تنظيم الأسرة من منظور القانون الدولي

تنظيم الأسرة من منظور القانون الدولي 

تنظيم الأسرة من منظور القانون الدولي

منذ بداية القرن العشرين، عمل المجتمع الدولي على تقنين المسائل المرتبطة بالأسرة، بإبرامه للعديد من الاتفاقيات الدولية، كاتفاقيات لاهاي سنة 1912 بشأن تنازع القوانين الوطنية المتعلقة بالزواج والطلاق والانفصال والولاية على القصر، ثم اتفاقية بشأن حماية الأمومة لسنة 1919 تحت رقم 03، الصادرة عن منظمة العمل الدولية، قصد حماية المرأة العاملة ومراعاة وظيفتها كأم للتوفيق بين عملها خارج المنزل ورعايتها لأطفالها.

وقد تزايد اهتمام المجتمع الدولي بالأسرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتبنيه لميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945، الذي أكد في مادته الأولى، على ضرورة تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا، بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين النساء والرجال. وسوف نتناول من خلال عذا الفصل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالأسرة عموما على النحو الاتي:

المبحث الأول: الاتفاقيات الدولية المعنية بالأسرة

بدأ الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان، وبحمايتها على الصعيد العالمي مع نهاية الحرب العالمية الأولى وتجسد هذا الإهتمام في ميثاق عصبة الأمم المتحدة، ثم إزداد هذا الإهتمام بعد الحرب العالمية الثانية حيث تم وضع ميثاق منظمة الأمم المتحدة انطلاقا من الإيمان بكرامة الفرد، وحريته، وسنعمل في هذا المبحث على التعرض للشرعة الدولية لحقوق الإنسان وبعض الإتفاقيات الأخرى التي تعنى بحماية الأسرة والأمومة والطفولة.

المطلب الأول: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 

تؤكد المادة 12 من الإعلان على حماية الحياة الخاصة للإنسان ولأسرته بحيث "لا يجوز تعريضُ أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته" أو إنتهاك لحقوقه. وفي هذا السياق أبدى الإعلان العالمي إهتماماً خاصاً بالعلاقة بين الرجل والمرأة وبقضايا الزواج وضرورة توافر شرط الرضا عند الرغبة في الزواج وغير ذلك من أمور كما ورد في نص المادة 16 التي لخصت ما تقدم من أمور بالقول بأن:

(1) للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أِيِ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. 

(2) لا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كامل لا إكراهَ فيه.

(3) الأسرة هي الخليةُ الطبيعيةُ والأساسيةُ في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

كما ركز الإعلان أيضا على الحق في العمل وبكرامة حيث نص على أن: "لكل فرد يعمل الحق في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقةً بالكرامة البشرية، وتستكمل، عند الاقتضاء بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية".

ولم ينسى الإعلان التأكيد على ضمان الصحة والرفاه للأسرة بنصه على أن:

(1) لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.

(2) للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين. ولجميع الأطفال حقُّ التمتع بذات الحماية الاجتماعية سواء ولدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.

وفي إطار اخر أكد الإعلان على ضرورة توفير التعليم المجاني على الأقل في المرحلة الإبتدائية:

(1) لكل شخص حق في التعليم. ويجب أن يوفر التعليم مجانا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائي إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفني والمهني متاحا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحا للجميع تبعا لكفاءتهم.

(2) يجب أن يستهدف التعليمُ التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب أن يعِّزز التفاهم والتسامح والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام.

(3) للآباء، على سبيل الأولوية، حقُّ اختيار نوع التعليم الذي يعطى لأولادهم.  

المطلب الثاني: اتفاقية حقوق الطفل

وقد ركزت الإتفاقية في الديباجة على أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين، مع ضرورة أن ينشأ الطفل في بيئة عائلية وفي جو من السعادة والمحبة والتفاهم وركزت على أهمية الدور الذي تقوم به الأسرة، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، حيث ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع.  وطالبت إتفاقية حقوق الطفل بأن تتعهد الدول بضمان الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم مع إتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة.   

كما أكدت الإتفاقية على ضرورة إحترام تلك الدول لمسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين في التوجيه والإرشاد الملائمين عند ممارسة الطفل الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية ومن أهم الحقوق التي تضمنتها هذه الإتفاقية هو عدم فصل الطفل عن والديه كما يقوم بذلك وللأسف الرئيس الأمريكي ترامب حيث تطلب الإتفاقية من الدول الأطراف ضمان عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما، إلا بإجراء قضائي وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها، وأن يكون ذلك لمصلحة الطفل، وذلك في حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له، أو إذا ما كانا منفصلين حيث يتعين اتخاذ قرار بشأن محل إقامة الطفل مع ضرورة ضمان حق الطفل المنفصل عن والديه أو عن أحدهما بعلاقات شخصية واتصالات مباشرة بكلا والديه، إلا إذا تعارض ذلك مع مصالح الطفل الفضلى.

وعلى الدولة في حالة تعرض أحد الوالدين أو كليهما أو الطفل للاحتجاز أو الحبس أو النفي أو الترحيل أو الوفاة أن تقدم للوالدين أو الطفل المعلومات عن مكان وجود عضو الأسرة الغائب إلا إذا كان ذلك ضد مصلحة الطفل.  

كما تؤكد الإتفاقية على ضرورة أن تنظر الدول الأطراف في طلبات جمع شمل العائلة بطريقة إيجابية  وانسانية وبسرعة وبما يحفظ الكرامة، مع ضمان حق الطفل ووالديه في مغادرة البلد بحرية ودون قيود إلا تلك التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية لحماية الأمن الوطني، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم وتكون متفقة مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذه الاتفاقية.

وتطرقت الإتفاقية للتدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف والإهمال والإبلاغ عنها والإحالة بشأنها والتحقيق فيها ومعالجتها ومتابعتها وكذلك لتدخل القضاء حسب الاقتضاء. كما تطرقت أيضاً للحضانة أو الكفالة الواردة في القانون الإسلامي، أو التبني، أو عند الضرورة الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال مع الأخذ بعين الاعتبار خلفية الطفل الإثنية والدينية والثقافية واللغوية.

كما تطرقت لتوفير التعليم المجاني بإعتباره حقا من الحقوق الأساسية للطفل مع المساعدة في منع التسرب من المدارس بهدف الإسهام في القضاء على الجهل والأمية في جميع أنحاء العالم وتيسير الوصول إلى المعرفة العلمية والتقنية والى وسائل التعليم الحديثة.

المطلب الثالث: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

تتعهد الدول الأطراف بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد، مع وجوب منح الأسرة التي تشكل الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة، خصوصا لتكوين هذه الأسرة وطوال نهوضها بمسؤولية تعهد وتربية الأولاد الذين تعيلهم. ويجب أن ينعقد الزواج برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء لا إكراه فيه.

كما تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوي معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجاتهم من الغذاء والكساء والمأوي، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية، واعترافا بما لكل إنسان من حق أساسي في التحرر من الجوع ، تقوم الدول الأطراف في هذا العهد بمجهودها الفردي وعن طريق التعاون الدولي، باتخاذ التدابير المشتملة علي برامج محددة ملموسة لإنفاذ هذا الحق.

المطلب الرابع: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

ولقد سار العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما سارت عليه الوثائق الدولية الاخرى حيث أكد هذا الإعلان في المادة 23 على أن:

1. الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

2. يكون للرجل والمرأة، ابتداء من بلوغ سن الزواج، حق معترف به في التزوج وتأسيس أسرة.

3. لا ينعقد أي زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا إكراه فيه.

4. تتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة لكفالة تساوى حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. وفى حالة الانحلال يتوجب اتخاذ تدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد وأن يكون لكل ولد، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، حق على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصرا.

المطلب الخامس: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

أكدت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في ديباجاتها على أهمية حماية الأسرة وأبدت القلق على إنتهاك مبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان مما يشكل عقبة أمام مساواتها مع الرجل ويحول دون مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة " وقد دعت الإتفاقية إلى تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية والعادات والممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، مع ضرورة الاعتراف بأن تربية الأطفال مسؤولية مشتركة بين الأبوين.

كما أكدت على ضرورة منح المرأة حقا مساويا للرجل في إكتساب جنسيتها أو فيما يتعلق بجنسية أطفالهما.

وتنص إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على ضرورة أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لكي تكفل لها حقوقا مساوية لحقوق الرجل في ميدان التربية، بما في ذلك تزويدها بمعلومات تربوية محددة تساعد على كفالة صحة الأسر ورفاهها، وكذلك المعلومات والإرشادات التي تتناول تنظيم الأسرة. 

وفي مجال العمل أكدت الإتفاقية الى حظر الفصل من الخدمة بسبب الحمل أو إجازة الأمومة أو التمييز في الفصل من العمل على أساس الحالة الزوجية، مع تشجيع توفير الخدمات الاجتماعية المساندة اللازمة لتمكين الوالدين من الجمع بين الالتزامات العائلية وبين مسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة، ولا سيما عن طريق تشجيع إنشاء وتنمية شبكة من مرافق رعاية الأطفال، ومن أهم ما ورد في إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة يتلخص فيما نصت عليه المادة 16" والمتمثلة فيما يلي:

1. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:

(أ) نفس الحق في عقد الزواج،

(ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفى عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل،

(ج) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه.

(ح) نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفى جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.

(هـ) نفس الحقوق في أن تقرر بحرية وبإدراك للنتائج عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفى الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.

(د) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفى جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.

(ز) نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار إسم الأسرة والمهنة ونوع العمل.

(ح) نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها وادارتها والتمتع بها والتصرف فيها سواء بلا مقابل أو مقابل عوض.

2. لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي اثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا".  

المبحث الثاني: مظاهر التغيير التي جاءت بها الاتفاقيات الدولية 

من الثابت أن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، تقوم بوظائف وأدوار محددة، نابعة من الفطرة الإنسانية، وكرستها الأعراف والتقاليد والديانات المختلفة، ومن أهم تلك الأدوار التربية والتناسل، في ضل أسرة مكونة من زوج وزوجة، يشتركان في الأدوار كل حسب ما خلق ويسر له، لكن بدأت هذه النظرة تتغير في إطار المجتمع الدولي المعاصر، وهو ما يستشف من خلال الاتفاقيات الدولية التي تم التصديق عليها من قبل العديد من الدول، ويبرز هذا الاختلاف فيما يلي:

المطلب الأول: المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة داخل الأسرة  

عمل المجتمع الدولي، على تبني مفهوم التساوي المطلق بين الرجل والمرأة، مهما كانت الفوارق بينهما كذكر و أنثي، واستخدم مصطلح "التميز" في الوثائق الدولية، للتعبير عن عدم التساوي التام والكامل بين الرجل والمرأة في جميع الحالات، بما في ذلك التميز بسبب الجنس ، خاصة إذا تعلق الأمر بأفراد الأسرة الواحدة، وهو ما شددت عليه اتفاقية سيداو، التي دعت إلى ضرورة تساوي الرجل والمرأة في المسؤولية داخل الأسرة ولتحقيق ذلك بحسب ديباجتها لابد من إحداث تغير في الدور التقليدي للرجل والمرأة في المجتمع والأسرة، وبذلك تكون الاتفاقية قد دعت صراحة إلى تغير الصورة النمطية المعروفة عن الأسرة التقليدية الأصيلة من عدة جوانب، تظهر جليا من خلال ما يلي:

1: تكريس مفهوم الشراكة بدل قوامة الرجل داخل الأسرة: من الثابت أن القوامة للرجل، فهو القادر على التكفل بمطالب وحاجات أسرته، والإشراف على شؤونها، لكن النظرة الدولية لذلك اختلفت، فهي ترى أن جعل الرجل مسؤولا عن الأسرة يعد عقبة أمام المرأة، فهو يحد من سلطتها من جهة، ويحول دون حصولها على عديد الامتيازات كالائتمانات والقروض والموارد المادية وغير المادية من جهة أخرى، وعليه يجب أن تشترك المرأة مع الرجل في كل الأمور كالإنفاق على الأسرة، مع تحمل مسئولية متكافئة في تنشئة الأطفال وحتى القيام بالمهام المنزلية.

2. التساوي في الميراث: بالرجوع إلى نص المادة 13/أ من اتفاقية سيداو، نجد أنها أوجبت على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحالات المرتبطة بالمناحي الاقتصادية والاجتماعية، لضمان تساوي الرجل والمرأة في الحقوق، ولا سيما الحق في الاستحقاقات الأسرية، ولما كان الميراث استحقاق أسري مهم، فإنها تكون بذلك قد ساوت بين الذكر والأنثى في الأنصبة، بخلاف ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية التي جعلت نصيب الذكور أكبر من نصيب الإناث في معظم الأحوال، فللذكر مثل حض الأنثيين، وللزوجة من زوجها المتوفى نصف نصيب الزوج من تركة زوجته.

3. منع تعدد الزوجات: اعتبر التعدد في الزواج تصرف يتعارض مع حقوق المرأة في مساواتها مع الرجل، ويرون أن فيه إهدار لكرامة المرأة واجحافا لحقها، ويمكن أن تكون له نتائج عكسية خطيرة على المرأة وأبنائها.

4. الولاية على المرأة في الزواج: للمرأة مثلها مثل الرجل الحق في اختيار زوجها بحرية مطلقة وارادة تامة، دون تدخل أي أحد، ودون أن تخضع لسلطة أو سيطرة شخص آخر، لذا لا يجوز بأي حال من الأحوال وضع المرأة تحت ولاية أحد حتى ولو كان والدها ،أو أي ذكر آخر من العائلة.

5. فك الرابطة الزوجية بإرادة الزوج: الثابت أن العصمة بيد الرجل، وله الحق في طلاق زوجته بإرادته المنفردة، غير أن المادة 16/ج من اتفاقية سيداو جاءت خلاف ذلك، عندما دعت إلى ضرورة أن يتمتعا الزوجان بنفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه، وتمت الدعوة الى حرمان الرجل من حق الطلاق وحصره بيد القاضي، الذي يكون له الحق وحده للبت في هذه القضية، بعد أن يتوافق الزوج والزوجة أو أحدهما على إجراءات الطلاق.

6. حرية اختيار مسكن الزوجية والإقامة: تنص المادة 15/04 من اتفاقية سيداو على أن: "تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم"، وبذلك سمحت هذه الاتفاقية للزوجة الخروج والعمل والسفر دون استئذان زوجها، لأن استئذان الزوج يعد تميزا وجب القضاء عليه.

المطلب الثاني: توسع مفهوم العنف الأسري في الوثائق الدولية

من المتفق عليه أن العنف الأسري هو الضرب والإهانة الإيذاء بكل أنواعه وجب التصدي له ومحاربته، غير انه تم تكيف بعض الأحكام المرتبطة بالأسرة في إطار الاتفاقيات الدولية على أنها عنف أسري، ومن بين هذه الحالات:

1. زواج الفتاة دون سن الثامن عشر:

لأن كل من هو دون سن الثامن عشر، يعتبر طفلا وجب حمايته، بحسب نص المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، ولا يجوز تزويجه قبل تلك السن، مع تجريم من يقوم بذلك.

2. مهر العروس: ينظر للمهر من الوجهة الدولية على أنه ثمن العروس أو صفقة يبرمها الرجل مع أهل الزوجة لتلبية احتياجاته، وهو من الطقوس التي تمارس في بعض المجتمعات.

3. إختلاف الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة: تم اعتبار ممارسة الرجل مسئوليات القوامة داخل الأسرة ،وقيام المرأة بدور الأمومة عنفا ضد المرأة، وقد اعتبرت المادة الخامسة/ أ من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) مثل هذه الأدوار أنماط اجتماعية وثقافية لسلوك الرجل والمرأة، وجب تعديلها بهدف القضاء على التحيزات والعادات العرفية، وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين.

المطلب الثالث: تعدد أشكال الأسرة

لم تعد الرابطة الزوجين تقوم فقط بين رجل وامرأة بعد إقرار الشذوذ الجنسي، وتمت إباحة الزواج بين أشخاص من نفس الجنس واعطاءهم الحق في تكوين أسرة، وهو ما دعي إليه صراحة برنامج عمل مؤتمر القاهرة للسكان لسنة 1994، بوجوب إزالة كل العقبات أمام العلاقات الشاذة، مع ضرورة القضاء على أشكال التمييز في السياسات المتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى وبذاك لم تعد الأسر تؤسس على تلك العلاقة بين رجل وامرأة، وانما صارت تضم ألوان أخرى من العلاقات بين رجل ورجل أو بين امرأة وامرأة.

وقد أكدت على ذلك وثيقة عالم جدير بالأطفال لسنة 2002 والتي تعد وثيقة آليات لتفعيل اتفاقية حقوق الطفل 1989 حينما طالبت الحكومات بـ: "مراعاة أن الأسرة تتخذ أشكالاً مختلفة باختلاف النظم الثقافية والاجتماعية والسياسية، كما تم إقرار وجود أشكال مختلفة للأسرة، لتشمل النساء والرجال الذين يعيشون معا بلا زواج، والنساء الذين يحتفظن بأطفال ويقمن بالإنفاق عليهم، ويطلق على هذا التشكيل اسم الأسرة ذات العائل المنفرد، وتسمى الأم "بالأم المعيلة".

المطلب الرابع: اعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية بدلا من أن تكون وظيفة فطرية

من الثابت أن الدور الأساسي للمرأة في الأسرة هو الأمومة، وهي وضيفة فطرية ترتبط أساسا بجنسها وتركيبتها البيولوجية والنفسية، غير أن الاتفاقيات الدولية عملت على تغير هذا المفهوم، وتكريس مفهوم أخر يرتبط أساسا بالجانب الاجتماعي لا البيولوجي، واعتبار الأمومة وضيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي شخص آخر وهي لست صفة لصيقة بالمرأة فقط.

وهو ما أكدته اتفاقية سيداو في ديباجتها، عندما اعتبرت أن دور المرأة في الإنجاب لا يجوز أن يكون أساسا للتميز، بل إن تنشئة الأطفال تتطلب بدلا من ذلك تقاسم المسؤولية بين الرجل والمرأة ككل، ودعت المادة الخامسة / ب إلى "كفالة أن تتضمن التربية الأسرية تفهما سليما للأمومة، بوصفها وظيفة اجتماعية والاعتراف بالمسؤولية المشتركة لكل من الرجال والنساء في تنشئة أطفالهم وتطورهم، على أن يكون مفهوما أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات".

المبحث الثالث: آليات تكريس المتغيرات في مفهوم الأسرة

من المتعارف عليه أن الاتفاقيات الدولية هي ملزمة لجميع الدول الأعضاء فيها، متى تم التصديق عليها، وهم ملزمون بتنفيذها داخل دولهم، لكن يثار في كثير من الأحيان مسألة الاختلاف في كيفية تفسير بنود هذه الاتفاقيات، فمنهم من يفسرها ويعممها في جميع الدول على اختلاف سوابقهم التاريخية والثقافية والدينية، ومنهم من يرى أن كل دولة تفسرها طبقا لتمدنها وسوابقها التاريخية والثقافية وعقائدها الدينية، لكن الأمر يزداد أكثر تعقيدا فيما يتعلق بالأسرة نضرا لقيمتها وأهميتها القصوى في بناء المجتمعات داخل الدولة، خاصة عند بعض الدول التي تعتبرها مسألة مقدسة لارتباطها بدينها وليس مجرد أعراف أو تقاليد ،وحرصا من المجتمع الدولي على فرض رؤيته للأسرة في جميع الدول، عمل على خلق مجموعة من الآليات القانونية والمؤسساتية:

فنجد أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) بموادها الثلاثين، الملزمة قانونا للدول الأطراف ،اعتمدت جملة من التدابير لضمان تحقيق مساواة المرأة بالرجل داخل وخارج الأسرة، وفي جميع الميادين، بدعوتها لسن تشريعات وطنية قصد حظر ما اعتبرته تمييزاً ضد المرأة، وتوصى باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بذلك، باتخاذ خطوات لتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تجعل من التمييز أمرا مقبولاً، كما ألزمت المادة الثانية ، الدول الأطراف في الاتفاقية بشجب جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتخاذ جميع التدابير المناسبة -دون إبطاء- التي تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة وكفالة المساواة بينها وبين الرجل في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في الاتفاقية.

وضمانا لمراقبة مدى التزام الدول بالاتفاقية ،وعملا بنص المادة السابعة عشر، تم تأسيس لجنة خاصة مشكلة من ثلاث وعشرون خبيرا، لمتابعة تطبيق الاتفاقية على مستوى العالم، تسمى ب «لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" أو "لجنة سيداو"، لتتلقى التقارير من الحكومات بشكل دوري والتعليق على تلك التقارير، بحيث توجه الحكومات وتتابعها باتجاه المزيد من التطبيق.

وفي العام 1995 صدرت وثيقة تحت عنوان "منهاج عمل بكين"، المتمخضة عن اجتماع  لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة، في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين، والتي وضعت الاستراتيجيات والآليات لتطبيق وتفعيل اتفاقية سيداو، وطالب بضرورة تغيير الصور النمطية للمرأة في المجتمع والإعلام ،تلته العديد من الوثائق الأخرى التي تصب في نفس الإطار، كوثيقة "بكين +5" لعام 2000 الصادرة عن الأمم المتحدة، حيث طالبت بتعزيز الحملات الجندرية والتدريب على المساواة بين النساء والرجال، والفتيات والفتية، للقضاء على استمرار الصور النمطية التقليدية الضارة.

كما تمارس الأمم المتحدة وسائل الضغط الممكنة، قصد إجبار الدول على تطبيق تلك المواثيق تطبيقا كاملا وشاملا، متجاهلة أي تحفظات وضعتها تلك الحكومات أثناء التوقيع عليها، فهي تعمل بكل هيئاتها ومؤسساتها بتنفيذ ما جاء في توصيات ووثائق هذه المؤتمرات بما في ذلك المراقبة والمتابعة لمدى التزام الدول والحكومات كما أن هناك العديد من الآليات المؤسساتية، لها سلطة الإشراف والمتابعة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول لإلزامها بما وقعت عليه منها:

1- مفوضية أو لجنة وضع المرأة، وهي مكونة من سبعة وثمانون عضوا، من إفريقيا وأوروبا الغربية وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، وهذه المفوضية تقوم برفع مقترحاتها وتوصياتها للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

2- المعهد العالمي للتدريب والبحوث الخاصة بالنهوض بالمرأة، والذي أنشئ بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة.

3- صندوق الأمم المتحدة للإنماء للمرأة، وهو يقوم بتمويل قضايا المرأة وتوفير المساعدات التقنية من أجل تحديد برامج واستراتيجيات من شأنها الارتقاء بحقوق المرأة، ومن استراتيجيته إيجاد شراكة جديدة بين منظمات المرأة والحكومات والأمم المتحدة، والتكفل بمشروعات إرشادية لقياس طرق منهم قضايا تمكين المرأة والجندر، وتوفير المعرفة التقنية عن استراتيجيات تمكين المرأة والجندر (النوع).

4- صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي يقوم بدعم المشروعات التي تهدف إلى تعزيز قدرة الحكومات على صياغة وتنفيذ خطط والسياسات المتعلقة بالأسرة.

المبحث الرابع: خلو بعض الوثائق الدولية المعنية بالمرأة تماما من أية إشارة للأسرة

من اللافت للنظر خلو بعض الوثائق الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن المرأة من أية إشارة للأسرة بمفهومها الطبيعي، مثل:

- البيان الصادر عن الدورة الثامنة والأربعين بعنوان (تنفيذ استراتيجيات نيروبى التطلعية للنهوض بالمرأة) تحدث عن التدابير اللازمة لتنفيذ هذه الاستراتيجيات من أجل تحقيق الأهداف المتمثلة في "المساواة والتنمية والسلم" ولم يرد ذكر الأسرة على الإطلاق بل كان تركيز الوثيقة بالأساس على إدماج المرأة بشكل كامل في صنع القرار في الحياة العامة سواء على المستوى المحلي أو في الهيئة الدولية.

- وفى تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي لعام 1995م -أحد الوثائق الرسمية للجمعية العامة في الدورة الخمسين- لم يرد ذكر الأسرة على مدار التقرير الذى بلغ تعداده 227 صفحة عبر أربعة عشر فصلاً رغم تناوله لمسائل ذات صلة، كحقوق الإنسان والنهوض بالمرأة ودور المرأة في التنمية.... إلخ.

السياقات التي ورد فيها مصطلح الأسرة في المواثيق الدولية: تنظيم الأسرة وتحديد النسل، نص البند (هـ) في الفقرة 107 من وثيقة بكين على: "توفير معلومات كاملة ودقيقة عن السلوك الجنسي والإنجابي المأمون والمسئول، بما في ذلك الاستخدام الطوعي لوسائل الوقاية الذكرية المناسبة والفعالة؛ بغية الوقاية من الأمرض.. وتوفيرها بأسعار زهيدة".

وأيضا البند (83/ل) من وثيقة بكين: "التشجيع بدعم من أهالي البنات والبنين وبالتعاون مع موظفي التعليم والمؤسسات التعليمية على وضع برامج تعليمية لهم، وايجاد خدمات متكاملة؛ بغية زيادة وعيهم بمسئولياتهم، ومساعدتهم على تحمل هذه المسئوليات، مع مراعاة أهمية التعليم والخدمات المشار إليها بالنسبة إلى نمو الشخصية واحترام الذات ،وكذلك مراعاة الحاجة إلى تفادي الحمل غير المرغوب فيه وتفشي الأمراض التي تنتقل على طريق الاتصال بين الجنسين، ولا سيما فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز".

وتؤكد التقارير على أن الأساس في تمتع المرأة بحقوقها هو تمكنها من التحكم في خصوصياته "وتشكل قدرة المرأة على التحكم في خصوصيتها أساسا هاما للتمتع بالحقوق الأخرى وطبقا لما سلم به في خطة العمل العالمية للسكان"، وأعيد التأكيد عليه في المؤتمر الدولي المعني بالسكان ،"لكل شريكين ولكل الأفراد الحق الإنساني الأساسي في أن يقرروا بحرية وعلى بيّنة عدد أطفالهم، كما ينبغي تعزيز عناصر الرعاية الصحية الأولية المتعلقة بصحة الأم وتنظيم الأسرة، وينبغي توفير المعلومات وتقديم الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة.

إلغاء القوامة واستبدالها بالشراكة: ففي التقرير الأممي الصادر عام 1985 بمناسبة تقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة، اعتبروا أن الحائل والعقبة الكئود أمام تمكين المرأة هو جعل الرجل مسئولاً عن الأسرة. وطالب التقرير الدول الأطراف بتغيير التشريعات، فجاءت البنود المختلفة لتنص على ذلك:

"إن التشريعات والأنظمة ذات الصلة التي تقصر دور العائل ورب الأسرة على الرجل تعوق حصول المرأة على الائتمانات والقروض والموارد المادية وغير المادية. ويلزم إدخال تغييرات على هذه المجالات تضمن للمرأة المساواة في الحصول على الموارد وهناك حاجة إلى استبعاد عبارات مثل "رب الأسرة " وادخال عبارات أخرى على درجة من الشمول تكفي للتعبير عن دور المرأة على نحو مناسب في الوثائق القانونية ضمانًا لحقوقها"، "كما ينبغي إدخال برامج تعليمية لتمكين الرجال والنساء على حد سواء من تحمل مسئولية متكافئة في تنشئة الأطفال واعالة الأسرة، وذلك على جميع مستويات النظام التعليمي. 

ولا يقتصر الأمر على مجرد تغيير تشريعات وانما المطالبة بإدخال تغييرات جذرية وشاملة على كافة أنظمة المجتمع حتى لو اقتضى الأمر إيجاد هياكل وكيانات جديدة من أجل الوصول إلى وضع نهائي تتشارك فيه المرأة مع الرجل في الإنفاق على الأسرة، وبالمثل يتشارك الرجل مع المرأة في المهام المنزلية وعلى الدولة الطرف تمهيد المجتمع لتقبل بل وتشجيع الأدوار الجديدة والمعدلة للذكر والأنثى، وقد ورد في نفس التقرير:

"وينبغي القيام بعمل متضافر يستهدف إنشاء نظام للمشاركة في المسئوليات الأبوية من جانب المرأة والرجل في الأسرة ومن جانب المجتمع. ولبلوغ هذه الغاية ينبغي إعطاء الأولوية لتوفير هياكل أساسية اجتماعية تمكن المجتمع من المشاركة في تحمل هذه المسئوليات مع المرأة، وتحقيق تغييرات -في الوقت نفسه- في المواقف الاجتماعية تؤدي إلى قبول وتشجيع أدوار للجنسين جديدة أو معدلة بحيث يمكن ممارسة هذه الأدوار وينبغي إعادة النظر في الواجبات المنزلية وفي مسئوليات الوالدين بما في ذلك اتخاذ القرار فيما يتعلق بحجم الأسرة والمباعدة بين فترات الإنجاب، بغية تقاسم المسئوليات بين المرأة والرجل".

"وينبغي تنقيح القوانين المدنية، ولاسيما القوانين التي تتعلق بالأسرة، من أجل القضاء على الممارسات التمييزية حيثما وجدت وأينما اعتبرت المرأة قاصرة، وينبغي إعادة النظر في الأهلية القانونية للمرأة المتزوجة؛ بغية منحها المساواة في الحقوق والواجبات".

اعتبار ممارسة الرجل مسؤوليات القوامة داخل الأسرة "عنفا ضد المرأة:" وبالتالي توسيع دائرة التدخل القانوني داخل الأسرة، حيث دعت الوثائق إلى تدخل الحكومات في الأسر بإجراءات أمنية متعددة بدعوى حمايتها من العنف، من ذلك ما ورد في الفقرة 271 من التقرير الأممي سالف الذكر: "وينبغي إنشاء جهاز وطني يتولى معالجة مسألة العنف دخل الأسرة، وصوغ سياسات وقائية وتوفير أشكال مؤسسية لتقديم المساعدة الاقتصادية وغيرها من أنواع المساعدة لحماية ضحايا العنف من النساء والأطفال. كما ينبغي تعزيز الإجراءات التشريعية وتقديم المساعدة القانونية. 

وفى الفقرة 288 تحت عنوان (النساء اللواتي تساء معاملتهن): "وينبغي للحكومات كذلك أن تكثف جهودها المبذولة لوضع أو تعزيز سبل المساعدة لضحايا هذا النوع من العنف عن طريق توفير المأوى والحماية والدعم والخدمات القانونية وغيرها. وعلاوة على المساعدة الفورية التي يجب أن تقدم إلى ضحايا العنف الموجّه ضد النساء في الأسرة والمجتمع، ينبغي على الحكومات أن تعمل على زيادة توعية الجماهير. "وبشكل غير مباشر يتم إقرار الزنا عن طريق اعتبار الطفل غير الشرعي طفلا عاديّا له أب والزام هذا (الأب) بتحمل مسئولية ذلك (الابن) وينبغي جعل الوالد المفترض للأطفال الذين وُلدوا بصورة غير شرعية يساعد في إعالة هؤلاء الأطفال وتعليمهم.

ومن ثم فإن أي اعتراض على حق المراهقة في ممارسة الجنس سيعد انتهاكا لحقوق الإنسان، وكذلك امتناع الطبيب عن إجهاض فتاة سيعد اعتداءً على حقها الإنساني في أن يتوفر لها إجهاض مأمون، حرمان تعقيم الزوجة –إذا أرادت- دون الرجوع لزوجها يعد حرمان تعسفي من الحرية فلها الحق في أن تتحكم وتبت بحرية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية دون إكراه أو تمييز أو عنف، ومن ثم فإن أي اعتداء على هذا الحق يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان.

ويقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوجيه كم كبير من أنشطته تجاه صغار السن حتى يتم تنشئتهم منذ وقت مبكر على مفاهيم (الصحة الإنجابية) و (تغيير تصور أدوار الجنسين) وأن يتم تقبل المجتمع للحرية الجنسية، وأدوار الجنسين داخل الأسرة تحت مسمى (ديناميات القوة داخل الأسرة) - فيصدر تقريره لعام 2005م بعنوان) دُور بلدية هل بديلة أم بلدية للمراهقين والشباب (والذي جاء فيه "عمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على إقامة دُور(Casas) للمراهقين والشباب وتشجع هذه الدُور حقوق صغار السن، ويحصل المراهقون فيها على معلومات وتدريب بشأن الصحة الإنجابية والعنف ويضطلعون بمهام توعية مجتمعية من خلال وسائط الإعلام بشأن الصحة والحقوق الإنجابية".

"يستعين مشروع" إيقاظ ضمائر المراهقين الذكور) "والذي يعمل على تدريب المراهقين على استخدام العازل الطبي لمنع حدوث الحمل (في نيجيريا، بحوارات منظمة للتشجيع على التفكير الانتقادي لدى الرجال صغار السن الذين تتراوح أعمارهم من 14 إلى 20 سنة وتتناول مواضيع المناقشة ديناميات القوة داخل الأسرة، والعلاقات الحميمة، والصحة الجنسية والإنجابية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية.

إقرار الشذوذ الجنسي، واعطاء الشواذ كافة الحقوق منها الزواج وتكوين أسر: رتبت وثيقة برنامج عمل مؤتمر القاهرة للسكان حقوقًا، ودعت إلى إزالة كل العقبات أمام العلاقات الشاذة: "ينبغى القضاء على أشكال التمييز في السياسات المتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى واستخدمت مصطلح (The Family in all its forms). وقد عرَّف مكتب الإحصاء الرسمي لسكان الولايات المتحدة الأسرة بأنها: "جماعة تتكون من شخصين أو أكثر يرتبطون معًا برباط الميلاد أو الزواج أو التبني وتقطن معا". 

ويعُد هذا إفرازاً طبيعيًا للحركة الفكرية في المجتمع الأمريكي، وفي دراسة للأمريكية "آن فوستس ستيرلنج "بعنوان "الأجناس الخمسة" ادَّعت فيها أن "تقسيم الخلق إلى ذكور واناث أصبح واقعًا تجاوزه الزمن، ولم يعد يعبر بدقة عن حقيقة الواقع الإنساني، ذلك أن الواقع أصبح يحفل بخمسة أجناس، وليس جنسين فقط، إذ بجانب الرجال والنساء، هناك المخنثون، والنساء الشاذات اللائي يعاشرن النساء، والرجال الذين يعاشرون الرجال".

ومع تراجع مفهوم الأسرة الطبيعية، حلّ تدريجيا البديل الكارثي، حيث ظهرت الدعوة إلى بناء الأسر (اللانمطية)، وبهذا يتم الإبقاء على الشكل مع إفراغ محتواه أو استبداله بمحتوى آخر، فظلت التسمية (أسرة) ولكن المعنى مختلف، حيث صارت تعني: كل بيت تشبع فيه الحاجات الأساسية الطبيعية (رجل وامرأة في إطار الزواج، رجل وامرأة خارج إطار الزواج، رجال ونساء دون رابطة قانونية، رجلين، امرأتين.. والبقية تأتي).

ونجد صدى ذلك واضحا في المؤتمرات الدولية التي تظهر فيها الأجندة الأنثوية Feminism بشكل قوي، حيث تعكس الوثائق الدولية الصادرة عن تلك المؤتمرات ذلك المفهوم، فنجد الوثيقة الصادرة عن مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية عام 1994 م - في الفصل الخامس منها والذى جاء بعنوان (الأسرة وأدوارها وحقوقها وتكوينها وهيكلها) مبحث كامل بعنوان (تنوع هيكل الأسرة وتكوينها) من مواده: "وينبغى أن تتخذ الحكومات إجراءات فعالة للقضاء على جميع أشكال الإكراه والتمييز في السياسات والممارسات المتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى"، وأخرى تطالب بتغيير (الهياكل الأسرية) معتبرة ذلك التغيير هو (المجال الحيوي لعمل الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات الحكومية المعنية، ووكالات التنمية، والمؤسسات البحثية)، كل هذه المؤسسات مدعوة –بإلحاح- لإعطاء الأولوية للبحوث الحيوية المتعلقة بتغيير هيكل الأسرة.

وذلك حتى لا تكون -فقط- أسرة شرعية مؤسسة على علاقة مشروعة بين ذكر وأنثى، وانما لتضم كل ألوان العلاقات -بين رجل ورجل، أو بين امرأة وامرأة – مُدخلة بذلك الانقلاب كل ألوان العلاقات الشاذة والمحرمة شرعا وفطرة في إطار الأسرة التي يعترف بها القانون ويحميها ويرتب لها الحقوق.

وجاء في تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية بالقاهرة 1994م: "وضع سياسات وقوانين تقدم دعمًا أفضل للأسرة، وتسهم في استقرارها وتأخذ في الاعتبار تعدد أشكاله"، وفي تقرير المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة "توجد أشكالاً مختلفة للأسر في الأنظمة الثقافية والسياسية والاجتماعية المختلفة". وقد أثارت تلك الأجندة موجة عارمة من الاعتراضات من قِبل الكثير من دول العالم ذات الثقافات المحافظة.

ثم بعد عامين، وفي مؤتمر اسطنبول للمستوطنات البشرية -HabitatII تركيا 1996م، تكرر نفس الأمر، وبدى واضحًا إصرار المنظمة الدولية على نفس الأجندة، وثارت موجة ثانية من الجدل حول موضوع الأسرة: هل هي خلية اجتماعية يجب تدعيمها ،أم أنها إطار تقليدي يجب الانفكاك منه واستحداث مفهوم جديد للأسرة؟.

وتزعمت كندا ودول الاتحاد الأوروبي المطالبة باستحداث أنماط وأطر جديدة للأسرة، أما الصين ودول عدم الانحياز فقد وقفت ضد هذا الموقف، وكحل وسط تبني النص الذي يقارب نص وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان 1994م، حيث تضمن الإشارة إلى الزوج والزوجة مع تعدد الأنماط الأسرية، وقد ترك اللفظ على عمومه وغموضه؛ إرضاءً للجماعات التي تطالب باستحداث زواج بين الجنس الواحد Same sex marriage، وشهدت أروقة المؤتمر سجالاً واسعا مما دعا ممثل الإكوادور إلى تحفظه على "الأشكال المختلفة للأسرة" و"الصحة الإنجابية"، حيث فسرهما على أساس أن التعبير الأول يغير مفهوم الأسرة وأساسها، والتعبير الثاني لا يمكن أن يشمل الإجهاض كوسيلة لتنظيم الأسرة.

وأيضا اعترضت غواتيمالا على (الأشكال المختلفة للأسرة) في مختلف النظم الثقافية والسياسية والاجتماعية، وبررت اعتراضها بأنه لا يجوز تحت أي ظرف تغيير الأساس الذي تقوم عليه الأسرة وهو الاتحاد بين الرجل والمرأة. كما أكد الكرسي الرسولي (الفاتيكان) أن الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع، وأنها تستند إلى الزواج كشراكة تقوم على المساواة بين الزوج والزوجة.

وتحفظت جمهورية هندوراس على عبارة "الأشكال المختلفة للأسرة"؛ حيث برر ممثلها الحكومي تحفظ بلاده قائلاً : "ويجب أن يكون مفهومها بأنه لا يمكن أن تعني أبدًا بالنسبة "لجمهورية هندوراس" إباحة الزواج بين أشخاص من نفس الجنس؛ حيث أن دستورنا الوطني يحمي الأسرة بشكلها الطبيعي. أما نص بعض البنود التي أعربت صراحة عن أشكال أخرى للأسرة Different Forms of the Family ، فلم يكن مستحدثا في مؤتمر الإسكان 1996م، بل له سابقاته في المؤتمرات السابقة، ففي مؤتمر السكان الذي عقد في مكسيكو سيتي 1984م: "تعترف خطة العمل العالمية للسكان والأسرة- بأشكالها المتعددة – باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع، وتوصي بإعطائها حماية قانونية. والأسرة مرت- ولا تزال تمر- بتغيرات أساسية في بنيتها ووظيفتها".

ولم تسلم وثائق الطفل من تلك الأجندة، فتأتي وثيقة عالم جدير بالأطفال 2002م ،والتي تعد وثيقة آليات وسياسات لتفعيل اتفاقية حقوق الطفل (CRC)1989 م، لتبرز ذات المعنى (تعددية أشكال الأسرة) حينما طالبت الوثيقة الحكومات بـ: "مراعاة أن الأسرة تتخذ أشكالاً مختلفة باختلاف النظم الثقافية والاجتماعية والسياسية".

وليست الوثائق الدولية الخاصة بالمرأة أو بالطفل فقط هي التي أكدت على تعددية أشكال الأسرة، وانما تظهر نفس الأجندة بوضوح في العديد من المؤتمرات، وقد حرصت لجنة المرأة على فرض نفس الأجندة في المؤتمرات الأخرى، فقد جاءت الوثائق الصادرة عنها وقد رسخت نفس المفهوم كنوع من تطبيع المصطلح، فقد جاء في تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية: "الأسرة هي الوحدة الأساسية في المجتمع وهي بهذه الصفة يجب أن تدعم، ومن حقها أن تلقى حماية ودعمًا شاملين، وفي النظم الثقافية والسياسية والاجتماعية المختلفة، تتخذ أشكالاً مختلفة". 

وتشترك الوثائق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة – من حيث مفهوم الأسرة- في النقاط التالية:

 1- تناول مفهوم الأسرة من المنظور الأنثوي الراديكالي Radical Feminism ، وهو المنظور الذي يطرح الشذوذ الجنسي كحق من حقوق الإنسان، واعتبار الأسرة المكونة من رجل وامرأة ارتبطا برباط الزواج الشرعي أسرة (نمطية) تقف في طريق الحداثة، ويجب استبدالها بالنموذج اللانمطي الإبداعي للأسرة.

2- إقرار وجود أشكال مختلفة للأسرة، بما يعني إقرار العلاقات غير الشرعية، سواء بين رجال ونساء، والعلاقات الشاذة بين مثليي الجنس، فالأشكال المختلفة للأسرة تشمل النساء والرجال الذين يعيشون معًا بلا زواج، والشواذ، كما تشمل النساء اللائي يأتين بالأطفال سفاحًا، ويحتفظن بهؤلاء الأطفال فيقمن بالإنفاق عليهم، ويطلق على هذا التشكيل اسم الأسرة ذات العائل المنفرد Single parent family ، وتسمى الأم بـ. الأم المعيلة.

3- التوصية بإعطاء هذه الأشكال المختلفة الحماية قانونية، وضمان إعطائها نفس الحقوق التي يحصل عليها الأزواج في الأسر الطبيعية والتي صار يطلق عليها في الوثائق مصطلح التقليدية أو النمطية.

ولا يخفى أن ما عمَّ المجتمعات الغربية من هذه الفوضى الأخلاقية صار وضعا مخيفا، وهو ما حدى بالعقلاء هناك من إطلاق صيحات التحذير، فتقول الكاتبة الأمريكية "سوازن غللر" محذّرة: "لقد أدى انتشار الشذوذ بين الرجال، أن أخذ شكل الرجل يتغير فأصبح يهتم بزينته كما تهتم المرأة، ويرتدي الملابس الملونة الزاهية ويكوي شعره حتى أصبح من الصعب التفرقة بين الرجل والمرأة، وزدات شُقة الخلاف بينهما، فهو يبحث عن متعه الخاصة الشاذة، ويضحي بالحياة الأسرية في سبيل فرديته و أنانيته، ثم زاد الطين بلة انتشار الإيدز بين الشواذ من الرجال أولاً، ثم انتقل المرض اللعين إلى النساء شيئًا فشيئًا، فتزايد عدد الرجال الذين لا يمكنهم الزواج بسبب المرض، وزاد عدد النساء اللاتي لا يمكنهن الزواج للسبب نفسه".

اعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية بدلاً من أن تكون وظيفة فطرية:

تكرس الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة مفهوما غريبا يعكس الرؤية الأنثوية للأدوار الاجتماعية لكلا الجنسين، والتي تسعى لفصل جنس الإنسان عن دوره في الحياة، وبالتحديد فصل جنس المرأة عن دورها الأساسي –والمرتبط بالأساس بجنسها وتركيبها البيولوجي- وهو دور الأمومة، وهو ما عبرت عنه بيللا آبزوج (إحدى زعيمات الفكر الأنثوي الراديكالي) بقولها: "لن نعود مرة أخرى لنخضع لفكرة أن القدَر البيولوجي وحتميته يحصر المرأة داخل صفات متعلقة بجسدها وجنسها لذلك نحن نستخدم كلمة جندرGender بدلاً من جنس Sex للدلالة على أن حقيقة الرجل والمرأة هي من صنع المجتمع ومن الممكن تغييرها".

وبالتالي نجد اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) تطالب الحكومات باتخاذ التدابير اللازمة لترسيخ هذا المفهوم (الأمومة وظيفة اجتماعية) حيث نصّت في المادة الخامسة على:"أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلى:

 أ) تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوّق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.

ب) كفالة أن تتضمن التربية الأسرية تفهما سليما للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية والاعتراف بالمسؤولية المشتركة لكلٍ من الرجال والنساء في تنشئة أطفالهم وتطورهم، على أن يكون مفهوما أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات".

وتكرس هذه المادة أحد أهم أهداف اتفاقية سيداو؛ لأنها تنصب على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية، وهو ما تهدف الاتفاقية إلى تغييره في سنوات معدودة. وهى لا تفسر ماهية الأدوار النمطية، وان كانت تعني أنه ليست هناك أنماط خاصة للنساء باعتبارهن نساء، وليست هناك أنماط خاصة للرجال باعتبارهم رجالاً، ومن ثم فهناك إمكانية واسعة لتبادل الأدوار، باعتبار الأدوار (محايدة) غير مرتبطة بجنس، بل ووصف دور المرأة في المجال الأسرى بالأنماط الجامدة، وهذا المعنى وثيق الصلة بمفهوم الجندرGender، وهو ما تحاول الاتفاقية ترسيخه، فلا الرجل رجلاً ولا المرأة امرأة لأنهما خلقا هكذا، بل لأن التنشئة، والثقافة المجتمعية هى التى أملت على كل منهما دوره، وكرسته عبر العصور، ولا علاقة لهذا الدور بخلقة كل منهما وتركيبه البيولوجي.

وقد ورد في التقرير النهائي الذي تم إحالته إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بهيئة الأمم المتحدة عام 2007م حول وثيقة (عالم جدير بالأطفال) تحت عنوان (التعليم والتدريب) 14-2-ل: «تقليل الوقت الذي تقضيه البنات في القيام بمهام العناية اليومية بشئون الأسرة المعيشية مع العمل على تغيير المواقف التي ترسخ تقسيم العمل حسب الجندر Gender تعزيزاً لتقاسم المسئوليات الأسرية للعمل في البيت".

وكشأن اتفاقيات الأمم المتحدة الأخرى، يتم تكرار المفهوم الواحد أكثر من مرة  وادماجه ضمن أكثر من محور؛ لضمان تكريسه وتفعيله، فنجد نفس المفهوم وقد تم إدماجه في المادة الخاصة بالتعليم في اتفاقية سيداو، وهي المادة 10 (ج) الخاصة بالتعليم، حيث نادت بضرورة إزالة أي مفاهيم نمطية عن دور الرجل والمرأة في جميع مراحل التعليم ،فنصت على: "القضاء على أي مفهوم عن دور الرجل ودور المرأة على جميع مستويات التعليم، وفي جميع أشكاله، عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، ولا سيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم".

ونلحظ هنا كذلك، استخدام المساواة بين الذكور والإناث كحُجّة للمطالبة بتشجيع التعليم المختلط، بما له من مساوئ، جعلت الكثيرين من الغربيين أنفسهم يتبنون الدعوة إلى فصل الذكور عن الإناث في التعليم حيث ثبت أفضلية ذلك لهم.

وفي تفسير هذه المادة جاء ما يلي: "يجب على الدول الأطراف القضاء على الأنماط الجامدة غير المتغيرة لدور الجنسين في النظام الدراسي وعن طريق الكتب المقررة المستخدمة في النظام الدراسي التي كثيراً ما تقوي الأنماط الجامدة غير المتغيرة والتقليدية المنطوية على عدم المساواة وبخاصة في مجال العمل والمسئوليات الأسرية".

كل تلك النصوص تؤكد أن المعني بالأدوار النمطية الجامدة، والتي تطالب الاتفاقية بتغييرها وتبديلها، هو دور الزوجة والأم، وذلك يتفق مع تركيز الاتفاقية على تلقي المرأة لنفس التعليم والتدريب وتوظيفها في جميع المهن التي يقوم بها الرجل، ويتفق مع المناداة بتعميم استخدام موانع الحمل؛ من أجل التفرغ لأعباء الوظيفة خارج البيت. ومما يؤكد هذا المفهوم ما جاء في أحد إصدارات الأمم المتحدة بعنوان "تغيير القيم في العائلة العربية"، والذي استنكر أن تعكس المناهج الدراسية صورة المرأة كأم، كذلك الخطاب الديني الذي يؤكد هذه الصورة، وبالتالي لم يحقق دفع المرأة إلى سوق العمل الأهداف المرجوة منه وهي تغيير نظرة المجتمع لدور المرأة، فقد ورد في ذلك الإصدار: "وقد تزامنت الدعوة لخروج المرأة للعمل مع الخطاب الأيديولوجي الذي يؤكد الدور التقليدي للمرأة كأم وزوجة، فالمدرسة لا تعكس صورة حقيقية للمرأة كإنسان نشط وفعال اجتماعيا واقتصاديا، بل غالبا ما تصورها كامرأة ملتزمة بالإنجاب والأمومة".

ولنستمع إلى شهادة من طبق مبدأ التساوي التام في مجتمعه، حيث يقول الباحث الطبيعي الروسي "أنطون نميلاف" في كتابه الذي أثبت فيه استحالة التساوي التام بين الرجل والمرأة، بتجارب العلوم الطبيعية ومشاهداته: "ينبغي ألا نخدع أنفسنا بزعم أن إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة العملية أمر هين ميسور.. الحق أنه لم يجتهد أحد في الدنيا لتحقيق هذه المساواة بين الصنفين مثل ما اجتهدنا في روسيا السوفيتية، ولم يوضع في العالم من القوانين في هذا الباب مثل ما وضع عندنا، ولكن الحق أن منزلة المرأة قلما تبدلت في الأسرة، لا في الأسرة فحسب بل قلما تبدلت في المجتمع أيضا".

ويقول عن الفوضى الجنسية التي أحدثتها محاولات تطبيق المساواة: "الحق أن جميع العمال قد بدت فيهم أعراض الفوضى الجنسية، وهذه حالة جدُ خطرة، تهدد النظام الاشتراكي بالدمار، فيجب أن نحاربها بكل ما أمكن من الطرق؛ لأن المحاربة في هذه الجبهة ذات مشاكل وصعوبات، ولي أن أدلكم على آلاف من الأحداث، يعلم منها أن الإباحية الجنسية قد سرت عدواها ليس في الجهال الأغرار فحسب، بل في الأفراد المثقفين من طبقة العمال".

ويقول الدكتور" ألكسيس كاريل" الحائز على جائزة نوبل: -يجب أن يبذل المربون اهتمامًا شديدا للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى كذا لوظائفهما الطبيعية. هناك اختلافات لا تنقص بين الجنسين، ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدن.

ولاستكمال المنظومة اعتبرت تلك الاتفاقية أن الأمومة ليست صفة لصيقة بالمرأة اقتضاها تكوينها البيولوجي والنفسي، بل هي وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي إنسان آخر؛ لذا نادى تفسير الأمم المتحدة للاتفاقية بضرورة وضع نظام إجازة للآباء لرعاية الأطفال، وقد جاء إعلان بكين ليؤكد على نفس المطلب بل وجعله هدفا استراتيجيا، فجاء ليحِّث الحكومات على: "القيام عن طريق التشريعات، بتوفير الحوافز و/أو التشجيع على تهيئة الفرص للنساء والرجال على الإجازات الوالدية، وتشجيع التقاسم المتساوي لمسئوليات الأسرة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك عن طريق التشريعات الملائمة والحوافز. "كما حث على ضرورة توفير شبكات من دور رعاية الطفل حتى تتفرغ الأم لمهمتها الأساسية –وفقًا لمفهوم الاتفاقية- وهي العمل بأجر خارج البيت.

المرجع:

  1. د. الطاهر ياكر، مطبوعة محاضرات حماية الاسرة في الاتفاقيات الدولية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة الجيلالي بونعامة – خميس مليانة، كلية الحقوق والعلوم السياسة، الجزائر، السنة الجامعية 2020-2021، ص17 إلى ص47.

google-playkhamsatmostaqltradent