ماهية آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية

ماهية آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية

ماهية آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية

قصد الوقوف على الحقيقة العلمية لآلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية والتي تعرف عدة ملابسات تنبني عليها ماهيتها، ينبغي الرجوع إلى خلفيتها التاريخية، وذلك من منظور تشريعي بحت، ليتسنى دراسة مدلولها بشكل تقني مباشر، الأمر الذي يستوجب تضمين مطلبين، يخصص أولهما لدراسة تطور هاته الآلية، ويخصص ثانيهما لبحث مدلولها. 

المطلب الأول: تطور آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية

لم تكن آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية بمعزل على النظام السياسي والاقتصادي للبلد في فترات مختلفة، والذي له انعكاس مباشر على الجانب الموضوعي والإجرائي لهاته الآلية، نظام تبنته دساتير متعاقبة، وأفصحت عليه نصوص تشريعية متتالية، جعلت لها ثبوت قانوني، وهو ما سيعنى بالشرح والبيان في فرعين على التوالي.

الفرع الأول: التأسيس الدستوري لآلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية

عرفت الملكية العقارية في الجزائر تطورا ملحوظا منذ الاستقلال من الناحية التشريعية ،والمتغير المتحكم في ذلك، هو النمط السياسي والاقتصادي الذي مر به البلد، والذي ظهرت أطره العامة في شكل فلسفة حملت مضامينها مختلف الدساتير المتعاقبة على الجزائر، والتي كان لها انعكاس على التأسيس الدستوري للملكية الخاصة حقا وقيدا، سواء قبل سنة 1999، أو بعد ذلك، باعتبارها سنة منعرج النظام القانوني الجزائري.

أولا- مناط نزع الملكية في دساتير قبل سنة 1990:

اعترف دستور سنة 1991 بالملكية الخاصة في صورة معينة وهي تلك التي تكون موضوع استغلال مباشر من قبل أصحابها، ويتضح ذلك من المادة 16 التي نصت: «الملكية الفردية ذات الاستعمال الشخصي أو العائلي مضمونة، الملكية الخاصة غير الاستغلالية كما يعرفها القانون جزء لا يتجزأ من التنظيم الاجتماعي الجديد، الملكية الخاصة لا سيما في الميدان الاقتصادي يجب أن تساهم في تنمية البلاد وأن تكون ذات منفعة اجتماعية وهي مضمونة في إطار القانون، ...»، وفي نفس الوقت  أكد على إمكانية نزع الملكية العقارية الخاصة بموجب المادة 17 التي نصت: «لا يتم نزع الملكية إلا في إطار القانون ويترتب عنه أداء تعويض عادل ومنصف، لا تجوز معارضة إجراء نزع الملكية للصالح العام بحجة أية اتفاقية دولية».

بمعنى أن فلسفة هذا الدستور بينت على مبدأ مفاده ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، وفكرة المجموعة الوطنية، مبادئ كان لها أثر على الملكية، فهاته الأخيرة إذا أدت وظيفة اجتماعية تأتت من الفعل الاستغلالي لها، يعترف بها القانون ويضمنها، كما يجيز امكانية نزعها، والذي يظهر من النص، تشددٌ في ذلك، حتى  وان اعترف بمبدأ التعويض العادل والمنصف.

أما دستور سنة 1989 فقد أحدث تغييرا جذريا في النظام السياسي والتوجه الاقتصادي للدولة الجزائرية، فكان بمثابة ميلاد لجمهورية جديدة في تلك الفترة، إذ وافق عليه الشعب عن طريق استفتاء 23/02/1989، ونشر في الجريدة الرسمية بموجب مرسوم رئاسي.

أكد هذا الدستور على مبدأ حماية الملكية الخاصة بصريح النص: «الملكية الخاصة مضمونة...»، كما أكد على إمكانية تطبيق آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية: «لا يتم نزع الملكية إلا في إطار القانون ويترتب عليه تعويض قبلي عادل ومنصف».

ثانيا- مناط نزع الملكية في دساتير بعد سنة 1990:

بالنسبة لدستور سنة 1996 والذي صدر بموجب مرسوم رئاسي، أكد في باب الملكية، على نفس المبادئ المتضمنة في دستور 1989 تقريبا، عندما كرس حق التملك وفقا بموجب المادة 52 التي نصت: «الملكية الخاصة مضمونة...»، كما نص على مقتضيات نزع الملكية بموجب المادة 20 التي أكدت: «لا يتم نزع الملكية إلا في إطار القانون ويترتب علية تعويض قبلي عادل ومنصف».

أما بالنسبة لتعديلات هذا الدستور ،سنة 2002 وسنة 2008، فإنها لم تمس النصوص التي لها علاقة بحق الملكية وكذا بإجراء نزعها كقيد عام وارد عليها، أما بالنسبة لتعديل سنة 2016 فعرف تغييرا شكليا للنصوص بنفس المضمون، إذ كرس مبدأ ضمان حق التملك بموجب المادة 64، ونفس الشيء بالنسبة لآلية نزع الملكية مع تغيير طفيف بخصوص التعويض إذ أن المؤسس الدستوري حذف كلمة "قبلي"، وهو ما يظهر جلاء من نص المادة 22 في صريح لفظه وواضح معناه: «لا يتم نزع الملكية إلا في إطار القانون ويترتب علية تعويض عادل ومنصف».

أما بالنسبة لتعديل سنة 2020، فقد وضع حدا لمفارقة ثابتة في الدساتير السابقة ،والتي كانت تجعل نص التقييد تحت الباب المتعلق بالدولة، والنص الضامن للملكية تحت الباب المتعلق بالحقوق والحريات، رغم أن كلاهما يتعلق بالملكية الخاصة ،مفارقة ولو كانت في ظاهرها ذات طابع شكلي، إلا أنها ذات بعد موضوعي مفاده أن الملكية الخاصة وان كانت مضمونة إلا أنها عرضة لأن تنتزع، والناظم لهذا، هي أحكام القانون.

إذ دمج تعديل سنة 2020 النص الذي يؤكد على مبدأ ضمان الملكية الخاصة مع النص الذي يجيز نزعها، وذلك في نص واحد ورد تحت باب الحقوق والحريات ،هو نص المادة 60 التي جاء فيها: «الملكية الخاصة مضمونة، لا تنزع الملكية إلا في إطار القانون وبتعويض عادل ومنصف»، كما جعل من التعويض العادل والمنصف، مرحلة تتحقق في خضم إجراء اتنزع الملكية، لا قبلها كما كان في دستور 1989، ولا بعدها كما كان في دستور 1996. 

الفرع الثاني: الثبوت القانوني لآلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية

مصاحبة للتأسيس الدستوري لآلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، أصدرت المؤسسة التشريعية في الجزائر نصوصا تم من خلالها ضبط حدود آلية نزع الملكية من أجل من الناحية الموضوعية والإجرائية، وذلك بنصوص مباشرة عنيت بهاته الآلية تقنيا.

أولا- أمر سنة 1976:        

صاحب هذا الأمر التوجه الاشتراكي الذي تبنته الدولة الجزائرية في تلك الفترة، المكرسة مبادؤه في دستور سنة 1976، توجه وان كان ذا أثر سياسي اقتصادي بالدرجة الأولى، إلا أن نفاذه تطلب نصوص تشريعية تسمح بتجسيده.

جعل هذا الأمر من آلية نزع الملكية وسيلة استثنائية لامتلاك العقارات والحقوق العينية العقارية، وذلك من قبل الأشخاص العموميين وحتى المؤسسات الاشتراكية ذات الطابع الاقتصادي والثقافي.

كما ضبط أسس نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، وهي تقريبا نفس الأسس الثابتة المعمول بها حاليا، مع وجود بعض الاختلافات من الناحية الإجرائية الخاصة النابعة من صميم النظام السائد أنذاك، أي النظام الإشتراكي وفلسفة المجموعة الوطنية.

ثانيا- قانون سنة 1991: 

جاء هذا القانون كأحد علامات التوجه السياسي والاقتصادي للدولة بصفة عامة، وفي ظل نمط تشريعي جديد للملكية العقارية الثابت خصوصا بموجب قانون التوجيه العقاري، ولقد وضّح القانون رقم 91-11 المعالم الكبرى لآلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، إذ تضمن سبعة فصول، خصص أولها لتعريف هاته الآلية بينما خصصت الفصول من 02 إلى 06 لبيان وتوضيح الأحكام الإجرائية المرتبطة بهاته الآلية، في حين تضمن الفصل السابع أحكاما مختلفة وكل ذلك فيما مجموعه خمسة وثلاثون مادة قانونية.

ما تجدر الإشارة إليه أن القانون رقم 91-11 عرف عدة تعديلات بموجب قوانين المالية المتعاقبة، وبالتحديد قانون المالية لسنة 2005 وكذا قانون المالية لسنة 2008، كما صدر لتطبيقه مرسوم تنفيذي خاص والذي بدوره شهد عدة تعديلات، مواكبة للتعديلات التي لحقت القانون الإطار، إذ عدل المرسوم سنة 2005 وكذا سنة 2008.

المطلب الثاني: مدلول آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية

تراوح هذا المدلول من نص إلى آخر من النصوص المتعاقبة ذات الصلة بآلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، ولبيان جوهره ينبغي الوقوف على مقصود الآلية وكذا تمييزها عما يشبهها من مفاهيم، وذلك في فرعين على التوالي. 

الفرع الأول: مقصود آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية 

يتضح مقصود آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، من خلال بيان تعريفها الذي يسمح بإجلاء معناها، وكذا استنتاج خصائص لها إبرازا لأهم سماتها.

أولا- تعريف آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية:

في إطار أحكام القانون المدني لم يعرف المشرع هاته الآلية بشكل مباشر، وانما وضّح معالمها الكبرى، وهو ما يظهر جلاء من النص الآتي: «لا يجوز حرمان أي أحد من ملكيته إلا في الأحوال والشروط المنصوص عليها في القانون، غير أن للإدارة الحق في نزع جميع الملكية العقارية أو بعضها أو نزع الحقوق العينية العقارية للمنفعة العامة مقابل تعويض منصف وعادل، واذا وقع خلاف في مبلغ التعويض وجب أن يحدد هذا المبلغ بحكم قضائي، إلا أن تحديد مبلغ التعويض يجب ألا يشكل بأي حال مانعا لحيازة الأملاك المنتزعة».

ما يتضح من هذا النص أن نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية يعتبر من بين الوسائل الاستثنائية التي قد تلجأ إليها الدولة بمفهومها العام، وأن هناك تشددٌ قانوني في حماية حقوق الشخص المنزوعة ملكيته، إذ أن عدم الاتفاق على التعويض يفضي مباشرة وبشكل إجباري إلى القضاء، وذلك ما يتناقض جملة وتفصيلا مع مضمون أحكام التعويض الثابتة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 93-186، والتي جعلت من مسألة اللجوء إلى القضاء جوازية.

أما في إطار القانون 91-11، فقد عرّف المشرع بشكل صريح مباشر آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية كما يلي: «يعد نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية طريقة استثنائية لاكتساب أملاك أو حقوق عقارية، ولا يتم إلا إذا أدى انتهاج كل الوسائل الأخرى إلى نتيجة سلبية، وزيادة على ذلك لا يكون نزع الملكية ممكنا إلا إذا جاء تنفيذا لعمليات ناتجة عن تطبيق إجراءات نظامية مثل التعمير والتهيئة العمرانية والتخطيط تتعلق بإنشاء تجهيزات جماعية ومنشآت وأعمال كبرى ذات منفعة عمومية».

ما يلاحظ أن المشرع تناول هاته الآلية بنوع من التفصيل مقارنة بالتعريفات السابقة، إذ لم يكتفي ببيان الصفة الاستثنائية لها وانما وضّح أبرز مقتضياتها والتي تأتي كانعكاس لتطبيق مختلف الإجراءات النظامية المرتبطة بالتهيئة والتعمير وفقا للقانون الإطار في هذا المجال، فالمقصود التقني لذلك هو تلك العمليات التنظيمية لمجال معين، والتي تسمح بتحديد شروط استعماله، إذ ان التهيئة فنٌ  يخدي في النهاية إلى نتيجة محددة.

أما المقصود القانوني لذلك فهي الأدوات الجماعية للتهيئة والتعمير، المجسدة عبر كلمن المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير، وكذا مخطط شغال الأراضي فضلا على مختلف أدوات التخطيط، هذا الأخير الذي يجسد مجموعة التحضيرات والتدخلات والأعمال التي تحدد رؤية واضحة للمستقل، والتخطيط المذكور في النص يحمل على التخطيط المجالي المباشر الذي يندرج في صميم ما يعرف بسياسة تهيئة الإقليم المنظمة بالقانون رقم 01-20.

ثانيا- خصائص آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية: 

ما يتضح من النصوص السابقة لاسيما تلك الثابتة في أحكام القانون رقم 91-11، أن آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية تتسم بجملة من الخصائص، إذ أنها إجراء استثنائي يرد على الملكية العقارية الخاصة، كما يهدف لتحقيق المنفعة العمومية ويكون مقابل تعويض.

1- نزع الملكية إجراء استثنائي يرد على الملكية العقارية الخاصة:

يستنتج ذلك من نص المادة 02 من كل من القانون رقم 91-11 وكذا المرسوم التنفيذي رقم 93-186 على التوالي، ومفاده أن هاته الآلية تلج من باب الاستثناء لا الأصل، إذ أن لهذا الأخير سبل تدخله في هذا السياق، ومقصود ذلك بالتحديد الطريق الودي في عملية الاقتناء أو ما يعبر عليه في لغة الفقه بقاعدة التراضي في العقد باعتباره أساسا عريضا تبنى عليه العلاقات بين الأشخاص، خاضعين للقانون العام أو الخاص كانوا، ومن هنا لا يمكن بأي حال من الأحوال اللجوء لنزع ملكية الأفراد إلى بعد سلوكها للطريق الودي معهم، من أجل ذلك جعل المشرع هاته الآلية من الوسائل الاستثنائية في تكوين الحافظة العقارية للأملاك الوطنية.

ذلك ما يظهر من حقيقة النص إذ أنه: «تقام الأملاك الوطنية بالوسائل القانونية أو بفعل الطبيعة وتتمثل الوسائل القانونية في تلك الوسيلة القانونية أو التعاقدية التي تضم بمقتضاها أحد الأملاك إلى الأملاك الوطنية حسب الشروط المنصوص عليها في هذا الباب، ويتم اقتناء الأملاك التي يجب أن تدرج في الأملاك الوطنية بعقد قانوني طبقا للقوانين والتنظيمات المعمول بها حسب التقسيم الاتي:-طرق الاقتناء التي تخضع للقانون الخاص: العقد والتبرع والتبادل والتقادم والحيازة- طريقان بخضعان للقانون العام ،نزع الملكية وحق الشفعة».

من ناحية أخرى فإن نطاق تطبيق هاته الآلية محصور في الملكية العقارية الخاصة ،بمفهوم المخالفة تستبعد من نطاق تطبيقه الملكية العقارية الوطنية الخاضعة للقانون رقم 90-30 المذكور أعلاه ونصوصه التنظيمية، وكذا الملكية العقارية الوقفية الخاضعة لقانون خاص، وفي ذات السياق فإن نطاقها يقتصر على العقّارات التي تعد كل شيء مستقر في حيزه وثابت فيه بحيث لا يمكن نقله دون أن يفسد أو يتلف، والحقوق العينية العقارية الأصلية والتبعية، بمعنى حق الملكية والحقوق المتفرعة عنها أي حق الانتفاع وحق الارتفاق وكذا حق الاستعمال والسكنى، كحقوق عينية أصلية، وكل من الرهن الرسمي والرهن الحيازي، حق التخصيص وحق الامتياز كحقوق عينية تبعية، وكلها خاضعة في أساسها للقانون المدني.

يمكن تطبيق آلية نزع الملكية على كل هاته الحقوق، بما في ذلك حق الاستعمال والسكنى، باعتباره على حد تعبير أهل الفقه، يرد في جوهره على عقار سكني، يكون محلا لاقتران الحقين دون الاستغلال، كما في العقار الموصى بسكناه لشخص أو أشخاص.

2- نزع الملكية إجراء يهدف للمنفعة العمومية ويكون مقابل تعويض:

إن مصطلح المنفعة العمومية مفهوم مرن يتسع مجاله ليشمل عدة تطبيقات من وجهة النظر القانونية تظهر في شكل نصوص تشريعية يتم من خلالها تكريس الحق العام في تقييد الملكية الخاصة، وذلك مهما اختلفت مقاصد تلك المنفعة فقد تكون اجتماعية بحتة أو ذات وجهة سياحية أو فلاحية أو اقتصادية، حسب طبيعة المشروع المزمع انجازه من وراء نزع الملكية، ويكون من الصعوبة بما كان حصر وضبط النطاق الموضوعي للمنفعة العمومية ،وعلى العموم يكفي لتحققها وجود مشروع حيوي يخدم المجتمع بمختلف شرائحة تشرف عليه سلطة عمومية تسييرا وتمويلا.

من ناحية ثانية فإن نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية يكون مقابل تعويض، وذلك من باب أولى طالما أنه يمس ملكية الغير، وأن انعدام التعويض يشكل فرقا؛ يخرق مبدأ ضمان الملكية الخاصة، ثم إن أهم سمة للتعويض أن يكون عادلا ومنصفا، فمقتضى العدالة في هذا المقام، يتحقق بأن يكون التعويض مساويا للقيمة الحقيقية للعقارات أو الحقوق العينية العقارية المنتزعة، ويحدد ذلك بناء على أسس موضوعية بحتة تستند إلى الواقع.

أما مقتضى الإنصاف في هذا السياق ف يحمل على معنا مفاده، أن يكون تعويضا حقيقيا تنتزع من خلاله الإدارة رضا المالك قبل أملاكه، بمعنى أن تفتك موافقته واقتناعه بقيمة التعويض وذلك بمختلف الإجراءات الودية أو القضائية.

الفرع الثاني: تمييز آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية عما يشبهها:

تلتبس آلية نزع الملكية ببعض الوسائل القانونية الأخرى المعتمدة كسبل لتقييد الملكية العقارية الخاصة من أجل المنفعة العامة، وأبرز تلك الوسائل في الطرح القانوني، التأميم والاستيلاء.

أولا- تمييز نزع الملكية عن التأميم: 

يعد التأميم أسلوبا من الأساليب القانونية التي اعتمدتها الدولة الجزائرية في خضم النظام الاشتراكي، وأحد الأسس المعتمدة في بناء الاقتصاد الوطني في تلك المرحلة، فكان أبرز أساليب توسيع الحافظة العقارية للدولة، وطبق على وجه الخصوص سنة 1971 في إطار ما يعرف بنظام الثورة الزراعية الخاضعة للأمر رقم 71-73 الملغى بموجب قانون التوجيه العقاري.

عرّف المشرع التأميم في المادة 678 من القانون المدني  وفق الصياغة التالية: «لا يجوز إصدار حكم التأميم إلا بنص قانوني على أن شروط  واجراءات نقل الملكية والكيفية التي يتم بها التعويض يحددها القانون»، وعلى أساس هذا النص تظهر أوجه الاختلاف بين الآليتين:

1- التأميم يصدر بموجب نص قانوني مثل الأمر رقم 71-73، بينما نزع الملكية يثبت نهائيا بموجب قرار صادر عن الوالي.

2- سبب اللجوء إلى التأميم هو عدم استغلال الأرض واهمالها، بينما سبب اللجوء لنزع الملكية هو مقصد المنفعة العامة وسلبية الاقتناء الودي.

3-التأميم يرد على حق الملكية المرتبط بالأراضي الزراعية، بينما يرد نزع الملكية على العقارات مهما كان قوامها التقني، وكذا على الحقوق العينية العقارية الأصلية والتبعية.

4- تؤول الأراضي المؤممة لملكية الدولة إذ تدمج في ما يعرف بالصندوق الوطني للثورة الزراعية، هذا الأخير الذي فتح له فيما بعد حساب تخصيص لدى كتابات الخزينة العمومية من أجل تعويض أصحاب الحقوق، وهي غير قابلة للتصرف ولا للتقادم ولا للحجز، بينما مآل العقارات المنزوع ملكيتها هو الأملاك الوطنية، سواء كانت تابعة للدولة أو الولاية أو البلدية.

ثانيا- تمييز نزع الملكية عن الإستيلاء:  

نظمه المشرع الاستيلاء في القانون المدني في المواد من 679 إلى 681، ويعتر وسيلة قانونية استثنائية على التراضي كقاعدة عامة في التعامل، يعمل بها للحصول على الأموال والخدمات اللازمة لضمان مبدأ استمرارية المرفق العام، وذلك لمدة محددة مقابل تعويض اتفاقي أو قضائي ،ليكون الاستيلاء بهذا المفهوم مجالا خصبا لبسط صلاحيات السلطة العامة تقييدا للملكية الخاصة، وتحقيقا للمصلحة العامة، ينفذ في إطار أحكام القانون وضوابطه، حتى يكون بطابع شرعي، ليختلف عن نزع الملكية في العناصر التالية:

1- موضوع نزع الملكية العقارات والحقوق العينية العقارية، بينما موضوع الاستيلاء العقارات ماعدا العقارات المخصصة فعلا للسكن، وكذا المنقولات والخدمات، بمعنى اليد العاملة المسخَّرة للخدمة.

2- سبب اعتماد آلية نزع الملكية هو غياب وعاء عقاري مناسب لإنجاز مشروع ذو منفعة عمومية، بينما سبب الإستيلاء هو عدم وجود الأموال والخدمات اللازمة لسير المرفق العام.

3- تتطلب آلية نزع الملكية تحديدا دقيقا للأملاك، بينما قد يتطلب الاستيلاء عملية جرد.

4- تنفذ آلية نزع الملكية قانونا، بمجرد تبليغ وشهر قرار نزع الملكية إذ يستتبع ذلك نتيجة طبيعية هي إخلاء الأماكن، بينما يمكن قانونا اعتماد القوة لتنفيذ الاستيلاء. 

5- نزع الملكية آلية نهائية بينما الإستيلاء إجراء مؤقت.

المرجع:

  1. د. لعميري ياسين، آليات نزع الملكية للمنفعة العامة، مطبوعة مقدمة لطلبة السنة ثانية ماستر، تخصص قانون إداري، جامعة أكلي محند أولحاج -البويرة-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2020-2021. ص5 إلى ص15. 
google-playkhamsatmostaqltradent