الأحكام العامة لدعاوى شؤون الأسرة

يشترط لقبول الدعوى القضائية بصفة عامة مجموعة من الشروط تناولها المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، والتي يجب أن تتوفر في الدعاوى المتعلقة بشؤون الأسرة، مع العلم أن المشرع تناول بعض الشروط عند تعرضه لبعض الدعاوى كتلك المتعلقة بطلب الطلاق من أحد الزوجين أو دعاوى الولاية، وكذا دعاوى الطلاق بالتراضي...إلخ، والتي سنتطرق إليها لاحقا، ولكي تصح الدعوى القضائية يجب أن تتوفر فيها الشروط الشكلية المتعلقة بعريضة افتتاح الدعوى (المطلب الأول)، وكذا الشروط الموضوعية لقبول الدعوى المتعلقة أصلا بأطراف الدعوى (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الشروط الشكلية الواجب توافرها في الدعوى 

تعتبر عريضة الدعوى العنصر المحرك للخصومة القضائية، لذلك يجب احترام بعض القواعد المنصوص عليها قانونا من أجل قبولها، وهذه القواعد تتنوع بتنوع مراحل سير الدعوى القضائية، سواء تعلق الأمر بمرحلة رفع الدعوى (الفرع الأول)، أو بمرحلة قيدها وانعقاد الخصومة (الفرع الثاني). 

الفرع الأول: مرحلة رفع الدعوى 

ترفع دعاوى شؤون الأسرة كغيرها من الدعاوى بموجب عريضة افتتاحية تتضمن مجموعة بيانات تحرر حسب المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وبعد ذلك يتم إيداعها مكتوبة وموقعة ومؤرخة من طرف المدعي أو وكيله، وذلك لدى أمانة الضبط تحرر بعدد من النسخ تساوي عدد الأطراف. 

كما يجب أن تحرر العريضة الافتتاحية باللغة العربية تحت طائلة عدم قبولها شكلا، كما اشترط المشرع من جهة أخرى توافر عدة بيانات شكلية في عريضة افتتاح الدعوى نص عليها المشرع في المادة 15 من نفس القانون السالف الذكر، والتي ذكرها على سبيل الحصر، ورتب على عدم احترام توفرها في عريضة افتتاح الدعوى جزاء يكمن في عدم قبولها شكلا، وهذا عكس ما هو عليه الحال عند عدم مطابقة العريضة الافتتاحية لمضمون المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فهو لم يرتب على ذلك أي جزاء. 

الفرع الثاني: مرحلة قيد الدعوى وانعقاد الخصومة 

بالرجوع إلى نص المادتين 16- 17 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن عريضة افتتاح الدعوى في مسائل شؤون الأسرة كغيرها من الدعاوى تقيد حالا في سجل خاص بها وذلك بعد دفع الرسوم المحددة قانونا، ثم يقوم كاتب الضبط بتسجيل رقم القضية وتاريخ أول جلسة على نسخ العريضة الافتتاحية ويسلمها للمدعي بغرض تبليغها، ويجب احترام أجل 20 يوما على الأقل بين تاريخ التكليف بالحضور، والتاريخ المحدد لأول جلسة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. 

بعد قيد الدعوى استوجبت المادة 16 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على المدعي تكليف المدعى عليه للحضور في الجلسة المحددة، وتسليمه نسخة من العريضة الافتتاحية المودعة لدى كتابة الضبط، وهذا عن طريق المحضر القضائي الذي يحرر محضر التكليف بالحضور الذي يتسلمه المدعى عليه والذي استلزم المشرع توافره على عدة بيانات، ونفس الشيء بالنسبة للمحضر الذي يحرره لإثبات عملية تسليم التكليف بالحضور.

وباعتبار أن النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام قانون الأسرة، فيجب أيضا على المدعي أن يبلغها رسميا بنسخة من العريضة الافتتاحية طبقا للمادة 438 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وكما يجوز له أيضا تبليغها عن طريق أمانة الضبط.

المطلب الثاني: الشروط الموضوعية الواجب توافرها في دعاوى شؤون الأسرة وشروط الصحة 

إلى جانب الشروط الشكلية الواجب توافرها في عريضة افتتاح الدعوى، فقد تناول المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية والإدارية أيضا الشروط الموضوعية والمتعلقة أصلا بأطراف الدعوى، وفي حالة غياب هذه الشروط يترتب على ذلك عدم قبول الدعوى وليس الرفض الشكلي لها، نصت على هذه الشروط المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية والتي تتمثل في الصفة والمصلحة والإذن (الفرع الأول)، فيما اعتبر المشرع الأهلية مسألة موضوعية أدرجها ضمن حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات وأحالها إلى نص المادة 64 من نفس القانون (الفرع الثاني). 

الفرع الأول: الشروط الموضوعية لقبول الدعوى 

تناولت المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية شروط قبول الدعوى والتي تتمثل أساسا في الصفة والمصلحة والإذن.

أولا: شرط الصفة

ونعني بها تلك العلاقة المباشرة التي تربط أطراف الدعوى بموضوع النزاع فهي الحق في المطالبة أمام القضاء، فلا بد أن يكون لأطراف الدعوى في المسائل الأسرية الصفة في التقاضي وهي إثبات وجود علاقة زوجية بين الطرفين، وذلك بتقديم عقد زواج يثبت ذلك، كما أنه قد يتدخل طرف أثناء سير الخصومة لم يرد ذكره في عريضة افتتاح الدعوى، سواء بإرادته لأجل تحقيق مصلحة لفائدة المتدخل، أو يطالب بحق من أحد طرفيه كما هو الشأن في مسائل دعاوى الحضانة، مثلا إذ يحق لكل من له الحق في ممارسة الحضانة التدخل في النزاع للمطالبة بها، وقد استوجب المشرع أن تتوفر في هذا المتدخل شرط الصفة، وينطبق عليه نفس الحكم إذا تم إدخاله في الخصام.

وتبعا لما سبق فلا تصح الدعوى إلا إذا وقعت من ذي صفة على ذي صفة، وٕإلا رفضت الدعوى، وقد اعتبر المشرع الجزائري أن مسألة إثارة الدفع بانعدام الصفة في أحد الأطراف من النظام العام، إذ أعطى السلطة للقاضي بإثارته من تلقاء نفسه حتى ولو لم يثره أحد الخصوم، وهذا ما تناولته المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بنصها "يثير القاضي تلقائيا إنعدام الصفة في المدعى أو في المدعى عليه"، ويترتب على انعدام الصفة في أحد الأطراف عدم قبول الدعوى وليس رفضها شكلا. 

ثانيا: شرط المصلحة

يقصد بها تلك المنفعة أو الفائدة التي يحققها المدعي من وراء رفع دعواه، أو الهدف الذي يسعى لتحقيقه والمتمثل في الحكم له بطلباته كلها أو بعضها، فلا دعوى بدون مصلحة. 

يعتبر شرط المصلحة من أهم الشروط الواجب توفرها لقبول الدعوى خاصة في المسائل الأسرية، كما هو الشأن لكل الدعاوى بصفة عامة، فلا يجيز القانون لأي شخص التقاضي ما لم تكن له مصلحة قائمة أو محتملة يقرها. ومثال الدعوى الخالية من شرط المصلحة تلك الدعوى التي يرفعها شخص غير وارث مثلا بقصد بطلان الوصية لأي سبب من أسباب البطلان. 

وٕإذا كان المشرع قد حسم في مسألة الصفة بصفة صريحة واعتبرها من النظام العام، بحيث يمكن للقاضي أن يثيرها من تلقاء نفسه حتى ولو لم يثرها أحد الخصوم وهذا طبقا للمادة 13/1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فبمفهوم المخالفة فإن المصلحة وٕإن اعتبرها شرط من شروط قبول الدعوى إلا أنها ليست من النظام العام، بمعنى أنه لا يحق للقاضي أن يثيرها من تلقاء نفسه، كما يجب أن تثار قبل أي مناقشة أو دفاع في الموضوع. 

ثالثا: شرط الإذن

يعتبر شرط الإذن من بين الشروط التي تناولتها المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في الفقرة الأخيرة منها، وهو شرط لابد أن يتوفر في بعض التصرفات المنصوص عليها قانونا، فقد نصت المادة 88 من قانون الأسرة على ما يلي "على الولي أن يتصرف في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص، ويكون مسؤولا طبقا لمقتضيات القانون العام وعليه أن يستأذن القاضي في التصرفات التالية: بيع العقار وقسمته، ورهنه، وٕإجراء المصالحة، بيع المنقولات ذات الأهمية الخاصة، استثمار أموال القاصر بالإقراض، أو الاقتراض، أو المساهمة في شركة، إيجار عقار القاصر لمدة تزيد على ثلاث سنوات أو تمتد لأكثر من سنة بعد بلوغه سن الرشد". كما لا يمكن لمن بلغ سن التمييز التصرف في أمواله إلا بعد حصوله على إذن من القاضي الذي يحق له الرجوع فيه إذا ثبت ما يبرره. 

ويلاحظ من خلال ما سبق أنه يمكن رفع دعوى من أجل إبطال التصرفات السابقة في حالة عدم الحصول على إذن من طرف القاضي، والأكثر من ذلك يمكن للقاضي أن يثير انعدام الإذن تلقائيا حتى ولو لم يثره أحد الخصوم، إذا ما اشترطه القانون، وقد اعتبرت المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية انعدام الإذن من النظام العام، وبالتالي يمكن إثارته في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، وحتى بعد إبداء الدفوعات في الموضوع.

الفرع الثاني: الأهلية كشرط لصحة دعاوى شؤون الأسرة

تناول المشرع الجزائري شرط الأهلية ضمن حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث الموضوع، واعتبرها بذلك شرط لصحة الخصومة، إذ لم يذكرها في نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية كشرط من شروط قبول الدعوى كما هو الحال لشرطي الصفة والمصلحة، فالحكم الذي يصدر عند عدم توفرها يكون بعدم قبول الدعوى شكلا، وهذا ما نصت عليه المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  "لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك..." ويمكن إعادة رفع الدعوى حين يكتمل هذا الشرط. 

فالأهلية إذا هي قدرة الشخص رافع الدعوى على مباشرة تصرفاته، وهي نوعان: أهلية الوجوب والتي نعني بها صلاحية الشخص لأن تثبت له الحقوق وأن تقرر في ذمته التزامات، وهي تثبت للشخص منذ ولادته حيا يرزق، فهي لا تكفي لمباشرة الشخص إجراءات التقاضي بنفسه دون إنابة من غيره كالولي أو الوصي أو القيم، أما أهلية الأداء فهي صلاحية الشخص لمباشرة تصرفات قانونية من حقوق والتزامات. 

ليست الأهلية شرط من شروط صحة الدعوى فقط، بل تتعلق أيضا بالصلاحية للقيام بالأعمال الإجرائية المكرسة للخصومة، فالأهلية لا تعني فقط بلوغ الشخص سن معينة، وٕإنما أيضا تمتعه بقواه العقلية وغير محجور عليه، إذ اعتبر المشرع الجزائري مثلا أنه لا يجوز تقديم طلب الطلاق بالتراضي إذا كان أحد الزوجين تحت وضع التقديم أو ظهر عليه اختلال في قدارته الذهنية تمنعه من التعبير عن إرادته، كما أن طلب الطلاق من أحد الزوجين ناقصي الأهلية هو طلب يقدم باسمهما من طرف وليهما أو مقدمهما حسب الحالة. 

وبالرجوع إلى قانون الأسرة المعدل بموجب الأمر رقم 05-02، فقد نص في المادة 7/1 منه على أن أهلية الزواج تكتمل بالنسبة للرجل والمرأة بتمام 19 سنة، وللقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة متى تأكد من قدرة الطرفين على الزواج، وأهم ما جاءت به هذه المادة ما تضمنته الفقرة الأخيرة منها، والتي منحت للزوجين اللذين لم يبلها سن الرشد المدني صلاحية وأهلية التقاضي، ولكن فيما يتعلق فقط بآثار الزواج من نفقة وٕإثبات النسب وحضانة، وطلب الطلاق والخلع...الخ. 

تبعا لما سبق تسري إذا على الأهلية فيما يخص دعاوى شؤون الأسرة القواعد العامة في القانون المدني على أطراف الدعوى سواءً كانوا خصوم أصليين كالزوجين مثلا أو متدخلين في الخصام، وقد اعتبر المشرع الجزائري الأهلية من مسائل النظام العام باعتباره قد أعطى الحق للقاضي أن يثر انعدام الأهلية من تلقاء نفسه حتى ولو لم يثرها أحد الخصوم، بل استوجب عليه أيضا أن يثير دفعا يتعلق بعدم قبول الدعوى إذا كان من النظام العام، وهذا في أي مرحلة كانت عليها الدعوى. 

وخلاصة القول في هذا المجال هو أنه لا يمكن قبول أية دعوى من دعاوى شؤون الأسرة أو غيرها من الدعاوى، إذا لم يكن الأطراف متمتعين بالصفة القانونية لممارسة الدعوى وتوفر المصلحة من رفعها، وكذا إذا لم يكن أطراف الخصومة متمتعين بأهلية التقاضي ومثل ذلك أيضا، إذا لم يكن المدعي يتوفر على إذن مسبق في الحالات التي يشترط فيها القانون وجوب الحصول على إذن من جهة معينة. 

المرجع:

  1. د. ربيع زهية، إجراءات التقاضي في شؤون الأسرة، محاضرات موجهة لطلبة السنة الثانية ماستر، تخصص قانون أسرة، جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية: 2020-2021، ص14 إلى ص20.

google-playkhamsatmostaqltradent