المساواة بين الزوجين في التمتع بالحقوق وتحمل المسؤوليات في الوثائق العالمية

المساواة بين الزوجين في التمتع بالحقوق وتحمل المسؤوليات في الوثائق العالمية

المساواة بين الزوجين في التمتع بالحقوق وتحمل المسؤوليات في الوثائق العالمية

أكدت الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان على الحق في المساواة بين الزوجين عند انعقاد عقد الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله، وسنتناول حق الزوجين في المساواة عند انعقاد الزواج (كمبحث أول)، ثم أثناء قيام الزواج، (كمبحث ثان)، ثم أخيرا المساواة عند انحلال الزواج (كمبحث ثالث).

المبحث الأول: الحق في المساواة عند انعقاد الزواج

يعني الحق في المساواة بين الزوجين (الرجل والمرأة) عند انعقاد الزواج تلك المساواة التامة دون أي تمييز بسبب الجنس أو الدين، فقد جاء في المادة السادسة عشر، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أنه:

"1- للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.

2- لا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضى كاملا لا إكراه فيه...".

اعترف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للرجل والمرأة بالحق في الزواج وبالمساواة فيه دون تمييز بينهما بسبب الجنس أو الدين. فإذا نظرنا إلى عبارة بدون تمييز بسبب الجنس أو الدين فإن ذلك يستوقفنا لما تثير هذه العبارة من علامات استفهام. فإذا سلمنا بأن التمييز في التمتع بهذا الحق بسبب الجنس أو فوارق أخرى مرفوض خُلقا، لكن عدم تزوج المرأة بالرجل المختلف عنها دينا يعد أساسا شرعيا لا يمكن أن يُعَد تمييزا بل هو عين الصواب، وخصوصية من خصوصيات المجتمع الإسلامي، للحفاظ على هوية المرأة وأبنائها.

أيضا فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد استعمل عبارة "لا يبرم عقد الزواج..." مما يبين أهمية الرضا في الزواج واعتباره ركنا أساسيا في عقود الزواج، فإذا شابه إكراه فيعتبر كأن لم يكن ويبطل بالتالي عقد الزواج.

أما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقد صيغت الفقرة الأولى من المادة العاشرة منه بعبارة "يجب أن يتم الزواج بالرضاء الحر للأطراف المقبلة عليه..." أي على الدول التي تلتزم بالتصديق على العهد أن تحترم ما ورد في هذه المادة، من وجوب أن يتم الزواج بالرضاء الحر لأطرافه، وأن تعمل هذه الدول على تكريس هذا الحق بما لها من قدرة وسلطة على مراقبة تنفيذ هذا الحق.

ولم يخرج عن هذا الإطار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في الفقرات الثانية والثالثة والرابعة على التوالي من المادة 23 على أنه:

"...2- يعترف بحق الرجال والنساء الذين في سن الزواج وبتكوين أسرة.

3- لا يتم زواج بدون الرضاء الكامل والحر للأطراف المقبلة عليه.

4- على الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق والمسؤوليات عند الزواج وأثناء قيامه وعند فسخه. ويجب النص، في حالة الفسخ، على الحماية اللازمة للأطفال". 

فبعد أن أكد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على الاعتراف بحق الزواج للرجال والنساء البالغين سن الزواج، أوجب في فقرة ثانية على الرضاء الحر والكامل للزوجين. مما يبين أهمية الرضا في عقود الزواج.

أما المبدأ الأول من توصية الأمم المتحدة بشأن الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج ،وتسجيل عقود الزواج فقد جاء فيه بأنه "لا ينعقد الزواج قانونا إلا برضا كلا الطرفين رضاء كاملا لا إكراه فيه، وبإعرابهما عنه بشخصيهما بعد تأمين العلانية اللازمة وبحضور شهود وفقا لأحكام القانون".

فعبارة "لا ينعقد" تدل على بطلان عقود الزواج التي ينعدم فيها الرضا بين طرفي العقد وهما الرجل والمرأة. أما عبارتي "إعرابهما عنه بشخصيهما" فهو تأكيد أكثر على أن عقود الزواج من العقود الشخصية التي لا يمكن إبرامها من طرف الغير مهما كانت درجة قرابة هذا الغير، ومن أجل ضمانة هذا الإعراب الشخصي فقد أوجبت الاتفاقية تأمين العلانية اللازمة وبحضور شهود يشهدون هذا الرضا المعرب عنه من قبل أطرافه. وهي عبارات لم تستعمل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولا في العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. 

إن العبارات والمصطلحات التي استعملت في توصية الأمم المتحدة بشأن الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج، وتسجيل عقود الزواج هي نفسها التي استعملت في اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج، وتسجيل عقود الزواج، حيث جاء في المادة الأولى منها ،بأنه "لا ينعقد الزواج قانونا إلا برضا الطرفين رضاء كاملا لا إكراه فيه، وبإعرابهما عنه بشخصيهما بعد تأمين العلانية اللازمة، وبحضور السلطة المختصة بعقد الزواج، وبحضور شهود، وفقا لأحكام القانون...".

وقد جاء أيضا في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، في المادة 16 بأن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمايز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وبوجه خاص تضمن، على أساس تساوي الرجل والمرأة:

(ث) - نفس الحق في عقد الزواج.

(ج)– نفس الحق في اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل.

(ح)– نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه...".

ولم تخرج الاتفاقيات الدولية الإقليمية لحقوق الإنسان عن هذا الإطار، فقد نصت المادة 12 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على أن "للرجل والمرأة في سن الزواج حق التزوج وتكوين أسرة وفقا للقوانين الوطنية التي تحكم ممارسة هذا الحق". 

كما جاء في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في المادة 17 على "... 2- أن حق الرجال والنساء الذين بلغوا سن الزواج في أن يتزوجوا ويؤسسوا أسرة، وهو حق معترف به إذا استوفوا الشروط التي تحددها القوانين المحلية طالما أن هذه الشروط لا تتعارض مع مبدأ عدم التمييز الذي تقره هذه الاتفاقية.

3- لا ينعقد أي زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا إكراه فيه.

4- تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة التي تضمن للزوجين مساواة في الحقوق وتوازنا ملائما في المسؤوليات عند التزوج وخلال فترة الزواج وعند انحلاله إذا حصل...".

يستشف من هذه المواد التي استعرضناها بأن المساواة هنا مساواة كاملة، أي لا اختلاف فيها بين الرجل والمرأة. وهي تريد من الدول أن لا تضع أية عراقيل سواء بسبب الجنس أو الدين للرجل والمرأة متى أرادا الزواج. كما عليها أن تتخذ إجراءات وتدابير مناسبة من أجل ضمان مساواة في الحقوق وتوازنا في المسؤوليات من انعقاد عقد الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله. كما أكدت على بطلان عقد الزواج وعدم قيامه قانونا إذا لم تتساو فيه إرادة الطرفين المقبلين على الزواج (وهما الرجل والمرأة) ولم يعبرا عنه رضاء كاملا لا إكراه فيه، مع تأمين العلانية اللازمة وبحضور شهود وفقا لأحكام القانون.

الشيء الواضح في هذه الصكوك أنها قد ساوت بين الرجل والمرأة عند الزواج مساواة تامة.

وقد اعتبر المشرع الجزائري الرضا في الزواج الركن الأساسي والوحيد لقيامه، حيث جاء في المادة 9 على أنه "ينعقد الزواج بتبادل رضا الزوجين".

وقد ذهبت الوثائق العالمية في هذا الشأن، (أي حق تعبير الرجل والمرأة) عن رضائهما الحر والكامل عن رغبتهما وحق اختيارهما للزوج الذي يرونه مناسبا، كما أرينا سابقا، خاصة من جانب المرأة، ما ذهبت فيه الشريعة الإسلامية بأن تتزوج المرأة أو الرجل بناء على رغبته أو رغبتها الحرة دون إكراه، فقد قال رسول الله (ص) "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، واذنها صماتها". ومن ثمة فليس من المعقول ولا المقبول أن يعتبر رضا إنسان في صحة تصرف ثم يحكم ببطلانه إذا باشره بنفسه. فصحة التصرفات لا تستدعي أكثر من أهلية التصرفات. 

وقد ورد فيما يروى عن ابن عباس (ض) أن جارية بكرا أتت النبي (ص) فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي (ص)، ثم قالت بعد أن جعل الحق لها: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيئا.

لكن هذا الحق في عقد الزواج ليس مطلقا، فقد جعل الإسلام للآباء و لسائر الأولياء إذا انحرفت المرأة في اختيار الزوج، حق عدم قبول هذا الزواج. أو حق المنع إن بدا لهم سوء اختيارها، وأنها تزوجت غير كفء، وذلك لأن هذا الزواج وان كان خاص بالمرأة إلا أن له اتصال بالأسرة، خيره أو شره، فينبغي أن يكون للأولياء فيه بعض الشأن، وحسبهم فيما لهم من حق، أن يُمنحوا حق الاعتراض أو المنع.    

المبحث الثاني: الحق في المساواة بين الزوجين أثناء الزواج

تعني المساواة أثناء الزواج تلك المساواة في تحمل تكاليف الأسرة، سواء كانت هذه التكاليف مالية أم معنوية، أم اجتماعية أم تربوية وغيرها كما تعني أيضا الحقوق المتساوية للزوجين في الولاية والقوامة والوصاية على الأطفال. وسنقف عند نصوص الوثائق العالمية لحقوق الإنسان في هذا الشأن.

وأهم ما نقف عليه هو ما نصت عليه الاتفاقية الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، وهي أن للمرأة الحقوق نفسها التي للرجل، وهذه الحقوق تتمثل في تحديد عدد الأطفال الذين تنجبهم، والولاية والقوامة على الأطفال (المطلب الأول)، ثم سنتناول مسألة تعدد الزواج في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الحقوق المتساوية للزوجين في الولاية والقوامة على الأطفال: 

سنتناول الحقوق المتساوية للزوجين في تحديد عدد الأطفال الذين ينجبنهم (الفرع الأول)، ثم الحقوق المتساوية للزوجين في الولاية والقوامة على الأطفال (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الحقوق المتساوية للزوجين في تحديد عدد الأطفال الذين ينجبنهم 

جاء في المادة 16- د من اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وبوجه خاص تضمن، على أساس تساوي الرجل والمرأة...:

(د)- نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة، بغض النظر عن حالتها الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالها، وفي جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة.

(ه)- نفس الحقوق في أن تقرر بحرية وبشعور من المسؤولية عدد أطفالها والفترة بين إنجاب طفل وآخر...".

إذن حسب ما نصت عليه المادة السالفة الذكر، فإن المرأة لها حقوق وفي الوقت نفسه مسؤوليات متساوية مع الرجل فيما يتعلق بأطفالهما، سواء من ناحية تربيتهم، أم ناحية تحديد عدد الأطفال الذين تنجبهم، والمدة بين طفل و آخر.

وقد جاء في تعليق لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ، في تحديد حجم الأسرة، وذلك في توصيتها العامة رقم 21 التي تنص على أن "المسؤوليات التي تقع على النساء بسبب الحمل وتربية الأولاد تؤثر على حقهن في التعليم والعمل والنشاطات الأخرى المرتبطة بتطورهن الشخصي، وتفرض عليهن، أشغالا غير متكافئة. كما أن عدد الأولاد وتنظيم المواليد لهما انعكاس مماثل على حياة النساء ويؤثران على صحتهن الجسدية والعقلية وكذلك على صحة أولادهن. لهذه الأسباب، يحق للنساء تقرير عدد الأولاد وتنظيم المواليد". 

وقد جاء في الفقرة 16 من إعلان طهران لحقوق الإنسان  لعام 1968 على أن "يتمتع الأبوان بحق أساسي في تحديد عدد الأولاد وتنظيم المواليد بحرية ومسؤولية". 

وقد كان تعليق لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة من حيث إعطاء الحق للنساء في تحديد عدد الأطفال وتنظيمهن للمواليد، وذلك بالنظر لما يعانين من آثار تنعكس سلبا على صحتهن الجسدية والعقلية، وان كانت الفقرة 16 قد أعطت هذا الحق للأبوين معا، ولا يمكن أن يفهم منه بأنه مخالف لحق المساواة بين الزوجين، لأن الآثار الناتجة عن عدم تنظيم المواليد وتحديدها قد يؤثر سلبا على صحة الأمهات بشكل أساسي، مما يعيق نمو الأطفال بشكل صحيح ويؤثر على الاستقرار الأسري.

الفرع الثاني: الحقوق المتساوية للزوجين في الولاية والقوامة على الأطفال 

أكدت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في الفقرة من المادة 16 بأن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمايز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وبوجه خاص تضمن، على أساس تساوي الرجل والمرأة...:

(و)- نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم...".

يستشف من هذه الفقرة أن للزوجين نفس الحقوق وتقع عليهما المسؤوليات نفسها فيما يتعلق بالولاية والقوامة الوصاية وتبني الأطفال.

أولا- بالنسبة للمساواة في الولاية على الأطفال: 

جاء النص صريحا في الاتفاقية الدولية بأن تتساوى فيه الحقوق بين الزوجين في الولاية على الأطفال. "...نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية...".

لكن إذا رجعنا إلى قانون الأسرة الجزائري فيعد ما جاء في الاتفاقية الدولية مخالفا له فقد نصت المادة 87 على أنه "يكون الأب وليا على أولاده القصر، وبعد وفاته تحل الأم محله قانونا.

وفي حالة غياب الأب أو حصول مانع له، تحل الأم محله في القيام بالأمور المستعجلة المتعلقة بالأولاد.

وفي حالة الطلاق يمنح القاضي الولاية لمن أسندت له حضانة الأولاد". 

وعليه، فإن المشرع الجزائري قد أعطى حق الولاية للأب، ولم يساو بين الأبوين في تحمل هذه المسؤولية، بل جعلها للأب أولا، وفي حالة موته تحل الأم محله قانونا. أما في حالة غيابه أو حصول مانع له، فتحل الأم محله في القيام بالأمور المستعجلة بالأولاد. وهنا لا بد من الإشارة إلى العبارتين المستعملة من طرف المشرع الجزائري، الأولى حالة غيابه أو حصول مانع له، تنتقل الولاية إلى الأم، وبمعنى آخر، وجوده ينفي عن الأم ولايتها تجاه أبنائها، ومن ثمة عدم مساواتها مع الأب في الولاية.

أما العبارة الثانية فاستعمال المشرع الجزائري عبارة "القيام بالأمور المستعجلة" يفهم منها أن انتقال الولاية إلى الأم تكون في الأمور المستعجلة فقط دون غيرها، أي تلك الأمور التي لا تحتاج إلى التأخير،  وان حصل التأخير يتضرر منه الأطفال، أما الأمور الأخرى فليس لها الحق في التصرف فيها.

ولكن السؤال المطروح ما هي الأمور المستعجلة ومن يقدرها؟

الحقيقة أن المشرع الجزائري لم يجب عن هذه المسألة، ولكن يفهم منها أن هذه المسائل من الأمور التي تقدرها الأم باعتبارها مسؤولة عن أبنائها.

ثانيا- بالنسبة للقوامة على الأطفال: 

كما جاء في الفقرة السابقة التي ذكرناها أعلاه المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أن للمرأة "...(و) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم...".

وهو نص كما نلاحظ مخالف للشريعة الإسلامية، -المنبع الأساسي لقانون الأسرة لكثير من البلدان الإسلامية من بينها الجزائر- سواء تعلق الأمر بالولاية– وقد ذكرناها سابقا-  أم القوامة على الأطفال.

فبالنسبة للقوامة فقد جاءت الآية صريحة "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم". 

فالآية كما نلاحظ أكدت على أن القوامة للرجال، وهذا ليس انتقاصا للمرأة؛ لأن هذه القوامة عبارة عن ولاية الرعاية والتوجيه والنصح، لا ولاية البطش والسيادة والقسوة. 

كما أن الآية السابقة قد لا يفهم معناها إلا بالآية التالية وهي قوله تعالى "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم". فقد قررت الجملة الأولى من الآية الكريمة مبدأ المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، أما الجملة الثانية تشير إلى درجة القوامة. وهذه الدرجة ليست درجة السلطان والقهر، وانما هي درجة الرياسة البيتية، الناشئة عن عهد الزوجية. فهي درجة طبيعية لا بد منها لكل مجتمع من المجتمعات، قل ذلك المجتمع أو كثر، وبما أن الأسرة أساس بناء المجتمع، فقد أولاها الشرع حماية وصونا بأن جعل القوامة لمن هو أقدر عليها، وهو الرجل، وهذا ليس تفضيلا للرجل، بل أساس ذلك ما أودعه الله فيه من قوة البدن والعزم والعمل.

المطلب الثاني: مسألة تعدد الزوجات في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان:

لم تنص الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان صراحة على منع تعدد الزوجات، لكن جاء المنع من خلال التعليق العام رقم 28 الخاص باللجنة المعنية بحقوق الإنسان، حيث جاء فيه بأن "المساواة في المعاملة فيما يخص الحق في الزواج يعني ضمنا أن تعدد الزوجات لا يتماشى مع هذا المبدأ. وتعدد الزوجات ينتهك كرامة المرأة، وهو تمييز غير مقبول ضد المرأة ،وبالتالي ينبغي إلغاؤه حيثما لم يزل قائما".

كما جاء في تعليقها الخاص بالحالة السائدة في الغابون بأن "تعدد الزوجات لا يتماشى مع التساوي في المعاملة فيما يخص الحق في الزواج" ويجب على الحكومة "أن تؤمّن عدم وجود أي تمييز قائم على أساس العرف في مسائل مثل الزواج" ويجب إلغاء "تعدد الزوجات وحذف المادة ذات الصلة بذلك من القانون المدني". 

وبينت لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في توصيتها رقم 21، أن الزواج القائم على تعدد الزوجات "منافٍ لحق المرأة في المساواة بينها وبين الرجل، ويمكن أن يترتب عليه آثار عاطفية ومالية بالغة الخطورة عليها وعلى أطفالها، وينبغي عدم تشجيع مثل هذه الزيجات وتحريمها". و "البلدان التي تسمح بالزواج القائم على تعدد الزوجات بالرغم من الحق في المساواة المضمونة دستوريا تخرق على هذا النحو ليس فقط الحقوق الدستورية للمرأة ،بل هي تخرق أيضا المادة 5/أ من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تقتضي من الدول الأطراف أن تعدل نماذج من السلوك الاجتماعي والثقافي للرجل والمرأة بغية القضاء على التمييز القائم على أساس الجنس". 

إذن، من خلال هذه التعليقات، يتبين لنا بأن الأمم المتحدة تمنع تعدد الزوجات وتحث الدول على الالتزام بهذا الواجب، باعتبار أن تعدد الزوجات مناف لحق المساواة بين الرجل والمرأة، ومناف أيضا لما جاء في المادة الخامسة فقرة أ من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .فهل هو كذلك؟ ثم إذا كان الأمر على هذا النحو فلا بد من استشارة المرأة المعنية بهذا الزواج ،أي بعبارة أخرى، إذا كان التعدد يمس بحقوق المرأة، كما هو ثابت في التعاليق المذكورة آنفا، فالرجل لا يستطيع أن يفرضه على المرأة إلا إذا وافقت هي، أي أن المسألة في الأخير بيد المرأة وليس الرجل.

بالنسبة لقانون الأسرة الجزائري فقد تبنى حق تعدد الزوجات للرجل، وفق ما هو موجود في الشريعة الإسلامية. وهو حق كما أسلفنا خص به الرجل دون المرأة، وهو غير مطلق، أي أنه مقيد بشروط، حيث جاء في المادة الثامنة من قانون الأسرة الجزائري، بأنه "يسمح بالزواج بأكثر من زوجة واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي وتوفرت شروط ونية العدل. يجب على الزوج إخبار الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل على الزواج بها وأن يقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمكان مسكن الزوجية.

يمكن رئيس المحكمة أن يرخص بالزواج الجديد، إذا تأكد من موافقتهما وأثبت الزوج المبرر الشرعي وقدرته على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية". 

إذن فإن المشرع الجزائري قد أباح التعدد في الزوجات، بناء على ما جاء في الآية الكريمة "وان خفتمٌ  ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع..." لكن فرض بعض الشروط، وهي:

أولا: المبرر الشرعي: 

وهي كما جاء في منشور صادر من اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، في دورتها التاسعة أن المبرر الشرعي هو "المرض العضال والعقم".

ثانيا: نية العدل: 

والمقصود به، العدل بين الزوجات أثناء الزواج، وهو شرط، كما نعلم، صعب التحقق منه لأنه أمر باطني، وليس ظاهري، ومن ثم لا يمكن للقاضي الاطلاع عليه من الظروف الظاهرية للرجل.

ثالثا: إخبار الزوجتين السابقة واللاحقة بالزواج:

على الزوج إخبار زوجته واخبار المرأة الأخرى التي يود الزواج بها، حتى يعلمان أنهما كل واحدة منهما ستصبح ضرة للأخرى.

وبالتالي من حقهما الموافقة على هذا الزواج أو عدم الموافقة عليه.

رابعا: توفير الشروط الضرورية للحياة الزوجية: 

وهو القدرة المالية على توفير ضروريات الحياة الزوجية، فعلى الزوج أن يكون ذو حالة مالية حسنة حتى يمكن له توفير ضروريات الحياة سواء للأسرة الأولى أم الأسرة الثانية التي كونها، أو بصدد تكوينها.

خامسا: شرط الحصول على رخصة من القاضي:

حرصا من المشرع الجزائري بالحياة العائلية وعدم العبث بها من طرف البعض، أوجب لطالب التعدد أن يحصل على رخصة من القاضي. وهذا الأخير يمكن له أن يتحرى – وان كان ذلك نسبيا- قدرة الرجل على القيام بأعبائه الزوجية.     

خلاصة القول، إن التعدد في القانون الجزائري وثيق الصلة لعلاج حالات خاصة وهي العقم، إذا كان عند الزوجة، وكذا المرض العضال الذي يمنع الزوجة عن القيام بواجباتها الزوجية والمنزلية.

كما أن مسألة التعدد تفرض نفسها في المجتمع لحماية وبقاء الأسرة التي هي الخلية الأساسية في المجتمع.

إن منع التعدد قد يترتب عليه آثار سيئة كالزوجات السريات والأولاد غير الشرعيين وتشردهم وتعرضهم للفقر والمجاعة. ثم إن التعدد شرع لصون كرامة المرأة لا لإهانتها على الرغم من الصعوبات التي تتمثل في زيادة الأعباء على عاتق الزوج. ضف إلى ذلك أن التعدد بيد المرأة وليس بيد الرجل، فالرجل لا يمكنه أن يجبر المرأة على أن تعود زوجته بل يتم ذلك بموافقتها على أن تكون زوجته الثانية.

المبحث الثالث: الحق في المساواة بين الزوجين عند انحلال الزواج

يعني الحق في المساواة عند انحلال الزواج بين الزوجين، أن يكون لهما الحق والتساوي نفسه في حل هذا الزواج، دون أن يكون حقا خالصا للزوج، وهذا ما قررته الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان (المطلب الأول) وبما أن الميراث من حق الزوجين سواء بوفاة أحدهما أم بين الأبناء فيما بينهم بالإضافة طبعا إلى الآخرين وهما الأبوان، وغيرهم، فإن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان قد نصت على وجوب التساوي بين الذكور والإناث عند قسمة هذا الإرث (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الحق في المساواة بين الزوجين في إنهاء عقد الزواج في الاتفاقيات الدولية

تنص الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على حق الزوجين في إنهاء العلاقة الزوجية بينهما، دون تمييز بينهما، أي عدم جعل هذا الحق خالصا للرجل دون المرأة. فقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 16/1 بأن " للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله...".

أما المادة 23/4 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية "...على الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق والمسؤوليات عند الزواج وأثناء قيامه وعند فسخه...".

وقد جاء أيضا في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، في المادة 16 بأن "... (ج)– نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه...".

إذن، فإن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان قد نصت بنصوص صريحة وواضحة بأن الحق في المساواة بين الزوجين يشمل كل شيء سواء عند انعقاد الزواج أم أثناء قيامه أم عند انحلاله، فالمساواة هنا مساواة تامة وكاملة.

لكن هل يستقيم هذا مع الطبيعية الانسانية؟ وهل صحيح تم مراعاة حقوق المرأة؟ أم أن الأمر لا يعدو فقط الدفاع عن حقوق المرأة بنظرة غربية خالصة دون مراعاة حقوق الشعوب الأخرى في الدفاع عن خصوصيتها. ثم إن هذه الأفكار بعيدة كل البعد عن دين وتقاليد وأعراف أمم أخرى، دون التحسب لما قد ينجر عن ذلك من عدم استقرار الأسر وشيوع الفوضى، وهدم التاريخ الإنساني كله بهذه النظرة الوحيدة. فهل من المعقول فرض خصوصية معينة على كل المجتمع الدولي باختلاف أعراقه وانتماءاته ودينه؟

لقد بيّنت الشريعة الإسلامية بأن الطلاق يعتمد على سبب معقول شرعي يتم لمصلحة الزوجين معا، أي لا ينفرد بهذه المصلحة الزوج وحده. ولا يجوز الطلاق على هوى بلا مبرر وسبب مبيح له، مع أن الإسلام قد أوجب الحكمة بين الزوجين قبل إيقاع الطلاق، وذلك عن طريق تعيين حكم (واحد أو أكثر) من أهل الزوج، وحكم (واحد أو أكثر) من أهل الزوجة ،وذلك بهدف إصلاح البين ولحفظ رابطة الزوجية وصون بيت العائلة من الانهيار والخراب.

وقد اتفق فقهاء الإسلام على أن الطلاق إنما شرع عند اقتضاء الضرورة بسبب تباين أخلاق الزوجين وحدوث البغض، أو الكراهة في الشؤون الدينية أو الاجتماعية بين الزوج والزوجة إلى حد أن الزوج قد عجز عن إقامة حقوق الزوجية كما يجب، وكذلك الزوجة.

وقد جعل الإسلام إجراء الطلاق بيد الرجل دون المرأة، ومع ذلك فقد أعطت الشريعة الإسلامية حق طلب الطلاق أو فسخ عقد النكاح على زوجها بشكوى إلى القاضي لبعض الأسباب التي تظهر من الزوج مثل العته والجنون والبرص والجذام والعجز عن النفقة والكسوة والسكنى.

المطلب الثاني: الحقوق المتساوية في الإرث بين الرجل والمرأة

لم تنص الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان بنصوص صريحة على الحق في التساوي بين الرجل والمرأة في الميراث، لكن جاءت التعليقات الخاصة باللجنة المعنية بحقوق الانسان ولجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لتبين بأن الحق في المساواة المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان يرمي إلى أنه يجب التساوي في جميع الحقوق بين الرجل والمرأة، بما فيها الميراث.

فقد جاء في تعليق اللجنة المعنية بحقوق الانسان بأنه "ينبغي أن تحظى المرأة أيضا بالمساواة مع الرجل في الحقوق المتعلقة بالإرث عندما يكون انحلال الزواج سببه وفاة أحد الزوجين".

كما جاء في تعليق لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة إلى "أن هناك العديد من البلدان التي يسفر فيها القانون والممارسة المتعلقان بالميراث والممتلكات عن تمييز خطير ضد المرأة. ونتيجة لهذه المعاملة اللامتساوية قد تتلقى حصة من ممتلكات الزوج أو الأب عند وفاتهما أصغر من الحصة التي يتلقاها الزوج الأرمل أو الأبناء. وفي بعض الأحيان تمنح المرأة حقوقا محدودة وتخضع للرقابة ولا تتلقى دخلا إلا من ممتلكات المتوفي. والحقوق في الميراث بالنسبة للأرامل لا تعكس في أغلب الأحيان مبادئ التساوي في ملكية الأموال التي يتم احتيازها أثناء الزواج، ومثل هذه الأحكام تخالف الاتفاقية وينبغي إلغائها".

إذن، فإن هذه التعليقات وغيرها، تحث الدول على إعمال قاعدة التساوي في الميراث تأسيسا على قاعدة الحق في المساواة المنصوص عليها في العديد من الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الانسان.

لكن، إذا تمعنا جيّدا في حقوق الإرث المنصوص عليه في الشريعة الإسلامية والتي تعد المنبع الأساسي للأحوال الشخصية للعديد من البلدان الإسلامية ومن بينها الجزائر، فإننا نجد بأن تطبيقات قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، أي للذكر ضعف الأنثى، في أربع حالات فقط وردت في المادة 155 من قانون الأسرة أنّ "العاصب بغيره هو كل أنثى عصبها ذكر وهي:

1- البنت مع أخيها،

2- بنت الابن مع أخيها، أو ابن عمها المساوي لها في الدرجة أو ابن ابن عمها الأسفل درجة بشرط أن لا ترث بالفرض،

3- الأخت الشقيقة مع أخيها الشقيق،          

4- الأخت لأب مع أخيها لأب.

وفي كل هذه الأحوال يكون الإرث للذكر مثل حظ الأنثيين". 

وهذه المادة تقابل ما ورد في الآية 11 من سورة النساء، في قوله تعالى "يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظ الأنثيين" والآية رقم 176 من السورة نفسها في قوله تعالى "وان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين".

ولابد هنا من توضيح بعض المسائل لنزيح الغموض الوارد في مسألة للذكر مثل حظ الأنثيين، فمن استقراء حالات الميراث يتضح بأن الرجل يرث مثل المرأة في أكثر من ثلاثين (30) حالة، أي التساوي بينهما في الميراث، وترث المرأة أضعافا مضاعفة أكثر من الرجل في تسعة (9) حالات. أما ميراث الرجل ضعف المرأة في أربع (4) حالات فقط، وهي الابن مع البنت، وابن الابن مع بنت الابن، والأخ الشقيق مع الأخت الشقيقة، والأخ لأب مع الأخت لأب.

إذن، أين هي المخالفة لقاعدة المساواة بين الرجل والمرأة، إذا كانت المرأة ترث مثل الرجل في أكثر من ثلاثين حالة، وترث أكثر منه في عشر حالات، ويرث هو أكثر منها في أربع حالات فقط؟ 

يمكن القول بأن الصكوك الدولية لحقوق الانسان، لم تراع حق المرأة أكثر مما رعاه الإسلام، بل أكثر من ذلك، فإن الإسلام قد راعى حتى حقوق الجنين، ذاكر حقوقه خوفا من ضياعها قبل مولده، ويأتي إلى الحياة مظلوما من أعز الناس إليه.

فأين تجد مثل هذه الدقة في حفظ الحقوق وفي إثباتها وعدم التعدي عليها في غير الإسلام؟.

المرجع:

  1. د. ربيع زكرياء، حماية الأسرة في الاتفاقيات الدولية، محاضرات موجهة لطلبة السنة الأولى ماستر، تخصص قانون أسرة، جامعة آكلي محند أولحاج – البويرة- ،كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2020/2021، ص21 إلى ص36. 

google-playkhamsatmostaqltradent