آثار الحكم التحكيمي

آثار الحكم التحكيمي 

آثار الحكم التحكيمي

تترتب على صدور الحكم التحكيمي أثارا بالنسبة لطرفي النزاع وكذا بالنسبة للمحكمة التحكيمية.

إن أول أثر للحكم التحكيمي هو التزام الطرفين بتنفيذه وأما الأثر الثاني هو اكتساب الحكم التحكيمي لدرجة القطعية معنى ذلك أن المسألة التي تم الفصل فيها لا يمكن بأي حال من الأحوال طرحها من جديد أمام القضاء وأمام المحكم بحيث يكتسب الحكم التحكيمي حجية الأمر المقضي فيه منذ صدوره، وأن هذه الحجية تكون في حدود موضوع النزاع و بالنسبة للأطراف المتنازعة (المطلب الأول). أما بالنسبة للمحكمة التحكيمية: ليس المحكم كالقاضي، وذلك أن مهمته تنتهي بانتهاء ما أسند إليه من مهمة تحكيمية، ولو صدر حكم بعد ذلك ببطلان حكمه، حيث تنص المادة (1039) من القانون على "يتخلى المحكم عن النزاع بمجرد الفصل فيه". 

كما يجب بعد ذلك الاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه (المطلب الثاني) أو الطعن فيه (المطلب الثالث).

المطلب الأول: حجية حكم المحكميين

يتمتع الحكم التحكيمي، مباشرة بعد صدوره، بالقوة إلزامية والقوة التنفيذية، حيث تعترف له القوانين وأنظمة التحكيم بالحجية في مواجهة الخصوم في المسائل التي فصل فيها المحكم.

بغض النظر عن مصدر هذه الإلزامية، سواء تمثل في الأساس العقدي لإتفاقية التحكيم بحيث يعتبر الأطراف ملتزمين بما يقرره المحكمون بمجرد اتفاقهم على اللجوء إلى التحكيم، أو الأساس القانوني الذي بني عليه القرار الصادر.

ميّز المشرع الجزائري مثل ما فعل المشرع الفرنسي بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي، فجعلا حكم الأول قابلا للاستئناف، مما يؤدي إلى وقف تنفيذه، وجعلا حكم الثاني غير قابل لأي طريق من طرف الطعن، إلا الطعن البطلان.

المقصود بحجية الأمر المقضي به التي يتمتع بها حكم التحكيم، هو أن "الحكم الصادر يحمل عنوان الحقيقة بخصوص ما فصل فيه، بالنسبة لأطراف الدعوى، وفي حدود الأساس الذي قدمت عليه هذه الدعوى، فلا يجوز إثارة نفس النزاع مؤسسا على نفس الأسباب بين نفس الأطراف الذين صدر الحكم في مواجهتهم".

وقد ذهبت اتفاقية واشنطن إلى أبعد من ذلك، حين جعلت القرار التحكيمي ملزما لكل الدول المتعاقدة، كما أنها جعلته نهائيا غير قابل للاستئناف، مكرّسة مبدأ عدم خضوع الحكم التحكيمي لأي رقابة داخليا أو خارجيا.

كما نصت المادة 35/1 من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي على إلزامية قرار التحكيم بصرف النظر عن البلد الذي صدر فيه . وجاء في المادة الثالثة من إتفاقية نيويورك لسنة 1958.

"تعترف كل الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقا لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ طبقا للشروط المنصوص عليها في المواد التالية...". وأكدتّ المادة 24 من نظام التحكيم لغرفة التجارة الدولية CCI على نهائية حكم التحكيم، ونصت على ضرورة إلزام الأطراف بتنفيذ الحكم والتنازل عن كافة طرق الطعن التي يجوز لهم التنازل عنها قانونا.

يتبينّ مما تقدم، بأن حجية حكم التحكيم ونهائيته، خاصة في التحكيم التجاري الدولي، تكاد تكون محل إجماع بين التشريعات وأنظمة التحكيم.

يترتب عن حجية الأمر المقضي به، أثران هامان: أحدهما إيجابي يتمثل في إلزام القضاء بإحترام الحكم التحكيمي في أي دعوى يثار فيه هذا الحكم كمسألة أولية، والآخر سلبي يتمثل في إستبعاد القضاء عن الفصل في نفس الدعوى المقضي فيها بنفس الخصومة ولذات السبب. لكن يثور الجدل حول الأثر الثاني بحيث يرى البعض (وهو ما نراه منطقيا)، بأن الأطراف الذين اتفقوا على إخضاع نزاعهم للتحكيم، يمكنهم أن يتفقوا على عدم الرضا بما وصل إليه المحكمون من حلول، ويعرضوا نزاعهم على جهة أخرى، سواء كانت قضائية أو تحكيمية، والواقع أن حكم التحكيم لا يتم تنفيذه إلا إذا سعى المحكوم له لذلك وفق الإجراءات المنصوص عليها.

المطلب الثاني: الإعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي

لعل الاهتمام بتنفيذ حكم المحكمين من أولى الموضوعات أهمية ذلك أن المحكم في نجاح نظام التحكيم والتسليم بأفضليته لكل المنازعات ذات الطابع الدولي، هو تنفيذ أحكام التحكيم خارج الدولة التي صدرت فيها، ورغم الجهود المبذولة في تنفيذها إلا أنه ظهرت اختلافات في الاتجاهات المتبعة له.

الاتجاه الأول: مفاده أن الحكم التحكيمي لا ينتج أثره وإنما لابد من رفع دعوى جديدة من أجل الحصول على الحق، ونظامهم هذا يسمى "بنظام المراجعة".

الاتجاه الثاني: فهو يأخذ بفكرة الأمر بالتنفيذ، ويقصد به أن الحكم التحكيم التجاري الدولي يمكن تنفيذه بتوافر شروط معينة وإتباع إجراءات محددة، وهذا النظام سمي "بنظام المراقبة". ونظرا لإيجابياته فقد اتبعته عدة دول منها فرنسا والجزائر (الفرع الأول).

لكن يكاد يجمع الفقهاء على أن غالبية الأحكام التحكيمية يتم تنفيذها على الفور وبشكل رضائي، لكن أحيانا أمام تعنت الطرف الذي صدر حكم التحكيم ضده فكان من الضروري تدخل الدول لضمان تنفيذه  ويكون ذلك بالأمر بالتنفيذ الذي يعد الضوء الأخضر للاعتراف بالحكم وتنفيذه وفق إجراءات محددة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الاعتراف بالحكم التحكيم التجاري الدولي

الأصل أن الاعتراف لا يخص فقط القرار التحكيمي الأجنبي وإما يتعلق بجميع القرارات التحكيمية الصادرة في مادة التحكيم التجاري الدولي.

يجب التمييز بين الإعتراف بالقرار التحكيمي والأمر بتنفيذه، وإن كانا متلازمين في معظم الحالات، فالاعتراف يقتصر على مراقبة قانونية تؤدي إلى قبول القرار الصادر عن الهيئة التحكيمية في النظام القانوني للدولة المعترفة به عن طريق سلطتها القضائية، دون أن يعطى ذلك قوة التنفيذ الجبري أو يرغم القاضي على إعطائه الصيغة التنفيذية وغالبا ما يدُفع بالإعتراف بشكل عارض في دعوى أصلية أخرى، لهذا فإن دوره محدود في الزمان وفي المكان. 

أما الأمر بتنفيذ القرار التحكيمي فهو إضفاء صبغة التنفيذ الجبري من طرف الجهات القضائية المختصة بطلب من الطرف الذي يهمه التنفيذ.

ويخضع الاعتراف بالحكم التحكيم التجاري الدولي في الجزائر إلى توفر مجموعة من الشروط:

1/ إثبات وجود الحكم التحكيمي: فعلى من يتمسك بالحكم التحكيمي أن يثبت وجوده، وهذا ما نصت عليه المادة (1051) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تنص على أنه: "يتم الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي في الجزائر إذا أثبت من تمسك بها وجودها...".

وإثبات وجودها يكون بتقديم أصل الحكم التحكيمي مرفقا باتفاقية التحكيم أو بنسخ عنهما تستوفي شروط صحتها ويتم إيداعها بأمانة ضبط الجهة القضائية المختصة من الطرف المعني بالتعجيل، وفي هذه الحالة يقع على الخصم إثبات العكس وهذا ما نصت عليه المادتان (1052) ، (1053)من نفس القانون.

2/ أن يكون الاعتراف غير مخالف للنظام العام الدولي: ونصت عليه المادة (1051) من نفس القانون على أنه: "يتم الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي في الجزائر ... وكان هذا الاعتراف غير مخالف للنظام العام الدولي".

والمقصود هنا ليست النظام العام الوطني الذي يتم أعماله إلا في الحالات التي يكون فيها التحكيم وطنيا أي التحكيم الداخلي الذي لا يتوفر فيه المعايير الدولية وكذا ليس بما يعرف لدى بعض الفقهاء بالنظام العام الدولي الحقيقي الذي يظم القواعد المشتركة بين كل المجتمعات و الشعوب.

إنما المقصود به هو تلك الصورة المخففة من النظام العام الجزائري التي تتماشى مع مقتضيات المرونة التي تتسم بها التجارة الدولية سواء تعلق الأمر بالقواعد الموضوعية أو الإجرائية، بذلك يقع على عاتق الجهة القضائية المكلفة بتنفيذ الحكم مهمة فحصه للتأكد من عدم خرق الهيئة التحكيمية لقواعد ومبادئ النظام العام الدولي، ومن ثم الاعتراف به والأمر بتنفيذه دون الامتداد للمراجعة. 

الفرع الثاني: تنفيذ حكم التحكيم التجاري الدولي 

يصرح بقابلية الحكم التحكيمي للتنفيذ وتحت نفس الشروط السابقة من طرف المحكمة التي صدر بدائرة اختصاصها في الجزائر ومن طرف محكمة مكان التنفيذ إذا صدر خارج الجزائر ،حسب المادة (1051) من قانون الإجراءات المدنية الإدارية والتي تنص على أنه: "تعتبر قابلة للتنفيذ في الجزائر وبنفس الشروط، بأمر صادر عن رئيس المحكمة التي صدرت أحكام التحكيم في دائرة اختصاصها أو محكمة التنفيذ إذا كان مقر محكمة التحكيم موجودا خارج الإقليم الوطني".

لم تضع إتفاقية نيويورك شروطا إيجابية لإمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي .وإن صرحت بإمكانية رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي إذا قدم المحكوم عليه دليلا على توافر حالة من الحالات السبع المحددة في المادة (5) منها وهي تقريبا تشبه الحالات المنصوص عليها في المادة (1056) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي اعتمد على مباديء القانون النموذجي وأحكام اتفاقية نيويورك لسنة 1956 وصادقت عليها الجزائر سنة 1988 فاصبحت تسمو على قوانينها الداخلية منها قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي يتضمن احكام التحكيم التجاري الدولي الجزائري السارية المفعول...

أولا: حالات رفض الاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه

نميز بين حالات الرفض التي تكون بناءا على طلب المنفذ ضده، وحالات أخرى للرفض تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها. 

أ/حالات الرفض بطلب من المنفذ ضده

1- عدم صحة اتفاق التحكيم: وذلك إما لنقص أهلية أحد أطرافه، أو لبطلان اتفاق التحكيم لسبب أخر كانعدام الرضا أو اقترانه بغلط أو غش، وغير ذلك وفقا لقانون الإرادة أو وفقا لقانون دولة الصدور. 

2-الإخلال بحقوق الدفاع: يتمثل في عدم تمكين احد الخصوم من العلم بما لدى خصمه من إدعاءات وحجج ومستندات ومن تقديم دفاعه،  

3- تجاوز الحكم لاتفاق التحكيم

4- عدم صحة إجراءات التحكيم وتشكيلة هيئة التحكيم: إذا اثبت المنفذ ضده أن تشكيل هيئة التحكيم أو أن إجراءات التحكيم مخالفة لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون بلد التحكيم في حالة عدم الاتفاق، فإن القاضي يرفض تنفيذ والاعتراف بالحكم التحكيم. 

5- يجب أن يكون الحكم ملزما: أجازت اتفاقية نيويورك طلب رفض تنفيذ حكم التحكيم وذلك إذا لم يصبح ملزما للخصوم.                                                                                    

ب/ حالات الرفض المثارة من المحكمة من تلقاء نفسها: هناك حالات يمكن للمحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها إذا تبين لها ذلك، وقد يحدث أن يتمسك بها المحكوم عليه فهنا المحكمة تتحقق من توافرها  ودون مطالبته بتقديم الدليل عليها ويتجلى ذلك من المادة (5/2) من اتفاقية نيويورك حيث تنص: "يجوز للسلطة أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبين لها". والملاحظ أن هاتين الحالتين تدوران حول فكرة النظام العام وهما:

1-عدم قابلية موضوع النزاع للتحكيم.

2-تعارض تنفيذ حكم التحكيم مع النظام العام. 

ثانيا: إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية 

إذا كانت إجراءات التحكيم تخضع للقانون الذي يختاره الأطراف، فإن إجراءات تنفيذ الحكم التحكيمي يخضع لقانون الدولة التي يتم فيها التنفيذ وهذا ما يستشف من المادة (5/1) من اتفاقية نيويورك. كما نصت المادة (3/1) من نفس الاتفاقية على أنه: "تعترف كل دولة من الدول المتعاقدة بالقرار التحكيمي وتوافق على تنفيذه وفق الأصول المتبعة في إقليم الدولة المطلوب التنفيذ على أراضيها".

وطالما أن اتفاقية نيويورك أعطت لكل دولة حرية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقا لقواعد المرافعات المتبعة لديها ،فإن  فتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في الجزائر تخضع لقواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

لقد وضع المشرع الجزائري شروطا شكلية لأجل اعتبار الحكم التحكيمي الصادر في الجزائر أو خارجها قابلا للتنفيذ على ترابها، حيث يقوم القاضي المكلف بالأمر بالتنفيذ بالرقابة والتأكد من الوجود الفعلي للحكم ثم يتأكد من عدم مخالفته للنظام العام الدولي.

وتتمثل إجراءات طلب الاعتراف أو التنفيذ فيما يلي:

أ/ إيداع حكم التحكيم لدى أمانة الضبط

بعد صدور حكم التحكيم في الجزائر أو خارجها والتوقيع عليه من قبل المحكمين، وجب إيداعه لدى أمانة ضبط الجهة القضائية المختصة. 

ويقوم بالإيداع الطرف المعني بالتعجيل وهو من صدر الحكم لمصلحته ولكن لا مانع أن يتم الإيداع من طرف المحكوم عليه.

ويتم إيداع أصل حكم التحكيم أو نسخة منها باللغة التي صد بها، مرفقا باتفاقية التحكيم أو نسخة منها، وإذا صدر بغير اللغة العربية، فيجب أن تكون الوثيقتان مصحوبتين بالترجمة إلى العربية كما يجب على أمين الضبط أن يقوم بتحرير محضر عن هذا الإيداع، على أن يتحمل الأطراف نفقات إيداع العرائض والوثائق وأصل حكم التحكيم. فإيداع حكم التحكيم أمر ضروري لتمكين القاضي المختص من إصدار الأمر بالتنفيذ وبدونه لا يمكن للقاضي مراقبة حكم التحكيم والتحقق من شروطه.

ب/ تقديم طلب التنفيذ

لا يمكن تنفيذ حكم التحكيم جبرا لمجرد إيداعه، وإنما يجب إلحاقه بطلب التنفيذ، ذلك أن الإيداع فعل مادي يتمثل في تسليم الحكم التحكيمي للمحكمة للإطلاع عليه والتأكد من استيفاء شروطه انتظارا لطلب التنفيذ الذي هو عبارة عن عمل قانوني يحرك المحكمة كي تصدر أمرا بالتنفيذ.

ويجب أن يرفق طلب التنفيذ بالوثائق التالية: 

1/ أصل حكم التحكيم أو نسخة منها. 

2/ أصل اتفاقية التحكيم أو نسخة منها.

3/ أن تكون الوثيقتان المذكورتان أعلاه مصحوبتين بالترجمة إلى العربية. 

4/ نسخة من محضر إيداع الوثائق المذكورة سالفا.

يجب التمييز بين الوثائق التي يتم إيداعها لدى أمانة ضبط المحكمة المختصة، وبين المستندات التي يجب أن تكون مرفقة بطلب التنفيذ.

ثالثا: المحكمة المختصة بمنح الاعتراف أو الأمر بالتنفيذ

إن الجهة المختصة بمنح الاعتراف بالحكم التحكيمي هي ذات الجهة المختصة بإعطاءه الصيغة التنفيذية والأمر بتنفيذه، وعلى هذا الأساس يرتبط تحديد المحكمة المختصة التحكيم، إذا كان التحكيم في الجزائر فرئيس المحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصها هو المختص، وإذا كان مقر التحكيم موجودا خارج الجزائر، وأراد الأطراف تنفيذ في الجزائر فإن رئيس المحكمة محل التنفيذ هو المختص.

رابعا: سلطات القاضي الامر بالتنفيذ

يجب على القاضي الآمر بالتنفيذ التأكد من المسائل التالية: 

1ـ أن طالب التنفيذ قام بإيداع أصل أو نسخة من حكم التحكيم واتفاقية التحكيم.

2- أن يكون طلب التنفيذ مرفقا بالمستندات المشار إليها سابقا.

3- التأكد من توافر الشروط الأساسية لمنح الأمر بالتنفيذ، وتقتضي تلك الشروط ألا يتضمن حكم التحكيم ما يخالف النظام العام الدولي في الجزائر.

فسلطات القاضي الأمر بالتنفيذ تنحصر في التأكد من أن حكم التحكيم خال من العيوب الإجرائية دون البحث في موضوع النزاع من حيث مدى صحة قضاء التحكيم، إذ تنحصر سلطات القاضي بإصدار الأمر بالتنفيذ أو الرفض دون أن تتجاوز ذلك المساس بحكم التحكيم أو أن يقوم بتعديله، غير أنه يجوز إصدار أمر بالتنفيذ في شق من حكم التحكيم دون الشق الآخر. وترتيبا على ذلك فإنه لا يجوز تنفيذ حكم التحكيم إلا بموجب الأمر بالتنفيذ الصادر عن القاضي الوطني المختص.

المطلب الثالث: طرق الطعن في حكم التحكـــــيم

لا يجوز إستئناف أحكام التحكيم التجاري الدولي، ولا تقبل أي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية، فلا استئناف ولا اعتراض الغير الخارج عن الخصومة ولا التماس إعادة النظر. إلاّ أنّ المشرع الجزائري نص على إمكانية إستئناف الأوامر القضائية الرافضة لتنفيذ الحكم التحكيمي أو المانحة للصيغة التنفيذية (الفرع الأول).

يأخذ المشرع الجزائري، على غرار التشريعات الدوليةـ، طريقا خاصا للطعن في القرارات التحكيمية الدولية الصادرة في الجزائر، بحيث تكون موضوع دعوى الطعن بالبطلان (الفرع الثاني)، كما نصّ المشرع الجزائري على الطعن بالنقض (الفرع الثالث).

الفرع الأول: الطعن بالاستئناف في الأمر بالتنفيذ 

يستمد القرار الصادر عن المحكم ولايته من اتفاق التحكيم المبنى على علاقة تعاقدية وليس من قضاء الدولة، إلا أنه يمكن لمن صدر الحكم لصالحه من القضاء إعطائه الأمر بالإعتراف والتنفيذ غير أن هذا الأخير قد يرفض منحه هذا الأمر، وبالتالي فيمكن للطرف الذي طلب الأمر بالإعتراف والتنفيذ الطعن في هذا الرفض. 

أولا: إستئناف الأمر القاضي برفض الإعتراف والتنفيذ 

إستنادا لنص المادة 1055 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية "يكون الأمر القاضي برفض الإعتراف أو التنفيذ قابلا للإستئناف" ، وبالتالي فإنه يمكن إستئناف الأمر القاضي برفض الإعتراف أو التنفيذ، وعليه فالمشرع ترك المجال مفتوحا أمام الطاعن باستئناف الأمر القاضي برفض الإعتراف أو التنفيذ.

ومن جهة أخرى يرى الأستاذ تركي أنه لا يكثر إستعمال هذا النوع من الإستئناف، ذلك بسبب السلطة الممنوحة لرئيس المحكمة المتمثلة في مراقبته شكل الحكم التحكيمي الذي يتطلبه القانون عند إصدار الأوامر على العريضة وكذا توافر الشروط المستوجبة قانونا من صفة ومصلحة وأهلية التقاضي.

طبقا لنص المادة 1035 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإن الأوامر الصادرة عن الجهة القضائية المختصة برفض الإعتراف والتنفيذ تكون محل استئناف أمام الجهة القضائية التي تعلو المحكمة التي أصدرت الأمر بالرفض، وبالتالي فإن الإختصاص في نظر الإستئناف يكون لرئيس المجلس القضائي.

يرفع الإستئناف أمام المجلس القضائي خلال شهر واحد إبتداءا من تاريخ التبليغ الرسمي لأمر رئيس المحكمة.

ثانيا: إستئناف أمر الإعتراف والتنفيذ 

تنص المادة 1051 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "يتم الإعتراف بأحكام التحكيم التجاري الدولي في الجزائر إذا أثبت من تمسك بها بوجودها، وكان هذا الإعتراف غير مخالف للنظام العام الدولي، وتعتبر قابلة للتنفيذ في الجزائر وبنفس الشروط بأمر صادر من رئيس المحكمة التي صدرت أحكام التحكيم في دائرة إختصاصها أو محكمة محل التنفيذ إذا كان مقر محكمة التحكيم موجودة خارج الإقليم الوطني".

أيضا نص المادة 1052 من نفس القانون "يثبت حكم التحكيم بتقديم الأصل مرفقا بإتفاقية التحكيم أو بنسخ عليها، تستوفي شروط صحتها".

ما يفهم من خلال المادتين أن المشرع الجزائري اشترط الوجود المادي للحكم التحكيمي التجاري الدولي، وأن يكون الإعتراف غير مخالف للنظام العام الدولي، وهي نفس الشروط المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم، وبالتالي فإنه بعد التأكد من عدم وجود ما يمنع الإعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي في الجزائر يستجيب رئيس المحكمة لهذا الطلب. 

بعد إنضمام الجزائر لإتفاقية نيويورك لسنة 1958 المتعلقة بإعتماد القرارات التحكيمية الأجنبية وتنفيذها، تم إقرار إجراءات الإعتراف بقرارات التحكيم التجاري الدولي واعطائها الصيغة التنفيذية وفق هذه الاتفاقية التي تسمو على القانون الداخلي. ومن ثم أصبح على كل من تحصل على حكم تحكيمي واجب التنفيذ في الجزائر أن يطلب الإعتراف به من رئيس المحكمة التي سيتم التنفيذ في دائرة اختصاصها إذا كان القرار صادرا من هيئة تحكيمية خارج الجزائر ،أو من رئيس المحكمة التي صدر القرار في دائرة اختصاصها إذا أجري التحكيم في الجزائر.

يمكن استئناف أمر الاعتراف أو تنفيذ الحكم التحكيم التجاري الدولي الصادر خارج الجزائر إذا تحققت احدى الحالات الواردة في المادة 1056 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أما إذا كان حكم التحكيم صادرا في الجزائر فإنه لا يمكن استئناف أمر التنفيذ إلا رفقة الطعن بالبطلان.

الفرع الثاني: الطعن بالبطلان في القرار التحكيمي 

يعتبر حكم التحكيم عملا قضائيا مما يستوجب عدم جواز المساس به إلا بواسطة طرق الطعن التي نص عليها القانون بإعتبار أن دعوى البطلان هي الوسيلة الوحيدة لإبطال حكم التحكيم، وفي هذا الشأن أخذ المشرع الجزائري بقاعدة عامة وهي أن البطلان لا يكون إلا بنص. فللبطلان نفس الإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى وعلى الطرف المتقدم بالطعن أن يثبت وجود مخالفة نص عليها القانون.

يرفع الطعن بالبطلان أمام المجلس القضائي الذي صدر الحكم التحكيمي في دائرة إختصاصه، وهنا خالف المشرع القواعد العامة في الإختصاص الخاصة بإختصاص محاكم الدرجة الأولى بالدعوى التي ترفع إبتداء، وهذا حرصا على سرعة الفصل في دعاوى البطلان التي تعتبر من أهم ميزات التحكيم الدولي. ويجب أن يؤسس الطعن بالبطلان على إحدى الحالات الستة الواردة في المادة 1056 التي سبق ذكرها.

ويترتب عن الطعن بالبطلان في القرار التحكيمي وقف تنفيذ الحكم.

الفرع الثالث: الطعن بالنقض 

نصت المادة 1061 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن تكون القرارات الصادرة تطبيقا للمواد 1055 و1058 من نفس القانون قابلة للطعن بالنقض، وهي تخص القرارات الصادرة من المجالس القضائية بناء على الطعن بالبطلان لقرار أو بالإستئناف طبقا للمواد المذكورة أعلاه قابلة للطعن فيها بالنقض، ويكون الطعن بالنقض في هذه القرارات أمام المحكمة العليا الجزائرية، وقد نصت المادة 354 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن آجال الطعن هي شهرين ابتداء من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم المطعون فيه إذا تم شخصيا ويمدد اجل  الطعن بالنقض إلى ثلاثة أشهر إذا تم التبليغ الرسمي في موطنه الحقيقي، وقد نصت المادة 358 من نفس القانون على أن الطعن بالنقض لا يبنى إلا على وجه واحد أو أكثر من الأوجه والمبينة فيها والتي تتضمن في مضمونها ومحتوياتها الحالات المذكورة في المادة 1056 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

نشير إلى أن المشرع الجزائري لم يفصل في المادة 1061 في مسألة الطعن بالنقض مما يحيلنا إلى القواعد العامة لهذا الطعن.

ملاحظة مهمة: قد يكون حكم التحكيم محل إبطال من دولة ثم يطعن فيه أمام دولة أخرى، فترفض هذه الأخيرة إبطاله لعدم توفر أي حالة من الحالات البطلان، فهنا نكون أمام حكمين متناقضين ،وهذه الحالة أثيرت من القضاء الفرنسي في إجتهاداته القضائية، لكن رفضته أغلبية الدول لأن الطرف الذي لم يصدر لصالحه حكم التحكيم، قد يتهرب إلى دولة أخرى فترفض بطلان الحكم التحكيمي وتقبل بالحكم وهذا ما يسمى بتسويق التحكيم.

المرجع:

  1. د. محمد عيساوي، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، للسنة الثانية ماستر، تخصص قانون الأعمال، جامعة أكلي محند أولحاج بالبويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2019/ 2020، ص69 إلى ص79.

google-playkhamsatmostaqltradent