التعریف بالقانون وتمییزه عن القواعد الاجتماعية الأخرى

التعریف بالقانون وتمییزه عن القواعد الاجتماعية الأخرى

التعریف بالقانون وتمییزه عن القواعد الاجتماعية الأخرى

سنتناول التعریف بالقانون أولا (المبحث الأول) ثم تمییزه عن القواعد الاجتماعیة الأخرى (المبحث الثاني).

المبحث الأول: التعریف بالقانون

یعتبر القانون حتمیة اجتماعیة، یؤدي وظیفة داخل المجتمع لا یمكن الاستغناء عنها، لذلك من الضروري أن نوضح حاجة الإنسان للقانون وضرورة احترامه (المطلب الأول)، ثم نستتبع بتحدید تعریف (لغوي وآخر اصطلاحي ثم فقهي) للفظ قانون (المطلب الثاني)، تم نستنتج الخصائص الممیزة للقاعدة القانونیة (المطلب الثالث).

المطلب الأول: حاجة الإنسان للقانون وضرورة احترامه

الإنسان كائن اجتماعي لا بد له من قواعد تنظم سلوكاته وعلاقاته (الفرع الأول) تكون واجبة الاحترام من قبل الجمیع (الفرع الثاني).

الفرع الأول: حاجة الإنسان للقانون

لا یستطیع الإنسان أن یعیش منفردا، فهو في حاجة إلى غیره من البشر لیضمن استمرار وجوده على الأرض، بأن یتبادل مع غیره السلع والخدمات فیقایض ویبیع ویشتري ویرهن ویستأجر ویستعیر...إلخ، ویتزوج ویكون أسرة، فیكون عشیرة أو قبیلة أو جمعیة أو حزبا أو شعبا أو دولة أو أمة.

وهكذا تنشأ في حیاة الجماعة علاقات بین الأفراد عائلیة أو مالیة أو سیاسیة أو غیر ذلك من العلاقات التي تحقق للإنسان رغباته وتقضي حاجاته، والإنسان وهو یسعى إلى الحصول على مطالبه واشباع رغباته وقضاء حاجاته، قد تتعارض مصالحه مع مصالح غیره من الناس، ولو ترك لكل شخص أمر تنظیم علاقاته مع غیره من الأشخاص لحاول تغلیب مصالحه على مصالح غیره، لتداخلت المصالح ببعضها البعض ولكثرت النازعات وأصبحت الغلبة للأقوى، فتسود الفوضى ویختل النظام ویحل عدم الاستقرار.

ولهذا أدرك الإنسان حاجته إلى قواعد تحكم وتنظم علاقاته وسلوكه في المجتمع. هذه القواعد قد یكون مصدرها الدین أو العرف أو أوامر ونواهي تضعها السلطة المختصة في الدولة، وتكون لها جزاء مادي دنیوي تطبقه السلطة العامة حتى یكون زاجرا لكل شخص یقوم بمخالفة تلك القواعد ویخل بالنظام. 

إذن یكون الإنسان دائما بحاجة إلى قواعد تحكم سلوكاته وتنظم علاقته بغیره من الناس، وتضبط مصالحه وتوفق بینها وبین مصالح غیره، وعن طریق هذه القواعد یعرف كل شخص ماله من حقوق وما علیه من واجبات ویتحقق النظام والاستقرار في المجتمع.

الفرع الثاني: ضرورة احترام القانون

كلما كانت قواعد القانون قریبة من واقع المجتمع وتعبر عن أوضاعه وتحل مشاكله، یقوم الأشخاص باحتارمها طواعیة، كما یحترمون قواعد الدین والأخلاق، ومن هنا یسود الأمن والنظام. أما إذا ابتعدت قواعد القانون عن واقع المجتمع فیزداد عدم احترامها، ومع ذلك یجب احترام قواعد القانون دائما ولو باستعمال القوة إن لزم الأمر، والسلطة العامة في الدولة باعتبارها ممثلة للمجتمع، هي وحدها من یستطیع إجبار الأشخاص على احترام قواعد القانون، وذلك عن طریق توقیع الجزاء في حالة عدم احترامها.

المطلب الثاني: تعریف القانون

نتطرق في هذا المطلب لأصل كلمة قانون (الفرع الأول)، ثم إلى المعاني المختلفة لهذه الكلمة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: أصل كلمة قانون

یرجع أصل كلمة "قانون" إلى اللغة الیونانیة، وهي كلمة معربة أخذت من الكلمة الیونانیة Kanun ومعناها العصا المستقیمة، ولها معنى مجازي هو المبدأ.

لغة یقصد بلفظ "قانون"، القاعدة الثابتة المطردة، التي تعبر عن علاقة ضروریة بین الظواهر، أي حتمیة حدوث أمر معین كلما توفرت ظروف معینة، ومن هنا نقصد بالقانون الاستقرار والنظام.

وفي نفس المعنى استعملت اللغة اللاتینیة كلمة Jus  واستعملت اللغة الفرنسیة كلمة Droit واستعملت اللغة الانجلیزیة كلمة Law واستعملت اللغة الإیطالیة لفظ Dirittoواستعملت اللغة الألمانیة لفظ Recht و  Gesetz، واللغة الاسبانیة استعملت كلمة Derecto.

الفرع الثاني: المعاني المختلفة للفظ قانون

في المعنى الاصطلاحي أي في اللغة القانونیة، فإن لفظ "قانون" له معنیین، معنى واسع (عام) ومعنى ضیق( خاص).

أولا: المعنى الواسع للفظ "قانون"

یقصد بكلمة قانون في معناها الواسع "مجموعة القواعد التي تحكم سلوك الأفراد وتنظم علاقاتهم في المجتمع على نحو ملزم، سواء كانت مكتوبة أو غیر مكتوبة".

ووفقا لهذا المعنى جرى التعبیر عن "القانون الوضعي"، فإذا أضیفت كلمة  "وضعي" إلى كلمة "قانون"، فیصبح معنى القانون الوضعي "مجموعة القواعد القانونیة الساریة في بلد معین وفي زمن معین". فالقانون الوضعي الجزائري الحالي هو مجموعة القواعد القانونیة المعمول بها الآن، بغض النظر عن مصدرها ولو كان سماویا" . والقانون الوضعي قانون نسبي، لأنه یختلف تبعا لاختلاف الظروف في الزمان والمكان، ویطلق على القانون الوضعي لدولة معینة تسمیة "القانون الوطنيLe droit National".

ثانیا: المعنى الضیق للفظ قانون

یطلق لفظ قانون للدلالة على معنى   خاص في حالتین هما:

أ- استعمال كلمة قانون في معنى التشریع Loi :

قد تستعمل كلمة قانون ویراد بها التشریع، وهو "مجموعة القواعد القانونیة المكتوبة التي تضعها السلطة التشریعیة في الدولة لتنظیم أمر معین". مثلا: قانون المحاماة، القانون التجاري.

مع العلم أن القانون أوسع من التشریع، لأن القانون هو مجموعة القواعد المنظمة لسلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع على نحو ملزم، سواء كانت مكتوبة أو غیر مكتوبة أما التشریع فهو یشمل القواعد المكتوبة فقط.

ب- استعمال كلمة قانون في معنى التقنین Code :

قد تستعمل كلمة قانون ویراد بها تقنین، والتقنین هو مجموعة القواعد القانونیة التي تضعها السلطة المختصة في كتاب واحد، بهدف تنظیم نوع معین من نشاط الأفراد، كتلك التي تنظم نشاط التجار ونسمیها التقنین التجاري، أو تلك التي تحدد الجرائم والعقوبات ونسمیها تقنین العقوبات وعملیة جمع النصوص في كتاب واحد نسمیها عملیة التقنین  La codification

وفي الفقه لا نجد تعریفا موحدا للقانون، بل اختلف الفقهاء في ذلك، وانقسموا إلى عدة اتجاهات: فمنهم من عرف القانون على أساس الغایة التي یصبوا القانون إلى تحقیقها، بأنه "مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأشخاص في المجتمع تنظیما عادلا یكفل حریات الأفراد ویحقق الخیر العام" .

واتجاه ثان عرف القانون على أساس الجزاء بأنه "مجموعة القواعد العامة الجبریة التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الأشخاص الخاضعین لهذه الدولة أو الداخلین في تكوینها".

أما الاتجاه الثالث، الذي یمثل الرأي الغالب عند الفقهاء، فیعرف القانون بالنظر إلى الخصائص الممیزة لقواعده عن قواعد السلوك الاجتماعي الأخرى، بأنه "مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع والتي تكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة عند الاقتضاء".

المطلب الثالث: خصائص القاعدة القانونیة

من التعریف السابق الذكر للقاعدة القانونیة، نستنتج أنها تتمیز بمجموعة من الخصائص وهي أنها: قاعدة سلوك اجتماعي (الفرع الأول)، عامة ومجردة (الفرع الثاني) وملزمة (الفرع الثالث).

الفرع الأول: القاعدة القانونیة قاعدة سلوك اجتماعي

القانون هو عبارة عن قواعد تخاطب الأشخاص في المجتمع لتنظم سلوكهم، فهو منظم لسلوك الأشخاص في المجتمع، وبالتالي فهو قواعد اجتماعیة.

إذن القانون هو خطاب للأشخاص، ینظم سلوكهم ببیان حقوق كل منهم وواجباته وحقوق المجتمع، فمثلا إذا باع شخص لآخر شیئا، فإن القانون یبین حقوق البائع وواجباته وحقوق المشتري وواجباته، وحقوق المجتمع التي یجب أن یراعیها كل من البائع والمشتري.

والقانون في تنظیمه لسلوك الأشخاص فهو إما یأمرهم أو ینهاهم أو یبیح لهم أمار ما، ونستنتج ذلك من نصوص القانون صراحة أو ضمنا، فمثلا الأمر بأداء الضریبة والأمر بأداء الخدمة الوطنیة، والنهي عن ارتكاب الجرائم، أو إباحة فتح حساب بالعملة الصعبة، واباحة الإجهاض بشروط.

والقانون وهو ینظم سلوك الأشخاص، تهتم قواعده بالسلوك الظاهر للفرد، فلا تعتد بما یدور في نفس الفرد من نوایا أو مقاصد أو أفكار طالما ظلت حبیسة نفسه، ولم تخرج للعالم الخارجي في شكل أعمال أو أفعال مادیة ظاهرة. لأن هذه النوایا لا أثر لها في المجتمع، ولا في علاقته بغیره، فإذا فكر شخص في قتل فلان، ولم یقتله حقیقة أي لم تتجسد فكرته في سلوك مادي خارجي، وبقیت الفكرة حبیسة نفسه، فالقانون لا یتدخل ولا یعاقب هذا الشخص، لكن إذا قام الشخص بتنفیذ القتل فأنه یعاقب عقوبة مشددة.

الفرع الثاني: القاعدة القانونیة عامة ومجردة

تتصف القاعدة القانونیة بصفة مزدوجة هي العمومیة والتجرید، ومعنى ذلك أنها موجهة للأشخاص بصفاتهم كما تتناول الوقائع والتصرفات بشروطها، فإذا تحقق الشرط أو الصفة طبقت القاعدة القانونیة. فلا تخص القاعدة القانونیة واقعة محددة بعینها ولا شخصا معینا بالذات، بل هي تبین الشروط اللازم توافرها في الواقعة التي تنطبق علیها والأوصاف التي یتعین بها الشخص الذي تخاطبه، بحیث تنطبق هذه على كل شخص توافرت فیه هذه الأوصاف أو على كل واقعة استجمعت هذه الشروط.

فمثلا تنص المادة 350 من قانون العقوبات الجزائري:"كل من اختلس شیئا غیر مملوك له یعد سارقا ویعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة..."، فهذه المادة تضع قاعدة قانونیة عامة ومجردة تسري على كل من یأخذ شیئا مملوكا لغیره بغیر إذنه بنیة تملكه، واعتبرت كل من یرتكب هذا الفعل سارقا سواء كان رجلا أو امرأة، صغیرا أو كبيرا، غنیا أو فقیرا، مسلما أو غیر مسلم، فقد جرد المشرع هذه القاعدة من كل هذه الصفات التي تقصر تطبیقها على شخص معین.

وتتمیز هذه القاعدة بهذه الصفة ولو كانت موجهة لطائفة أو فئة محدودة العدد، من الأشخاص مادامت تحددهم بصفاتهم ولیس بذواتهم، فمثلا القانون الذي ینظم مهنة المحامین، أو الموثقین، وقانون الخدمة الوطنیة مثلا قواعده عامة ومجردة رغم أنها لا تنطبق إلا على فئة معینة.

بل أن صفة العمومیة والتجرید تبقى ملازمة للقاعدة القانونیة ولو تعلقت بشخص واحد، ما دام هذا الشخص لم یحدد باسمه وانما حدد فقط بصفته، كالقانون الذي ینظم مركز رئیس الدولة، قواعده عامة ومجردة لا یمكن تطبیقها إلا على شخص واحد.

وتتصف القاعدة القانونیة بالعمومیة، ویقصد بذلك أن تسري على جمیع الأشخاص المخاطبین بها وعلى جمیع الوقائع التي ترد بمضمونها. ولا یعني عموم القاعدة أنها تسري على كل الناس أو على كل شخص في المجتمع، بل یكفي أن تنصرف إلى طائفة من الأشخاص تخاطبهم بصفاتهم لا بذواتهم.

وتبقى القاعدة القانونیة عامة ومجردة ولو لم یكن تطبیقها واحدا في في كل إقلیم الدولة، بل قد ینفرد جزء معین من إقلیم الدولة بنظام قانوني خاص، وذلك یحدث بصفة استثنائیة نتیجة ظروف یمر بها هذا الإقلیم دون سواه. كما تكون القاعدة عامة ومجردة ولو كانت مؤقتة أي وضعت لتسري خلال فترة زمنیة محددة، كقانون إعلان حالة الحصار الذي یطبق في فترة الحرب والثورات مثلا.

الفرع الثالث: القاعدة القانونیة ملزمة

القاعدة القانونیة لیست نصیحة بل هي خطاب ملزم یقتضي الخضوع له طوعا أو كرها، ولما كانت مخالفة القواعد القانونیة أمرا متصورا من قبل الأفراد في المجتمع، تعین فرض جزاء على كل مخالف للقانون. فالجزاء هو وسیلة من أجل إجبار الأشخاص على الخضوع للقاعدة القانونیة عن طریق الجبر والقهر بتوقیع الجزاء على كل من یخالفها.

أولا: تعریف الجزاء القانوني

یقصد بالجزاء الأثر المترتب على مخالفة القاعدة القانونیة، ویتمثل هذا الأثر في العقاب الذي توقعه السلطة العامة نتیجة مخالفة القاعدة القانونیة.

ثانیا: خصائص الجزاء القانوني

یتصف الجزاء القانوني بثلاث خصائص: فهو جزاء مادي ملموس، جزاء حال، توقعه السلطة العامة.

1- الجزاء مادي: یتخذ الجزاء مظهرا خارجیا ملموسا لا مظهرا معنویا، فقد یصیب الجزاء الإنسان في جسمه بأن یقید حریته كوضعه في السجن، أو یمسه في ماله عن طریق التعویض أو الغرامة، أو یقتصر الجزاء على إزالة المخالفة ذاتها كبناء الفرد في أرض الغیر فیلتزم بإزالة هذا البناء. وبهذا الطابع المادي یتمیز الجزاء القانوني عن أنواع الجزاءات الأخرى، التي تتمثل في تأنیب الضمیر، أو استنكار المجتمع واستهجانه للسلوك المخالف للقاعدة الدینیة أو الخلقیة أو الاجتماعیة.

2- الجزاء حال: بمعنى أنه یوقع إثر ثبوت مخالفة القاعدة القانونیة حال حیاة الشخص المخالف، فهو لیس جزاء آجلا كما هو الشأن في الجزاء على مخالفة قواعد الدین الذي یكون دنیوي أو أخروي.

3- الجزاء توقعه السلطة العامة: الجزاء القانوني منظم تتولى السلطة العامة المختصة توقیعه على الشخص المخالف باسم المجتمع، وهي التي تحتكر توقیعه عن طریق القوة دون أن یستقل الأفراد أنفسهم بتوقیعه.

غیر أنه توجد حالة استثنائیة یجوز فیها للشخص أن یوقع بنفسه الجزاء بالشخص المعتدي، عندما لا یمكن اللجوء إلى السلطة العامة في الوقت المناسب، وذلك في حالة الدفاع الشرعي حیث تنص المادة 39/2 ق ع ج على أنه:" لا جریمة إذا كان الفعل قد دفعت إلیه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغیر أو عن مال مملوك للشخص أو للغیر بشرط أن یكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء". وفي هذه الحالة یعفى الشخص من المسؤولیة المدنیة ومن المسؤولیة الجنائیة.

ثالثا: أنواع الجزاء القانوني

یتخذ الجزاء صورا متنوعة تبعا لتنوع القواعد القانونیة التي تعرضت للمخالفة، وأبرز الجزاءات هو الجزاء الجنائي والجزاء المدني والجزاء الإداري.

1-الجزاء الجنائي: هو أشد أنواع الجزاءات صارمة، وتتدرج العقوبات تبعا لجسامة الجریمة المقترفة، فقد تكون العقوبة بدنیة تصیب الشخص المخالف في جسمه فتسلبه الحیاة مثل عقوبة الإعدام، وذلك بالنسبة للجرائم الخطیرة (المنصوص علیها في المواد 261 إلى 263 ق ع ج). وقد تصیب العقوبة الشخص في حریته فتسلبها منه وتكون إما السجن المؤبد أو السجن المؤقت (مثلا المادة 265 ق ع ج)، واما الحبس (مثلا المواد 288 و289 و290 ق ع ج )، وقد تمس العقوبة الشخص المخالف في ماله فتكون في شكل  الغرامة (مثلا المادة 390 ق ع ج) أو المصادرة (مثلا المادة 263/4 ق ع ج).

2-الجزاء المدني: وهو الأثر الذي یرتبه القانون على مخالفة إحدى قواعد القانون المدني، ویتخذ الجزاء المدني صورا عدیدة منها: 

أ/ الجزاء المباشر أو العیني: ویقصد به إجبار الفرد على احترام القانون واكراهه على القیام بتنفیذ عین ما التزم به ما دام لم یشأ القیام به طواعیة واختیارا، مثلا إجبار البائع على تسلیم الشيء المبیع للبائع الذي دفع الثمن له (المادة 164 ق م ج).

ب/ التعویض: ویتمثل في إلزام مسبب الضرر على دفع مبلغ نقدي إلى المضرور لجبر الضرر الذي لحقه نتیجة مخالفة إحدى قواعد القانون المدني. وقد یحل التعویض محل الالتزام الأصلي (العیني أو المباشر) إذا كان هذا التنفیذ مستحیلا أو غیر مجد (مثلا المادة 176 ق م ج) مثال: كالتزام فنان بالتعویض لأنه خلف وعده بإقامة حفلة.

ج/ إعادة الحالة إلى ما كانت علیه قبل حدوث المخالفة: ویقصد بذلك إزالة كل أثر ترتب على مخالفة القانون، وله ثلاث صور هي:

- الإزالة المادیة للمخالفة: ومثاله هدم بناء أقیم على أرض مملوكة للغیر.

- بطلان التصرف القانوني: فإذا ابرم تصرف قانوني على خلاف ما ینص علیه القانون، كان جزاؤه البطلان، و البطلان یكون إما مطلق أو نسبي، حیث یترتب البطلان المطلق في حالة التصرف الذي یتخلف فیه ركن من أركان انعقاد التصرف وهي الرضا، المحل، والسبب والشكل في العقود الشكلیة، مثلا بطلان البیع الذي محله مخدارت، وبطلان البیع الذي یباشره صبي لم یبلغ سن التمییز 13 سنة. أما البطلان النسبي فیترتب في حالة التصرف الذي یتخلف فیه شرط من شروط صحة التصرف وهي الأهلیة وسلامة الإرادة من العیوب كالغلط والتدلیس والإكراه والاستغلال (المواد من 81 إلى 91 ق م ج)

- فسخ التصرف القانوني: ویترتب في حالة عدم قیام أحد طرفي التصرف بتنفیذ التزامه، وهنا یحق للطرف الآخر المطالبة بالفسخ أي بحل الرابطة العقدیة، والتعویض إن لزم الأمر (المادة 119 ق م ج).

ملاحظة: قد یترتب الجزاء المدني والجزاء الجنائي معا في مخالفة واحدة، ونجد ذلك مثلا في جریمة القتل التي یعاقب علیها بعقوبة السجن وبالتعویض معا.

3- الجزاء الإداري: یترتب نتیجة مخالفة إحدى قواعد القانون الإداري، ومن صوره نجد:

بطلان القرار الإداري الذي لم تراع فیه الإجراءات والشروط اللازمة لصحته، أما في مجال الوظیفة العامة فنجد: الإنذار، التوبیخ، التوقیف عن العمل لمدة محدودة، الفصل من الوظیفة.

المبحث الثاني: تمییز القانون عن القواعد الاجتماعیة الأخرى

توجد أنواع أخرى من القواعد تشارك القاعدة القانونیة في تنظیم الحیاة الاجتماعیة وتهدف مثلها إلا تقویم سلوك الفرد في المجتمع مما قد یدعو إلى الخلط بینها، لذا سنقوم بإجراء مقارنة بینها وبین هذه القواعد، والمتمثلة في قواعد الدین (المطلب الأول) وقواعد الأخلاق (المطلب الثاني)، وقواعد المجاملات (المطلب الثالث).

المطلب الأول: تمییز قواعد القانون عن قواعد الدین

الدین في الأصل هو رسالة من عند اﷲ عز وجل، نزلت على رسول أو نبي من البشر یبلغها للناس للعمل بها. ویقصد بقواعد الدین les règles religieuses مجموعة القواعد والأحكام والأوامر والنواهي الإلهیة، التي أنزلها اﷲ تعالى على رسله لیبلغوها إلى البشر للعمل والالتزام بها. وتتشابه هذه القواعد مع قواعد القانون في الهدف والإلزام (الفرع الأول)، ویختلفان من حیث المصدر والوظیفة الاجتماعیة، النطاق الغایة والجزاء (الفرع الثاني).

الفرع الأول: أوجه التشابه

1- كل من قواعد القانون وقواعد الدین تخاطب الفرد في المجتمع، وتسعیان معا إلى تنظیم سلوكه عن طریق تكلیفه بأمر معین أو تنهاه عن أمر آخر، في شكل خطابا موجها لكافة الناس بصیغة عامة ومجردة، إذ تحرم قواعد الدین القتل والسرقة وایذاء الغیر، وهذه الأفعال یحرمها القانون أیضا.

2- كما أن صفة الإلزام ملازمة لكل من قواعد القانون والدین مع اختلاف الجازء في كلمنهما.

الفرع الثاني: أوجه الاختلاف

1- من حیث المصدر: مصدر قواعد الدین إلاهي فهي من وضع اﷲ عز وجل، فهي خارجة عن نطاق إرادة البشر. أما قواعد القانون فهي موضوعة من قبل البشر (المشرع).

2- من حیث الوظیفة الاجتماعیة: یقف خطاب القاعدة القانونیة عند المظاهر والسلوكات المادیة والخارجیة للإنسان. أما قواعد الدین فتهتم بالسلوك الخارجي وبالنوایا الكامنة في نفس الفرد، وما تنطوي علیه سریرته من خیر أو شر، فیجازى على الخیر ویعاقب على الشر.

3- من حیث النطاق: قواعد الدین أوسع نطاقا من قواعد القانون، لأنها تظم ثلاث أنواع من العلاقات:

أ- علاقة الإنسان بربه: وتتمثل في العقیدة والعبادة من الاعتقاد بوحدانیة اﷲ والإیمان بملائكته وكتبه ورسله والیوم الآخر، والصلاة والزكاة والصیام...إلخ. وهذه العلاقة لا ینظمها القانون.

ب- علاقة الإنسان بنفسه: والمتمثلة في التحلي بالأخلاق الحسنة وتجنب أعمال السوء.

ت- علاقة الإنسان بغیره: وهي المعاملات وقد نظمها الدین الإسلامي بشكل واسع جدا. أما قواعد القانون فتقتصر على تنظیم علاقة الإنسان بغیره، أي المعاملات، وكثیرا ما یستمد مبادئ معینة من قواعد الدین ویصیغها في شكل قواعد قانونیة.

فمثلا قواعد الدین تحرم القمار وكذلك القانون الجزائري في نص المادة 612/1 ق م ج، وتحرم التعسف في استعمال الحق، وكذلك القانون في نص المادة 124 مكرر ق م ج، وتحرم البیع في مرض الموت وكذلك القانون في نص المادة 408 ق م ج.

4- من حیث الغایة: غایة قواعد الدین مثالیة هي السمو بالنفس الإنسانیة إلى الكمال بقربها من الخیر وبعدها عن الشر. أما غایة قواعد القانون فهي واقعیة منفعیة آنیة دنیویة تتمثل في تحقیق العدل والمساواة بین أفراد المجتمع وضمان أمنهم.

5- من حیث الجزاء: یترتب علة مخالفة القاعدة القانونیة جزاء عاجلا دنیویا، فإذا ارتكب الشخص جریمة معینة فأنه تحرك ضده إجراءات القبض ویحقق معه ثم یحال على المحكمة لتنفیذ الحكم علیه.

أما الجزاء في قواعد الدین فهو أساسا مؤجل ینفذ في الآخرة بعد الموت، وقد یكون عاجلا دنیویا مادیا، كما في جریمة القتل فإلى جانب الجزاء الأخروي یوجد جزاء دنیوي یتمثل في القصاص.

المطلب الثاني: تمییز قواعد القانون عن قواعد الأخلاق

یقصد بقواعد الأخلاق les règles morales المثل العلیا التي یرى الناس فیها ما ینبغي إتباعه، كالتزام الصدق واجتناب الكذب ومساعدة الضعیف وایثار الغیر على النفس...إلخ. ویتشابه القانون مع الأخلاق (الفرع الأول)، كما یختلف عنه من وجوه عدیدة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: أوجه التشابه

1- تتفق قواعد الأخلاق مع قواعد القانون في أن كلاهما قواعد عامة ومجردة، تتوجه إلى كل أفراد المجتمع وتهدف إلى تنظیم العیش فیه.

2- للقانون صلة بالأخلاق إذ أن كثیرا من القواعد القانونیة تقوم على أساس أخلاقي، فالقانون یمنع الاعتداء على النفس أو العرض أو المال، كما أنه لا یجیز الإثراء بلا سبب، كما أنه یبطل العقد إذا كان سببه غیر مشروع أي مخالف للنظام العام أو الآداب العامة، والآداب العامة هي مجموع الأخلاق الاجتماعیة السائدة في مجتمع معین.

كما أن للأخلاق وجهان: وجه خارجي موضوعي أو اجتماعي واقعي یتناول العادات والتقالید والطقوس ویمكن أن نستنتج منها القواعد القانونیة، ووجه داخلي نفسي یتناول الحس الأخلاقي والشعور بالواجب والمسؤولیة أو بعبارة أخري فكرة الضمیر والمثل العلیا مثل الخیر والعدل والجمال والمحبة والمعرفة.

الفرع الثاني: أوجه الاختلاف

1- من حیث الغایة: یهدف القانون إلى إقامة النظام في المجتمع، ولهذا فإن غایته نفعیة، بینما تهدف الأخلاق إلى السمو بسلوك الناس نحو الكمال ولهذا كانت غایتها مثالیة.

2- من حیث النطاق: تنظم الأخلاق علاقة الإنسان مع ربه ومع نفسه ومع غیره من الناس، بینما لا ینظم القانون سوى سلوك الإنسان في المجتمع مع غیره من الناس بالقدر اللازم لإقامة النظام في المجتمع.

وهناك قواعد قانونیة تعتبر خلقیة كالقواعد التي تحرم السرقة أو شهادة الزور أو تلك التى تأمر بالوفاء بالعقد، وهناك قواعد قانونیة لا صلة لها بالأخلاق كتلك التي تنظم المصالح الحكومیة أو إقامة العمران...إلخ، ومن جهة أرى هناك قواعد خلقیة لا تعتبر قواعد قانونیة كآداب الأكل وحب الخیر للناس. فلیست كل قاعدة قانونیة قاعدة خلقیة كما أن القاعدة الخلقیة لیست بالضرورة قاعدة قانونیة على الدوام.

3- من حیث الجزاء: القانون وحده هو المقترن بالجزاء المادي الذي توقعه السلطة العامة، عكس الأخلاق التي ینحصر فیها الجزاء في تأنیب الضمیر واستنكار الناس. وجزاء الأخلاق تستهدف السمو بسلوك الناس نحو الكمال بینما جزاء القانون یستهدف نفع الجماعة أو نفع الأفراد.

المطلب الثالث: تمییز قواعد القانون عن قواعد المجاملات (العادات والتقالید)

یعتبر معظم فقهاء القانون أن قواعد المجاملات les règles de convenances هي قواعد خلقیة أقل ألزاما من قواعد الأخلاق، فمثلا یستنكر الناس الكذب بشدة باعتباره منافیا للأخلاق، بینما التقصیر في التهنئة في الأفراح یتسامح فیه أغلب الناس باعتباره من قواعد المجاملات. أمثلة عن قواعد المجاملات: تبادل الهدایا، التهنئة في الأفراح، العزاء في المآتم، تبادل الزیارات، المواساة في الكوارث والمصائب،...إلخ.

تتفق قواعد المجاملات مع قواعد القانون (الفرع الأول)، إلا أن هناك اختلافا جوهریا بینهما من حیث الغایة والجزاء (الفرع الثاني).

الفرع الأول: أوجه التشابه

1- كل من قواعد القانون والمجاملات تحكم سلوك الأفراد في الجماعة، وتساهمان في تنظیم علاقات الأفراد في المجتمع.

الفرع الثاني: أوجه الاختلاف

1- من حیث الغایة: إذا كان الهدف من قواعد القانون هو تحقیق النظام والاستقرار في المجتمع، فإن الهدف من قواعد المجاملات هو تحقیق غایات وأهداف عرضیة تفرضها التقالید الموجودة في المجتمع، ولا یؤدي عدم احترامها أو إتباعها أو عدم مراعاتها إلى إنقاص أو اضطراب النظام في المجتمع.

2- من حیث الجزاء: یتمثل الجزء على مخالفة قواعد المجاملات في استنكار الجماعة والمعاملة بالمثل، بینما الجزاء على مخالفة القاعدة القانونیة فیتمثل في جزاء مادي تتولى توقیعه على الشخص المخالف السلطة العامة.

المرجع:

  1. د. بركات كريمة، محاضرات في مقياس المدخل للعلوم القانونية (النظرية العامة للقانون)، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى، جامعة محند أكلي أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، الجزائر، السنة الجامعية 2020/2021، ص 4 إلى ص19. 
google-playkhamsatmostaqltradent