اللامركزية الإدارية

اللامركزية الإدارية 

تقوم اللاّمركزية الإدارية على توزيع الوظيفة الإدارية بين الشّخص المعنوي العام الأساسيّ (الدولة)، والأشخاص المعنوية العامّة الأخرى (أولا)، سواء الإقليمية أو المرفقية (ثانيا)، بناء على أسس تفرضها (ثالثا)، ما يجعل منها ضرورة، من خلال ما تحقّقه من إيجابيات، وان كانت لا تخلو من السلبيات باعتبارها تقوم على توزيع الصلاحيات وتعدّد المسؤولين (رابعاً).

أولا: تعريف اللامركزية الإدارية 

مع ثبوت عجز نظام عدم التّركيز عن تلبية حاجات الجمهور المتزايدة والمتطورة والمرتبطة بالتّطورات الاقتصادية، الاجتماعية، التّكنولوجية والثّقافية ظهرت الحاجة إلى منح الأقاليم جزءاً من الاختصاصات مع قدر من الاستقلال في اتخاذ القرارات، وهو ما شكّل نظام اللامركزية الإدارية.

وعليه، تقوم اللامركزية الإدارية على توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطات المركزية والأشخاص المعنوية الأخرى في الدولة، سواء المحلية (الولاية والبلدية)، أو المرفقية.

ثانيا: صور اللامركزية الإدارية

تأخذ اللاّمركزية الإدارية صورتي اللاّمركزية المحلية (أ) والمرفقية (ب).

أ) اللامركزية الإدارية المحلية: 

تقوم العلاقات بين الدّولة والجماعات المحلية على  مبادئ اللاّمركزية، استنادا لنصّ المادة 18 من الدستور الجزائري وتطبيقا لنص المادة 17 منه، فإن الجماعات المحلية للدولة تتحدّد في كلّ من البلدية والولاية.

وعليه تقوم اللاّمركزية الإدارية المحليّة على توزيع الاختصاص بين الدولة والولاية والبلدية، واعتراف المشرع لها بالشخصية المعنوية، يعني وجود وقيام حاجات أفراد هذه الجماعات المتميّزة عن حاجات مجموع أفراد الدولة، وأكثر خصوصية من الحاجات العامة، وهو الغرض الذي يسعى الشخص الإداري الإقليمي تحقيقه.

أضحى أسلوب اللاّمركزية الإدارية الإقليمية من أهم وأنجح أساليب التنظيم الإداري للوحدات الإدارية في الدّول المعاصرة، ومن أحد الأساليب التّي يتم بموجبها توزيع اختصاصات الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية والمجالس المحلية المنتخبة، تحت إشراف ورقابة السّلطة التنفيذية التابعة للحكومة المركزية.

ب) اللامركزية الإدارية المرفقية: 

يقصد باللاّمركزية الإدارية المرفقيّة، كل "مشروع تملكه الدولة، وتمنحه الشخصية المعنوية، وتديره بأساليب تختلف عن إداراتها التقليدية غايته إشباع حاجات عامة".

وبهذا فهي استقلال مرفق معين أو عدد محدد من المرافق بإدارة شؤونه بنفسه، بعيدا عن السلطة العامة التي يتبعها، وبذلك تتفق مع اللامركزية المحلية، من حيث تمتّع الشخص الإداري الإقليمي أو المرفقي بالاستقلال عن السلطات العامّة التي أنشأته، مع خضوعه في ذات الوقت لإشرافها ورقابتها.

يتم الاعتماد على اللاّمركزية الإدارية المرفقية بغية الابتعاد عن الروتين والتعقيدات المصاحبة للعمل في وزارات الدّولة، وما يترتب على ذلك من تأخيرٍ في الإنجاز، وبطء في الاستجابة للمستجدّات وظروف البيئة المحيطة، والعمل على تنمية أقاليم الدّولة التي تحتاج إلى التطوير وتحسين مستوى معيشة مواطنيها، فضلاً عن توفير المناخ المناسب لاستثمار الثّروات القومية.

ثالثا: أركان اللامركزية الإدارية

يقوم جوهر اللامركزية الإدارية على أساس وجود مصالح ذاتية متميّزة (أ)، تستقلّ بإدارتها مجالس منتخبة (ب)، خاضعة لوصاية السّلطة المركزية (ج).

أ) الاعتراف بوجود مصالح محلية متميزة: 

تطبيقا لفكرة توزيع الاختصاص تتولى الأجهزة المركزية مهام معينة، تقتصر على المهام الوطنية كالدفاع، الأمن، العدالة، التعليم ،تاركة المهام المحليّة تُسير من قبل الأجهزة المحلية، مع أن الفقه تصادم بصعوبة إيجاد معيار فاصل بين المهام الوطنية والمهام المحلية، واعتبر أ نّه كلما اتّصلت المهام بإقليم واحد عدّت شؤونا محليةً، كالمواصلات، السّكن، النّظافة...، ومتى كانت تختص كل المناطق والمواطنين فهي تدخل ضمن شؤون السلطة المركزية، ما نتج عنه على المستوى الفقهي بروز مصطلح الشؤون البلدية، الشؤون الإقليمية والشؤون الوطنية.

ب) تسيير المصالح المتميزة عن طريق مجالس منتخبة: 

الاعتراف بوجود مصالح محليّة مميّزة تختصّ بها الهيآت اللاّمركزية، لا يكف لتحقيق اللامركزية، ما لم تتمتّع هذه الهيآت بشخصية معنوية، متميّزة عن شخصية الدولة، تخوّلها سلطة اتخاذ القرار والبث النّهائي من غير تدخل السلطة المركزية.

تحَقق الاستقلال الإداريِّ الفعليِّ، مرهون على اختيار أعضاء المجالس التي تتولى إدارة الهيآت اللامركزية بأسلوب يضمن استقلالها وعدم خضوعها لإدارة السلطة المركزية وهو ما يمكن أن يتجسّد عن طريق نظام الانتخاب.

يعتبر الانتخاب من المفاهيم الضّرورية، ذات الأهمية القصوى في نظام اللامركزية المحلية، نظرا لتجاوبه مع الأفكار الديمقراطية، وما له من آثار في رفع درجة الوعي العام لدى الجمهور وزيادة شعوره بالمسؤولية إزاء المجتمع، وغالبا ما تكون القيادات المنتخبة أكثر إلماما ودراية بمشاكل ومتطلبات وشؤون وحدتهم الإقليمية.

ومنه، تقتصر المجالس المحلية المنتخبة التي تتولى مهمّة تسيير المصالح المحلية المتميّزة، في كلّ من البلدية، ممثلة بالمجلس الشعبي البلدي ورئيسه، إضافةً للولاية ممثلة –فقط- بالمجلس الشعبي الولائي دون الوالي باعتباره معيّنا، ويشكل صورة من صور عدم التركيز الإداري، بالتالي ليس هناك مانع من إضافة العنصر المعيّن من قبل السلطة المركزية إلى جانب العنصر المنتخب من طرف مواطني الوحدة المحليّة في تكوين السلطة الإدارية اللاّمركزية، شرط ألا يطغى بنسبته العددية أو صلاحياته على العنصر المنتخب.

ج) نظام الوصاية الإدارية: 

لا تمنح الوحدات اللاّمركزية استقلالاً مطلقاً يسمح لكل وحدة بانتهاج السياسة الإدارية التي تناسبها، باعتباره خطر يهدّد وحدة الدولة السّياسية، لهذا يفرض نظام اللامركزية الإدارية إخضاع الوحدات المحليّة المستقلة إلى نوع من الرّقابة، يعرف بالوصاية الإدارية (1)، بنوعيها (2).

1) تعريف الوصاية الإدارية: 

يُفهم من الوصاية، مجموع السلطات التي يقرّرها القانون لسلطة عليا على أشخاص الهيآت اللاّمركزية وأعمالهم حماية للمصلحة العامة فهي مركزا وسطا بين الخضوع والتبعية (العلاقة الرئاسية) وبين الاستقلال التّام المطلق عن الدولة.

وتعرف على أنّها: "الرقابة التي تمارسها الدولة على الوحدات الإقليمية، قصد المحافظة على وحدة الدولة، وتجنب آثار سوء تسيير الوحدات اللامركزية، مع ضمان تفسير القانون لصالح إقليم الدولة بأكمله، على ألا تتم إلا في الحالات المحددة قانونا، حماية لاستقلالية الوحدات المشمولة بالوصاية المذكورة".

تمتاز الرقابة الوصائية أنّها رقابة مشروعية، لابدّ أن يتحدد نطاقها، أهدافها، وسائلها، إجراءاتها والسلطات الإدارية المخوّلة للقيام بها، بواسطة القوانين والتّشريعات، لذلك لا يجوز التّوسع في تفسيرها، باعتبارها رقابة استثنائية ضيّقة.

تختلف الوصاية الإدارية عن المدنية، كون هذه الأخيرة تثبت لناقصي الأهلية، حمايةً لأموالهم الخاصة، خلافاً للوصاية الإدارية التي تفرض حمايةً للمصالح العامة وارساء نسق إداري موحّد في إطار النّشاط الإداري.

تختلف الوصاية الإدارية كذلك عن السّلطة الرئاسية، حيث لا تمارس ما لم يكن منصوصا عليها قانوناً، عملا بقاعدة لا وصاية إلا بنصّ ولا وصاية خارج النّص وهي رقابة بسيطة كونها تمارس على هيآت مستقلة، يحقّ لها الطعن قضائيا في قرار الجهة المركزية، خلافاً للرقابة الرئاسية التي تمارس بصفة تلقائية، كونها من أساسيات النّظام المركزي، تثبت لما للرئيس الإداري من صلاحيات إصدار الأوامر للمرؤوس ، ولا يمكن لهذا الأخير الطّعن قضائيا في قرارات الرئيس، الذي يبقى مسؤولا عن أعماله (المرؤوس) لما له من سلطة الرقابة والإشراف والتوجيه.

2) مظاهر الرقابة الوصائية التي تمارسها الإدارة المركزية على الإدارة اللامركزية: 

تقوم اللامركزية على تمتّع الجماعات المحلية بقدر من الاستقلال في ممارسة مهامها، مع بسط نوع من الرقابة الوصائية عليها، سواء تمت على الأشخاص أو الهيئة (2/1) على غرار الأعمال (2/2).

2/1) الرقابة الوصائية على الهيآت المحلية وأشخاصها: وتشمل الرقابة على الأشخاص الطبيعية الممثلة للهيئة والرقابة على الهيآت المنتخبة في حدّ ذاتها.

- الرقابة الوصائية على أشخاص الهيآت المحلية: نميّز بين الأشخاص المعيّنين والأشخاص المنتخبين:

- الأشخاص المُعينة (الولاة): تمارس السلطة المركزية رقابة على الأشخاص المعينين القائمين على التسيير على المستوى المحلي وهم الولاة بصفة حصرية، بما لها من صلاحية تعيينهم ونقلهم وتأديبهم.

- الأشخاص المنتخبة: تقتصر صلاحيات السلطة المركزية على الأعضاء المنتخبين، والمتمثلين في كل من أعضاء المجلسين الشعبي الولائي والشعبي البلدي ورئيس هذا الأخير، على وقفهم أو إقصاءهم أو إقالتهم من المجالس المنتخبة وفقا للإجراءات المحددة قانونا، ونظرا لاستقلال أعضاء السّلطة اللاّمركزية عن السلطة المركزية فلا يخضعون لأوامر هذه الأخيرة وتوجيهاتها.

- الرقابة الوصائية على الهيآت المنتخبة: يحق للسلطة المركزية دعوة المجالس المنتخبة للانعقاد في دورة استثنائية، ولها حلها أيضا حسب ما هو محدد قانوناً.

2/1) الرقابة الوصائية على أعمال الهيآت المحلية: وتأخذ إما شكل المصادقة، الإلغاء أو الحلول.

- المصادقة:  القاعدة العامة أن القرارات الإدارية الصّادرة عن البلدية والولاية قابلة للنفاذ دون الرجوع لموافقة السلطة الوصية، واستثناء يشترط تصديق هذه الأخيرة على بعض القرارات.

قد تكون المصادقة صريحة عندما تتخذ السلطة المركزية قرارا تفصح فيه صراحة عن تزكيتها لقرار صادر عن الإدارة اللامركزية، أو ضمنية من خلال سكوت سلطة الإشراف دون إبداء أي رأي على القرار المعروض عليها.

تَطَلب تصديق السّلطة المركزية على قرارات السلطات اللاّمركزية في الحالات التي يحددها القانون، لا يؤثر على طبيعة هذه القرارات باعتبارها قرارات صادرة عن سلطة لامركزية، تتحمل نتائجها هذه الأخيرة لوحدها، نفاذ وسريان القرارات الصادرة من السلطات الإدارية اللامركزية في حدود اختصاصاتها أو بطلانها، يكون من تاريخ إصدارها وليس من تاريخ المصادقة عليها قبل السّلطات الوصية.

- الإلغاء: يعني الإلغاء، إبطال القرارات الإدارية الصادرة عن الجماعات المحلية، ويقتصر على القرارات الباطلة بطلانا مطلقا أو القابلة للإبطال التي تصدرها الهيآت المحلية وان كان للسلطة المركزية حق إلغائها إلا أنه لا يحقّ لها تعديلها.

فتعدّ باطلة بقوّة القانون مثلاً مداولات المجلس الشّعبي البلدي التّي تمّت خارج دورات المجلس الشعبي البلدي العادية والاستثنائية، والتي تنصب على موضوع لا يدخل في اختصاصه، أو مخالف للقانون، لاعتبار قواعد الاختصاص وثيقة الصلة بالنظام العام، فلا يجوز للمجلس أن يتداول حول أمر يختص مجال الدفاع مثلا أو العدالة أو المالية.

- الحلول: ويقصد به "قيام الجهة الوصية مقام الجهة اللامركزية بتنفيذ بعض التزاماتها القانونية التي لم تقم بها لعجز منها أو إهمال".

رابعا: تقييم اللامركزية الإدارية

لم تختلف اللامركزية الإدارية عن المركزية في اعتبارها سلاحاً ذو حدّين، لها إيجابيات (1) وعليها سلبيات (2).

1) مزايا اللامركزية الإدارية: 

تلعب اللامركزية الإدارية دورا إيجابيا من خلال:

- تجسيد التضامن والتعاون بين أفراد الجماعة الواحدة تحقيقا للتنمية المحلية.

- اعتبار النظام اللامركزي أكثر قوة على تحمل ومواجهة الأزمات بحكم استقلالية الشؤون المحلية، 

- تكريس فكرة الديمقراطية من خلال السماح بتسيير شؤون الشعب عن طريق ممثليه في المجالس المنتخبة.

- تقريب الإدارة من المواطن، وتبسيط الإجراءات، ومنه، التخفيف من أعباء السلطة المركزية.

2) عيوب اللامركزية الإدارية: 

يمكن حصرها في المساس بوحدة الدولة بسبب توزيع الوظائف والاعتراف باستقلالية بعض أجزاء الإقليم، ومنحها الشخصية المعنوية، رغم أنّها استقلالية نسبية لم تصل حدّ الانفصال، تظلّ تمارس عليها رقابة وصائية، وهناك من عاب على هذا النّظام أيضا، أ نّه يؤدي إلى تفضيل الشؤون المحلية على الوطنية، ويساهم في تبديد النفقات العامة إذ أن الاعتراف للهيآت المحلية بالاستقلال المالي يحمل الخزينة نفقات سنوية ضخمة.

المرجع:

  1. د. أكلي نعيمة، محاضرات في القانون الإداري، موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، الجزائر، السنة الجامعية: 2020/ 2021، ص61 إلى ص69.

google-playkhamsatmostaqltradent