الركن المعنوي للجريمة

لا يكفي لقيام الجريمة أن يتوفر الركن الشرعي الذي يجرّم الفعل وينص على عقوبته، وإ ن يتوافر السلوك المادي، المتمثل في النشاط الإيجابي أو السلبي فحسب، بل لابد من توافر ركن ثالث يتمثل في ضرورة توافر علاقة بين السلوك المادي الذي يقوم به الجاني ونفسيته. أي أن يرتكب السلوك بناء على إرادة الجاني فهي التي تبين اتجاهه إلى مخالفة القانون. وأساسه هو الإرادة وهو يستمد أهميته في كونه آلية القانون كي يطبق على الأشخاص، ووسيلة لتحديد الشخص الذي تترتب عليه المسؤولية الجنائية. 

يتخذ الركن المعنوي صورتان، صورة القصد الجنائي أي الجريمة العمدية بمعنى إرادة الفعل والنتيجة معا. وصورة الخطأ غير العمدي الذي يستلزم إرادة الفعل دون اتجاه الإرادة إلى إحداث النتيجة. 

المطلب الأول: القصد الجنائي 

لم يعرف المشرّع القصد الجنائي رغم تفريقه بين الجريمة العمدية والجريمة غير العمدية، ولقد حاول الفقه تعريفه معتمدا على نظريتين: 

- نظرية العلم وهي تعتمد على إرادة الفعل وتصور النتيجة. 

- نظرية الإرادة فيها القصد الجنائي هو إرادة الفعل وٕإرادة النتيجة، بحيث لا يكفي توقع النتيجة بل لابد أن تتجه إرادة الجاني إلى الفعل وٕإلى إحداث النتيجة، فلا يتصور أن يقوم القصد بمجرد العلم بل لابدّ من نشاط نفسي يستهدف غرضا غير مشروع هذا النشاط هو الإرادة حين تسعى لإحداث النتيجة الجرمية. ولعل هذه النتيجة هي الأرجح. 

وعليه فان القصد الجنائي هو العلم بعناصر الجريمة وٕإرادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر. 

الفرع الأول: عناصر القصد الجنائي 

يتحقق القصد الجنائي باتجاه الإرادة إلى الفعل وإلى النتيجة مع العلم بعناصر الجريمة وأركانها وعليه فعناصره هما العلم والإرادة. 

أولا: العلم

معنى هذا العنصر إحاطة الجاني بالعناصر اللازمة لقيام الجريمة قانونا. والعلم قد يتعلق بالوقائع التي تعد عنصرا من عناصر الجريمة، وقد يتعلق بمدلول هذه الوقائع العلم بالقانون. ويشرط أن يعلم الجاني حقيقة الفعل الذي يقوم به ويتصوره، والذي تتجه إرادته إلى تحقيقه. 

وقد يثور أشكال عندما يشوب العناصر اللازمة للجريمة جهل أو غلط قد يكون في الوقائع، فالجهل بواقعة يؤدي إلى انتفاء العلم بها، أما الغلط فيها فهو فهمها على نحو مخالف للواقع. والقاعدة في هذا الخصوص أن الجهل أو الغلط إذا كان منصبا على واقعة تعد عنصرا من عناصر الجريمة فإن ذلك ينفي القصد الجنائي، سواء انصب الجهل أو الغلط على ركن من أركان الجريمة أو إلى ظرف مشدد فيها. فمن يأخذ حقيبة أو محفظة غيره معتقدا أنها حقيبته، فلا يعد سارقا، لأن جهله انصب على عنصر من عناصر جريمة السرقة وهو كون المال المنقول مملوك للغير. كما أنّ الجهل أو الغلط في ظرف من الظروف التي تشدد العقوبة، ينفي القصد الجنائي بالنسبة لهذا الظرف، فلا يسأل الجاني إلا عن الجريمة في صورتها البسيطة المجردة من ظرف التشديد. مثال ذلك الابن الذي قتل أباه خطأ وهو يعتقد أنه يقتل شخصا آخر لا تشدد العقوبة في حقه، فهو يسأل فقط عن جريمة قتل عمد عادية وليس قتل الأصول. 

وعليه يتحقق القصد الجنائي إذا كان الجاني يعلم بموضوع الحق المعتدى عليه وبحقيقة سلوكه وبالخطر الذي يصيب الحق المعتدى عليه، فمن يرتكب جريمة القتل لابدّ أن يعلم بأن فعله يشكل اعتداء على حياة إنسان محمية قانونا. كما يجب أن يعلم الجاني بالعنصر المفترض أو الشرط المسبق الذي يتطلبه القانون فقد يتطلب القانون العلم بمكان وزمان الجريمة، وكذلك بنتيجة جريمته حتى لو حدثت نتيجة مخالفة لما كان يتوقع. 

بينما هناك عناصر لا يؤثر الجهل بها في تحقق القصد الجنائي كنص القانون الذي يجرّم الفعل، كجهل الجاني بالنص القانوني فهدا لا ينفي عنه القصد الجنائي لأنه يفترض فيه العلم بالقانون وهذا مبدأ دستوري. أمّا بالنسبة للجهل والغلط في القانون فمن القواعد المسلم بها قانونا انه لا يسوغ لأحد أن يعتذر بجهله للقانون. وهذه القاعدة مقررة في كل التشريعات واستثناء من هذه القاعدة، فانه إذا ثبت أن الفاعل كان في وضع يستحيل معه استحالة مطلقة علمه بالقانون فإن اعتذاره بجهل القانون في هذه الحالة ينفي عنه القصد الجنائي. والاستحالة التي ترتب هذا الأثر هي التي تكون ناتجة عن قوة قاهرة تؤدي إلى عزل جزء من إقليم الدولة عزل تاما، يستحيل معه وصول الجريدة الرسمية إلى هذا الجزء.

كذلك جهل الجاني بالأهلية الجنائية لا ينفي عنه القصد الجنائي فمن جهل أنه في السن القانونية لتحمل المسؤولية الجزائية لا يعفى من المسؤولية الجنائية. نفس الحكم بالنسبة لعلم الجاني بحالته الشخصية كطرف مشدد العقوبة، وذلك مثل الظروف الشخصية التي لا تغير من وصف الجريمة كظرف العود الذي يشدد العقوبة رغم جهل الجاني بهده الحالة فيه. 

ثانيا: الإرادة

تشكل الإرادة عنصرا جوهريا للقصد الجنائي. فهي المحرك أو الموجه نحو إتيان السلوك الإجرامي. وهي وإن كانت عنصرا لازما في جميع صور الركن المعنوي للجريمة ،عمدية كانت أم غير عمدية، إلا أنها في الجرائم العمدية تنصب على السلوك الإجرامي والنتيجة المجرمة معا، بينما تنصب في إطار الجرائم غير العمدية على السلوك أي النشاط دون النتيجة. فالقصد الجنائي يتحقق بالنسبة للشخص الذي يصمم على قتل غريمه، فيتربص به ويطلق عليه النار ويرديه قتيلا، فإرادة الجاني هنا انصرفت إلى فعل الاعتداء أي النشاط الإجرامي والى النتيجة معا. وفي جريمة السرقة يتوافر القصد الجنائي لدى الجاني إذا انصرفت إرادته إلى اختلاس مال الغير، أي إلى سلب حيازته التامة من مالكه وضمه إلى حيازة الجاني والظهور عليه بمظهر المالك.

وتجدر الإشارة إلى أن انتفاء القصد الجنائي نتيجة عدم اتجاه إرادة الجاني إلى الفعل وٕإلى تحقيق النتيجة لا ينفي على الفاعل المسؤولية الجنائية على أساس الخطأ إذا ما اتجهت إرادته إلى الفعل دون النتيجة.

الفرع الثاني: صور القصد الجنائي

أولا: القصد العام والقصد الخاص

القصد الجنائي العامّ هو مطلوب في كلّ الجرائم وهو الغرض الفوري المباشر للجريمة هو الذي يتوافر فيه العلم والإرادة أي القصد الذي تتجه فيه إرادة الجاني إلى الفعل مع العلم بعناصر الجريمة واتجاه إرادته إلى إحداث النتيجة. غير أنه في بعض الجرائم لا يكفي توافر القصد العام إنما لابدّ من توافر قصد خاص وهو لدى الراجح في الفقه غاية أو باعث خاص لدى الجاني. فالقصد الخاص يقوم على العلم والإرادة لكن ليس بأركان الجريمة إنما يتصرفان إلى وقائع أخرى وفي الجرائم التي تشترط القصد الخاص فإنه يعتبر عنصرا أساسيا من ركنها المعنوي. وهو نيّة محدّدة يستلمها القانون لقيام الجريمة، تتجه إلى تحقيق غاية معيّنة إضافة إلى الغرض العامّ للجريمة فإن يختلف القصد الخاصّ فلا يمكن معاقبة الشّخص بموجب هذه الجريمة وٕإن كان ممكن معاقبة الجريمة بقصدها العامّ.

لا يوجد القصد الخاصّ دون القصد العامّ والعكس غير صحيح، حيث هناك جرائم لا يتطلّب فيها قصد خاصّ بينما يبقى اشتراط القصد العامّ قائم. ولما يشترط المشرّع القصد الخاصّ فعلى القاضي أن يثبته في الحكم لأنّ خطورة الجاني تكمن في سعيه إلى تحقيق هذا الهدف. 

ومن النصوص الجنائية المتضمنة للقصد الخاص المادة 61 من قانون العقوبات التي تعاقب بالإعدام كل من قام بالتخابر مع دولة أجنبية قصد حملها على القيام بأعمال عدوانية ضد الجزائر. 

ثانيا: القصد البسيط والقصد المقرون بسبق الإصرار 

القصد البسيط تتخذ فيه الجريمة صورة عادية مجردة من أي ظرف مشدد، ويتمثل في اتجاه الإرادة إلى الفعل والنتيجة بعزم لكن بدون تفكير أو تروي ودون فاصل زمني عند إقدامه على الفعل كالقتل البسيط. بخلاف القصد المشدد أو المقرون بسبق الإصرار فإضافة عزم الجاني على ارتكاب الفعل، فإنه يخطط ويتدبر في عواقب فعله قبل الإقدام عليه. ويتحقق سبق الإصرار متى ثبت توافر عنصر الهدوء والروية لدى الجاني قبل إقدامه على ارتكاب الجريمة، فمتى استعاد الجاني هدوءه واتزانه، وقدر العواقب التي قد تترتب عن فعله في حال إقدامه على ارتكاب القتل، ومع ذلك ظل عاقدا العزم والتصميم على تنفيذ مشروعه الإجرامي، وقام بتنفيذ ذلك بالفعل، فإنّ هذا يدلّ على الخطورة الإجرامية الكامنة لدى الفرد.

يتطلب سبق الإصرار عنصرين: 

- التصميم السابق أي فترة من الزمن تقضي بين العزم والتنفيذ. 

- التفكير والتدبير. 

ويعتبر سبق الإصرار عنصر مشدد في بعض الجرائم مثل جريمة القتل أو الضرب وذلك بسبب الخطورة التي تكمن لدى الشّخص الجاني (التفكير والتدبير السابقين). 

ثالثا: القصد المباشر والقصد غير المباشر (الاحتمالي) 

يكون القصد الجنائي مباشرا عندما تتجه إرادة الجاني إلى إحداث نتيجة إجرامية توقعها ابتداء كأثر لازم لنشاطه، بحيث تكون النتيجة الإجرامية التي استهدفها الجاني هي الغرض الوحيد الذي يسعى إليه بفعله؛ كمن يطلق النار على غريمه في مقتل ويكون غرضه من ذلك إزهاق روحه. القصد المباشر هو قصد يقيني، فتتوجه الإرادة إلى الفعل مع العلم اليقيني من تحقق النتيجة ومع ذلك يقدم على السلوك، وهذا القصد يعتبر بمثابة القصد العام الواجب توافره في الجرائم العمدية. 

أمّا القصد غير المباشر أو الاحتمالي فيتحقق عندما يتوقع الجاني النتيجة المجرمة أي الوفاة كأثر ممكن أو محتمل لفعله. وهو وٕإن لم يرد تحقيقها إلا أنه قبل وقوعها. فهو اتجاه الإرادة للفعل مع توقع حدوث النتيجة توقع غير يقيني مثال أن يقدم شخص على ضرب امرأة حامل مدركا أن ذلك الضرب قد يؤدي إلى إجهاضها.

وعلى هذا الأساس فان مجال القصد الاحتمالي يتحدد بالحالات التي تكون فيها النتيجة ممكنة أو محتملة فحسب. ولذلك فهو يقوم على عنصرين: الأول تصور الجاني "إمكان" حصول النتيجة الإجرامية. والثاني استواء حصول هذه النتيجة من عدمها. فالعلم في القصد الاحتمالي لا يبلغ أقصى درجاته وهو القطع واليقين. 

رابعا: القصد المحدد والقصد غير المحدد 

القصد المحدّد هو محدد لأن إرادة الجاني تتجه لارتكاب فعل معين وٕإحداث نتيجة في مجال محدد أي تحقيق النتيجة الإجرامية كما قدرها وتوقعها عند ارتكابه لها. مثال إطلاق النار على شخص محدد لإزهاق روحه. 

القصد غير المحدد فتتجه الإرادة فيه إلى تحقيق النتيجة الإجرامية دون تحديد لموضوعها، وذلك كمن يطلق النار على جمع من الناس دون تحديد شخص معين، فهنا الجاني لا يريد تحقيق نتيجة إنما مجموعة من النتائج. 

المطلب الثاني: الخطأ غير العمدي (الخطأ الجنائي) 

الأصل في الجرائم أنها عمدية قائمة على القصد الجنائي، واستثناء يمكن أن تكون غير عمدية قائمة على الخطأ. يعتبر الخطأ غير العمدي أحد صور الركن المعنوي في الجريمة، فهو أساس الجرائم غير العمدية. إنّ   الرّكن المعنوي يتوافر في الجرائم غير العمدية بسلوك خاطئ يأتيه الفاعل عن إرادة ولكن دون أن يستهدف النتيجة الجرمية التي قد تترتب عن هذا السلوك. وهو في ذلك يختلف عن القصد الجنائي في الجرائم العمدية التي تتجه فيها إرادة الجاني إلى تحقيق الفعل المجرم والنتيجة الإجرامية معا. 

الفرع الأول: تعريف الخطأ غير العمدي 

لقد عرفه البعض بأنه "سلوك أو امتناع يخالف واجبات الحيطة والحذر ويرتب المسؤولية الجزائية لفاعله في حالات معينة لما يترتب عليه من ضرر، ويشتمل الخطأ في نشاط إرادي يفضي إلى نتيجة غير مقصودة من الجاني سواء لانتفاء علمه كلية بصلاحية النشاط لإحداث هذه النتيجة مع وجوب توقع ذلك، وٕإما بتوافر علمه بإمكانية صلاحية نشاطه لإحداث هذه النتيجة".  

إنّ الخطأ غير العمد اخلال بالتزام عام يفرضه القانون، هو الالتزام بمراعاة مقتضيات الحيطة والحذر. أو هو خطأ لا يتفق مع الحيطة التي تتطلبها الحياة الاجتماعية ويفرضها القانون.

ويمكن تعريف الخطأ غير العمد بأنه اتجاه إرادة الجاني إلى الفعل أو الامتناع تترتب عليه نتيجة لم يقصدها الجاني، ولكن كان في وسعه ومن الواجب عليه توقعها فيتجنبها.

ويترتب عن غياب عنصر القصد الجنائي في الجرائم غير العمدية النتائج التالية: 

- عدم العقاب على المحاولة في هذه الجرائم لعدم إمكانية تصور ذلك. 

- عدم العقاب على المساهمة أو المشاركة في نطاق الجرائم غير العمدية. فالاشتراك في الجريمة يقوم على القصد الإجرامي ولذلك لا تتصور المشاركة في هذه الجرائم. 

- لا تقترن الجرائم غير العمدية بنفس ظروف التشديد التي تقترن بها الجرائم العمدية، كسبق الإصرار والترصد، ما دام أن الفاعل فيها لم يستهدف بنشاطه تحقيق النتيجة المجرمة. وحتى في الأحوال التي يشدد فيها العقاب في نطاق هذه الجرائم، فان ذلك يتحدد على ضوء جسامة النتائج فقط.

الفرع الثاني: صور الخطأ غير العمد 

وردت صوره بشكل حصري في قانون العقوبات الجزائري ولعلّ أبرزها المادتين 288 و289 من حيث نصت المادة 288 على انه "كل من قتل خطأ أو سبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته الأنظمة...". 

وعليه فان صور الخطأ غير العمد هي كالاتي: 

أولا: الرعونة 

هي التصرّف بطيش ولا مبالاة عن نقص في المهارة وسوء التّقدير، أو عن جهل بما يلزم أن يعلم به. وتقتضي أن يقوم الجاني بالفعل دون أن يقدّر خطورته والآثار التي قد تنتج عليه، كمن يقوم بتقليم شجرة في ساحة فيقعُ فرع منها على أحد المارة. وهذه هي الرّعونة المادّية. بينما إذا كانت الرّعونة في نقص الحذف والمهارة في نقص الحذق والمهارة في المسائل الفنّية مثل المسائل المتعلقة بالهندسة. كانت الرّعونة فنّية ومثال ذلك خطأ المهندس المعماري في تصميم البناء فيتسبّب في التهدم.

ثانيا: عدم الاحتياط 

هو الخطأ الذي ينتج عن نقص الحذر والاحتراز اللازم عند القيام ببعض الأعمال الخطرة، فهو ينتج عامّة عن الاستخفاف بالأمور، مع إدراك مخاطر الفعل دون التبصّر بعواقبه ومثال ذلك سياقة سيارة بسرعة أمام مدرسة.

ثالثا: الإهمال وعدم الانتباه 

الإهمال هو عدم القيام بما ينبغي للرجل البصير أن يفعله وتتمثل هذه الصورة بالسلوك السلبي الذي ينشأ عنه الضرر الجرمي. كنسيان الاحتياطات اللازمة أو تركها هو التفريط. وهو وقوف الجاني موقفا سلبيا فلا يتخذ واجبات الحذر بحيث لو اتخذها لحال تدون وقوع النتيجة كمن يحفر حفرة ولا يضع إشارة لوقاية المارّة من السّقوط فيها. 

رابعا: عدم مراعاة الأنظمة 

تقتضي عدم مطابقة سلوك الجاني للقواعد الآمرة التي تقررها السلطات المختصة (من قوانين ولوائح وقرارات) ومثال ذلك: السائق الذي لا يحترم إشارة المرور فيتسبب في دهس أحد المارة. وتشمل هذه الصورة مخالفة النّصوص التي توضّح لإقرار الأمن والنّظام ولكفالة الصحّة العامّة، بالإضافة إلى ما يصدر عن الإدارة من قرارات ملزمة باعتبارها سلطة عامّة. 

ومما تجدر الإشارة إليه أن القاضي يتوجب عليه أن يذكر في حكمه الخطأ الذي ارتكبه الجاني فيذكر نوع الخطأ مثلا الرعونة ويبين في ماذا تتمثل هذه الرعونة وٕإلا عرض حكمه النقض.

الفرع الثالث: معيار تقدير الخطأ الجنائي 

يثار التساؤل حول تحديد المعيار الذي ينبغي العمل به في تقدير العناية التي يتوجب على الشخص اتخاذها حتى يكون سلوكه سالما. وقد انقسم الفقه إلى اتجاهين اثنين: الأول يأخذ بمعيار شخصي، والثاني يأخذ بمعيار موضوعي.              

أولا: المعيار الشخصي

يقتضي النظر إلى الفاعل نفسه الذي صدر عنه الخطأ وما كان في وسعه أن يفعله في الظروف التي أحاطت به، سواء كانت شخصية أم خارجية، كدرجة ذكاءه وخبرته. فهو معيار يقو م على أساس المقارنة بين ما صدر عن الفاعل من سلوك خاطئ، وبين ما اعتاد اتخاذه في نفس الظروف، فإذا تبين أن السلوك الصادر عنه مماثل لما اعتاده في حياته في نفس الظروف، فلا ينسب إليها لخطأ. 

لكن هذا المعيار منتقد من حيث أن الشخص الحريص على عدم الخطأ قد يسأل على مجرد هفوة منه والمعتاد على التقصير قد يفلت من المساءلة. 

ثانيا: المعيار الموضوعي 

يقتضي النظر إلى السلوك الذي قام به الشخص المتهم تقديرا مجردا ثم مقارنته بسلوك الرجل العادي المتوسط الحرص والذكاء. فإذا تبين أن هذا الأخير التزم في سلوكه القدر اللازم من الحيطة والحرص والحذر التي يلتزم بها الشخص المعتاد الموجود في نفس ظروف الفاعل، فلا ينسب إليه الخطأ. أما إذا ثبت نزوله في سلوكه عن هذا القدر، فانه يكون مخطئا وتقوم مسؤوليته الجنائية. 

ولعلّ هذا المعيار هو الأنسب لمجاراته مبادئ العدالة.

المرجع:

  1. د. بوعياد آغا نادية نهال، محاضرات في القانون الجنائي العام، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثانية حقوق جذع مشترك، جامعة أبو بكر بلقايد – تلمسان، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية 2020-2021، من ص89 إلى ص101.

google-playkhamsatmostaqltradent