إجراءات التحكيم التجاري الدولي

إجراءات التحكيم التجاري الدولي

إجراءات التحكيم التجاري الدولي

نظرا لأهمية التحكيم في مجال التجارة الدولية، سعت القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية وأنظمة التحكيم للمراكز الدولية إلى وضع قواعد واضحة ومحددة دوليا لتسهيل حل منازعات التجارة الدولية. وقد اعترفت الجزائر، كغيرها من الدول، بالتحكيم التجاري الدولي لأول مرة بموجب المرسوم التشريعي رقم 93/09 وذلك من المواد (458) مكرر إلى (458) مكرر27 ثم تناوله في القانون رقم (09-08) المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية. لذا سنحاول في هذا المبحث التركيز على إجراءات التحكيم، بداية من تشكيل هيئة المحكمين (المطلب الأول)، الخصومة التحكيمية (المطلب الثاني)، وأخيرا إبراز صلاحيات المحكمين أثناء الخصومة (المطلب الثالث) وصدور الحكم التحكيمي (المطلب الرابع).

المطلب الأول: هيئة المحكمين

يعد تشكيل هيئة المحكمين وفق الإجراءات التي اتفق عليها أطرف النزاع صراحة أو ضمنا أو بالاحالة إلى نظام تحكيم احدى الهيئات أو مراكز التحكيم على المستوى الدولي ،ركنا جوهريا في التحكيم ولا يتصور قيام خصومة التحكيم بدونها فهي الفاصلة في النزاع. ويعد المحكم فيها قاضيا من نوع خاص يختلف في العدبد من جوانب عمله عن القاضي الوطني الذي تعينه الدولة وتلزمه بتطبيق قانونها، لذلك سنتطرق إلى الشروط الواجب توفرها في المحكم من أجل اختياره (الفرع الأول) وكيفية اختياره وتعيينه وقبوله لمهامه (الفرع الثاني) وكذا حالات رده واستبداله (الفرع الثالث).

الفرع الأول: شروط إختيار المحكم

حددت أغلبية التشريعات شروط المحكم وهي ذات شروط القاضي والمتمثلة في الأهلية، ألا يكون محكوما عليه بعقوبة جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو مفلسا، ويتوجب عليه أن يكون حياديا ومستقلا عن المحتكمين ويجب أن يتحلى بالنزاهة، الكفاءة والحياد.

جاء في المادة (1014) من قانون إجراءات المدنية والإدارية: "لا تسند مهمة التحكيم لشخص طبيعي إلا إذا كان متمتعا بحقوقه المدنية".

كما نصت المادة (40) من القانون المدني: "كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية، وسن الرشد تسعة عشرة سنة كاملة". كما أضافت المادة (1014) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. "..إذا عينت اتفاقية التحكيم شخصا معنويا، تولى هذا الأخير تعيين عضو أو أكثر من أعضائه بصفة محكم". 

الفرع الثاني: تعيين المحكم

تختلف طريقة اختيار المحكم من نظام تحكيم إلى أخر، وبين التحكيم الحر والتحكيم المؤسسي ،وبعد تعيينه وفق الطريقة التي اتفق عليها الأطراف ،يجب على المحكم اعلان قبول مهمته.

أولا: اختيار المحكم في التحكيم الخاص (الحر)

إذا كان التحكيم خاصا دون الإشارة إلى مؤسسة تحكيمية، يكون اختيار المحكمين من طرف أطراف النزاع في اختيارهم لمحكم واحد أو عدة منهم، وفي اغلب الأحيان يقوم كل طرف باختيار محكم ومن ثمة يتولى المحكمان تعيين محكم ثالث يسمى بالمحكم الرئيس أو المرجح. لكن قد يمتنع أطراف النزاع عن اختيار محكم أو أن المحكمين المختارين اختلفا في تعين المحكم الثالث وأمام مثل هذه المشاكل فقد عالجتها القواعد الخاصة بتشكيل هيئة التحكيم التي وضعتها لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للأمم المتحدة في مادتها الخامسة.  

ثانيا: اختيار المحكم في التحكيم المنظم أو المؤسسي

قد يرغب المحتكمون، عند تشكيلهم لهيئة التحكيم، في اللجوء لإحد مراكز التحكيم أو مؤسساته الدائمة، لما تحظي من مكانة وخبرة ولما تشمله لوائحها الداخلية من قواعد معلومة تسهل ضبط عملية التحكيم.

ويمكن أن يضمن المحتكمون في اتفاقهم رغبتهم في حل نزاعاتهم في إطار المنظمات الدولية التي تتولى تنظيم التحكيم في جميع مراحله، وفي حالات أخرى قد يتم اللجوء إليها من اجل اختيار أو تشكيل هيئة التحكيم فقط، وفي هذه الحالة لا يكون من الضروري الاتفاق على كيفية اختيار المحكمين.

من أمثلة المؤسسات التحكيمية نذكر الغرفة التجارية الدولية (CCI) بباريس، لكنها لا تفصل في النزاع بنفسها بل تشرف على التحكيم وتراقب إجراءاته وتقوم بتعيين المحكمين طبقا لقواعدها إلا إذا اتفق الأطراف على مخالفة قواعدها وللغرفة نظام تحكيم خاص يطبق في جانبه الاجرائي على كل القضايا التي تعرض عليها.

ثالثا: اختيار المحكم في ظل التشريع الجزائري  

ترك المشرع في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية سلطة اختيار المحكمين لإرادة الأطراف أو برجوعهم إلى نظام تحكيم أو تحديد شروط تعيينهم وعزلهم واستبدالهم. وإذا لم يعين المحكمون يمكن الرجوع إلى رئيس المحكمة التي يجرى بدائرة اختصاصها التحكيم، وإذا كان التحكيم يجرى بالخارج مع اختيار الأطراف تطبيق القواعد الإجرائية المعمول بها في الجزائر فيؤول الاختصاص لرئيس محكمة الجزائر العاصمة لتعيين المحكمين وفق ما اتفق عليه الطرفان في اتفاقية التحكيم المبرمة فيما بينهما حتى ولو لم يحدد عدد المحكمين وطريقة تعيينهم أو عزلهم في هذه الاتفاقية بحيث يطبق قانون بلد في هذه الحالة.

رابعا: عدد المحكمين في هيئة التحكيم

نصت معظم التشريعات على فردية عدد المحكمين، فقد اشترط المشرع  الجزائري في ظل قانون إجراءات المدنية والإدارية أن يكون العدد فرديا طبقا للمادة (1017) التي تنص: "تتشكل محكمة التحكيم من محكم أو عدة محكمين بعدد فردي".  

في معظم الحالات يكون المحكم فردا، أو ثلاثة محكمين يعين كل طرف محكمه ويعين المحكمان محكما ثالثا يكون رئيسا للمحكمة التحكيمية.

الفرع الثالث: رد المحكم واستبداله  

قد يصادف أن يكون احد المحكمين لا يتوفر على شروط معينة أو طرأت عليه ظروف لا تسمح باستمراره كمحكم لذا وجب إتباع إجراءات معينة لإبعاده من هيئة التحكيم، ابتداء يمكن تعريف أسباب الرد على أنها ظروف شخصية أراد القانون عند توفرها حماية المحكم من نفسه لما تحدثه من تأثير على من قامت به، و ثمة أراد القانون في نفس الوقت حماية مظهر الحيادة والعدالة التي يجب أن يتحلى المحكم بها.

أما الاستبدال فيكون برفض المحكم للمهام المسندة إليه ويكون باتفاق الأطراف على ذلك، أو من قبل المحكم أو المحكمين في غياب الاتفاق، ويتم استبال المحكم بنفس اليات تعيين المحكم. يمكن لكل طرف رد المحكم إذا تبين له عدم توافر الشروط المتفق عليها أو وجود شبهة مشروعة في عدم حياده كوجود علاقة اقتصادية أو عائلية مع أحد أطراف النزاع. لا يمكن لطرف في النزاع أن يرد المحكم الذي عينه إلا إذا ظهر سبب الرد بعد التعيين.

المطلب الثاني: سير الخصومة التحكيمية

بعد تعين هيئة التحكيم بناء على الطريقة التي اتفق عليها أطراف النزاع أو نظام المؤسسة التي أحالوه إليها ، تبدأ مرحلة سير الخصومة التحكيمية بإعلان أحد أطراف النزاع رغبته في تحريك إجراءات التحكيم إلى الطرف أو الأطراف الآخرين. من ثم يبدأ دور المحكم والمتمثل في الفصل في النزاع المعروض عليه، وتتبع خلال ذلك إجراءات معينة، كما يطبق على موضوع النزاع قانون معين قد يختلف عن القانون الاجرائي، وهناك مجموعة من التساؤلات التي نثيرها في هذا الشأن: أولها ماهية الخصومة التحكيمية والمبادئ التي تحكمها (الفرع الأول)، ثم الإجراءات المتبعة فيها لغرض الوصول للبث في النزاع (الفرع الثاني)، فالقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع (الفرع الثالث) وكذا آجال الفصل النهائي في النزاع وحالات نهاية هذه الآجال (الفرع الرابع).

الفرع الأول: تعريف الخصومة التحكيمية ومبادئها الأساسية

نحاول أن نبحث عن مقاربة لمفهوم الخصومة التحكيمية من خلال تعريفها ودراسة مباديئها الأساسية: 

أولا: تعريف خصومة التحكيم

هي مجموعة من الإجراءات المتتابعة بقوم بها أطراف الخصومة أو ممثليهم وتساعدهم في ذلك هيئة التحكيم، وفقا لنظام يرسمه الأطراف في اتفاق التحكيم، وقانون التحكيم ،وقانون المرافعات، وتنتهي بصدور حكم في موضوعها، وقد تنتهي بغير حكم فيه.

ثانيا: المبادئ الأساسية للخصومة التحكيم  

هناك مبادئ أساسية يجب على المحكم إتباعها بموجب القانون ،لأنها تعتبر من المبادئ الأساسية في التقاضي.

1 -مبدأ احترام حقوق الدفاع

يعتبر من أهم المبادئ الإجرائية، ويقصد بذلك مساواة الخصوم وإعطائهم الحرية في اتخاذ أي إجراء أو القيام بأي عمل من شأنه تأهيل إدعائهم. فهذا الحق مقرر في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي مثل اتفاقية نيويورك لسنة 1958، وهو مقرر في قواعد التحكيم الصادرة عن الأمم المتحدة قواعد الأونسيترال ، كما نصت عليه اتفاقية البنك الدولي بشأن تسوية منازعات الاستثمارات بين الدول و رعايا الدول الأخرى.

2- ضرورة احترام مبدأ المواجهة بين الخصوم

باعتباره من أهم تطبيقات حقوق الدفاع .والمتفق عليه هو ضرورة معاملة الأطراف على قدم المساواة، وتوفير الظروف لكل طرف لتقديم دفاعه بكل حرّية في آجال معقولة، بالإضافة إلى تمكين المدعّى عليه من تقديم طلبات مقابلة، وقد ذهب القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي إلى حدّ السماح للأطراف بتعديل أو إتمام  دفوعهم خلال الإجراءات التحكيمية.

إذن، يسيّر المحكم الإجراءات وفقا لما أتفق عليه الأطراف أو بالطريقة التي يراها مناسبة، عندما لا يكون مقيدا بقانون معين، من خلال استلام مذكرات الأطراف ومستنداتهم مع احترام مبدأ المواجهة والآجال المتفق عليها أو المنصوص عليها في القانون المختار.

يتجلى مبدأ المواجهة في ضرورة تقديم نسخ من الوثائق لكل الأطراف بطريقة مباشرة أو عن طريق مراكز التحكيم.

الفرع الثاني: القواعد الإجرائية للتحكيم التجاري الدولي 

 نتناول القواعد الإجرائية في كل من التحكيم الحر والتحكيم المنظم وأخيرا في ظل التشريع الجزائري.

أولا: القواعد الإجرائية في التحكيم الخاص

عند إتباع التحكيم الخاص كقاعدة عامة لا يلزم المحكم بإتباع إجراءات معينة إلا إذا اتفق الطرفان على إتباع قواعد إجرائية أو قانون إجراءات معين.

تبدأ الإجراءات بقيام طالب التحكيم (المدعي) بإرسال إخطار إلى المطلوب التحكيم ضده (المدعي عليه) وتسمى بإخطار التحكيم. وبعد اكتمال عدد المحكمين فإن أول عمل يقوم به هؤلاء هو دراسة القضية وتنظيم ملف لها، وبعد ذلك يطلب المحكمون من المدعي تقديم بيان بالدعوى وإرسال نسخة منه للمدعى عليه، ثم يرد المدعى عليه على البيان ويسمى "بيان الدفاع" ويكون مكتوبا مع إرسال نسخة منه للمدعي ونسخ أخرى للمحكمين بحسب عددهم ويشير فيه إلى أدلة الإثبات المقدمة منه.

أما عن عقد جلسات المرافعات فيمكن لأي من الطرفين الطلب من هيئة التحكيم في أية مرحلة عقد جلسات لسماع شهادة الشهود، او سماع آراء الخبراء أو إجراء مرافعة شفوية لسماع الطرفين. أما إذا لم يقدم مثل هذا الطلب فإن هيئة التحكيم تقرر ما إذا كان من المناسب عقد جلسات للمرافعة أو السير في الإجراءات على أساس الوثائق والمستندات المقدمة من الطرفين.

ثانيا: القواعد الإجرائية في التحكيم المنظم

إن إجراءات التحكيم المنظم أكثر وضوحا وتحديدا منها في التحكيم الخاص، ذلك لأن أطراف النزاع عند اختيارها لأحدى المؤسسات التحكيمية لإجراء التحكيم فإنها تختار ضمنيا القواعد التحكيمية الخاصة بتلك المؤسسة، وكما سبق الذكر فهناك مؤسسات تحكيمية عديدة في العالم متخصصة في التحكيم الدولي، فبعض هذه المؤسسات لها قواعد للتحكيم خاصة بهــا مثل الغرفة التجارية الدولية فــي باريس CCI.

ثالثا: القانون الواجب التطبيق على النزاع

يجب دراسة القواعد القانون الواجب التطبيق الإجراءات، وكذا القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع.

أ- القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم

الأصل أن القانون الذي يطبق على الإجراءات هو قانون الدولة التي يجري فيها التحكيم وهذا يعود لسببن هما:

1ـ الدولة التي يجري فيها التحكيم هي الدولة التي يمكن الطعن فيها بالبطلان.

2ـ إذا إستدعى الأمر طلب مساعدة قضائية، فالقاضي الذي يطلب مساعدته هو قاضي الدولة التي يجري فيها التحكيم. 

من هنا يظهر الدور الجوهري للأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم ،إذ يمكنهم وضع وصياغة قواعد إجرائية مستقلة عن كل قانون، وهو نوع من التنظيم المادي الذي يستمد مصدره من النظرية الشخصية، التي تدعو إلى تكريس مبدأ سلطان الإرادة في نطاق واسع دون إخضاعه للقيود التي يمكن أن تفرضها القوانين الوطنية.

كما يمكن للأطراف أن يؤسسوا قواعدهم وفقا للقواعد الواردة في بعض القوانين الوطنية ولوائح التحكيم المختلفة، بحيث تصبح نظاما جديدا لا يرتبط بهذه اللوائح.

أما في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فنصت المادة (1043) على انه "يمكن أن يضبط في اتفاقية التحكيم، الإجراءات الواجب إتباعها في الخصومة مباشرة أو استنادا على نظام التحكيم ،وكما يمكن إخضاعها إلى قانون الإجراءات الذي يحدده الأطراف في اتفاقية التحكيم ،وإذا لم تنص الاتفاقية على ذلك، تتولى محكمة التحكيم ضبط الإجراءات عند الحاجة مباشرة أو استنادا إلى قانون أو نظام تحكيم". 

ب/ القانون المطبق على موضوع النزاع:

اتجهت معظم التشريعات ولوائح التحكيم إلى اعتبار الاتفاق الصريح أساسا لاختيار القانون الذي مالت إليه إرادة الأطراف. أحيانا يتم اللجوء إلى البحث عن الإرادة الضمنية للأطراف، وقد ألزمت المحكمين بتطبيق هذا القانون وفق المبدأ الراسخ في المعاملات الخاصة: "العقد شريعة المتعاقدين"، وإذا لم يتم تحديد ه ولم يمكن استنتاجه من ظروف القضية، تعتمد هيئة التحكيم القانون الذي تراه مناسبا، كما يجوز لها تطبيق قواعد العدل والإنصاف في حدود ما يسمح به الأطراف، آخذة بعين الاعتبار العادات والأعراف التجارية الدولية.

يخضع الأطراف موضوع النزاع إلى ما يلي:

1- يمكن للأطراف أن يضعوا قانونا خاصا بالنزاع كوقائع مادية        

2- الإحالة إلى قانون دولة ما 

3- الإحالة إلى تنظيم تحكيمي.

4- يمكن تفويض المحكم بالصلح أي إذا لم يستنتج المحكم الحالات السابقة فيحكم وفق ما يلي: القانون المناسب، مبادئ العامة للعدل والإنصاف،

5- قواعد أعراف التجارة الدولية.

المطلب الثالث: صلاحيات محكمة التحكيم

تمتلك لمحكمة التحكيمية سلطات واسعة عند تصديها للنزاع (الفرع الأول)، لكن يبقى للقاضي الوطني الدور المساعد لهيئة التحكيم (الفرع الثاني)

الفرع الأول: سلطات المحكمة التحكيمية

تظهر السلطات الواسعة للمحكمة لتحكيمية من خلال إقرار الاختصاص من عدمه وفق المبدأ المعروف بالاختصاص بالاختصاص الذي اقرته تشريعات التحكيم الوطنية لمختلف الدول وكذا الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي، وكذا من سلطة اتخاذ الإجراءات المؤقتة أو التحفظية أو كيفية تقديم الأدلة.

أولا: الفصل في الدفع المتعلق بالاختصاص

نصت عليه المادة (1044) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "تفصل محكمة التحكيم في الاختصاص الخاص بها ويجب إثارة الدفع بعدم الإختصاص قبل أي دفاع في الموضوع.

وتفصل محكمة التحكيم في اختصاصها بحكم أولي إلا إذا كان الدفع بعدم الإختصاص مرتبطا بموضوع النزاع". 

ونص المشرع الفرنسي على المبدأ في المادة 1466 من قانون الإجراءات المدنية الجديد، على أنه إذا نازع أحد الطرفين في إختصاص المحكم من حيث المبدأ أو المدى، يتوجب على هذا الأخير أن يبت في المسألة.

كما تطرقت إليه العديد من التشريعات نذكر على سبيل المثال: المادة 22 من قانون المرافعات والتحكيم المصري،

وهذه القاعدة ترمى إلى منح أقصى فعالية لهذا النوع من طرق فض النزاعات، بإعطاء الحرية الكاملة للمحكم من اجل النظر في صلاحية محتوى ومدى اتفاقية التحكيم التي سيفصل في النزاع على أساسها.

يثار الدفع بعدم الإختصاص في أجل أقصاه تقديم أول دفاع. ولا يجوز منع أي من الطرفين من إثارة مثل هذا الدفع بحجة أنه عينّ احد المحكمين أو أسهم في تعيينه.

يجوز لهيئة التحكيم أن تفصل في أي دفع من الدفوع المشار إليها سابقا إما كمسألة أولية أو بقرار تحكيمي موضوعي.

ثانيا: اتخاذ الإجراءات المؤقتة أو التحفظية

من بين المسائل التي يمكن أن تثار أثناء سير إجراءات الخصومة، مسألة الإجراءات المؤقتة والتحفظية، التي أثارت جدلا فقهيا كبيرا أدى إلى التساؤل: هل يملك المحكم، كقاضي اتفاقي، الوسائل الضرورية والكافية في مواد الإجراءات المؤقتة التي وضعت أصلا لقضاء الدولة؟ 

قبل محاولة الإجابة عن التساؤل المطروح، يجدر بنا إعطاء مقاربة لمفهوم الإجراء المؤقت ،حيث يرى بعض الفقهاء بأن الإجراءات المؤقتة "هي التي تسعى للحفاظ أو إنشاء حالة واقعية أو قانونية تسمح بضمان تطبيق القرار التحكيمي".

نصت بعض التشريعات والاتفاقيات على إعطاء الإختصاص الحصري للهيئة التحكيمية لاتخاذ الإجراءات المؤقتة. 

لكن البعض يرى بأن هذا الحصر نظري أكثر من واقعي، لأن إمكانية المحكمين محدودة ويشوبها العديد من العراقيل التي يستدعى تجاوزها طلب مساعدة قاضي الدولة. إذ لا يعقل إتخاذ إجراءات على إقليم دولة دون تدخل قضائها، كأن يتم حجز أو رهن دون رقابة القضاء.

تنص المادة (1046) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "يمكن لمحكمة التحكيم أن تأمر بتدابير مؤقتة أو تحفظية بناءا على طلب أحد الأطراف، ما لم ينص اتفاق التحكيم على خلاف ذلك". وإذا لم يقم الطرف المعني بتنفيذ هذا التدبير إراديا، جاز لمحكمة التحكيم أن تطلب تدخل القاضي المختص، ويطبق في هذا الشأن قانون بلد القاضي، يمكن لمحكمة التحكيم أو للقاضي أن يخضع التدابير المؤقتة أو التحفظية لتقديم الضمانات الملائمة من قبل الطالب.

ثالثا: سلطة هيئة التحكيم في مجال الإثبات

تساهم هيئة التحكيم بكل جدية في البحث عن الأدلة عن طريق عدة إجراءات، ولها مجال كبير للحركة يمتد في الزمن طوال مراحل الخصومة التحكيمية، وأحيانا دون أن يكون من الضروري طلبها من قبل الأطراف. فلها أن تطلب من الأطراف تقديم الوثائق والمستندات التي تسمح لها بإتمام عناصر ملف القضية، حتى يكون حكمها عادلا. لكن التساؤل المطروح حول الوسائل التي تملكها لإرغام أحد الأطراف على تقديم الوثائق والمعلومات. 

في الواقع، قدرة المحكم على فرض أوامره على الأطراف أقل فعالية من قدرة القاضي، لكن هناك بعض الحلول يمكن أن تلجأ إليها الهيئة التحكيمية بناءا على إتفاق الأطراف، كاعتبار الامتناع إقرارا بإدعاءات الطرف الآخر في المسائل المتعلقة بالوثائق والمعلومات التي رفض تقديمها. كما يمكن أن تصدر الهيئة أوامرها على شكل قرارات تمهيدية قابلة للتنفيذ  (بواسطة الصيغة التنفيذية)، أو اللجوء إلى القضاء لإرغام الطرف الممتنع، كما يمكن أن تأمر المحكمة بزيارة الأماكن والقيام بكل التحريات الملائمة.

الفرع الثاني: تدخل القاضي أثناء إجراءات التحكيم

بمجرد بدء التحكيم تنتهي إمكانية تدخل القاضي الوطني وفقا للطابع الليبرالي للنصوص التشريعية الجزائرية، غير أن المادة 1046 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تمنح القضاء إمكانية التدخل متى استلزم الأمر ذلك ونذكر: 

1- إذا أمرت محكمة التحكيم بتدابير مؤقتة أو تحفظية بناءا على طلب أحد الأطراف، ما لم ينص اتفاق التحكيم على خلاف ذلك، ولم يقم الطرف المعني بتنفيذ هذا التدبير إراديا جاز لمحكمة التحكيم أن تطلب تدخل القاضي المختص ويطبق في هذا الشأن قانون بلد القاضي.  

2- يمكن للقاضي كذلك إخضاع التدابير المؤقتة أو التحفظية إلى تقديم ضمانات ملائمة من قبل الطرف الذي طلب هذا التدبير.

3- الأصل أن تتولى محكمة التحكيم البحث عن الأدلة أما إذا اقتضت الضرورة مساعدة السلطات القضائية في تقديم أو تمديد مهلة المحكمة أو تثبيت الإجراءات أو في حالات أخرى ،جاز لمحكمة التحكيم أو للأطراف بالاتفاق مع هذه الأخيرة أو للطرف الذي يهمه التعجيل بعد الترخيص له من طرف محكمة التحكيم أن يطلب بموجب عريضة تدخل القاضي المختص ويطبق في هذا الشأن قانون بلد القاضي.

المطلب الرابع: صدور حكم التحكيم

تنتهي الخصومة التحكيمية بصدور الحكم التحكيمي وتبليغه للأطراف. وبهذا يدخل التحكيم مرحلته الأخيرة والمتمثلة في الاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه وكذا طرق الطعن في هذه الأحكام. سنحاول في هذا المطلب الحديث عن الحكم التحكيمي من خلال تعريفه (الفرع الأول) وتحديد شكلياته (الفرع الثاني).

الفرع الأول: تعريف الحكم التحكيمي

الحكم التحكيمي هو قرار تصدره الهيئة التحكيمية لوضع حذّ للطلبات المتبادلة بين أطراف النزاع أو لطلبات أحدهم. وقد جاء في المادة الأولى من إتفاقية نيويورك لسنة 1958: "يقصد بأحكام المحكمين، ليس فقط الأحكام الصادرة من محكمين معينين للفصل في حالات محددة بل أيضاء الصادرة عن هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف".

قد يكون الحكم جزئيا "قرار متعلق بالاختصاص أو قرار متعلق بالقانون واجب التطبيق أو بصحة العقد..."، أو نهائيا فاصلا في النزاع أو مثبتا لاتفاق صلح بين الطرفين.

الفرع الثاني: شكليات الحكم التحكيمي

اشترطت غالبية القوانين والأنظمة التحكيمية عدة شروط شكلية أو موضوعية يجب توافرها في الحكم التحكيمي:

أولا: الكتابة

تنص الأنظمة التحكيمية الدولية على الكتابة لكي يتسنى إيداعه لدى القاضي المختص لإضفاء الصيغة التنفيدية عليه، وهو ما نصت عليه صراحة قواعد الأنسترال في باب: إصدار حكم التحكيم في القانون النموذجي في مادته (31) وكذا في المادة (48/2) من اتفاقية واشنطن في شأن تسوية منازعات الاستثمار.

أما المشرع الجزائري، فنستخلص ذلك ضمنا من المادة (1027) من القانون لإجراءات المدنية والإدارية التي تنص: "يجب أن تتضمن أحكام التحكيم عرضا موجزا لإدعاءات أطراف وأوجه دفاعهم" وفي المادة (1029) من نفس القانون: "توقع احكام التحكيم من قبل جميع المحكمين...." 

ثانيا: لغة تحرير الحكم

لم تشر غالبية القوانين والأنظمة التحكيمية إليها، إنما حددت اللغة التي يتبعها المحكمون في إجراءات التحكيم، مؤكدة على مبدأ سلطان الإرادة للأطراف في هذا الشأن.

ثالثا: المدة المقررة لصدور الحكم

نظرا لما يتميز به التحكيم من سرعة الفصل في المنازعات، فإن أغلبية القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية التحكيمية تحدد مدة معينة على المحكمين أن يصدروا خلالها حكمهم الذي يضع حدا للنزاع، وهو ما نص عليه مشروع الجزائري في المادة (1018) من قانون الإجراءات المدنية والادارية، حيث حدد المدة في 4 أشهر تبدأ من تاريخ تعيين المحكمة، وهذا في حالة عدم اتفاق الأطراف على أجل لإنهائها، ويكون هذا الأجل قابلا للتمديد بموافقة الأطراف أو وفقا لنظام التحكيم، وفي غياب ذلك بأمر من رئيس المحكمة المختصة.

رابعا/ مشتملات حكم التحكيم: 

تنص المادة (1027) من ق.إ.م.إ " يجب أن تتضمن أحكام التحكيم عرضا موجزا لإدعاءات الأطراف وواجب دفاعهم، ويجب أن تكون أحكام التحكيم مسببة." أي يجب أن يتضمن حكم التحكيمي منطوق الحكم وطلبات الخصوم ومستنداتهم وذكر أسباب الحكم.

وقد أوجبت التسبيب العديد مـــن التشريعـــات كالمصـــري فــــي المادة (43/2) من قانون التحكيم، والمادة (2) من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي المعدل سنة 2006.

بناء ما تقدم فإن عدم تسبيب القرار التحكيمي يؤدي إلى بطلانه وهو بطلان متعلق بالنظام العام.

يجب أن يشمل قرار المحكمة على توقيعات المحكمين، لأن التوقيع يعد دليلا على موقف كل محكم، في حالة امتناع أو تعذر على أي محكم التوقيع يجوز التوقيع من أغلبية المحكمين.

أما في التشريع الجزائري فقد نصت المادة (1029) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "توقيع أحكام التحكيم من قبل جميع المحكمين وفي حالة أقلية عن التوقيع يشير بقية المحكمين إلى ذلك، ويرتب الحكم أثره باعتباره موقعا من جميع المحكمين".

كما نصت المادة (1028) من نفس القانون على أن يتضمن حكم التحكيم على البيانات التالية: 

1- اسم ولقب المحكم أو المحكمين.

2- تاريخ صدور الحكم.

3- مكان إصداره.

4- أسماء وألقاب الأطراف، موطن كل منهم وتسمية الأشخاص المعنوية ومقرها الاجتماعي.

5- أسماء والألقاب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف عند الاقتضاء.

المرجع:

  1. د. محمد عيساوي، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، للسنة الثانية ماستر، تخصص قانون الأعمال، جامعة أكلي محند أولحاج بالبويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2019/ 2020، ص58 إلى ص69. 
google-playkhamsatmostaqltradent