التحول من إدارة تقلیدیة إلى إدارة إلكترونیة

التحول من إدارة تقلیدیة إلى إدارة إلكترونیة 

التحول من إدارة تقلیدیة إلى إدارة إلكترونیة

التزام الإدارة العامة بتطبیق المبادئ الأساسیة لتسییر المرافق العامة والتي من بینها مبدأ التغییر والتكیف مع التطور الحاصل في تكنولوجیا الاعلام والاتصال، یجعلها ملزمة بتطویر وتغییر أسالیبها في التسییر مما یدفعها إلى تبني تطبیق نظام الإدارة الالكترونیة، فأسباب هذا التوجه متعددة منها الداخلي متعلق بقناعات الدول والخارجي الذي یفرضه التوجه العالمي من تطور وضرورة المواكبة (المطلب الأول)، وهذه العملیة تحتاج إلى توفیر ظروف ومتطلبات مناسبة لعملیة التحول (المطلب الثاني)، إلا أن ذلك ستواجه عراقیل تحد وتقلل من مسار التحول (المطلب الثالث). 

المطلب الأول: أسباب التحول إلى الإدارة الإلكترونیة

كان تحول العمل الإداري إلى عمل یعتمد على تكنولوجیا الإعلام والاتصال، بفضل انتشار الانترنت، حیث كان الهدف الأول هو خدمة الزبون اضافة إلى رفع الكفاءة الداخلیة للمؤسسة، مما أدى إلى ظهور ما سمي بالتجارة الإلكترونیة في ما یخص السلع والخدمات، وذلك ما دفع القطاع العام للتفكیر في اتباع ذات الأسلوب في التسییر الإداري.

إن الإدارة الالكترونیة تمثل مفهوماً ونموذجاً فریداً للمعلومات والخدمات العامة وتعمل على سد الفجوة الرقمیة في المجتمع باستثمار تكنولوجیا المعلومات والاتصالات المتقدمة لتوصیل الخدمات للزبائن ومؤسسات الأعمال والحكومیة بغض النظر عن أماكن تواجدهم أو أوقات التقدم لها، وتعزیز وتدعیم فرص التنمیة والإصلاح الإداري والاقتصادي حیث أنه باستطاعة الإدارة الإلكترونیة مساعدة المؤسسات وخاصة المتوسطة والصغیرة الحجم الانتقال على الشبكة للحصول على الخدمات والمتطلبات، أي أنها تقدم فرصاً لتطویر إمكانیات وقدارت ومهارات المؤسسات بل والزبائن المتعاملین معها بما یمكنهم من تحقیق مستویات أعلى من الإنتاجیة ومساندة الأداء الأحسن، واخیراً تحقیق التعلم والتدریب مدى الحیاة لزیادة الابتكار والإبداع للمجتمع لكي یمكنه من التنافس والتواجد في عالم سریع التغیر .

یمكن تصنیف دواعي التحول إلى ما یلي:

1- التسارع التكنولوجي والثورة المعرفیة المرتبطة به: أظهر الثورة التكنولوجیة العدید من المازیا في مختلف مجالات الحیاة الإنسانیة، بما في ذلك نوعیة الخدمات والسلع التي توفرها المؤسسات العامة والخاصة، كما أن حجم الاستثمار المتزاید في قطاع التكنولوجیا یتطلب تعظیم الفوائد المرجوة منه وتسخیره لتسهیل الرفاه الإنساني عموما.

2- توجهات العولمة وترابط المجتمعات الانسانیة: ساهمت التوجهات العالمیة المتزایدة نحو الانفتاح والترابط والتكامل بین المجتمعات الانسانیة المختلفة في نشوء ما یعرف بظاهرة العولمة، وتعتبر الثورة التكنولوجیة أدوات وتقنیة لخدمة متطلبات العولمة وتحقیق أغراضها وترجمتها إلى واقع ملموس، حیث یتم الربط الفعال بین المجتمعات الانسانیة من خلال شبكات الانترنت والاتصال الفضائي وما إلى ذلك من أدوات رقمیة، ویشمل هذا الربط مجالات المعلوماتیة والخدمات والعلاقات بكافة جوانبها الاقتصادیة والاداریة والعلمیة والتقنیة وغیرها.

3- التحولات الدیمقراطیة وما ارفقها من متغیرات وتوقعات شعبیة: ساهمت حركات التحرر العالمیة المطالبة بالانفتاح والحریة والمشاركة واحترام حقوق الانسان في إحداث تغییرات جذریة في البناء المجتمعي عموما وطبیعة الأنظمة السیاسیة والاجتماعیة على وجه الخصوص، وقد رافق هذه التغییرات ارتفاع في مستوى الوعي والتوقعات الاجتماعیة بما في ذلك نشوء رؤى جدیدة للقطاع.

المطلب الثاني: متطلبات التحول الإلكتروني للإدارة العامة

الإدارة الالكترونیة شأنها شأن أي برنامج آخر یحتاج إلى تهیئة البیئة المناسبة لطبیعة عمل البرامج كي یتمكن من تنفیذ ما هو مطلوب منه وبالتالي یحقق النجاح والتفوق والا سیكون مصیره الفشل وسیسبب ذلك خسارة الوقت والمال والجهد ونعود عندها إلى نقطة الصفر؛ فالإدارة هي ابنة بیئتها تؤثر وتتأثر بكافة عناصر البیئة المحیطة بها وتتفاعل مع كافة العناصر السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة والتكنولوجیة لذلك فإن الإدارة الالكترونیة یجب أن تراعي عدة متطلبات.

لا یمكن أن تنشأ الإدارة الالكترونیة في الفراغ، فلابد لها من متطلبات أساسیة لضمان عملیة التحول الالكتروني، لضمان استمراریة عمل إداري یقدم خدمة ذات جودة ومتمیزة لعملائها.  

الفرع الأول: المتطلبات الاجتماعیة والاقتصادیة

الأفراد هم من یقع علیهم التحول لأنهم الطرف المقابل الذي یتلقى الخدمة، التي یقدمها المرفق وبالتالي التغییر الحاصل یجب أن یبدأ على مستواهم من حیث التوعیة والتحسیس (أولا)، كما أن هذا التحول یحتاج إلى متطلبات مالیة یوفرها اقتصاد الدولة على مستوى الأفراد والمؤسسات الإداریة المعنیة بذلك (ثانیا).

أولا/ المتطلبات الاجتماعیة

العمل على خلق تعبئة اجتماعیة مساعدة ومستوعبة لضرورة التحول الإلكتروني، وعلى درایة كافیة بمزایا تطبیق الوسائل التقنیة في الأجهزة، مع الاستعانة بوسائل الاعلام وجمعیات المجتمع المدني في دعم اللقاءات والندوات والتجمعات التحسیسیة الخاصة بنشر فوائد تطبیق الادارة الالكترونیة، وبرمجة حصص تدریبیة على استعمال الآلات التقنیة (ثقافة تكنولوجیة).

ضرورة أن یكون المجتمع مستعدا لتقبل فكرة الإدارة الالكترونیة والاتصال السریع بالبنیة التحتیة المعلوماتیة الوطنیة عبر الانترنت نظار للأزمات الاجتماعیة والاقتصادیة خاصة إذا كانت هذه العملیة مكلفة مادیا.

ثانیا/ المتطلبات الاقتصادیة

ضرورة توفیر المخصصات المالیة الكافیة لتغطیة الانفاق على مشرایع الادارة الإلكترونیة، دون إهمال الاستثمار في میدان تكنولوجیا المعلومات والاتصال، وایجاد مصادر تمویل لها تمتاز بالدیمومة على المستوى المركزي والمحلي.

ضرورة إنشاء بیئة تجاریة وأعمال مفتوحة تسودها المنافسة، لتنشیط حركة رؤوس الأموال الوطنیة والعربي في المجتمع الرقمي، من خلال تشجیع الشراكات والتحالفات الاستثماریة والمنظماتیة بین القطاعین العام والخاص، بما یضمن تشجیع روح المشاركة والابتكار. وما یزید ذلك دفعا إلى الأمام هو توفیر دعم مالي لضمان تشجیع أنشطة الاستثمار الوطني والإقلیمي في میادین المعلومات والاتصالات، وترسیخ أركان المنظمات الرقمیة والتجارة الالكترونیة.

الفرع الثاني: متطلبات البنیة التحتیة للاتصالات (التقنیة والفنیة)

البنیة التحتیة هي قاعدة تمكینیة لقدرات مشتركة ضروریة لوجود وعمل نظم المعلومات، وتتكون من موارد نظم وأدوات تكنولوجیا المعلومات (عتاد الحاسوب، البرامج، الشبكات)، وموارد البیانات (مستودعات البیانات، قواعد البیانات، نظم إدارة قواعد البیانات)، ونظم المعلومات المحوسبة وتطبیقاتها في الإدارة الالكترونیة، والاعمال الالكترونیة. واذا نظرنا على البنیة التحتیة من منظور "القدرات والموارد" یمكننا إضافة راس المال الإنساني والفكري (صناع المعرفة) و رأس مال الاجتماعي إلى مكونات البنیة التحتیة (والفوقیة) للأعمال الالكترونیة.

تحتاج الدول إلى بناء منظومة متطورة للاتصالات ونظم جیدة لإدارتها، وخاصة زیادة إمكانیة الاتصال عن بعد ذات النطاق والسرعة العالیة مع تسهیل وصول الأنترنت للمواطنین بتكلفة رخیصة. ولتحقیق ذلك تحتاج الإدارة إلى توفیر متطلبات تقنیة تتضح في النقاط التالیة:

- ترتبط بإیجاد حواسیب إلكترونیة ونظم بیانات متكاملة وأكشاك إلكترونیة في الأماكن العمومیة،

- رفع وزیادة الترابط بین مختلف الأجهزة داخل الدولة،

- تطویر مختلف شبكات الاتصالات بما یتوافق مع التحول الإلكتروني،

- لا بد من توافر عدد كاف من مزودي خدمات الانترنت الذین یتولون إقامة الوصل التقني بین أجهزة الحكومة المختلفة ومتلقي الخدمة أو طالب المعلومة، فكلما أتیح المجال أكثر للمواطن العادي للاستفادة من خدمات الادارة الالكترونیة، ازداد إقباله علیها وبذلك یرتفع مستوى تقبلها.

تؤثر البنیة التحتیة في فعالیة تدفق أنشطة الاعمال مع الموردین والزبائن وفئات المستفیدین من شركاء الاعمال في ظل ظاهرة انفجار المعاملات على شبكة الویب والانترنت، نذكر على سبیل المثال لا الحصر أن المنظمة الالكترونیة التي تعمل على أساس نموذج متجر التجزئة تتعامل مع حجم هائل من البیانات المرتبطة بعدد كبیر ومتنوع من المنتجات یصل إلى (35000) منتج، و(2,4) بلیون من المعلومات. هذا الحجم من المعلومات یتطلب وجود بنیة قویة من نظم وتكنولوجیا معلومات ذكیة للتنقیب عن البیانات المفیدة وتصنیفها إلى بیانات هیكلیة، شبه هیكلیة، وغیر هیكلیة ولاستنباط العلاقات والأنماط الخفیة بین البیانات لدعم قرارات الإدارة الالكترونیة.

الفرع الثالث: المتطلبات السیاسیة والقانونیة اللازمة لتطبیق الإدارة الإلكترونیة

كل تحول من إدارة تقلیدیة لإدارة إلكترونیة یحتاج إلى توجه سیاسي ووضع استراتیجیة واضحة تضعها الدولة لذلك (أولا)، وكذلك العمل على َأَقلمة البیئة القانونیة ومتطلبات التحول من تحیین وتغییر في القواعد القانونیة (ثانیا).

أولا/ المتطلبات السیاسیة

وجود إرادة سیاسیة داعمة لاستراتیجیة التحول الإلكتروني، ومساندة لمشاریع الإدارة الإلكترونیة، حیث نجد مبادرة الإمارات العربیة المتحدة على الصعید العربي إحدى النماذج التي وجدت تجنیدا سیاسیا حیث انطلقت مبادرة دبي عام 1999 بموجب إعلان رسمي أصدره الشیخ محمد بن ارشد آل مكتوم (نائب رئیس الدولة رئیس مجلس الوزراء حاكم دبي) وسرعان ما تحولت إلى واقع ملموس.

ترى الأستاذة ایمان عبد المحسن زكي أن هناك ضرورة للجمع بین النظام المركزي واللامركزي عند صیاغة الإدارة الالكترونیة، بحیث یتم وضع استراتیجیة شاملة ومتكاملة على المستوى القومي تكلف بها الجهات المعنیة، مع ترك الحریة لكل هیئة إداریة أو جماعة إقلیمیة في أن تضع استراتیجیتها وفقا لرؤیتها ورسالتها وأهدافها، بصورة مستقلة، ویقتصر دور الهیئات المركزیة على تقدیم الدعم الفني والمالي ومساندة المنظمات في تنفیذ برامجها في ظل الإطار العام والمعاییر التي حددتها الدولة.

ینبغي على المسؤولین الإداریین أن تكون لدیهم القناعة التامة والرؤیة الواضحة لتحویل جمیع المعاملات الورقیة إلى إلكترونیة كي یقدموا الدعم الكامل والامكانیات اللازمة للتحول إلى الإدارة الالكترونیة.

الاستفادة من فوائد استخدام التقنیات الحدیثة للإدارة الإلكترونیة، تحتاج إلى إرادة وتصمیم لدى القیادة السیاسیة والإداریة، فغیاب القیادة الإداریة الفعالة وافتقاد التنظیم القانوني، وعدم نضج الوعي الجماهیري یصعب تحقیق الالتزام الحقیقي باستخدام تلك التقنیات مما یؤدي إلى فشل تطبیق الإدارة الإلكترونیة على جمیع المستویات الدنیا والعلیا، فهي عملیة معقدة ونظام متكامل، من المكونات البشریة والمعلوماتیة والتشریعیة والبیئیة وغیرها، واستراتیجیة تجمع كل من المتطلبات وبرمجیة واعیة وعقلانیة. 

ثانیا/ المتطلبات القانونیة

یطلب من الدولة إعداد بیئة قانونیة توفر الحمایة والثقة والأمان للمتعاملین معها سواء في مجال تقدیم الخدمات أو المعاملات الإلكترونیة في مجال التجارة الإلكترونیة، بحمایة المستهلك من الغش، ومن استغلال معلوماته الشخصیة (حمایة المعطیات الشخصیة). كما لابد من توفیر تشریعات قانونیة في مجال الخدمات المصرفیة، تتلاءم والتعامل عبرالأنترنت بتوفیر توقیعات إلكترونیة آمنة لكل من البنوك والعملاء.

یجب أن یتم ذلك وفق مراحل:

- قبل التطبیق (فكرة التحول والقانون): عن طریق تحدید الإطار القانوني الذي یقر بالتحول الإلكتروني الإدارة العامة تعتمد على الأحد المبادئ الأساسیة للمرفق العام وهو مبدأ قابلیة المرفق العام للتغییر والتكیف

الإدارة الخاصة: حریة اختیار نظام التسییر الذي تراه مناسب،

- أثناء التطبیق: تكملة النقائص والفراغات القانونیة التي قد تظهر في مرحلة التحول.

- بعد التطبیق: بوضع قواعد قانونیة ضامنة لأمن المعاملات الإلكترونیة + تحدید الإجراءات العقابیة الخاصة بفئة المتورطین في جرائم الإدارة الالكترونیة.

نجد أن الدول التي اعتمدت تطبیقات الإدارة الإلكترونیة لم تصدر تشریعات عامة، تلزم الإدارات والمؤسسات الحكومیة بأداء معاملاتها مع المواطنین، بالوسائل الإلكترونیة إلى جانب الوسائل التقلیدیة. حیث نجد تباینا بین تشریعات الدول الغربیة التي تقر بمبدأ الإعلان عن حق المواطن في الحصول على المعاملات الإداریة والخدمات العامة بوسائل إلكترونیة، وبین إلزام الإدارات العامة على تقدیم بعض الخدمات الإلكترونیة في مجالات أو قطاعات دون غیرها (مثل مجال نشر القوانین، والقرارات الإداریة والمعلومات الإداریة، ومجال وضع نماذج المعاملات الإداریة عبر الأنترنت، التصریحات المالیة...).

یجب على أي دولة قبل إدخال التعاملات الالكترونیة أن تراعي ضرورة خلق بیئة تشریعیة ملائمة ومناخ قانوني یستجیب لمتطلبات الإدارة الالكترونیة، ویسهل معاملاتها ویضعها موضع الاعتراف القومي والدولي، إضافة إلى القضایا الخاصة بتدابیر الآمن والحمایة السریة للمعلومات، وأن تتجه النظم القانونیة المختلفة لمعالجة الآثار التي خلفتها التقنیة العالیة وأدوات العصر الرقمي عبر تشریع یستجیب للمستجدات، وكل ذلك لتحقیق الأهداف التالیة:

- إعطاء المشروعیة للأعمال الالكترونیة الخاصة بالإدارة الالكترونیة وتحدید المباح والمحرم منها والعقوبات المفروضة؛

- تحقیق سهولة الوصول إلى المعلومات، ووضوح الإجراءات التي تحكم هذه العملیة؛

- تحقیق الأمن الوثائقي، وخصوصیة وسریة المعلومات، وتحدید معاییر ثابتة وشفافة لجمیع التطبیقات الالكترونیة؛

- إعطاء مشروعیة لاستعمال الوثائق الالكترونیة كإثبات الشخصیة الالكترونیة، واستخدام التوقیع الالكتروني، والبصمة الالكترونیة...وما إلى ذلك؛

- تسهیل المعاملات المالیة، وعملیات البیع والشراء الالكتروني، والبرید الالكتروني...

الفرع الرابع: المتطلبات البشریة والإداریة الضروریة لعملیة التحول الالكتروني

التحول الالكتروني لأي إدارة یستدعي إعادة هندسة لتلك الإدارة في كیفیة عملها وتنظیمها وتحدید الاختصاصات بما یتوافق بالبیئة الالكترونیة (أولا)، وهذ ما یتطلب تحیین المعارف واعادة تكوین الطاقم القائم بتسییر تلك الإدارة لیتوافق مع متطلبات هذا التسییر الالكتروني (ثانیا).

أولا/ المتطلبات البشریة

التأهیل مطلب هام وأساسي لبناء إدارة إلكترونیة فاعلة، فلابد من وعي عام بأهمیة الاعتماد على تكنولوجیا المعلومات في التسییر الإداري من قبل كافة المواطنین وموظفي الدولة. مما یستدعي توفیر تدریب وتأهیل للمورد البشري على استعمال تكنولوجیا المعلومات، وصیانة المواقع والشبكات.

یعتمد التسییر الإلكتروني للإدارة على ضرورة وجود ید عاملة مؤهلة، تمتلك زادا معرفیا یحیط بمبادئ التقدم التقني، ولها من الخبرة ما یمكنها من أن تصبح موردا بشریا مؤهلا لاستخدام تقنیات المعلومات.

یجب أن ترتكز استراتیجیة الدولة على إعداد وتهیئة المواطن لفهم واستیعاب مزایا التعامل الالكتروني من حیث تقلیل الوقت والجهد والتكلفة. حیث تواجه بعض الدول النامیة صعوبات في محاولة نقل التجارب في مجال تكنولوجیا المعلومات دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لتكیف وتهیئة مجتمعاتها لهذه النقلة الحضاریة، مما یعرض شعوبها إلى صدمة ثقافیة لعدم قدرتها على مسایرة هذه التغیرات التكنولوجیة والتجاوب معها. وذلك من خلال اتباع الخطوات التالیة:

- تغییر الصورة الذهنیة الراسخة لدى المواطن عن الخدمات الحكومیة، والتأكید على حرص الإدارة على راحة المواطن ورفاهیته من خلال الحملات الإعلامیة المكثفة لإعادة الثقة في الحكومة (بل من خلال تقدیم خدمة ذات جودة وفي مستوى متطلبات الفرد)

- الإعلام عن مواقع الخدمات الإدارة الإلكترونیة في وسائل الاعلام المختلفة من إذاعة وتلفاز وجرائد ومجلات، وشرح كیفیة الوصول إلیها والمزایا التي تحققها.

- التوسع في تدریب المواطنین على استخدام شبكة الانترنت في المعاملات الإلكترونیة مع إتاحة الفرصة لمشاركة القطاع الخاص في نشر الوعي التكنولوجي.

- التوسع في إنشاء مراكز وأكشاك تكنولوجیة لتقدیم الخدمات الحكومیة على كافة المستویات المركزیة والمحلیة.

ثانیا/ المتطلبات الإداریة

یتطلب نجاح تطبیق استراتیجیة الإدارة الالكترونیة في الواقع العملي إجراء العدید من التغییرات التنظیمیة داخل الهیاكل الحكومیة، حیث إن نظم وأسالیب الإدارة التقلیدیة لا تتناسب مع تطبیقات الإدارة الإلكترونیة التي تتطلب المرونة والسرعة في اتخاذ القرارات.

وتتعدد مجالات التغییر المطلوبة حیث یتطلب الأمر تغییر الهیاكل التنظیمیة بالتحول إلى الهیاكل الشبكیة ذات الاتصالات الواسعة، ویقل التوجه نحو التخصص وتقسیم العمل، وفي المقابل یزید التوجه نحو دمج الوظائف وتقلیل المستویات الإداریة، وتقل سیطرة القیادات الإداریة الأعلى، وتقل المستویات الرقابیة، ویزید تمكین العاملین والاعتماد على فرق العمل المدارة ذاتیا.

یتطلب التحول إلى إدارة الكترونیة إعادة هندسة نظم واجراءات العمل بما یتناسب مع النظم الالكترونیة، وذلك بتحلیل الاعمال الحالیة وتحدید الاعمال المقترح تحویلها إلى النظم الالكترونیة وتبسط إجراءاتها وتطویر النماذج المستخدمة، ولا تقتصر الهندسة عند هذا الحد، حیث یتطلب الامر إعادة تصمیم الوظائف وتطویر الواجبات والمسؤولیات التي یقوم بها العاملون بما یتناسب مع العمل الالكتروني. 

المطلب الثالث: معوقات ومقومات تطبیق الإدارة الإلكترونیة

وجود استراتیجیة متكاملة للتحول على النمط "الإدارة الالكترونیة" لا یعني لأن الطریق ممهد لتطبیق وتنفیذها بسهولة وسلاسة وبشكل سلیم وذلك لأن العدید من العوائق والمشاكل ستواجه تطبیق الخطة ولذلك على المسؤولین عن وضع وتنفیذ مشروع  "الإدارة الالكترونیة" التمتع بفكر شامل ومحیط بكافة العناصر والمتغیرات التي یمكن أن تطرأ وتعیق خطة عمل وتنفیذ استراتیجیة الإدارة الالكترونیة وذلك إما لتفادیها أو إیجاد الحلول المناسبة لها؛ فمن المسلمات أن أي مشروع یواجه عدة معوقات قد تكون في سوء التخطیط أو عشوائیة التنفیذ.

یعترض عملیة التحول الإلكتروني للإدارة العدید من المعیقات التي تحول دون التغیر والتطور الحاصل في العالم، لعدم وضع استراتیجیة محكمة مستندة إلى تحدید مختلف المعیقات والبحث عن حلول لها قبل وأثناء عملیة التحول لإنجاح مشروع الإدارة الإلكترونیة.

ویمكن تلمس هذه المعیقات في ما یلي:

الفرع الأول: المعوقات الإداریة

تبرز المعوقات الإداریة التي تقف في مواجهة تطبیق وتطور الإدارة الإلكترونیة من خلال ما یلي:

- وجود فجوة كبیرة بین الاستراتیجیات الطموحة التي یتم وضعها للإدارة الالكترونیة وبین آلیات التنفیذ في الواقع العملي للمبالغة في التفاؤل بمزایا الإدارة الالكترونیة وعدم مراعاة التعقد في العلاقات بین الوحدات التنظیمیة للدولة والتي تتطلب إعادة تصمیم الهیاكل والعملیات.

- عدم وجود أدلة أو معاییر استرشادیة تساعد الهیئات الحكومیة على ترجمة رؤیة الوحدات المركزیة في كیفیة تقدیم الخدمات الحكومیة إلكترونیا من خلال وضع أسس علمیة للتطبیق، لذلك قامت بعض الدول مثل سنغافورة بإنشاء وحدات حكومیة مركزیة تقدم الدعم الفني للهیئات والتنسیق بینها لضمان تطابق التنفیذ مع الاستراتیجیات.

- ضعف مشاركة المواطنین للحكومات في وضع الأهداف والاستراتیجیات وغیاب الحوكمة ومشاركة المجتمع المدني في عملیة التغییر.

- عدم ملائمة الإطار القانوني والتشریعي الخاص بالإدارة التقلیدیة لتطبیق الادارة الالكترونیة، من خلال نقص قوانین حمایة المستهلك وغیاب القوانین التي تنظم التعاملات الإلكترونیة والعقود والتوقیع الإلكتروني وغیاب القوانین التي تعاقب على جرائم الحاسب الآلي. (عدم الملائمة لیس في كل المجالات والمراحل وانما في البعض منها فقط)

- معوقات إداریة بسبب البیروقراطیة وتعقد الإجراءات التنظیمیة والنمط السائد للقیادة الإداریة، وقصور نظم دعم واتخاذ القرارات، بالإضافة إلى نقص الموارد البشریة ذات الكفاءات الفنیة المتخصصة في مجال تكنولوجیا المعلومات، وقصور أنظمة التعلیم والتدریب عن توفیر هذه الكفاءات.

- ارتفاع نسبة الامیة، وانخفاض مستوى العلیم، وغیاب الوعي الثقافي والتكنولوجي لدى المواطنین، وخاصة في الدول النامیة، مما یؤدي إلى انخفاض نسبة مستخدمي أجهزة الحاسب الآلي ویقلل من قدرة المواطنین على التعامل الالكتروني من خلال شبكة الانترنت.

- فقدان الثقة بین المواطنین والحكومات بسبب تدني مستوى الأداء الحكومي وانخفاض جودة الخدمات الحكومیة وغیاب المشاركة الشعبیة في القرارات الحكومیة، والتي قد تؤدي إلى مقاومة المجتمع لبرامج الإدارة الالكترونیة والتحول إلى التعامل الالكتروني.

- الغیاب الواضح للمواقع المتخصصة في تنشیط التجارة والصیرفة الإلكترونیة وتبادل المعلومات والبیانات وأسالیب استرجاعها وهو ما یعرف بالبنیة التحتیة لممارسة الأعمال وتبادل المعلومات بالأنترنت سواء مع الحكومة أو غیرها.

- جمود نظم إدارة الهیئات الحكومیة وعجزها عن إحداث التغییرات المطلوبة في الهیاكل التنظیمیة وطبیعة المهام والوظائف ونظم واجراءات العمل الإداري وغیاب الإطار القانوني والتشریعي الداعم للعمل الالكتروني.

الفرع الثاني: المعوقات البشریة

تتمثل في ما یلي:

- قلة أو انعدام الخبرة المهنیة للموظفین في استخدام الحاسبات الآلیة وشبكة الانترنت، ومقاومتهم للعمل الالكتروني،

- عدم تحفیز الموظفین على تعلم نظم المعلومات الإداریة، مالیا ومعنویا لتشجیعهم على تقبل التحول الالكتروني،

- ضعف الوعي الثقافي بتكنولوجیا المعلومات على المستوى الاجتماعي والتنظیمي داخل المرفق العام.

- قلة البرامج التدریبیة في مجال التقنیة الحدیثة المتطورة في المرافق العامة.

- تنامي شعور بعض المدیرین وذوي السلطة بأن التعییر یشكل تهدیدا للسلطة.

- ندرة تقدیم الحوافز للعاملین للتوجه نحو النمط الرقمي.

- ضعف المعرفة الكافیة بتقنیات الحاسب الآلي والرهبة والخوف الذي یمتلك بعض المدیرین والموظفین عند استعماله.

- ضعف الثقة في حمایة وسریة المعلومات والتعاملات الشخصیة داخل البیئة الرقمیة.

- مقاومة العاملین لتطبیق التقنیة وضعف الرغبة بها، وعزوفهم عن استخدمها وضعف القناعة لدیهم بسبب مخاوف نفسیة وصحیة إضافة إلى میل الإنسان لمقاومة التغییر.

الفرع الثالث: المعوقات المالیة

- عدم توافر الاعتمادات المالیة اللازمة لتنفیذ برامج الإدارة الالكترونیة من حیث إنشاء البنیة الأساسیة التكنولوجیة (من أجهزة الحاسب الآلي وشبكات محلیة وعالمیة وبرمجیات)، وخاصة إذا كان التمویل یتم من اعتماد إجمالي مخصص لأغراض متعددة، كما أن تنفیذ هذه البرامج یمتد لأكثر من سنة مالیة مما یتطلب موازنات طویلة الأجل تتعارض مع مبدأ سنویة الموازنة.

- قلة الموارد المالیة اللازمة لتوفیر البنیة التحتیة فیما یتعلق بشراء الأجهزة والبرامج الذكیة، ومجالات تطویر الأجهزة الالكترونیة وانشاء المواقع ربط الشبكات، وكذا ارتفاع تكالیف خدمة الصیانة لأجهزة الحاسبات الآلیة، ونقص أو عدم وجود موظفین في مجال الصیانة،

- قلة أو عدم تخصیص أموال لتدریب العاملین في مجال النظم المعلوماتیة،

الفرع الرابع: المعوقات الفنیة والتقنیة

- ارتفاع تكلفة تطویر النظم الالكترونیة والذكیة وكذا قلة المختصین في المجال،

- ضعف التقنیات التكنولوجیة باللغة العربیة، مما یصعب استعمال اللغة العربیة باعتماد نظم الكترونیة أجنبیة،

- صعوبة فرض تعلم التقنیات التكنولوجیة الحدیثة على الموظفین المقاومین للتكنولوجیا،

- عدم الثقة في حمایة سریة وأمن التعاملات الإلكترونیة،

تداخل المسؤولیات وضعف التنسیق بین الإدارات في الجهة الواحدة، مما یصعب عملیة إعادة هندسة الاختصاصات ورقمنة الإجراءات الإداریة، مما یناسب التحول الالكتروني.

المطلب الرابع: أهداف تطبیق الإدارة الإلكترونیة

إن أهداف الإدارة الإلكترونیة تشبه الى حد كبیر أهداف الإدارة الجیدة، ویمكن التمییز بین أهداف كل من العملیات المؤداة داخلیاً، والأهداف المرتكزة على الأعمال الخارجیة المقدمة لجمهور المتعاملین، فالأهداف المرتكزة على العملیات الداخلیة غیر ظاهرة للمتعاملین، وتتمثل في تسهیل العمل الإداري بسرعة، في إطار الشفافیة، وامكانیة المحاسبة والمساءلة، مع تحقیق كفاءة الموظفین وفعالیة عملیات واجراءات أداء أنشطة الإدارة ویساهم هذا التوجه في توفیر تكلفة الأعمال وتقدیم الخدمات بطریقة متمیزة. أما أهداف الإدارة الإلكترونیة الخارجیة فإنها توجه نحو تحقیق حاجات المجتمع وتوقعاته بطریقة مرضیة عن طریق تبسیط التفاعل والتعامل مع الخدمات الالكترونیة المتاحة.

تتمثل الأهداف المتوخاة من عملیة التحول الالكتروني في تحقیق النقاط التالیة:

1/ رفع مستوى الكفاءة والفعالیة للعملیات والإجراءات داخل القطاع الحكومي وذلك عن طریق: (داخلي)

- تحسین مستوى الكفاءة في استخدام وتوظیف تقنیات المعلومات،

- الاستفادة من التجارب الرائدة في أداء الأعمال،

- الدقة في انجاز الوظائف الإداریة المختلفة.

2/ تقلیل التكالیف الحكومیة عن طریق: (داخلي)

- تحسین وتطویر وهندسة إجارءات الأعمال،

تسهیل تدفق وسریان الأعمال بشفافیة وسهولة عالیة،

- تقلیل الإجراءات والمعلومات المكررة ضمن سلاسل حلقات الأعمال،

- تشجیع الوحدة والتكامل والتبادل الاني للبیانات.

3/ رفع مستوى رضا المستفیدین من الخدمات التي تقدم لهم، وذلك عن طریق (خارجي):

- تسهیل استخدام الخدمات الحكومیة،

- تقلیل الوقت المستغرق في حصول المستفید على الخدمة التي یحتاج إلیها،

- تقدیم بیانات دقیقة وفي الوقت المناسب حسب الحاجة،

4/ مساندة برامج التطویر الاقتصادي عن طریق (خارجي):

- تسهیل التعاملات بین القطاعات الحكومیة وقطاعات الأعمال،

- تقلیل تكالیف التنسیق والمتابعة المستمرة،

- زیادة الفرص الوظیفیة،

- زیادة العوائد الربحیة للتعاملات الحكومیة مع قطاع الأعمال،

- تشجیع بناء ونشر بیانات تحتیة لتقنیة المعلومات عالیة الكفاءة،

- فتح فرص استثماریة جدیدة خاصة بقطاع المعلومات،

- تحقیق درجة عالیة من التكامل بین المشاریع الحكومیة والقطاعات الخاصة في ما یخدم الاقتصاد الوطني.

وهناك أهداف أخرى

- تنمیة مهارات القیادات الإداریة وزیادة الإنتاجیة والتغلب على البطالة المقنعة والهیكلیة، واعادة تأهیل العمالة الحكومیة وتغییر تلك الصورة التي ترسخت عن الموظف العمومي، ولیس هو بالطبع المسؤول الأول عنها، من حیث تدني مستوى الأداء، واحتماؤه بالروتین، وطاعته الشكلیة لرؤسائه، وافتقاده لروح المبادرة والابتكار. زیادة فاعلیة مراكز دعم اتخاذ القرار حیث تواجه صعوبات جمة في تجمیع البیانات، وما زالت الحكومات العربي لا تأخذ ما تقدمه لها هذه المراكز على محمل الجد.

- مكافحة مظاهر الفساد والتسیب على اختلاف أنواعه، من فساد الذمم إلى المحسوبیة والإهمال الإداري والسلبیة، علاوة على محاربة العنف المكتبي المتمثل في قهر العاملین والتعنت مع المتعاملین،

- توفیر وسائل الرقابة الذكیة لضبط الأداء الحكومي بتطبیق مبدأ: اتخاذ الإجراءات الوقائیة لا اكتشاف الأمور بعد أن یقع المحظور، كعهدنا بالرقابة الإداریة التقلیدیة التي عادة ما تعتمد على تقرایر المراجعة للحسابات الختامیة. تتطلب هذه الرقابة الذكیة من نظم الحكومة الالكترونیة توفیر وسائل عملیة للكشف عن التنظیمات غیر الرسمیة التي عادة ما تنشأ نتیجة قصور التنظیمات الرسمیة، و"تطویق" الفساد من منافذ تسربه المختلفة، والذي یعتمد – بصورة أساسیة – على "تطویقه معلوماتیا" من خلال تعریته من داخل المؤسسة وخارجها.

المرجع:

  1. د. ربيع نصيرة، محاضرات في الإدارة الإلكترونية، مطبوعة محاضرات موجهة لطلبة الماستر 1 تخصص قانون إداري، جامعة آكلي محند أولحاج -البويرة ، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2019/2020، ص15 إلى ص32.
google-playkhamsatmostaqltradent