أطراف الجنسية والطبيعة القانونية للعلاقة بينهم

أطراف الجنسية والطبيعة القانونية للعلاقة بينهم 

أطراف الجنسية والطبيعة القانونية للعلاقة بينهم

يتناول هذا الجزء من الدراسة تحديد أطراف رابطة الجنسية (المطلب الأول)، ثم توضيح طبيعة العلاقة القانونية بين تلك الأطراف (المطلب الثاني).

المطلب الأول: أطراف رابطة الجنسية

طرفا رابطة الجنسية هما الدولة من جهة (الفرع الأول)، والفرد من جهة أخرى (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الدولة

يتطلب الأمر بداية تحديد المقصود بالدولة، ثم تحديد ما إذا كانت الدولة تتمتع بحرية مطلقة في وضع قوانين جنسيتها ام انها مقيدة في ذلك.

أولا: مدلول الدولة

يقصد بالدولة كطرف مانح للجنسية تلك الدولة التي تعد شخصا من أشخاص القانون الدولي العام، فالدولة وحدها من تملك منح الجنسية دون سواها، فلا يمكن للمنظمات الدولة او الكيانات الأخرى كالقبيلة أو المناطق الحرة الاقتصادية ان تمنحها، أما الرابطة التي تنشأ بين الأفراد والمنظمات الدولية فلا تعدو أن تكون مجرد رابطة تبعية إدارية تترجم في بعض الأحيان عن طريق إعطاء هذه المنظمات لموظفيها جوازات سفر تخول لهم التنقل من دولة إلى أخرى.

ويشترط في الدولة مانحة الجنسية أن تكون متمتعة بالشخصية الدولية، فالشخصية الدولية هي المعيار الحاسم، وهكذا لا يمكن للدولة الخاضعة للاستعمار أو المضمونة إلى دولة أخرى ان تمنح جنسيتها لافتقادها لشخصيتها الدولية كحال الجزائر مثلا إبان فترة الاستعمار الفرنسي.

غير أن اشتراط التمتع بالشخصية الدولية في الدولة، لا يعني بالضرورة أن تكون مكتملة السيادة، بدليل أن الدولة ناقصة السيادة يمكنها منح الجنسية مادامت محتفظة بالشخصية الدولية، وهناك مجموعة من الأمثلة تبرز ذلك لهذا النوع من الدول كسوريا خلال فترة الإنتداب الفرنسي، فرضوخها تحت الحماية الفرنسية إلى غاية سنة 1946 لم يمنعها من إصدار قانون جنسيتها بتاريخ 19/01/1925 والمرجع للوقوف على احتفاظ الدولة بشخصيتها القانونية الدولية التي تمكنها من منح جنسيتها هو السند الدولي الذي بموجبه انتقصت سيادتها.

إن الشخصية الدولية كمعيار حاسم لتقرير حق الدولة في منح جنسيتها، يمنع الولايات او الدوليات الداخلة في اتحاد فيدرالي من منح جنسيتها ما دامت لا تتمتع بالشخصية الدولية، فهذه الأخيرة تثبت فقط لدولة الإتحاد دون سواها، فلا نتصور مثلا وجود جنسية ولاية نيويورك وإنما هناك جنسية أمريكية لا غير.

كما أن جنسية الدولة تثبت لأفرادها دون تفرقة بين دولة كبيرة ودولة صغيرة، فلكل دولة جنسيتها المتميزة الخاصة بها أيا كان عدد سكانها او مساحتها، وأيا كان نظام الحكم السائد فيها.

ثانيا: حرية الدولة في تنظيم الجنسية

وحول حرية الدولة في تنظيم الجنسية، يسود في القانون الدولي العام مبدأ أساسي يعترف للدول بحرية تنظيم ومنح جنسيتها لوطنييها، ويظهر ذلك من خلال الدلائل التالية:

- ورد في اتفاقية لاهاي الخاصة ببعض المسائل المتعلقة بتنازع القوانين في الجنسية لتاريخ 12 أفريل 1930 بأن "لكل دولة أن تحدد بتشريعها من هم وطنييها".

- تضمن الرأي الاستشاري رقم (04) الصادر عن محكمة العدل الدولي الدائمة بتاريخ 7 فيفري 1923 (النزاع الفرنسي البريطاني بشأن المراسيم الخاصة بالجنسية في تونس والمغرب) بأن مسائل الجنسية تدخل في الوقت الراهن، وفقا لما تقدره المحكمة، وبحسب الأصل، ضمن نطاق الاختصاص الاستشاري للدولة، وكذلك ورد في الرأي الاستشاري رقم (07) لمحكمة العدل الدولي الدائمة بتاريخ 15/09/1923 بأنه "بصفة عامة، يكون لكل دولة ذات سيادة الحق في تحديد الأشخاص الذين تعتبرهم من مواطنيها".

- تكريس هذا المبدأ أيضا بموجب حكم العدل الدولية الصادر بتاريخ 6 أفريل 1955 في قضية "نوتيبوهم Nottebohm".

وإذا كانت القاعدة من حيث المبدأ هي الحرية، فهذا لا يعني تماما إطلاق يد الدولة لتنظيم جنسيتها على نحو مطلق دون ضوابط، فثمة قيود ذات مصدر اتفاقي إلى جانب قيود أخرى غير اتفاقية.

- القيود ذات المصدر الإتفاقي الدولي:

إذا كان الانضمام إلى الاتفاقية الدولية يكون بمطلق إرادة الدولة من حيث المبدأ، فإن هذه الحرية تتقيد بمجرد التوقيع أو التصديق على تلك الاتفاقية، إذ لا تملك الدولة التنصل من أحكام هذه الاتفاقية استنادا إلى قوانينها الداخلية. وفي الواقع غالبا من تعالج الاتفاقيات المعقودة في موضوعات الجنسية مشكلة تنازع الجنسيات الإيجابي (تعدد الجنسيات) أو التنازع السلبي (إنعدام الجنسية).

والجدير بالذكر أن معظم الدول تعمد في سبيل الوفاء بإلتزاماتها الدولية إلى النص على سريان الاتفاقيات التي تكون طرفا فيها حتى ولو تعارضت مع تشريعها الداخلي كحالة قانون الجنسية المصري رقم 26 لسنة 1975 (المادة 26). وهو نهج تبناه المشرع الجزائري على اعلى مستويات الهرم القانوني، حيث نصت المادة 132 من دستور 1996 على ان المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية تسمو على القانون.

- القيود غير الاتفاقية:

تشمل هذه القيود تلك المكرسة بموجب أعراف دولة او بموجب المبادئ العامة للقانون، وإن كانت صعبة التحديد والضبط، ومن أمثلة القيود ذات المنشأ العرفي ما ورد في المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بان "لكل فرد الحق في أن تكون له جنسية، ولا يجوز ان يحرم شخص بطريقة تعسفية من جنسيته، ومن حقه في تغيير جنسيته".

وأيضا هناك القيود التي تفرضها المبادئ العامة، ومنها:

- لا يحق للدولة أن تفرض جنسيتها على أفراد لا تربطهم بها رابطة نسب او إقليم بحجة انتمائهم إلى ذات الجنس أو الدين.

- لا يحق للدولة أن تفرض جنسيتها – بناءا على حق الإقليم – على أبناء الأشخاص المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية، ويكفي ليام المانع ان يكون أحد الوالدين متمتعا بتلك الحصانة مثلما تنص على ذلك اتفاقية لاهاي لعام 1930 في مادتها 12.

- يجب أن تكون الجنسية التي يحملها الشخص قانونا مستندة إلى رابطة فعلية تربط الشخص بإقليم الدولة التي يحمل تابعيتها، مثلما صاغت ذلك محكمة الدل الدولية في قضية "نوتيبوهم".

الفرد الثاني: الفرد

بإعتبار الفرد يصلح لأن يكون طرفا في أية علاقة قانونية، وبإعتباره هو المساهم في تكوين شعب الدولة، فالجنسية ترتبط به ارتباطا حقيقيا.

ومن المسلم به بأن الشخص الذي يصلح لأن يكون طرفا في الجنسية هو ذلك الشخص المتمتع بالشخصية القانونية، وهكذا فإن الجنسية تثبت للصبي غير المميز وللمجنون بل وللحمل في بطن أمه، فمناط الشخصية القانونية هو القدرة على إكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات دون حاجة لإثبات القدرة الإرادية للشخص. على انه يجب ان نفهم من صلاحية الشخص للتمتع بالجنسية غنما تعني أهلية التمتع بها، حتى ولو كان الشخص بالفعل غير متمتع بأي جنسية.

وإذا كان مناط الجنسية هو المتمتع بالشخصية القانونية، فغن الشخص المعنوي يتمتع كذلك بالشخصية القانونية، ولكن هل يكفي ذلك للقول بصلاحيته لأن يكون طرفا في رابطة الجنسية؟

يرى فريق فقهي اول بأن الجنسية لصيقة ووثيقة الصلة بالفرد أي الشخص الطبيعي لما يصاحب غالبا هذه الرابطة من اختلاج الصفات الشعورية والروحية بالولاء والإنتماء، ولا يتصور عقلا توافر هذه العناصر في الشخص المعنوي، كما ان الفرد لا الشخص المعنوي هو من يدخل في تكوين ركن الشعب في الدولة وعليه ينبغي ان يستعاض مصطلح جنسية الشخص المعنوي باصطلاح "النظام القانوني للشخص المعنوي" فهذا الأخير قادر على تحديد الانتماء إلى دولة ما، وبالتالي يمكن ترتيب ذات الآثار القانونية التي ترتبها الجنسية، اما الفريق الفقهي الثاني، فيرى بصلاحية الشخص المعنوي بالتمتع بالجنسية كالشخص الطبيعي، لأن الجنسية وفقا للعرف القانوني لا تعدوا أن تكون نظاما قانونيا (وليس رابطة إجتماعية تقوم على الجوانب الروحية والمشاعر) يقوم على الانتماء إلى الدولة.

وأيا كانت مواقف هذا الرأي او ذاك، فإن الخلاف الفقهي في هذا الموضوع تحول على مجرد خلاف لفظي يدور حول مناسبة استعمال إصطلاح الجنسية للدلالة على العلاقة بين الشخص المعنوي والدولة التي ينتمي إليها، كما أن واقع الحال ينبئ على اعتراف غالب التشريعات المقارنة بجنسية الأشخاص المعنوية، وإن كانت الجنسية اللصيقة بهم ليست مطابقة تماما لجنسية الأفراد.

أخيرا يجري العمل أيضا على إطلاق اصطلاح الجنسية على بعض الأشياء كالطائرات والسفن لما لها من قيمة مالية كبيرة وقدرتها على التنقل بين أقاليم دول متعددة، والقاعدة أن الأشياء تصلح لان تكون محلا للحق لا طرفا فيه، ولا يراد من إطلاق الجنسية في هذه الحالة إلا إنضواء السفينة او الطائرة تحت علم الدولة التي قيدت او سجلت بها، مما يجعل إضفاء الجنسية عليها ذا طابع مجازي لا اكثر دلالة على ارتباطها بدولة ما، ولهذا الربط أهميته القانونية إذ بمعرفة جنسية السفينة أو الطائرة يتحدد القانون الواجب التطبيق عليها بصفتها مالا وتحديد الإجراءات الواجبة الإتباع عند نقل ملكيتها، كما أن جنسية السفينة أو الطائرة هي من تحدد طريقة معاملتهما في زمن الحرب او السلام.

المطلب الثاني: طبيعة العلاقة القانونية بين الفرد والدولة

طرحت مسألة تحديد الطبيعة القانونية للعلاقة بين الفرد والدولة خلافا على المستوى الفقهي بين من يردها إلى الطبيعة التعاقدية وآخر يدخلها ضمن مفهوم الطبيعة التنظيمية.

فبتأثير نظرية العقد الاجتماعي التي سادت خلال القرن التاسع عشر، وصفت الرابطة بين الفرد والدولة بكونها ذات منشأ تعاقدي، ومن خلال هذا العقد تظهر إرادة الدولة مانحة الجنسية من خلال وضعها لشروط عامة متى توافرت في شخص ما منحت له الجنسية (حالة الجنسية الأصلية)، أو قد تعبر الدولة عن إرادتها عبر الرد على طلبات اكتساب الجنسية المرفوعة إليها إيجابا أو سلبا (حالة الجنسية المكتسبة). بالمقابل يتم التعبير عن الإرادة من جانب الفرد بصفة صريحة حين يتقدم بطلب اكتساب الجنسية أو بصورة مفترضة حين تثبت الجنسية الأصلية بالميلاد أو بحق الإقليم للطفل عديم الإرادة، إذ يفترض اتجاه إرادته إلى اختيارها.

أما الفريق الثاني، فينفي الصفة التعاقدية لرابطة الجنسية لأنه لا يمكن ان تنسب الإرادة لمن لا إرادة له وهي حالة الجنسية الأصلية رافضا بالتالي تصور الإرادة المفترضة، ولكن ينبغي القول بأن الجنسية عبارة عن رابطة تنظيمية تستفرد الدولة بوضع شروطها، فتثبت لمن توفرت فيه الشروط بصورة مباشرة كحالة الجنسية الأصلية، او تتوقف على طلبها في حالة الجنسية المكتسبة، وإذا كان صحيحا أن التشريعات الحديثة تمنح مكانا ما لإرادة الأفراد في الجنسية وبصفة اخص في حالات الجنسية المكتسبة، إلا ان ذلك لا يعني أن هناك عقدا قد أبرم في هذه الحالات بين الفرد والدولة، فلا يعدوا الأمر ان يكون خضوعا من قبل الفرد لنظام قانوني عام، ومماثل في بعض جوانبه، لمركز الموظف العام الذي يتقدم لشغل وظيفة معينة. فدور الإرادة في هذه الحالات يقتصر على تهيئة الوقائع التي يرتبط بها الأثر القانوني دون ان تكون مصدره مباشرة.

المرجع:

  1. أ. بوجلال صلاح الدين، محاضرات في مادة الجنسية، جامعة سطيف 2، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، السنة الجامعية 2013/2014، الجزائر، ص5 إلى ص9.

google-playkhamsatmostaqltradent