الحق في الزواج وتكوين أسرة

الحق في الزواج وتكوين أسرة

الحق في الزواج وتكوين أسرة

سنتناول التعريف بالحق في الزواج وتكوين أسرة، باعتباره المدخل الأساس لمعرفة الأسرة (كمبحث أول)، ثم تناول الحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج (كمبحث ثان)، كما نستعرض الاتفاقيات الدولية العالمية والإقليمية لحقوق الانسان التي نصت على الحق في الزواج وتكوين أسرة (كمبحث ثالث).

المبحث الأول: التعريف بالحق في الزواج وتكوين أسرة

إذا كانت الأسرة هي لبنة أساسية لبناء المجتمع فإن الزواج هو أول لبنة لبناء الأسرة (المطلب الأول)، ويختلف مفهوم الأسرة تبعا لاختلاف المجتمعات (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التعريف بالحق في الزواج:

يعد الحق في الزواج من الحقوق الطبيعية التي تستمر الحياة به، وأول خطوة لبناء الأسرة، فإذا كانت الأسرة لبنة لبناء الأمة فالزواج هو أصل الأسرة، به تتكون ومنه تنمو. ومن هنا–أيضا- يأخذ الزواج العناية نفسها التي تأخذها الأسرة إن لم تكن أقوى وأشد، فلا يوجد دينا من الأديان السماوية إلا وكان الزواج فيه المكان الأول؛ بل لا توجد أمة من الأمم التي تعرف قيمة الحياة إلا كان الزواج لديها آخذا جانبا مهما من العناية والاحترام، وليس ذلك فقط، بل لأنه –أيضا- مما تدعو إليه الفطرة وتقضي به الطبيعة.

لذلك، نرى من الضروري تعريف الزواج.

الفرع الأول: تعريف الزواج

يعرف الزواج تعريفات عديدة من منطلقات متعددة لغوية (أولا)، واصطلاحية (ثانيا) ،وشرعية (ثالثا)، وقانونية (رابعا).

أولا: تعريف الزواج لغة: هو الارتباط والاقتران، ويعني الاقتران بين شيئين، وارتباطهما معاً بعد أن كانا منفصلين عن بعضهما، وقد شاع استخدامه للتعبير عن الارتباط بين الرجل والمرأة بهدف الاستقرار،  وانشاء المنزل، والأسرة.

- الزَّوَاجُ معناه اقترانُ الزوج بالزوجة، أو الذكر بالأنثى.

- الزَّوجُ: خلاف الفرْد.

يقال: زَوجٌ أو فرْدٌ، كما يقال: خَساً أو زَكاً، أو شَفْعٌ أو وترٌ؛ قال أبو وَجْزَة السَّعْديُّ: ما زلْنَ يَنْسُبْنَ، وَهْناً، كلَّ صادقةٍ، باتتْ تباشرُ عُرْماً غير أزْوَاج لأن بَيْضَ القطَا لا يكون إ لاَّ وترا.

وقال تعالى: "وأنبتنا فيها من كل زوجٍ بَهيج"؛ وكل واحد منهما أيضاً يسمى زَوْجاً، ويقال: هما زَوْجان للاثنين وهما زَوجٌ، كما يقال: هما سيَّان وهما سَواءٌ؛ ابن سيده: الزَّوجُ الفرْدُ الذي له قرينٌ". 

ثانيا: تعريف الزواج اصطلاحا: هو اتفاق بين الرجل والمرأة على الارتباط بهدف إنشاء الأسرة، ويعود الزواج بفائدة حفظ النوع البشري عن طريق التكاثر، ويطلق على الطرفين المتفقين الزوج والزوجة. 

ثالثا: تعريف الزواج شرعا: هو استمتاع الزوجين كلٌ بالآخر بغرض النكاح، ويتم ذلك وفق شروطٍ محددة، على أن تحفظ لكلا الزوجين حقوقهما، والهدف الأسمى من الزواج حفظ النوع البشري وعمارة الأرض.

يقول جل شأنه: "هُوَ الذي خَلقكُمْ منْ نَفْسٍ وَاحدَةٍ وَجَعَلَ منْها زَوْجَهَا ليَسْكُنَ إليْها فَلمَّا تغَشَّاهَا حَمَلتْ حَمْلاً خَفيفا فمَرَّتْ به فَلمَّا أثقَلتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهمَا لئنْ آتيْتنَا صَالحًا لنَكُونَنَّ منْ الشَّاكرينَ" 

يقول سبحانه مخاطباً لرسوله: "وَلقدْ أرْسَلْنَا رُسُلاً منْ قبْلكَ" أي أرسلنا قبلك الرسل الكرام "وَجَعَلْنَا لهمْ أزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً". 

ولقد تزوج الأنبياء والرسل كلهم، ولم يذكر المؤرخون من عاش منهم بلا زواج سوى يحيى وعيسى عليهما السلام.

رابعا: تعريف الزواج قانونا: جاء في المادة الرابعة من قانون الأسرة الجزائري، بأن "الزواج هو عقد رضائي يتم بين رجل وامرأة على الوجه الشرعي، من أهدافه، تكوين أسرة أساسها المودة والرحمة والتعاون واحصان الزوجين والمحافظة على الأنساب".

صفوة القول، أن الزواج يكون بين شخصين مختلفين بيولوجيا، وهما الرجل والمرأة، وما عدا ذلك فهو اعتداء على فطرة الله، وتغيير للأسس والقواعد الأسرية المعروفة منذ وجود الإنسان. كما أنه لا يعتبر زواجا تلك العلاقات التي يقيمها مغّيرو الجنس، فيما بينهم أو مع أشخاص آخرين، حتى ولو كانوا مختلفين في الجنس ظاهريا أي بعد إجراء عملية جراحية، فضلا عن ذلك، تلك العلاقات القائمة بين مثليي الجنس.

المطلب الثاني: التعريف بالأسرة: 

الأسرة مأخوذة من الأسر وهو القوة والشدة، ولذلك تفسر بأنها الدرع الحصينة، لأن أعضاء الأسرة يشد بعضهم أزر البعض، ويعتبر كل منهم درعا للآخر. وتطلق الأسرة كذلك على أهل الرجل وعشيرته، كما تطلق على الجماعة يضمهم هدف مشترك، كأسرة المحامين ،وأسرة الأطباء، وأسرة المهندسين...إلخ.

أما الأسرة التي تنتج عن الزواج فلم يتفق علماء الاجتماع على إعطاء تعريف شاملا لها، وذلك بالنظر إلى تعدد أنماطها، ثم لاختلاف مفهوم الأسرة من مجتمع لآخر، بل وفي أحيان أخرى داخل المجتمع الواحد، فمعظم الزيجات التي تطلق عليها مصطلح الأسرة، قد لا ينطبق عليها المعنى التقليدي الذي يطلق على الأسرة، خاصة إذا علمنا أن ملايين من الزيجات التي تحدث في بلدان أمريكا اللاتينية وافريقيا والهند تتم دون إجراءات رسمية وقانونية ودينية.

أما في قانون الأسرة الجزائري، فقد جاء في المادة 2 منه، بأن "الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع وتتكون من أشخاص تجمع بينهم صلة الزوجية وصلة القرابة". لتضيف المادة 3 بأن "تعتمد الأسرة في حياتها على الترابط والتكافل وحسن المعاشرة والتربية الحسنة وحسن الخلق ونبذ الآفات الاجتماعية".

وقد شهد المجتمع الغربي تحولات مختلفة على صعيد الأسرة الصغيرة بمعناها التقليدي، وظهرت نتائج هذا التطور في المفهوم الحديث للأسرة التي تغير تعريفها، حيث جاء في موسوعة "لاروس الكبرى" بأن "الأسرة مجموعة من شخصين أو أكثر بينهما علاقة قرابة سواء ضاقت أو اتسعت".

وقد تأسست هذه التحولات في مفهوم الأسرة وأنماطها على اعتبار أن الأسرة "التقليدية "نمط اجتماعي تاريخي، مما يفهم بأنه يمكن تجاوزه وتشكيل بديل عنه، ظهر في أنواع الأسرة الموجودة اليوم، مثل الأسرة التي تشمل الأبناء بالتبني، والعائلات المختلطة، والأسرة المثلية (أنثى/ أنثى، ذكر/ذكر)، والأسرة المتشكلة بالتقنيات العلمية الحديثة (تلقيح الأنابيب، الحمل بالإعارة،...إلخ).

المبحث الثاني: الحد الأدنى لسن الزواج وتسجيله في الوثائق الدولية

أكدت الوثائق الدولية باختلاف مسمياتها وقيمتها القانونية على التنصيص على الحد الأدنى لسن الزواج في نصوص عديدة (المطلب الأول)، كما أكدت هذه الوثائق على تسجيل عقود الزواج وذلك حتى يعطي أثره سواء لأطرافه أو الغير (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الحد الأدنى لسن الزواج في الاتفاقيات الدولية: 

يبدأ سن الزواج بعد سن النضج البيولوجي بقليل أو بكثير حسب ظروف الشخص المقبل على الزواج. ويستطيع الشخص أن يختار من يتزوجه سواء كان مماثلا له في السن أم أصغر أو أكبر (في حدود المعقول).

والوضع المألوف لسن الزواج هو أن يكون الشاب أكبر من الفتاة سنا ومرد ذلك إلى أن نضج الأنثى البيولوجي –غالبا- ما يكون أسرع من نضج الذكر، بالإضافة إلى تبعات المسؤولية التي تقع على الزوج باعتباره رئيس الأسرة، تحتاج وقت أطول ليصبح مؤهلا لهذه الوظيفة.

وقد جاء في المادتين الأولى والثانية على التوالي من اتفاقية الرضا في الزواج والحد الأدنى لسن الزواج لعام 1962 "لا يتم الزواج قانونا دون الرضا الكامل والحر لكلا الطرفين اللذين يعبران عنه شخصيا بصفة علنية أمام السلطة المختصة بعقد الزواج وبحضور الشهود...". و "يجب على الدول الأطراف في هذه الاتفاقية أن تتخذ الإجراءات التشريعية لتحديد السن الأدنى للزواج. ولا يتم الزواج قانونا بالنسبة لأي شخص لم يبلغ هذا السن...".

كما جاء أيضا في المادة 16/2 من اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد النساء الصادرة في عام 1979، على أنه "لا تترتب آثار قانونية على خطبة وزواج الأطفال وتتخذ كل التدابير الضرورية، بما في ذلك الأحكام التشريعية، من أجل تحديد سن أدنى للزواج وفرض تسجيل الزواج في سجل رسمي".

والواقع فإن هذا التأكيد على تحديد أدنى لسن الزواج الذي أكدت عليه هذه الاتفاقية هو حماية الأطفال بصفة عامة، والفتيات بصفة خاصة، لأنه قد تستغلن من طرف الآخرين، وذلك لعدم وعيهن وادراكهن، بمخاطر مثل هذه الزيجات وما قد يترتب عنه من آثار قد يعرض الأسرة لعدم الاستقرار.

وقد حذر صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (UNICEF)  بعدم حمل البنت قبل سن الثامنة عشر(18)، لأنها غير مستعدة جسميا لذلك بعد. وأضاف بأن أطفال الأمهات ذوات الأعمار دون الثماني عشرة سنة (18) يمكن أن يولدوا باكرا و بوزن ضعيف، وقد يموتون في السنة الأولى من حياتهم، كما أن الخطر على صحة الأمهات الصغيرات كبير جدا، وكثير ما لوحظت صحة رديئة لدى النساء الفقيرات الحوامل منهن والمرضعات.

وصفوة القول في هذا الأمر، أن النصوص الدولية قد أجمعت على أن تحديد سن الزواج يبين متى يكون الرجل والمرأة واعيين بدورهما في الأسرة والمجتمع. وفي هذا السياق جاء في توصية الرضا في الزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في المبدأ الثاني منها، على أنه يجب على الدول الأطراف أن تتخذ "الإجراءات التشريعية لتحديد السن الأدنى للزواج الذي يجب في جميع الأحوال ألا يقل عن خمس عشرة (15) سنة". 

أما المشرع الجزائري فقد حدد سن الزواج بالنسبة للذكر والأنثى ب 19 سنة كاملة، وهذا حسب ما جاء في المادة 07 من قانون الأسرة، فقد نصت على أنه "تكتمل أهلية الرجل والمرأة في الزواج بتمام 19 سنة. وللقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة، متى تأكدت قدرة الطرفين على الزواج".

وفي الواقع فإن سن الزواج قد ارتفع كثيرا عما كان عليه في السابق- إذا استثنينا بعض المناطق النائية- وهذا نتيجة للتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية العالمية منها، والمحلية وخاصة في المناطق الحضرية، لأن أعدادا كبيرة من الشباب يلتحقون بالتعليم بمراحله المختلفة ،وتستغرق بعض أنواع التعليم سنوات عديدة، وبعدها يصطدم الشباب بعوائق تجعله يتأخر وغير مهيأ للزواج ومن أهم هذه العوائق توفير العمل و توفير البيت، ...وغيرها. مما جعل سن الزواج في وقتنا الحالي يتراوح بين 23-28 للفتيات و27-34 للفتيان.

المطلب الثاني: تسجيل عقود الزواج في الاتفاقيات الدولية:

إذا كان الزواج عقد بين طرفين هما الزوج و الزوجة، فإن هذا العقد لكي يعطي أثره القانوني، سواء لأطرافه (وهما الزوج والزوج)، أو للغير (الأبناء أو الأقارب أو الآخرين) لا بد له من تسجيل، وهذا ما أكدت عليه الصكوك الدولية.

فقد جاء في اتفاقية الرضا بالزواج، والحد الأدنى لسن الزواج، وتسجيل عقود الزواج، في المادة الثالثة منها بأن "تقوم السلطة المختصة بتسجيل جميع عقود الزواج في سجل رسمي مناسب". 

كما جاء في توصية بشأن الرضا بالزواج، والحد الأدنى لسن الزواج، في المبدأ الثالث منها "1-تقوم السلطة المختصة بتسجيل جميع عقود الزواج في سجل رسمي مناسب....".

أكدت المادتين السابقتين على ضرورة تسجيل جميع عقود الزواج في سجل رسمي. واستعمال عبارتي "سجل رسمي" و"جميع" هي تأكيد للدول باستخدام سلطاتها للقيام بهذه المهمة بصفة رسمية مع عدم التمييز بين أفرادها في هذا التمتع بهذا الحق.

أما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فقد جاء في المادة 16/ح-2 "... وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما فيها التشريع، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا".                                                       

كما جاء في اتفاقية حقوق الطفل، في المادة 07 منها، بأن "يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقى رعايتهما".

وبما أن الطفل يعد نتيجة العلاقة بين الرجل والمرأة، فإن عقد زواجهما لا بد وأن يسبق مولد الطفل، فإذا كان عقد زواجهما مسجل في سجل رسمي، فإن ذلك سيسهل من عملية تسجيل المولود، والا قد تعترضهما عوائق متعددة، من أخطرها عدم الاعتراف بالطفل.

المبحث الثالث: الحق في الزواج وتكوين أسرة في الصكوك الدولية والإقليمية لحقوق الانسان

سنتناول الحق في الزواج وتكوين أسرة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان (كمطلب أول)، ثم الاتفاقيات الدولية الإقليمية لحقوق الانسان (كمطلب ثان).

المطلب الأول: الحق في الزواج وتكوين أسرة في الاتفاقيات والإعلانات الدولية لحقوق الانسان

تنص المادة 16/1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بأن "للرجل متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة...".

ولم يختلف العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق المدنية والسياسية، كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد نصت المادة 10 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنه "...يجب أن يتم الزواج بالرضاء الحر للأطراف المقبلة عليه".

أما المادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فقد جاء في الفقرتين 2 و3 من المادة 23، على أنه..." 2- يعترف بحق الرجال والنساء الذين في سن الزواج وبتكوين أسرة.

3- لا يتم زواج بدون الرضاء الكامل والحر للأطراف المقبلة عليه...".

وجاء في المبدأ الأول من توصية بشأن الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج ،وتسجيل عقود الزواج بأنه "لا ينعقد الزواج قانونا إلا برضا كلا الطرفين رضاء كاملا لا إكراه فيه، وبإعرابهما عنه بشخصيهما بعد تأمين العلانية اللازمة وبحضور شهود وفقا لأحكام القانون". 

ولم تخرج عن هذا السياق اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج، حيث جاء في المادة الأولى منها، بأنه "لا ينعقد الزواج قانونا إلا برضا الطرفين رضاء كاملا لا إكراه فيه، وبإعرابهما عنه بشخصيهما بعد تأمين العلانية اللازمة، وبحضور السلطة المختصة بعقد الزواج، وبحضور شهود، وفقا لأحكام القانون...".

وقد جاء أيضا في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، في المادة 16 بأن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمايز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وبوجه خاص تضمن، على أساس تساوي الرجل والمرأة:

(أ)- نفس الحق في عقد الزواج.

(ب) – نفس الحق في اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل.

(ت) – نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه...".

بناء على ما تقدم من نصوص قانونية نصت عليها الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، يتبين لنا بأنها قد أجمعت على أن الحق في الزواج وتكوين أسرة من الحقوق المعترف بها لكلا الطرفين المتقدمين لهذا العقد (وهما الزوج والزوجة)، وأوجبت هذه الاتفاقيات على الدول المصدقة على هذه الاتفاقيات الرضاء الكامل والحر لا إكراه فيه لكلا الطرفين.

المطلب الثاني: الحق في الزواج وتكوين أسرة في الاتفاقيات الدولية الإقليمية:

إن الصكوك الدولية الإقليمية لم تختلف عن الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة التي تناولنها في ما سبق، فقد نصت على الحق في الزواج وتكوين أسرة، وسنتناول كل ذلك وفق ما جاء من إطار مجلس أوروبا في كل من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وميثاق الحقوق الأساسية للإتحاد الأوروبي (الفرع الأول)، ثم ما جاء في إطار منظمة المجموعة الأمريكية في كل من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان (الفرع الثاني)، دون أن نغفل ما جاء في إطار جامعة الدول العربية في اتفاقية الميثاق العربي لحقوق الإنسان (الفرع الثالث).

الفرع الأول: الحق في الزواج في إطار مجلس أوروبا:

ونستعرض هنا كل من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان (أولا)، وميثاق الحقوق الاساسية للاتحاد الأوروبي (ثانيا).

أولا: الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان: نصت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، في المادة 12، على أن "للرجل والمرأة في سن الزواج حق التزوج وتكوين أسرة وفقا للقوانين الوطنية التي تحكم ممارسة هذا الحق". 

إذا قرأنا النص المذكور أعلاه، فإننا نستنتج منه بأن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان قد نصت على الحق في الزواج بين الرجل والمرأة دون سواهما، أو ما يسمى بالزواج التقليدي، لكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد اتخذت موقفا مغايرا لما نصت عليه المادة 12 المذكورة أعلاه من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، حيث أجازت الزواج بين مثلي الجنس ،وقد استندت في موقفها هذا على أن العبارات والألفاظ المستخدمة في هذه المادة لا تشترط تحديد نوع الجنس وفقا لمعايير بيولوجية محضة؟ وخلصت في النهاية إلى أن الحق في الزواج وتكوين أسرة يمنح الإنسان حقا في تغيير جنسه وفي الزواج ممن يشاطره جنسه.        

ثانيا: ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي: نصت المادة 9 من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، الصادر عام 2000، على أنه "يكفل الحق في الزواج والحق في تكوين أسرة وفقا للقوانين المحلية التي تحكم ممارسة هذه الحقوق".

من خلال المصطلحات المستعملة يتبين لنا بأن الميثاق جاء خاليا من لفظي الرجل والمرأة، مما يفهم منه بأن الحق في الزواج ليس محصورا بين الرجل والمرأة بل تعداه إلى نمط آخر من الزواج أصبح معترف به في المجتمع الأوروبي وهو الزواج بين مثلي الجنس.

الفرع الثاني: الحق في الزواج في إطار منظمة الدول الأمريكية:

ونتناول في هذا الفرع كلٌ من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان وواجباته (أولا)، ثم نتناول الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان (ثانيا).

أولا: الحق في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان: أكدت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في المادة 17 " ...2- أن حق الرجال والنساء الذين بلغوا سن الزواج في أن يتزوجوا ويؤسسوا أسرة، وهو حق معترف به إذا استوفوا الشروط التي تحددها القوانين المحلية طالما أن هذه الشروط لا تتعارض مع مبدأ عدم التمييز الذي تقره هذه الاتفاقية.

3- لا ينعقد أي زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا إكراه فيه.

4- تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة التي تضمن للزوجين مساواة في الحقوق وتوازنا ملائما في المسؤوليات عند التزوج وخلال فترة الزواج وعند انحلاله إذا حصل...".

من خلال هذا النص يتبين لنا بأن الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان قد اعترفت للرجال والنساء الذين بلغوا سن الزواج بالحق في الزواج وتأسيس أسرة، وفقا للشروط المنصوص عنها في دولهم. كما أكدت الاتفاقية على عدم انعقاد أي زواج إذا لم يحظ برضا أطرافه رضاء حرا لا إكراه فيه.

ثانيا: الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان: جاء في المادة 6 من الإعلان العالمي لحقوق وواجبات الإنسان بأنه "لكل شخص الحق في تكوين أسرة- العنصر الأساسي للمجتمع- والحصول على الحماية لها".

هذا النص اعترف بحق كل شخص في تكوين أسرة، لكن لم يبين الأسرة المراد تكوينها هل هي الأسرة التقليدية المتكونة من رجل وامرأة، أم الأسرة المتكونة من مثلي الجنس.

لكن الواضح أن استخدام مثل هذه المصطلحات هو إشارة إلى حق كل شخص في تكوين الأسرة التي يرغب فيها.

الفرع الثالث: الحق في الزواج وتكوين أسرة في إطار جامعة الدول العربية

أصدرت جامعة الدول العربية الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وقد كرس بعض الحقوق المتعلقة في المادة 33 منه جاء فيها، ذكر فيها أن الأسرة هي الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع، وهذا أمر طبيعي بالنظر لما تمثله الأسرة عند العرب عموما والمسلمين خصوصا، إذ تعد منبع الحنان، والتآزر والتعاون، والتضامن، والتلاحم في السراء والضراء.

لتشير المادة بأن الزواج بين الرجل والمرأة ابتداء من بلوغ سن الزواج، هو أساس تكوينها.

وهو أمر مسلم به في مجتمع ربي وتشبع بالأخلاق المستمدة من الدين الحنيف. ولتوضح أكثر، ذكرت بأن الحق في التزوج وتأسيس أسرة وفق شروط وأركان الزواج، مع عدم انعقاد الزواج إلا بناء على رضا الطرفين رضاء كاملا لا إكراه فيه.

وقد أحالت المادة إلى تشريع كل دولة لتنظيم حقوق وواجبات الرجل والمرأة بخصوص انعقاد الزواج وأثناء قيامه وفي حالة انحلاله.

رضاً كاملاً لا إكراه فيه وينظم التشريع النافذ حقوق وواجبات الرجل والمرأة عند انعقاد الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله.

وأشارت المادة إلى مسؤولية الدولة والمجتمع في حماية الأسرة وتقوية أواصرها وحماية الأفراد داخلها، وحظر مختلف أشكال العنف واساءة المعاملة بين أعضائها، خصوصا ضد المرأة والطفل. ويقع على الدولة أيضا مسؤولية كفالة الحماية والرعاية اللازمتين للأمومة والطفولة والشيخوخة وذوي الاحتياجات الخاصة، وكفالة فرص التنمية البدنية والعقلية للناشئين والشباب. 

ويقع على الدول الأطراف إلتزام باتخاذ كل التدابير التشريعية والإدارية والقضائية لضمان حماية الطفل وبقائه ونمائه ورفاهيته في جو من الحرية والكرامة واعتبار مصلحته الفضلى المعيار الأساسي لكل التدابير المتخذة بشأنه في جميع الأحوال وسواء كان معرضاً للانحراف أم جانحاً.

المرجع:

  1. د. ربيع زكرياء، حماية الأسرة في الاتفاقيات الدولية، محاضرات موجهة لطلبة السنة الأولى ماستر، تخصص قانون أسرة، جامعة آكلي محند أولحاج – البويرة- ،كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2020/2021، ص6 إلى ص18. 
google-playkhamsatmostaqltradent