المنظمات العمومية

المنظمات العمومية

سنحاول التطرق لأهم المفاهيم التي وردت بشأن المنظمات العمومية (الفرع الأول) ثم التطرق لاستكمال بناء هذا المفهوم، لخصائص هذه المنظمات لاسيما بالنظر لمنظمات الاعمال (الفرع الثاني) ثم نستعرض أهم التصنيفات التي غرفتها المنظمات العمومية (الفرع الثالث).

الفرع الأول: تعريف المنظمة العمومية

بحسب المعيار العضوي فالمنظمة العمومية هي كل هيئة أو جهاز يقوم بإنتاج أو توفير خدمة عمومية بغرض إشباع حاجات عامة من حاجات المجتمع، على أن تكون ملكيتها للدولة كليا أو جزئيا. أما بحسب المعيار الموضوعي فهي كل مشروع يعجز أو يحجم الأفراد أو القطاع الخاص عموما عن القيام به إما لضخامة موارده أو إمكانيته أو لقلة أو انعدام الربح المتوقع تحقيقه في الآجال القصيرة.

وهناك من يرى بأن المنظمة العمومية هي كل هيئة تقوم بأداء خدمة عامة تنشئها الدولة تحقيقا للصالح العام، وهي خاضعة لسلطتها الإدارية التي تحدد نظامها وتمويلها، وتأخذ هذه المنظمة أشكال عديدة (إدارية، مهنية –اقتصادية ...الخ. 

وللتدقيق يمكننا استيضاح مفهوم المنظمة العمومية بالنظر إلى مفهوم منظمة الأعمال كمفهوم نقيض لها. 

فمنظمة الأعمال تعرف على أنها وحدة اقتصادية تضم أكثر من شخص وتستخدم موارد (عناصر الإنتاج) لتحولها إلى مشروع عن طريق قيامها بأنشطة مختلفة بهدف إشباع حاجات ورغبات أبناء المجتمع مقابل ربح يؤمن استمراريتها وتطورها.

وبالتالي فمنظمة الأعمال هي مركز إشباع لحاجات شريحة معينة من أفراد المجتمع وفق معايير معينة، وتعد قوة اقتصادية إلى جانب كونها قوة بشرية (تجمع بشري) وهي تأخذ أشكالا متعددة مثل شركات الأشخاص بأنواعها، وشركات الأموال.

ومن هذا التعريف يتضح الفرق الواسع بين منظمات الاعمال والمنظمات العمومية من عدة جوانب أهمها: الهدف أو الغاية لكل نوع من هذه المنظمات، والوسائل والتمويل وملكية المشروع... الخ. وهذه النقاط نتعرض لها لاحقا.

الفرع الثاني: خصائص المنظمات العمومية 

من المعلوم أن انتشار المنظمات العمومية وتوسعها عرف ازدهارا في ظل الأنظمة الاشتراكية التي اعتمدت عليها بكل أساسي لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، غير أن انهيار الأنظمة الاشتراكية لم ينه المنظمات العمومية ،بل بقيت محافظة على كيانها في كثير من الدول حتى الرأسمالية، وتوسعت وأخذت أشكالا و أدوارا جديدة  تجعل منها أداة هامة في البناء الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع ، وأداة للحفاظ على التوازنات الأساسية وتنفيذ السياسات العامة. ومن أهم هذه الخصائص (والتي أسهب في شرحها الباحثان (Verrier et VIRATO) نذكر:  

- تتبع غايات خارجية: إذا كانت منظمات الاعمال تتبع بشكل ذاتي أهداف وغايات داخلية تخدم وجودها وبقاءها وتطورها، فإن المنظمات العمومية تبقى خاضعة لتحقيق أهداف خارجية محددة ومفروضة بالقانون (كالدفاع والأمن الوطنيين، التعليم، الصحة، التضامن الاجتماعي..) فالبلدية مثلا لا يمكنها التخلي عن هذه المهام، كما لا يمكن للمستشفى أن يغير إستراتجيته الصحية بإستراتيجية الفندقة كما هو الحال في القطاع الخاص.

فإستراتيجية الإدارات هي مقيدة بالتحديد الخارجي لأهداف المصلحة العامة، وفي سبيل تحقيق ذلك فهي تملك وسائل إكراه على من حولها بواسطة القوانين، الضبط، الضرائب....، وهي مؤمنة بديمومة مهامها le pérennité ، لذلك فهي غير معرضة لخطر فنائها.

- غياب مرودية رأس المال: فالمنظمات العمومية غير خاضعة لمفهوم المردودية المالية في تدخلاتها، فالقيمة المضافة لرأس المال المستثمر ليس معيارا لتحليل المشاريع المنجزة ،فمعظم الإدارات العمومية هي في حالة إفلاس وعجز مالي (البلديات مثلا)، لذلك فإن نشاط المنظمات العمومية لا يقدر بسعر السوق ومثال ذلك بناء المستشفيات و المدارس...الخ 

- انعدام المنافسة في ممارسة نشاطها: وذلك بفعل القوانين والنصوص التنظيمية التي تستبعد المبادرة الخاصة في مثل هذه النشاطات، الأمر الذي ينفي من الاحتكار أو شبه الاحتكار على هذه النشاطات ينتج عنه حسب المنظرين استفحال للبيروقراطية السلبية في المنظمات العمومية ويجعل من الصعب تكيف النشاط الإداري مع معطيات البيئة التي يتم فيها.

- تعقد وعدم تجانس المهام الموكلة للمنظمات العمومية: فمثلا البلدية تسير عدة مهام (النفايات، التهيئة العمرانية، الثقافة، الأمن، السكن...) بالإضافة لتنظيم سلمي يطبع هذه المنظمات. مثاله تنظيم الوظيف العمومي يعرف تعقيدات كثيرة في السلم الهرمي والرتب وهو ما يخلف ميولا نحو انقطاع للاستراتيجيات (verticalisation des problèmes et cloisement des strategies)

- خضوع العمل الإداري للسياسة: فالأعمال التي تقوم بها الإدارة تخضع للقرارات السياسية، ويظهر ذلك جليا في فترات الانتخابات، حيث تستغل المنظمات لتحقيق قيمة مضافة، الأمر الذي يقضي على عنصر المبادرة لديها.

- صعوبة قياس أداء المنظمات العمومية، حيث يصعب إقامة موازنة بين ما تم التخطيط له وما تم انجازه من أهداف ليتم التعرف على مواطن الخلل وإعمال الرقابة.

الفرع الثالث: تصنيفات المنظمات العمومية

يختلف تصنيف المنظمات العمومية بحسب الزاوية التي تتم من خلالها الدراسة مع الأخذ بعين الاعتبار نشاط المنظمة وطريقة تمويلها وطريقة تنظيمها، لكن مهما تباينت التصنيفات فإنها تلتقي في نقطتين أساسيتين:

l/ طبيعة ملكية هذه المنظمات والتي تعود كليا أو جزئيا للدولة. 

2/ من حيث الهدف، حيث يبقى هدفها الأساسي هو تقديم خدمة عامة.

وأبسط تصنيف قانوني ذلك الذي أقامه الفقه الفرنسي، حيث يميز بين المنظمات العمومية بحسب نشاطها، فنجد هناك:

– المنظمات ذات الطبيعة الإدارية les administrations

- المؤسسات العمومية les entreprises: وتنقسم إلى:

* مرافق عمومية ذات طابع تجاري وصناعي.

* الشركات المختلطة.

والفرق بين النوعين أن الإدارة لا تبيع منتجاتها، أما الثانية فتبيع منتجاتها لان المؤسسات العمومية سلعية Marchandes، بينما الإدارات غير سلعية لان منتجاتها ذات منفعة عامة لا تقدر بسعر السوق، بل تقدم مجانا أو بسعر رمزي، كما هو الحال لبعض الخدمات العمومية (الصحة، التعليم، السكن...)، وهو ما لا تقدمه المؤسسة العمومية. كل ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار نشاط المؤسسة ومصادر تمويلها وطريقة تنظيمها.

وعمليا يتسع مفهوم المنظمات العمومية ليشمل كلا من الإدارات المركزية واللامركزية ، والهيئات الاستشارية والمؤسسات العمومية ومؤسسات الاقتصاد المختلط  وكل هيئة تابعة للدولة تعمل على إعداد وتقديم الخدمات والسلع للمواطنين، وتعود ملكية هذه المنظمات للدولة.

المرجع:

  1. د. شيبوتي راضية، محاضرات في المناجمنت العمومي، محاضرات ألقيت على طلبة سنة ثانية ماستر علوم إدارية، جامعة الإخوة منوري - قسنطينة 1- كلية الحقوق والعلوم الإدارية، قسم العلوم الإدارية، الجزائر، السنة الجامعية: 2020- 2021، ص 14 إلى ص 18.

google-playkhamsatmostaqltradent