حماية الأطفال في إطار الصكوك الدولية

حماية الأطفال في إطار الصكوك الدولية

حماية الأطفال في إطار الصكوك الدولية

إن الأسرة لا يكتمل معناها إلا إذا ألحقنا بها الأطفال باعتبارهم ثمرة من ثمرات الزواج ،وباعتبارهم أيضا من أسس الأسرة، حتى وان كانت بعض الأسر ليس لها أطفال إما رغبة منها أو بسبب العقم الذي قد أصاب أحد الزوجين أو كليهما، كما أن بعض المجتمعات الأخرى تعترف بالتبني لأطفال ليسوا من صلبها، ومن الدول من تعترف بإقامة علاقات بين مثلي الجنس لهم الحق في تبني أطفال يعيشون معهم كأنهم أبناؤهم.

وقد جاءت الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان لتؤكد على حماية هذه الشريحة الضعيفة من المجتمع، وقبل أن نتناول حقوق الطفل (كمبحث ثان)، من الأهمية بمكان تعريف الطفولة ومراحلها (كمبحث أول).

المبحث الأول: تعريف الطفولة ومراحلها

سنتناول تعريف الطفولة كما ورد في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل (كمطلب أول)، ثم نتناول مراحل الطفولة (كمطلب ثان).

المطلب الأول: تعريف الطفولة

لم تحدد أغلب الاتفاقيات الدولية والإعلانات المتعلقة بحقوق الإنسان المقصود بالمصطلحين "الطفل" و "الطفولة "، رغم ورودهما في كثير من نصوصها ورغم التنصيص على حماية هذه الشريحة الخاصة في كثير من بنودها. ولعل السبب في ذلك هو ترك هذه المسألة للتشريعات الوطنية لكي تحدده في ظروف كل دولة.

وقد جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة من طرف الأمم المتحدة عام 1989 بأن الطفل "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد بموجب القانون المطبق عليه". 

إذن فقد حددت الاتفاقية الدولية الحد الأقصى للطفل بثمانية عشرة سنة، وهذا التحديد الذي يتوقف عنده وصف الكائن البشري بالطفل يرتبط بظروف كل دولة ومدى تفوقها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومدى قدرتها على إشباع حاجات أفرادها المادية والمعنوية.

فعمر الطفولة في المجتمعات المتقدمة يكون أطول منه في المجتمعات البدائية والنامية.

وتحديد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سن الطفل كحد أقصى هو ثمانية عشرة سنة، الهدف منه كما يبدو إسباغ مزيد من الحماية لأطول مدة ممكنة للصغار.

المطلب الثاني: مراحل الطفولة

 للطفولة مراحل خاصة قسمها علماء النفس إلى خمسة مراحل رغم أن الاتفاقيات الدولية لم توضح وتبين هذه المراحل ولكن لأهميتها سنذكرها في دراستنا هذه. 

أولا: مرحلة الرضيع: يولد الطفل قبل أن ينضج للحياة المستقلة فكأنه غير تام من الناحية العضوية إلا أنه قادر على التلاؤم مع الوسط الذي يعيش فيه، بفعل بعض ردود الأفعال التي يملكها من البداية (كالتنفس والمص والبلع). وتتميز هذه المرحلة بأن الرضيع في أسابيعه الأولى لا يميز بين الضوء والظلام. وفي هذه المرحلة لا تكون حواسه ناضجة في البداية ،يقضي سنته الأولى في انتظار نضجها.

ثانيا: مرحلة الطفولة الأولى (بين السنة الأولى والثالثة): من أبرز مظاهر هذه المرحلة قدرة الطفل على المشي، ويبدأ الطفل في اكتساب اللغة، وادراك الأشياء مستقلة عن بعضها البعض.

ثالثا: مرحلة الطفولة الثانية (بين 3-6 أو 7): تتميز هذه المرحلة إلى الميل إلى اللعب بصورة أكثر من المراحل الأخرى. كما يتجه الطفل في هذه المرحلة إلى مصادقة الأطفال الآخرين. ويصبح الطفل يتكلم كالآخرين وتقليدهم.

رابعا: الطفولة الثالثة (7-13): يزداد طول قامة ووزن الطفل، بمعدل ملفت للنظر، وتنمو ذاكرته نموا كبيرا، ويتضاءل التمركز حول الذات.

خامسا: مرحلة المراهقة والبلوغ (13-18): ينتقل الطفل من مستوى الطفولة المعتمدة على الآخرين إلى مستوى الرجولة المستقلة، مما يجعل هذه المرحلة مرحلة انتقال صعب مصحوب باضطراب عضوي ونفسي واجتماعي وجنسي، مما يؤثر فيه ويربكه ويزيد في خجله.

المبحث الثاني: الصكوك الدولية المكرسة لحماية للطفل

بالنظر لأهمية الأطفال في حياة المجتمعات باعتبارهم جيل المستقبل وأساس الأمم ،وبالنظر إلى ضعف هذه الفئة من المجتمع، وعدم قدرتها على حماية نفسها فقد أصدرت الأمم المتحدة العديد من الصكوك لحماية هذه الشريحة، سواء تلك المتعلقة بحقوق الانسان بصفة عامة أم تلك الاتفاقيات التي تخص الأطفال على وجه التخصيص. ولم تكن المنظمات الإقليمية الأخرى عن معزل عن هذه الحماية.

وسنتطرق إلى أهم الحقوق الواردة في الصكوك الدولية الصادرة من طرف الأمم المتحدة (كمطلب أول)، ونخص اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 باعتبارها أهم اتفاقية اهتمت بجوانب عديدة لحقوق الطفل (كمطلب ثان).

المطلب الأول: أهم الصكوك الدولية العالمية المكرسة لحقوق الطفل:

نتناول إعلان جنيف بشأن حقوق الطفل لعام 1924 (الفرع الأول)، ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 (الفرع الثاني)، ثم إعلان حقوق الطفل (الفرع الثالث)، فالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الفرع الرابع)، فالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (الفرع الخامس)، ثم نتناول اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 (الفرع السادس).

الفرع الأول: إعلان جنيف بشأن حقوق الطفل لعام 1924:

يعد إعلان جنيف بشأن الأطفال أول صك دولي يكرس حقوق الأطفال، والذي صدر عن عصبة الأمم عام 1924. لم يكرس الإعلان حقوق الطفل بصفة شاملة وكلية، لكن صدور الإعلان في ذلك الوقت، يمثل بداية مهمة وخطوة غير مسبوقة، زادتها أهمية في ظل عدم أخذ عصبة الأمم بمسائل حقوق الإنسان وجعلها من اختصاصها. ومن ثمة، فصدور مثل هذا الإعلان يهتم بحقوق الطفل يعد بادرة جيدة. ومن أهم ما جاء فيه:

أن يعترف الرجال والنساء في جميع أنحاء البلاد بأن على الانسانية مسؤولية حماية الأطفال دون تفرقة بينهم بسبب الجنس أو الأصل الاجتماعي أو العقيدة.

وينص الإعلان على ضرورة تغذية الطفل الجائع، وعلاج المريض ومنحه مساعدة طبية، وايواء اليتامى ومساعدة الطفل المتخلف، واعادة تربية الطفل الضال، ومنح الطفل إمكانية اكتساب طرق عيشه، وعلى وجوب إيواء اليتيم والمهجور وانقاذهما.

وشدد الإعلان على وجوب تلقي الطفل العون إذا كان في حالة الشدة، وعلى أن يحمى من كل استغلال.

ما يؤخذ على إعلان حقوق الطفل هذا، أنه وبالرغم من صدوره عن منظمة عصبة الأمم ومن أحد أجهزتها الرئيسية وهي جمعية العصبة، إلا أن الإعلان لم يصدر باسم الدول ولم يوجه إليها، فالإعلان وثيقة اجتماعية موجهة إلى الأشخاص الطبيعيين من رجال ونساء، والى المجتمع بشكل عام، دون أن يرتب إلتزامات على الدول بشأن الطفل. 

الفرع الثاني: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948:

جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليكرس حقوق الإنسان للبشر جميعا، رجالا ونساء ،كبارا وصغار، وقد أشار الإعلان في المادة 25 إلى الأمومة والطفل بقوله بأن "للأمومة والطفل الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء كانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية".

ومن خلال هذا النص يتبن لنا اهتمام الأمم المتحدة بحقوق الطفل، ورغم أن الإعلان ليس بصك ملزم، إلا أن الإعلان جاء ليزيح اللثام عن المعاناة التي يتعرض لها الأطفال ،لذلك ربط الإعلان بين مرحلة الأمومة والطفولة، وأسبغ عليها حماية خاصة. ولم يميز الإعلان بين الأطفال الذين يولدون بطريقة شرعية أو بطريقة غير شرعية، لأن في الأخير كلاهما لم يختر أي من الطريقتين.

الفرع الثالث: إعلان حقوق الطفل لعام 1959: 

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1959، إعلان حقوق الطفل بموافقة 78 دولة، ودون معارضة أو امتناع. ويتكون الإعلان من ديباجة وعشرة مبادئ. وقد نوهت الديباجة بالواقع الألم الذي يعيشه ملايين من الأطفال في مختلف دول العالم، المحكوم عليهم بحياة قصيرة مليئة بالآلام، حيث لا يتلقون الغذاء الكافي والعناية الطبية اللازمة ولا التعليم ،ويفتقدون للحماية القانونية.

كما ركزت الديباجة على أسبقية الحماية الخاصة للأطفال، استنادا إلى قصورهم الجسماني والعقلي، وتوضح الديباجة الهدف من صدور الإعلان الذي توعزه إلى جعل الطفل يتمتع بطفولة هنيئة من خلال تمتعه بالحقوق والحريات الواردة في الإعلان.

كما أكدت الديباجة على المسؤولية التي تقع على الجميع في حماية الطفولة، وتهيب بالآباء والأمهات، وبالرجال والنساء، والهيئات التي تهتم طواعية برعاية الطفولة، كما تلقي مسؤولية على السلطات المحلية والمركزية بالاعتراف بالحقوق الواردة في الإعلان، وأن تعمل على الإلتزام بها وتنفيذيها من خلال اتخاذ كل التدابير الضرورية سواء كانت تشريعية أم غيرها من التدابير لإعمال الحقوق محل الحماية.

أما ما تعلق منها بالمبادئ المنصوص عليها في هذا الإعلان، فقد جاء فيها: حق الطفل في حماية خاصة، وحقه في اكتساب اسم وجنسية عند ولادته، وحقه في التمتع بالضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية، وحقه في المحبة والتفهم والتمتع برعاية والديه، وحقه في التعليم المجاني ،خاصة في مراحله الأولى، وحقه في الحماية القانونية من كافة أشكال الإهمال والقسوة والاستغلال وحظر استرقاقه أو الاتجار به، وحقه في الوقاية من التمييز العنصري والديني وغيرها من أشكال التمييز، وحقه في التمتع بكافة الحقوق الواردة في الإعلان دون أي تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة، وحق الطفل ذي العاهة الجسمانية أو العقلية بالمعالجة والتربية والعناية الخاصة التي تقتضيها حالته.

ويعد الإعلان المتعلق بحقوق الطفل المحاولة الدولية الأولى التي عددت حقوق الطفل بشكل لم يسبق إليه من قبل، كما أبدت اهتمامها بالطفل أينما كان، سواء داخل دولته أم خارجها، وحظرت كل تمييز يقع عليه، سواء بسبب اللغة أم الانتماء العرقي أم السياسي.

فالحقوق المقررة له في إطار الإعلان قررت له بناء على أنه طفل وليس لاعتبارات أخرى.

الفرع الرابع: العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966:

تناول العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حقوق الإنسان بصفة عامة، لكن دون أن يهمل حقوق الطفل، فقد كرس العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطفل بشكل أكثر تفصيلا.

فقد نصت المادة العاشرة من العهد على منح الأسرة أكبر قدر من الحماية والمساعدة لتمكينها من النهوض بمسؤولية تربية الأطفال الذين تعيلهم، وتوفير حماية خاصة للأمهات أثناء فترة الحمل وبعده، مع ضرورة منح الأمهات أثناء هذه الفترة إجازة بأجر مصحوبة باستحقاقات ضمان اجتماعي كافية، واتخاذ تدابير حماية ومساعدة خاصة لكافة الأطفال والمراهقين دون تمييز، وحمايتهم من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي وتحريم استخدامهم في أي عمل من شأنه يفسد أخلاقهم أو يضر بصحتهم أو يهدد حياتهم بالخطر أو الحاق الأذى بنموهم الطبيعي، مع فرض حدود دنيا عن طريق القانون لسن العمل المأجور.

أما المادة 12 من العهد فقد ألزمت الدول الأطراف على وجوب اتخاذ التدابير الضرورية لضمان حق الطفل في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمانية والعقلية، عن طريق خفض معدل المواليد وموت الرضع وتأمين النمو الصحي للطفل، والوقاية من الأمراض، وتأمين الخدمات والعناية الطبية في حالة المرض.

وقد أخذ التعليم جزءا هاما من العهد، فقد نصت المادة 13 منه، على حق كل فرد في التربية والتعليم، وضرورة جعل التعليم الابتدائي إلزاميا، حتى يتمكن الأطفال الذين هم في سن الطفولة الحصول على حد أدنى من التعليم. وتنص الفقرة الثالثة من المادة نفسها، على حرية الآباء أو الأوصياء، في اختيار نوع المدارس والتعليم الذي يتلقاه أطفالهم، مع شرط التزام المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي تفرضها الدولة.

الفرع الخامس: العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966: 

ألزمت الفقرة الرابعة من المادة 23 الدول الأطراف باتخاذ التدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم.

أما الفقرة 1 من المادة 24، فقد نصت على إعطاء الحق لكل طفل بدون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب ،على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصرا.

لتأتي الفقرة الثانية من المادة نفسه، لتضع إلتزاما على كل تسجيل كل طفل فور ولادته ،مع إعطاء اسم له. أما الفقرة الثالثة من المادة نفسه فقد أكدت حق كل طفل في اكتسابه جنسية.

المطلب الثاني: اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989

تعد اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 من أهم الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الأطفال. ويقصد بالحقوق الخاصة للطفل تلك الحقوق الواردة في الاتفاقية المذكورة آنفا فباعتبار الطفل كائن ضعيف البنيان غير مكتمل النضج بدنيا وعقليا، غير قادر على حماية حقوقه أو الدفاع عن نفسه، فإن الحاجة إلى من يمنحه الأمن والأمان والحب والحنان، ويتولى عنه مسألة الكسب والإنفاق وتوفير الحياة المادية والمعنوية مسؤولية تفرض نفسها، على المجتمع الدولي بصفة عامة وعلى كل دولة بصفة خاصة.

إن اتفاقية حقوق الطفل لعام 1990 تتكون من ديباجة و54 مادة، وتشير الديباجة إلى ما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والصكوك الدولية الأخرى ذات العلاقة بحقوق الإنسان من ضرورة حماية حقوق الإنسان والاعتراف بالكرامة لجميع أعضاء الأسرة البشرية.

وقد نوهت الديباجة بما كرسته هذه الصكوك بشأن حقوق الطفل في رعاية ومساعدة خاصتين وحماية قانونية مناسبة قبل الولادة وبعدها، وكذلك بما ورد في إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924، واعلان حقوق الطفل لعام 1959 من الحاجة إلى توفير رعاية خاصة.

وتعترف الديباجة بأن هناك أطفالا، في أنحاء مختلفة من العالم يعيشون في ظروف صعبة للغاية، ويحتاجون إلى رعاية خاصة وتحسين ظروفهم، والذي لا يتأتى إلا بالتعاون الدولي.

الفرع الأول: الحقوق العامة للطفل المكرسة في الاتفاقية:

الحق في الحياة، الحق في الاسم واكتساب الجنسية، والحق في حرية الفكر والوجدان، والحق في حرة التعبير، والحق في حرية تكوين الجمعيات والاجتماع السلمي، والحق في الحياة الخاصة وحماية الشرف والسمعة، والحق في الحصول على المعلومات، وحق التمتع بأعلى مستوى صحي، والحق في الضمان الاجتماعي، والحق في التعليم، والحق في مستوى معيشي ملائم، والحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة، والحماية من كافة أشكال التمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المولد أو الثروة.

يرى البعض بأن إعادة النصوص المتعلقة بحقوق الطفل العامة في اتفاقية الطفل مرده، أن تلك الحقوق تعني الإنسان بشكل عام دون تخصيص سواء كان طفلا أم شابا أم شيخا، ذكرا أو أنثى، وبالتالي فلا ضرر من إعادة التنصيص عليها في هذه الاتفاقية لإزالة أي شك أو غموض حول تمتع الطفل بها. 

أما السبب الثاني في إعادة تلك النصوص العامة في الاتفاقية، مرده أن الاتفاقية خصصت لحقوق الطفل، ومن ثمة، فإن إعادة صياغة تلك الحقوق من جديد في هذه الاتفاقية هو تركيز الحقوق العامة والخاصة في وثيقة واحدة دون حاجة إلى الإشارة أو الإحالة إلى وثائق دولية أخرى.

الفرع الثاني: الحقوق الخاصة المكرسة في الاتفاقية:

بالنظر لطبيعة الاتفاقية التي جاءت خصيصا لحماية الأطفال، فإنها قد اختصت بحقوق موجهة لفئة الأطفال مباشرة، وبالتالي فلا يتمتع بها إلا هم، لذلك فهي تكتسي أهمية خاصة بناء على طابعها المميز عن ما عداها من الاتفاقيات الدولية الأخرى.

والحقيقة أن المتمعن في الاتفاقية قد لا يبذل عناء كبيرا في التعرف على الحقوق الخاصة المتعلقة بالطفل والأسباب الداعية في التنصيص عليها، استنادا إلى ضعف بنيته وتكوينه العقلي والبدني، بحيث تعيقه عن إدراك ومعرفة ما يضره وما ينفعه، وعدم قدرته على حماية نفسه والدفاع عن حقوقه، وبالتالي فهو يحتاج إلى من يمنحه الأمن والأمان، والحب والحنان ،وينوب عنه في جلب الأكل واللباس، وتوفير متطلبات الحياة المختلفة، خاصة مع تعقد الحياة وكثرة مشاكلها ومشاغلها وتنوع متطلباتها.

أ- حق الطفل في أسرة وجو عائلي مناسب:

لا يوجد بديل لأسرة الطفل، فالجو الأسري الذي يترعرع فيه الطفل وينمو فيه ويكتسب فيه شخصيته، بين أخوته ومع والديه ،هو أهم جو يليق بالطفل ،وهو ما أشارت إليه الديباجة عندما ذكرت بأن "الطفل، كي تترعرع شخصيته ترعرعا كاملا ومتناسقا ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم"، "وأن الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولي الحماية والمساعدة اللازمتين لكي تتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤوليتها داخل المجتمع".

وتؤكد العديد من الدراسات، بأن ما يتعلمه الطفل منذ ولادته وحتى بلوغه سن السابعة من عمره، يؤثر بشكل جلي في تكوين الطفل من الجوانب النفسية والخلقية والاجتماعية لسنوات عمره كلها. لذلك جاء التأكيد من خطة العمل الملحقة بالإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه إلى ضرورة أن "تتحمل الأسرة المسؤولية الأساسية عند رعاية الطفل وحمايته من مرحلة الطفولة المبكرة إلى مرحلة المراهقة، ويبدأ تعريف الطفل بثقافة المجتمع وقيمه وعاداته داخل الأسرة، وينبغي من أجل تنمية شخصية الطفل تنمية كاملة ومتسقة، أن ينشأ في بيئة أسرية ،وفي جو من السعادة والمحبة والتفاهم. وبناء على ذلك يجب على جميع مؤسسات المجتمع أن تحترم وتدعم الجهود التي يبذلها الآباء وغيرهم من القائمين على تقديم الرعاية من أجل تنشئة الأطفال والعناية بهم في بيئة أسرية".

ب- عدم فصل الطفل عن والديه:

أقرت المادة التاسعة من اتفاقية حقوق الطفل ب "عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما ..."، إلا إذا قررت السلطات المختصة ضرورة هذا الفصل للحفاظ على مصلحة الطفل الفضلى، وذلك في حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له، أو عندما يعيش الوالدان منفصلين ويتعين اتخاذ قرار بشأن محل "إقامة الطفل". وفي حالة إقرار السلطات المختصة بوجوب انفصال الوالدين عن بعضهما، فإن الاتفاقية تحتفظ بحق الطفل في علاقته مع كلا والديه إلا في حالة تعارض مصلحته مع ذلك.

وفي حالة تعذر اتصاله بوالديه أو بأحدهما بناء على إجراء اتخذته الدولة ضد أحد الوالدين كحبس أحدهما أو كليهما أو بسبب النفي أو الترحيل أو الوفاة، فإن سلطات الدولة المعنية تلتزم بتقديم المعلومات الأساسية الخاصة بعضو الأسرة الغائب، إلا إذا تعارض ذلك مع مصلحة الطفل.

ج- جمع شمل الأسرة:

حرصت اتفاقية حقوق الطفل على التأكيد على النص في مادتها العاشرة على إلزام الدول الأطراف على جمع شمل أسرة الطفل، فوفقا للالتزام الواقع على الدول الأطراف بموجب الفقرة 1 من المادة 9، تنظر الدول الأطراف في الطلبات التي يقدمها الطفل أو والداه لدخول دولة طرف أو مغادرتها بقصد جمع شمل الأسرة، بطريقة إيجابية وانسانية وسريعة.

وتكفل الدول الأطراف كذلك ألا تترتب على تقديم طلب من هذا القبيل نتائج ضارة على مقدمي الطلب وعلى أفراد أسرهم.  

أما بالنسبة للطفل الذي يقيم والداه في دولتين مختلفتين، فقد منحت له الاتفاقية الحق في الاحتفاظ بصورة منتظمة بعلاقات شخصية واتصالات مباشرة بكلا والديه، باستثناء الظروف الاستثنائية، ومن ثمة فتحقيقا لهذه الغاية ووفقا لالتزام الدول الأطراف بموجب الفقرة 2 من المادة 9، تحترم الدول الأطراف حق الطفل ووالديه في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلدهم هم ،وفى دخول بلدهم. ولا يخضع الحق في مغادرة أي بلد إلا للقيود التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية لحماية الأمن الوطني، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم وتكون متفقة مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذه الاتفاقية.

د- حق الطفل في الحماية من الاستغلال وكافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية والعقلية: 

عملت الدول على حماية خاصة للأطفال بالنظر لطبيعة تكوينهم الجسمي والعقلي والنفسي أن لا يكونوا عرضة للاستغلال، من أي نوع كان، لذلك، فقد حثت الاتفاقية في المادة 33 الدول الأطراف على اتخاذ جميع التدابير المناسبة سواء كانت تشريعية أم إدارية أم تربوية أم اجتماعية من أجل وقاية الأطفال من الاستخدام غير المشروع للمواد المخدرة والمواد المؤثرة على العقل، وفق ما هو محدد في المعاهدات الدولية ذات الصلة، ولمنع استخدام الأطفال في إنتاج مثل هذه المواد بطريقة غير مشروعة والاتجار بها. 

كما تلزم الاتفاقية الدول الأطراف، التعهد بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي، ومن أجل وضع حد لمثل هذه الممارسات، يتعين عليها اتخاذ جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع حمل أو إكراه الطفل على تعاطى أي نشاط جنسي غير مشروع، ولمنع الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة، ومنع الاستخدام الاستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة.

كما يجب على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال.

ع- حماية الطفل في مجال العمل:

أكدت الاتفاقية على حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء عمل يرجح أن يكون خطيرا أو يمثل لتعليمه، أو كان يضر بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي. وفي هذا الصدد، تلزم الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذا الحق، خاصة ما تعلق بتحديد حدا أدنى لسن العمل، مع وضع نظام لساعات العمل وظروفه، وفرض عقوبات لضمان عدم مخالفة التدابير المتخذة. 

غ- تحريم اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم:

نصت الاتفاقية على حظر اختطاف للأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض، وبأي شكل من الأشكال، وتدعو الدول الأطراف على اتخاذ التدابير على المستوى المحلي، وعقد المعاهدات الثنائية والجماعية لحظر هذه الأفعال.

س- حماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال والانتهاك الجنسي:

أوجبت الاتفاقية على الدول الأطراف باتخاذ التدابير لحظر ومنع كل إكراه لاستغلال الاطفال في الدعاة أو غيرها من الممارسات الجنسية مهما كان نوعها.

ش- حماية الأطفال من المخدرات:

ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية لوقاية الأطفال من الاستخدام غير المشروع للمواد المخدرة والمواد المؤثرة للعقل، المحددة من قبل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ومنع استخدام الأطفال في انتاج هذه المواد بطريقة غير مشروعة أو الاتجار بها.

ص- حماية الأطفال في النزاعات المسلحة:

ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف بحظر كل استخدام للأطفال في الحروب الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، مع وجوب التقيد بقواعد القانون الدولي الإنساني.

ض- حماية الأطفال من كل أنواع الاستغلال والإساءة البدنية والعقلية الأخرى:

منعت الاتفاقية كل أشكال الاستغلال البدني والعقلي مهما كان نوعها، والتي لم ترد في الاتفاقية، لأن أنواع الاستغلال المذكورة في الاتفاقية وردت على سبيل المثل وليس على سبيل الحصر، وهذا بالنظر للتطور الحاصل في العالم، لذلك، فإن الاتفاقية وكأنها قد استبقت الزمن، في حالة ظهور أنواع الأخرى لم تحظر في الاتفاقية فتدخل في الحظر دون حاجة للنص عليها.

ظ- حق الطفل في إعادة التأهيل:

نصت الاتفاقية على وجوب اتخاذ الدول الأطراف التدابير المناسبة لإعادة تأهيل الأطفال بدنيا ونفسيا الذين تعرضوا لأي نوع من أنواع الإهمال أو الاستغلال أو التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو النزاعات المسلحة وأثر ذلك على نفسيتهم وصحتهم.  

ف- حق الأطفال في اللعب:

أقرت الاتفاقية حق الطفل في مزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه وميولاته والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون.

هـ: حماية الأطفال ذوي الظروف الخاصة:

ويتعلق الأمر بكل من الطفل المعاق، والطفل اللاجئ، والطفل الذي ينتمي إلى أقلية ثقافية أو لغوية أو دينية، والطفل الجانح.

صفوة القول، أن الحقوق الواردة في الاتفاقية لا تتعارض إطلاقا مع الشريعة الإسلامية، اللّهم إلا ما تعلق بنظام التبني الذي نصت عليه الاتفاقية في المادة 21، وهي من النقاط الخلافية بين الدول الإسلامية والدول الغربية.

المرجع:

  1. د. ربيع زكرياء، حماية الأسرة في الاتفاقيات الدولية، محاضرات موجهة لطلبة السنة الأولى ماستر، تخصص قانون أسرة، جامعة آكلي محند أولحاج – البويرة- ،كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2020/2021، ص38 إلى ص50. 
google-playkhamsatmostaqltradent