تعريف القانون الإداري خصائصه ومصادره

تعريف القانون الإداري خصائصه ومصادره

تعريف القانون الإداري وخصائصه ومصادره

تخضع الإدارة العامة كأصل عام في تعاملاتها لقانون الإدارة باعتباره علم وفن، حيث يحكم بعضا من تصرفاتها القانون الإداري، بينما يضبط البعض الآخر القانون الخاص في حالات، على أساس أن الإدارة عندما استأثرت بقواعد متميزة كان ذلك نظير تمثيلها السلطة العامة ،باعتبارها تتصرف باسم الصالح العام، تلبية للحاجات العامة، فإن هي ابتعدت عن النشاط المتميز لم تعد هناك حاجة لإفرادها بقواعد متميزة، إنما تخضع للقانون العادي، ما يفرض الوقوف عند التعريف بالقانون الإداري نظرا لخصوصياته باعتباره قانونا مستقلا  قائما بذاته (مطلب أول)، والإلمام بخصائصه ومصادره لإبراز مفهومه بشكل واضح جلي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التعريف بالقانون الإداري

انبثقت، مع ازدياد تد خل الدولة في شتى الميادين، مجموعة من القواعد القانونية المتميزة عن قواعد القانون الخاص، شكلت القانون الإداري الذي هو جزء من قانون الإدارة العامة، يتضمن -باعتباره فرعا   من فروع القانون العام الداخلي- مجموعة من القواعد القانونية المتميزة والاستثنائية، التي تحكم الإدارة العامة من حيث تنظيمها، نشاطها وتصرفاتها، نشأ عبر مراحل مختلفة ارتبطت بعدة ظروف سياسية، اقتصادية واجتماعية مرت بها فرنسا، باعتباره قانونا فرنسيَّ النشأةِ، تطور عبر دفعات (الفرع الثاني)، أرست تعريفه الحالي (الفرع الأول).

الفرع الأول: تعريف القانون الإداري

يرتبط ضبطُ تعريف دقيق للقانون الإداري بالجوانب التي يركز عليها عامة، ما نتج عنه ظهور مفهوم واسع (أولا)، وآخر فني ضيق (ثانيا).

أولا: التعريف الواسع للقانون الإداري

يجد المدلول الواسع للقانون الإداري أساسه في نظام القضاء الموحد، الذي لا يعترف بوجود قضاء إداري يختص بمنازعات الإدارة العامة، ويقوم على امتداد اختصاص القضاء العادي إلى جميع المنازعات ا لتي تنشأ في الدولة، إدارية كانت أو عادية، وبهذا فهو قانون الإدارة العامة.

عرف الفقه، الإدارة العامة، استنادا إلى المعيار العضوي (الشكلي)، باعتبارها مجموعة الأجهزة والهياكل والهيآت القائمة في إطار السلطة التنفيذية عبر مختلف مستوياتها ،وتشمل الهيئة المركزية والهيآت اللامركزية، بما تستخدمه من أشخاص وأموال، إضافة للمعيار الموضوعي (المادي أو الوظيفي)، على أساس أن الإدارة العامة ما هي إلا مجموعة الأنشطة والخدمات والوظائف، والأعمال التي تقوم بها تلك الأجهزة والهيآت إشباع الحاجات العامة للجمهور.

في حين عرفها المشرع الجزائري في المادة 14 من القانون رقم 90-02، يتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب، على أنها: "تعد مؤسسات وادارات عمومية، في مفهوم هذا القانون، المؤسسات والهيآت العمومية ذات الطابع الإداري، وكذلك الإدارات المركزية التابعة للدولة والولايات والبلديات".

يقصد بالقانون الإداري بالمفهوم الواسع (قانون الإدارة)، "مجموعة القواعد القانونية التي تحكم الإدارة العامة من حيث تنظيمها ونشاطها وأموالها وما يثيره هذا النشاط من منازعات" ، فهو بذلك القانون الذي يحكم الهيئة والنشاط الإداريين، أو هو "مجموعة القواعد القانونية مهما كان مصدرها التي تحكم الإدارة العامة".

وعليه، يشمل المفهوم الواسع للقانون الإداري، مجموعة القواعد القانونية المطبقة على الإدارة بغض النظر عن طبيعتها، سواء كانت قواعد القانون العام أو الخاص، بل وحتى وان كان مصدرها –فقط- القانون الخاص، ويرتبط بالمنظومة الأنجلوساكسونية التي ترفض التمييز بين المجالين العام والخاص، وتأخذ بخضوع الإدارة إلى نفس القواعد القانونية التي يخضع لها الأفراد، وبهذا المعنى يكون القانون الإداري موجودا في كل الأنظمة القانونية.

ثانيا: التعريف الفني الضيق للقانون الإداري

تُخْضِع طبيعة قواعد القانون الإداري، الإدارة العامة إلى نوعين من القواعد القانونية، قواعد القانون الخاص، وذلك عندما تتصرف كالأفراد، ومنه، يختص القضاء العادي في الفصل في المنازعات التي يمكن أن تتولد بمناسبة ممارستها لنشاطاتها، فضلا عن قواعد القانون الإداري، التي تخولها الانفراد بجملة من امتيازات السلطة العامة الماسة بالمراكز القانونية للأفراد.

ومنه، يمكن تعريف القانون الإداري بمعناه الضيق الفني، على أنه:" مجموعة القواعد القانونية غير المألوفة المتميزة عن قواعد القانون الخاص، التي تتعلق بالإدارة العامة حينما تتصرف كسلطة عامة" ، أو هو "مجموعة القواعد القانونية المتميزة والمختلفة عن قواعد القانون الخاص التي تحكم الإدارة العامة من حيث تنظيمها ونشاطها وما يترتب على هذا النشاط من منازعات" ، كما عرفه الأستاذ "سعيد نحيلي" على أنه: "مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقة الإدارة العامة بالأفراد، وعلاقة الإدارات المختلفة فيما بينها، كما يتضمن القواعد التي تنظم وتحكم نشاط الإدارة العامة من خلال ما تملكه الإدارة من وسائل وامتيازات في سبيل إشباع الحاجات العامة".

وعليه، فالقانون الإداري أحد فروع القانون العام الداخلي، يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها باعتبارها سلطة عامة، والتي تميز بين المجالين العام والخاص، حيث تُفرد الإدارة العامة بقانون متميز خاص بها باعتبارها تستهدف المصلحة العامة.

وبهذا المعنى، لا يتواجد القانون الإداري بمفهومه الضيق، إلا في الدول التي تأخذ بنظام الازدواجية القضائية والقانونية ، والتي تتحقق بوجود جهات قضائية إدارية مستقلة، تنفرد بالنظر في المنازعة الإدارية (المحاكم الإدارية، مجلس الدولة ومحكمة التنازع) ،وجهات القضاء العادي تختص بالنظر في النازعات العادية، فضلا عن ضرورة وجود قواعد ومبادئ قانونية خاصة واستثنائية غير مألوفة في قواعد الشريعة العامة، تمنح للإدارة امتيازات وسلطات استثنائية تجعلها في مركز متميز مقارنة بمركز الأفراد ،ضرورية لتحقيق التوازن بين فكرة امتيازات الإدارة العامة وبين حقوق وحريات الأفراد، ومقتضيات مبدأ المشروعية وسيادة القانون.

من أمثلة الامتيازات الاستثنائية غير المعروفة في القانون الخاص، امتياز السلطة الإدارية في اتخاذ قرارات إدارية بإرادتها المنفردة ت غير بمقتضاها من مراكز الأفراد، مثل قرار الإدارة بغلق محل لمخالفته للشروط المتطلبة قانونا، امتياز الإدارة في التنفيذ الجبري المباشر دون الحاجة لحكم قضائي مسبق، حق تعديل العقود الإدارية بمفردها لضرورات الصالح العام مقابل تعويض المتعاقد معها...

وعليه، فالقانون الإداري بالمعنى الضيق هو القانون الإداري محل الدراسة، باعتباره قانونا متميزا يحتوي على أحكام استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، رغم أ نه ليس القانون الوحيد الذي تخضع له الإدارة العامة، حيث تخضع لأحكام القانون الخاص في الحالات التي تتجرد من السلطة العامة، بالتالي، فالقانون الإداري ليس إلا جزءا من الظاهرة الإدارية عامة.

الفرع الثاني: نشأة وتطور القانون الإداري

أجمعت مختلف الدراسات الفقهية على ظهور القانون الإداري في فرنسا، ونشأ عبر مراحل فرضتها أوضاع وأسباب موضوعية، فارتبط بتاريخها ونظام الحكم فيها، تطور تبعا لذلك (أولا)، وتبنته العديد من الدول منها الجزائر، وتطور تبعا لنظامها (ثانيا).

أولاً: نشأة القانون الإداري في فرنسا

نشأ القانون الإداري في فرنسا تزامنا مع الثورة الفرنسية نتيجة لتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، أين طغت مرحلة الفساد (أ)، ومحاولة إصلاح الوضع من خلال اعتماد نظام الإدارة القاضية (ب)، وصولا لمرحلة القضاء الإداري المحجوز (ج)، لغاية إرساء نظام القضاء البات (د).

أ) مرحلة الفساد القضائي والإداري في فرنسا

وهي المرحلة السائدة ما قبل الثورة الفرنسية 1789، حيث شهدت فسادا قضائيا من خلال تدخل المحاكم العادية (البرلمانات) في الشؤون والاختصاصات الإدارية، إذ كانت كل مظاهر السلطة تجتمع في يد الملك، الذي لا يمكن أن يخضع بشكل من الأشكال للرقابة.

كانت البرلمانات تمارس سيطرة على الإدارة وتتدخل في شؤونها، وتعرقل كل حركة إصلاحية تسعى لاتخاذها، في وقت كانت فيه الدولة بحاجة إلى تقوية أركانها، وهو ما نتج عنه مساس بحقوق الأفراد من الطبقة العادية، خاصة بعد انشغال الطبقة البرجوازية ورجال الدين بصنع الثروة، ما دفع برجال الفكر والفقهاء والفلاسفة إلى تفجير الثورة الفرنسية.

قرر رجال الثورة الفرنسية -تطبيقا لتفسيرهم الخاص لمبدأ الفصل بين السلطات- منع محاكم القضاء العادي من النظر في الأعمال الإدارية بأية صورة من الصور، وتقرر على إثر ذلك مبدأ استقلال الإدارة العامة الفرنسية استقلالا عضويا وموضوعيا عن القضاء العادي بعد إلغاء البرلمانات القضائية، إلا أن إقصاء هذه الأخيرة أدى إلى حدوث فراغ رقابي على أعمال الإدارة العامة، ما فرض إحداث نظام رقابي بديل فكانت مرحلة الإدارة القاضية.

ب) مرحلة الإدارة القاضية

بعد قيام الثورة الفرنسية تأكدت السلطة العامة أن المحاكم العادية تعرقل إصلاحات الإدارة العامة، بالتالي الحد من فعاليتها، وتأكيدا على اتجاه الثورة الفرنسية للفصل بين السلطات، صدر قانون رقم 16-24 أوت 1790، الذي ألغى المحاكم القضائية.

ونظرا لعدم وجود محاكم بديلة تختص بالنظر في النزاعات الإدارية في تلك المرحلة، عُهِد الاختصاص إلى الهيآت الإدارية نفسها، حيث تكون خصما وحكما في ذات الوقت، وبناء على ذلك أطلق على هذه المرحلة، مرحلة الإدارة القاضية أو ما يعرف بنظرية الوزير القاضي.

وان كانت هذه المرحلة مقبولة إلى حد ما، في ذلك الوقت، بسبب سوء سمعة قضاء البرلمانات، إلا أن هذا النظام الجديد في حد ذاته مخالف لمبدأ الفصل بين السلطات، فإن كان لا يحق للقضاء العادي الفصل في المنازعات الإدارية، فإنه لا يجوز أيضا للإدارة أن تتولى نشاطا قضائيا، في ظل ما يثيره الأمر من شك  في ضمان حيادها، فكيف لها أن تكشف عن أوجه عدم مشروعية أعمالها للرأي العام ،ومنه، عزوف الأفراد عن مخاصمة الإدارة، ما أدى إلى شل أهم وسيلة من وسائل الرقابة على أعمال الإدارة العامة.

ج) مرحلة القضاء الإداري المحجوز أو المقيد

فرض تفاقم منازعات الإدارة العامة، إدخال إصلاحات على نظام الإدارة القاضية، وهو ما تجسد من خلال إنشاء مجلس الدولة على المستوى المركزي، ومجالس الأقاليم (المحافظات) على المستوى اللامركزي، بموجب المادة 52 من دستور السنة الثامنة من قيام الجمهورية الفرنسية الأولى، وهو ما يعتبر في حقيقة الأمر النشأة الأولى للقانون والقضاء الإداريين، وان لم  تتعدَّ تلك الأجهزة مجرد هيآت إدارية استشارية، وُ أطلق على هذه المرحلة مرحلة القضاء المحجوز أو المقيد.

انحصرت سلطة مجلس الدولة في فحص الطعون وتقديم المشورة بشأنها، في شكل مشروع قرار إداري، ليتم التصديق عليه من قبل رئيس الدولة (نابليون آنذاك)، وعليه لم يكن (المجلس) في هذه المرحلة جهة قضائية تملك صلاحية البث النهائي، أما مجالس الأقاليم كانت قراراتها قابلة للطعن أمام مجلس الدولة، ليتكرر سيناريو التصديق عليها، بالتالي لم يكن قضاؤها هي الأخرى كاملا، وعليه، فالتطور الحاصل في هذه المرحلة، لم يُلْغِ مرحلة الإدارة القاضية، وان أثبت مجلس الدولة سلطته القضائية الفعلية، إذ نادرا ما  تنْقض أحكامه من قبل الإدارة.

د) مرحلة القضاء المفوَّض أو البات

اعتبر الفقه والقضاء أن التجديدات التي جاءت بها القنصلية في السنة الثامنة من الثورة الفرنسية، لم  يُقصد منها إلغاء نظام الإدارة القاضية، إنما تعزيز الإدارة بهيآت أخرى لتختص بالنظر في المنازعات التي تخولها إياها، ومنه، ظلت الإدارة الجهة القضائية ذات الاختصاص العام في النظر في المنازعة الإدارية، لتختص المحاكم العادية في المسائل والمنازعات المخولة لها بموجب نصوص صراحة.

تحول مجلس الدولة الفرنسي إلى هيئة قضائية، بعد الاعتراف له باختصاص الفصل في المنازعة الإدارية بمقتضى القانون الصادر في 24 ماي 1872، بموجب أحكام قضائية نهائية، لها قوة الشيء المقضي فيه، وعلى إثر ذلك، تم إنشاء محكمة التنازع، للبث في مسألة الاختصاص التي تثور بين القضائين العادي والإداري.

وان خول قانون 24 ماي 1872، لمجلس الدولة سلطة البث النهائي في المنازعة الإدارية، إلا أنه أبقى على اختصاص الإدارة القاضية، إذ لا يمكن اللجوء إلى مجلس الدولة إلا في الحالات المنصوص عليها قانونا.

استمر العمل بهذا النظام إلى غاية 13 ديسمبر 1889، أين قبل مجلس الدولة الدعوى المرفوعة من قبل السيد "CADOT" دون المرور بالوزير، ما قضى نهائيا على نظرية الوزير.

كان مجلس الدولة ينظر في المنازعة الإدارية، ويفصل فيها بناء على قواعد القانون الخاص، إلى غاية صدور قرار بلانكو الشهير، عن محكمة التنازع 8 فيفري 1873، الذي أفصح عن وجود قواعد قانونية خاصة تحكم نشاط الإدارة، ومنه إرساء النظام القضائي الإداري المستقل عضويا ووظيفيا وموضوعيا  عن القضاء العادي ،بالتالي، قيام ازدواجية القضاء والقانون في فرنسا ،وبناء على ذلك، أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاص العام في المنازعة الإدارية، ونجح في تأسيس استقلالية القانون الإداري، عند إقراره للقواعد في إطار الدور الإبداعي أو الإنشائي بمناسبة الفصل في القضايا المعروضة عليه، وما ساهم به في إرساء لمبادئه وقواعده ونظرياته المتميزة، وبذلك نشأ القانون الإداري بمفهومه الفرنسي،  وتبنته بعد ذلك دول أخرى منها الجزائر.

ثانيا: تطور القانون الإداري في الجزائر

مر القانون الإداري الجزائري بعدة مراحل، خاصة وأن الجزائر مستعمرة فرنسية والقانون الإداري فرنسيَّ النشأة، ولم تشهد الجزائر نظاما قضائيا مستقرا قبل دستور 1996 (أ)، وان تبنت الازدواجية بعده بشكل جلي (ب).

أ) مرحلة ما قبل دستور 1996

كمرحلة انتقالية بعد الاستقلال، امتد العمل بنظام المحاكم الإدارية الثلاث (الجزائر، وهران، قسنطينة)، المنشئة بموجب الأمر المؤرخ في 1 جانفي 1847، وهي صاحبة الاختصاص في القضايا الإدارية، مع التوجه نحو اعتماد نظام وحدة القضاء.

 كأول خطوة للقضاء على القضاء الإداري كجهاز مستقل ومنفصل تماما عن القضاء العادي، صدر المرسوم رقم 63-261، المتضمن إنشاء المجلس الأعلى، كمحكمة نقض بالنسبة للقضاء العادي، والمحاكم الإدارية الثلاث عن طريق الغرفة الإدارية، وهو ما يعتبر بمثابة ضربة لنظام الازدواجية القضائية، حيث أن المحاكم الثلاث لم تعد مستقلة بشكل تام عن القضاء العادي، إذ تخضع لأحكامه على مستوى المجلس الأعلى (المحكمة العليا حاليا)، ومنه، يفقد القضاء الإداري استقلاله في إحدى مراحل التقاضي وهي مرحلة الطعن بالنقض.

وفي مرحلة أخرى، اعتنقت الجزائر نظام وحدة القضاء، بالتالي، الحسم بصفة نهائية في نظام الازدواجية بمقتضى الأمر رقم 65-278، يتضمن التنظيم القضائي ، الذي أبقى بموجب المادة 3 منه، على أحكام القانون رقم 63-218، المتضمن إنشاء المجلس الأعلى، مع نقل اختصاصات المحاكم الإدارية إلى المجالس القضائية حسب المادة 5 منه.

وبهذا تحقق إدماج المحاكم الإدارية في القضاء العادي، رغم أن الجزائر لا تأخذ بنظام وحدة القضاء  والقانون الجامدين، بل بنظام وحدة القضاء والقانون المرنين، على أساس وجود نظام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي والمجلس الأعلى.

بصدور الأمر رقم 66-154، يتضمن قانون الإجراءات المدنية، منحت المادة الأولى منه ،المحاكم العادية، الولاية العامة للفصل في كافة الدعاوى التي كانت من اختصاص المحاكم الابتدائية الكبرى والمحاكم الابتدائية ومجالس العمال وأرباب العمل، بالإضافة إلى جميع القضايا التي تكون الدولة أو إحدى العمالات أو إحدى البلديات أو إحدى المؤسسات العامة ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها، ويكون حكمها قابلا للطعن أمام المجلس الأعلى عملا بأحكام المادة 7 من نفس القانون.

وبتعديل قانون الإجراءات المدنية بموجب الأمر رقم 69-77، نقل الاختصاص في القضايا الإدارية إلى المجالس القضائية حسب المادة 7 منه، مع مراعاة ما ورد عليه من استثناءات، ويكون حكمها قابلا للطعن بالاستئناف أمام المجلس الأعلى، ومنه، العودة لنظام الغرف، واستمر العمل به إلى غاية دستور 1996، الذي تبنى نظام الازدواجية القضائية.

وان كان القانون الإداري بمفهومه الفني الضيق، يستند إلى مجموعة القواعد القانونية الاستثنائية غير المألوفة في القانون الخاص، باعتبارها نظرية قانونية متكاملة، وهي نظرية القانون الإداري، فضلا عن ضرورة وجود قضاء  إداري مستقل عن القضاء العادي، فإنه لا يمكن القول بوجوده في الجزائر-في هذه المرحلة-، حيث لا تأخذ بنظام القضاء الإداري كسلطة مستقلة عن القضاء العادي، وان كان لا يمكن إنكار وجود قواعد القانون الإداري بمفهومه الضيق كقواعد متفرقة ومشتتة، لا كنظرية قانونية قائمة، فضلا عن وجوده كقواعد القانون الإداري بمفهومه العام باعتباره قانون الإدارة العامة.

ب) مرحلة ما بعد دستور 1996

أقر المؤسس الدستوري الجزائري بصدور دستور 1996، مبدأ الازدواجية القضائية، قضاء عادي وقضاء إداري، بموجب المادة 152 منه، ومنه، الابتعاد عن نظام الغرف الذي كان سائدا من قبل، وحسب المادة 2 من القانون رقم 05-11، يتعلق بالتنظيم القضائي ، فإنه، يشمل التنظيم القضائي النظام القضائي العادي والإداري ومحكمة التنازع، فيظم النظام القضائي العادي المحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم حسب المادة 3 منه، بينما يشمل النظام القضائي الإداري مجلس الدولة والمحاكم الإدارية، عملا بالمادة 4 من نفس القانون.

وبناء على ذلك، صدر القانون العضوي رقم 98-01، يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله ، الذي أبقى على اختصاص الغرفة الإدارية للمحكمة العليا بالفصل في القضايا المعروضة عليها -بصفة انتقالية- إلى غاية تنصيب مجلس الدولة (تم تنصيبه حاليا)، كما صدر القانون رقم 98-02، يتعلق بالمحاكم الإدارية ، بالإضافة للقانون العضوي رقم 98-03، يتعلق باختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها، التي تختص بالفصل في منازعات الاختصاص بين الجهات القضائية العادية والإدارية،  وتعتبر نتيجة حتمية لتبني نظام الازدواجية القضائية، ومن ثم التصدي لأهم نقد وجد لهذا الأخير، وهو صعوبة وضع معيار يحدد مجال اختصاص كل من القضائيين الإداري والعادي.

وضع المشرع حدا لغياب النص الواجب تطبيقه على النزاعات الإدارية، الذي كان سائدا في ظل قانون الإجراءات المدنية، بإصدار القانون رقم 08-09، يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث تضمنت المادة الأولى منه مبدأ عاما، وهو سريان أحكامه على الدعاوى المرفوعة أمام الجهات القضائية العادية والجهات القضائية الإدارية، وعليه، يمكن القول بوجود قانون إداري يتضمن قواعد استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص بالجزائر.

المطلب الثاني: مصادر وخصائص القانون الإداري

ينفرد القانون الإداري بجملة من الخصائص، تؤكد وتدعم وجوده كقانون له كيانه الذاتي والقائم بمبادئه ونظرياته، والمستقل عن فروع القانون الأخرى (الفرع الثاني)، ما جعل من المصادر التي يستمد منها قواعده القانونية المتميزة والاستثنائية، تتعدد وتتنوع تبعا لتعدد وتنوع نشاط الإدارة القائم أساسا على إشباع وتلبية الحاجات العامة (الفرع الأول).

الفرع الأول: مصادر القانون الإداري

يُفهم من مصادر القانون بوجه عام، والقانون الإداري بوجه خاص، الوسائل والطرق التي بواسطتها تنشأ أو تتكون القاعدة القانونية، وان كان المتفق عليه انقسام المصادر القانونية عامة إلى مصادر أصلية رسمية (أولا)، ومصادر احتياطية تفسيرية (ثانيا).

أولاً: المصادر الأصلية للقانون الإداري

ما يعد مصدرا رسميا أصليا لفرع من فروع القانون قد لا يكون كذلك لفرع آخر، وهو ما يظهر جليا في مصادر القانون الإداري الرسمية التي تضم كأصل عام التشريع (أ) والعرف الإداري (ب)، ليظهر مصدرا آخر لطالما اعتبر مصدرا تفسيريا لباقي فروع القانون الأخرى وهو القضاء (ج).

 أ) التشريع

يُقصد بالتشريع باعتباره مصدرا أصليا للقانون الإداري، مجموعة القواعد القانونية المكتوبة الصادرة عن السلطة المختصة في الدولة، والتي تخص الإدارة العامة في نشاطها وتنظيمها وأموالها وموظفيها فضلا عن منازعاتها، ويتمتع بحجية مطلقة أمام المحاكم طالما اتفق مع مبدأ تدرج القواعد القانونية.

قد تكون السلطة مصدرة التشريع تأسيسية فيكون التشريع دستوار (1)، كما قد يكون معاهدة دولية (2)، وقد تكون السلطة تشريعية فيكون قانونا عضويا أو تشريعا عاديا (3)، كما يمكن أن تكون سلطة تنفيذية في إطار ما يعرف بالتشريعات الفرعية أو اللوائح الإدارية (4).

1/الدستور: يتصدر قائمة التشريعات، تضعه السلطة التأسيسية باعتباره أسمى وأعلى قانون في الدولة، والوثيقة الدستورية المعتمدة حاليا في الجزائر، والتي تشكل مصدرا من مصادر القانون الإداري هو دستور سنة 1996، المعدل والمتمم، السالف الذكر.

2/ المعاهدات الدولية: المعاهدات هي اتفاق يبرم بين الدول أو بين دولة ومنظمة دولية بهدف إحداث آثار قانونية في علاقاتهم المتبادلة، وتطبيقا للمادة 154 من الدستور، المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستوري تسمو على القانون.

3/ التشريع: وهو كل ما يصدر عن البرلمان في إطار ما حدده الدستور، وفقا لإجراءات شكلية خاصة، وقد يصدر في شكل قانون عضوي أو قانون عادي.

3/1) القانون العضوي: يُشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات المحددة في المادة 140 من دستور 1996، المعدل والمتمم، من أمثلة القوانين العضوية التي تعد مصدرا أساسيا للقانون الإداري، القانون العضوي رقم 98-01، المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه، القانون رقم 98-02 يتعلق بالمحاكم الإدارية، بالإضافة للقانون العضوي رقم 98-03، يتعلق باختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها ...

3/2) القانون أو التشريع العادي: هو مجموعة القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية (البرلمان بغرفتيه) في مجال اختصاصها كما هو محدد في المادة 139 من الدستور، أو عن رئيس الجمهورية بموجب أوامر في المسائل العاجلة في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني، أو خلال العطلة البرلمانية، كما هو منصوص عليه في المادة 142 من الدستور.

من أمثلة التشريعات التي تلعب دورا بارزا في تنظيم الإدارة العامة الجزائرية، والتي تعد في ذات الوقت مصدرا أساسيا للقانون الإداري، القانون رقم 11-10، يتضمن قانون البلدية، القانون رقم 12-07، يتعلق بالولاية، القانون رقم 91-11، يحدد القواعد المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، الأمر رقم 06-03، يتضمن القانون الأساسي للوظيفة العمومية.

4/ التشريعات الفرعية أو اللوائح الإدارية: يُقصد بسلطة التنظيم، سن قواعد قانونية عامة، مجردة لا تختلف من الناحيتين الموضوعية والمادية، عن القواعد الصادرة عن السلطةالتشريعية.

تعتبر اللوائح أو النصوص التنظيمية بمثابة تشريع يصدر عن السلطة التنفيذية، وتأخذ شكل مراسيم رئاسية أو تنفيذية، أو قرارات وزارية أو صادرة عن الوالي أو حتى رئيس المجلس الشعبي البلدي، كما يمكن إضافة اللوائح التفويضية ولوائح الضرورة.

تصدر المراسيم الرئاسية، أو ما يسمى بسلطة التنظيم المستقل، عن رئيس الجمهورية في المسائل غير المخصصة للقانون، دون الاستناد إلى قانون قائم، فتستمد أساسها ومصدرها القانوني مباشرة من الدستور.

أما المراسيم التنفيذية، فمن اختصاص الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الأحوال، تتعلق بتنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية لتوضيح كيفية تطبيقها.

في حين تختص الهيئة التنفيذية ممثلة في الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي، بإصدار اللوائح الضبطية أو البوليسية المتعلقة بالحفاظ على النظام العام، الصحة العامة والسكينة العامة، وخير مثال على ذلك جملة القرارات التي اتخذها الولاة كل في حدود اختصاصاته، للحفاظ على الصحة العامة من خلال فرض الحجر الصحي الجزئي في ظل جائحة كورونا.

أما اللوائح التفويضية، تصدرها الهيئة التنفيذية بتفويض من الهيئة التشريعية، في حين تصدر الهيئة التنفيذية لوائح الضرورة في الظروف الاستثنائية.

ب) العرف الإداري

يمكن تعريف العرف الإداري على أنه، مجموعة القواعد القانونية التي اعتادت الإدارة على إتباعها في أداء نشاط معين، أو هو "اتباع السلطة الإدارية لنمط معين من السلوك أو التصرف بوتيرة واحدة بشكل منظم، مستمر، خلال مدة زمنية معينة مع الشعور بإلزامية ذلك السلوك أو التصرف".

ومنه، يقوم العرف الإداري على ركنين: ركن مادي، ينصرف إلى الاعتياد، بإتباع الإدارة العامة سلوكا معينا، باتخاذ تصرفات إيجابية أو سلبية عن طريق الامتناع، ويترتب عليه نشوء عادة إدارية، عامة، ثابتة ومشروعة، يتم إعمالها كلما توافرت ظروف تطبيقها.

أما الركن المعنوي، أن يسود الاعتقاد لدى الإدارة وهي تتبع سلوكا معينا، أنها ملزمة به والابتعاد عنه يعرضها للمسؤولية، ويجعل عملها معيبا من حيث المشروعية.

رغم اعتبار العرف الإداري أحد المصادر الرسمية للقانون الإداري، إلا أن أهميته محدودة في الوقت الراهن مقارنة مع أهمية التشريع والقضاء الإداريين ،إذ غالبا ما تلجأ الإدارة إلى الوسائل الإدارية المكتوبة كالتعليمات والقرارات لتنظيم نشاطها الإداري.

ج) القضاء

يترجم الاجتهاد القضائي بمجموعة الأحكام الصادرة عن المحاكم في مسألة معينة، والحائزة لقوة الشيء المقضي فيه.

يعتبر القضاء مصدرا أصليا رسميا وأساسيا، بل أهم مصادر القانون الإداري على الإطلاق، لما له من دور فعال في إرساء النظريات العامة والمبادئ الكبرى للقانون الإداري في بدايات ظهروه الأولى ،في ظل انعدام أيِ أساس قانوني يُستند إليه للبث في النزاعات الإدارية، حتى عُرف القانون الإداري أنه قانون قضائي، لما للقاضي من دور فعال في تفسير وشرح وتكييف القواعد القانونية ،بل  وحتى في خلق الحلول وابتكارها في حالة انعدام الأساس القانوني، والا أتهم بجريمة إنكار العدالة.

ثانيا: المصادر الاحتياطية للقانون الإداري

فضلا عن المصادر الأصلية، قد يجد القانون الإداري بعض أسسه ومبادئه في المصادر الاحتياطية في مختلف الآراء الفقهية (أ)، على غرار المبادئ العامة للقانون خاصة وأنه قانون غير مقنن بشكل كلي (ب).

أ) الفقه

 يقصد بالفقه مجموعة الآراء التي تصدر عن الفقهاء، في شكل فتاوى، مؤلفات، مقالات، تتضمن شرحا  أو تفسيرا أو نقدا للقانون.

لا يعد الفقه مصدرا رسميا للقانون الإداري، لاقتصاره على الآراء الفقهية المتباينة، والتي لا تتمتع بأية قوة ملزمة، لكن خصوصية القانون الإداري باعتباره قانونا غير مقنن، وقضائيَّ النشأة جعلت من دوره بارزا، مقارنة مع اعتباره مصدرا لباقي فروع القانون الأخرى، ما جعله يلعب دورا هاما في بناء الأسس والنظريات العامة التي يقوم عليها القانون الإداري، فضلا عن شرح المبادئ والأحكام المتفرعة عنها، وتحليل النصوص القانونية، ناهيك عن التعليق على الأحكام والقرارات، بالتالي الوقوف على الثغرات القائمة واقتراح الحلول الممكنة.

ب) المبادئ العامة للقانون

يستنبط القاضي الإداري المبادئ العامة للقانون، من النصوص والمواثيق الكبرى ويضفي عليها الصبغة الإلزامية، وتتجسد هذه المبادئ في قواعد فقه قضائية تمثل مصدرا أساسيا من مصادر المشروعية، ويعود الفضل في بلورتها إلى مجلس الدولة الفرنسي الذي جعل منها أداة فاعلة لضمان الحقوق والحريات الفردية، فضلا عن حماية مقتضيات العمل الإداري.

الفرع الثاني: خصائص القانون الإداري

نشأ وتطور القانون الإداري في فرنسا تبعا للظروف السياسية السائدة بها، ولم يظهر كقانون مستقل بذاته إلا حديثا (أولا)، وعلى مراحل، وارتباطه بالنشاط الإداري جعله سريع التطور (ثالثا)، ما صعب من مهمة جمعه وتقنينه في قانون موحد (ثانيا)، بالتالي، منح القضاء الإداري صلاحية واسعة في ابتداع الحلول، باعتباره أصلا قانونا قضائيَّ النشأة (اربعا).

أولا: القانون الإداري قانون حديث النشأة

يعتبر القانون الإداري قانونا حديث النشأة، باعتباره نظرية قانونية لها أصولها وأسسها ومبادئها المتميزة، ونطاق تطبيقها، لم تظهر إلا في منتصف القرن التاسع عشر، بعد قضية بلانكو وحكمه الشهير 1873، ويعتبر كذلك (حديث النشأة) بالمقارنة مع فروع القانون الأخرى خاصة المدني، الذي تعود أصوله إلى القانون الروماني.

ثانيا: القانون الإداري قانون غير مقنن

يقصد بالتقنين إصدار المشرع لمجموعة تشريعية تضم المبادئ والقواعد العامة المتعلقة بفرع من فروع القانون، كما هو الحال في التقنين المدني، التقنين التجاري وتقنين الأسرة...، ولا يُخفى ما للتدوين من سرعة من حيث إضفاءه الثبات والاستقرار على نصوص التشريع، فضلا عن سهولة الرجوع إلى أحكامه.

القانون الإداري غير مقنن، بمعنى غير مدون ومجمع بطريقة رسمية في وثيقة معينة ،شاملة لكل أحكامه ،رغم أن ذلك لم يمنع من إصدار بعض التقنينات الجزئية لبعض قواعده ،مثل القانون رقم 12-07، يتعلق بالولاية ،الأمر رقم 06-03، يتضمن القانون الأساسي للوظيفة العمومية، المرسوم الرئاسي رقم 15-247، يتضمن تنظيم قانون الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، القانون رقم 98-02، يتعلق بالمحاكم الإدارية ،بالإضافة للقانون العضوي رقم 98-03، يتعلق باختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها، القانون رقم 91-11، يحدد القواعد المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العمومية القانون رقم 11-10، يتضمن قانون البلدية...

يرجع عدم تقنين القانون الإداري أساسا، إلى صعوبة ذلك، بسبب سرعة تطوره، تشعب مواضيعه، النشأة القضائية لمعظم قواعده ونظرياته، شساعة مجاله، فضلا عن ظهوره التدريجي واستمرار تطوره باعتباره جزء من قانون الإدارة العامة التي تتطور باستمرار، تبعا للظروف السياسية ،الاجتماعية، الاقتصادية والفكرية، وعليه، خاصية التقنين تجعله ثابتا جامدا ما يؤدي إلى شل العمل الإداري عامة.

اعتبار القانون الإداري قانونا غير مقنن، يمنح القاضي الإداري سلطة تقديرية في خلق وابتكار المبادئ والأسس العامة، أو على الأقل تحديث النظريات القائمة من خلال تكييفها تبعا للتطورات الراهنة، وان كان يشوب القانون الإداري عيب انعدام التحديد والثبات وعدم الدقة والوضوح، ما يؤثر في مبدأ العدالة ذاته.

ثالثا: القانون الإداري قانون مرن وسريع التطور

استهداف القانون الإداري المصلحة العامة، القائمة على ضرورة تلبية الحاجات العامة المتطورة باستمرار، والمتغيرة بتغير الزمان والمكان، وتأثره بالظروف الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية في الدولة ، باعتبارها عوامل متغيرة وغير مستقرة نسبيا، في ظل اتساع نشاط الدولة وما تتعرض له من أزمات اقتصادية ،فضلا عن ظهور المرافق العامة الاقتصادية، الصناعية والتجارية، وما أدى ذلك من ظواهر اقتصادية، سياسية  وادارية، كلها عوامل فرضت استيعاب القانون الإداري لها ، ما جعل من مرونته وتطوره سمة لابد منها، وضرورة قائمة.

رابعا: القانون الإداري قانون قضائي النشأة

لعب مجلس الدولة الفرنسي دورا بارزا في إنشاء قواعد القانون الإداري، حيث أنه وفي مرحلة القضاء المفوض رفض إخضاع المنازعات المعروضة عليه لقواعد القانون الخاص، وفي ظل الغياب التام لقانون يحكم نشاط الإدارة، عمد إلى خلق وايجاد الحلول، أن أرسى قواعدا قانونية من العدم شكلت فيما بعد القانون الإداري، وهكذا ظهر هذا الأخير.

ينفرد القاضي الإداري بدور بارز لا نظير له في القضاء العادي، سواء من حيث تطبيق قواعد القانون أو تفسيرها - وان كان لزاما عليه البحث عن إرادة المشرع فإنه يفترضها عند تطبيق النص لا عند وضعه-، أو في التصدي للقصور المعروض أمامه، ويظهر دوره بشكل جلي في حالة خلو التشريع من حل  للمنازعة القائمة، إذ يتولى ابتكار وخلق الحل القانونيِ المناسبِ، وفي هذه الحالة  تُنسب إليه القاعدة القانونية، وهو ما يعرف بالدور الإنشائيِ للقاضي الإداري ، وتعد النظريات العامة والمبادئ الكبرى التي تحكم النشاط الإداري عامة، من وضع القضاء، وان تدخل المشرع بعد ذلك لتقنينها، ومن هنا جاء وصف القانون الإداري أنه قانون قضائيَّ  النشأة.

وعليه، فالقاضي الإداري كأصل قاضي تأسيس وابداع وانشاء، خلافا للقاضي العادي ا لذي هو قاض تطبيقي.

المرجع:

  1. د. أكلي نعيمة، محاضرات في القانون الإداري، موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، الجزائر، السنة الجامعية: 2020/ 2021، ص3 إلى ص27.

google-playkhamsatmostaqltradent