وفى أمنه وسلامته (المطلب الأول).

يمكن استنباط من مجمل التعاريف التي أعطيت للجريمة الدولية عدة خصائص تتميز بها هذه الجريمة، منها أنها ذات جسامة وخطورة خاصة، وأنها مخالفة لقواعد وأحكام القانون الدولي (المطلب الثاني). 

المطلب الأول: تعريف الجريمة الدولية

ان الجريمة الدولية، هي سلوك إنساني يجرمه القانون ويقرر له عقوبة، لما يترتب عليه من تهديد أو اعتداء على المصلحة محل الحماية الجنائية، غير أن القانون الدولي -العرفي المنشأ- لا توجد فيه قاعدة قانونية  تُعرفُ الجريمة الدولية، بل تُرك ذلك للفقه الدولي الذي بدوره اختلف في تحديد مفهومها، حيث انقسم إلى ثلاثة اتجاهات أساسية أولها المدرسة الشكلية (الفرع الأول)، وثانيهما المدرسة الموضوعية (الفرع الثاني)، وثالثهما يجمع بين المدرستين ويسمى بالاتجاه التكميلي (الفرع الثالث).

الفرع الأول: تعريف الجريمة الدولية حسب المدرسة الشكلية

تهتم المدرسة الشكلية في تعريفها للجريمة الدولية على التناقض والتعارض الذي ينشأ بين السلوك الإنساني والقاعدة القانونية، أي إبراز العلاقة الشكلية بين الواقعة المرتكبة وبين نص التجريم، دون الاهتمام بجوهر الجريمة، باعتبارها واقعة تنطوي على اضرار بمصلحة معينة.                                                        

نجد من أنصار هذه المدرسة الفقيه الروماني "بيلا"، حيث عرف الجريمة الدولية بانها: (كل فعل غير مشروع، وينفذ جزاءه الجنائي باسم المجتمع الدولي).

يشترط هذا الفقيه لأن يكون الفعل غير مشروع جريمة دولية، أن يكون مُجرما من قبل المجتمع الدولي قبل ارتكابه، وأن تطبق عليه العقوبة، وتنفذ باسم المجتمع الدولي.

حصر الجرائم الدولية في تلك التي يرتكبها الأفراد بوصفهم أعضاء دولة ضد أشخاص القانون الدولي من الدول فقط، ويؤيد موقفه استنادا لتعريفه للقانون الدولي الجنائي، إذ عرفه بأنه (مجموعة القواعد الموضوعية والشكلية التي تنظم أعمال القمع المتخذة ضد الأفعال التي تقترفها دولة أو مجموعة دول أو أفراد والتي يكون من شأنها تعكير النظام العام الدولي والانسجام القائم بين الشعوب).

ذكر الفقيه "بيلا" في المذكرة التي قدمها لأمانة منظمة الأمم المتحدة 39/4،CN/A، وعند تناوله مصطلح الجرائم ضد أمن وسلم البشرية، بأنه من غير المعقول أن يشمل هذا المصطلح كل الجرائم الدولية، وعقد مقارنة موجزة بين القانون الجنائي الوطني والقانون الجنائي الدولي قائلا: (أنه من أجل حماية الفرد، يعاقب القانون الجنائي الوطني الجرائم المخلة بأمن الفرد وسلامته، ومن أجل حماية مصالح المجتمع الدولي فإن القانون الدولي الجنائي يعاقب على كل الأفعال التي تعرض العلاقات السلمية بين الدول للخطر).

أُنتقد هذا التعريف بأنه تعريف لما يجب أن تكون عليه الجريمة الدولية، وضرورة وجود محكمة جنائية دولية مختصة ودائمة حتى تطبق العقوبة، وان تعذر وجودها فإن كثيرا من الأفعال ستخرج من نطاق التجريم رغم ضررها بالمجتمع الدولي ،لكن هذا النقد صار غير مقبول، وهذا بعد انشاء المحكمة الجنائية والدولية ودخول نظامها الأساسي حيز النفاذ بتاريخ 1 جويلية 2002.

الفرع الثاني: تعريف الجريمة الدولية حسب المدرسة الموضوعية

ركزت المدرسة الموضوعية في تعريفها للجريمة الدولية على جوهر الجريمة باعتبارها واقعة ضارة بمصالح المجتمع الدولي الأساسية، ومن أنصار هذا الاتجاه نجد كل من الفقهاء "سالدانا"، "سبيربولوس"، "رمسيس بهنام".

يعرف "سالدانا" الجريمة الدولية بقوله أنها: (ذلك السلوك الضار بأكثر من دولة، كجريمة تزييف العملة التي قد يدبر لها في دولة، وتنفذ في دولة أخرى وتوزع في دولة ثالثة).

يعرفها الفقيه "سبيربولوس" بقوله (أنها كل مخالفة للقانون الدولي، سواء كان يحظرها أو يقرها القانون الوطني، وتقع بفعل من فرد يحتفظ بحريته في الاختيار إلحاق بقصد -مسؤول أخلاقيا – أضرار بالأفراد أو بالمجتمع الدولي بناء على تشجيع من الدولة، أو بناء على طلب منها، بحيث يكون من الممكن محاكمته جنائيا عن الجريمة التي ارتكبها طبقا لأحكام هذا القانون).

عرفها أيضا الفقيه "رمسيس بهنام" بأنها (سلوك بشري عمدي يراه المجتمع الدولي ممثلا في أغلبية أعضائه مخلا بركيزة أساسية لكيان هذا المجتمع - أي لقيام التعايش السلمي بين الشعوب-، أو بدعامة معززة لهذه الركيزة، ويكون منافيا للضمير البشري العالمي لذلك المجتمع، وقابلا لإفلات صاحبه من المساءلة الجنائية، إما لارتكاب الفعل في مكان غير خاضع لسلطان أي دولة كالبحر العام أو الجو العام،  واما لصدوره من قوة تتسلط على أشخاص لا يملكون لها دفعا، واما لعدم العقاب عليه في مكان ارتكابه، أو في مكان احتماء صاحبه أو لاجتيازه حدود الدولة بطريقة غادرة، أو لوروده على محل قابل لأن ينبثق منه الأذى إضرار بعدد مطلق من أشخاص عاجزين عن تفادي هذا الأذى).

لم تتقيد هذه التعاريف بحدود الواجب احترامها في صياغة التعاريف، فكانت شرحا موجزا لأركان الجريمة الدولية، وقد انتقد البعض هذه التعاريف على أساس أنه ليس كل الجرائم التي يترتب على ارتكابها ضررا بأكثر من دولة، جرائم دولية، إذ قد لا ينجم عنها سوى ضرر لدولة بعينها، عكس جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، فهي ولا شك جرائم دولية لا ينازع أحد في دوليتها.

تناول هذا الاتجاه الجريمة كواقعة ضارة بأمن وسلامة المجتمع، إلا أنه لا يصلح لدراسة الجريمة كنظام قانوني إذ لا يكفي لاعتبار واقعة ما جريمة أن تحتوي على مقومات الأضرار بمصالح لازمة لأمن المجتمع، وانما يلزم أن تكون تلك المصالح قد أخذت بعين الاعتبار من قبل السلطة المختصة بالتشريع، لذا فالتعريف الموضوعي يعتبر ناقصا لكونه يتناول الجريمة من جانب واحد هو جانب السلوك المـادي.

الفرع الثالث: تعريف الجريمة الدولية حسب الاتجاه التكميلي

حاول هذا الاتجاه المزج بين رأي الاتجاه الشكلي والاتجاه الموضوعي حيث اهتم بالعلاقة الشكلية بين الفعل وبين النص التجريمي، دون أن يهمل الأضرار التي تلحقها الجريمة بالمصالح الأساسية للمجتمع، ومن دعاة هذا الاتجاه نجد كل من الفقهاء "جلاسير"، " لومبوا"، "بلاوسكي".

يعرف "جلاسير" الجريمة الدولية بقوله (هي الفعل الضار بالقيم والمصالح التي تهم المجتمع الدولي والمخل بقواعد القانون الدولي)، وفي تعريف آخر يقول (بأنها سلوك فعل أو امتناع، مخالف للقانون الدولي، ويضر ضرار كبيرا بمصالح وأموال الجماعة الدولية، التي يحميها هذا القانون، ويستقر في العلاقات الدولية بأن هذا السلوك يجب أن يعاقب جنائيا).

لم يشترط الفقيه "جلاسير" أن تكون قواعد القانون الدولي التي صدر الإخلال في مواجهتها قواعد مكتوبة، لكنه اكتفى أن تكون هذه القواعد عرفيه جرى المجتمع الدولي على الالتزام بها.

نجد الفقيه "لومبوا" يُعرفها بقوله بأنها: (سلوك مخالف لقواعد القانون الدولي، يمثل عدوانا على مصلحة دولية محمية قانونا، أو هي تصرفات مضادة لقواعد القانون الدولي لانتهاكها المصالح التي تهم المجتمع الدولي والتي قررت حمايتها بقواعد هذا القانون).

يُعرفها الفقيه "بلاوسكي "بأنها (فعل غير مشروع صادر عن الأفراد، مضر بالعلاقات الدولية في المجتمع الدولي ويعاقب عليه القانون الدولي الجنائي).

أثرى العديد من الكتاب العرب هذا الاتجاه بإعطائهم تعاريف للجريمة الدولية، ومن بينهم نجد محمد محي الدين عوض، وحسنين إبراهيم صالح عبيد، عبد الله سليمان سليمان، فتوح عبد الله الشاذلي. 

يُعرفها محمد محي الدين عوض بقوله: (أنها كل مخالفة للقانون الدولي، سواء أكان يحظرها القانون الوطني أو يقرها، تقع بفعل أو ترك من فرد محتفظ بحريته في الاختيار مسئول أخلاقيا، إضرارا بالأفراد أو بالمجتمع الدولي، بناء على طلب الدولة أو تشجيعها أو رضائها في الغالب ويكون من الممكن مجازاته عنها طبقا لأحكام ذلك القانون).

كما يُعرفها حسنين إبراهيم صالح عبيد بقوله أنها: (سلوك إرادي غير مشروع، يصدر عن فرد باسم الدولة أو تشجيع أو رضاء منها ،ويكون منطويا على مساس بمصلحة دولية محمية قانونا).

من التعاريف أيضا تعريف عبد الله سليمان بقوله أنها: (كل عمل أو امتناع عن عمل يصيب المصالح الدولية أو الإنسانية الكبرى بضرر يمنعه العرف الدولي ويدعو إلى المعاقبة عليه باسم المجتمع الدولي).

نجد أيضا تعريف فتوح عبد الله الشاذلي حيث يُعرفها بقوله أنها: (سلوك إنساني غير مشروع صادر عن إرادة إجرامية يرتكبه الفرد باسم الدولة أو برضاء منها ،وينطوي على انتهاك لمصلحة دولية يقرر القانون الدولي حمايتها عن طريق الجزاء الجنائي).

ترتيبا لما سبق يمكن القول أن الجريمة الدولية هي كل فعل أو سلوك مخالف لقواعد القانون الدولي، يتضمن اعتداء على القيم والمصالح الدولية، يرتكبه أشخاص طبيعيون، أو مجموعة أشخاص سواء لحسابهم الخاص أو لمصلحة دولة، أو لمصلحة مجموعة من الدول ،أو كانت بتحريض أو مساعدة منها، بحيث يمثل اعتداء وانتهاكا للمصلحة الدولية أو لمصلحة جماعة عرقية أو دينية التي يقر القانون الدولي بحمايتها ويقرر جزاءات عقابية لمنتهكيها.

يؤيد ميثاق منظمة الأمم المتحدة كل ذلك في مادته الأولى حيث جعل أهم المصالح الدولية الجديرة بالحماية الجنائية، تلك التي تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، والمساواة في الحقوق بين الشعوب وحق تقرير المصير، واحترام حقوق الإنسان من غير تفرقة بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء، فكل اعتداء على مثل هذه المصالح المحمية دوليا، يعد جريمة دولية. وتحتل الجرائم المخلة بأمن وسلم الإنسانية مكانة هامة في سياق هذا التجريم، خاصة وأن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة قد كلفت لجنة القانون الدولي بصياغة قانون يتضمن تجريم كافة الأفعال الماسة بهذه المصالح، ووصفتها بأنها دولية.         

يؤكد مشروع الجمعية الدولية لقانون العقوبات أيضا هذا التوجه، حيث نجد فيه حصرا موسعا للجرائم الدولية التي تنتهك مصالح دولية جديرة بالحماية الجنائية، وقد اعتمد على مجموعة الصكوك الدولية والاتفاقيات بين دول أعضاء المجتمع الدولي في تاريخها القديم والحديث وشمل جرائم العدوان، جرائم الحرب، عدم مشروعية استخدام الأسلحة، إبادة الجنس البشري، التفرقة العنصرية، العبودية، العنف، التجارب الطبية غير المشروعة، القرصنة، الجرائم التي تمس سلامة النقل الجوي، استعمال القوة ضد أشخاص متمتعين بالحماية والتهديد بذلك ،أخذ الرهائن، استخدام الطرود البريدية في أغراض غير مشروعة، تعاطي المخدرات، التزييف والتزوير، سرقة الآثار والكنوز، رشوة الموظفين العموميين الأجانب، الاعتداء على الكابلات البحرية، استخدام المواصلات الدولية، ترويج المطبوعات المنافية للآداب.

غير أنه وللأسف، وبعد إقرار المحكمة الجنائية الدائمة، نجدها حسب المواد (5،6،7،8) من النظام الأساسي لها قد حصرت اختصاصها بجرائم معينة محددة، وهي جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية ،وجريمة العدوان؛ وجاء النص عليها مفصلا في المواد (6،7،8) من النظام الأساسي للمحكمة مما يدل على خروج الكثير من الجرائم الدولية من نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، كتلك التي أقرت الاتفاقيات الدولية اتصافها بالصفة الدولية؛ خاصة لما تكون من ورائها دولة  تتخذ منها وسيلة لزعزعة استقرار الدول، من ذلك مثلا: جريمة الاتجار بالمخدرات على المستوى الدولي، جريمة خطف الطائرات، جرائم القرصنة البحرية وغيرها من صور الإرهاب الدولي، وكذا أيضا جرائم تبييض الأموال التي تختص بها شبكات الإجرام العابرة للحدود.

ان عدم اختصاص المحكمة الجنائية بهذه الأنواع من الجرائم ،لا يعني رفع الصفة الدولية عنها، إذ من الممكن اختصاص محاكم أخرى بها، ومن ثم فإن المفهوم الذي جاء به مشروع المحكمة الجنائية قد ضيق كثيرا من مفهوم الجريمة الدولية، حيث تُعد الجريمة دولية بحسب مشروع المحكمة كل فعل أو امتناع عن فعل، يصدق عليه وصف جريمة بحسب نص المواد (6،7،8) من النظام الأساسي للمحكمة، شرط أن تكون الجريمة في إطار دولي، تأتيه دولة أو سياسة منتهجة من قبل منظمة غير حكومية.

مادام النظام الأساسي للمحكمة قد ذكر الجرائم الدولية على سبيل الحصر، فإن ذلك لا يمنع من الناحية الفقهية من التوسع في مفهومها، أما من الناحية القانونية فالقاعدة عدم التوسع في تفسير اختصاص المحكمة الجنائية، طالما أن الجرائم وردت على سبيل الحصر، إلى أن يستجاب للتطلعات الداعية لتعديل نظام المحكمة ومن ثم التوسع في نطاق الجرائم الدولية.

المطلب الثاني: خصائص الجريمة الدولية

تتميز الجريمة الدولية بعدة خصائص تميزها عن الجريمة المحلية، حيث تتصف بأنها ذات جسامة وخطورة خاصة (الفرع الأول)، مخالفة لقواعد وأحكام القانون الدولي (الفرع الثاني)، يرتكبها شخص طبيعي (الفرع الثالث)، عدم خضوعها لمبدأ التقادم (الفرع الأربع)، استبعاد الصبغة السياسية عنها (الفرع الخامس)، استبعاد الحصانة عن مرتكبيها لصفتهم الرسمية (الفرع الخامس)، العمل بمبدأ التسليم أو المعاقبة لمرتكبيها (الفرع السادس)، استبعاد نظام العفو من التطبيق عليها (الفرع السابع).

الفرع الأول: الجريمة الدولية ذات جسامة وخطورة خاصة

تظهر خطورة وجسامة الجريمة الدولية في اتساع وشمولية آثارها ويكفي بأن نذكر بأن من الجرائم الدولية ما يستهدف إبادة وتدمير مدنا وقتلى بالجملة وتعذيب مجموعات وغير ذلك من الأعمال الفظيعة.

وصفت لجنة القانون الدولي الجريمة الدولية بقولها: (يبدو أن هناك إجماعا حول معيار الخطورة فالأمر يتعلق بجرائم تمس أساسا المجتمع البشري نفسه)، ويمكن استخلاص هذه الخطورة إما من طابع الفعل المجرم، واما من اتساع آثاره، واما من الدافع لدى الفاعل، واما من عوامل أخرى.

تبرز هذه الخطورة بالنظر إلى المصلحة محل الاعتداء والى حجم الضرر المترتب عنها، فإذا كانت الجريمة المحلية تستهدف مصلحة خاصة تتمثل في المساس بالسلامة البدنية لفرد أو بحياته أو ماله أو حتى المساس بمصلحة المجتمع داخل الدولة، فإن الجريمة الدولية تستهدف مصلحة عامة دولية من الأهمية والاتساع بمكان، وهذه المصلحة تتمثل غالبا في سلم وأمن المجتمع الدولي كله.

تعكر جرائم الحرب هذا السلم والأمن، وتعطل الحياة في جزء كبير من المعمورة -إن لم نقل كلها-، وكذا جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإرهاب الدولي فضلا عن إشاعتها للفوضى واللا أمن في ربوع المجتمع الدولي، فهي تقضي على الاقتصاد الدولي وتربك العلاقات الدولية وتشل حركة الاتصالات، و بذلك فالضرر المترتب عن الجريمة الدولية لا يمكن حصره في دولة أو عدد من الدول التي ارتكبت فيها الجريمة، بل إنه وبالنظر إلى طبيعة هذه الجريمة بمس المجتمع الدولي ككل، ويُفسر هذا بترابط وتداخل مصالح هذا المجتمع والتي تنصهر حقيقة في مصلحة واحدة هي المصلحة العامة للمجتمع الدولي.

تبعا لذلك فإذا كانت الجريمة المحلية تتدرج في جسامتها من المخالفة إلى الجناية، فالجريمة الدولية لا يمكن أن تكون إلا جناية وليس لها غير هذا التكييف، وهذا تماما ما عبرت عنه لجنة القانون الدولي في دورتها الثلاثين لعام 1978 بقولها: (إن الجريمة الدولية هي وجود انتهاك خطير لالتزام دولي يتعلق بالمصالح الأساسية للمجتمع الدولي)، بحيث تعترف الأخيرة بأنه يشكل جريمة دولية أي جناية فإذا لم يكن مثل هذا الاعتراف موجودا اعتبر الفعل جنحة دولية أي (لا يشكل جريمة دولية بمفهوم الجناية).

أدت هذه الخاصية إلى انشاء ما يسمى بمبدأ عالمية العقاب و مقتضاه أن الجريمة الدولية بصورتها على النحو المشار إليه لا بد أن تنص عليها كل التشريعات المحلية وتخول لقضائها الاختصاص بالمعاقبة عليها، وهذا لقطع الطريق أمام المجرمين الدوليين الذين يتذرعون أو تتذرع دولهم بمبدأ السيادة لتجنيبهم الخضوع للقضاء الدولي الجنائي، فمبدأ الاختصاص العالمي بالعقاب على الجريمة الدولية من قبل كل دولة وجد المجرم الدولي في إقليمها كفيل بسد الثغرة المتمثلة في عدم قدرة القضاء الدولي الجنائي على القيام بدوره مع هؤلاء المجرمين.

الفرع الثاني: الجريمة الدولية مخالفة لقواعد ولأحكام القانون الدولي

إذا كانت الجريمة المحلية مُخالفة لقواعد قانونية وطنية أي ذات مصدر داخلي ،فالجريمة الدولية مُخالفة لقواعد دولية، أي ذات مصدر دولي متمثل في الأعراف والاتفاقيات الدولية، فجرائم الحرب مثلا هي  مُخالفة للأعراف المتداولة في الحروب والاتفاقيات الدولية ذات الصلة مثل اتفاقيات لاهاي لعامي 1899، واتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، وجريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية هي مُخالفة لاتفاقيات حقوق الإنسان المكرسة للحق في الحياة.

ان مصدر التجريم اذن بالنسبة للجريمة الدولية هو دائما القانون الدولي العرفي والاتفاقي ،وقد يتصادف أن تكون الجريمة الدولية مصدر تجريم كذلك في القوانين الوطنية طبقا لمبدأ عالمية العقاب، وذلك مثلا شأن بعض القوانين كبريطانيا وهولندا ونيوزيلاندا وسويسرا والدول الإسكندنافية، وكانت إسبانيا حتى عام 1999 من الدول التي أخذت بهذا المبدأ ومارسته على نطاق واسع ،ويترتب عن هذه الخاصية أن المجرم الدولي لا يستطيع الدفع بأن جريمته الدولية غير مجرمة في قانونه المحلي فالعبرة دائما بالتجريم في القانون الدولي.

الفرع الثالث: الجريمة الدولية يرتكبها شخص طبيعي

تجاوز القانون الدولي المعاصر الجدل الفقهي القائم حول قدرة الدولة باعتبارها شخصا معنويا على ارتكاب الجرائم الدولية وبالتالي مساءلتها جنائيا، حيث حسم لصالح الموقف الذي يعتبرُ أن الفرد أو الشخص الطبيعي هو وحده القادر على ارتكاب الجريمة الدولية والقابل للمساءلة الجنائية عنها ولا يُخل هذا بمسؤولية الدولة مدنيا عن أعمال سلطاتها ورعاياها.

أكدت العديد من الوثائق الدولية على المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي عن الجريمة الدولية منها، اتفاقية فرساي لعام 1919 في موادها من (227 إلى 230) التي قررت مسؤولية (غليوم الثاني) إمبراطور ألمانيا والجنود الألمان عن الجرائم الدولية التي ارتكبوها خلال الحرب العالمية الأولى،  والاتفاقية الخاصة بمنع تجارة الرقيق لعام 1926 التي اعتبرت هذا الفعل جريمة دولية يتحملها الأشخاص الطبيعيون، و لائحتا محكمتي نورمبرغ وطوكيو في مادتيهما (6،7) على التوالي حيث حملتا الأشخاص الطبيعيين مسؤولية ارتكاب جرائم الحرب العالمية الثانية، بل إن قُضاة محكمة نورمبرغ أشاروا صراحة إلى أن: "الجرائم الدولية يرتكبها أفراد (أشخاص طبيعيون) وليست "كيانات مجردة" في إشارة إلى الدول.

أُعيد التأكيد على مبدأ ارتكاب الجريمة الدولية من قبل الشخص الطبيعي في لائحة صياغة مبادئ نورمبورغ لعام 1950 في المبدأ الأول منها، بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بجرائم دولية محددة هي الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948، في المادة (4) ،الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والعقاب عليها لعام 1973، في المادة (3)، مشروع تقنبن الجرائم المخلة بسلم الإنسانية و أمنها لعام 1996، في المادة (3)، بالإضافة الى الأنظمة الأساسية للمحاكم الدولية الجنائية، حيث نصت المادة (6) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا سابقا ،أن: "يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين بموجب هذا النظام الأساسي".

قررت بدورها المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية لرواندا بنفس الصياغة تقريبا، وما قررته أخيرا المادة (25) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بنصها على أن: "يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملا بهذا النظام الأساسي".

الفرع الرابع: عدم خضوع الجريمة الدولية للتقادم

يعتبر التقادم سبب من أسباب انقضاء الدعوى العمومية بعد مضي مدة زمنية معينة مما ينجر عنه سقوط الجريمة المحلية والحق في المتابعة القضائية، وهي قاعدة تأخذ بها معظم التشريعات الوطنية، فوفقا للمادتين (7،8) من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري مثلا تتقادم الجنايات بمرور عشر سنوات من يوم اقترافها ،بينما تتقادم الجنح بمرور ثلاث سنوات كاملة.

لم يتطرق أحد لقاعدة التقادم على المستوى الدولي قبل الحرب العالمية الثانية ولعل السبب يعود إلى أن أحدا لم يحتج بهذه القاعدة قبل هذا التاريخ فلم تشر إليه اتفاقية فرساي 1919 رغم تقريرها المسؤولة الدولية الجنائية للأفراد في موادها من (22 إلى 230)، ولا لائحتي محكمتي نورمبرغ وطوكيو.

أعلنت ألمانيا الاتحادية عام 1946 بأن قانونها الجنائي يأخذ بقاعدة تقادم الجرائم بمضي (20) سنة على ارتكابها ويعني تطبيقها على هذا النحو سقوط الدعوى الجزائية الدولية بالنسبة لجميع الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم دولية غداة الحرب العالمية الثانية ولم يقدموا للمحاكمة بعد، وُجه موقف ألمانيا باستنكار دولي، وتقدمت على إثره بولونيا بمذكرة إلى منظمة الأمم المتحدة تطلب من لجنتها القانونية البث بهذه المسألة ،وقد أجابت اللجنة القانونية في 10 أبريل 1965 بالإجماع بأن الجرائم الدولية لا تخضع لمبدأ التقادم الذي تعرفه الجريمة في التشريعات المحلية.

ترجم مسعى المجتمع الدولي بخصوص هذا المبدأ في موافقة الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة على إصدار اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بتاريخ 26/11/1968.

رغم اقتصار الاتفاقية على عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلا أن هناك عرفا استقر في الفقه والممارسة الدوليين على أن حكم الاتفاقية ينصرف إلى كل الجرائم الدولية دون استثناء ،وتأكيدا للمبدأ أصدرت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في ديسمبر 1971 توصيتها 2840 (د-26) تعبد التذكير من خلالها بعدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتحث فيها الدول التي لم تنضم إلى الاتفاقية على أن تفعل ذلك في القريب العاجل، كما نص مشروع تقنبن الجرائم المخلة بسلم الإنسانية  وأمنها لعام 1996 على عدم تقادم هذه الجرائم في المادة (5) منه.

لم يتجاهل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المبدأ حيث نص عليه في المادة (29) منه بنصه على أنه:" لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم مهما كانت أحكامه".

الفرع الخامس: استبعاد الحصانة عن مرتكبي الجرائم الدولية لصفتهم الرسمية

تمنح القوانين بعض الأشخاص السامين في الدولة حصانة خاصة بموجبها لا يحاكم مرتكب الجريمة أمام المحاكم الوطنية بموجب قانون العقوبات نظرا لصفتهم الرسمية لاعتبارات أوجبتها ضرورة تسهيل العمل السياسي والإداري فيها، حيث يمنح لهم مركزا قانونيا ممتازا يحول دون متابعتهم أمام محاكمها وهذا استثناء  لمبدأ المساواة أمام القانون، من أمثلة هذه الحصانات في القانون الداخلي حصانة رئيس الدولة، حصانة أعضاء المجلس النيابي أثناء تأدية عملهم، حصانة رؤساء الدول الأجنبية خارج بلادهم إلى غير ذلك من الحصانات، غير أن القانون الدولي الجنائي استقر على عدم إعفاء رئيس الدولة أو الحكام الذي يقترفون جريمة دولية حتى ولو كان وقت اقترافها متصرف بوصفه رئيسا حاكما.

تجد هذه الحصانة مصدرها من خلال الأعراف الدولية التي تواترت على إقرارها على صعيد العلاقات الدولية حيث خصت بها رؤساء الدول، رؤساء الحكومات وأعضاءها ،الديبلوماسيين والقناصل، وتأكدت هذه الأعراف عن طريق اتفاقيتي فينا للعلاقات الديبلوماسية لعام 1961 والعلاقات القنصلية لعام  1963.

ان الحصانة المعمول بها في هذا النطاق مقتصرة فقط على الجريمة المحلية التي توصف بأنها من جرائم القانون العام حيث لا يعترف القانون الدولي بهذه الحصانة إذا تعلق الأمر بجريمة دولية.

قررت اتفاقية فرساي لعام 1919 بعدم الاعتداد بالحصانة التي يتمتع بها (غليوم الثاني) إمبراطور ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى، مقررة في مادتها (227) أن هذه الحصانة لا تحول دون تحمله المسؤولية الدولية الجنائية عن جرائمه ضد الأخلاق الدولية وتحلله من قدسية المعاهدات، ولم تأخذ محكمة نورمبرغ عقب نهابة الحرب العالمية الثانية 1945 بالحصانة وأكدت على المسؤولية الجنائية الدولية لمجرمي هذه الحرب دون إعطاء أدنى اعتبار لصفتهم الرسمية تطبيقا للمادة (7) من لائحتها التي قررت أن: "المركز الرسمي للمتهمين سواء كانوا رؤساء دول أو من كبار الموظفين لا يعتبر عذرا معفيا من العقاب أو سببا من أسباب تخفيف العقوبة".

تطرقت المادة (4) من الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948 إلى المبدأ بنصها على أن: "الأشخاص المدانين بارتكاب جرائم إبادة أو أحد الأفعال الواردة في المادة (3) يعاقبون سواء كانوا حكاما أو موظفين".

استبعدت لائحة صياغة مبادئ نورمبرغ المستخلصة من محاكمات الحرب العالمية الثانية لعام 1950 الاعتداد بالحصانة في المبدأ الثالث منها بنصها على أنه: "إذا كان الشخص الذي ارتكب جريمة بمقتضى القانون الدولي قد تصرف باعتباره رئيسا للدولة أو مسؤولا حكوميا رسميا فإن ذلك لا يعفيه من المسؤولة بمقتضى القانون الدولي".

تناول مشروع مدونة الجرائم المُخلة بسلم الإنسانية وأمنها لعام 1996 مبدأ استبعاد الحصانة في المادة (7) منه بنصه على أن: "لا يعفي الفرد الذي يرتكب جريمة مخلة بسلم الإنسانية وأمنها من مسؤوليته الجنائية ولا تخفف عقوبته لصفته الرسمية، حتى ولو تصرف بوصفه رئيس دولة أو حكومة".

كما نصت المادة (7/2) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا سابقا على ألا يعفى أحد المتهمين من المسؤولية الدولية الجنائية أيا كانت صفته الرسمية سواء كان رئيسا لدولة أو لحكومة أو موظفا كبيرا، كما لا تعتبر هذه الصفة سببا من أسباب تخفيف العقوبة".

أكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على مبدأ استبعاد الحصانة عن مرتكبي الجريمة الدولية بشكل أكثر تفصيلا في المادة (27) منه تحت عنوان – عدم الاعتداد بالصفة الرسمية.

الفرع السادس: العمل بمبدأ التسليم أو المحاكمة لمرتكبي الجرائم الدولية

نجد في القانون الداخلي نوعان من الجرائم عادية وسياسية، وتجيز القوانين الداخلية التسليم في الجرائم العادية فقط وتنكر التسليم في الجرائم السياسية، ونظرا لتواترها والأخذ بها نصت عليها الدساتير ومنها على سبيل المثال الدستور الجزائري 1989 في (المادة 66). (المادة 68) في تعديل 2008، و(المادة 83)، وتقابلها (المادة 83) من التعديل الدستوري لعام 2016 بنفس المعنى"لا يُسلم أحد خارج التراب الوطني إلا بناء على قانون تسليم المجرمين وتطبيقا له".

يختلف الأمر في القانون الدولي الجنائي عن القانون الوطني إذ لا يعترف القانون الدولي الجنائي بالتمييز بين الجرائم، وهذا يعني أن جميع الجرائم الدولية تخضع لنفس المبدأ فإما أنها جميعها من الجرائم التي يجوز فيها التسليم، واما أنها من الجرائم التي لا يجوز فيها التسليم.

وهذا بسبب المنحى الخطير الذي بلغته الجريمة الدولية وتقهقر جهود المجتمع الدولي في التصدي لها، ولهذا السبب أخذ التعاون على الصعيد الدولي اتجاها ملحوظا في الاعتراف بمبدأ تسليم المجرمين الدوليين باعتباره مبدأ مكملا لمبدأ استبعاد الحصانة عن هؤلاء المجرمين في إطار منهج واضح لمكافحة الجريمة الدولية، وانتقل بذلك مبدأ تسليم المجرمين من كونه عملا من أعمال السيادة ليصبح عملا من أعمال القضاء.

عملت منظمة الأمم المتحدة على تكريس مبدأ تسليم المجرمين الدوليين في توصياتها المتلاحقة أهمها تلك الصادرة عن جمعيتها العامة تحت رقم 3074 (د – 28) بتاريخ 30/12/1973 والمتعلقة بمبادئ التعاون الدولي في اكتشاف واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين في جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

الفرع السابع: استبعاد نظام العفو من التطبيق في الجرائم الدولية

يقصد بالعفو في المجال القانوني تنازل الهيئة الاجتماعية عن كل أو بعض حقوقها المترتبة على الجريمة وهو نوعان عفو عن العقوبة ويسمى العفو الخاص، وعفو عن الجريمة ويسمى العفو الشامل، والعفو سلطة تقليدية خاصة لرئيس الدولة ينص عليه الدستور.

لا نجد لنظام العفو المطبق في القانون المحلي أثرا في القانون الدولي الجنائي وهذا راجع لخطورة الجرائم الدولية وجسامتها، حيث تجعل نظام العفو أمرا مستحيلا، ولقد أكد المجتمع الدولي على رفض الأخذ بقاعدة التقادم وأجازت التسليم في الجرائم الدولية بغرض الوصول إلى معاقبة المجرم والقضاء على مبدأ الإفلات من العقوبة ،لذلك لا يسمح بالعفو عن المجرمين الدوليين.

يمكن القول بعد البحث في مفهوم الجريمة الدولية أنها تعني الخرق لقواعد القانون الدولي عموما، ولقواعد القانون الدولي على وجه الخصوص، ترتكبه الدولة عند انتهاكها للسلم والأمن الدوليين لتقع ضد أشخاص القانون الدولي.

يمكن أن نتوسع في مفهوم الجريمة الدولية ،بالاعتماد على معيار المصلحة المحمية دوليا، فكلما تم خرق لمصلحة دولية، سواء بفعل دولة مباشرة، أو بفعل شخص لحساب دولة ما اعتبرنا ذلك جريمة دولية، ومن ثم فإن الجرائم التي يشملها تحديد الجريمة الدولية وفقا لأراء الفقهاء السابقة نوعان:

النوع الأول: يشمل الجرائم التي ترتكبها الدولة ضد دولة أخرى –وقت السلم أو الحرب ومن أشهرها، جريمة العدوان، وجريمة التمييز العنصري، والجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، وجرائم إبادة الجنس البشري... الخ

النوع الثاني: يتشمل الجرائم التي تقع من الأفراد بصفتهم الشخصية ضد مصالح دولية محمية جنائيا، ومن أشهرها جريمة الإرهاب الدولي، وغيرها مما سيأتي بيانه متى كان وراء هذه الجرائم دولة، أو هيئة رسمية تابعة اتخذت من هذه الأفعال سبيلا لزعزعة استقرار دولة، أو اتخذتها طريقا لشن حرب عليها.

المبحث الثاني: الإطار القانوني للجريمة الدولية

يستند البحث في الإطار القانوني للجريمة الدولية أساسا على مصادر القانون الدولي العام ،كالعرف، والاتفاقيات الدولية، من حيث أن العرف الدولي بين معالم هذه الجريمة من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن الاتفاقيات الدولية كشفت عن وجودها (المطلب الأول)، ولتحديد نطاق الجريمة الدولية ينبغي تمييزها عن غيرها من الجرائم المشابهة لها، فهي تختلف عن العديد من الأفعال والتصرفات الدولية غير المشروعة كخرق دولة لالتزاماتها في اتفاقية اقتصادية أبرمتها مع دولة أخرى، كون آثار هذه التصرفات تنصرف فقط على العلاقة الاقتصادية بين الدولتين الموقعة على الاتفاقية.

تختلف الجريمة الدولية علاوة على ذلك عن الجريمة الداخلية والجريمة السياسية، كما تختلف عن الجريمة العالمية (المطلب الثاني).

نجد مثلا أن الجريمة الدولية والجريمة المحلية تشتركان في قيامهما على الأركان الثلاث المادي والمعنوي والشرعي، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية التي يتميز بها هذا الركن في القانون الدولي الجنائي عنه في القانون الداخلي، إلا أنهما تختلفان في كون الجريمة الدولية يتوافر فيها بالإضافة إلى ما سبق الركن الدولي، وهذا الأخير معناه أن الفعل المرتكب يمس بمصالح المجتمع الدولي، بحيث يكون صادرا بناء على طلب الدولة أو تشجيعها أو رضاها، أو أتاه شخص لحسابه الخاص فمس به مصلحة دولية، هدد بفعله سلام وأمن المجتمع الدولي أو جماعة معتبرة من البشر - وهذا تماشيا مع الاتجاه الموسع في تحديد مفهوم الجريمة الدولية سعت الاتفاقيات الدولية إلى تجريمه، واعتباره جريمة دولية (المطلب الثالث).

المطلب الأول: الطبيعة القانونية للجريمة الدولية

تتحدد الطبيعة القانونية للجريمة المحلية بمقتضى نص تشريعي يُبين مُسبقا أنواع الجرائم والعقوبات المقررة لها، فمصدر التجريم والعقاب فيها هو التشريع، غير أن الأمر يختلف عنه في القانون الدولي العام عموما، والقانون الدولي الجنائي خصوصا، ومن ثم فإن البحث في الطبيعة القانونية للجريمة الدولية، يعنى البحث في مصدر تجريم الفعل المُجرم، وهو العرف الدولي أولا (الفرع الأول)، ثم ما يستند إليه من اتفاقيات دولية، باعتبارها المصدر الكاشف عن الصفة غير المشروعة للفعل (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الطابع العرفي للجريمة الدولية

يختص القانون الدولي الجنائي بتحديد الطبيعة القانونية للجريمة الدولية، واذا كان هذا القانون فرع من فروع القانون الدولي العام، فإنه يتمتع بنفس خصائصه، وأهمها الخاصية العرفية لقواعده، وعليه فالجريمة الدولية ذات طبيعة قانونية خاصة، تعتمد على القواعد العرفية في الأساس.

يُعرفُ العرف الدولي بأنه: (مجموعة القواعد القانونية التي تنشأ في المجتمع الدولي ،بسبب تكرار الدول لها لمدة طويلة، وبسبب التزام الدول بها في تصرفاتها، واعتقادها بأن هذه القواعد تتصف بالإلزام القانوني).

يُعتبر العرف الدولي مصدر أساسي للقانون الدولي الجنائي، وهو ملزم للدول سواء شاركت في تكوينه أم لم تشارك، وسواء كانت هذه الدول موجودة وقت نشوئه أم لم تكن كذلك، وبالنظر إلى مشاريع الاتفاقيات التي لم توضع موضع التنفيذ، بل حتى الاتفاقيات الدولية السارية النفاذ يمكن الوقوف على قواعدها العرفية، ذلك لأن هذه الاتفاقيات قد تأتي في بعض أو في معظم قواعـدها تـدوينا لأعراف دولية.

يرى جانب من الفقه الدولي الجنائي بأن الاعتماد على الصفة العرفية وحدها يُصعب من التعرف على الجريمة الدولية ومن ثم ففي غياب النصوص القانونية المكتوبة يظل مفهوم الجريمة الدولية غامضا مما يجعله عرضة للتفسير والتأويل، وهذا الغموض يجعل من الصعب على الفقيه أو القاضي التحقق من مطابقة السلوك المرتكب للنموذج العرفي المحدد للجريمة. ترتيبا لذلك لا بد من البحث في آليات أخرى تسهل عملية تحديد الطبيعة القانونية للجريمة الدولية، والتي يمكن أن تستخلص من تلك المجهودات الدولية التي بذلت في هذا السياق، وبالأخص منذ الحرب العالمية الثانية ،والتي أسفرت على إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية بشأن ضبط الجرائم الدولية وتعدادها، وانتهت إلى اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي قام بتقنين الجريمة الدولية والعقوبة المقررة لها، فأصبحت الجريمة الدولية غير مختلفة عن الجرائم المحلية بخصوص هذه المسألة، فأصبحت بذلك جرائم مدونة لها أركانها وعقوباتها المحددة، والأحكام المتعلقة بالعقاب والمسؤولية الجنائية المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة.

لتوضيح ذلك فإن نص المادة (6) من لائحة نورمبورغ أخرج قيد ضرورة ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية أثناء الحرب، فتمت محاكمة بعض المجرمين عن الجرائم التي ارتكبوها وقت السلم أي قبل عام 1939، وفي ذلك مخالفة لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، كما أن هذه الأفعال ليست مجرمة في القوانين الخاصة بجنسية الدول التي ينتمي إليها المتهمون ولا في قوانين الدول التي وقعت فيها هذه الجرائم.

غير أن هذه الانتقادات رُّد عليها بأن الجرائم الدولية قد اكتسبت صفتها الجنائية من العرف الدولي، وعلى مدى خمسين سنة قبل اتفاقية لندن عام 1945 التي انبثقت عنها المحكمة، وما هذه الاتفاقية إلا كاشفة للعرف الدولي الذي كان مدونا في العديد من المعاهـدات والاتفاقيات، ومنها اتفاقية (لاهاي 1907)، واتفاقيات (جنيف 1864، 1929)، ومن ثم فإن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات لا وجود له في القانون الدولي الجنائي، فهو يوجد في صوره أخرى تتفق مع طبيعة القانون الدولي، وهذه الصورة تعني أن الفعل لا يُعد جريمة إلا إذا أثبت خضوعه لقاعدة من قواعد القانون الدولي تقرر له هذه الصفة.

الفرع الثاني: الطابع الدولي للجريمة الدولية

اختلف الفقه الدولي، عن المصلحة التي يشكل الاعتداء عليها جريمة دولية، وذلك في اتجاهين الاتجاه التقليدي الضيق لمفهوم الجريمة الدولية الذي يشترط أن يكون للدولة الدور الأساسي في الفعل غير المشروع حتى توصف الجريمة بأنها دولية (أولا)، والاتجاه الثاني الذي يعتمد معيار المصلحة المعتدى عليها (ثانيا).

أولا: الاتجاه الذي يرى أن للدولة الدور المحوري في تكييف الجريمة الدولية: يشترط هذا الاتجاه أن يكون للدولة الدور المحوري في الفعل غير المشروع حتى تكيف الجريمة بأنها دولية، فلا تعتبر الجرائم التي يرتكبها الأفراد بصفتهم الشخصية جرائم دولية، بل هي جرائم محلية، حيث يتحقق الركن الدولي وفق هذا الاتجاه حينما تقوم دولة ما بذاتها أو بتشجيع منها أو برضاها بفعل غير مشروع ضد دولة أخرى أو عدة دول، من شأنه أن يهدد النظام العام للمجتمع الدولي.

لا يشترط بعض أنصار هذا الاتجاه الشرط السالف الذكر، فالجريمة الدولية تتحقق سواء أكانت ضد دولة أم ضد أفراد، ويحصرون تعداد الجرائم الدولية، في جرائم الحرب، وجرائم ضد السلام ،والجرائم ضد الإنسانية، بما فيها جريمتي إبادة الجنس البشري، وجريمة الإرهاب الدولي.

يستدل أصحاب هذا الاتجاه -بنظريتيه– على موقفهم، على المادة الثانية من مشروع تقنين الجرائم ضد الأمن والسلم الدوليين ،حيث اشترطت لإضفاء الصفة الدولية على أفعال العدوان المسلح والتهديد والتحضير لاستخدام القوة، والعدوان، وتنظيم العصابات المسلحة أن تكون ارتكبت بناء على خطة مدبرة من دولة ضد دولة أخرى.

يتحقق الركن الدولي في الجرائم التي تهدد أمن البشرية كجريمة الإرهاب الدولي بناء على مساهمة أو تشجيع وتحريض أو تدبير الدولة لها، أما لو ارتكب هذه الجرائم من غير تدخل الدولة، فتعد جريمة وطنية يختص بها القضاء الوطني، أما بخصوص الجرائم الواقعة أثناء السلم، والتي من أهمها جريمة الإبادة، وأعمال التعذيب، والتفرقة العنصرية، فلها طبيعة خاصة، ذلك أنها في الغالب ترتكب ضد طائفة معينة ينتمون إلى عرق أو دين معين، وليس ضد دولة ومع ذلك أُعتبرت دولية في ذلك المشروع.

ثانيا: الاتجاه الذي يعتمد معيار المصلحة المعتدى عليها في تكييف الجريمة الدولية: يتحقق الطابع الدولي للجريمة الدولية حسب هذا الاتجاه بالنظر إلى السلوك غير المشروع الذي ينطوي على المساس بمصالح وقيم تهم المجتمع الدولي، دون أن يشترط في الفعل أن يكون صادرا من دولة ضد دولة ،حيث تعد جريمة دولية سواء ارتكبت باسم الدولة أو بناء على طلبها أو بتشجيعها أو برضا منها، أو إذا اقترفها أفراد يعملون لحساب أنفسهم، وتنشأ المسؤولية الجنائية بصرف النظر عن مساهمة الدولة في الجريمة من عدمها.

إذا اذا اعتمدنا على معيار المصلحة المعتدى عليها، فإن الطابع الدولي يتحقق في العديد من الجرائم، فالصفة الدولية في جريمة الإرهاب الدولي مثلا، تكمن فيما رأته الاتفاقيات الدولية في تهديده للأمن والسلم العالمي، وأيضا في تعدد جنسيات المرتكبين، أو في هروب مرتكبي الجريمة إلى دولة غير تلك التي وقع فيها الفعل، فالعبرة في تجريم السلوك ووصفه بأنه جريمة دولية يكمن ابتداء في الاتفاقيات الدولية التي اعتبرته جريمة دولية، وخاصة إذا كان الفعل من ورائه دولة ما، وأيضا جسامة الجرم وخطورته على المجتمع الدولي فمثل هذا الفعل يعد جريمة دولية، وهذا المعنى نلمسه في تقارير لجنة القانون الدولي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في تقنينها لموضوع المسؤولية الدولية، وموضوع الجرائم ضد الإنسانية.

ورد في نص المادة (19) من مشروع لجنة القانون الدولي عند التمييز بين الجريمة الدولية والجنحة الدولية ،أن معيار التفرقة الذي استندت إليه، هو جسامة الفعل الصادر من الدولة مرتكبة الجريمة، وجسامة المصلحة المعتدى عليها، فعند تناولها لموضوع المسؤولية الدولية، قسمت المخالفات الدولية إلى أنواع بحسب جسامتها، فرأت بأن الأفعال التي تستوجب المسؤولية تنقسم إلى قسمين، الجرائم الدولية، والفئة الثانية تتمثل في الجنح الدولية، وتشمل هذه الفئات الأفعال التي تقوم  بها الدولة، وتخرق بها التزاما دوليا ضروريا لحماية المصالح الأساسية للمجتمع الدولي ،كما أوضحت المادة (7/2) من ذات المشروع أن كل انتهاك خطير لالتزام دولي متعلق بالمصالح الدولية يعد جريمة دولية، وهذا إذا أقره المجتمع الدولي في اتفاقيات دولية.

لم تبين لجنة القانون الدولي الفرق المحوري بين الجرائم والجنح الدولية إلا على أساس حصر الجرائم  واطلاق لفظ جنحة على ما عداها معتمدة في ذلك على معيار عام هو مدى المساس بمصلحة جوهرية للمجتمع الدولي، وبالقياس إما على مدى الآثار الضارة الناجمة عن الفعل أو مدى الفظاعة التي يتسم به، أو الاثنين معا، كما أن الطابع الدولي الذي تتميز به الجريمة الدولية جعل السلوك لإجرامي المكون لها قابلا لإفلات صاحبه من المساءلة الجنائية.

تطبيقا لما سبق فان الطابع الدولي للجريمة يتحقق إما لأن دولة ما هي من أتى الفعل غير المشروع،  واما بالنظر لجسامة الفعل غير المشروع ومساسه بمصلحة دولية محل حماية جنائية دولية حتى ولو قام بهذا الفعل فرد من الأفراد ولحسابه الخاص، متى كان ذلك ثابتا في اتفاقية دولية تضفي على هذا الفعل الطابع الدولي، فالاعتداء على الأمن والسلم الدوليين يشكل خطرا دوليا تُصبغ عليه الصفة الدولية، والاعتداء على المصالح الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الدولي يكسب الفعل المُجرم الصفة الدولية، بمعنى أن الاعتداء إذا وقع -سواء وقت السلم أم الحرب- ومس مصالح حيوية للمجتمع الدولي، يضفي على الفعل الطابع الدولي، ويوصف فاعلوه بأنهم مجرمون دوليون، جاز محاكمتهم أمام محاكم دولية أو محاكم وطنية متى كانت مختصة بذلك.

المطلب الثاني: تمييز الجريمة الدولية عن باقي الجرائم المشابهة لها

تتميز الجريمة الدولية بعدة مميزات تجعلها مختلفة عن الكثير من الجرائم المشابهة لها ،كالجريمة المحلية أو ما يعرف بجرائم القانون العام (الفرع الأول)، والجريمة السياسية (الفرع الثاني)، والجريمة العالمية (الفرع الثالث). 

الفرع الأول: التمييز بين الجريمة الدولية والجريمة المحلية

يشير الفقهاء أحيانا الى هذا النوع من الجرائم باصطلاحات شتى، فيسمونها بالجرائم العادية، أو الجرائم الداخلية، أو الجرائم الوطنية وكلها تعبيرات تنصرف الى الأفعال التي تضع مرتكبها تحت طائلة قانون العقوبات الداخلي والقوانين المكملة له والتي فضل البعض تسميتها بالجرائم الجنائية.

تشترك هذه الجرائم كلها في أنها أفعال تشكل عملا أو امتناعا عن عمل يرتب القانون على ارتكابها عقوبة جنائية لما ينطوي عليه هذا العمل أو ذلك الامتناع من مساس بمصلحه داخليه يحميها قانون العقوبات المحلى، والجريمة المحلية جريمة يرتكبها فاعلها باسمه ولحسابه، ويوقع العقاب عليه -عند ثبوت مسؤوليته عنها باسم المجتمع الوطني، فالجريمة المحلية أمر يعتبره القانون مخلا بنظام وأمن المجتمع فيحدد ويقرر له عقوبة وهى في ذلك تختلف عن الجريمة الدولية التي يكون النص على صفتها غير المشروعة مبنية في الأساس على العرف الدولي الذى قد يصاغ في اتفاقية مكتوبه وقد لا يحصل ذلك، وتختلف الجريمتان من حيث اسباب الإباحة وأحكام المسؤولية وان كانتا تتحدان في استلزامهما ركنا معنويا لانعقاد مسؤولية الجاني. 

تتطابق الجريمة الدولية مع الجريمة المحلية في العناصر التي تتطلبها هذه الأخيرة، فعناصر الجريمة المحلية ثلاثة:

العنصر المادي: ويقصد به الواقعة أو المظهر المادي للجريمة ويتمثل في نشاط الفاعل والنتيجة التي يصيبها وعلاقة السببية بينهما، ويكاد يكون هذا العنصر واحدا، فالجريمتان فيما عدا ما تعلق بالنتيجة التي يصيبها الفاعل أو المصلحة المعتدى عليها، فالنتيجة التي يصل اليها الفاعل في الجريمة المحلية هي الاعتداء على مصلحة لفرد أخر أو مصلحة للدولة، أما النتيجة التي يصيبها الفاعل في الجريمة الدولية فهي الاعتداء على مصلحه دولية.

العنصر المعنوي: ومعناه احتواء الفعل للخطأ الجنائي الذي يحدثه الفاعل بارادته وعلمه ،فهو عنصر يتطلب الأمر وجوده في كل من الجريمة المحلية والجريمة الدولية.

العنصر الشرعي: يتضمن هذا العنصر النص على الجريمة وعقابها في القانون، ومفاد هذا العنصر لا جريمة ولا عقوبة الا بنص من القانون، فالجريمة في القانون العام تنص عليها القوانين الداخلية المكتوبة والصادرة عن المشرع، وتتضمن هذه القوانين العقوبات التي تطبق عند وقوع الجريمة و تُنظر الجرائم الجنائية امام المحاكم الوطنية فهي لا ترتكب باسم الدولة، وانما باسم الافراد ولحسابهم ويوقع الجزاء عليها باسم المجتمع الداخلي.

تستمد الجريمة الدولية صفتها الجنائية من العرف مباشرة او من نصوص الاتفاقيات أي من القانون الاتفاقي، اذ لا يوجد في المجتمع الدولي مشرع  يُسن القوانين التي تنطبق نصوصها في شأن الجرائم الدولية، ولصفتها الدولية، فان هذه الجرائم قد ترتكب باسم الدولة أو بناء على طلبها أو بتشجيعها أو رضائها، وقد يرتكبها الافراد لحسابهم  كذلك ضد الدولة، أو عدة دول أو أفراد ويوقع الجزاء هنا باسم المجتمع الدولي لما تضمنه هذه الجرائم من انتهاك للنظام العام الدولي وقيمه الأساسية، ولهذا فان هذا النوع من الجرائم لا ينظر أمام المحاكم الوطنية، وانما يحتاج الى محاكم دوليه خاصه.

يترتب على هذه الفروق الظاهرة بين الجريمة الدولية والجريمة المحلية العادية عدة نتائج. من بينها أن الجهل بالقانون ليس بعذر في القوانين المحلية، غير أنه يجوز الأخذ بهذا الدفع في النطاق الدولي نظرا للطبيعة العرفية للقانون الدولي حيث يجوز للمتهم في الجريمة الدولية ان يدفع بجهله بالقانون إذا لم يكن اساس تجريم الفعل الذي ارتكبه نصا مكتوبا.

إذا كانت أسباب الإباحة من موضوعات الركن الشرعي ومن الأمور المتعلقة به، ولما كان الركن الشرعي مختلفا في كل من الجريمة الدولية والجريمة المحلية، فإننا نجد ان الأسباب المبيحة للجريمة الدولية مختلفة عن نظيرتها في الجريمة المحلية، وان استندت فكرة الإباحة في المجالين الى نفس السند وهو عدم انطواء الفعل المرتكب- في الظروف التي ارتكب فيها- الاعتداء على المصلحة موضوع الحماية.

ومن الاسباب المبيحة للجريمة الدولية ما جرى عليه العرف، والمعاملة بالمثل، وحالة الضرورة، وأمر الرئيس الأعلى، وأحيانا رضاء المجني عليه، وبعض هذه الأسباب متفق عليها، والبعض الأخر متنازع عليه مثل حالة الضرورة، وأمر الرئيس ورضاء المجني عليه، ولعل السبب المشترك بين الجريمتين المحلية والدولية هو الدفاع الشرعي وهو سبب لا يختلف بصدده الفقهاء.

يؤدي بنا القول وهذا نتيجة لغموض الجريمة الدولية وصعوبة تعريفها، قد أن الجريمة الدولية ماهي الا جريمة محلية يرتكبها أفراد عاديون- بغض النظر عما اذا كان ارتكابهم لها لحساب دوله أو بتحريض منها - وان كانت تفوق الجريمة المحلية العادية خطورة وجسامة لمساسها بالمصالح العليا للمجتمع الدولي، فضلا عن سمو القانون الدولي الذى يقضى بعدم شرعيتها على نصوص القانون المحلي، والأكثر من ذلك يمكن القول بانه من الممكن اخضاع الجريمة الدولية للاختصاص المكاني لقانون العقوبات الذى وقعت الجريمة في دائرته، الا في احتمال واحد وهو ان الفعل قد يعد جريمة دولية دون ان تكون له هذه الصفة في القانون الداخلي، بل وقد يخلو القانون الداخلي من الإشارة اليه كلية.

الفرع الثاني: التمييز بين الجريمة الدولية والجريمة السياسية

هناك اتجاهين مختلفين في تحديد الجريمة السياسية عن غيرها من الجرائم، ويتمثل الاتجاهين في:

أ- الاتجاه الشخصي: ينظر هذا الاتجاه في تعريفه للجريمة السياسية الى غرض الجاني من ارتكاب الجريمة فلا تعد الجريمة سياسية إلا إذا كان سببها أو غرض الجاني منها سياسيا؛ ذلك أن المجرم السياسي يحاول تغيير البنيان التنظيمي للدولة، وهو بالتالي لا يقصد سوى المساس بالسيادة الداخلية للدولة دون أن يتعدى نشاطه دولة أخرى.

أثبت التاريخ أن الجريمة السياسية مرت بمراحل تتفاوت بين الشده والتخفيف فبعد ان كان المجرم السياسي يعامل اسوأ معاملة في ظل نظام الحكم المطلق، أصبح مميزا ومكرما في عصور الثورات الوطنية ،وامتدت آثار هذه المعاملة الخاصة لتجد مكانها في بعض التشريعات المعاصرة. ومن امثلة ذلك حظر تسليم المجرمين السياسيين، بينما تسليم المجرمين العاديين أمر لا خلاف فيه إذا ما وجدت اتفاقيات بهذا الصدد.

مهما كان الباعث نبيلا، إلا أنه يبقى منفصلا عنها ولا يعتبر ركنا منها وبهذا لا يصلح معيارا لتحديد طبيعتها، وقانون العقوبات لا يراعي أي اعتبار للبواعث في كل الجرائم التي ينص عليها بل يترك ذلك للقاضي الذي يصدر حكمه تشديدا أو تخفيفا بناء على البواعث بين حدي العقوبة عملا بقاعدة التفريد.

إن تحديد الباعث السياسي بحب الوطن يضيق من مفهوم الجريمة السياسية ويستبعد البواعث الأخرى مثل طلب المزيد من الحريات، أو الحقوق أو الطموح أو الانتقام، ومن جهة أخرى قد يوسع مفهوم الوطنية فيحاول الجناة تبرير كل جرائم القتل والسرقة بدوافع سياسية ،فيصبح وصف الجريمة من اختصاص الجناة مما يسهل عليهم الإفلات من العقاب أو التخفيف منه.

ب- الاتجاه الموضوعي: يستند هذا الاتجاه في تعريفه للجريمة السياسية إلى طبيعة الحق المعتدي عليه، فلا تعد الجريمة سياسية إلا إذا كانت موجهة ضد الدستور والنظام السياسي للدولة والحقوق السياسية للأفراد وبالتالي فالجريمة السياسية لا تهم إلا الدولة التي ارتكبت في حقها الجريمة.

لا يميز بعض أنصار الاتجاه الموضوعي بوضوح بين الجريمة السياسية والجريمة الاجتماعية، فهم ويعرفون الجريمة السياسية بأنها تستهدف الدولة في تنظيمها السياسي أو الاجتماعي، يعتمد أنصار المذهب الاجتماعي على طبيعة الحق المعتدى عليه لإثبات الصفة السياسية، وموضوع الجريمة السياسية مازال غامضا ليس له معيار واضح.

يهمل المذهب الموضوعي الركن الشخصي المتمثل في البواعث النبيلة وشرف الهدف والمقصد وهذا يتعارض مع الإرادة الشعبية والضمير العام.

بعد الانتقادات الموجه إلى المذهبين الموضوعي والشخصي والثغرات التي أشرنا إليها سابقا في كلا النظريتين، لجأ بعض الفقهاء إلى ضوابط جديدة ودون اعتناق نظرية دون غيرها ،لمحاولة إيجاد التمييز الواضح بين الجريمة السياسية والجريمة العادية من بينها نظرية الفقيه "شيراخ" حيث قسم الجرائم عامة إلى ثلاثة أقسام هي:

القسم الأول: الجرائم الاجتماعية وهي التي توجه ضد الحق في الملكية، أو ضد الزواج والأسرة.

القسم الثاني: الجرائم الوطنية أو القومية وتتمثل في جرائم الخيانة العظمى، وجريمة التجسس.

القسم الثالث: الجرائم السياسية وهي التي توجه ضد الدستور، أو السلطات الثلاث في الدولة، وهذه الجرائم الخطيرة هي التي يقصد بها عرقلة السلطات الدستورية في الدولة، من ممارسة نشاطها بكل حرية، وهكذا يقتصر "شيراخ" الجرائم السياسية في الجرائم التي توجه ضد الدستور، أو السلطات العليا في البلاد وبهذا يستبعد منها الجرائم الاجتماعية.

تميز بعض التشريعات المجرم السياسي بعقوبات خاصه بل وبإجراءات خاصه مثل فرنسا، ولا يخص القانون المصري الجرائم السياسية بقواعد معينه، وان كان طابع الشدة ظاهر في العقوبات المقررة لها، كما أنه جعل الباعث السياسي ظرفا مشددا في بعض الجرائم.

يُعد المشرع الجزائري من المشرعين الذين لم يتحملوا عبء تعريف الجريمة السياسية، فقد وردت الجرائم السياسية في قانون العقوبات دون تسميتها بالجرائم السياسية، وبما أن الجزائر كانت سنة 1966 حديثة العهد بالاستقلال وخوفا من انزلاق الأوضاع الى فتن جهوية ،اعتمد المشرع على فكرة التشديد في عقوبة الجرائم الماسة بأمن الدولة، حيث قرر عقوبة الإعدام على أغلبيتها.

عدد قانون العقوبات الجرائم الماسة بأمن الدولة في الباب الأول من الكتاب الثالث في الجزء الثاني من قانون العقوبات الجزائري تحت عنوان: الجنايات والجنح ضد الشيء العمومي ثم عدد في الفصل الأول من هذا الباب الجنايات والجنح ضد أمن الدولة، متناولا جرائم الخيانة والتجسس، وجرائم التعدي على الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني، والاعتداءات والمؤامرات والجرائم الأخرى ضد سلطة الدولة وسلامة أرض الوطن، وجنايات التقتيل والتخريب المخلة بالدولة وجنايات المساهمة في حركات التمرد ،كما نص في الفصلين الثاني والثالث على جرائم التجمهر والجنايات والجنح ضد الدستور والاعتداء على الحريات العامة.

وبالنظر إلى موضوع هذه الجرائم نجدها جرائم سياسية حتى وان لم يسمها المشرع الجزائري بهذا الاسم صراحة على أن المشرع الجزائري لم يغفل الإشارة إلى الجرائم السياسية بصورة مطلقة فقد أشار إليها في موضعين.

يتمثل الموضع الأول في الدستور حين أشار اليها في المادة (60) في دستور 1976 وفي المادة (69) من دستور 1996، حيث نصت على أنه: "لا يمكن بحال من الأحوال تسليم لاجئ سياسي يتمتع قانونا بحق اللجوء."  ووردت في المادة (83) من التعديل الدستوري لعام 2016 بنفس المعنى حيث نصت على أنه: لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُسلم أو يطرد لاجئ سياسي يتمتع قانونا بحق اللجوء.

تكرس الموضع الثاني في قانون الإجراءات الجزائية، حيث نصت المادة (698/2) على ما يلي: "لا يقبل التسليم في الحالات التالية: "إذا كانت للجناية أو الجنحة صبغة سياسية، أو إذا تبين من الظروف أن التسليم مطلوب لغرض سياسي.       

أخذ المشرع من حيث العقوبة في قانون العقوبات بالمذهب الشخصي الرامي إلى تشديد العقوبة كغيره من مشرعي الدول العربية والعالم الثالث، فأغلب الجرائم السياسية نجده يعاقب عليها بالإعدام، ومثالها جرائم الخيانة والتجسس (المواد 61 إلى 76 من قانون العقوبات).

يتجسد موقف المشرع الجزائري من تمييز الجريمة السياسية عن غيرها فيلاحظ من استعراض الجرائم في قانون العقوبات، أنه لم يقم وزنا للتفرقة بين الجرائم السياسية والجرائم العادية إذ لم يخصص عقوبات خاصة لهذه الجرائم تختلف عن الجرائم العامة كما فعلت القوانين التي أخذت بنظرية الجرائم السياسية، وهو ما يسمى بوضع سلمين للتجريم، مثل المشرع الفرنسي الذي ميز بين الجرائم السياسية والجرائم العادية فوضع لكل منها عقوبات مختلفة تماما، فعقوبات الجرائم العادية تتمثل في الإعدام والأشغال الشاقة والسجن، أما عقوبات الجرائم السياسية  تكمن في النفي والحبس والإبعاد والتجريد من الحقوق السياسية ...الخ.

لم يفرد المشرع الجزائري للجرائم السياسية إجراءات خاصة بها تختلف عن إجراءات الجرائم العادية بصورة عابرة إلى معيار التمييز بين الجرائم السياسية والعادية في المادة (698) من قانون العقوبات حين تعرضه لتسليم المجرمين إلى دولة أخرى. 

نظرا للأحداث التي شهدتها الجزائر بعد توقيف المسار الانتخابي في جانفي 1992 عدل قانون العقوبات سنة 1995 ليمس هذا التعديل خصوصا تشديد العقوبة في الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية فأضيفت (10) مواد من (87 مكرر إلى 87 مكرر9) معرفة الفعل الإرهابي على أنه كل عمل تخريبي يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي عن طريق أي عمل غرضه بث الرعب أو عرقلة حركة المرور والاعتداء على رموز الأمة وغيرها، وجاءت العقوبات شديدة تتراوح بين الإعدام إلى السجن المؤقت بـ خمسة سنوات ،وكذا تشديد العقوبة حتى على الجرائم المرتبطة بالإرهاب والتخريب.     

ما نلاحظه من هذا التعديل هو أن المشرع الجزائري وتحت خطر الإرهاب الأعمى وشدته على الشعب والسلطة أراد أن يبعد هذه الجرائم عن الجرائم السياسية فلم يلتفت أبدا إلى البعد السياسي الذي كان السبب في بداية الإرهاب في الجزائر، فقد ركز المشرع الذي كان مجلسا انتقاليا غير منتخب وبتوجيه من السلطة السياسية الحاكمة على الجانب الموضوعي وطبيعة الحق المعتدى عليه وجسامة الخطر دون اعتبار للأهداف والنوايا والبواعث ،وكان هذا حرصا من السلطة السياسية أن لا تمنح أية صبغة سياسية لجرائم الإرهاب، التي تجاوزت الإجرام السياسي إلى الجرائم الاجتماعية والفوضوية.

يقودنا هذا الى عناصر المقارنة بين الجريمة السياسية والجريمة الدولية مع التسليم أولا بأن كلتيهما عمدي.

تُميز التشريعات العقابية الجريمة السياسية بمعاملة خاصه للمحكوم عليهم، بينما لا نجد هذه الميزة عند مرتكب الجريمة الدولية، كما يخضع مرتكب الجريمة السياسية لأحكام قانون العقوبات المحلي نجد ان الجريمة الدولية جريمة تستمد صفتها الجنائية من العرف الدولي أو الاتفاقيات وترتكب ضد النظام العام الدولي ولا شأن لها بالنظام السياسي المحلي لأية دولة وان كانت تقع على النظام السياسي الدولي وتحدث اضطرابا في العلاقات الدولية لدرجه قد تعرض السلام الدولي للخطر كالجريمة ضد السلام والجرائم ضد الإنسانية.

إذا كان مبدأ عدم التسليم مبدأ مستقر في الجرائم السياسية الا أن الفقه قد استقر على ان هذا المبدأ يجب ألا يسرى على الجرائم الدولية مثل جرائم الحرب وجريمة ابادة الجنس، وبتر الاعضاء، والاستعباد وغير ذلك من الجرائم ذات الخطورة الجسيمة فتلك لا يجوز ان يتمتع مرتكبوها بحق اللجوء وعدم التسليم أسوة بالجرائم السياسية، بل ذهب الفقه الى استثناء الجرائم السياسية التي يكون الدافع الى ارتكابها خسيسا أو التي يجرى تنفيذها بطريقه مخزية من هذه المزايا واجازة التسليم فيها.

الفرع الثالث: التمييز بين الجريمة الدولية والجريمة العالمية

تعتبر الجريمة العالمية جريمة داخلية تمثل اعتداء على القيم الأساسية في النظام الاجتماعي في كل دولة ،ومن هذه القيم احترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية، ولذلك فالأفعال التي تشكل اعتداء على هذه القيم تجرمها القوانين الجنائية في كافة أنحاء العالم ولذلك سميت بالجرائم العالمية.

تشترك الجريمة الدولية مع الجريمة العالمية في كثير من الخصائص والسمات فنلاحظ أن كلا الجريمتين بالرغم من تنوعهما الا أن كل من الجرائم لها علاقة ببعضها البعض، فهناك اتصال داخلي بين أنواع الجريمة العالمية التي لها علاقة ببعضها من حيث اتصال جريمة الإرهاب بتبييض الأموال، وجرائم الإتجار بالمخدرات بتبييض الأموال، أما الجريمة الدولية فيكون اتصال الجرائم ببعضها من خلال التعاريف الموضوعة إذ نجد أن جريمة الاغتصاب يمكن أن تكون في الجرائم ضد الإنسانية، كما يمكن أن تكون في جريمة الإبادة، وليس هذا فقط بل كلا من الجريمتين لهما آثار تؤدي إلى الأخرى، فغالبا جرائم الإرهاب ينتج عنها جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، وهذه الأخيرة ينتج عنها جريمة الاتجار بالبشر.

نجد أيضا أن هناك علاقة خارجية بين الجريمة العالمية والجريمة الدولية؛ إذ أنه من آثار الجريمة العالمية يمكن أن تخرج جرائم دولية مثل جريمة الإرهاب وجريمة الإتجار بالبشر والتي أفرزت فئة تقوم بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية والاغتصابات وبيع الأعضاء، كل هذه المظاهر نراها اليوم امام المجتمع الدولي حادثة في إفريقيا الوسطى وسوريا، وعلاقة داخلية تمثلت في بروز جرائم تابعة في الجرائم العالمية مثل جريمة غسيل الأموال التابعة لجريمة الإرهاب والجرائم الإلكترونية، أما بالنسبة للجريمة الدولية فنجد في كثير من الأحيان  ينتج عن جرائم الحرب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة.

كلاهما يمس بالأمن والسلم الدوليين، لذلك رصدت لكلتا الجريمتين محاولات دولية اتفاقيات لمحاربتهم، إذ إضافة إلى ذلك تستوجب كلا الجريمتين مواءمة تشريعاتها مع واتفاقيات دولية لمجابهتها، مع استدعاء تطوير المنظومة التشريعية لمواكبة تطور كلا الجريمتين، وكلاهما يمس بالأمن الوطني، إذ تكمن خطورتهما في مساسهما بالسيادة الداخلية للدول، ولهما آثار سلبية سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية، لذلك رصدت لهما ترسانة من القوانين والتشريعات الوطنية لمحاربة هذه الجرائم.

تتعاون الدول على مكافحة الجرائم العالمية عن طريق الاتفاقيات الدولية التي تضع الشروط التي تنتجها قوانين العقوبات الداخلية للدول الاطراف في العقاب على هذه الجرائم، ومن أمثلة هذه الجرائم والوارد تنظيمه في اتفاقيات دوليه نجد تداول المطبوعات الشائنة، والاتجار غير المشروع بالمخدرات، وتزوير العملات، والارهاب، والاتجار بالرقيق الابيض، والاتجار بالنساء والاطفال، والاتجار في الاشخاص واستغلالهم في الدعارة ،  وتتحد كل هذه الجرائم في اعتدائها على القيم الاجتماعية والأساسية للنظم الاجتماعية لجميع الدول، فهذه القيم واحدة في كل الدول ،وتنبع من اسس واحدة يشترك فيها كل الجنس البشرى،  ومن هنا نشأت فكرة التعاون الدولي في مكافحة هذه الجرائم.

تتميز الجرائم العالمية عن الجريمة الوطنية حسب أصحاب التمييز بين الجريمة العالمية والجريمة الدولية  (أصحاب الاتجاه الضيق لمفهوم الجريمة الدولية) في أن الجناة يزاولون نشاطهم في عدة اقاليم تابعة لعدة دول، وواقع الامر أن جرائم مثل الاتجار بالمخدرات وتزوير العملات، والاتجار في الرقيق الابيض قلما تكون محصورة في اقليم دوله بعينها، بل أنه من الملاحظان نشاط الجاني فيها يكون دوليا ومنتشرا في اقاليم عدة دول، ولذلك فهي تشكل خطرا- ليس فقط بالنسبة لمصالح بلد معين – ولكن بالنسبة لمصالح المجموعة الدولية بأسرها، وهذا هو السبب الذي تتعاون من أجله الدول في مكافحة هذا النوع من الجرائم.

هناك اختلاف واضح في القصد بين الجريمة الدولية والجريمة العالمية، فلو أخذنا المقارنة بين جرائم مشابهة كجريمة الإتجار بالبشر تقوم على الاستعباد الجنسي الذي بدوره تقوم عليه الجرائم ضد الإنسانية، غير أن هدف الأخيرة قائم على هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين لأسباب قومية، سياسية، أثنية، عرقية أو دينية بينما جريمة الإتجار بالبشر فهدفها الربح، كما تمس الجريمة العالمية بالاقتصاد الوطني ومنه التحكم حتى في الاقتصاد العالمي إن تمكنت العصابات الدولية من فرض سيطرتها على الموارد الاقتصادية الهامة، بينما الجريمة الدولية تمس بآدمية وانسانية الانسان.

يعتبر موقف الدول من كلتا الجريمتين أهم عنصر في التفرقة فالدولة دائما ما تحاول بسط سلطتها لحماية مرتكبي الجرائم الدولية وفي الغالب هي من تتبنى هذه الجرائم، عكس الجريمة العالمية التي نجد أن أول من يحاربها ويسعى لردعها هي الدولة.

بالإضافة الى ذلك نجد أن:

يتوافر في الجريمة الدولية العنصر الدولي وهي تمس النظام العام الدولي، أما الجريمة العالمية فهي اعتداء على النظام العام الداخلي، ويعتبر قانون العقوبات الوطني هو المختص بتقرير عقوبات الجريمة العالمية وتحديد أركانها أما الجريمة الدولية فيتولى القانون الدولي الجنائي تحديد أركانها والعقوبات المقدرة لها.

بمقتضى خضوع الجريمة العالمية لمبدأ الاختصاص العالمي في نطاق القانون الداخلي فإنه يجب كل على دولة أن تسعى لتوحيد قواعدها الداخلية الجريمة، لان الجريمة العالمية ما هي إلا جرائم داخلية منصوص عليها في القانون الداخلي حيث تتعاون الدول في مكافحتها عن طريق الاتفاقيات الدولية.

نخلص من مقارنتنا بين الجريمة الدولية بغيرها من الجرائم بالنتائج التالية:

- أن الجريمة الدولية جريمة من جرائم القانون الدولي العام فهي جريمة تهدد النظام الدولي أو النظام الاجتماعي العام.

- لا يشترط أن يكون الفعل محظورا في القانون الداخلي أولا حتى ينطبق عليه وصف الجريمة الدولية.

- يتمثل موضوع الجريمة الدولية في انتهاك المصالح التي يحميها القانون الدولي، وبالتالي فهي ضارة بالمجتمع الدولي ونظامه، ذلك ان محلها الاعتداء على المصالح العليا للمجتمع الدولي ،ويستوي في ذلك ان يكون مرتكبها فردا أو دولة.

- ان القانون الواجب التطبيق على هذه الجرائم هو القانون الدولي الجنائي، وليس القانون الجنائي الوطني لأية دولة ،وهو يتكفل ببيان الجرائم التي ينطبق عليها وصف الجريمة الدولية استناد الى العرف أو الاتفاقية الدولية، كما أنه يتكفل ببيان العقوبات الى توقع على مرتكبي هذه الجرائم وان كان ذلك يتم بالرجوع الى القواعد والمبادئ العامة للعقاب في قوانين العقوبات السائدة في العالم.

- يطبق القانون الدولي الجنائي على مرتكب الجريمة الدولية أو فاعلها، وهو عادة فرد أو مجموعة من الافراد، ولا تثير هذه النوعية من الفاعلين الاصليين أية مشكله في التطبيق، وانما الذي يثير التساؤل هو كيفية تطبيق العقوبات الدولية الجنائية على الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة إذا ما كان لهم دور في ارتكاب الجريمة الدولية، ويرى اصحاب المذهب الواقعي والمدرسة الوضعية الإيطالية وجوب مسائلتهم وعقابهم شأنهم شأن الافراد.

المطلب الثالث: أركان الجريمة الدولية

تتكون الجريمة الدولية من أركان  وعناصر، وهذا يعني أن أي واقعة لكي  تعد جريمة يعاقب عليها القانون الدولي الجنائي، كما هو الحال في القانون الجنائي المحلي، لابد من توافر فعل ارادي،  وأن يكون هذا الفعل منصوصا عليه في القانون كواقعة مُجرمة، وأن يكون من الناحية المادية مخالفا للقانون، كما يجب ان يتوافر فيه الركن المعنوي، أي ان يكون هناك فعل خاطئ يمكن اسناده الى فاعله، وأن يكون القانون قد قرر له عقابا، وبناء على هذا ينبغي طبقا للقانون الدولي الجنائي ان تتوافر الأركان التالية في  ً في الجريمة الدولية والمتجسدة في: الركن المادي (الفرع الأول)، الركن المعنوي (الفرع الثاني)، الركن الشرعي (الفرع الثالث)، بالإضافة الى الركن الدولي (الفرع الرابع).

الفرع الأول: الركن المادي

يتمحور الركن المادي في ماديات الجريمة، أي المظهر التي تظهر فيه الى العالم الخارجي ويتدخل القانون من أجله لتوقيع العقاب، إذ بغير ماديات ملموسة لا يتحقق الاعتداء على الحقوق التي يحميها القانون.

يترتب على ذلك، أن القانون الجنائي لا يعتد بالنوايا وحدها إذا لم تفض الى سلوك خارجي ملموس يُعد انعكاسا للإرادة في الواقع من ناحية، وأن الانسان وحده هو الذي يتصور ان يكون فاعلا للجريمة، لأنها لا تعدو ان تكون سلوكا  إراديا يعتد به القانون.

يفترض القانون الدولي الجنائي لقيام الجريمة الدولية وجود تصرف انساني متمثلا في شكل فعل أو امتناع عن فعل، وهذا التصرف هو الذي يمنح الارادة الكامنة داخل مرتكبه تجسيدا ملموسا وواقعيا في العالم الخارجي، فالإرادة الداخلية وحدها دون مظهر خارجي لا تهم القانون الدولي الجنائي ولا يمكن لهذا الاخير أن يقرر المسؤولية لشخص ما بسبب أفكاره ومعتقداته الداخلية، لأنه من الثابت ان حياة الفرد الباطنية لا تقع تحت طائلة القانون.

ان المظهر المادي الملموس هو الذي يجعل الجريمة تحدث الاضطراب في المجتمع، أما النوايا التي لا تتجسد في أفعال مادية موجهة الى ارتكاب الجرائم فان القانون لا يعتد بها لأنها لا تؤثر في المصالح التي يحميها.

يتكون الركن المادي للجريمة الدولية على غرار الجريمة المحلية على ثلاثة عناصر هي السلوك (أولا)، والنتيجة (ثانيا)، والعلاقة السببية (ثالثا).

أولا: السلوك: هو النشاط الصادر عن الجاني من أجل تحقيق غاية إجرامية، كما يعرف بأنه حركة عضوية إرادية ملموسة في الواقع، وهذا المفهوم يشمل عنصرين: الأول يتمثل في استخدام أحد أعضاء جسم الجاني منتجة بذلك أثرا، أما الثاني فيتمثل في إحجام الإرادة عن الفعل المطلوب القيام به قانونا ويترتب على ذلك أثرا يعاقب عليه القانون، فإن لم تحصل هذه الحركة، أو حدثت لكنها كانت نتيجة لقوة ضاغطة على جسم الإنسان دفعته للاصطدام بغيره ،أو إن لم يحصل هذا الإحجام فلا جريمة لانعدام أساسيات الركن المادي.

يتحقق السلوك الايجابي في القيام بفعل يحضره القانون ويؤدي الى قيام الجريمة مثال ذلك ما نصت عليه المادة من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية لغرض هذا النظام الأساسي تعني "الإبادة الجماعية" أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا -:

أ) قتل أفراد الجماعة؛

ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة؛

ج) إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا؛

د) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة؛

هـ) نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخري.

ان السلوك الذي يقوم له الجاني في هذه الحالة إيجابي، تمثل في القيام بفعل يحضره القانون الدولي الجنائي، ولكن هل يمكن تصور ارتكاب جريمة ايجابية عن طريق موقف سلبي كالامتناع او الترك؟ نقول في الإجابة عن هذا السؤال أن الرأي استقر في القانون المحلي انه يمكن ارتكاب جريمة ايجابية بالامتناع بشرط وجود التزام قانوني أو تعاقدي بالتدخل لإنقاذ المجني عليه.

يمكن أيضا ارتكاب جريمة ايجابية بأسلوب سلبي في القانون الدولي الجنائي والمثال على ذلك امتناع الدولة عن توفير الأغذية والمستلزمات الطبية للأسرى فيؤدي ذلك الى وفاتهم مما يترتب عليه ارتكاب جريمة حرب حيث يوجد التزام يفرضه القانون الدولي بموجب اتفاقية جنيف لعام 1949 بشأن معاملة الأسرى على أطراف النزاع بتوفير المستلزمات الطبية والغذائية للأسرى، واذا امتنعت الدولة عن تنفيذ هذا الالتزام وأدى ذلك الى وفاة الأسرى او قسم منهم كنا أمام جريمة ايجابية ارتكبت عن طريق الامتناع.

لا يختلف جوهر السلوك السلبي في القانون الدولي الجنائي عن نظيره في القانون الجنائي المحلي، فهو يتمثل في إحجام الدولة عن طريق الأشخاص الذين يعملون لحسابها عن القيام بعمل يستوجب القانون إتيانه، كامتناع الدولة عن منع السماح للعصابات المسلحة في استخدام أراضيها للإغارة على إقليم دولة أخرى، ومن هنا يتسم السلوك بالسلبية لأنه يتمثل في احجام الدولة عما كان يجب عليها القيام به.

ثانيا: النتيجة: هي التغير في الأوضاع الخارجية التي كانت على نحو معين قبل ارتكاب الفعل، ثم أصبحت على نحو آخر بعد الفصل وهذا التغيير المادي من وضع الى آخر هي النتيجة باعتبارها أحد عناصر الركن المادي للجريمة، وهذا التغيير في العالم الخارجي هو نتيجة لما يُحدثه الفعل من اعتداء على المصالح التي يحميها القانون الدولي الجنائي وتهديده للنظام العام الدولي. 

تتطلب الجريمة الدولية كالجريمة المحلية عنصر النتيجة، ومفهوم النتيجة في القانون الدولي الجنائي لا يختلف كثيرا عن مفهومه في القانون المحلي، فهو أيضا بتنازعه اتجاهان، مادي، وآخر قانوني، بحيث يتمثل الاتجاه المادي فيما يحدثه السلوك الإجرامي من تغيير مادي تدركه الحواس، وبالأخص في الجرائم المادية أو جرائم الضرر.

يتمثل الاتجاه القانوني، في العدوان الذي ينطوي عليه السلوك الإجرامي بالنسبة للحق أو المصلحة الدولية المحمية جنائيا، وكما في الجريمة المحلية، فإنه في الجريمة الدولية تعتبر النتيجة القانونية عنصرا جوهريا في تحقق الركن المادي، بغض النظر عن الآثار المادية، فالجريمة الدولية تنطوي على مساس بمصلحة دولية محمية في القانون الدولي الجنائي، ومن ثم فالمشرع الدولي لا يجرم سلوكا معينا فقط إذا كان ذلك السلوك يلحق ضرار فعليا بالمصلحة الدولية كجريمة الحرب العدوانية، أو يهددها كجريمة التهديد بالعدوان، وانما أيضا إذا كان السلوك كجريمة وضع الألغام الآلية، تحت سطح الماء والتي تنفجر تلقائيا بمجرد التلامس ،فهذه الجريمة لا يتطلب القانون لتحققها حصول ضرر معين، بل يكتفي بمجرد وضع اللغم. تتجسد النتيجة في جريمة العدوان مثلا في الاعتداء على الحق المحمي بموجب القانون الدولي وتتمثل بعدم الاعتداء على حقوق الدولة الاساسية في احترام سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي باعتبارهما مستمدين من الحق الأسمى للدول، وهو حق السيادة.

يظهر لنا أن الاعتداء على حق الدولة في الحفاظ على سلامتها الاقليمية واستقلالها السياسي يشكل جوهر فعل الاعتداء على سيادة الدولة، وقد أشار قرار تعريف العدوان رقم 3314 في 1974 في المادة الأولى منه الى ذلك حيث نصت على (العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة اخرى او سلامتها الإقليمية او استقلالها السياسي).

تجدر الاشارة الى أن الجريمة الدولية لها مسميات مختلفة في نظر الفقه القانوني وذلك تبعا للنتيجة الاجرامية، وتمييزها عن السلوك في بعضها او اندماجها فيه في بعضها الآخر أو تراخيها عنه في شكل ثالث، فهناك الجرائم المادية، حيث نجد انفصالا واضحا بين النتيجة والفعل فلكل منهما كيانه المادي المتميز به كجريمة العدوان، وهناك الجرائم الشكلية، حيث يندمج السلوك والنتيجة معا إذ يجرم القانون الفعل ذاته ولا يعنيه النتيجة ومثالها وضع الالغام البحرية ذاتية التفجير ،وأما الجريمة المتراخية فالنتيجة فيها تتراخى فتحدث في زمان او مكان مختلفين عن زمان ومكان السلوك كما في حالة قيام دولة بإطلاق صواريخ من دولة او قارة الى اخرى تتحقق فيها النتيجة الاجرامية من قتل وتخريب.

ثالثا: العلاقة السببية: يقصد بها وجود صلة بين السلوك والنتيجة بمعنى إثبات أن الأخيرة ما كانت لتحدث في العالم الخارجي ما لم يتم ارتكاب عمل معين أو الامتناع عن عمل محدد، بمعنى أنها مقتصرة على الجرائم المادية أي الجرائم ذات النتيجة، دون الجرائم الشكلية التي لا يتطلب القانون تحقق النتيجة فيها لذا فإن القول بإسناد هذه النتيجة إلى شخص معين هو بمثابة تأكيد لرابطة السببية بين هذه الجريمة وبين فاعلها.

يجب أن نشير الى أن الركن المادي قد يتخذ صورتين أخريين هما الشروع والمساهمة الجنائية وهما صورتان يعاقب عليهما القانون الدولي الجنائي أيضا فهناك نصوص في القانون الدولي الجنائي تجرم الشروع في الجريمة الدولية وأخرى تعاقب على المساهمة الجنائية.

الفرع الثاني: الركن المعنوي (القصد الجنائي)

لا يختلف مفهوم الركن المعنوي في القانون الجنائي الدولي عنه في القانون المحلي، فهو يقوم أيضا على عنصري العلم والإرادة، كما أنه محل إجماع بين جميع الفقهاء، وسجلته كافة المواثيق الدولية، حيث أن القانون الدولي الجنائي يتطلب وجوب علم الجاني بالوقائع الإجرامية التي تتكون منها الجريمة لقيام القصد الجنائي، بل وقد قامت محكمة نورمبورغ بتشديدها في ذلك ومشترطة في ذلك ضرورة توافر العلم الحقيقي بجميع العناصر التي تتكون منها الجريمة لقيام القصد الجنائي ،وأكدت في ذلك على أن الجهل  والغلط في الوقائع ينفي القصد الجنائي.

يوجب القانون الدولي الجنائي التسوية بين نوعي القصد الجنائي، فإذا توافر لدى الجاني القصد الجنائي الاحتمال بالنسبة للجريمة الدولية يجب عليه أن يسأل عنها مسؤولية عمدية ،هذا نظرا للطبيعة الخاصة للقانون الدولي الجنائي، إذ أنه في أغلب أجزائه قانون عرفي، لذلك فإن الجرائم المعاقب عليها ينقصها التعريف الدقيق الواضح ،ولتحديد أركانها وعناصرها يتطلب الاعتراف للقاضي بالسلطة التقديرية ليتكشف بها العرف الدولي الذي يحدد تلك الجرائم، فمثلا القصد الجنائي في جرائم الحرب هو إطلاق صاروخ على مستشفى بقصد تدميرها وقتل من فيها من المرضى والجرحى ،أما القصد الاحتمالي في ذات المثال، أن يطلق الصاروخ بقصد تدمير المستشفى دون أن تنصرف إليه النية إلى قتل المرضى والجرحى، لكن مطلق الصاروخ توقع قتل هؤلاء و لم يثنه ذلك على عمله، وان كان لم يهدف لقتلهم أساسا.

إن لم تكن عناصر الجريمة محددة بذاتها بوضوح فإنه من غير المعقول أن  يُطلب تحديدها بوضوح في نفسية الجاني على النحو الذي تتطلبه فكرة القصد المباشر، لذلك لأجل كفالة التطبيق السليم للقانون الدولي الجنائي ينبغي الاكتفاء بتحديد تقريبي، أساسه الاحتمال لا اليقين، بالإضافة إلى ذلك فإن الجرائم الدولية في الغالب لا يقترفها الجاني لحسابه الخاص، وانما يقترفها لحساب وباسم الدولة ، كجرائم الحرب التي يرتكبها العسكريون أو المدنيون، لا يرتكبونها لحسابهم الخاص أو لمصلحتهم الشخصية، ولكنهم يرتكبونها لحساب دولتهم وبناء على تعليمات صادرة إليهم من قيادتهم، فالجندي الذي يطلق صاروخا على مدرسة تابعة لدولة الخصم قد لا يعرف اسم الحي الذي به المدرسة أو المدرسة ذاتها وأسماء الأشخاص الموجودين بها، ولكنه أطلق الصاروخ بناء على تعليمات قياداته فالقصد المتوافر هنا احتمالي وليس مباشرا، وكذلك الحال في معظم جرائم الحرب.

لا يعنيه في هذه الحالات على نحو مباشر أن يتدبر جميع النتائج المترتبة على فعله ،بحيث لا يقدم عليها إلا إذا كانت تمثل غرضا له ليستأهل السعي لتحقيقها بل إنه في أغلب الأحوال يقدم على الفعل ونتائجه دون تدبره كافة النتائج المترتبة على فعله، فإذا كان مقترف الفعل قد قبل احتمال حدوثها فيجب أن يعتبر ذلك كافيا حتى يسأل عن الجريمة مسؤولية عمدية، -مثلا من يسقط طائرة لدولة أخرى فقد لا يفعل ذلك و نيته تتجه إلى شن الحرب إلا أنه إذا ثبت أنه قد توقع ذلك وقبله ثم نشبت الحرب كأثر لفعله وجبت مساءلته عن جريمة شن الحرب مسؤولية عمدية، وهناك بعض الجرائم الدولية لا يتصور اقترافها بغير قصد مباشر ولا يمكن أن تقوم على قصد احتمالي ،مثل جريمة الإرهاب الدولي وأخذ الرهائن، جريمة القرصنة الدولية.

يُعرف القانون الدولي الجنائي فكرة القصد الجنائي الخاص، الذي يسعى بمقتضاه الجاني إلى تحقيق غرض آخر تجاوز مجرد النتيجة الأصلية في الجريمة، وقد نصت على ذلك المادة (2) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي استلزمت ارتكاب إحدى الجرائم التي نص عليها في هذه الاتفاقية بغرض تدمير لجماعة وطنية أو طائفية أو جنسية أو دينية بصفة كلية أو جزئية، واتفاقية لاهاي في 16/12/1970 التي تتعلق بالقبض غير المشروع على الطائرات المدنية، وان لم تتحدث عن الركن المعنوي لتلك الجريمة ولكن طبيعة هذه الجريمة لا يمكن أن تقترف إلا عمدا، فهي من الجرائم العمدية التي لا يكفي لقيامها توافر القصد الجنائي العام، بل يلزم إلى جانب ذلك توافر القصد الجنائي الخاص المتمثل في نية الاستيلاء على طائرات أو اختطافها، والمادة الأولى من اتفاقية مونتريال بتاريخ 23/09/1971 حددت الجرائم التي يتوافر فيها القصد الجنائي، إذ لابد من اقتراف أفعال العنف ضد الأشخاص الذين على ظهر الطائرة عمدا، فإن اقترفت بالخطأ فإن تلك الأفعال لا يكون خاضعة لأحكام الاتفاقية المشار إليه.

الفرع الثالث: الركن الشرعي

يثير الركن الشرعي في الجريمة الدولية صعوبة لا تثيرها – بالحدة نفسها- بقبة الأركان لأن قواعد التجريم والعقاب في القانون الدولي الجنائي لا تتمتع بالوضوح لغلبة الطابع العرفي علبها، فإذا كانت القاعدة الشرعية في التشريعات الجائية المحلية هي (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) فإنها في القانون الدولي الجنائي تكون (لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون) دون تحديد طبيعة هذا القانون كونه عرفا أو اتفاقا،  ولهذا ينبغي التعامل مع الركن الشرعي في الجريمة الدولية بمرونة اقتضتها طبيعة القانون الدولي الجنائي (العرفية في الغالب).

إذا سملنا للعرف بخاصية التطور وعدم الثبات سلمنا من جهة أخرى بالتطور العلمي والتكنولوجي السريع الذي ينعكس على قواعد هذا العرف، و تبعا لذلك فإذا أراد القاضي الدولي تكييف واقعة معينة بأنها تشكل جريمة دولية من عدمه ينبغي عليه الرجوع إلى مجموعة المصادر التي تعبر عن ضمير المجتمع الدولي  وقيمه الاجتماعية والأخلاقية والإنسانة والتي لا تتوقف عند حد العرف الدولي أو الاتفاقيات الدولية، وانما يتعين عليه البحث عنها في بقبة مصادر القانون الدولي المشار إليها في المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

ان المتعارف عليه أن مصدر الجريمة الدولية يوجد في قاعدة عرفية أو اتفاقية، ولا يوجد مشرع دولي معترف به صراحة يتولى تقنين قواعد القانون الدولي الجنائي، خلافا للجريمة المحلية التي تجد مصدرها في مصادر معينة بذاتها، فلا يجوز بالتالي محاكمة شخص عن فعل لا يعتبره العرف الدولي جريمة في الوقت الذي ارتكبت فيه، يستوفي في ذلك أن يكون الفعل مُجرما بواسطة العرف مباشرة أو النص على صفته في معاهدة أو اتفاقية دولية.

تقوم العدالة الجنائية على عدة مبادئ منها، مبدأ الشرعية الذي ينص على أنه: "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، واذا كان مبدأ الشرعية في القانون الداخلي يعني أن مصدر التجريم والعقاب هو القانون المكتوب فإنه في مجال القانون الدولي الجنائي لا يتصور أن يكون لمبدأ الشرعية نفس الصياغة في القانون الداخلي.

ترتيبا على ذلك يثار هنا تساؤلين هل مبدأ الشرعية المعروف في القوانين المحلية هو ذاته في القانون الدولي الجنائي، أم لهذا المبدأ في القانون الدولي الجنائي طبيعة خاصة؟ واذا كان القانون الدولي الذي يعد القانون الدولي الجنائي أحد فروعه من القوانين العرفية القائمة على الأعراف والتقاليد الدولية فهل مبدأ الشرعية يسري عليه؟ على اعتبار أن الجرائم لم توصف مسبقا في نصوص قانونية مكتوبة.

ان لهذا المبدأ في القانون الدولي الجنائي أهمية مشابهة لأهميته في القانون المحلي، فالقانون الدولي لا يمكنه إهدار اعتبارات العدالة ،وليس بإمكانه تجاهل حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية مثله في هذا مثل القانون الداخلي، (فالعدالة الجنائية تقتضي إعمال هذا المبدأ لحماية الحقوق والحريات الشخصية من التعسف، ولتجنب التأثير على القاضي الذي قد تمارسه عليه السلطة أو تمليه عليه ظروف معينة، فمن أجل إقامة العدالة ومنع التعسف يتعين أن يكون القانون هو مصدر التجريم الوحيد، وأن يكون الزجر والردع من صنيع العدالة وليس ممارسة الانتقام).

إذا كان لهذا المبدأ نفس الأهمية، فيجب أن نقر أن له خاصية متميزة في القانون الدولي الجنائي، ويمكن القول بصفة مبدئية، أنه لا يمكن القول بقاعدة الشرعية الموضوعية في القانون الدولي الجنائي، لأن قواعده عرفية في مجملها، ولذلك فعندما يريد القاضي الجنائي الدولي أن يكيف واقعة معينة على المستوى الدولي، بأنها مشروعة أو غير مشروعة، فيجب الرجوع إلى مجموع المصادر التي تعبر عن المجتمع الدولي، والتي تمثل في مجملها أخلاقيات العالم المتمدن، والتي لا تقف عند حد الاتفاقيات الدولية، وانما المصادر الأخرى للقانون الدولي وهي التي عددتها المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية وهي الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة، العرف الدولي المقبول بمثابة قانون، مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة، أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم، مبادئ العدل والإنصاف متى وافق الأطراف على ذلك.

نجد في القانون المحلي أن القانون هو إرادة معبر عنها، وهذه الإرادة لا تنفصل عن التعبير أي الصيغة، بينما في القانون الدولي -العرفي المصدر- فإن الإرادة منفصلة عن الصيغة، وفي حالات سابقة عليها بوقت طويل وهذا الفصل بين الإرادة والتعبير عنها إن وجد بصفة استثنائية في القانون الداخلي عليها بوقت طويل فإنه يكون في مجال القوانين التفسيرية ،في حين أن هذه الطريقة هي الثابتة في القانون الدولي، فالإلزام فيه يأتي من العرف، وهذا العرف غير مصاغ في نصوص وغير معبر عنه وينتظر التعبير عنه في نص، هذا التعبير الذي قد يتجسد في شكل معاهدة أو اتفاقية دولية أو قرار مؤسسة دولية يفرض نفسه بسبب طابعه الكاشف، وقد يكون حكم جهة قضائية دولية.

يتجلى ترتيب لما سبق ،أن مبدأ الشرعية لا يحظى في القانون الدولي الجنائي بنفس المعنى الذي يحظى به في القانون الجنائي الداخلي، فالقانون الدولي الجنائي هو قانون عرفي، وبالتالي فإن مبدأ الشرعية ذو صفة عرفية، أي لا وجود لفكرة الجريمة الدولية في نصوص مكتوبة وانما مصدرها هو العرف الدولي.

يصاغ أيضا العرف الدولي في نصوص اتفاقيات دولية مكتوبة، ومعاهدات إذ أن هناك نصوصا محدودة في هذه المعاهدات والاتفاقيات والتي قد نصت على أفعال تعد جرائم دولية، ومن أمثلتها إبادة الجنس يرجع تجريمها إلى العرف الدولي ،وليس إلى تاريخ انعقاد هذه الاتفاقية وانما ينحصر دورها في بيان العقوبة فقط، وكذا جرائم الحرب وجرائم الاعتداء والجرائم ضد الإنسانية المنصوص عليها في لائحة نورمبرج الملحقة باتفاقية لندن بتاريخ 08 أوت 1945.

حسم النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جانب الشرعية في القانون الدولي الجنائي حينما حدد مصدر التجريم والعقاب والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة وهذا حسب المادة (21) منه.

بدأت الصعوبة التي كان يثيرها الركن الشرعي للجريمة الدولية في اعتقادنا تتضاءل أمام حملة التقنين المتزايدة التي شملت معظم موضوعات القانون الدولي العام بما فيها الجريمة الدولية والقانون الدولي الجنائي عموما، حيث حظيت أهم الجرائم الدولية باتفاقيات محددة؛ فجرائم الحرب مثلا قننت أول الأمر في اتفاقية جنيف لعام 1864 ثم في اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و 1907 وأخيرا في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، وجريمة الإبادة الجماعية قننت في اتفاقية قمع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948، وجريمتا التمييز العنصري والفصل العنصري قننت كل منهما في اتفاقيتين تباعا عامي 1965 و 1973، وجريمة التعذيب قننت في اتفاقية مناهضة جريمة التعذيب والعقاب عليها لعام 1984، ولا ننسى دور الأنظمة الأساسية للمحاكم الدولية الجنائية منذ محكمتي نورمبرغ وطوكيو في تقنين الجرائم الدولية وتوضيح أركانها؛ بل وببان إجراءات المتابعة والمحاكمة عليها.

الفرع الرابع: الركن الدولي

ان الذي يميز بين الجريمة الدولية عن الجريمة المحلية هو الركن الدولي، فهذا الأخير هو الذي يضفي على الجريمة صفة الدولية، وبانتقائه ينتفي هذا الوصف، وهذا الركن له جانبان، الأول شخصي، ويتجسد في ضرورة أن تكون الجريمة الدولية ترتكب باسم الدولة أو برضاء منها، بالرغم من كون الجريمة مرتكبة من طرف شخص طبيعي، غير أنه لا يرتكبه بصفته الشخصية وانما بناء على طلب الدولة أو باسمها أو برضائها.

يتمثل الجانب الموضوعي في أن المصلحة المشمولة بالحماية لها صفة الدولية، فالجريمة الدولية تقع مساسا بمصالح وقيم المجتمع الدولي أو مرافقه الحيوية، أو أن الجناة ينتمون إلى أكثر من دولة.

يضفي هذا الوصف على الجريمة عنصر الدولية، وهو معيار للتفرقة بين الجريمة المحلية والجريمة الدولية، فالركن الدولي يستمد وجوده من مصالح أو الحقوق التي يطالها الاعتداء، ذلك أنه يتوافر بالاعتداء على المصلحة أو حق يحميه القانون الدولي الجنائي.

يقصد بالركن الدولي -بناء على ما سبق توضيحه- قيام الجريمة الدولية إما بناء على خطة مدبرة من دولة أو مجموعة من الدول، وتنفيذها من طرفها معتمدة في ذلك على قوتها وقدراتها ووسائلها الخاصة، وهي قدرات لا تتوافر لدى الأشخاص العاديين حتما، واما بناء على تنظيم محكم ومستمر يقوم بارتكاب جرائم توصف بالخطيرة يمتد تأثيرها إلى الوسط السياسي والاقتصادي والقضائي للوصول للثروة أو السلطة، ولا تتوان في استخدام العنف والإرهاب من أجل تحقيق أغراضها، ويتعدى نشاطها حدود الدولة الواحدة، وأن هذا النوع من الجرائم قد تستعمله الدولة المنتهكة لقواعد القانون الدولي لزعزعة الاستقرار الأمني والسياسي لدولة أخرى.

هناك مجموعة من الشروط يجب توافرها لتحقق الركن الدولي للجريمة الدولية والمتمثلة في:

1- في حالة إتيان فعل أو امتناع عن فعل يمثل عدوانا على مصلحة أو حق يحميه القانون الدولي الجنائي، وعلى هذا النحو فإن الركن الدولي يستمد وجوده من نوع المصالح أو الحقوق التي يصيبها العدوان، فالقانون الدولي الجنائي يهتم بحماية المصالح والحقوق الدولية، ولكن العكس ليس صحيحا ذلك لأن بعض المصالح والحقوق يحميها القانون الدولي دون القانون الدولي الجنائي، ويعود ذلك إلى كون القانون الدولي الجنائي أضيق نطاقا، باعتباره مقتصرا على حماية الحقوق والمصالح الدولية الهامة فهي وحدها الجديرة بالحماية الجنائية ،أما ما عداها فيكفي الجزاء غير الجنائي لحمايتها.

2- اذا ارتكبت الجريمة الدولية بناء على تخطيط مدبر أو تدبير من دولة ضد دولة أخرى ومثل هذا النوع  نجد الجرائم المنظمة العابرة للوطن، وجرائم الإرهاب التي ترتكبها بعض المنظمات أو الأفراد، متى كانت توجهه ضد دولة أو هيئة دولية أو ضد أشخاص مشمولين بالحماية الدولية، ولو لم تكن من ورائهم دولة تدبر وتحرض على ارتكاب هذه الأفعال، فليس من الضروري أن تكون تلك الأفعال من تدبير أو تحريض دولة حتى توصف بأنها جرائم دولية، إذ يكفي أن ترتكب ضد دولة ما، أو ضد هيئة محمية دوليا، أو ضد أشخاص محميين دوليا (الديبلوماسيين)، أو ضد الملاحة المدنية الدولية والبريد والاتصالات الدولية، وكان الجناة ينتمون لأكثر من دولة، أو امتد ضرره لأكثر من دولة فمثل هذه الأفعال الموصوفة بهذا الوصف تتمثل خطورتها الإجرامية في كون ضررها يمتد وينتشر لأكثر من دولة، ويعرض المصالح الدولية والقيم الإنسانية للخطر.

3- يتوفر في الأفعال الإجرامية المرتكبة من طرف بعض المنظمات الإرهابية أو الأفراد إذا كانت موجهة ضد دولة ما، أو تضمنت اعتداء على المصالح أو المرافق الدولية أو على الأشخاص المتمتعين بحماية دولية، ولو لم تكن هناك دولة تدبر أو تحرض على ارتكاب هذه الجرائم ضد دولة طالما توافر لها أحد العناصر الدولية.

4- يرى الرأي الغالب في الفقه الدولي الجنائي إلى أنه يلزم لتوافر الركن الدولي أن يعمل الفرد مرتكب الجريمة الدولية باسم الدولة أو لحسابها، إذ أن صفة الفرد يستمدها من تفويض الدولة له سواء منحته منصبا عاما مرتبطة به اختصاصات معينة، أو فوضته عنها في عمل معين، أو أن تعهد إليه باختصاصات معينة تتيح له ظروفا يستطيع استغلالها في اقتراف الفعل الإجرامي.

إذا قام الأفراد العاديين بارتكاب جريمة دولية فإنهم يسألون عنها، ذلك لأن القانون الدولي الجنائي يحرك مسئوليتهم الجنائية، وهو يلقي بها على عاتق أعضاء الحكومة وكبار موظفيها وضباطها الكبار الذين ينفذون خطة دولتهم ويعملون باسمها ولحسابها، أما بالنسبة لصغار الجنود فهم يكونون بمنأى عن العقاب من هذه المسؤولية لأنهم يأتون جرائمهم تحت ضغط الإكراه المعنوي الواقع عليهم من طرف رؤسائهم.

5- تكتسب الجريمة صفة الدولية إذا وقعت على النظام السياسي الدولي كالجريمة ضد السلام وضد أمن البشرية أو ضد الأفراد أو الملكيات أو الأموال في أكثر من دولة.

6- إذا انطوت الجرائم على إشاعة الفزع وبث الرعب في النفوس، ويرى الفقيه "بيلا" أنه يشترط لتوافر العنصر الدولي في جرائم الإرهاب أن تؤدي تلك الأفعال إلى إحداث ضرر بالعلاقات الدولية الودية، وأن تكون موجهة إلى دولة بخلاف التي أعدت فيها أو ضد رعايا دولة أجنبية أو ضد أموالهم.

المرجع:

  1. د. لونيسي علي، محاضرات في مادة الجرائم الدولية، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ماستر، جامعة آكلي محند ولحاج – البويرة- كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية: 2019/2020، ص3 إلى ص56. 

google-playkhamsatmostaqltradent