مفهوم العقد الإلكتروني

مفهوم العقد الإلكتروني

مفهوم العقد الإلكتروني

استطاع التقدم العلمي والثورة التكنولوجية أن يحققا للبشرية في هذا العصر الحديث تطورا مذهلا في كافة مجالات الحياة، وتسهيل حركة العلاقات بين الأفراد والدول، وهذا بفضل الاتصالات والفضائيات، واستخدام الحاسب الآلي والمعلوماتية عبر شبكة الانترنت.

لذا، نجد أن المعاملات التي تتم بين أفراد المجتمع الواحد ككل، أو تلك التي تتم بين فردين أو أكثر من مجتمعين أو من مجتمعات مختلفة، لم تكن بمنأى عن هذه التحولات الرقمية، وبما أن العقد كان ولا يزال الصورة الشائعة لتجسيد التصرفات المبرمة بين الأشخاص، فإنه تأثر هو الآخر بالتكنولوجيا الجديدة، إذ أصبح يبرم بوسائل الاتصال الحديثة، مما أدى إلى ظهور العقد الالكتروني.

وبالتالي يمكن القول بأن هذا العقد الالكتروني يلعب دورا هاما في المعاملات الالكترونية سما في مجال التجارة الالكترونية، ومنها عقد البيع الالكتروني الذي تناولناه كمثال في هذه الدراسة.

فالعقد الالكتروني يخضع في إبرامه وتنظيمه، وكذا مضمونه للأحكام العامة الواردة في النظرية العامة للعقد، فهو عقد يبرم بعد الاتفاق والتراضي بين متعاقدين غائبين في المكان وحاضرين في الزمان الواحد إلا أنه يتميز بنوع من الخصوصية في كونه عقد يبرم بين غائبين باستعمال وسائط اتصال الكترونية مختلفة.

أمام هذا الوضع الجديد، اهتم القانونيون بمثل هذه العقود الجديدة، وذلك بمحاولة تنظيم وضبط نصوص قانونية تتلاءم معها وهذا بداية من إبرامها إلى غاية تنفيذها، وما يترتب عنها من آثار قانونية ملزمة.

وبهدف الإلمام بالإطار القانوني للعقد المبرم بوسائل الاتصال الحديثة، ارتأينا تناول مفهومه مستعرضين التعاريف التشريعية المختلفة وذلك من خلال نصوص القوانين المنظمة للعقود الالكترونية واستخلاص خصائصه، وذكر أهم صوره وتمييزه عن ما يشابهه من العقود ثم دراسة أركانه العامة: الرضا والمحل والسبب التي يتحدد وجود العقد من عدمه بناء عليها.

المبحث الأول: التعريف بالعقد الإلكتروني، خصائصه وصوره

تزايد الاهتمام الفقهي والتشريعي على حد سواء بالعقد الإلكتروني، الذي أصبح الصورة الشائعة للتعاملات المدنية منها أو التجارية، فنظرا لحداثة هذا العقد رأينا ضرورة البحث في مفهومه الذي يقتضي التطرق وذكر بعض التعاريف التشريعية للعقد الإلكتروني ببعديها الداخلي والدولي، ثم استنباط أهم الخصائص التي يتسم بها، لنبين بعدها صورة العقد الإلكتروني التي سوف تمييزه عن بعض العقود المشابهة له، وأخيرا نتناول بنوع من التفصيل والتحليل الأركان التي يقوم عليها هذا العقد.

المطلب الأول: تعريف العقد الإلكتروني في التوجيه الأوروبي والقانون الفرنسي وبعض التشريعات العربية

برزت بعض القوانين المستحدثة المنظمة للعقود الالكترونية ومنها البيع الالكتروني، التي أولت اهتماما خاصا لهذه العقود، بوضع نصوص قانونية متناسبة مع خصوصيتها في مختلف المواقف، فمن بين هذه القوانين، نذكر قانون التوجيه الأوروبي، والقانون الفرنسي وبعض التشريعات العربية المستحدثة المنظمة للتجارة الالكترونية.

الفرع الأول: تعريف العقد الإلكتروني في التوجيه الأوروبي

تعتبر دول الاتحاد الأوروبي رائدة في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال، لذا تسعى جاهدة لوضع إطار قانوني محكم لأي مسألة مستجدة في هذا المجال، لهذا أصدرت التوجيه الأوروبي رقم 97/7 بشأن التجارة الإلكترونية، الصادر في 20 ماي 1997، والذي عرف العقد الإلكتروني في المادة الثانية، الفقرة 2 منه على انه "كل عقد يتعلق بأموال أو خدمات، يبرم بين المورد والمستهلك ضمن إطار نظام بيع أو تقديم خدمة أو خدمات، يبرم بين المورد والمستهلك ضمن إطار نظام بيع أو تقديم خدمة عن بعد ينظمه المورد، باستعمال تقنية أو عدة تقنيات للاتصال عن بعد إلى غاية إبرام العقد وتنفيذه".

الملاحظ أن تعريف المشرع الأوروبي للعقد الإلكتروني، جاء مركزا على الوسائل التي يتم إبرامه بواسطتها، وكذلك على أطراف العلاقة التعاقدية، والتي حصرها في المورد والمستهلك.

الفرع الثاني: تعريف العقد الإلكتروني في القانون الفرنسي

سعى المشرع الفرنسي إلى تنظيم المعاملات التي تتم عن بعد، فأصدر المرسوم رقم 2001/741 المتعلق بالتعاقد عن بعد، واضعا بهذا إطارا قانونيا لهذه الصورة الحديثة من المعاملات، ومن ثم أدرج أحكامه ضمن قانون الاستهلاك، وبالضبط في المادة L . 121 .16 منه، حيث جاء في مضمونها: "تطبق أحكام هذا القسم على بيع مال أو كل توريد خدمات بدون حضور مادي للأطراف، المستهلك والمهني الذي من أجل إبرام هذا العقد يستعمل بصفة حصرية تقنية أو اكثر من وسائل الاتصال عن بعد".

إذن لا يختلف موقف المشرع الفرنسي عن موقف نظيره الأوروبي من تعريف العقد الإلكتروني، فهما يركزان في تعريفهما له على الوسائل التي يبرم بواسطتها والتي تعتمد على شبكة الانترنت، كفضاء لامادي، أي افتراضي لهذا النوع من التصرفات.

الفرع الثالث: تعريف العقد الإلكتروني في بعض التشريعات العربية

أمام تنامي التجارة الإلكترونية، واتساع نطاق المعاملات التي تتم عن بعد، وجدت الدول العربية نفسها أمام حتمية مواكبة التطورات التكنولوجية الراهنة، ولأن التشريع يعتبر الإطار الناظم لعلاقات الأفراد، تم إصدار عدة تشريعات في العديد من هذه الدول تتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية، والتي تتقدمها تونس، الإمارات العربية المتحدة والأردن.

أولا: تعريف العقد الإلكتروني في التشريع التونسي

رجوعا إلى نصوص مواد القانون التونسي الخاص بالمبادلات والتجارة الإلكترونية، نجد أن المشرع التونسي لم يورد تعريفا مباشرا للعقد الإلكتروني، إلا أنه نص على أن يجري نظام العقود الكتابية (التقليدية) على العقود الإلكترونية، سواء ما تعلق بالتعبير عن الإرادة فيها، وصحتها وتنفيذها.

ثانيا: تعريف العقد الإلكتروني في التشريع الإماراتي

تعد دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر الدول العربية تعاملا مع التجارة الإلكترونية، لذا أصدرت قانونا خاصا بالتجارة الإلكترونية تحت رقم 00/01، كما نظمت التعاقد الإلكتروني بموجب القانون رقم 02/02 المتعلق بالمعاملات والتجارة الإلكترونية، ويستنتج من خلال نصوص هذا الأخير تعريف العقد الإلكتروني بناء على المعاملات الإلكترونية التي عرفت على أنها: "أي تعامل أو عقد أو اتفاقية يتم إبرامها أو تنفيذها بشكل كلي أو جزئي بواسطة المراسلات الإلكترونية".

انتقد تعريف المشرع الإماراتي للعقد الإلكتروني لقصوره وعدم شموليته، ذلك أنه استعمل مصطلح "مراسلات إلكترونية" بدل مصطلح "وسائل إلكترونية"، كون هذا الأخير أشمل وأوسع، والمراسلة تحصر العقد الإلكتروني في ذلك الذي يتم عن طريق البريد الإلكتروني فقط، في حين نجد أن التعاقد عبر شبكة الانترنت يتم كذلك عن طريق زيارة مواقع الواب (web) مع إتباع خطوات محددة إلى غاية إبرام العقد نهائيا.

ثالثا: تعريف العقد الإلكتروني في التشريع الأردني

نجد أن المشرع الأردني على خلاف التشريعات السابقة، قد عرف العقد الإلكتروني تعريفا صريحا، إذ جاء في نص المادة الثانية من قانون المعاملات الإلكترونية الأردني، أن العقد الإلكتروني هو: "الاتفاق الذي يتم انعقاده بوسائل إلكترونية، كليا أو جزئيا".

وعليه، بناء على التعاريف المختلفة التي قيلت بشأن العقد الإلكتروني ومنه عقد البيع الالكتروني، نخلص إلى أن هذا النوع من العقود يتميز عن العقود التقليدية من حيث وسيلة إبرامه، والتي تقوم أساسا على وسائل الاتصالات الحديثة التي تمثل الشبكة العنكبوتية محركها الأساسي، ما يمكن الأفراد من التعاقد عن بعد، إضافة إلى أنه في كثير من الأحيان يبرم بين المهني المحترف والمستهلك "المشتري" المباشر، ما يضفي عليه من خصوصيات، خاصة ما تعلق بالإيجاب والقبول، وهي المسألة التي سنتناولها بنوع من التفصيل في المبحث الثاني من هذا الفصل.

إضافة إلى هذه التعاريف التشريعية، نشير إلى وجود عدة محاولات فقهية لتعريف العقد الإلكتروني، هناك من حصره في العقد المبرم عبر الانترنت، ومنهم من ألحقه بالتجارة الالكترونية القائمة على الوسائل الالكترونية، فعرفه الفقه الفرنسي: " بالعقد الذي يتم انعقاده بوسيلة إلكترونية، سواء كانت تلك الوسيلة كهربائية، أو مغناطيسية أو أي وسيلة أخرى مماثلة".

كما عرفه الفقه الأمريكي بأنه: "ذلك العقد الذي ينطوي على تبادل للرسائل بين البائع والمشتري، والتي تكون قائمة على صيغ معدة سلفا ومعالجة إلكترونيا، وتنشئ التزامات تعاقدية".

وذهب بعض الفقه إلى تعريف العقد الإلكتروني بأنه "اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب بالقبول على شبكة دولية مفتوحة وبفضل التفاعل للاتصال عن بعد وذلك بوسيلة مسموعة مرئية، وبفضل التفاعل بين الموجب والقابل".

وعليه فهذه التعاريف الفقهية والتشريعية تتفق في كونها تركز على وسيلة إبرام العقد الإلكتروني مع تفصيل أكثر لهذه الأخيرة حول مسألة الإيجاب والقبول، وأطراف العلاقة التعاقدية على النحو الذي جاء في التعريفين الفقهيين المذكورين.

المطلب الثاني: خصائص العقد الإلكتروني

يتضح من التعاريف السابقة الذكر أن العقد الإلكتروني يتميز بعدة خصائص تميزه عن العقود الكلاسيكية (التقليدية)، هذه الخصائص تكمن في: كون العقد الإلكتروني عقد يبرم عن بعد، وذو طابع تجاري، كما أنه ذو طابع استهلاكي، ويتم إثباته ووفاؤه بطريقة خاصة، سوف نتطرق فيما يلي إلى شرح كل خاصية بنوع من التفصيل.

الفرع الأول: العقد الإلكتروني عقد يبرم عن بعد

يتم إبرام العقد الإلكتروني بدون التواجد المادي لطرفيه، فالميزة الأساسية للتعاقد الإلكتروني أنه يتم بين متعاقدين لا يجمعهما مجلس عقد حقيقي، حيث يتم التعاقد عن بعد بوسائل الاتصال الحديثة.

وبالتالي فهو من طائفة العقود المبرمة عن بعد، أين يتم تبادل الإيجاب والقبول الإلكترونيين عبر الانترنت، فيجمعهما بذلك مجلس عقد حكمي افتراضي، وبذلك يكون عقدا فوريا متعاصرا، كما يكون العقد الإلكتروني غير متعاصر بأن يكون الإيجاب غير معاصر للقبول، وهذا التعاصر هو نتيجة صفة التفاعلية فيما بين طرفي العقد.

الفرع الثاني: العقد الإلكتروني ذو طابع تجاري

غالبا ما يتميز العقد الإلكتروني بالطابع التجاري، لهذا تطلق عليه تسمية "عقد التجارة الإلكترونية contrat de commerce électronique" يقصد بها تنفيذ بعض أو كل المعاملات التجارية في السلع والخدمات التي تتم بين مؤسسة تجارية وأخرى أو بين تاجر فرد ومستهلك، وذلك بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فهي تتمثل في ممارسة الأعمال التجارية بوسيلة إلكترونية على سبيل الاعتياد، أو الاستعمال الأمثل لكافة أنواع تكنولوجيات الاتصال المتاحة من أجل تطوير النشاط التجاري للمؤسسات.

لكن المستقرئ لنص المادة الثانية من القانون الأردني رقم 85 لسنة 2001، يستنتج أنه لا يمكن إعمال هذه الخاصية على إطلاقها، ذلك أن المعاملات الإلكترونية قد تكتسي طابعا تجاريا، كما قد تكتسي طابعا مدنيا، حيث عرفت المعاملات بأنها "إجراء، أو مجموعة من الإجراءات يتم بين طرفين أو أكثر لإنشاء التزامات على طرف واحد أو التزامات تبادلية بين أكثر من طرف ويتعلق بعمل تجاري أو التزام مدني أو بعلاقة مع أي دائرة حكومية".

وبالتالي وسعت هذه المادة من مجال المعاملات الإلكترونية على عكس هذه الخاصية التي حصرتها في المجال التجاري فحسب.

الفرع الثالث: العقد الإلكتروني ذو طابع استهلاكي

يتصف العقد الإلكتروني بصفة العقد الاستهلاكي نتيجة كون أحد المتعاقدين مستهلكا، لذا ظهرت الحاجة الملحة إلى حمايته كطرف ضعيف من خلال التشريع والقضاء المعاصر للحد من ضعفه واستغلال المنتجين له، خاصة مع تنوع السلع والخدمات المعروضة عليه وتعقد صورها، واستعمال أساليب الترويج والإعلان المبالغ فيها، فيكون نموذج العقد الإلكتروني مطبوعا بالخصائص النوعية الذاتية لشبكة الانترنت بوصفها الوسط الذي ينشأ فيه هذا العقد، سيما وأن القواعد التقليدية غير متلائمة مع هذا الوضع وهذه الخصوصية.

الفرع الرابع: العقد الإلكتروني يتم إثباته ووفاؤه بطريقة خاصة

يقوم الإثبات أساسا على الكتابة العادية، فتجسد الدعامة الورقية في المحررات الرسمية والعرفية الوجود المادي للعقد التقليدي، ولا يعتد بها كدليل كامل للإثبات إلا إذا استوفت شروطها المنصوص عليها قانونا، في حين أن المعاملات والخدمات المتاحة على الشبكة العنكبوتية أوجدت نوعا جديدا من الكتابة والتوقيع عليها يتم بأسلوب إلكتروني، اصطلح نوعا جديدا من الكتابة والتوقيع عليها يتم بأسلوب إلكتروني، اصطلح على تسميته "بالتوقيع الإلكتروني" ما يعني أن العقود الإلكترونية المبرمة عبر الانترنت، على وجه الخصوص، تكون دائما غير مثبة على دعامة ورقية، وهذا بخلاف ما هو عليه الحال في العقود التقليدية.

أما الوفاء في العقد الإلكتروني، ومنه البيع الالكتروني فإنه يتم بالنقود الإلكترونية التي تتخذ عدة صور، أهمها: النقود الإلكترونية المبرمجة، البطاقات البلاستيكية الممغنطة والشيكات الإلكترونية.

المطلب الثالث: صور العقد الإلكتروني وتمييزه عما يشابهه من العقود

تتخذ العقود الإلكترونية صورا أو أنواعا عديدة يمكن تقسيمها حسب موضوعها إلى مجموعتين: عقود الخدمات الإلكترونية وعقود المعلوماتية، فالمجموعة الأولى خاصة بتجهيز وتقديم خدمة الانترنت، فهي من قبيل عقود الاستهلاك وعقود الإذعان التي تستوجب حماية المستهلك، أي المشتري في مواجهة مورد هذه الخدمة، أما المجموعة الثانية فتكمن في عقود المعلوماتية التي يختلف نوعها باختلاف محلها، فقد تكون عقود بيع برامج المعلومات أو عقود ترخيص باستعمال هذه البرامج، كما يتميز العقد الإلكتروني عن غيره من العقود المبرمة بوسائل الاتصال الفورية بعدة خصائص تمييزه عن العقود الأخرى، سوف نتطرق لها لاحقا.

الفرع الأول: صور العقد الإلكتروني

سبق لنا القول أن العقود الإلكترونية تتفرع إلى مجموعتين رئيسيتين من العقود حسب محلها، منها ما هو خاص بتقديم الخدمات للزبائن المشتركين في شبكة الانترنت، ومنها ما هو متعلق بالمعلوماتية، وهي المسألة التي سنفصل فيها من خلال هذه النقطة.

أولا: عقود الخدمات الإلكترونية

تتعدد وتتنوع عقود الخدمات الإلكترونية مما يؤدي إلى تطورها وتداخلها فيما بينها، وهذا راجع إلى خصوصية موضوعها أو محلها، لذلك سنقتصر على ذكر بعضها، والتي تعتبر الأكثر شيوعا واستعمالا من قبل المستهلكين أو الزبائن.

1- عقد الدخول إلى الشبكة

هو عقد الاشتراك في الانترنت يبرم بين الشركة المقدمة لخدمة الانترنت والزبون الراغب في الاستفادة من الشبكة، فيلحق بها فنيا بحيث يتم ربط حاسوبه الآلي بالشبكة مع تقديم لوازم هذه الخدمة، مقابل دفع مالي محدد يعرف بالاشتراك.

2- عقد الإيواء

يلتزم مقدم خدمة الانترنت في هذا العقد، بوضع جانب من إمكانياته الفنية تحت تصرف المشترك لاستعمالها في تحقيق مصالحه بالكيفية المناسبة له، من خلال إتاحة انتفاعه بجزء من إمكانياته المتمثلة في الأجهزة والأدوات المعلوماتية لتخصيص مساحة من قرص صلب أو شريط مرور، يستقبل من خلالها مقدم الخدمة المعلومات والرسائل الخاصة بالمشترك، متيحا له بذلك فرصة الدخول إلى الشبكة وضامنا له تيسير استخدام الموقع الذي خزنت فيه معلوماته.

3- عقد إنشاء الموقع:

يعد هذا العقد كذلك صورة من صور عقود الخدمات الإلكترونية، يلتزم بموجبه مقدم خدمة الانترنت بإنشاء موقع للزبون المشترك من خلال جهاز الحاسوب الآلي الخاص به، والمزود بخدمة الانترنت لتمكينه من التعامل عبر هذا الموقع.

وهذا ما يؤكده التعريف الفقهي لهذا العقد، إذ يعتبر عقد إنشاء موقع كل خدمة تقدم عبر شبكات الاتصالات المتعددة وتتكون من النصوص والصور الثابتة والمتحركة والأصوات، والمعالجة بلغة الكمبيوتر التي تسمى HTML والموضوعة تحت تصرف "مستخدم الشبكة"

4- عقد تقديم خدمة البريد الإلكتروني E-MAIL

يمكن استعمال في هذه الحالة، شبكة الانترنت كمكتب للبريد، أين يخصص مقدم خدمة الانترنت للمشترك فيها حيزا معينا على جهاز حاسوبه الآلي المتصل بشبكة الانترنت من أجل خطاباته الإلكترونية، وبذلك يتلقى الرسائل من أي مستعمل آخر للانترنت، كما بإمكانه إرسال رسائل إلى أي شخص يملك عنوانا بريديا إلكترونيا.

ثانيا: عقود المعلوماتية

تتعدد هذه العقود بتعدد الطلبات على الخدمات محل العقد من قبل المستفيدين منها، وهي لا تحصى لذا نرى الاكتفاء بذكر وشرح بعضها على النحو الآتي:

1- عقد بيع برامج المعلومات

يحدث وأن يلجأ المشتري إلى شراء برامج معلومات، وذلك عندما يندمج مع البرنامج في وسيط مادي، يتم عرضه في الأسواق كالأسطوانات مثلا ففي هذه الحالة يكون البرنامج جزء من مكونات الحاسوب الآلي، فيمثله عقد البيع.

2- عقد الترخيص باستعمال برنامج الحاسوب

يمكن للمالك بموجب هذا العقد الترخيص للشخص الراغب في التعاقد، الترخيص باستعمال برامج الحاسوب بمقابل نقدي، يتمثل في اقتطاع مبلغ يتم دفعه مرة واحدة أو أكثر.

3- عقد تقديم الدراسة والمشورة الإلكتروني

يقدم مقدم الخدمة في هذا العقد البيانات الخاصة به حتى يتولى مورد البرنامج تحليلها ودراستها بهدف إعداد تقرير فني لتحديد احتياجات الزبون والحلول المقترحة، وبيان المخاطر والمعوقات المحتملة، ويستطيع طالب الخدمة بناء على ذلك الإقدام على إبرام عقد المعلوماتية اللازم لإشباع احتياجاته.

الفرع الثاني: تمييز العقد الإلكتروني عما يشابهه من العقود

حتى يتضح أكثر مفهوم العقد الإلكتروني، فلابد من تمييزه عن باقي العقود التي يتشابه معها، على غرار العقد المبرم بواسطة الهاتف أو التلكس أو الفاكس، والعقد المبرم عن طريق التلفزيون، فكل هذه الأنواع التي يبرم بواسطتها العقد قد تكون محلا أو وسيلة لإبرام عقد البيع عن بعد، والتسويق عبر الانترنت.

أولا: تمييز العقد الإلكتروني عن العقد المبرم بواسطة الهاتف

يتم العقد عامة أو عقد البيع المبرم بواسطة الهاتف بين أطرافه شفاهة لعدم حضور المتعاقدين في مجلس العقد بسبب البعد المكاني، وبهذا يختلف عن العقد الإلكتروني، فالإيجاب والقبول في التعاقد عن طريق الهاتف يكون شفهيا، أما في العقد الإلكتروني، فغالبا ما يكون مكتوبا.

والتعاقد عن طريق الهاتف هو تعاقد بين حاضرين من حيث الزمان، وغائبين من حيث المكان، إذ في هذه الحالة لا وجود لفاصل زمني بين القبول وعلم الموجب به، فيعتبر تعاقد بين حاضرين حكما، ومع ذلك يظل طرفيه متباعدين من حيث المكان.

وعليه، يعتبر العقد مهما كان نوعه المبرم بواسطة الهاتف من العقود المبرمة عن بعد، ويتشابه مع العقد الإلكتروني من حيث كونه تعاقدا بين غائبين من حيث المكان.

ثانيا: تمييز العقد الإلكتروني عن العقد المبرم بواسطة التلكس والفاكس

"البتلكس" عبارة عن استعمال آلتين كاتبتين متصلتين عبر جهاز اتصال عام يقوم بإرسال رسالة عبر تلك الأجهزة المرتبطة ببعضها البعض.

في حين يعرف الفاكس أو الفاكسميل بأنه: "جهاز استنساخ بالهاتف بحيث يتم بواسطة نقل الرسائل والمخطوطات المكتوبة بكامل محتوياتها كأصلها ويتم تسلمها عن طريق شبكة الهاتف المركزية أو عن طريق الأقمار الصناعية".

يعد عقد البيع المبرم بواسطة الفاكس أو التلكس مشابها للعقد الإلكتروني من حيث الطبيعة القانونية، إلا أن الفرق الجوهري بينهما يكمن في عدم ضرورة طباعة رسائل البيانات المرسلة عبر الانترنت أو البريد الإلكتروني حتى تتم قراءتها، والتي قد تكون نصا أو صورة أو ملفا صوتيا.

ثالثا: تمييز العقد الإلكتروني عن العقد المبرم بواسطة التلفزيون

لا توجد أية إمكانية للتفاعل بين المتعاقدين عن طريق التلفزيون لأن البث يكون من جانب واحد، والإيجاب فيه يوجه لعامة الجمهور، ويعبر القابل عن إرادته في التعاقد بواسطة اتصال هاتفي، أو بإرسال رسالة إلى عنوان يحدده الموجب، في حين في العقد الإلكتروني يكون التفاعل متبادلا بين أطرافه في البيئة الافتراضية.

هذا وتتشابه العقود الإلكترونية بصفة عامة، ومنها عقود البيع الالكترونية والعقد المبرم عن طريق التلفزيون في أن الرسالة المنقولة هي نفسها لجميع العملاء، إذ تتم بالصوت والصورة إلا أن الإعلام في التعاقد عن طريق التلفزيون يتم عن طريق الإذاعة المرئية المسموعة، وهو مؤقت يزول سريعا، ولتفصيل أكثر حول الخدمة أو السلعة يقوم الراغب في التعاقد بالاتصال بالشركة عن طريق الهاتف، في حين يظل الإعلام في التعاقد الإلكتروني قائما، ويكون الاستعلام عن التفاصيل من خلال تصفح موقع الشركة عبر الانترنت.

المبحث الثاني: أركان العقد الإلكتروني

بعدما توقفنا عند مفهوم العقد الإلكتروني مبرزين أهم التعاريف التي أعطيت له ومستنتجين أهم خصائصه وصوره، وصولا إلى تمييزه عما يشابهه من العقود، تبين لنا أن هذا العقد حديث العهد لا يختلف كثيرا عن نظيره التقليدي إلا من حيث وسيلة إبرامه التي تعتمد على الشبكة العنكبوتية.

بالتالي فهو لا يختلف كذلك عن العقد العادي في أركان انعقاده وشروط صحته وكذا الآثار المترتبة عنه بعد إبرامه، ليكون بذلك عبارة عن توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، فالرضا هو قوام العقد ينصرف إلى إنشاء التزام معين ويكون له محل وسبب.

إذن يمكننا القول أن العقد الالكتروني يخضع للقواعد العامة لنظرية العقد، إلا أن خصوصية الوسيلة التي يبرم بواسطتها، والمفتوحة على شبكة دولية للاتصال عن بعد، تضفي بعض الخصوصية على انعقاده، وهي المسألة التي سنفصل فيها فيما يلي:

المطلب الأول: الرضا ومجلس العقد الإلكتروني

حتى ينعقد أي عقد تقليدي كان أو الكتروني، مدني أو تجاري، لابد من توافر ركن الرضا الذي يعتبر أساسه فيجب أن يصدر من شخص يتمتع بالأهلية القانونية اللازمة، غير أنه لا يمكن التحقق من أهلية وشخصية المتعاقدين في العقد الالكتروني رغم إيجاد بعض الوسائل الاحتياطية والتقنية تضمن التحقق من هذه الأهلية في هذا المجال، وهي البطاقات الالكترونية وجهات التصديق الالكتروني والتوقيع الالكتروني.

أما ركن الرضا أو التراضي عبارة عن توافق إرادتي المتعاقدين على إحداث الأثر القانوني المبتغى من العقد، ففي سياق إبرام عقد البيع الالكتروني فالتراضي يتم فيه باستعمال رسائل البيانات في التعبير عن الإيجاب والقبول الالكتروني وهذا ما نصت عليه المادة 11/1 من القانون النموذجي للتجارة الالكترونية لسنة 1996، "في سياق تكوين العقود، مالم يتفق الطرفان على غير ذلك يجوز استخدام رسالة بيانات في تكوين العقد، لا يفقد صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد استخدام رسالة بيانات لذلك الغرض".

كما تضمنت المادة 12/1 من نفس القانون تأكيدا لصحة التعامل بما ورد فيها، مما دفع اغلبية الدول الأوروبية والعربية المنظمة للعقد الالكتروني والبيع الالكتروني والإقرار صراحة بقبول هذه الرسائل للتعبير عن الإيجاب والقبول الالكتروني.

كما يشترط في الرضا أو التراضي في العقد الالكتروني أن يكون صحيحا غير معيب بأي عيب من عيوب الإرادة هذه الأخيرة متمثلة في الإكراه، الغلط التدليس الاستغلال والغبن.

والتراضي في العقود عامة يتشكل من إرادتين تسمى الأولى بالإيجاب في حين تسمى الثانية بالقبول ويتم التعبير عنهما عن طريق رسالة المعلومات الإلكترونية وفي اللحظة التي يقترن فيها القبول بالإيجاب ينعقد العقد وهذا الاقتران يتم في مجلس العقد الذي قد يكون حقيقيا، كما قد يكون حكيما فما مدى خصوصية هذه الأحكام في العقد الإلكتروني؟ فمن خلال هذا المطلب سوف نتطرق إلى ركن الرضا وكذا مجلس العقد الالكتروني وما يترتب عنهما من أحكام خاصة.

الفرع الأول: الرضا في العقد الإلكتروني

يمر العقد الإلكتروني مثل غيره من العقود بمرحلة التفاوض التي يتم فيها تبادل الإيجاب والقبول عن طريق الوسائط الإلكترونية وشروطهما القانونية حتى يعتد بهما في اكتمال وصحة ركن الرضا. فكيف يجب أن يكون الإيجاب والقبول الالكتروني؟

أولا: الإيجاب الإلكتروني

حتى يبرم العقد الإلكتروني لابد من صدور إيجاب من أحد الأشخاص أو الشركات صاحبة السلع أو الخدمات، وعرضه عبر الوسائط الإلكترونية باستعمال رسائل البيانات يضفي عليه نوعا من الخصوصية، ما يستدعي البحث في تعريفه، شروطه التي تؤدي إلى تحقيق فاعليته، وكذلك ذكر صوره وقوته الملزمة وأخيرا حالات سقوطه.

1- تعريف الإيجاب الإلكتروني

لم يعرف الإيجاب في معظم التشريعات المقارنة، لكن يمكن استنتاج تعريفه بطريقة غير مباشرة من خلال نصوص القانون المدني، مثلما هو الحال عليه بالنسبة للمادة 60 من القانون المدني الجزائري التي يستفاد منها أن الإيجاب عبارة عن تعبير بات عن إرادة المتعاقد الأول، بما لا يدع مجالا للشك في دلالته على مقصود صاحبه.

أما من الناحية الفقهية، فيعرف الإيجاب بأنه "تعبير بات عن الإرادة الأولى التي تظهر في العقد عارضة على شخص آخر إمكانية التعاقد معه ضمن شروط معينة".

وعليه فإنه يمكن تعريف الإيجاب الإلكتروني استنادا إلى الوسيلة التي يتم بواسطتها بأنه: "تعبير جازم عن الإرادة يتم عن بعد، عبر تقنيات الاتصال سواء مسموعة أو مرئية أو كليهما، ويتضمن كافة الشروط والعناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه بحيث ينعقد به إذا ما تلاقى مع القبول".

2- شروط الإيجاب الإلكتروني

حتى يعتد بالإيجاب الإلكتروني كإرادة أولى في العقد الإلكتروني، لابد من أن يستوفي مجموعة من الشروط القانونية، نذكرها على النحو الآتي:

أ- شرط أن يكون الإيجاب الإلكتروني دقيقا: بمعنى أن يحتوي الإيجاب الإلكتروني على عرض دقيق وواضح، بطريقة لا تدع مجالا للشك في دلالته على مقصود صاحبه، فمثلا يجب أن يتضمن الإيجاب الموجه للمستهلك معلومات جوهرية وأساسية بداية من اللغة المستعملة وصولا إلى تحديد المسائل الجوهرية في العقد.

أما في مسألة اللغة المستعملة، نجد أن المشرع الجزائري، قد نص في المادة 18 من قانون حماية المستهلك وقمع الغش على استعمال اللغة العربية بدرجة أولى لإعلام المستهلك، كما أجاز استعمال لغات أخرى يسهل فهمها من قبل المستهلكين وتتم بطريقة مرئية ومقروءة ويتعذر محوها.

فيما يتعلق بتحديد المسائل الجوهرية في العقد فيكون مثلا بوصف المنتوج وصفا دقيقا كاملا، تحديد الثمن ..... الخ كما يجب يبين الموجب ما إذا كان إيجابه محدد المدة أو غير محدد المدة، لأن هذه المسألة تترتب عليها آثارا معينة فطبقا للمادة 63/1 من القانون المدني الجزائري فإن الموجب الذي يقترن إيجابه بأجل معين يلتزم بالبقاء على إيجابه إلى غاية انقضاء المدة المحددة له، في حين إذا لم يقترن بأجل يظل إيجابه قائما طيلة وجوده على شبكة الانترنت.

ب- شرط أن يكون الإيجاب باتا ونهائيا: يفيد هذا الشرط أن تتجه إرادة الموجب للالتزام بالعرض بشكل كامل ومحدد بأن تكون عبارات الإيجاب صريحة أو ضمنية تدل على رغبته النهائية لإبرام العقد، فإذا تجاوز الإيجاب مرحلة التفاوض اعتبر باتا ونهائيا، كما يدخل ضمن هذه الدائرة الإيجاب المعلق الذي ينفذ بمجرد تحقق الشرط المعلق عليه تجدر الإشارة إلى وجود شرط آخر حتى يكون الإيجاب الإلكتروني مستوفيا لشرط الجزم والوضوح، ألا وهو أن يكون محررا بأسلوب إلكتروني واضح ومفهوم لا يشوبه أي غموض، إضافة إلى وجوب قيام الشخص الموجب بتزويد الموجب له بمجموعة من المعلومات الضرورية، وهذا ما أكده التوجيه الأوروبي المتعلق بالتجارة الإلكترونية.

3- صور الإيجاب الإلكتروني

يعد الإيجاب إرادة صادرة عن الشخص لخدمته أو سلعته يعبر عنها بواسطة الوسائط الإلكترونية المختلفة فتتعدد صوره كأن يكون إيجابا عبر البريد الالكتروني، وإما إيجابا على شبكة الانترنت أو إيجابا عن طريق المشاهدة، وسوف يتم تفصيل هذه الصور تبعا:

أ- الإيجاب عبر البريد الإلكتروني: يرد هذا الإيجاب عبر تقنية البريد الإلكتروني، وفي حالة وصوله إلى صندوق البريد الالكتروني المحدد يتم تبادل العروض التعاقدية بواسطة رسائل بيانات، حيث يقوم الموجب بإمداد المستخدم (المستهلك) بالمعلومات المتعلقة بمنتوج معين أو خدمة معينة بإرسال رسائل إلكترونية على بريده الإلكتروني الخاص، مع مراعاة اختياراته أو اهتماماته التي أبداها أو وفقا لمعطيات تدل على ميوله وسلوكه، وحتى تعتبر هذه الرسالة إيجابا مستوفيا لشروطه، فلابد من أن تنطوي على كل العناصر الجوهرية للمنتوج كتبيان أوصافه وثمنه ...إلخ، فبمجرد قيام الموجب له بفتح بريده الالكتروني تبدأ فعالية الإيجاب، بمعنى يفترض أن هذا الأخير اقترن بعلم الموجب له، فيصبح له أثر منتج، وفي هذه الحالة للمتعامل (الموجب له) مطلق الحرية في قبوله أو رفضه.

إذن الإيجاب عبر البريد الإلكتروني هو إيجاب خاص، يكون موجها لشخص أو لعدة أشخاص محددين يراهم صاحب السلعة أو الخدمة مهتمين بما يعرضه ولا يوجه لعامة الجمهور.

ب- الإيجاب عبر شبكة المواقع "الواب": يعتبر العرض الإلكتروني عبر شبكة الانترنت من خلال المواقع الإلكترونية الخاصة بالتجار والمنتجين حالة تضمنه وصفا دقيقا للبضائع أو الخدمات المعروضة مع بيان ثمنها، وكافة المسائل الجوهرية المتعلقة بالتعاقد إيجابا منتجا لآثاره القانونية، يتم الوصف الدقيق للسلعة أو المنتوج مثلا بوضع صورة ثلاثية الأبعاد تعبر بشكل واضح عنهما، ما يسهل على المتعامل اتخاذ قرار بإبرام العقد من عدمه.

ففي هذه الحالة يعد الإيجاب عام أي موجها لعامة الجمهور وليس لفئة محددة منهم. كما أنه يمكن أن يصدر عن شخص وليس عن أصحاب الموقع، كما لو قام هذا الشخص بالإعلان عن دعوة للتفاوض بقصد شراء سلع أو خدمات، فيقوم متصفح الموقع بإصدار إيجاب منه، مستوفيا لكامل الشروط القانونية، وللموقع قبول أو رفض العرض.

ج- الإيجاب عبر المحادثة والمشاهدة المباشرة عبر الانترنت: يحدث وأن يوجه الموجب عرضه إلى الموجب له عن طريق المحادثة والمشاهدة المباشرة عبر الانترنت، إذ يتحول الحاسوب الآلي إلى شبكة هاتف مرئي، ويمكن أن يكون الموجب شخصا يعبر عن رأي مجموعة من الأشخاص موجودين في المكان نفسه، فيكون الإيجاب صادرا مباشرة بالكلام أو الكتابة أو المشاهدة أو بهذه الطرق جميعها في وقت واحد وتطبق على هذا النوع من الإيجاب القواعد العامة المتعلقة بالتعاقد بين حاضرين زمانا ومكانا، إضافة إلى إمكانية تطبيق أحكام التعاقد عن طريق الهاتف على الحالة التي يستعمل فيها الكلام دون المشاهدة.

4- القوة الملزمة للإيجاب الإلكتروني وحالات سقوطه

يستلزم البحث في القوة الملزمة للإيجاب الإلكتروني وحالات سقوطه الاستعانة بالقواعد العامة والوقوف على مدى إعمالها على هذه الصورة من الإيجاب التي أوجدتها التجارة الإلكترونية.

أ. القوة الملزمة للإيجاب الإلكتروني توصلنا فيما سبق إلى أن الإيجاب الإلكتروني لا يمكن أن يحدث أثره بمجرد صدوره عن صاحبه، بل وحتى يعتد به كإرادة أولى صحيحة فلابد من أن يكون دقيقا، باتا ونهائيا، وبهذا يكون سببا لإنشاء التزام على صاحبه إذا ما تطابق مع القبول مع الإشارة إلى أن القانون لا يلزم الموجب بالبقاء على إيجابه لوقت غير معقول.

فالأصل أن الإيجاب في حد ذاته ليست له قوة ملزمة، بمعنى أن الموجب يستطيع العدول عن إيجابه مادام لم يطابقه قبول، وقد يحدث هذا العدول لأسباب عدة تدفع الموجب إلى العدول كأن ترتفع الأسعار مثلا، هذا ما لم يحدد أجل للإيجاب.

أما إذا اقترن الإيجاب بمدة معينة ففي هذه الحالة تصبح للإيجاب قوة ملزمة، إذ يلتزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى غاية انقضاء الأجل المحدد، ويستخلص الأجل من ظروف الحال أو من طبيعة المعاملة، وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة 63 من القانون المدني.

ومن التشريعات التي تناولت مسألة القوة الملزمة للإيجاب الإلكتروني، نجد التشريع المغربي، إذ نص على حالتين لإلزامية الإيجاب الإلكتروني، وهما: حالة اقترانه بأجل للقبول وحالة بقاء الإيجاب متاحا بوسيلة إلكترونية يمكن الدخول إلى العرض بواسطتها.

وعليه يكون للموجب في الإيجاب الإلكتروني العدول عن إيجابه ما لم يقيده بأجل معين، ويتم ذلك بسحبه من الموقع الإلكتروني الذي عرضه فيه، مع اشتراط الإعلان عن رغبته في العدول عن الإيجاب فيعدم بذلك أثره القانوني، ولا يكون لهذا العدول أي أثر قانوني إلا إذا علم به الموجب له، وعلى الموجب إثبات ذلك.

ب- حالات سقوط الإيجاب الإلكتروني عالج المشرع الجزائري حالات سقوط الإيجاب في المادة 64 من القانون المدني التي تنص على أنه: إذا صدر الإيجاب في مجلس العقد لشخص حاضر دون تحديد أجل القبول فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا وذلك إذا صدر الإيجاب من شخص إلى آخر بطريق الهاتف أو بأي طريق مماثل.

غير أن العقد يتم ولو لم يصدر القبول فورا، إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة ما بين الإيجاب والقبول، وكان القبول صدر قبل أن ينفض مجلس العقد بناء على ما جاء في نص المادة أعلاه، يمكننا القول أن الإيجاب الإلكتروني يسقط في حالتين هما:

* حالة سقوط الإيجاب بعدول الموجب عنه ما لم يقترن بقبول أو ما لم يعلق على شرط أو أجل.

* حالة سقوط الإيجاب لأسباب خارجة عن إرادة الموجب، ونكون بصدد هذه الحالة:

- إذا رفض الإيجاب من قبل الموجب له.

- إذا انقضت مدة الإيجاب ولم يقترن بقبول (المادة 63 من القانون المدني الجزائري).

- إذا مات من صدر عن الإيجاب أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره (م 62 من القانون المدني الجزائري).

- إذا عدل القبول من الإيجاب الموجه أو قيده، بحيث يصبح هذا القبول إيجابا جديدا (المادة 66 من القانون المدني الجزائري).

5- خصوصيات الإيجاب الالكتروني

من خلال المعلومات المقدمة بخصوص هذا الإيجاب يمكن القول عموما أنه يخضع للقواعد العامة التي تحكم الإيجاب في العقد العادي، إلا أنه يمكن ذكر بعض خصوصياته الإيجابية والسلبية فيما يلي:

أ. كونه إيجابا يتم من خلال شبكة الانترنت فيتطلب وجود وسيط الكتروني لعرضه من قبل مقدم خدمة الانترنت.

ب. كونه إيجابا عن بعد يستلزم حماية خاصة لصاحبه أي المستهلك أو المشتري وعلى هذا الأساس فإنه يخضع للقواعد الخاصة المنصوص عليها في قوانين الاستهلاك المنظمة للعقود المبرمة عن بعد كضرورة تحديد هوية البائع تحديد وتعيين المبيع وسعره.

ج. كونه إيجابا دوليا أي ليس له نطاق جغرافي مكاني أو زماني معين، فيكون بذلك إيجابا عابرا للحدود الدولية إلا أن هناك من يرى تقييد هذا الإيجاب في مكان معين، وهذا ما أجازته غرفة تجارة باريس الفرنسية للتجارة والتبادل الالكتروني.

د. كون الايجاب الالكتروني يفتقر لليقين القانوني، ومفاد ذلك كون الشبكة العنكبوتية التي تعد وسيطا رقميا الكترونيا بين المورد والمستهلك، أي المشتري يسيطر عليها كل من يملك أو هو على علم بتقنيات المعلوماتية الرقمية فيسمح للمشتركين المهنيين أو المستهلكين الدخول إليها وبث إيجاب أو عرض مزيف أو وهمي.

ثانيا: القبول الإلكتروني

إذا كان الإيجاب هو الإرادة الأولى في التعاقد فإن القبول يمثل الإرادة الثانية في العقد، إذا لا يكفي الإيجاب الإلكتروني لإتمام العقد الإلكتروني، فهذا الأخير شأنه شأن العقد التقليدي يتطلب وجود قبول إلكتروني مطابق للإيجاب الإلكتروني حتى يبرم العقد، ويرتب آثاره القانونية.

يستدعي القبول الالكتروني التطرق إلى تعريفه وبيان شروطه واهم طرق التعبير عنه.

1- تعريف القبول الالكتروني

عرف رأي من الفقه القبول بأنه العنصر الثاني في العقد وهو التعبير البات الجازم عن إرادة المخاطب على التعاقد وفقا للعناصر الجوهرية المعبر عنها في الإيجاب، وذلك بأن يكون خاليا من أي قيد أو شرط أو مقرون بالتحفظات ولا عد إيجابا جديدا.

أما من الناحية القانونية، فإن معظم التشريعات المدنية لم تعرفه على غرار التشريع الجزائري ونظيره المصري، وفي المقابل فهناك من عرفه مثل التشريع الأردني وذلك في المادة 91 من القانون المدني التي تنص على أن الإيجاب: "هو اللفظ الذي يستعمل عرفا لإنشاء العقد". كما عرفته مجلة الأحكام العدلية في المادة 102 منها بأنه: "ثاني كلام يصدر من أحد العاقدين لأجل إنشاء التصرف وبه يتم العقد".

ولقد عرفت اتفاقية فيينا لسنة 1980 بشأن البيع الدولي للبضائع القبول ضمن المادة 18/1: "يعتبر قبولا أي بيان أو أي تصرف أخر صادر عن المخاطب يفيد الموافقة على الإيجاب"، أما المادة 11 من القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية "اليونستيرال" بنصها: "يجوز استخدام رسائل البيانات للتعبير عن العرض وقبول العرض" لم تعرف القبول، بل نصت على الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها للتعبير عن القبول.

كما أن التشريعات العربية المنظمة للعقد الالكتروني ومنه البيع الالكتروني لم تقدم تعريفا جامعا ومانعا للقبول الالكتروني واكتفت بذكر وسائل التعبير عنه فقط.

أمام هذا الفراغ القانوني بشأن تعريف القبول الالكتروني يمكن القول أن القبول في العقد الإلكتروني لا يختلف عن تعريف القبول في العقد التقليدي كما يطبق عليه ما يطبق على الثاني، مع احترام خصوصية الوسيلة المعبر بها عنه.

"فهو إذن تعبير عن إرادة من وجه إليه لإبرام العقد بناء على البيانات التي تم إرسالها من خلال الإيجاب دون إجراء أي تعديل عليها، والموافقة عليها حتى يطابق الإرادة الأولى، بهذا يكون القبول الإلكتروني إرادة إلكترونية ثانية لإنشاء العقد الإلكتروني، والذي يتم التعبير عنه باستخدام رسائل بيانات من طرف القابل".

2- شروط القبول الإلكتروني

يعد القبول الإلكتروني الإرادة الثانية لإتمام العقد الإلكتروني، يشترط فيه قانونا أن يستوفي مجموعة من الشروط حتى يعتد به نتناولها في النقاط الآتية:

أ- صدور القبول والإيجاب لا يزال قائما: يفيد هذا الشرط ضرورة صدور القبول الإلكتروني خلال المدة التي حددها الموجب لإيجابه في حالة ما إذا قيده بمدة معينة أو في مدة معقولة في حال ما لم تحدد فلا يرتب القبول أي أثر إلا إذا صدر أثناء قيام الإيجاب، وهذا ما أكده مشروع العقد النموذجي بشأن المعاملات الإلكترونية المعد من طرف لجنة اليونستيرال إذ ينص البند الثاني منه على أنه: "يعتبر القبول مقبولا إذا تسلم مرسل هذا الإيجاب قبولا غير مشروط للإيجاب خلال التوقيت المحدد".

كما أكدت هذا الشرط اتفاقية فيينا للبيع الدولي للبضائع، وذلك في المادة 18/2 منها حيث يتوجب قبول الإيجاب الشفوي المعبر عنه عن طريق خدمات الاتصال المباشر أو أثناء المحادثة، ما لم يتبين من ظروف الحال خلاف ذلك بمعنى إنه إذا صدر الإيجاب عبر خدمات الاتصال المباشر عبر الانترنت، فيجب أن يصدر القبول مباشرة أي أثناء عبر هاتف الانترنت وقبل إنهائها وإلا سقط القبول، ولا يعتد بالقبول الصادر بعدها.

ب- مطابقة القبول للإيجاب: نص المشرع الجزائري ضمنيا على شرط مطابقة القبول للإيجاب في المادة 59 من القانون المدني، بحيث يشترط أن تصدر الإرادة الثانية موافقة مع المسائل الجوهرية التي وضعها ووضحها الموجب حتى نقول أنها مطابقة لإرادة هذا الأخير، أي أن يكون القبول الإلكتروني منجزا، فلا ينطوي على قيد أو شرط، وفي الحالة العكسية يعتبر إيجابا جديدا لا قبولا، وهذا ما نصت عليه القواعد العامة كالمادة 66 من القانون المدني الجزائري التي تنص على أنه: " لا يعتبر القبول الذي يغير الإيجاب إلا إيجابا جديدا"، والتي تقابلها المادة 96 من القانون المدني المصري بنصها: "إذا اقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو يقيد منه أو يعدل فيه، اعتبر رفضا يتضمن إيجابا جديدا".

ج- أن يكون القبول باتا: مفاد هذا الشرط أن القبول تعبير عن تصرف قانوني متجه إلى إحداث اثر قانوني، لذا يجب أن يكون جازما بمعنى أخر يجب أن يضمن القبول نية قاطعة ممن صدرت منه تنصب على عناصر الإيجاب بقصد إنشاء العقد.

ولذا الأصل إن كان القبول باتا، فلا يجوز الرجوع أو العدول عنه بعد وصوله إلى الموجب إلا أن بعض التشريعات الالكترونية نصت على ممارسة حق العدو لحماية لرضا المستهلك ومن بين التشريعات المكرسة لهذا الحق، نجد التوجيه الأوروبي رقم CE/7/97 المتعلق بحماية المستهلك في العقود المبرمة عن بعد حيث كرست المادة 14 منه حق العدول عن العقد للمستهلك في حالة المنتوجات التالفة أو الخدمات المعيبة، إضافة إلى حالة المنتوجات أو الخدمات غير المطابقة للمواصفات المبينة في العرض.

3- طرق التعبير عن القبول الإلكتروني

توصلنا فيما تقدم إلى أن ما يميز القبول الإلكتروني عن القوب العادي هو الوسيلة المستعملة للتعبير عنه، وذلك استخدام وسائل الاتصال الإلكترونية ومن خلالها تبرز صور القبول المختلفة وهي:

أ- القبول عبر البريد الإلكتروني يعتبر البريد الالكتروني الوسيلة الأوسع استخداما وشيوعا بين المهنيين والمستهلكين ويقترب من البريد العادي، إلا أن الأول يتميز عن الأخير بسرعته وكفاءته الكبيرة ودقته غير المتناهية في التواصل وبالتالي للقابل أن يعبر عن قبوله بالبريد الإلكتروني، فتعتبر إرادته قبولا صريحا للإيجاب الذي يكون قد تم بالطريقة ذاتها (بواسطة البريد الإلكتروني)، أو عن طريق مواقع الويب.

ب- القبول بالنقر على زر (أيقونة) أو الفأرة: تعتبر طريقة من طرق التعبير عن القبول الإلكتروني والنقر مرة واحدة على عبارة: "أنا موافق" دليل على موافقة الإيجاب إلا أنه وبغرض التأكد من صحة الإجراء قد يشترط أن يتم القبول بالضغط مرتين على الأيقونة المخصصة للقبول الموجودة على الشاشة، فيدل النقر الأول على موافقة الموجب له على الإيجاب في حين قد يدل النقر الثاني على تأكيده القبول.

ج- القبول عن طريق المحادثة أو المشاهدة: قد يكون التعبير عن القبول عن طريق المحادثة (chattingrooms) أو المحادثة الفورية، أي تبادل مباشر للكلام، أو باستعمال الكاميرات يتحول إلى حديث بالمشاهدة الكاملة وبذلك نكون أمام مجلس عقد افتراضي على أساس أن المتعاقدين يشاهدون ويسمعون بعضهم البعض مباشرة فلا مناط من اعتبار هذه الطريقة تعبيرا صريحا عن طريق اللفظ.

لكن إذا سلمنا بصلاحية هذه الطرق للتعبير عن القبول والاعتداد به في إنشاء العقد الإلكتروني فنتساءل عن مدى صلاحية سكوت الموجب له ليكون تعبيرا عن إرادته؟

ظهر في هذه المسألة رأيين، الرأي الأول يرى صلاحية السكوت ليكون تعبيرا عن قبول صاحبه للتعاقد مع الموجب في حالات معينة حددتها بعض التشريعات، وفي مقدمتها القانون المدني الجزائري في المادة 68/2 منه، والتي تقابلها المادة 98 من القانون المدني المصري، واستنادا إلى مضمون هاتين المادتين تكون هذه الحالات كالآتي:

1- إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف التي تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول.

2- إذا اتصل الإيجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين.

3- إذا كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه.

الملاحظ أن هذه الحالات جاءت حصرية واستثنائية عن القاعدة العامة والتي يمثلها الرأي الثاني، والقائل بعدم صلاحية السكوت لأن يكون تعبيرا عن القبول استنادا إلى المقولة الفقهية الإسلامية: "لا ينسب إلى ساكت قول" وهذا السكوت عدم والعدم دلالته الرفض.

إذن في الرفض فإن المتسلم لرسالة عن طريق البريد الإلكتروني تتضمن إيجابا وتعبير فيه أن عدم الرد على رسالة خلال فترة معينة يعتبر قبولا، فللموجب ألا يعتد بهذه الرسالة وما جاء فيها، وهذا الموقف أكدته كلا من اتفاقية فيينا للبيع الدولي للبضائع في المادة 18/1 منها التي جاء نصها: "... أما السكوت أو عدم القيام بأي تصرف فلا يعتبر أي منهما في ذاته قبولا". وكذا التوجيه الأوروبي رقم CE/7/97 في المادة 09 منه إذ يشير مضمونها إلى عدم صلاحية السكوت لأن يكون قبولا.

كما يرى الدكتور خالد ممدوح إبراهيم صعوبة اعتبار السكوت الملابس تعبيرا عن القبول الإلكتروني حتى في حالة وجود تعامل سابق بين المتعاقدين يكون قد تم عبر الشبكة العنكبوتية لأن هذا التعامل لا يكفي من الناحية العملية ليعد قبولا، إلا إذا كان هناك اتفاق صريح أو ضمني بين الطرفين.

من جانبنا نرى أنه يمكن الأخذ بالرأي الأول القائل بصلاحية السكوت لأن يكون قبول وذلك في الحالات الاستثنائية المحددة في التقنين المدني الجزائري والتقنينات الأخرى، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار صعوبة تطبيق هذه الاستثناءات المقررة أصلا في التعاقد العادي على التعاقد الإلكتروني، لأن التعامل والتحكم في الفضاء الافتراضي وذو البعد الدولي يثير عدة إشكالات عملية خاصة ما تعلق منها بتحديد هوية الأشخاص.

الفرع الثاني: مجلس العقد الإلكتروني

عرفت نظرية مجلس العقد عناية كبيرة من قبل الفقه والقضاء، هذه النظرية تجد نطابق تطبيقها في مجال العقود التي تقتضي تطابق الإيجاب والقبول فيها، أي العقود الملزمة للجانبين وهذا الاقتران بين الإرادتين قد يكون أمام مجلس عقد حقيقي أو أمام مجلس عقد افتراضي.

ولعل ما يثار من خلاف فقهي حول مجلس العقد الإلكتروني مرده الطابع الدولي اللامادي للفضاء الذي يبرم فيه، فيعرف تحديد زمان ومكان انعقاده عدة عراقيل التي وبهدف الإلمام بها من اجل تحديد زمان ومكان انعقاد العقد الإلكتروني ومن ثمة الوقوف عند الآثار المترتبة عن تحديدهما.

أولا: تعريف مجلس العقد الالكتروني وصوره

عالج الفقه الإسلامي هذه المسألة عند بحثه عن مجلس العقد بين غائبين فيذكر الإمام الكاساني رحمة الله: "وما الكتابة فهي أن يكتب الرجل إلى الرجل أما بعد فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا، فبلغه الكتاب فقال: اشتريت لان خطاب الغائب كتابه فكأنه حضر بنفسه وخاطب بالإيجاب وقبل الآخر في المجلس".

أما مدلول هذه النظرية لدى الفقيه عبد الرزاق أحمد السنهوري هو: "أن لا يطلب من المتعاقد الأخر القبول فورا، بل له أن يتدبر بعض الوقت لكن من جهة أخرى لا يسمح له أن يمعن في تراخيه إلى حد الإضرار بالموجب بإبقائه معقا مدة طويلة دون الرد على إيجابه فوجب إذن التوسط بين الأمرين ومن هنا نبتت نظرية مجلس العقد".

كما تطرقت مجلة الأحكام العدلية لتعريف مجلس العقد فعبرت عنه بعبارة "مجلس البيع" أي أم: "مجلس البيع هو مجلس الاجتماع الواقع لعقد البيع".

وتجدر الإشارة إلى القول أن مهمة تعريف مجلس العقد ليست من اختصاص القانون، بل الفقه ولذا لم نعثر عن أي تعريف قانوني له، لكن يمكن القول أن مجلس العقد الالكتروني مجلس افتراضي يسمح بوقوع تعاقد بين حاضرين في الزمان وغائبين في المكان، وعلى هذا الأساس تتنوع صوره مجلس العقد الالكتروني إلى:

1- مجلس عقد حقيقي (بين حاضرين) و 2- مجلس عقد افتراضي (بين غائبين).

1) مجلس عقد حقيقي (بين حاضرين)، عندما يجتمع الموجب والقابل في مجلس واحد وهو نطاق مكاني لهما فنكون أمام حضور واقعي يقيني للمتعاقدين ويسمى التعاقد في هذه الحالة بالتعاقد بين حاضرين، بتوافق الإرادتين في مجلس واحد، ويعتبر اتحاد مجلس العقد شرط لانعقاد العقد، والغاية منه تحديد المدة لمن وجه إليها لإيجاب حتى يعلن عن قبوله أو رفضه طالما مازال متصلا بالكمبيوتر وعبرا لانترنت ويكون الرد إما بالكتابة أو الصوت والصورة أو بواسطة الحوار المباشر، ومادام المجلس قائما يحق للطرفين فسخ العقد بعد صدور الإيجاب والقبول إن لم يتفقا.

2) مجلس عقد افتراضي أو حكمي (بين غائبين)، هو تعاقد بين متعاقدين لا يجمعهما مجلس واحد بغض النظر عن وسيلة التعاقد، كما أن مجلس العقد عند التعاقد عبر الانترنت هو تعاقد بين حاضرين في الزمان وبين غائبين في المكان، أما التعاقد عبر شبكة المواقع، يبدأ مجلس العقد من لحظة دخول الراغب في التعاقد، ويظل قائما حتى ينتهي التعاقد ويحصل خروج القابل منه، أما التعاقد عبر المشاهدة والمكالمة، فيكون مجلس العقد معاصرا لهذا العقد من بداية المكالمة حتى نهايتها.

ثانيا: زمان ومكان انعقاد العقد الإلكتروني

يحظى تحديد نطاق الزمان والمكان أهمية بالغة وخاصة في انعقاد العقد لكون النطاقين يلعبا دورا هاما في حل وتكييف مسائل متنوعة في القواعد العامة، وهي اليوم من الواجب تناولها ودراستها من خلال التصرفات القانونية الواقعة في البيئة الالكترونية.

1: زمان انعقاد العقد الإلكتروني

بالرجوع إلى القواعد العامة في نظرية العقد، نجد أن التشريعات المدنية قد اختلفت في مسألة تحديد زمان انعقاد العقد، سيما لو أخذنا بعين الاعتبار تعدد النظريات التي قيلت بهذا الشأن، فنجد التشريع الجزائري يعتبر العقد مبرما بمجرد علم الموجب بقبول الموجب له وذلك بإطلاعه على رسالة القابل، ما لم يقض اتفاق الطرفين أو نص قانوني بخلاف ذلك.

لكن نجد أن التشريع التونسي لم يتطرق لهذه المسألة في القانون رقم 83 لسنة 2000 والمتعلق بالمعاملات والتجارة الإلكترونية، محيلا بذلك إلى إعمال القواعد العامة في هذا المجال، وهذا ما كرسته الفقرة الثالثة من الفصل الأول من هذا القانون، حيث جاء مضمونها أن يجري على العقد الإلكتروني نظام العقد الكتابي، من حيث التعبير عن الإرادة وما تعلق بصحتها .. ما لم تتعارض تلك الأحكام مع ما جاءت به نصوص هذا القانون الخاص.

أما القانون الأردني رقم 85 لسنة 2001 فقد تطرق بالتفصيل لمسألة تحديد زمان انعقاد العقد الإلكتروني في المادة 17 منه والتي جاءت مطابقة تماما لنص المادة 15 من القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية، حيث تم التمييز بمقتضاهما بين حالتين نتناولهما كالآتي:

أ- حالة تعيين المرسل إليه نظام معلومات لاستلام الرسائل الإلكترونية (المادة 17/ب من القانون رقم 85 لسنة 2000/المادة 15/2/أ من قانون اليونستيرال): بداية فإن نظام المعلومات بالنسبة للعقد الإلكتروني يمثل في مواقع الواب وعناوين البريد الإلكتروني، ووفقا لهذه الحالة، يبرم العقد الإلكتروني في لحظة تلقي الموجب الرسالة الإلكترونية من الموجب له والتي تتضمن قبوله للإيجاب، وقد حدد وقت تسلم القبول بدخولها نظام المعلومات المحدد، أما إذا أرسلت الرسالة إلى نظام آخر غير الذي حدده المرسل إليه فإن الموجب يعتبر متسلما للرسالة منذ إطلاعه عليها لأول مرة.

ويمكن تصور حدوث هذا الفرض عند وجود وسيطا آخر بين المرسل والمرسل إليه يستلم الرسالة من المرسل ليرسلها بعدها إلى المرسل إليه (الموجب)، فينعقد العقد بمجرد إطلاع هذا الأخير على فحوى الرسالة.

ب- حالة عدم تعيين المرسل إليه نظام معلومات لاستلام الرسائل الإلكترونية: تناولت هذا الفرض المادة 17/ج من القانون التونسي رقم 83 لسنة 2000، والمادة 15/2/ب من قانون اليونيسترال، بحيث إذا لم يحدد المرسل إليه نظام معالجة معلومات لتسلم رسائل المعلومات (الرسائل الإلكترونية)، فإن وقت تسلم الرسالة عند دخولها لأي نظام معالجة تابع للمرسل إليه يعتبر لحظة انعقاد العقد الإلكتروني.

إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للتعاقد عبر البريد الإلكتروني فما هو الحال في التعاقد عبر مواقع الويب في تحديد زمان ومكان انعقاد العقد؟

يعرف تحديد زمان انعقاد العقد الإلكتروني عبر مواقع الويب سهولة نوعا ما مقارنة بذلك المبرم عبر البريد الإلكتروني، نظرا لفورية وآنية شبكة الويب في تواصل طرفي العقد، إذ يحصل المرسل إليه على معلومات فورية بخصوص رسالته يتبين بها الأخطاء والنواقص التي تعتريها، لهذا يعتبر هذا النوع من العقود مبرما بشكل تام من وقت نقر الموجب له على الأيقونة الموافقة أو طباعة للكلمات الدالة على قبوله للعقد النموذجي الموضوع على صفحة الويب.

بهذا نتوصل إلى أن زمان انعقاد العقد الإلكتروني يعرف نوعا خصوصية معينة تتماشى والطبيعة الرقمية لهذا العقد، وهو ما كرسته بعض التشريعات الخاصة بتنظيم هذا النوع من العقود، مع الإبقاء والعودة متى استدعت الضرورة للقواعد العامة المعمول بها في نظرية العقد عامة.

2: مكان انعقاد العقد الإلكتروني

طبقا للمادة 67 من القانون المدني الجزائري فإن مكان إبرام العقد هو المكان الذي يعلم فيه الموجب بقبول الموجب له ما لم يوجد اتفاق يقضي بخلاف ذلك، والموقف نفسه لدى المشرع المصري في المادة 97 من القانون المدني، وهذا يعني أخذ المشرعين بنظرية التلازم بين زمان ومكان انعقاد العقد.

ولأن طبيعة العقد الالكتروني تستدعي دائما نوعا من الخصوصية والاستثناء فإننا نجد أن القانون الأردني رقم 85 لسنة 2001، وقانون اليونستيرال قد خصا هذه المسألة بنصوص قانونية من شأنها الحد من صعوبة تحديد مكان إبرام العقد الإلكتروني والتأكد منه، والتي تعود إلى دولية ولا مادية الفضاء الذي يبرم عبره.

لقد تم تحديد مكان إبرام العقد الإلكتروني بمقر عمل منشئ الرسالة وتعتبر مستلمة في المكان الذي يقع فيه مقر عمل المرسل إليه، أما إذا لم يكن لأي منهما مقر عمل فيعتبر مكان إقامته مقرا لعمله ما لم يوجد اتفاق بين الطرفين يقضي بخلاف ذلك.

كما تم التفصيل كذلك في حالة مقر العمل لكلا الطرفين، ففي هذه الحالة يعتبر المقر الأقرب صلة بالمعاملة هو مكان الإرسال أو التسليم وعند تعذر الترجيح يعتبر المقر الرئيسي للعمل هو مكان الإرسال أو التسلم، وبالتالي مكان إبرام العقد الإلكتروني.

ثالثا: الآثار المترتبة عن تحديد زمان ومكان انعقاد العقد الإلكتروني

تحديد زمان ومكان إبرام العقد الإلكتروني أهمية بالغة، لما يترتب عنه من تطابق الإيجاب والقبول من آثار قانونية تتمثل في حق الرجوع عن العقد، وتحديد القانون الواجب التطبيق وأخيرا تحديد المحكمة المختصة لحل النزاعات التي قد تنشأ عن العقد.

1- الحق في الرجوع

تضمنت المادة 61 من القانون المدني الجزائري مبدأ هاما مفاده أن التعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا من وقت اتصاله بعلم من وجه إليه، وجعلت من وصول هذا التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم دليل على خلاف ذلك.

فتحديد زمان إبرام العقد الإلكتروني يلعب دورا في تحديد وقت جواز الرجوع أو العدول عن الإيجاب أو القبول، فمثلا طبقا لنظرية إعلان القبول الإلكتروني لتحديد لحظة انعقاد العقد الإلكتروني فإنه لا يجوز للموجب أن يعدل عن إيجابه بعد إعلان الموجب له عن القبول الإلكتروني، والحال نفسه بالنسبة للقابل أما إذا أخذنا بنظرية تصدير القبول، فلا يجوز للطرفين (الموجب والقابل) العدول عن إرادتيهما.

2- تحديد القانون الواجب التطبيق

يتعلق هذا الأثر بتحديد مكان إبرام العقد الإلكتروني وهنا تطبق القواعد العامة المتضمنة لأحكام القانون الدولي الخاص، فهي تخص العقود التي يكون فيها عنصرا أجنبيا، ووفقا لهذه القواعد فإن القانون الذي يخضع له العقد هو القانون الذي يتفق عليه الطرفين تطبيقا لمبدأ سلطان الإرادة وحريتها، وعادة ما يكون قانون المكان الذي أبرم فيه العقد.

3- تحديد المحكمة المختصة

قد ترتب عدة نزاعات بعد تنفيذ التعاقد الإلكتروني فإن المحكمة المختصة بحل هذه النزاعات تتحدد بمكان إبرام العقد إلا إذا كان هناك اتفاق بين الطرفين يقضي بخلاف ذلك، وهذه المسألة تختلف النظريات التي يؤخذ بها في تحديد وقت تمام العقد.

المطلب الثاني: المحل والسبب في العقد الإلكتروني

يقصد بمحل العقد الالكتروني الأمر أو الشيء الذي يرد عليه العقد، فيعتبر المحل الركن الثاني في العقد مهما كان تكييفه القانوني، ومهما كانت طريقة إبرامه تقليدية أو الكترونية فالمحل قد يكون شيئا ماديا أو معنويا أو قد يكون تقديم عمل أو الامتناع عنه من قبل أحد المتعاقدين لقد حددت القواعد العامة شروطا لصحة هذا المحل، وهي أن يكون موجودا ممكنا، معينا أو قابلا للتعيين، وقابلا للتعامل فيه. حدد المشرع الجزائري هذه الشروط في المواد من 92 إلى 94 من القانون المدني إضافة إلى ركن المحل، فكل العقود تشترط وجود سببا للتعاقد وهو الغرض المباشر الذي يقصد المتعاقد بلوغه من خلال العقد، فيشترط فيه أن يكون موجودا ومشروعا.

الفرع الأول: المحل في العقد الالكتروني

يعد المحل الركن الثاني في العقد الالكتروني فهو لا يختلف كثيرا عن المحل في العقد العادي إلا في بعض أوجه الخصوصية، فهو يتضمن كذلك ذات الشروط المنصوص سابقا، وهي أن يكون موجودا أو قابلا للوجود، معينا أو قابلا للتعيين، ممكنا ومشروعا، فبخصوص وجود أو إمكانية وجود المحل فقد نصت عليه المادة 92 و 93 من القانون المدني الجزائري، لذا يجب أن يكون المحل موجودا قبل إبرام العقد كأصل عام، وقد يكون قابل للوجود في المستقبل، كما يجب أن يكون معينا أي محددا تحديدا ينفي الجهالة عنه من قبل المشتري وإذا كان محل التعاقد غير معين أي غير محددا بذاته وجب أن يعين بجنسه ونوعه ومقدراه طبقا لما نصت عليه المادة 94 من القانون المدني الجزائري.

إلا أن شرط تعيين المحل قد يثير مشكلة عدم المطابقة أو الاختلاف بين الوصف المرغوب فيه في العقد الالكتروني وبين ما استلمه صاحبه وهذا ما يحدث بالنسبة للبضائع المادية التي لا يستطيع المشتري أو المستهلك معاينتها عن كثب، لذا يقضي قانون الاستهلاك الفرنسي رقم 92/60 المؤرخ في 18/01/1992 في المادة L. 1.111  وكذا القانون التونسي رقم 2000/83 في المادة 25 منه، والمادة 9 فقرة من القانون رقم 2001/85 أن يقوم البائع الذي يعرض مبيعاته عبر الانترنت أن يحد الخصائص الهامة لهذه السلع أو الخدمة وكذا كيفية صنعها وكميتها وسعرها، وبالإضافة إلى كل ذلك عليه بضمان محل غير معيب وأمن.

كما أن شرط قابلية المحل للتعامل فيه (مشروعا) يطرح مشكلة وهي مدى انسجام المحل في العقد الإلكتروني مع النظام العام؟ فعالمية العقد الإلكتروني الذي يتم عبر الشبكة الدولية للاتصالات يؤدي إلى إبرام عقود تتماشى والنظام العام في دولة أحد الأطراف وتتعارض معه في دولة الطرف الثاني كالتعامل في المخدرات وممارسة القمار، فكيف يتم التعامل مع هذه الحالة؟

إن هذا الشرط يمثل أهم شرط في محل العقد الالكتروني، فيجب توافره نظرا لكثرة المواقع الممارسة للتجارة غير المشروعة، مثل المخدرات وانتحال صفة الغير، وممارسة القمار عبر الانترنت، غير أن هناك صعوبة في السيطرة على النظام العام كلما تعلق الأمر بالعقود المبرمة عن بعد، ما يستدعي تكاتف الجهود الدولية لمواجهة هذا الأمر وذلك بالحفاظ على المشروعية أو ما يسمى بالوظيفة التنظيمية.

وفي الأخير نقول أن المحل في العقد الإلكتروني لا يختلف عن المحل في العقد التقليدي فهو دائما ما التزم به الطرفين (سواء كان سلعة أو خدمة أو أداء عمل أو امتناعا عن عمل) وشروط المحل في العقد العادي نفسها مطلوب توافرها في العقد الإلكتروني، وفي حالة تخلفها يترتب عنها بطلان العقد ككل.

الفرع الثاني: السبب في العقد الإلكتروني

يمثل السبب الركن الثالث الواجب توافره في العقد، وإلا بطل ولم يرتب آثاره والعقد الإلكتروني لا يختلف في هذا الركن عن نظيره التقليدي، ويتمثل السبب في تلك الاعتبارات النفسية والشخصية لكلا المتعاقدين لإبرام العقد، وطبقا للقواعد العامة، فإن لم يذكر السبب في العقد فيفترض وجوده وهذا ما نصت عليه المادة 98 من القانون المدني الجزائري، وأنه السبب الحقيقي إلا إذا أحد المتعاقدين صورية السبب ويتحمل عبء إثباتها طبقا للقواعد العامة الواردة في المادة 333 ومايليها من القانون المدني الجزائري.

ويشترط في السبب مجموعة من الشروط نستخلصها من نصوص مواد القانون المدني الجزائري، وهي تقريبا لا تختلف عن شروط المحل، وتتمثل في أن يكون موجودا وأن يكون مشروعا وبخصوص الشرط الأخير فكل المبيعات المالية العابرة للحدود الدولية تلزم رجال الجمارك تطبيق الرقابة القانونية على مدى مشروعية التعامل بها، غير أن المبيعات المعنوية تحتاج إلى تقنيات كبيرة لمراقبة مشروعيتها.

توصلنا من خلال النقاط التي تناولناها ولو بشكل مقتضب أحيانا، إلى أن العقد الإلكتروني لا يختلف كثيرا عن العقد التقليدي، إذ أن القوانين الخاصة بالتجارة الإلكترونية والتي تيسر لنا الإطلاع عليها وتوظيفها تحيل في معظم الأحوال إلى تطبيق الأحكام العامة في نظرية العقد، إلا ما تعارض منها وخصوصيات العقد الإلكتروني التي يستمدها من دوليته ولا مادية الفضاء الذي يبرم فيه.

بالنتيجة إذا استوفى العقد الإلكتروني أركان انعقاده وشروط صحته رتب التزامات متبادلة على عاتق طرفيه وهو ما سيتم التفصيل فيه في الفصل الثاني كما سيأتي بيانه.

وأخيرا ما قيل بشأن زمان انعقاد العقد هو ذاته ينطبق على مكان انعقاده، إذ تعمل التشريعات الحديثة والخاصة بالفضاء الرقمي على مسايرة ومواكبة ما يستجد من تطورات لاحتوائها وتنظيمها ومن ثم فإن العقد الإلكتروني يعتبر في غالب الأحيان مبرما بين حاضرين زمانا وغائبين مكانا.

المرجع:

  1. د. معزوز دليلة، العقد الإلكتروني، محاضرات لطلبة السنة الأولى ماستر، تخصص عقود ومسؤولية، جامعة آكلي محند أولحاج – البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون العام، الجزائر، السنة الجامعية: 2015-2016، ص 4 إلى ص32. 
google-playkhamsatmostaqltradent