آثار تطبیق الإدارة الالكترونیة على المرفق العام

آثار تطبیق الإدارة الالكترونیة على المرفق العام

آثار تطبیق الإدارة الالكترونیة على المرفق العام

تسعى الدولة إلى تطویر إداراتها ومرافقها العامة وتحسین أداء العمل فیها، على أن لا تخالف ولا تحید عن احترام المبادئ الأساسیة التي تقوم علیها، كما یفرض على الموظف أو المسیر للمرفق العام أن یلتزم باحترامها، بهدف تحقیق أغراضه، إلا أن هذا المسعى لم تصل إلیه الدول طوال سنین من الكد والعمل. وبظهور تقنیات الإعلام والاتصال تفتح آفاق جدیدة لتحقیق ذلك المسعى، حیث تم العمل من جدید بتعدیل وتغییر أسالیبه في التسییر مسایرا التطور التكنولوجي الحاصل من أجل تقدیم خدمة أفضل جودة وضمان استمراریتها مع مراعاة المساواة بین جمیع المرتفقین. فهل تطبیق الإدارة الإلكترونیة في المرافق العامة سیحقق ذلك التطور دون المساس بأساس قیام المرافق العامة بالخدمة العامة؟

تطبیق الإدارة الالكترونیة في المرافق العمومیة سیؤثر على العناصر المكونة لهذا المرفق من حیث أساس سیرها، ویستدعي منا دارسة مدى مراعاة العملیات التقنیة والفنیة التي تكون هذا التسییر الإداري المستحدث لمبادئ تسیر المرفق العام واحترامها لها (المبحث الأول)، كما أن یجب ندرس مدى تجاوب العنصر الثاني المكون للمرفق العام، والذي یتمثل في الموظف العام، المُوكل بمهمة تسییر هذا المرفق والمطالب بالتكیف مع النظام الالكتروني (المبحث الثاني)، لنصل في نهایة هذا المقرر تحدید أثر كل هذه التحولات الحاصلة على الهیكل الإداري والبشري، والتي تظهر في شكل التصرفات التي تنبثق من الإدارة العامة من القرارات إداریة وصفقات عمومیة (المبحث الثالث).

المبحث الأول: آثار تطبیق الإدارة الالكترونیة على مبادئ المرفق العام

تحول الإدارة من بیئة تقلیدیة إلى بیئة إلكترونیة هو المثل الأفضل لتطبیق وتفعیل المرافق العامة لمبادئها الأساسیة، ومن بینها مبدأ التغییر والتعدیل (المطلب الأول) ومبدأ سیر المرفق العام بانتظام واطارد (المطلب الثاني) ومبدأ المساواة بین الأفراد من أجل تلبیة احتیاجاتهم وسعیا نحو تحقیق علاقة دیمقراطیة تشاركیة (المطلب الثالث). ولا یتحقق ذلك إلا من خلال تحدید أثار عملیة التحول على هذه المبادئ الأساسیة التي تحكم المرافق العامة ودارسة ما إذا كان ذلك سیؤثر بالإیجاب أو السلب، والتأكُد من مدى إمكانیة احترام الإدارة لهذه المبادئ من خلال تصرفاتها القانونیة في الشكل الإلكتروني.

المطلب الأول: أثر تطبیق الإدارة الالكترونیة على مبدأ التعدیل والتغییر في المرفق العام

ظهر مفهوم جدید في علم الإدارة لمصطلح إدارة التغییر، وهو انتقال الإدارة العامة من الأسالیب التقلیدیة للإدارة إلى أسالیب إداریة جدیدة، فرضتها تكنولوجیا المعلومات والاتصالات، یمكن من خلالها التعامل مع البیئة الجدیدة والمتغیرة في العمل الإداري الحكومي بأسلوب منظم ومهني یؤدي إلى الشفافیة في العمل والمشاركة في اتخاذ القرارات.

الفرع الأول: معنى تطبیق مبدأ التغییر باعتماد نظام الإدارة الالكترونیة

تطبیق المبدأ یعني أن من حق الإدارة أن تتدخل في أي وقت لتعدیل أو تغییر القواعد التي تحكم المرفق حتى تتفق وتحقیق المصلحة العامة على أفضل وجه، لأن الإدارة تعمل في تنظیمها للمرافق العامة على الوصول إلى تشغیلها بأكبر كفاءة ممكنة في ظل الظروف القائمة، فإذا تغیرت الظروف أو ظهرت للإدارة طریقة أفضل لزیادة كفاءة المرافق كان لها -ابتغاء تحقیق المصلحة العامة- إجراء ما ترى من تعدیل في تنظیمها، دون أن یكون لأحد الاعتراض على ذلك سواء من المنتفعین بالمرفق أو من العاملین فیه، وهذا الحق ثابت للإدارة دون حاجة إلى نص، حتى إذا كان المرفق یدار بطریقة الامتیاز.

یفترض هذا المبدأ عدم وجود موانع قانونیة من تنفیذ أو إجراء ذلك التغییر أو التبدیل، فتسییر الإدارة الالكترونیة یستدعي بالضرورة تكییف القانون العام والعمل الإداري لمتطلبات العلاقة اللامادیة بین الدولة والمواطن، ومن ثم فان النظام القانوني للمرفق العام یجب أن یسمح له بإمكانیة التطور حسب المستلزمات والاحتیاجات التي تقضیها المصلحة العامة، وسوف نحاول تبیان ذلك من خلال العناصر التالیة:

الفرع الثاني: مبدأ التعدیل والتغییر وتكییف الخدمات العمومیة بالشكل الالكتروني

یتضح ذلك في قابلیة القواعد القانونیة المنظمة للمرفق العام للتغییر في كل وقت دون حاجة للنص علیها، ولا یمكن للإدارة أن تتنازل عن حقها في ذلك أو تحد من حریتها في تطبیقه والعمل بأحكامه، بسبب تغیر الظروف، ومسایرة روح العصر والمستجدات داخل الدولة، ویتحدد حق الإدارة في تعدیل النظام القانوني للمرفق العام بقیدین أساسیین هما: أن یتوخى التعدیل والتغییر، تحقیق المصلحة العامة والا كان مشوبا بعیب الانحراف بالسلطة (أولا) وأن یسري التعدیل أو التغییر الجدید بأثر مباشر بالنسبة للمستقبل، ولا یطبق بأثر رجعي (ثانیا).

أولا/ التعدیل والتغییر بهدف تحقیق المصلحة العامة

تتطلب التغییرات في المهام والتكنولوجیا، تبدیلات في هیكل المنظمة متضمنة التغییرات في نماذج السلطة والاتصال، بالإضافة إلى أدوار الأعضاء ویمكن أن تستلزم هذه التغییرات الهیكلیة والتكنولوجیة تغییرات في الأجزاء التي یؤدیها أعضاء المنظمة، وفي الأجزاء الأساسیة للمنظمة، فعلى سبیل المثال یمكن أن یكتسب الأعضاء معارف إضافیة ویطوروا المهارات الجدیدة لكي ینجزوا أدوارهم وأعمالهم المُعدلة وفق التكنولوجیا الجدیدة.

ویمكن أن نوضح ذلك من خلال ما یلي:

- التغییر في أسالیب التسییر.

- التغییر من خلال تبسیط الإجراءات الإداریة.

- التغییر التقني في عملیة التنظیم والتسییر.

ثانیا/ كیفیة سریان التعدیل والتغییر الجدید

یفترض أن یسري التعدیل أو التغییر الجدید بأثر مباشر وبالنسبة للمستقبل، ولا یطبق بأثر رجعي لاستحالة تطبیق ذلك على العملیات السابقة التي تمت وفقا للإجراءات التقلیدیة. وهذا ما أدى إلى اعتماد التغییر التدریجي في الانتقال من التسییر الإداري التقلیدي إلى التسییر الإداري الإلكتروني.

لا یمكن للإدارة على سبیل المثال أن تلزم الطلبة الجدد بأن یسجلوا أنفسهم إلكترونیا في المرحلة الأولى من تطبیق الإدارة الإلكترونیة في عملیة التسجیل لأن الطلبة قد لا تتوفر لدیهم المعرفة العلمیة اللازمة لذلك أو أنهم غیر مستعدین نفسیا للقیام بهذه الطریقة كما قد یكون التأطیر الإداري غیر مكوّن كفایة.

یمكن إخضاع الإدارة الإلكترونیة للنصوص القانونیة التي تنظم كل الجوانب القانونیة والتقنیة التي تعالج هذه الأنظمة الحدیثة، ولذلك نرى أنه لا یمكن وضع نص قانوني ینظم هذه العلاقة إلا بعد أن یتم بناء كل هذه الأنظمة أو أغلبها على الأقل، حینها یمكن تطبیق النص القانوني المنظم لها بأثر فوري، فلیس من المنطق تطبیقه قبل تمام عملیة التحول ولكن یمكن إعداد القانون وفقا للتجارب السابقة مع مراعاة التطور التكنولوجي المستمر مكانا وزمانا.

الفرع الثالث: تفعیل مبدأ التغییر والتعدیل من خلال تطبیق الإدارة الالكترونیة

تبني نظام الإدارة الإلكترونیة تأكید مادي على أن الإدارة العامة ملتزمة بتطبیق مبدأ التغییر والتعدیل، فهي لا تسعى إلى النمذجة وتمكِین المواطن من الوصول إلى نماذج تسهل له الحصول على الخدمة، وانما أصبحت توفر برامج تمكن من الاتصال والعمل على انسجام الإجراءات من جهة، ومن جهة أخرى القیام بتطبیقات معلوماتیة لإدارة تدفق المعلومات. حیث یمكن الیوم من خلال البنى التحتیة للأنترنت الوصول إلى كل هذه الأدوات المختلفة في الوقت الحقیقي من المكتب الخاص بكل فرد مهما كان دوره في توثیق العلاقة مع الزبائن ورجال البیع، والعاملون في مراكز الاتصال، ورجال التسلیم، والمنتجون، ومقدمو الخدمات، فالكل یمكنهم تغذیة ملفات الزبائن والاطلاع علیها في الوقت الحقیقي.

تقوم الإدارة بتعدیل تنظیم المرفق العام في أي وقت وبكل الوسائل لكي یتماشى مع التطور العلمي والتكنولوجي، مراعیة في ذلك تغیر الظروف والتجارب مع تقنیات الإدارة الحدیثة بحیث تستوعب التطورات العلمیة والالكترونیة، وتواكب روح العصر على نحو یسمح بأداء خدماتها بیسر وسهولة وكفاءة في الوقت ذاته دون أن یكون لأحد الاعتراض على ذلك، سواء من المنتفعین بالمرفق أو الموظفین فیه.

وعلیه فان الوسائل الالكترونیة الحدیثة تفرض على الأفراد والإدارات مواكبة علوم العصر وتقنیاته، حیث لم یعد مقبولا ممن یرید أن یحظى بمكانة مرموقة في العالم أن یتخلف عن ركب المعرفة التكنولوجیة وهو أمر یبین أثر الإدارة العامة الالكترونیة في التطابق مع هذا المبدأ:

- إذ من حق الإدارات القائمة على سیر المرافق العامة أن تطلب من أشخاص القانون الخاص المتعاقدة معها لأداء عمل حكومي لها أن تستخدم أحدث الوسائل العلمیة والابتكارات التكنولوجیة في تطویر خدمات المرافق والا أنهت عقودها بإرادتها المنفردة.

- للإدارة الحق في تعدیل طرق تقدیم الخدمة بما ینسجم مع متطلبات الإدارة العامة الالكترونیة دون أن یكون للمتعاملین معها حق مكتسب في الإبقاء على الطرق السابقة لتقدیم الخدمة.

حتى یكون التأثیر إیجابي لابد أن یكون التغییر تدریجي ومرحلي لتفادي الوقوع في العراقیل التي مرت بها الدول السابقة في عملیة التحول، ولا یتم ذلك إلا باتخاذ الحیطة وبعض التدابیر:

- الاعتماد على التقنیات الرقمیة الحدیثة المحیّنة مع عدم إلغاء كل النظم الیدویة، لمجابهة التخوف من التغییر بشكل تدریجي على مستوى الموظفین والمواطنین على السواء، إلى أن یكون التغییر مطلبا نابعا من قناعتهم الداخلیة؛

- رفع مستوى الوعي التكنولوجي لدى الموظفین والمواطنین دون تأخیر من خلال الإعلام والتكوین وتحفیزهم بامتیازات ترفع الرغبة في التغییر وأن یكون هدفهم في الحیاة؛

- على الدول تسخیر الكفاءات في المجال التكنولوجي، لتجاوز العراقیل ذات الطبیعة الإداریة والتقنیة (توفیر الأنترنت بشكل موسع في المؤسسات دون اقتصارها على البعض، تحدید المسؤولیات الإداریة تحدیدا دقیقا حتى تكون النظم الذكیة الخاصة بها دقیقة)، وأن یتم العمل بالتنسیق بین الإداریین والتقنیین.

المطلب الثاني: أثر تطبیق الإدارة الالكترونیة على مبدأ سیر المرفق العام بانتظام واطراد

تؤدي المرافق العامة خدمات أساسیة للأفراد في حیاتهم، والتي لا یمكن الاستغناء عنها أو التغاضي عن عدم توفیرها، ومن ثم یؤدي توقف سیر المرفق العام، أو عدم سیره سیرا منتظما إلى توقفه عن تقدیم الخدمات الضروریة أو قصوره عن إشباع حاجات الأفراد وبالتالي تقع الأضرار ویختل نظام المجتمع. فهل اعتماد الإدارة الإلكترونیة یدعم هذا المبدأ؟

الفرع الأول: مضمون مبدأ سیر المرفق العام بانتظام واطراد

اهتم الفقه والقضاء بهذا المبدأ اهتماما كبیرا، فذهب الفقیه الفرنسي "جیز" إلى أن كل ما هو موجود في القانون الإداري هو لتسهیل العمل المستمر للمرفق العام، أما الفقیه "دوجي" فیقول أن نشاط المرفق العام من الأهمیة للجماعة بحیث أنه من غیر الممكن قطعه ولو للحظة واحدة، وأن الاستمراریة هي السمات الأساسیة للمرفق العام.

یرى الأستاذ محمد بوسماح بأن:"مبدأ استمراریة المرافق العامة العمومیة ینبع من تصور یجعل عمل الدولة والأجهزة التابعة لها یقوم على الدوام والانتظام لا على الانقطاع والتوقف، وبالتالي فان نشاط المرفق العمومي ضروري لحیاة المجموعة الوطنیة، ولا ینبغي ان تنقطع لأن توقفه قد ینجر عنه عواقب وخیمة في حیاة الجماعة".

یتطلب تطبیق هذا المبدأ مواكبة المرفق العام للظروف المستجدة على المستوى السیاسي والاجتماعي والاقتصادي وكذلك التطور التكنولوجي تلبیة لمتطلبات الأفراد، بما یضمن سیره دون عرقلة. وبناءً على ذلك فإن مواكبته للظروف المستجدة وتبني نظام الإدارة الإلكترونیة، ما هو إلا تطبیق لمبدأ سیر المرفق العام بانتظام واطراد، لأن عدم المواكبة سیؤدي إلى عدم قیام المرفق بتقدیم خدماته بالوجه الأحسن والأفضل، وبالتالي تتم عرقلة سیر المرفق، الأمر الذي یتنافى مع تطبیق المبدأ.

الفرع الثاني: تطبیقات المبدأ من خلال تبني نظام الإدارة الإلكترونیة

اعتماد نظام الإدارة الإلكترونیة یؤكد فكرة مبدأ دوام سیر المرافق العامة بانتظام واطارد، مما یؤدي إلى التخلص من نظام البیروقراطیة في العمل الذي یمتاز ببطء في الإجراءات وزیادة في التكالیف- وذلك حتى تكون المحصلة النهائیة هي تقدیم خدمة ذات جودة عالیة وبسرعة في الانجاز وبأقل تكلفة ممكنة.

سیؤدي نظام الإدارة العامة الالكترونیة إلى التطبیق المُحكم لمبدأ دوام سیر المرفق العام وبشكل شبه تام من خلال توفیر البوابات الالكترونیة التي تقدم خدماتها على شبكة الانترنت على مدار24 ساعة ولمدة 365 أو366 یوم في السنة. إذن في هذا النظام یستطیع الفرد الحصول على الخدمة المرفقیة أو المعلومة الرسمیة لیطلع على قانون أو نظام أو الإجراءات التي یسعى إلیها في أي وقت یشاء، بدلا من انتظار مواعید فتح مكاتب الإدارة وتواجد الموظفین في الیوم التالي، وفي ذلك تأكید وتطبیق حقیقي لمبدأ دوام سیر المرافق العامة بانتظام واطراد.

الفرع الثالث: آثار التطبیق المبدأ

یؤدي نظام الحكومة الالكترونیة إلى تعامل المنتفعین مع المرفق وهم مطمئنون إلى عدم سماعهم لمقولة: (مواعد العمل انتهت، وأن الموظف لم یحظر الیوم، أو هو في إجازة، أو هم في إضراب.....الخ)، فالفرد یمكنه أن یدخل على شبكة المعلومات ولو في منتصف اللیل للنظر في أمر من الأمور الذي یهمه لمعرفة الإجراءات والمعلومات الخاصة بإنجاز معاملته أو قضاء مصلحة له لدى المرفق.

حقیقة یترتب على إقرار هذا المبدأ الهام نتائج متعددة أهمها منع أو تنظیم إضراب الموظفین، ولا شك أن تقدیم الخدمات المرفقیة بنظام الحكومة الإلكترونیة – وفق برنامج معد مسبقا- دون تدخل من جانب الموظفین أو بتدخل یسیر من عدد قلیل منهم من شأنه أن یقلل من خطورة الإضراب.

بمعنى آخر هل تطبیق الإدارة الإلكترونیة یؤدي إلى عدم جدوى الإضراب لوجود آلیات الكترونیة تنوب عن العامل المضرب، أم أن الرغبة في اللجوء إلى الإضراب تتقلص أو تزول كلیا لأن الظروف التي سیعمل فیها الموظف والعامل تكون أفضل، ولا تفتح مجال للإضراب؟

رغم ما ذكرناه سابقا فهذه النتیجة تتحقق فقط في حالة افتراض أن الإدارة الإلكترونیة مكتملة بجمیع عناصرها، وأن التناسق والانسجام موجود على جمیع المستویات، أما إن لم یتوفر هذا الشرط فأظن أن الإدارة الإلكترونیة قد تكون سببا في إعاقة أي قطاع في فترة زمنیة وجیزة.

هذا الشكل الجدید في التسییر، یجعل استقالة الموظف لا تؤثر نسبیا على المرفق العام، لأنه یمكن اللجوء إلى النظم الذكیة إذا كان العمل الذي یقوم به هذا الموظف، من بین البرامج التي بُرمج علیها الحاسب، وبذلك یمكن تعویضه مؤقتا إلى أن یتم تسویة الوضع.

كما أن هذا النظام سیمنح الموظف إمكانیة تأدیة الخدمة من بیته دون التنقل إلى موقع العمل عن طریق البرید الإلكتروني للإدارة من خلال شبكة الأنترنت، حتى في غیر أوقات العمل، هذا ما یمنح المنتفع حق الحصول على الخدمة في أي وقت. ومن بعض التطبیقات نجد:

- التسجیل الإلكتروني في الجامعة: لأي طالب یرید الالتحاق بالجامعة الدخول على الموقع الإلكتروني للجامعة لمعرفة شروط الالتحاق بها وبعدها التسجیل دون التنقل وفي أي وقت ومن أي مكان، على أن یلتزم بمواعید التسجیل المحددة مسبقا على الموقع الإلكتروني.

- متابعة المسار الدراسي على الأنترنت: یستطیع طالب الثانویة الدخول على موقع الوزارة (التربیة والتعلیم)، ومن خلال رقمه یستطیع الحصول على نتائجه النهائیة في أي وقت.

- التعلیم الإلكتروني: یعتمد نظام التعلیم عن بعد على الشبكة الإلكترونیة بصفة أساسیة، حیث یمكن مخاطبة الطلبة والقاء محاضرة عبر شبكة الأنترنت وبشكل بث حي ومباشر.

المطلب الثالث: مبدأ المساواة وأثر تطبیق نظام الإدارة الإلكترونیة في المرفق العام

تقدیم خدمات عمومیة عبر التدفق السریع للمعلوماتیة بین المرافق العامة والمستفیدین قد یؤثر على مبدأ المساواة أمام المرافق العامة، فهذا المبدأ مرتبط بحسن تقدیم الخدمة بتحقیقه للمنفعة العامة من جهة، أو تحقیق الاحتیاجات الفردیة للأفراد من جهة أخرى، ففي ظل التسییر الكلاسیكي كان تطبیق المبدأ یضمن للأفراد الشفافیة ومسؤولیة السلطات العمومیة، بإلزام الإدارة بإعلام الأفراد بتصرفاتها تجاههم. فما مصیر المبدأ من خلال تطبیق نظام الإلكترونیة؟

الفرع الأول: مضمون مبدأ المساواة

یقصد بمبدأ المساواة أمام المرافق العامة، أن تقدم هذه الأخیرة لخدماتها إلى من یطلبها من الأفراد (المترفقین) بنفس الشروط المقررة لتقدیم الخدمة دون تمییز بینهم، ومعنى ذلك أن المرفق العام یجب أن یلتزم بالمساواة في التعامل مع المستخدمین له، بحیث یكونون في مركز قانوني متماثل في الانتفاع بخدماته، وتحمل نفقات الانتفاع، بصرف النظر عما قد یوجد بینهم من تفاوت لا یتعلق بشروط الانتفاع.

حیث أن النطاق الشخصي لتطبیق المبدأ یرتبط بتطبیق المساواة على الأشخاص الذین یستوفون شروط الانتفاع للخدمة، وتتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونیة، في حین أن الموضوعیة في نطاق المبدأ فتعني تقدیم خدمات المرفق العام بطریقة موضوعیة لجمیع المستحقین لها دون تفرقة بسبب الاتجاهات السیاسیة أو الأصولیة العرقیة أو العقائدیة وهو ما یعرف أیضا بمبدأ حیاد المرفق العام.

إذن على المرافق العامة أن تلتزم أثناء تقدیم خدماتها بالمساواة بین الأفراد على مستوى النطاق الشخصي بین الأفراد وكذا مراعاة الموضوعیة في تلبیة احتیاجات جمیع المستحقین لخدماتها.

الفرع الثاني: تطبیقات المبدأ

تطبیق الإدارة الالكترونیة في الإدارة العامة، یلزم هذه الأخیرة بالالتزام بمبدأ المساواة، فهي لا تلغي الطرق التقلیدیة في الوصول إلى الخدمة العمومیة (الهاتف، البرید، الشباك...) بل تعمل على تطویر الخدمات الإداریة بوسائل إلكترونیة بالموازاة مع التقلیدیة، ربحا للوقت وتحسینا لنوعیة الخدمة، كما تعمل على تحسین الأسالیب التقلیدیة للوصول إلى الإدارة، احتراما لمبدأ المساواة بین الأفراد (المستعملین  للأنترنت) والأفراد (غیر مستعملي الانترنت) أي أولائك الذین لا ازلوا یستعملون الإجراءات الكلاسیكیة الإداریة. یتأكد ذلك من خلال النصوص القانونیة التي تسمح باستعمال أسلوب الإدارة الإلكترونیة في التسییر الإداري العمومي من خلال ما یلي:

- عدم إلزام الإدارة العمومیة باستعمال أدوات الإدارة الإلكترونیة وانما تركت لها السلطة التقدیریة في استعمالها، یستشف ذلك من خلال صیغة التخییر في النصوص القانونیة، حیث ورد على سبیل المثال في المادة 3 من القانون رقم 15-04  :" دون إخلال بالتشریع المعمول به، لا یلزم أیا كان  القیام بتصرف قانوني مُوّقع إلكترونیا" فیُفهم من عدم إلزام الإدارة بتوقیع تصرفاتها إلكترونیا أنها غیر ملزمة بإجارء تصرفاتها القانونیة إلكترونیا.

- كما ورد نص المادة 4 من القانون رقم 15- 03:"یمكن أن تمهر الوثائق والمحررات القضائیة التي تسلمها مصالح وزارة العدل والمؤسسات التابعة لها والجهات القضائیة بتوقیع إلكتروني ... "، وهنا أیضا نجد المشرع قد استعمل صیغة عدم الإلزام بترك الخیار للإدارة باعتماد التوقیع الإلكتروني، وهذا یؤكد على أن التحول التدریجي للإدارة العامة إلى إدارة إلكترونیة، هو خیار أساسي وضروري حتى یمنح الإدارة الوقت في التأقلم وامكانیة التغییر التدریجي تحقیقا لمبدأ المساواة بین المرتفقین القادرین على التأقلم وغیر القادرین على ذلك. 

تعمل الإدارة العامة بتطبیقها للإدارة الإلكترونیة على تحقیق مبدأ المساواة، وذلك لا یتحقق إلا من خلال تحقیق المساواة في العناصر التالیة:

- تحقق المساواة بضمان الوصول إلى المواقع العمومیة عن بعد.

- تحقق مبدأ المساواة بضمان الوصول للمعلومات العمومیة.

الفرع الثالث: آثار تطبیق الإدارة الإلكترونیة على مبدأ المساواة في المرافق العامة

تطبیق الإدارة الإلكترونیة في المرافق العامة، یجعلها تقدم خدمات تمییزیة لان الفجوة الرقمیة الموجودة بین أفراد المجتمع تحول دون تحقیق مبدأ المساواة، مما یتطلب إیجاد وتطویر وسائل لمواجهة أسباب التمییز تطبیق نظام الحكومة الإلكترونیة قد یكون هو بحد ذاته مصدرا من مصادر التمییز بین الأفراد، ولتفادي الوقوع في خرق لمبدأ المساواة أمام المرفق العام، فلابد من أن تلتزم الحكومة بتوفیر متطلبات تحقیق مبدأ المساواة في ظل هذا النظام الإلكتروني، ولا یكون ذلك إلا من خلال تحقیق المعرفة والدرایة الإلكترونیة لجمیع الأفراد، وحیاد المرافق العامة أثناء قیامها بمهامها، وسنوضح ذلك فیما یلي:

أولا/ ضرورة مواجهة التخلف الإلكتروني

یقتضي نجاح الإدارة الإلكترونیة وتوصیل الخدمات عن طریق الأنترنت إلى المستفیدین، توفیر البنیة التحتیة والأجهزة الإلكترونیة اللازمة لذلك وجعلها في متناول المواطنین الذین لا یملكون مثل هذه الأجهزة، ویمكن أن یتم ذلك من خلال عدد من الأكشاك الإلكترونیة (مقاهي الأنترنت) المتفرقة في كل المناطق الإقلیمیة، لیستطیع طالب الخدمة من خلالها الحصول علیها، وبعبارة أخرى ینبغي إنشاء أماكن عامة مجهزة بأجهزة الكمبیوتر لتمكین المواطن الذي لا یمتلكها من الدخول على شبكة الحكومة الإلكترونیة والحصول على خدماتها.

یمكن تحقیق المساواة بین مرتفقي المرفق العام في الإدارة الإلكترونیة بأن لا تُلغي الطرق التقلیدیة في الحصول على الخدمة العمومیة، فعلى الإدارة أن تحترم مبدأ المساواة بین الأفراد (مستعملي الأنترنت وغیر المستعملین) بالإبقاء على الإجراءات التقلیدیة بالموازاة مع الإجراءات الإلكترونیة، ولكن على أن تعمل على القضاء على الفجوة الرقمیة الموجودة بین المواطنین، وبذلك تعمیم العمل الإلكتروني مستقبلا.

ثانیا/ تحقیق مبدأ حیاد المرفق العام

إذا كانت مشكلة الأفراد تتمثل في عدم الإلمام والدرایة بالمعرفة الإلكترونیة فإن مشكلة المرافق العامة قد تتمثل في عدم حیاد هذه المرافق، حیث قد تعمد بعض أجهزة المعارضة السیاسیة إلى الحیلولة بین المسئولین وبین الحصول على التمویل أو الدعم اللازم وتجهیز الموقع المناسب على الأنترنت.

یرتبط مبدأ حیاد المرفق بمبدأ المساواة أمام المرافق العامة، ویعني ذلك إدارة شؤون المرافق العامة بطریقة موضوعیة بصرف النظر عن الخلافات الشخصیة بما یكفل رفع كفاءتها تحقیقا للصالح العام، وتوزیع خدماتها على كافة المستحقین دون تفرقة بسبب الاتجاهات السیاسیة أو السلالة العرقیة، أو المذاهب الدینیة والفكریة.

المبحث الثاني: آثار تطبیق الإدارة الالكترونیة على موظفي المرفق العام

إن اكتمال البنیة التحتیة لأي إدارة بتوفیرها لكل المتطلبات التقنیة والفنیة لتطبیق الإدارة الإلكترونیة لا یسمح بالتطبیق السلیم والأمثل لهذا النظام إلا بوجود تأطیر إداري كفؤ ولا یمكن إلزام الموظفین الحالین غیر المكونین في المجال التكنولوجي، فاستعمال هذه التقنیات من طرف الموظفین والمتعاملین الخارجیین (التكوین في التكنولوجیات للموارد البشریة غیر كافیة) قد لا یتماشى والإلزامیة، مما یستدعي أن تكون هناك مرحلة انتقالیة یعتمد خلالها على التوقیع الإلكتروني والتوقیع العادي حسب الحاجة والاستعداد التقني والتكویني للموظفین أو الغیّر، إلى أن یتم التحول الكلي للإدارة التقلیدیة إلى إدارة إلكترونیة بتحقیق النضج المعرفي بالتكنولوجیات الحدیثة، وتجاوز مرحلة المقاومة للتغییر التي تعرقل كل تجربة للإدارة الإلكترونیة. فما هي الآثار المترتبة من تطبیق الإدارة الالكترونیة على الموظف العام؟

المطلب الأول: الموظف العام في الإدارة الإلكترونیة

تمس عملیة التحول الالكتروني عملیة التسییر من خلال تحویل الموظف العام التقلیدي إلى موظف عام إلكتروني (الفرع الأول) مما یؤثر بشكل مباشر في الخدمة التي یقدمها في شكل إلكتروني (الفرع الثاني).

الفرع الأول: التحول من موظف تقلیدي لموظف إلكتروني

یؤدي تطبیق الإدارة الالكترونیة على تیسیر إجراءات الأعمال المادیة التي یقوم بها الموظفون، من نسخ وتسجیل وتدوین وتوقیع وختم واعادة النظر أو حدوث تغییرات في الأعمال القانونیة اللازمة لتسییر المرفق العام. وما لا شك فیه هو أن ذلك سیؤثر مباشرة على العاملین في المرافق العامة، أي بشخص الموظف العام.

الفرع الثاني: شكل الخدمة التي یقدمها الموظف العام

یؤدي استخدام النظم الالكترونیة في شؤون الموارد البشریة إلى إحداث الكثیر من التحولات والتغییرات، یمكن تحدید أهمها في ما یلي:

أولا/ إعادة الهیكلة الكاملة للموظفین

یظهر ذلك من خلال تخفیض عدد العاملین واعادة توزیع اختصاصاتهم، مما رتب ترشیدا في استخدامها بإعادة توجیههم لاستخدامات أفضل، مما یزید من كفاءة وفعالیة هذا الاستخدام.

إلا أن التطبیق الكفء والفعال للنظم الالكترونیة من طرف الموظفین یتطلب تأهیلهم في استخدام تكنولوجیا المعلومات والاتصالات من خلال إجراء دورات تكوینیة. ولا یتم تحفیزهم للقیام بذلك إلا من خلال تطبیق قواعد جدیدة لجزاءات وحوافز بدیلة للقواعد المعتادة.  

ثانیا/ التحول في الوظائف والموظفین

یكون التحول في الوظائف والموظفین من خلال أحد أو كل الأشكال التالیة:

- الدمج الوظیفي: یعمل مبدأ الدمج الوظیفي على القضاء على مخاطر تقسیم العمل الوظیفي الناجمة عن خطوط التجمع، ووفقا لهذا المبدأ یتم ضم عدة وظائف منفصلة في وظیفة واحدة. مما یؤدي إلى تحسین مستوى مراقبة أداء الموظف، كما یساعد في التخلص من كثرة الأخطاء واعادة العمل الناتجة عن تعدد الإدارات الوظیفیة وجهات الاختصاص في مجال العمل.

- تحول الوظیفة من عمل بسیط إلى عمل مركب: یتم ترشید المسار المهني للعناصر البشریة في المنظمة من مجرد موظفین بسطاء إلى موظفین أذكیاء ینجزون مهام معقدة، حیث الاثراء الوظیفي بدلا من المهام البسیطة المحددة. مما یستدعي ضرورة اختیار موظف كفء وفعال قادر على اكتشاف متطلبات العمل والقیام بها، كما یجب أن تتوفر فیه القدرة على التكیف والتفاعل مع المتغیرات والمستجدات.

- التحول في منهجیة العمل من الوحدات التنظیمیة التقلیدیة بالتنظیم الإداري التخصصي إلى استخدام فرق عمل: یكون العمل باستخدام فرق العمل یشترك فیها جماعة من الموظفین لیسوا بالضرورة ممثلین لكل الادارات المعنیة، وانما یمثلون بدیلا لتنظیم هذه الإدارات القدیمة في إنجاز عملیة واحدة متكاملة. ویترتب عن ذلك أن تكون المسؤولیة عن نتائج العمل مشتركة بین أعضاء الفریق، وبالتالي تتلاشى تماما المسئولیة الفردیة، على أن یكون كل فرد من فریق العمل ملما إلماما تاما بطبیعة ومهام العمل الموكل إلى هذا الفرق.

- استخدام الأكواخ الالكترونیة: استراتیجیة الاتصال المتبادل عن بعد قائمة على ربط أجهزة التلیفون أو التلفزیون بأجهزة الكمبیوتر لإیجاد اتصال متبادل بین مجموعة من الأشخاص تابعین لهیئة إداریة ما حتى یستطیعوا القیام بوظائفهم وهم جالسون في مكاتبهم المنزلیة، وبالتالي تعتبر هذه بمثابة أكواخ إلكترونیة.

المطلب الثاني: أثر تطبیق تكنولوجیا المعلومات والاتصالات على موظفي الإدارة الالكترونیة

دخل العالم مرحلة متطورة ضمن آفاق عصر المعلومات بهدف الاستفادة من التقنیات المتاحة في مجال نظمها وتقنیتها التي سارت على التوازي مع ثورة تكنولوجیا الاتصالات، فالتدفق السریع للمعلومات نتج عنه تطور هائل في تقنیتها. وبما أن الإدارة هي التي یقع علیها عبء استعمال هذه التقنیات الحدیثة من خلال الموظف العام، الذي یعتبر المنفذ والمستعمل المباشر لهذه التكنولوجیا، فنحاول دارسة أثرها على أدائه لمهامه.

الفرع الأول: تیسیر إجراءات الأعمال الاداریة والارتقاء بها بكفاءة أدائها

الهدف من وراء تطبیق الإدارة الإلكترونیة في المؤسسات العامة هو تطویر وتحسین الأداء في القرارات الإداریة واختصار الإجراءات التي تبدد الكثیر من الوقت والجهد في عملیة اتخاذ القرار الإداري على جمیع المستویات، واتاحة قدر أكبر من الحریة للموظفین لتحسین أدائهم وكذا قراراتهم الإداریة. ویكون ذلك من خلال ما یلي:

أولا/ تسهیل المعاملات الیومیة للأفراد

یعمل نظام الإدارة الالكترونیة على تسهیل المعاملات الإداریة التي یحتاج الیها الفرد، ولا یتحقق ذلك الا بتبسیط وتنظیم دقیق للعمل المؤدى من طرف الموظف، مما یؤدي إلى تحقیق النتائج التالیة:

- التغلب على مشكلة البیروقراطیة: تعد البیروقراطیة أحد أسباب الفساد وتخلف الإدارة العامة نظرا لتمسك الأجهزة الإداریة بقواعد واجراءات جامدة متحجرة، تجعل الموظف یؤدي عمله دون تفكیر، فیعملون أحیانا ما لا یقتنعون به، ویطالبون بما لا ضرورة له من قیود وشكلیات كثیرا ما تعطل الخدمة العامة في أساسها. وقد یعتمد البیروقراطیون على الإجراءات واللوائح لتكثیف التعبیارت بغیة إجبار العملاء على تقدیم الرشاوي لهم حتى یسهلوا الإجراءات.

سیؤدي تطبیق الإدارة الالكترونیة إلى تقلیص البیروقراطیة، والتخفیف من الروتین الیومي في أداء المرافق العامة (الموظف) لخدماتها لأن المعاملات الالكترونیة ستؤدي إلى الاستغناء عن المستندات الورقیة حیث یستبدل بها المستندات الالكترونیة ویتحول مجتمع الموظفین من مجتمع ورقي إلى مجتمع الكتروني، حتى  الموظف نفسه سیتحول إلى "موظف إلكتروني" یسهل للجمهور الحصول على الخدمات تقدمها الإدارة التي تعمل بها دون تكبد لمشقة انتقال الأفراد، والوقوف في طوابیر.

ثانیا/ الارتقاء بكفاءة أداء الإدارة العامة

یتم ذلك من خلال:

- الارتقاء بعملیة التكامل بین الجهات الحكومیة، ورفع الشفافیة الإداریة،

- یؤثر النظام الالكترونیة في نوعیة العاملین في الهیئات الإداریة من حیث المهارات والخبرات،

- یمكن النظام الالكتروني الموظف العام من الحصول على كم هائل من المعلومات وتحلیلها مع إیجاد الحلول والبدائل خلال وقت قصیر، مما یسهم في ترشید اتخاذ القرارات الإداریة المناسبة،

- یمنح نظام الإدارة الالكترونیة إمكانیة الوصول للأعمال والبیانات والمستندات ومدى مطابقتها للقوانین والتعلیمات النافذة بشكل فوري ومباشر، مع إبداء الملاحظات والتوجیهات التدقیقیة للجهات المعنیة. فالعملیة الرقابیة تصبح سریعة وفعالة بالمقارنة بالتقلیدیة.

ثالثا/ تطور واجبات الموظف العام بما یتناسب والتطور التكنولوجي

- استخدام الأنظمة الالكترونیة في العمل الوظیفي یلزم الموظف بتنفیذ مهام واجباته الوظیفیة بنفسه، كونه التزام شخصي یقتضي مباشرته بنفسه ولا یجوز إنابة غیره في القیام به، لذا یجب على الموظف ان یدخل النظام الالكتروني من خلال استخدام (اسم المستخدم) و(كلمة السر) والدخول إلى الصفحة المخصصة له من النظام الالكتروني لیتمكن من قراءة الملفات التي له صلاحیة الدخول الیها والاطلاع على مضمونها أو التغییر فیها (وفق الصلاحیات المخولة له) والاطلاع على البرید الالكتروني المرسل الیه من رئیسه المباشر، للقیام بالمهام المخولة له، مع عدم امكانیته إعادة ارسالها إلى غیره لینجزها عوضا عنه، حیث لا یسمح له النظام الالكتروني بذلك.

- اعتبار الكتابة أساسا لإنجاز الأعمال الوظیفیة، كون أن المراسلات وتبادل المعلومات والوثائق تتم بین الموظفین والجهات الإداریة من خلال أجهزة الحاسوب المتصلة ببعضها البعض بشبكة المعلومات الدولیة الداخلیة منها والخارجیة.

الفرع الثاني: تأثیر التحول الالكتروني على شخص الموظف العام

سیؤدي تطبیق نظام الإدارة الالكترونیة إلى تغییر في نظام إثبات حضور الموظفین ومغادرتهم لمقر العمل، ویتم الاستغناء عن مراقب الدوام والسجلات وتوقیع الحضور والمغادرة واستبدال ذلك بوسائل الكترونیة لضبط الدوام مثل البصمة الالكترونیة. كما سیتمكن الموظف من لأداء عمله من المنزل أو من أي مكان یكون فیه عن طریق تلقي البرید الالكتروني والرد علیه من خلال الحاسب المحمول، الذي یمكن أن یضفي على الموظف وصف "الموظف الالكتروني".

تمنح الإدارة الالكترونیة الموظف العام حریة أكبر في أداء أعماله، حیث توفر له وسائل الرفاهیة في المنزل مما یزید من إنتاجیته، إذ لا یخضع في هذه الحالة لقیود تتعلق بأوقات الدوام أو حتى سلوكه الشخصي ومظهره طالما أنه یؤدي الأعمال من المنزل وهذا ما یشعره بارحة أكبر مما لوكان في مكتبه.

سیؤدي نظام الإدارة الالكترونیة إلى وضع نظام آلي لأعمال الموظفین المادیة المتعلقة بالترقیات، ولا سیما الترقیة والأقدمیة، حیث قد یتیح النظام الترقیة ألیا وبشكل مبرمج مسبقا، مما یسمح بتجاوز الإغفالات والتأخر الحاصل بالنسبة للموظفین في ظل الادارة التقلیدیة. 

المبحث الثاني: آثار تطبیق الإدارة الالكترونیة على التصرفات القانونیة للإدارة

یقصد بالأعمال القانونیة تلك الأعمال التي تقوم بها الإدارة العامة بهدف ترتیب أثار قانونیة معینة، كإنشاء حق أو ترتیب التزام، ویتحقق الأثر القانوني من خلال إنشاء مراكز قانونیة جدیدة أو تعدیل في المراكز القانونیة القائمة أو إنهائها. مع التطور التكنولوجي أصبحت الإدارة تعتمد على نظام الإدارة الالكترونیة في القیام بتصرفاتها القانونیة والتي تظهر في أعمال قانونیة تتم بشكل الكتروني فتتخذ في شكل قرارات إداریة الكترونیة (المطلب الاول) أو عقود إداریة  الكترونیة "صفقات عمومیة" (المطلب الثاني).

المطلب الأول: القرارات الإداریة في ظل نظام الإدارة الالكترونیة

یعد القرار الإداري من أهم الأنشطة الرئیسة للمرفق العام به تفصح الجهة الإداریة بإرادتها المنفردة في الشكل الذي یتطلبه القانون عن رغبتها بإحداث أثر قانوني أو تعدیل مركز قانوني قائم أو إلغائه، ولما كان المرفق العام الالكتروني هو استمراریة للمرفق العام التقلیدي بوسائل أخرى حدیثة ومتطورة وجب أن یحافظ على نفس الخصائص والأركان.

الفرع الأول: تعریف القرار الإداري الالكتروني

یعرف حمدي سلیمان القبیلات القرار الإداري الالكتروني بأنه: "تلقي الإدارة العامة للطلب الالكتروني على موقعها الالكتروني وافصاحها عن رغبتها الملزمة بإصدار القرار والتوقیع علیه إلكترونیا واعلام صاحب الشأن على بریده الالكتروني، وذلك بما لها من سلطة بمقتضى القوانین واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معین یكون جائزا وممكنا قانونا ابتغاء المصلحة العامة" ، كما أقر نفس التعریف الأستاذ علاء محي الدین مصطفى أبو أحمد.

یرى علي مختار أن تعریف القرار الإداري الالكتروني المذكور أعلاه، لا یختلف عن القرار الإداري التقلیدي إلا في الوسیلة المستعملة في التعبیر عن الإرادة باستعمال وسائل الكترونیة وتدفقات الانترنت والبرید الالكتروني في التعبیر عن الإرادة وكذلك في تبلیغ القرار الإداري  ونشره في  المواقع الالكترونیة الخاصة بالإدارة، بحیث تعد الرسالة الالكترونیة المعبرة عن البیانات تعبیرا عن الإرادة.

یؤخذ على التعریف أعلاه ما یلي:

- ربط صدور القرار الإداري الإلكتروني بضرورة أن یكون هناك طلب إلكتروني، وأن یقدم في موقع الإدارة الإلكتروني، في حین أن للإدارة سلطة إصدار قرارات إلكترونیة دون أن یقدم الطلب الإلكتروني كما هو الحال في القرارات الإداریة التنظیمیة الصادرة في الشكل الإلكتروني، وأكثر من ذلك، لا یمكن إلزام الفرد بأن یقدم الطلب في الموقع الإلكتروني، إلا إذا كان هناك تحول كلي للإدارة الإلكترونیة.

- التعریف یلزم الإدارة بأن تعلم المعني بالقرار الإداري الإلكتروني عن طریق بریده الإلكتروني، في حین أن ذلك لا یكون إلا في حالة القرارات الفردیة. أما القرارات التنظیمیة فهي یُعلن عنها، ویكون ذلك من خلال النشر في الموقع الإلكتروني للإدارة ولیس بالبرید الإلكتروني.

بناءً على ما سبق، نلاحظ أن الخلاف الوارد والواضح بین القرار الإداري التقلیدي والإلكتروني، غیر الشكل والوسیط المعتمد علیه في إصداره، عنصر آخر هو أساسي وجوهري في عملیة الاختلاف، والذي لا یستند إلیه رجال القانون كما سبق القول، لأن تركیز القانون قائم على القرار الإداري الصادر عن الجهة الإداریة ولا ینظر إلى عملیة صنع القرار قبل هذه المرحلة محل الاهتمام.

غیر أن تطبیق المرفق العام للنشاط الإداري عن طریق وسائط الالكترونیة یتطلب جملة من الضوابط والأسس وجب أن لا یحید عنها المرفق العام في تعاملاته، بحث یجب توفر نفس الأركان والشروط والخصائص التي یتضمنها القرار الإداري التقلیدي، بوصفه إفصاح من الجهة الإداریة بإرادتها المنفردة في الشكل الذي یتطلبه القانون عن رغبتها بإحداث اثر قانوني أو تعدیل مركز قانوني قائم أو إلغائه، واهم أركان القرار الإداري المعروفة (المحل، السبب، الاختصاص، الغایة، الشكل والإجراءات).

ولكن من جهة أخرى تعترض القرار الإداري الالكتروني جملة من العقبات التقنیة تتعلق أساسا بوسائل العلم بالقرار الإداري الالكتروني وبالتالي نفاذه في مواجهة الأفراد والمخاطبین به بصورة عامة، نظرا للتعقیدات التقنیة والفنیة المرتبطة وسائل الاتصال الحدیثة.

الفرع الثاني: أثار تطبیق الإدارة الالكترونیة على القرارات الإداریة

إن قیام الإدارة بإصدار القرار الإداري وفقا لإجراءات إلكترونیة لیس شرطا لسلامة القرار من شائبة البطلان، وانما هي ضمانة لموضوعیة إصدار القرار، وتكفل إلى حد ما حمایة لأركان وعناصر القرار الإداري من عیوب البطلان أو حالات الانعدام، وتجعل استخدامها مفیدا من الناحیة الشكلیة والموضوعیة عند إصدار القرار.

یتم نشر القرار الإداري الالكتروني بواسطة إرسال القرار إلى البرید الالكتروني لصاحب الشأن المخاطب به، أو نشره في الموقع الالكتروني للمرفق العام، علما أن القانون لم یحدد طرقا معینة للإعلام بالقرار الإداري وترك ذلك للإدارة بشرط عدم مخالفتها للقانون.

هناك عدة إشكالات تتعلق بالتبلیغ الالكتروني، هل یتم اعتبار القرار الإداري مبلغا من تاریخ الإرسال أو من تاریخ فتح الرسالة الالكترونیة أو من تاریخ فتح البرید الالكتروني دون فتح الرسالة الالكترونیة وماذا لو قصر المخاطب في ذلك، علما أن قانون الإجراءات المدنیة والإداریة یعتبر التبلیغ الرسمي هو ذلك التبلیغ الذي یتم بمحضر یعده محضار قضائیا.

المطلب الثاني: العقود الإداریة (الصفقات العمومیة)

تظهر نشاطات الإدارة العامة في شكل تصرفات قانونیة منها القرارات الإداریة والعقود الإداریة، ومن بین هذه الأخیرة نجد الصفقات العمومیة التي تأخد حصة الأسد في تعاملات الدولة، كما أن شكلها التقلیدي سمح باستعمالها كوسیلة للفساد الإداري، وقد منح التطور التكنولوجي للإدارة إمكانیة تدارك ذلك باعتمادها على وسائط الاعلام والاتصال.

الفرع الأول: تعریف العقد الإداري الالكتروني

عرف تیري روفي (Thierry Revet) العقد الإلكتروني بأنه:" العملیات التعاقدیة التي تحدد التزامات الطرفین عن طریق تبادل المعلومات الكلي أو الجزئي بواسطة إلكترونیة" حیث یرى أن الجزء الإلكتروني في العقد الإلكتروني ما هو إلا وسیلة تقنیة لإتمام الاتفاق التعاقد ي. وانطلاقا من هذا التعریف قام (Delphine Kessler) بتعدیل الصیاغة التي وضعها تیري روفي (Thierry Revet) لیعرف العقد الإداري الإلكتروني كما یلي: "هو العقد الإداري الذي یعتمد فیه على التقنیة الإلكترونیة كوسیلة للتعاقد، أو لتنفیذ العقد" فلا یفترض في الوسیلة الإلكترونیة أن تغیر من تعریف العقد الإداري، وانما الفارق الوحید بین العقد الإداري والعقد الإداري الإلكتروني، هو في وسائل الإبرام أو التنفیذ التي تكون إلكترونیة ركز هذا التعریف على الفارق الموجود بین العقد     الإداري والعقد الإداري الإلكتروني وهو وسیلة التعاقد في حین أن التعریف یجب أن یرتكز على العناصر التي تشكل المعنى العام، وبذلك نرى أن (Delphine Kessler) حاول التأكید على أنه لا یوجد عقد إداري إلكتروني وانما فقط أسلوب التعاقد أن التنفیذ هو المختلف والذي یظهر في الشكل الإلكتروني.

عرف البنك الدولي في سنة 2000، العقد الإداري الإلكتروني بأنه: "استخدام تكنولوجیا المعلومات والاتصال من قبل الحكومة في تسییر العلاقات مع الموردین لاقتناء السلع والأشغال والخدمات الاستشاریة المطلوبة من قبل القطاع العام".

العقود الإداریة الإلكترونیة هي لیست صورة من صور العقود الإداریة، وانما هي ذات العقود الإداریة المألوفة، وانما اختلفت وسیلة التعاقد، فالعقود الإداریة التقلیدیة تبرم وفقا للإجراءات والطرق العادیة المستندة إلى الكتابة الورقیة أساسا، في حین أن العقود الإداریة الإلكترونیة تبرم بطرق إلكترونیة وعن بعد، ودون تبادل مادي للأوراق والوثائق والمستندات.

یؤخذ على التعریفات السالفة الذكر، أن بعضها قد قصرت العقد الإداري الإلكتروني على العقد المبرم عن طریق شبكة الأنترنت، في حین أن هذه الأخیرة ماهي لا واسطة واحدة من الوسائط الإلكترونیة، التي یتم التعبیر عن الإرادة من خلالها (وقد یكون السبب في ذلك هو كون أنها الأسرع والأكثر انتشارا). إضافة إلى إغفال البعض الآخر، تحدید الموقف من العقد الإداري المبرم جزئیا عبر الوسائط الإلكترونیة، مثل أن یتم التعبیر عن الإیجاب في العقد الإداري بطریق إلكتروني والقبول فیه بطریق تقلیدي، أو أن یتم التعبیر عن الإیجاب والقبول إلكترونیا على أن یتم التنفیذ تقلیدیا، وهو ما یمكن تصوره وبصفة خاصة في بدایات الانتقال لعقد المشتریات الحكومیة إلكترونیا. فكیف یكون تكییف العقد في هذه الحالات بالنسبة للتشریع؟

أما فیما یتعلق بالصفقة العمومیة المبرمة إلكترونیا، فما دام الفقه یجمع على أنه لا وجود للعقد الإداري الإلكترونیة وانما فقط أن ذات العقد الإداري یتم إبرامه أو تنفیذه إلكترونا، فالأمر ذاته ینطبق على الصفقة العمومیة والتي لا یمكن أن تكون إلكترونیة وانما ذات الصفقة العمومیة تبرم أو تنفذ إلكترونیا. 

لقد فرضت التغیرات العمیقة والجذریة التي أحدثتها ثورة الاتصالات الرقمیة إعادة النظر في العدید من الأنشطة الإداریة وتكیفها مع المستجدات الحدیثة تطبیقا لمبدأ استمراریة المرفق العام وقابلیته للتغیر والتبدیل، وتعد العقود الإداریة إحدى أهم الأنشطة الإداریة التي شملها هذا التغییر. ویعد العقد الإداري الكترونیا إذا تم إبرامه بوسائل الكترونیة سواء تم ذلك كلیا أو جزئیا، وبصورة عامة هو العقد الذي یتم إبرامه بواسطة الانترنت أو من خلال وسائل اتصال حدیثة.

الفرع الثاني: أثر تطبیق الإدارة الالكترونیة على إبرام العقود الإداریة

ینطوي نظام الإدارة الالكترونیة على الدقة والتیسیر وسعة في الاتصال، مما یمكن الإدارة من الحصول على السلعة أو الخدمة الأفضل من المتعاقد معها، وذلك بصورة أفضل مما یمكن أن یحدث في ظل النظام التقلیدي.

تعتبر الصفقات العمومیة الوسیلة الأفضل لممارسة الفساد الإداري والمالي، فعملیة التحول الإلكتروني ستجعل من العملیة أكثر شفافیة ووضوحا، من خلال إرساء وتحقیق المبادئ التي تحكمها، فالشكل الإلكتروني لإبرام الصفقات سیرفع من مستوى تطبیق هذه المبادئ من طرف الإدارة إیجابا، ویزید المتعاملین ثقة وأمانا. ولا یتحقق ذلك إلا بنیة وارادة قویة في إحداث التغییر الحقیقي والمبني على أسس سلیمة مدروسة دارسة علمیة وتخطیط دقیق وأن لا یكون التغییر سطحي لا یرقى للمستوى المطلوب مما یُصعب عملیة التحول.

فإذا كانت طریقة المناقصات والمزایدات، وهي الطریقة الأساسیة لتعاقد الإدارة مع الآخرین، تتسم بالبطء الشدید وتستغرق شهورا للوصول إلى إبرام العقد بالأسلوب التقلیدي، فإنها یمكن أن تتسم باستعمال الأسلوب الالكتروني، بالسرعة مع توفیر الوقت والجهد. كما أن ذلك یعجل بتلبیة احتیاجات المرافق العامة، فیتم الإعلان عن المناقصة عبر شبكة المعلومات، وتلقي العروض أو العطاءات من المتنافسین وكذا إرساءها على صاحب أفضل عرض.

المرجع:

  1. د. ربيع نصيرة، محاضرات في الإدارة الإلكترونية، مطبوعة محاضرات موجهة لطلبة الماستر 1 تخصص قانون إداري، جامعة آكلي محند أولحاج -البويرة ، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2019/2020، ص33 إلى ص69. 
google-playkhamsatmostaqltradent