تقسیمات القانون

تقسیمات القانون

تقسیمات القانون

أدى تنوع العلاقات الاجتماعیة في الجماعة وتعددها إلى تنوع القواعد القانونیة التي تحكمها وتعددت بالتالي تقسیمات القانون وفروعه. فیمكن تصنیف قواعد القانون بالنظر إلیها من زوایا مختلفة، وهكذا تصنف قواعد القانون إلى قواعد قانون عام وقواعد قانون خاص إذا أخذنا في الاعتبار عنصر السیادة أو السلطة التي تنطوي علیه النوع الأول من هذه القواعد.

كما تصنف قواعد القانون إلى قواعد آمرة وقواعد مكملة إذا نظرنا إلیها من زاویة مدى حریة الأفراد في الخضوع لها.

المبحث الأول: تقسیم القانون إلى قانون عام وقانون خاص

یعتبر تقسیم القانون إلى قانون عام Droit Public وقانون خاص Droit Privé من أهم تقسیمات القانون، إذ یرجع إلى القانون الروماني، وقد انتقل   منه إلى القوانین الحدیثة ذات النزعة اللاتینیة الجرمانیة.

المطلب الأول: أساس تقسیم القانون إلى قانون عام وقانون خاص

باعتبار القانون مجموعة من القواعد التي تنظم سلوك وعلاقات الأشخاص في المجتمع فخطابه یتوجه إلى جمیع الأشخاص طبیعیین كانوا أو معنویین، ومن بین الأشخاص المعنویة نجد بصفة خاصة الدولة باعتبارها شخصا معنویا عاما، وتمارس الدولة نشاطها تارة بوصفها صاحبة سیادة وسلطة بالنسبة للأفراد، وتارة تمارس نشاطها كالأفراد العادیین، ویمكن القول بأن عنصر السیادة أو السلطة الذي یتمیز به جانب من نشاط الدولة هو الأساس المعتمد للتفرقة بین قواعد القانون العام، وقواعد القانون الخاص. فحیث یكون عنصر السیادة والسلطة نكون بصدد قواعد قانون عام، وحیث لا یوجد هذا العنصر نكون بصدد قواعد قانون خاص.

فالقانون العام هو "مجموعة القواعد القانونیة التي تنظم العلاقات بین طرفین یكون أحدهما أو كلاهما ممن یملكون السیادة والسلطة العامة ویتصرفون بهذه الصفة (الدولة أو أحد فروعها)". 

أما القانون الخاص فهو "مجموعة القواعد القانونیة التي تنظم العلاقات بین طرفین، ولكن لا یكون أیهما صاحب سیادة أو سلطة على الآخر".

المطلب الثاني: معیار التفرقة بین القانون العام والقانون الخاص

اختلفت المعاییر والآراء حول كیفیة التفرقة بین كل من القانون العام والقانون الخاص، وأهم هذه المعاییر هي:

الفرع الأول: معیار طبیعة القواعد القانونیة

أساس التفرقة بین القانونین العام والخاص طبقا لهذا المعیار هو طبیعة القواعد القانونیة، فقواعد القانون العام ذات طبیعة آمرة لا یجوز الاتفاق على خلافها، أما قواعد القانون الخاص فذات طبیعة مكملة أو یمكن الأفراد الاتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمنا. 

ووجه النقد لهذا المعیار بأن قواعد القانون العام كلها آمرة، لكن قواعد القانون الخاص لیست كلها مكملة، فهناك الكثیر من قواعد القانون الخاص ذات طبیعة آمرة ولا یجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها.

الفرع الثاني: معیار الأشخاص أطراف العلاقة القانونیة

حیث یتعلق الأمر بعلاقة الدولة، أو  أحد فروعها بالأفراد، أو بدولة أخرى نكون أمام القانون العام. بینما یخلص للقانون الخاص تلك العلاقات التي یكون أطرافها من الأفراد.

انتقد هذا المعیار على أساس أن الدولة عندما تباشر نشاطا مع الأفراد، قد تدخل بإحدى صفتین، بصفتها مجرد شخص معنوي عادي كباقي الأشخاص المعنویة الخاصة، شأنها شأن الأفراد. وقد تدخل الدولة أو أحد فروعها في علاقة قانونیة بصفتها صاحبة السلطة والسیادة في المجتمع، فتضع نفسها في مركز أقوى من مركز الطرف الآخر في العلاقة، وحینئذ فإن القانون العام هو الذي یحكم هذه العلاقة.

الفرع الثالث: معیار المصلحة

تغلب على القانون العام المصلحة العامة، أي الغایة منه هي تحقیق المصلحة العامة، أما القانون الخاص فالغایة منه هي تحقیق المصلحة الخاصة للأفراد.

وجه نقد إلى هذا المعیار وذلك بأنه صعب التمییز بین المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، فتحقیق المصلحة العامة من شأنه تحقیق المصالح الخاصة، وحمایة المصلحة الخاصة من شأنه حمایة المصلحة العامة، فارتباط المصلحة العامة بالمصلحة الخاصة أمر لا شك فیه، فتنظیم العلاقات بین أفراد الأسرة، والعلاقة بین العامل وصاحب العمل أمر ینطوي على تحقیق المصلحتین في وقت واحد.

الفرع الرابع: معیار صفة الأشخاص أطراف العلاقة القانونیة

إذا تدخلت الدولة أو أحد فروعها العامة في العلاقة بوصفها صاحبة السلطة والسیادة، فإن القانون العام هو الذي یطبق، أما إذا تدخلت الدولة أو أحد فروعها في العلاقة شأنها شأن الأفراد العادیین، أي غیر ممثلة  للسلطة العامة، فإن العلاقة یحكمها القانون الخاص .فإذا كانت العلاقات التي تدخل فیها الدولة مع الأفراد قائمة على أساس سلطة وسیادة الدولة ولیست على أساس المساواة، فالقانون العام هو قانون السیطرة من جانب الدولة والخضوع من جانب الأفراد، مثال ذلك: قیام الدولة بنزع ملكیة خاصة للمنفعة العامة، أو ابرام عقد إداري مع أحد الموظفین، أو تعیین شخص في وظیفة عامة، فأن هذه العلاقات تعتبر ذات طبیعة عامة وتخضع للقانون العام.

أما إذا تعاملت الدولة مع الأفراد على أساس المساواة، كما لو تعاقدت مع المواطنین بالبیع والشراء من خلال ما تقوم به من نشاط تجاري أو صناعي، فإن هذه العلاقات تخضع للقانون الخاص.

ویحكم القانون العام أیضا العلاقات التي تحكم إنشاء السلطات العامة والعلاقات التي تنشأ بین هذه السلطات، والعلاقات بین سلطات الدولة مع الدول الأخرى.

المطلب الثالث: أهمیة تقسیم القانون إلى عام وخاص

تظهر أهمیة تقسیم القانون إلى عام وخاص في مجالات عدیدة نذكرها كالتالي:

الفرع الأول: في مجال الامتیازات

یخول القانون العام للسلطة العامة امتیازات كثیرة لا یعطیها القانون الخاص لأشخاصه، إذ یتیح القانون العام للدولة أو أحد فروعها أن تلجأ إلى بعض الوسائل الاستثنائیة في سبیل تحقیق المصلحة العامة، مثلا: توقیع العقاب على الجرائم، فرض الضرائب، فرض الخدمة الوطنیة، نزع الملكیة للمنفعة العامة.

الفرع الثاني: في مجال العقود

تبرم الدولة أو أحد فروعها العقود الإداریة  ولها حق إلغاء هذه العقود أو تعدیل شروطها أو توقیع جزاء على الإخلال بتنفیذه، وعلى خلاف القواعد التي تحكم العقود فیما بین الأفراد في مجال القانون الخاص، الذي تحكمه قاعدة "العقد شریعة المتعاقدین" فلا یجوز نقضه، ولا تعدیله إلا باتفاق الطرفین أو للأسباب التي یقررها القانون.

الفرع الثالث: في مجال الأموال العامة

تخضع الأموال العامة لقواعد القانون العام، التي تمنع التصرف فیها أو الحجز علیها أو تملكها بالتقادم، وذلك خلافا لنظام الملكیة الخاصة.

الفرع الرابع: في مجال الاختصاص القضائي

تختص جهة القضاء الإداري في الفصل في المنازعات المتعلقة بالقانون العام، أي التي تكون فیها الدولة أو أحد فروعها طرفا باعتبارها صاحبة السلطة والسیادة، أما المنازعات بین الأفراد والتي لا تكون الدولة أو أحد فروعها طرفا فیها، فتنظر فیها جهة القضاء العادي.

الفرع الخامس: في مجال طبیعة القواعد القانونیة

جمیع قواعد القانون العام آمرة لا یجوز للأفراد مخالفتها لأنها تتعلق بتحقیق المصلحة العامة وحمایتها، بینما یتضمن القانون الخاص طائفة من القواعد الآمرة، وكثیر من القواعد المكملة التي یجوز للأفراد مخالفة حكمها لأنها تتعلق بمصالحهم الخاصة.

المطلب الرابع: فروع كل من القانون العام والقانون الخاص

بعد التطرق إلى التفرقة بین القانون العام والقانون الخاص نتطرق إلى تحدید فروع كل من القانونیة في القانون الوضعي الجزائري.

الفرع الأول: فروع القانون العام

قواعد القانون العام هي مجموعة القواعد القانونیة التي تنظم كیان الدولة والعلاقات التي تكون الدولة أو أحد فروعها على الأقل طرفا فیها باعتبارها صاحبة السیادة والسلطة.

یقسم فقهاء القانون العام إلى خارجي وداخلي وذلك على النحو التالي:

أولا: القانون العام الخارجي القانون الدولي العام  Le droit international public

سمي بالخارجي لأن مجال تطبیقه یتجلى خارج إقلیم الدولة. یعرف القانون الدولي العام بأنه مجموعة من القواعد والأعارف والمواثیق والمبادئ القانونیة التي تنظم العلاقات سواء فیما بین الدول أو بین فرع من فروع الدولة باعتباره شخصا معنویا عاما صاحب سیادة، أو فرع آخر من دولة أخرى تتمتع بهذه الصفة، وكذلك بین دولة ومجموعة من الدول الأخرى أو إحدى المنظمات الدولیة، سواء في ظروف السلم أو الحرب أو الحیاد.

أما مصادر القانون الدولي العام فهي:

- میثاق هیئة الأمم المتحدة.

- العرف الدولي.

- المعاهدات الثنائیة والجهویة: مثل اتفاقیات المغرب العربي، واتفاقیة دول التعاون الخلیجي ...إلخ.

- المعاهدات الدولیة.

ثانیا: القانون العام الداخلي Le droit national public

الذي یقسم بدوره إلى:

1- القانون الدستوري Le droit constitutionnel : یقصد به دستور الدولة، أو القانون الأساسي للدولة، ویتمیز عن كل قوانین الدولة بصفتي الثبات والسمو، الثبات یعني أنه لا یتغیر ولا یتعدل إلا في مناسبا كبرى، ولا یحدث ذلك إلا في فترات زمنیة متباعدة، وفي حالات التغیرات الجوهریة في شكل الدولة أو هیكلة مؤسساتها العامة، أو تغییر نظام الحكم أو النظام الاقتصادي فیها والسمو یعني أنه یعلو على باقي قوانین الدولة، ولا یجوز لأي قانون آخر أن یتضمن نصوصا تخالف المبادئ والقواعد التي ینص علیها الدستور، والا اعتبر ذلك القانون المخالف للدستور باطلا أي غیر دستوري.

یبین الدستور حقوق الأفراد العامة، كالحق في المساواة أمام القانون، حق الانتخاب، الحق في حریة الرأي والعقیدة والاجتماع،...إلخ، والى جانب الحقوق یبین الدستور الواجبات العامة للأفراد كواجب الدفاع عن الوطن وواجب أداء الضریبة ...إلخ.

2- القانون الإداري Le droit administratif : هو مجموعة القواعد القانونیة التي تنظم قیام السلطة التنفیذیة بآداء وظائفها الإداریة المختلفة. ویهتم القانون الإداري بالإدارة العامة من عدة جوانب تتمثل أساسا في:

- الجانب التنظیمي: من حیث بیان القواعد المتعلقة بتركیب وتنظیم الجهاز الإداري بالدولة (الإدارة المركزیة، والإدارة المحلیة).

- الجانب الوظیفي: من حیث التطرق إلى القواعد المطبقة على الإدارة العامة لدى قیامها بنشاطها ومهامها وخدماتها.

- جانب الوسائل: من حیث التعرض إلى مختلف الوسائل والإمكانیات التي یستلزمها القیام بالنشاط الإداري، سواء كانت بشریة (موظفون)، أو مادیة (أموال عامة)، أو قانونیة (قرارات، وصفقات عمومیة).

- الجانب القضائي: من حیث بیان الهیئات القضائیة المختصة بالفصل في المنازعات الإداریة (المحاكم الإداریة ومجلس الدولة).

3 – القانون المالي Le droit financier : یشمل كل القواعد التي تحكم وتنظم مالیة الدولة والجماعات المحلیة العمومیة، سواء فیما یتعلق بتحدید أو تصفیة أو جبایة الإیرادات المختلفة (من ضرائب مباشرة وغیر مباشرة، رسوم،..)، أو فیما یتعلق بالمصاریف الواجبة علیها، سواء عن كیفیة الالتزام بها أو تصفیتها أو الأمر بصرفها أو دفعها. ویشمل كذلك القواعد الخاصة بتعیین وانضباط المسؤولین على تحضیر وتنفیذ المیزانیة والتصویت علیها ومراقبتها.

ویقصد بالمیزانیة تلك الوثیقة التي تحتوي على كل التكالیف والموارد المالیة المتوقع صرفها أو تحصیلها، خلال السنة الجدیدة، وسمیت بالمیزانیة لأنه یراعى فیها التوازن في الإیرادات والنفقات السنویة، وعادة ما تنص الدساتیر على كیفیة مناقشة المیزانیة والتصویت علیها ومراقبتها، بمعرفة نواب الشعب.

4- القانون الجنائي: Le droit criminel

هو مجموعة القواعد القانونیة الموضوعیة والإجرائیة (في مجال التجریم والعقاب)، التي تضعها الدولة لتنظیم حقها في توقیع العقاب. وتنقسم هذه القواعد إلى قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائیة.

- قانون العقوبات Le droit pénal

ویضم قسمین، قسم عام یتولى تنظیم الأحكام العامة للمسؤولیة الجنائیة والظروف المخففة والمشددة، وتقسیم الجرائم إلى مخالفات وجنح وجنایات. وقسم خاص یتعلق بتحدید كل جریمة على حدة والعقوبة المقررة لها. وقد صدر قانون العقوبات الجزائري في 8 یونیو 1966، بموجب الأمر رقم 66- 156   ویضم 468 مادة.

- قانون الإجراءات الجزائیة Le droit de la procédure pénale

وهو مجموعة القواعد الشكلیة التي تبین الإجراءات الواجب إتباعها في تتبع وضبط الجرائم والتحقیق فیها، واصدار الأحكام، والطعن فیها، وطرق تنفیذ العقوبات، وكذا الهیئات القضائیة المخول لها القیام بها.

الفرع الثاني: فروع القانون الخاص

یشمل القانون الخاص القواعد القانونیة التي تنظم العلاقات بین الأفراد فیما بینهم بما فیهم الدولة، لكن باعتبارها شخصا معنویا عادیا، ولیست صاحبة سیادة أو سلطة.

ویقسم القانون الخاص إلى عدة فروع هي كالتالي:

- القانون المدني: Le droit civil

هو مجموعة من القواعد الموضوعیة التي تنظم كل العلاقات التي تنشأ بین الأشخاص في المجتمع، باستثناء ما تولى تنظیمه فرع آخر من فروع القانون الخاص، ولهذا یطلق علیه تسمیة الشریعة العامة. ویتولى القانون المدني تنظیم العلاقات المالیة بین الأشخاص والتي تنقسم إلى حقوق شخصیة (حق الدائنیة بین الدائن والمدین)، وحقوق عینیة ویقصد بها تلك السلطة التي یعترف بها القانون لشخص معین على شيء معین، ویترتب على هذه السلطة أن تصبح لهذا الشخص الحریة في التصرف في هذا الشيء واستغلاله أو الانتفاع به.

وقد صدر القانون المدني الجزائري في 26 سبتمبر 1975 بموجب الأمر رقم 75-58 ویحتوي على 1003 مادة.

2- القانون التجاري: Le droit commercial 

یعرف القانون التجاري أنه مجموعة القواعد التي تنظم الأعمال التجاریة في مختلف جوانبها، ویخضع لها فئة معینة من الأشخاص هم التجار، فتحدد الشخص التاجر وتبین الأنواع المختلفة الأعمال التجاریة، وواجبات والتزامات التاجر كالقید في السجل التجاري ومسك الدفاتر التجاریة، ویحدد الشركات التجاریة بأنواعها المختلفة، تكوینها وممارسة نشاطها، وانقضاؤها، والعقود التجاریة، والإفلاس.

ولم ینفصل القانون التجاري عن القانون المدني إلا في القرون الوسطى ویعود السبب في ذلك إلى:

1- مراعاة السرعة في المعاملات التجاریة وهذا غیر مألوف في قواعد القانون المدني.

2- تدعیم الثقة والائتمان بین محترفي التجارة.

وقد صدر القانون التجاري الجزائري في 26 سبتمبر 1975 بموجب الأمر رقم 75-59 ، ویحتوي على 842 مادة.

3- قانون الأسرة (قانون الأحوال الشخصیة)Le droit de la famille  :

یحتوي هذا القانون على القواعد التي تنظم العلاقات بین الأشخاص والتي یغلب علیها الطابع الشخصي أو العائلي، وتتمثل في القواعد المنظمة للأهلیة والأسرة والخطبة والزواج والطلاق، والنسب،... إلخ، كما یحتوي على أحكام الوصیة والهبة والمیراث.

صدر قانون الأسرة الجزائري في 9 جوان 1984 بموجب القانون رقم 84-11، ویضم 224 مادة.

4- القانون البحري Le droit maritime

هو مجموعة القواعد القانونیة التي تنظم العلاقات التجاریة الناشئة عن الملاحة البحریة، ویستمد هذا القانون جانبا كبیرا من قواعده من الاتفاقیات الدولیة، ویتناول هذا القانون أداة الملاحة البحریة (السفینة)، من حیث بنائها وتجهیزها، كما یتناول علاقة مالك السفینة بربانها وملاحیها، ومسؤولیة مالكها، مسألة التأمین على السفینة، وكافة التصرفات التي تتم بشأنها. كما یتناول القانون البحري الصور المتنوعة للاستغلال البحري، سواء تمثل في تأجیر السفینة إلى الغیر أو استخدامها في نقل البضائع أو المسافرین ...إلخ.

وقد صدر القانون البحري الجزائري في 13 أكتوبر 1976 بموجب الأمر رقم 76-80.

5- القانون الجوي Le droit aérien

یعتبر القانون الجوي من أحدث فروع القانون الخاص، فقد ظهر وتأسست قواعده نتیجة لما أحرزه الطیران من تقدم. یشمل القانون البحري مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات الناشئة عن الملاحة الجویة، فیتناول الطائرة كأداة للملاحة الجویة والتصرفات الواردة علیها من بیع ورهن وتأجیر، كما یعالج بوجه خاص مسؤولیة الناقل الجوي.

وقد صدر القانون الجوي الجزائري في 27 جویلیة 1998، بموجب القانون رقم 98-06.

6- قانون العمل Le droit du travail

یشمل قانون العمل مجموعة القواعد القانونیة المنظمة للعلاقة بین العمال وأصحاب الأعمال، والتي تهدف لحمایة العامل من تعسف أرباب العمل، وحمایة هؤلاء من عدم انضباط العمال أیضا.

صدرت أول مدونة لقانون العمل في الجزائر بموجب الأمر رقم 75-31 في 29 أفریل 1975، وعدلت عدة مارت إلى أن صدر القانون رقم 90-11 في 21 أفریل 1990، المتعلق بعلاقات العمل.

7- القانون الدولي الخاص Le droit international privé

هو مجموعة القواعد القانونیة التي تنظم العلاقات ذات العنصر الأجنبي بین الأفراد، فتبین القانون الواجب التطبیق والمحكمة المختصة بالنسبة لهذه العلاقات. فالقانون الدولي الخاص یفترض وجود علاقة ذات عنصر أجنبي، والعنصر الأجنبي الذي یدخل في تكوین علاقات الأفراد فیثیر بشأنها تنازع القوانین (أي تحدید القانون الواجب التطبیق)، أو تنازع الاختصاص القضائي (أي بیان قواعد الاختصاص القضائي في حالة التنازع بین الجهات القضائیة)، هو:

أ/ إما أن یكون أحد طرفي العلاقة القانونیة صاحب جنسیة أجنبیة عن الدولة التي رفع فیها النزاع أمام المحكمة. مثال: إذا تزوج جزائریان في فرنسا ثم ثار نازع بینهما بشأن هذا الزواج، فهل ینعقد الاختصاص بالفصل فیه للمحاكم الجزائریة باعتبارها محاكم جنسیة الزوجین، أم أن الاختصاص یعود للمحاكم الفرنسیة لأنها محاكم الدولة التي ابرم فیها عقد الزواج. واذا افترضنا أن الاختصاص القضائي ثبت للمحاكم الجزائریة، فما هو القانون الواجب التطبیق هل القانون الجزائري نظار لأنه قانون جنسیة الطرفین، أم هو القانون الفرنسي باعتباره قانون البلد الذي نشأت فیه العلاقة.

ب/ أو أن یكون محل العلاقة مالا منقولا أو عقارا موجود في بلد أجنبي. مثال: كأن یبیع تونسي لجزائري عقارا موجود بدولة المغرب، وابرم عقد البیع في الجزائر. ففي حالة یقوم نازع بین الطرفین بشأن العقار، یثار التساؤل عن القضاء المختص بنظر هذا النازع، والقانون الواجب التطبیق، الفرنسي أو الجزائري.

ج/ أو أن یكون مصدر العلاقة القانونیة عقدا أبرم في بلد أجنبي.

المبحث الثاني: تقسیم القانون إلى قواعد آمرة وقواعد مكملة

یقسم القانون من حیث حریة الأفراد تجاه قواعده إلى قواعد آمرة، یقید فیها حریة الأفراد بحیث یمنعهم من مخالفة نصوص هذه القواعد، والى وقواعد مكملة یمنح فیها للأفراد نوعا من الحریة والاختیار في تنظیم نشاطهم، بحیث یمكن لهم مخالفة نصوصها.

المطلب الأول: تعریف كل من القواعد الآمرة والقواعد المكملة

قواعد القانون سواء كانت آمرة أو مكملة هي قواعد ملزمة، تتضمن أمرا أو نهیا ینطوي على الإلزام. فما هو تعریف كل منهما؟

الفرع الأول: تعریف القاعدة القانونیة الآمرة وأثر مخالفتها

نتطرق بدایة إلى تعریف القاعدة الآمرة ثم لأثر مخالفتها على اتفاقات الأفراد.

أولا: تعریف القاعدة القانونیة الآمرة La règle impérative

هي القاعدة التي تأمر بفعل ما أو تنهى عنه، بحیث لا یجوز للأفراد الاتفاق على ما یخالفها، وذلك لاتصالها الوثیق بكیان المجتمع  وبالنظام العام والآداب العامة.

والقواعد الآمرة قواعد مفروضة ولا خیار للأفراد في إتباعها أو عدم إتباعها، بل علیهم الخضوع المطلق لأحكامها والعمل بمقتضاها، وقد جرى الفقه على تسمیتها بالقواعد الآمرة أو الناهیة أو الباتة.

فجمیع القواعد المقررة للمصلحة العامة، ولها ارتباط وثیق بكیان المجتمع ومبادئه ونظامه العام وآدابه، (التي تمس الجماعة) تعد آمرة مثل: القواعد المنظمة لهیئات الدولة أو المتعلقة بأمنها الداخلي أو الخارجي، والقواعد التي تأمر بآداء الضرائب، وبالخدمة الوطنیة، وتعاقب على التهرب منهما، وتلك القواعد التي تعاقب على جرائم القتل والسرقة  واتلاف مالا لغیر والتزویر.

ثانیا: أثر مخالفة القاعدة الآمرة على اتفاقات الأفراد

تتعلق القاعدة الآمرة بكیان المجتمع وأسسه ولذا فإن كل اتفاق على ما یخالفها یكون باطلا بطلانا مطلقا. مثال ذلك: نص المادة 92/2 ق م ج التي تنهى عن التعامل في تركة إنسان على قید الحیاة.

الفرع الثاني: تعریف القاعدة المكملة وقوة الإلزام فیها نتطرق لتعریف القاعدة المكملة ثم لقوة الإلزام فیها.

أولا: تعریف القاعدة القانونیة المكملة La règle supplétive

هي القاعدة التي یجوز للأفراد الاتفاق على ما یخالفها، لأنها تتعلق بالمصالح الخاصة للأفراد، لذلك فضل المشرع أن یترك لهم حریة تنظیم مصالحهم ولو على نحو مخالف لما تقضي به القاعدة المكملة. وقد جرى الفقه على تسمیة هذا النوع من القواعد بالقواعد المكملة أو القواعد النسبیة أو المقررة أو المفسرة.

ومن أمثلة القواعد المكملة ما تنص علیه المادة 387 ق م ج على اتفاق البائع والمشتري على المبیع والثمن دون أن یحددا میعاد دفع الثمن وتسلیم المبیع ولا المكان الذي یجب أن یتم فیه ذلك. وما تنص علیه المادة 498 ق م ج على التزام المستأجر بدفع بدل الإیجار في المواعید المتفق علیها وفي موطن المستأجر، ما لم  یوجد اتفاق أو عرف یقضي بخلاف ذلك.

ثانیا: القوة الملزمة للقاعدة المكملة

یرى بعض الفقه أنه یوجد تعارض بین خاصیة إلزامیة القاعدة القانونیة وجواز مخالفة القاعدة المكملة، أي أن القاعدة المكملة تخلو من الإلزام وأنها قاعدة غیر قانونیة، لأنها تتیح للأفراد إمكانیة مخالفة حكمها، بحیث إذا ما اتفقوا على مخالفتها، كان اتفاقهم صحیحا، أما إذا سكتوا ولم یتفقوا على مخالفتها فإنها تسري في حقهم، وهذا غیر صحیح فقواعد القانون كلها قواعد ملزمة سواء كانت آمرة أو مكملة.

فالقاعدة المكملة إذن ملزمة وكل ما في الأمر أن تطبیقها معلق على شرط عدم اتفاق الطرفان على مخالفتها، فإذا لم یتفق الطرفان على تطبیقها أصبح ما تقرره ملزما لهما، أما إذا اتفق الطرفان على مخالفتها فإنها لا تطبق على علاقتهما القانونیة، أي أن عدم تطبیقها في هذه الحالة لا یرجع إلى عدم إلزامها وانما یرجع إلى عدم توافر شرط هذا التطبیق.

المطلب الثاني: معیار التمییز بین القواعد الآمرة والقواعد المكملة

عرف الفقه للتمییز بین القاعدة الآمرة والقاعدة المكملة معیارین: الأول یعتمد على دلالة عبارة النص، ویعتمد الثاني على مدى اتصال حكم النص بالنظام العام والآداب العامة في الدولة.

الفرع الأول: المعیار اللفظي (الشكلي أو الجامد)

قد تدل عبارة النص على أن القاعدة ذات طبیعة آمرة، كما لو جاء في نص المادة العبارات التالیة: عدم جواز الاتفاق على ما یخالف حكم هذا النص، یقع باطلا كل اتفاق على ما یخالف النص، لا یجوز، یجب...، یقع باطلا كل شرط یقضي بخلافه، ...یعد باطلا...، یمتنع، یعاقب،... إلخ.

أما إذا تضمن نص القاعدة الألفاظ التالیة كانت قاعدة مكملة: ما لم یوجد اتفاق على خلاف ذلك، ما لم یتفق على غیره، یجوز الاتفاق على...، یجوز...، ما لم یوجد اتفاق أو عرف یقضي بغیر ذلك، ...إلخ.

أمثلة عن القواعد الآمرة:

- تنص المادة 495 ق م ج على أنه:" یجب على المستأجر أن یعتني بالعین المؤجرة وأن یحافظ علیها مثلما یبذله الرجل العادي...".

- تنص المادة 454 ق م ج على أنه:" القرض بین الأفراد یكون دائما بدون أجر ویقع باطلا كل نص یخالف ذلك".

- تنص المادة 107 ق م ج على ما یلي:" یجب تنفیذ العقد طبقا لما اشتمل علیه وبحسن نیة".

- تنص المادة 110 ق م ج على أنه: "إذا تم العقد بطریقة الإذعان وكان قد تضمن شروطا تعسفیة، جاز للقاضي أن یعدل هذه الشروط أو أن یعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة، ویقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك".

أمثلة عن القواعد المكملة:

- تنص المادة 368 ق م ج على أنه: إذا وجب تصدیر المبیع للمشتري، فلا یتم التسلیم إلا إذا وصل إلیه، ما لم یوجد اتفاق یخالف ذلك".

- تنص المادة 356 ق م ج على ما یلي: "یجوز أن یقتصر تقدیر الثمن على بیان الأسس التي یحدد بمقتضاها فیما بعد".

- تنص المادة 387 ق م ج على ما یلي: "یدفع ثمن البیع من مكان تسلیم المبیع، ما لم یوجد اتفاق أو عرف یقضي بغیر ذلك".

- تنص المادة 67 ق م ج على أنه: "یعتبر التعاقد ما بین الغائبین قد تم في المكان وفي الزمان اللذین یعلم فیهما الموجب بالقبول، ما لم یوجد اتفاق أو نص قانوني یقضي بغیر ذلك...".

الفرع الثاني: المعیار المعنوي (الموضوعي أو المرن)

إذا اتصل مضمون (حكم) النص بالنظام العام وبالآداب العامة كانت القاعدة القانونیة آمرة، أي إذا اتصل موضوع القاعدة ذاتها بالنظام العام وبالآداب العامة كانت ذات طبیعة آمرة. أما إذا تعلق مضمون القاعدة بالمصالح الخاصة للأفراد كانت مكملة ولذلك سنتناول تعریف كل من النظام العام والآداب العامة فیما یلي:

أولا: تعریف النظام العام L’ordre public

عرف الفقه النظام العام بقولهم أنه "مجموع المصالح الأساسیة للمجتمع، سواء كانت سیاسیة أو اقتصادیة أو اجتماعیة أو دینیة أو خلقیة...إلخ ، مثلا الأسس التي یقوم علیها النظام الاقتصادي، حر یعتمد على المنافسة الحرة أو موجه یعتمد على التخطیط المسبق، والأسس الخلقیة مثل المحافظة على أرواح الأفراد وأموالهم، ومحاربة الرق والمخدرات.

وتهدف قواعد النظام العام إلى تحقیق المصلحة العامة والاتفاق على مخالفتها یكون باطلا بطلانا مطلقا.

وتعتبر قواعد القانون العام من النظام العام، فالقانون الدستوري مثلا یبین نظام الحكم  وحقوق الأفراد وواجباتهم العامة، وهذه تمثل المصالح السیاسیة الأساسیة في المجتمع، وبالتالي تعتبر قواعد القانون الدستوري آمرة لا یجوز الاتفاق على مخالفتها، وتعتبر قواعد قانون العقوبات من النظام العام لأنها خاصة بتحقیق الأمن في المجتمع، وتعتبر قواعد القانون الإداري من النظام العام وكذلك قواعد القانون المالي.

أما قواعد القانون الخاص كالقانون المدني والقانون التجاري وقانون العمل...إلخ، قد تتعلق بالنظام العام إذا كانت تنظم مصالح أساسیة في المجتمع كقواعد قانون الأسرة، وقد لا تتعلق بالنظم العام مثل القواعد التي تنظم عقد البیع مثلا. حیث نجد أن معظم قواعد القانون الخاص قواعد مكملة، لأنها تتعلق بالمعاملات بین الأفراد، وتتعلق قواعد قانون الأسرة بالأحوال الشخصیة والحالة المدنیة للأشخاص وتعتبر بالتالي من النظام العام لأنها تخص النظام الاجتماعي.

ثانیا: تعریف الآداب العامة Les bonnes mœurs

تمثل الآداب العامة مجموعة الأسس الخلقیة الأساسیة اللازمة للمحافظة على المجتمع من الانحلال والانهیار الخلقي، وهي المبادئ التي تنبع من التقالید والمعتقدات والأخلاق في المجتمع والتي یتكون منها الحد الأدنى من القیم والأخلاق التي یعد الخروج علیها انحرافا وتحللا یدینه المجتمع،  والآداب العامة تعتبر جزءا من النظام العام.

تعد فكرة النظام العام والآداب العامة فكرة مرنة غیر محددة أي أنها نسبیة، تختلف من مجتمع إلى آخر، كما قد تختلف داخل المجتمع الواحد، كما تتغیر وفقا لعاملي الزمان والمكان، فما یعتبر متفق مع الآداب في مجتمع معین قد لا یعتبر كذلك في مجتمع آخر، مثال ذلك في المجتمعات الإسلامیة لا یجوز التعایش بین الرجل والمرأة في غیر إطار الزواج الشرعي، أما في المجتمعات الغربیة فإن علاقة الخلیل بخلیلته مشروعة وترتب آثارا قانونیة.

وقد تختلف فكرة النظام العام والآداب العامة في المجتمع الواحد من وقت لآخر، فما یعتبر مخالفا للآداب العامة في المجتمع الواحد في زمن معین قد لا یعتبر مخالفا له في المستقبل، فمثلا التأمین كان محرما في الماضي وأصبح الیوم جائزا وبل إجباریا في بعض أنواعه.

المرجع:

  1. د. بركات كريمة، محاضرات في مقياس المدخل للعلوم القانونية (النظرية العامة للقانون)، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى، جامعة محند أكلي أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، الجزائر، السنة الجامعية 2020/2021، ص 21 إلى ص38. 
google-playkhamsatmostaqltradent