الحماية القانونية للحق

الحماية القانونية للحق

الحماية القانونية للحق

تعتبر الحماية القانونية للحق عنصرا مهما له، ففي حالة وجود تجاوز على الحق يضمن القانون لصاحبه الوسائل القانونية الكفيلة بدفع التعرض الصادر من الغير، وهي الدعوى أو الدفع أمام القضاء، ومن البديهي أن كل حق يقابله واجب بعدم الاعتداء عليه ولا فرق بين أنواع الحقوق من حيث الحماية، وعلى ذلك فإن الشخص لا يستطيع أن يمارس السلطات التي تمنح له إلا إذا أقر له القانون بذلك، وقد يتعرض الحق للإنكار من جانب من يطالب فيه فيضطر صاحبه إلى الدفاع عن حقه ،وقد يرفض المدين أداء الحق الذي للدائن بذمته طواعية أو قد يتعرض هذا الحق للاعتداء عليه من جانب الغير، عندئذ يكون الحق في حاجه إلى الحماية القانونية.

إن أمر حماية الحق وتيسير حصول صاحبة عليه يناط بالسلطة القضائية والتي يطرح أمامها النزاع الذي يثور حول الحق ليفصل فيه القاضي بحكم، كما ينقضي الحق ويزول.

ويقصد به فقد السيطرة عليه، أو بوفاة المالك أو بعض الحالات التي حددها القانون، ولكن في النهاية تنتهي بعض الحقوق وفقا لطبيعة الأشياء محل الحق أو لما قرره القانون لذلك.

وعليه وفي إطار هذا المبحث تطرقت إلى وسائل حماية الحق بوجه عام والوسائل المستعملة في ذلك المطلب الأول، ثم تناولت وسائل حماية الحقوق بشكل خاص وهذا في المطلب الثاني.   

المطلب الأول: وسائل حماية الحق بوجه عام

بما أن الدعوى القضائية هي الوسيلة لحماية الحق بحيث لا تكون له قيمة إذا تجرّد من دعوى تحميه، وأن هذه الأخيرة لا توجد إلا به، فقد ذهب الفقه التقليدي إلى اعتبار الدعوى هي الأداة التي تحميه، فالحق الموضوعي كحق الملكية، أو الحق في جبر الضرر، أو حق الدائنية، يبقى هادئا إلى أن يعتدى عليه فينشط  ويأخذ صورة الدعوى من أجل الحصول على تقرير الحق أو حمايته، والواقع أن الارتباط وثيق للغاية بين الحق الموضوعي والدعوى التي تحميه، إلا أن ذلك لا يعني أنهما شيء واحد، فهما مختلفان من حيث السبب والموضوع.

فسبب الحق هو الواقعة القانونية المنشأة له كالعقد أو الإرادة المنفردة، أو العمل غير المشروع أو الإثراء بلا سبب، أما سبب الدعوى فهو الاعتداء على الحق، أو هو النزاع بين الخصوم، وموضوع الحق هو المنفعة التي يخولها القانون لصاحب الحق، أما موضوع الدعوى فهو الحصول على قرار من المحكمة بما يدعيه ممارسها أو بدحض هذا الإدعاء. 

فإذا استعمل الشخص حقه في الحدود المنصوص عليها في القانون ووفقا لما هو وارد فإن هذا الشخص يحضى بالحماية المقررة له من قبل القانون، ويمنح لصاحبه حمايته بكل الوسائل المقررة لذلك من حبس الشيء واللجوء إلى القضاء، حيث تعتبر الدعوى الوسيلة القانونية القضائية الأساسية للوصول إلى حماية الحق.

وعليه أتطرق إلى الدعوى القضائية في الفرع الأول، ثم أتناول بعد ذلك الدفوع في الفرع الثاني.

الفرع الأول: الدعوى القضائية وشرط رفعها

الدعوى هي وسيلة حماية الحق، والتي يرجع إليها المدعي لتحريك القضاء للحصول على تقرير حقه أو حمايته، والدعوى التي يحرّكها الشخص للدفاع عن حقه، إمّا دعوى مدنية أو جزائية، ومن خلال هذا الفرع تطرقت إلى الدعوى المدنية أولا، ثم تناولت الدعوى الجزائية ثانيا.

أولا- الدعوى المدنية:

يلجأ من تعرض حقه للاعتداء إلى القضاء بواسطة الدعوى المدنية عارضا قضيته أمام القاضي المدني لأجل دفع هذا الاعتداء، فما المقصود بالدعوى المدنية، وما شروطها؟.

1- تعريف الدعوى المدنية:

الدعوى المدنية هي "مطالبة المضرور بتعويض ما أصابه من ضرر شخصي بفعل الغير عن طريق القضاء" كما تعرف كذلك بأنها هي" الوسيلة الفنية أو الإجرائية التي يطرح بها النزاع على القضاء".

أي أن الدعوى المدنية تهدف للمطالبة باستعادة الحق أو حمايته، وتعتبر الوسيلة المشروعة للتعبير عن الرغبة في الدفاع عن الحق واللجوء إلى القضاء طالبا منه تقرير حق له أو منع اعتداء عليه في مواجهة من ينكر أو يعتدي عليه ،باعتبارها السلطة المخولة لشخص للحصول على حماية حقه عن طريق تطبيق القانون، ٳما الاعتراف بحق متنازع عليه ،أو الحكم على الخصم ومباشرة إجراءات التنفيذ، وٳما الحصول على تدابير تحفظية أو مؤقتة، ويرفع صاحب الحق دعواه أمام المحاكم المدنية وتختلف هذه الأخيرة باختلاف نوع الحق المراد حمايته إن كان عينيا أو شخصيا.

2- شروط الدعوى القضائية:

إذا كان حق رفع الدعوى مكفولا للناس كافة إلا أن المشرع قيده بشروط معينة لذلك يجب على القاضي البحث في مدى توافرها قبل الخوض في موضوعها، ويترتب عن تخلفها التصريح بعدم قبول الدعوى شكلا، ولا يعد ذلك فصلا في موضوع النزاع، وقد أ وردها المشرع الجزائري في المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية والتي تنص على "لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم تكن له الصفة، وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون، يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة في المدعي أو المدعى عليه، كما يثير تلقائيا انعدام الإذن إذا اشترطه القانون". 

وعليه فكل مدعي ملزم بإثبات صفته ومصلحته في رفع دعوى ويتأتى ذلك بإرفاقه للوثائق والمستندات، وكذا الأدلة الكافية التي تثبت وجود الحق المطالب به وعلاقته بالمدعى عليه.

أ‌- الصفة:

يقصد بالصفة صلاحية الشخص لمباشرة إجراءات التقاضي، أي تلك العلاقة أو الرابطة القائمة بين أطراف الدعوى وموضوعها ،إذ تتمثل الصفة فيها في الشخص صاحب الحق الذي له مصلحة قانونية مباشرة في رفع الدعوى القضائية لحماية هذا الحق، ولكل من الخلف أو الدائن الذي يستعمل الدعوى الغير المباشرة الصفة، على شرط أن تكون الدعوى قابلة للانتقال بالنسبة للخلف.

تعتبر الصفة المركز القانوني للشخص الذي يمنح له الحق في المطالبة بحق معين، إذ أن المدعي يكون في مركز المعتدى عليه إذ يجب عليه أيضا أن يتمتع بصفة التقاضي، أي بالسند القانوني الذي يمنحه القدرة على الادعاء، وأما خصمه المدعى عليه فيعتبر في مركز المعتدي، وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن أغلب الفقهاء يشترطون توفر الصفة في المدعي والمدعى عليه على حد سواء ومؤكدين على أن الدعوى يجب أن ترفع من ذي صفة على ذي صفة، وهذا ما نصت عليه المادة سالفة الذكر، وقد يمنح القانون شخصا آخر غير صاحب الحق أو نائبه الحق بمطالبة المدين بالدين، كما لو كان للمدعي مصلحة شخصية في رفع الدعوى، مثال ذلك الدائن الذي يستعمل حقوق مدينه عن طريق الدعوى غير المباشرة.

ب‌- المصلحة:

حتى تقبل الدعوى يجب أن تكون المصلحة المحتج بها ذات أهمية، خاصة إذا تعلق الأمر بمصلحة معنوية، وهكذا إذا استجاب قاضي الدرجة الأولى لكل طلبات المدعي، فإن هذا الأخير لا يمكنه استعمال طريق من طرق الطعن لانعدام المصلحة، وقد تكون بعض الأحكام غير قابلة للطعن لانتفاء المصلحة وعدم وقوع ضرر.

وهي الفائدة المشروعة التي يرمى المدعي إلى تحقيقها بالالتجاء إلى القضاء، فيقصد بها الفائدة العملية التي تعود على رافع الدعوى، والا اعتبرت مجرد دعوى كيدية والأصل أن تكون المصلحة قائمة وحالية حتى تقبل الدعوى ،والاستثناء هو قبول المصلحة الاحتمالية في أحوال معينة فقط، كما يشترط في المصلحة أن تكون قانونية بمعنى أن يتم فعلا هذا الاعتداء، كما يجب أن تكون المصلحة مشروعة ولا تخالف النظام العام والآداب العامة.

ثانيا- الدعوى الجزائية:

الأصل أن ترفع الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية باعتبارها ترمي لحماية حق مدني أي حق خاص، لكن قد يحصل اعتداء أساسه المسئولية الجنائية، أي في الحالة التي لا يقتصر فيها الاعتداء على صاحب الحق وحده، بل يتعداه ليمس أمن المجتمع واستقراره، كما بالنسبة للاعتداء على حق الشخص في السلامة الجسدية واغتصاب الأموال، ففي هذه الحالة يكون للنيابة العامة بوصفها ممثلة للمجتمع أن تتولى تحريك الدعوى العمومية وهدفها حماية المصلحة العامة للمجتمع، عن طريق تعقب المعتادين وتوقع العقاب عليهم زجرا لهم وردعا لغيرهم، سواء تعلقت بالأشخاص أو الأموال، أو مست حقوق عينية أو شخصية أو ذهنية. 

1- تعريف الدعوى الجزائية:

تعرف الدعوى الجزائية بأنها هي "الدعوى التي تقام أمام المحكمة باعتبار أم موضوعها هو أحد الأفعال المعاقب عليها حسب قانون العقوبات وتخضع قواعد السير فيها وتنظيمها لقانون الإجراءات الجزائية". 

أي أنها الدعوى المرفوعة أمام القضاء الجنائي بغرض الحصول على تعويض عن الأضرار التي تسببت فيها الجريمة، وهي تبعية الدعوى المدنية للدعوى العمومية أو الجنائية، من حيث الإجراءات المتبعة بشأنها ومن حيث مصيرها، حيث تخضع الدعوى الجزائية لقانون الإجراءات الجزائية وليس لقانون الإجراءات المدنية، أي اختصاص القضاء، وذلك لأن هذه الدعوى تهدف إلى حماية الصالح العام، ولكن هذا لا يمنع من لحقه ضرارً من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيا بحقوقه وذلك لإصلاح ما أصابه من ضرر ويكون ذلك عن طريق هذه الدعوى.  

2- شروط تحريك الدعوى الجزائية:

لكي تكون للمحاكم الجزائية سلطة الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية المرفوعة تبعا لها يجب أن يكون هناك دعوى جزائية مرفوعة بشأن وقائع وأفعال يجرمها القانون ويعاقب على اقترافها. فإذا انعدم الركن الشرعي للجريمة فإن الدعوى المدنية التبعية لا تنشا أصلا وفق ما تقتضيه الفقرة 4 من المادة 3 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على ما يلي "تقبل دعوى المسؤولية المدنية عن كافة أوجه الضرر سواء كانت مادية أو جسمانية أو أدبية مادامت ناجمة عن الوقائع موضوع الدعوى الجزائية". 

يعتبر الضرر جسمانيا ما لحق بالمتضرر من عجز بدني أو تعطيل عن العمل، كما يمكن أن يكون الضرر معنويا أو ماديا، وعليه فان الدعوى العمومية لكي تكون مقبولة أمام القضاء الجزائي يجب أن تتوافر على الشروط التالية:

- أن تكون هناك جريمة قد وقعت فعلا وأن يكون الضرر الذي لحقه ناشئا عن الجريمة التي اختص القضاء الجنائي بالنظر في دعواها. 

- أن تثبت نسبتها إلى المتهم والذي يكون قد أصاب المدعي من الضرر مباشر بسبب الفعل الإجرامي الذي أرتكبه المتهم.

- ضرورة تحريك الدعوى العمومية من قبل المجني عليه، وفي الغالب وحسب ما جرى عليه العرف يتم تقديم شكوى مصحوبة بإدعاء مدني أمام السيد قاضي التحقيق، مكتوبة وموقعة ومؤرخة وتتضمن عرضًا مختصراً عن الوقائع.

- أن يكون التعويض المطلوب مبنيا على ذات الفعل المرفوعة به الدعوى، فإذا حكم ببراءة المتهم من الجريمة المنسوبة إليه تحكم المحكمة الجزائية بعدم اختصاصها في الفصل في الدعوى المدنية ذلك أن سبب حصول الضرر في معرض الحال هو الجريمة المسندة للجاني.

3- الآثار القانونية المترتبة على رفع الدعوى أمام القضاء الجزائي: 

تكون الدعوى المدنية في هذه الحالة مرتبطة بالدعوى الجزائية، حيث يمنح القانون للطرف الذي لحقه ضرر الحق في اللجوء إلى القضاء الجزائي للفصل في الدعوى المدنية وهذا لعدة أسباب أهمها:

- يتميز القضاء الجزائي بالسرعة في مباشرة إجراءات الفصل في الدعوى من القضاء المدني. 

- يعتبر قاضي القضايا الجزائية أكثر إحاطة بظروف نشوء الضرر بسبب تحقيقه المعمق في الفعل الإجرامي في ذاته، فيسهل عليه تقدير التعويض المدني بما يتلائم مع ما وقع من خطأ من الفاعل وما أصاب المدعي من ضرر.

ويترتب عن هذا الارتباط عدة نتائج أهمها

- وقف المحكمة المدنية في النظر إلى دعوى التعويض المطروحة أمامها بمجرد أن تحرك النيابة العامة الدعوى العمومية إلى حين الفصل في الدعوى الجزائية.

- استئناف المحكمة المدنية لمباشرة إجراءات الفصل والحكم في الدعوى المدنية المطروحة أمامها بعد صدور حكم نهائي يكون قد فصل في الدعوى الجزائية.

الفرع الثاني: الـدفـوع 

يقصد بالدفوع بصفة عامة هي السبل أو الوسائل الدفاعية التي يجوز للخصم المدعي أو المدعي عليه أو الخصم المدخل في الخصام اللجوء إليها للرد على ادعاءات خصمه ليتفادى الحكم عليه وفق طلب خصمه، وفي مجال الإجراءات المدنية يقصد بالدفع الإمكانات التي يمكن أن يلجأ إليها طرف الدعوى طاعنا بمقتضاها في سلامة إجراء الخصومة دون المساس بأصل الحق. 

أولا- الدفوع الموضوعية:

توجه إلى ذات الحق المدعى به بغرض الحكم برفض الدعوى كليا أو جزئيا، ويرمي بهذا إلى رفض طلبات المدعي كلها أو بعضها، كأن ينكر وجود الحق أو يزعم سقوطه أو انقضاؤه، ولقد عرفها المشرع الجزائري في المادة 48 من قانون الإجراءات المدنية بنصها "الدفوع الموضوعية هي وسيلة تهدف إلى دحض ادعاءات الخصم، ويمكن تقديمها في أي مرحلة كانت عليها الدعوى". 

ثانيا- الدفوع الشكلية:

طبقا لنص المادة 49 من قانون الإجراءات المدنية بنصها "فالدفوع الشكلية هي كل وسيلة تهدف إلى التصريح بعدم صحة الإجراءات أو انقضاءها أو وقفها". 

وهذا النوع من الدفوع لا يمس بأصل الحق وانما الغرض منه تأجيل الفصل في الموضوع لغاية استيفاء الشكل الصحيح، فقد نصت المادة 50 من نفس القانون على أنه "يجب إثارة دفوع الشكلية في آن واحد قبل إبداء أي دفاع في الموضوع".  

واذا لم يتطرق الدافع للدفوع الشكلية وأبد دفاعه مباشرة في الموضوع فيعد ذلك تنازل ضمني عن إبداء الدفع في الشكل، ويعد تسليما بصحة الشكل، إلاّ أن هناك استثناءات عن هذه القاعدة إذا كان الشكل يتعلق بالنظام العام، ومن بين الدفوع الشكلية المتعلقة بالنظام العام الدفوع المتعلقة بانتقاء الصفة والمصلحة، الدفوع المتعلقة بعدم الاختصاص النوعي. 

ثالثا- الدفع بعدم القبول:

الدفع بعدم القبول هو وسيلة يتمسك بها الخصم لبيان انتفاء شروط قبول الدعوى، ونصت المادة 67 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي "الدفع بعدم القبول، هو الدفع الذي يرمي إلى التصريح بعدم قبول طلب الخصم لانعدام الحق في التقاضي، كانعدام الصفة وانعدام المصلحة والتقادم وانقضاء الأجل المسقط وحجية الشيء المقضي فيه، وذلك دون النظر في موضوع النزاع ". يستفاد من هذا النص أن رفض كل ما يقدمه المدعى من طلبات من طرف المدعى عليه وعدم قبولها من جهة، ومن جهة ثانية لفت انتباه القاضي بعدم النظر في موضوع القضية.

كما يمكن للخصوم تقديم دفوع شكلية في أي مرحلة كانت فيها الدعوى، وهذا ما نصت عليه المادة 68 من القانون المذكور أعلاه، حيث نصت على ما يلي "ويمكن للخصوم تقديم الدفع بعدم القبول في أي مرحلة حتى ولو بعد تقديم الدفوع من الموضوع".

المطلب الثاني: وسائل حماية الحقوق بوجه خاص

تختلف الحماية التي يقررها القانون باختلاف نوع الحق المراد حمايته، من حيث موضوعها عن الحقوق، فهناك وسائل خاصة بالحقوق الملازمة للشخصية، تثبت للإنسان الحقوق التي تكفل سلامة كيانه المادي كحقه في الحياة مثلا، حيث يستطيع الشخص الدفاع عن كيانه المادي ويمنع الآخرين على المساس به أو الاعتداء عليه، كما يخطر الاعتداء على الإنسان بالتعذيب أو الجرح أو ما شابه ذلك، ويترتب على اعتداء الغير على حق الشخص في سلامة كيانه المادي نوعان من المسئولية والتي تم التطرق إليهما سلفا.

وهناك وسائل خاصة بالحقوق الشخصية والعينية، فالدعاوى العينية تستعمل لحماية جميع الحقوق العينية، سواء كانت أصلية كحق الملكية أو الحقوق التي تتعلق بحق الملكية مثل، حق الانتفاع أو حق الاستعمال وكانت حقوق عينية تبعية كحق الرهن، وحق الارتفاق، والدعوى العينية لها جانبان، قد يكون استعمالها إيجابيا إذا كان يرمي إلى المطالبة بحق عيني، ويكون استعمالها سلبيا عندما تكون تهدف إلى دفع كل مطالبة بحق غير ثابت لعدم وجوده، ووسائل خاصة بالحقوق المعنوية كالحق في الشرف والسرية، وهذه الحقوق تكفل له احترام سمعته وشرفه واعتباره وكرامته من التعدي والإيذاء من طرف الغير وهي مشمولة بالحماية القانونية.

وعليه ومن خلال هذا المطلب تطرقت إلى وسائل حماية الحقوق الملازمة للشخصية في الفرع الأول، ثم تناولت بعد ذلك حماية الحقوق الشخصية والعينية في الفرع الثاني.

الفرع الأول: وسائل حماية الحقوق الملازمة للشخصية 

إن الاعتداء على الحقوق الملازمة للشخصية توجب المسائلة القانونية للمعتدي، وتعد الحماية القانونية للحق عنصرا مهما له، ففي حالة الاعتداء على الحق يضمن القانون لصاحبه الوسائل القانونية الكفيلة بدفع التعرض الصادر من الغير، وهي الدعوى أمام القضاء للدفاع عن حقه، ومن بين هذه الوسائل، دعوى وقف الاعتداء أولا، دعوى المسؤولية المدنية ثانيا.   

أولا- دعوى وقف الاعتداء:

للشخص المعتدى عليه في حق من حقوقه الشخصية يتيح له القانون أن يرفع دعوى قضائية يطالب فيها بوقف هذا الاعتداء، وفي هذا الشأن تنص المادة 47 من القانون المدني على ما يأتي "لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصه أن يطلب وقف هذا الاعتداء والتعويض عما يكون قد لحقه من ضرر"، أي أن لكل شخص تعرض لمثل هذا النوع من الاعتداء اللجوء إلى القضاء لوقف هذا الاعتداء.

ومن الحقوق الشخصية نذكر تلك الحماية التي قررها القانون لصاحب الحق، ومثال ذلك دفع الاعتداء ضد من اغتصب اسمه واستعمل اسمه بدون مبرر، أو نازعه في استعمال اسمه بغير وجه حق، فتتحقق الحماية القانونية للحق عن طريق اللجوء إلى القضاء واستصدار الحكم به، وذلك عن طريق رفع دعوة قضائية من طرف صاحب الحق أمام المحكمة المختصة إذ لا يمكن لأي شخص أن ينتزع حقه بيده فلا حق بدون دعوى قضائية تحميه.

ثانيا- دعوى المسؤولية المدنية: 

إن الاعتداء على الحقوق الملازمة للشخصية لا يخول صاحبها رفع دعوى قضائية موضوعها وقف هذا الاعتداء فحسب، بل تقام في الكثير من الأحيان المسؤولية التقصيرية للمعتدي بناء على نص المادة 124 من القانون المدني الجزائري القائمة على الخطأ التي تنص على ما يأتي "كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه، ويسبب ضرار للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض".

ففي أغلب الأحيان تكون الاعتداءات أخطاء بمفهوم الخطأ في المسؤولية للضحية مصدر ضرر مادي أو معنوي، وفي كثير من الأحيان تكون علاقة السببية بين الخطأ والضرر واضحة غير معترض عليها. 

الفرع الثاني: حماية الحقوق الشخصية والعينية 

وهي الدعاوى التي يتناول موضوعها الحقين معا، الحق العيني والحق الشخصي، وعادة ما يكون نطاق تطبيقها هي العقود الواردة على نقل ملكية أشياء، بحيث ينبثق عنها حق عيني على الشيء وحق شخصي ناشئ عن العقد، فتعتبر دعوى مختلطة تلك التي تهدف إلى تنفيذ عقد قائم على حق عيني، كدعوى المشتري على البائع بتسليم المبيع تنفيذا لعقد البيع المسجل.

فهي دعوى تستند إلى حق الملكية الذي آل اليه نتيجة العقد، وأيضا إلى الالتزام بالتسليم ويقابله حق شخصي الذي رتبه العقد على عاتق البائع، فحق الملكية هو حق عيني بينما الالتزام بالتسليم يقابله حق شخصي أيضا، تعتبر الدعوى مختلطة تلك التي تهدف إلى إبطال العقد السابق او فسخه كدعوى البائع على المشتري بفسخ العقد ورد المبيع، فالحق في الفسخ حق شخصي بينما استرداد ملكية المبيع هو حق عيني.

وعليه ومن خلال هذا الفرع تطرقت، إلى حماية الحقوق الشخصي أولا، ثم تناولت حماية الحقوق العينية ثانيا. 

أولا- حماية الحقوق الشخصية: 

من البديهي أن كل حق يقابله واجب عام بعدم الاعتداء عليه، فإنه إلى جانب ذلك يوجد في حق الشخص واجب خاص يقع على عاتق المدين بعدم الاعتداء على حق الدائن، ومن ثم كانت حماية الحق الشخصي مشمولة من ناحية المدين أولا، و من ناحية الغير ثانيا.

1- من ناحية المدين:

الأصل أن ينفذ المدين التزامه بصورة اختيارية، وهو ما يعرف بالتنفيذ الاختياري، ولكن إذا امتنع عن ذلك استطاع الدائن، صيانة حقه، وذلك أن يجبره على تنفيذ عين ما التزم به وهو ما يسمى بالتنفيذ العيني الجبري، ويشترط في هذه الحالة أن يكون التنفيذ العيني ممكنا وغير مرهقا للمدين، وعلى ذلك إذا أصبح هذا التنفيذ غير ممكن بفعل المدين أو مرهقا له، بشرط ألا يلحق الدائن ضرراً جسيمًا من جراء العدول عن التنفيذ العيني، مالم يكن هناك مناص للدائن من أن يقنع بالتنفيذ بمقابل أي عن طريق التعويض.

2- من ناحية الغير: 

إذا اعتدى الغير على حق الدائن كان اعتداؤه هذا، في نظر القانون خطأ لأنه إخلال بالواجب العام الملقى على عاتق كافة الناس باحترام حق الدائن وعدم التعرض غليه، فإذا لحق الدائن ضرر من جراء هذا الاعتداء عليه كان له أن يطالب الغير المعتدي بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية، ومثال ذلك تحريض صاحب عمل العامل الذي يعمل لدى آخر منافس له على ترك العمل لديه ليعمل لدى الاول. 

ثانيا- حماية الحقوق العينية:

إن حماية الحق العيني باعتباره استئثاراً مباشراً يقره القانون لشخص معين يخوله التسلط على شيء مادي معين بالذات، يتم في الإطار الذي وضعه له القانون عبر ثلاثة أنواع من الدعاوى القضائية والتي بواسطتها يحضى بالحماية المقررة وهى: الدعوى العينية، دعوى الحيازة، الدعوى الشخصية.

1- الدعوى العينية:

تكون الدعوى عينية إذا كان المقصود منها حماية حق عيني، أي إذا كان المدعي يدعي حقا عينيا ويريد حماية هذا الحق، ومثال ذلك دعوى الاستحقاق والدعاوى العينية تستعمل لحماية جميع الحقوق العينية، سواء كانت أصلية كحق الملكية أو الحقوق التي تتعلق بحق الملكية مثل: حق الانتفاع أو حق الاستعمال وكانت حقوق عينية تبعية كحق الرهن، وحق الارتفاق. والدعوى العينية لها جانبان، قد يكون استعمالها إيجابيا إذا كان يرمي إلي المطالبة بحق عيني، ويكون استعمالها سلبيا عندما تكون تهدف إلى دفع كل مطالبة بحق غير ثابت لعدم وجوده.

2- دعاوى الحيازة: 

الحيازة هي السيطرة الفعلية لشخص على شيء ما أي أن يكون هذا الشيء تحت سيطرة الحائز الفعلية، وله أن يستعمل هذا لحق عيني باعتباره مالكا للشيء أو صاحب الحق العيني عليه ولها عنصرين:

أ- عنصر مادي:

يتمثل في سلطة مباشرة الأعمال المادية التي يقوم بها عادة من له الحق على الشيء كالسكن في المنزل أو زراعة الأرض، وجني ثمارها، بمعنى أن هذا العنصر يتحقق من خلال ممارسة الحائز لأعمال مباشرة على الشيء، فيكون في نظر الغير مثل المالك الظاهر الذي يبسط سيطرة مادية على الشيء دون عرقلة أو نزاع من الغير، وبالنتيجة فان هذا العنصر أساسي لا تقوم الحيازة من دونه، ولا يستقيم عند غيابه العنصر الأخر أي العنصر المعنوي.  

ب- عنصر معنوي:

ويتمثل في نية الحائز في استعمال الحق العيني لحسابه الخاص بصفته مالك الشيء وفي حالة انتفاء هذا العنصر المعنوي نكون أمام مجرد حيازة مادية أي بناءًا على سند قانوني يقدمه صاحب الحق إلى شخص ما لحيازة الشيء موضوع الحيازة ويلتزم هذا الأخير برد الشيء إلى مالكه فيما بعد مثل: عقد الإيجار والرهن الحيازي، بمعنى ينبغي في هذا العنصر توافر إرادة حقيقية للحائز في الارتفاع بالشيء، وبالنتيجة إذا توافرا العنصرين فإن الحيازة تكون قانونية وحقيقية ولذلك يحميها القانون عن طريق الدعوى القضائية المناسبة.  

3- الدعوى الشخصية: 

تكون الدعوى شخصية إذا كانت تهدف إلى حماية حق شخصي، أي إذا كان المدعي يستند في طلبه إلى حق شخصي وبطلب من القاضي تقديره أو حمايته، ومثال الدعوى الشخصية دعوى الدائن على المدين عند عدم الوفاء بالتزاماته، أو دعوى المؤجر على المستأجر بمطالبته أجرة الإيجار، فإذا تعذر ذلك فإنه لا يكون للدائن إلا أن يطالب بالتعويض وهذا التعويض يشمل ما أصاب الدائن من خسارة وما فاته من كسب بسبب عدم التنفيذ، أي أنه وفي الغالب تهدف الدعوى الشخصية إلى الحصول على المال.

المرجع:

  1. د. غنيمي طارق، نظرية الحق، مطبوعة مقدمة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة أكلي محند أولحاج- البويرة-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر ، السنة الجامعية: 2020/2021، ص72 إلى85. 
google-playkhamsatmostaqltradent