احكام المفقود والغائب وفق التشريع الجزائري

المطلب الأول: الإطار المفاهيمي الخاص بالشخص المفقود والغائب

الفرع الأول: مفهوم الشخص المفقود والغائب

أولا: تحديد مفهوم الشخص المفقود وحالاته 

إن تحديد الشخص المفقود يقتضي الوقوف عند تعريفه ثم حالاته. 

1- تعريف الشخص المفقود

أ‌- التعريف اللغوي للمفقود: المفقود في اللغة مشتق من فقد الشيء أفقده فقدا وفقدانا فهو اسم مفعول من المصدر فقد من باب ضرب، وكذلك من المصدر فقدانا، وفقدانا بضم وكسر الفاء، واسم المفعول هو مفقود وفقيد، ويأتي في اللغة عدة معاني منها: الضائع المعدوم، المطلوب عند الغيبة. 

المفقود في اللغة والفقيد بمعنى واحد، وهو اسم مفعول من فقد الشيء أي ضاع منه. 

ب‌- قانونا: بالرجوع إلى نص المادة 31 من القانون المدني نجد أن المشرع أحال بخصوص مسألة المفقود والغائب إلى مواد قانون الأسرة. 

عرّف المشرع الجزائري المفقود في نص المادة 109 من قانون الأسرة كما يلي: "المفقود هو الشخص الغائب الذي لا يعرف مكانه ولا يعرف حياته أو موته ولا يعتبر مفقودا إلا بحكم"، وعليه وتبعا لهذا التعريف فالمفقود هي وضعية لحالة بين الحياة والموت والتي يعتبر فيها الشخص لا حيا على الإطلاق ولا ميتا، ولكونه شخص اختفى بحيث لا يعلم مكانه، وعلى هذا الأساس يمكن لكل ذي مصلحة الحصول على حكم من قاضي رئيس قسم شؤون الأسرة بإثبات فقده، إذ لا يعتبر الشخص مفقودا إلا بحكم. 

كما جاء في المادة 2/1-2 من الأمر رقم 02- 03 المتعلق بالأحكام المطبقة على مفقودي فيضانات 10 نوفمبر 2001 ما يلي "... يصرح المتوفي بموجب حكم، كل شخص ثبت وجوده في أماكن وقوع فيضانات 10 نوفمبر سنة 2001، ولم يظهر له أي أثر ولم يعثر على جثته بعد التحري بجميع الطرق القانونية تعد الضبطية القضائية محضر معاينة بفقدان الشخص المعني عند انتهاء الأبحاث...". 

تنص أيضا المادة 2/1 من القانون رقم 03-06 المتعلق بالأحكام المطبقة على مفقودي زلازل 21 مايو 2003 على ما يلي "... يصرح متوفي بموجب حكم، كل شخص ثبت وجوده في أماكن وقوع هذا الزلزال ولم يظهر له أي أثر، ولم يعثر على جثته بعد التحري بجميع الطرق القانونية...". 

كما جاء أيضا وفي نفس السياق في الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في مادته 30/1 ما يلي "يصرح بموجب حكم قضائي بوفاة كل شخص انقطعت أخباره، ولم يعثر على جثته بعد التحريات بكل الوسائل القانونية التي بقيت دون جدوى". 

2- حالات الفقدان

حددت المادة 113 من قانون الأسرة حالات الفقدان وذلك بعد أن عرّفت المادة 109 من نفس القانون المفقود كونه الشخص الغائب الذي لا يعرف مكانه ولا يعرف حياته أو موته، ولم يتعرض بذلك المشرع إلى حالات الغياب، ومن خلال ذلك فهناك: 

أ- حالات الفقدان في الظروف العادية: ففي هذه الحالة يرجح الشخص المفقود بقاؤه على قيد الحياة أكثر من احتمال هلاكه، وقد يفقد في ظروف يغلب عليها الهلاك. 

*- حالة المفقود التي تغلب فيها السلامة: أي أن تكون الظروف التي تعقب تغيب المفقود واختفاؤه تغلب فيها السلامة والأمن كمن سافر لتجارة أو لطلب علم، أو سياحة، ثم انقطعت أخباره فلم تعلم حياته من مماته. 

وتبقى السلطة التقديرية للقاضي في تقدير الظروف التي غاب فيها الشخص المفقود، وغالبا ما يستدل القاضي بأحوال الناس لتقدير الظروف التي غاب فيها المفقود. 

*- حالة المفقود التي يغلب عليها الهلاك: يقصد بذلك أن الظروف التي فقد فيها الشخص يغلب فيه احتمال وفاته على احتمال حياته، كالكوارث الطبيعية أو في الحروب، وقد عبر المشرع في ذلك في المادة 113 قانون الأسرة بـ "الحروب والحالات الاستثنائية"، وقد نص دستور 1996 في مادته 93على الحالات الاستثنائية، إذ جاء فيها "يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها". 

ب- حالات الفقدان في الظروف الاستثنائية: كرست النصوص الاستثنائية بتقسيم أحوال المفقود بالنظر إلى مكان غيبته، إذ نجد هناك: 

*- المفقود في مكان وقوع الزلازل: وهذا ما تناولته أحكام القانون رقم 03-06 المتعلق بمفقودي زلزال ماي 2003، وهذا ما تضمنته نص المادة 2/2 منه والتي فحواها أنه كل شخص وجد في منطقة الزلزال بومرداس والمناطق المجاورة لها، والذي أحدث فيها أضرار بشرية ومادية يعتبر مفقودا بحكم القانون. 

*- المفقود في المأساة الوطنية: وهذا ما كرسته المادة 27 من الأمر رقم 06-01 المتضمن تنفيذ مثياق السلم والمصالحة الوطنية، إذا اعتبرت جميع المفقودين بسبب الأوضاع الأمنية التي عاشتها الجزائر في التسعينات هم مفقودي في ظرف خاص يغلب عليها الهلاك، وبصفة عامة كل الحالات المعاقب عليها في المواد من 87 مكرر إلى 87 مكرر 10 من قانون العقوبات، بما فيها المختطفين من قبل الجماعات الإرهابية، إذ تخول صفة ضحية المأساة الوطنية الحق في التصريح بالوفاة بموجب حكم قضائي. 

*- المفقود في مكان وقوع الفيضانات 10 نوفمبر 2001:

لكي يعتبر مفقودا وفق أحكام الأمر رقم 02-03 المتعلق بمفقودي فيضانات 10 نوفمبر 2001، يجب ثبوت وجوده في أماكن وقوع فيضانات 2001 منطقة باب الواد بالجزائر العاصمة، ولم يظهر له أي أثر ولم يعثر على جثته بعد التحري، وهذا ما تضمنه المادة 2 من الأمر السالف الذكر.

ثانيا: مفهوم الشخص الغائب 

إذا كان المشرع الجزائري قد اعتبر المفقود هو الغائب الذي لا يعرف مكانه ولا حياته من مماته فكان لابد من التعرض لتعريف الشخص الغائب (أولا)، ثم ما موقف المشرع الجزائري من التمييز بين المفقود والغائب (ثانيا). 

1- تعريف الشخص الغائب 

للغائب عدة تعاريف سواء لغوية أو اصطلاحية.

أ‌- لغة: يقال غاب يغيبُ غيبًا وغيبةً وغيابا بالكسر، وغُيُوًبًا ومغيبًا والجمع غُيبَ وغيابٌ وغيبٌ. 

ب‌- قانونا: عرف المشرع الجزائري الغائب في نص المادة 110 من قانون الأسرة بنصها "الغائب الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى محل إقامته أو إدارة شؤونه بنفسه أو بواسطة مدة سنة وتسبب غيابه في ضرر الغير يعتبر كالمفقود". 

نلاحظ من خلال النص السالف الذكر أن المشرع الجزائري لم يعرف الغائب صراحة كما هو الشأن للمفقود، إنما اشترط النص وجوب توافر شروط معينة لكي يعتبر الغائب كالمفقود وهي: 

- الشرط الأول: عدم رجوع الشخص إلى مقر إقامته لمدة سنة لظروف قاهرة منعته من ذلك، ومدة السنة المقصودة من النص هي السنة الميلادية أي 365 يوما وليس السنة الهجرية .355

- الشرط الثاني: عدم وجود نائب ينوب عن الغائب في إدارة شؤونه التي لا يستطيع حتما إدارتها بنفسه بحكم غيابه.

- الشرط الثالث: أن يتسبب غيابه في ضرر للغير، سواء كان من الأقارب الملزم نفقتهم كالزوجة والأولاد أو أصوله، أو من الغير كالدائنين أو الشركاء أو أرباب العمل، فيحق مثلا لزوجة الغائب لأكثر من سنة بدون عذر شرعي ولحقها ضرر من عدم دفع النفقة أن تطلب التطليق بناءً على المادة 53/5 من قانون الأسرة. 

الفرع الثاني: موقف المشرع الجزائري من تميز بين المفقود والغائب

لقد سوى المشرع الجزائري في الحكم بين كل من المفقود والغائب، وهذا ما نستنتجه من نص المادتين 109- 110 من قانون الأسرة. 

وبالرغم من تغليب احتمال وفاة المفقود على حياته وذلك ما يتبين من خلال نص المادة 109 من قانون الأسرة، فإن الشخص الغائب الذي يعتبر في حكم المفقود إذا ما توفرت الشروط السالفة الذكر، ولو أن الغائب شخص لا يزال على قيد الحياة، لا يجيز بتاتا إنهاء الشخصية القانونية. 

ويلاحظ وٕإن كان المشرع الجزائري قد ذهب إلى تطبيق نفس أحكام الفقدان على حالة الغياب رعاية لمصالح الناس، إلا أن هناك من انتقد هذه التسوية في الحكم بينهما كالحكم بالفقدان، فالغياب لا يؤثر على الشخصية القانونية للغائب، في حين الشخص المفقود يؤثر على شخصيته القانونية إذا حكم بوفاته.

كما أن مدة الغياب حددت بمدة سنة واحدة لاعتبار الشخص مفقودا وهذا طبقا لنص المادة 110 قانون الأسرة، لكن بالرجوع إلى القوانين الخاصة نجد أنه يجوز الحكم بموت المفقود في ظروف معينة بعد التحري، كما يقترن الغياب بحدوث ضررا للغير حسب المادة 110، والعكس من ذلك فلا يقترن حال المفقود بإحداث ضرر للغير.

ويمكن القول أن المشرع الجزائري وحد بين الغائب والمفقود من حيث إجراءات الحكم بالفقدان والغياب وآثار هذه الأحكام، إلا أنه أخلط في كثير من المواد في ترجمتها بالفرنسية فمثلا نص المادة 111 من قانون الأسرة ذكر في النص العربي مصطلح "أموال المفقود" التي قابلتها بالفرنسية "أموال الغائب". 

المطلب الثاني: الوسائل الإجرائية لثبوت صفة المفقود وتقرير الموت الحكمي وآثارهما

بالرجوع إلى نص المادة 109 من قانون الأسرة فإنه لا يكفي لاعتبار المفقود والذي هو ذلك الشخص الغائب الذي لا يعرف مكانه ولا يعرف حياته أو موته مفقودا إلا بصدور حكم قضائي يثبت ذلك، وهذا الأخير يستوجب رفع دعوى قضائية وفقا لإجراءات محددة تناولها المشرع سواء في قانون الإجراءات المدنية والإدارية أو في القوانين الاستثنائية، وبعد صدور الحكم بالفقدان قد يستمر البحث والتحري عن المفقود، وبعد مدة محددة قانونا وٕإذا كانت تلك التحريات غير مجدية يحق لكل من له مصلحة اللجوء أمام القضاء لاستصدار حكم بوفاته (الفرع الأول)، كما تختلف الآثار القانونية الناتجة عن صدور كل من الحكم بفقدان وغياب الشخص، وكذا الحكم بالموت الحكمي للمفقود (الفرع الثاني). 

الفرع الأول: الوسائل الإجرائية لثبوت صفة الفقدان وتقرير الموت الحكمي

لقد سبق القول بأنه لا يمكن اعتبار الشخص المفقود مفقودا إلا بعد صدور الحكم من الجهات القضائية المختصة وذلك باتباع مجموعة من الإجراءات القانونية (أولا)، وبعد صدور هذا الحكم فإنه في كثير من الأحيان يبقى البحث عن المفقود متواصل ولكن بعد مرور مدة قانونية محددة يمكن لأصحاب المصلحة اللجوء أمام القضاء مرة أخرى لاستصدار الحكم بوفاته (ثانيا). 

أولا: الوسائل الإجرائية لثبوت صفة المفقود

في الحقيقة تختلف الإجراءات الخاصة والمتعلقة بثبوت صفة الفقدان باختلاف الإجراءات المتبعة وفق قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أو تلك التي تناولتها القوانين الاستثنائية.

1- بالنسبة لممارسة دعوى الفقدان وفق قانون الإجراءات المدنية والإدارية

إن دعوى الفقدان وفق الشروط المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية لا تختلف كثيار عن باقي الدعاوى الأخرى، سواء تعلق الأمر بالشروط الواجب توفرها في رافع الدعوى كوجوب توفر شرط الصفة والمصلحة، وتلك المتعلقة بالشروط الواجب توفرها في عريضة الدعوى، ولذلك فإننا سنبين في هذا الصدد من لهم الحق في رفع دعوى الفقدان والجهة القضائية المختصة. 

أ‌- من لهم الحق في رفع الدعوى:

حددت المادة 114 من قانون الأسرة أصحاب الحق في طلب الحكم بالفقدان وهم كل الورثة، أو من له مصلحة، أو النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في النازعات الأسرية. 

ولم يحدد نص المادة 114 السالفة الذكر صفة المدعي عليه في الدعوى الذي هو حتما الشخص المفقود الذي تباشر دعوى الفقدان ضده ولا يتم ذلك إلا بحضور وكيل الجمهورية باعتباره ممثل الحق العام. 

ب‌- الجهات القضائية المختصة: إن الجهة القضائية المختصة نوعيا للنظر في دعاوى الفقدان هو قسم شؤون الأسرة وهذا طبقا لنص المادة 423 الفقرة الخامسة منها من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ويؤول الاختصاص الإقليمي في دعاوى الفقدان للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه طبقا لنص المادة 37 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أي الرجوع إلى القاعدة العامة في الاختصاص ما دام أن المشرع لم يحدد في المادة 426 من نفس القانون جهة قضائية مختصة، ويحدد موطن المفقود والغائب طبقا للمادة 38 من القانون المدني بموطن من ينوب عنه قانونا، أي أن القانون يحدد لهما موطن حكمي أو قانوني، إن موطن المفقود والغائب يوجد مقر سكناه الاعتيادي حكما لدى من يمارس عليه سلطة القوامة، وباعتبار أنه أثناء رفع دعوى الفقدان فإن المقدم لم يعين بعد، إذ أن هذا الأخير يعينه القاضي بعد صدور الحكم بالفقدان، فإن الاختصاص ينعقد في هذه الحالة للجهة القضائية التي تقع بدائرة اختصاصها آخر موطن للمفقود. 

2- إعلان حالة الفقدان في القوانين الاستثنائية

أ‌- بالنسبة للأمر رقم 02-03 المتضمن للأحكام المطبقة على فيضانات 10 نوفمبر 2001: نجد أن المادة 2 منه تنص على ما يلي "تعد الضبطية القضائية محضر معاينة بفقدان الشخص المعني عند انتهاء الأبحاث ويسلم هذا المحضر لذوي الحقوق المفقود، أو لكل شخص له مصلحة في أجل لا يتعدى أربعة أشهر من تاريخ وقوع الكارثة". 

نلاحظ جليا من خلال هذا النص أن المشرع استبدل الحكم القضائي بمحضر معاينة تعده الضبطية القضائية عند انتهاء الأبحاث، ويعتبر هذا المحضر شرط جوهري لاعتبار الشخص مفقودا، ويقوم رجال الضبطية القضائية بتحرير محضر الفقدان في مدة أربعة أشهر من بداية الأبحاث، على أن يسلم هذا المحضر بعد تحريره لذوي حقوق المفقود أو لكل من له مصلحة. 

ب‌- أما بالنسبة للقانون رقم 03-06 المتضمن الأحكام المطبقة على مفقودي زلزال 21 ماي 2003: فقد نص في المادة 2 منه على ما يلي "تعد الضبطية القضائية محضر معاينة بفقدان الشخص المعني عند انتهاء الأبحاث، ويسلم هذا المحضر لذوي حقوق المفقود أو لكل شخص له مصلحة في أجل لا يتعدى ثمانية (08) أشهر من تاريخ وقوع الكارثة"،. 

يلاحظ أن هذا النص يتوافق مع نص المادة 2 من الأمر رقم 02-03 السالفة الذكر والاختلاف كان فقط فيما يتعلق بالآجال، إذ يتم تسليم محضر الضبطية القضائية للمعنيين طبقا لهذا الأمر في أجل أقصاه أربعة (04) أشهر من تاريخ وقوع الكارثة، مع العلم أن هذه المحاضر تحل محل الحكم القضائي، فلا تسقط حجيتها إلا بالطعن بالتزوير، ويحق لكل من ذوي حقوق المفقود ولكل من له مصلحة بعد تسلمه لمحضر الفقدان اللجوء أمام القضاء لاستصدار حكم بموت المفقود. 

ج- أما بالنسبة لأحكام الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية: فقد اكتفى المشرع في هذه الحالة باعتبار الشخص مفقودا بموجب محضر معاينة تعده الشرطة القضائية على إثر بحث بدون جدوى، وهذا ما نصت عليه المادة 27/2 من الأمر السالف الذكر، وقد حددت المادة 30/2 من نفس الأمر أصحاب الحق في استلام المحضر من قبل الضبطية القضائية وهم ذوي حقوق المفقود أو أي شخص ذي مصلحة وذلك في أجل لا يتجاوز سنة واحدة ابتداءً من تاريخ نشر الأمر في الجريدة الرسمية.  

ثانيا: الوسائل الإجرائية الخاصة بتقرير الموت الحكمي 

لقد جاء في قرار المحكمة العليا أنه "من المقرر قانونا أن الشخص الغائب يعتبر مفقودا بعد صدور حكم قضائي يشهد بذلك، من ثم يمكن إصدار حكم ثان يقضي بموته بعد انقضاء آجال البحث عليه، ولما كان الثابت في قضية الحال أن قضاة الموضوع حكموا بالفقدان والموت في آن واحد فإن ذلك يجعل الإجراءات المتبعة باطلة، مما يستوجب إبطال قرارهم". 

وبالرجوع إلى نص المادة 109 من قانون الأسرة فإنه لا يعتبر الشخص الغائب مفقودا إلا بعد صدور حكم بفقدانه، وقد يستمر البحث والتحري عن الشخص المفقود، فإذا لم يظهر له أي أثر بعد مرور مدة محددة قانونا، ففي هذه الحالة يحق لكل من له مصلحة رفع دعوى أمام الجهات القضائية مطالبا بإصدار حكم بوفاة المفقود. 

ولا تختلف دعوى الحكم بوفاة المفقود عن دعوى الحكم بثبوت الفقدان إلا في بعض الجزئيات البسيطة، وهذا فيما يتعلق بقانون الإجراءات المدنية والإدارية، ولكن بالرجوع إلى القوانين الخاصة (الاستثنائية) فقد أوردت إجراءات خاصة بهذه الدعوى نظرا للخصوصية التي تكتسيها. 

1- الإجراءات المتعلقة بدعوى موت المفقود وفقا لقانون الإجراءات المدنية والإدارية

فإن الدعوى المتعلقة بإصدار حكم بوفاة المفقود كغيرها من الدعاوى الأخرى ولا تختلف من حيث شروطها الشكلية والموضوعية عن دعوى إصدار حكم بالفقدان، وبالتالي فإننا سنتعرف لبعض الإجراءات التي تنفرد بها الدعوى المتعلقة بإصدار حكم بوفاة المفقود. 

أ‌- بالنسبة لأطراف دعوى موت المفقود: فقد حددتهم المادة 114 من قانون الأسرة والتي تكون بناءً على طلب أحد الورثة أو من لهم مصلحة أو النيابة العامة، ولا تشترط المادة السابقة أن ترفع دعوى الحكم بوفاة المفقود من نفس الشخص الذي رفع دعوى الحكم بالفقدان. 

وهذا ما جاء أيضا في نص المادتين 89-90 من قانون الحالة المدنية، حيث أجازت تقديم الطلب بوفاة المفقود من طرف وكيل الجمهورية أو الأطراف المعنيين، وفي حالة ما إذا كان الطلب غير صادر من وكيل الجمهورية يحال بعد التحقيق من طرف هذا الأخير إلى المحكمة المختصة. 

ب‌- بالنسبة للاختصاص: يختص قسم شؤون الأسرة بالنظر في الدعاوى المتعلقة بالفقدان والغياب وهذا ما نصت عليه المادة 423 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أما بالنسبة للاختصاص الإقليمي فالجهة القضائية المختصة بالنظر في دعوى وفاة المفقود هي الواقعة بدائرة اختصاصها مكان ولادة المفقود، وهذا ما نصت عليه المادة 91/1 من قانون الحالة المدنية، التي جاء فيها "يقدم الطلب للمحكمة مكان الولادة". 

أما بالنسبة للجزائريين المولودين في الخارج وكذا بالنسبة للأجانب فإن الطلب يقدم بصفة جماعية إلى محكمة المسكن أو الإقامة الاعتيادية، وٕإذا لم يتوفر غير ذلك فتكون محكمة مدينة الجزائر هي المختصة، وٕإذا شمل الفقدان عدة أشخاص في نفس الحادث ففي هذه الحالة يؤول الاختصاص الإقليمي إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان وقوع الفقدان، فإن لم توجد فيه محكمة، ينعقد الاختصاص لمحكمة مدينة الجزائر، وهي التي تتولى التحقيق في الحادثة. 

ج- بالنسبة للمدة اللازمة للحكم بوفاة المفقود: ميز المشرع الجزائري من حيث المدة اللازمة لصدور الحكم بوفاة المفقود وذلك في نص المادة 113 من قانون الأسرة، التي تناولت المدة اللازمة التي يحكم فيها القاضي بموت المفقود في غيبة يغلب فيها السلامة، إذ تركها لتقدير القاضي الذي يحددها تبعا لوقائع القضية وظروف الفقدان وحالة المفقود، وله أن يحكم بموته بعد مضي أربع سنوات. 

أما إذا كانت غيبة المفقود يغلب عليها الهلاك، وحسب نص المادة 113 هو المفقود في الحروب والحالات الاستثنائية، فلا يصدر فيها الحكم بموت المفقود إلا بعد مضي أربع سنوات بعد التحري، مع العلم أن هذه المدة لا تحتسب من تاريخ صدور الحكم بالفقدان بل تحسب من تاريخ الفقدان، وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا "... وحيث أن ظروف فقدان المعني ثابتة منذ سنة 1994 وهي الفترة الحقيقية للفقدان وكان على قضاة المجلس أن يجروا تحقيقا لمعرفة ذلك سواء بواسطة النيابة التي لها صلاحية إخطار الشرطة القضائية أو أية وثيقة أخرى، وعليه فالوجه مؤسس يستوجب نقض القرار المطعون فيه". 

2- الإجراءات الخاصة بدعوى موت المفقود في القوانين الاستثنائية

أهم ما يمكن ملاحظته في هذه النصوص الاستثنائية أنه تم الجمع بين الحكم بالفقدان والحكم بوفاة المفقود في دعوى قضائية واحدة تنتهي إلى صدور حكم بوفاة المفقود، وهذا عكس ما هو عليه الحال في قانون الأسرة، إذ لابد من رفع دعوى الفقدان وبعد صدور الحكم بثبوته، يمكن استصدار حكم بوفاة المفقود بعد انقضاء مهلة قانونية معينة. 

بالنسبة للأشخاص الذين لهم الحق في رفع دعوى أمام الجهة القضائية المختصة من أجل استصدار حكم بوفاة المفقود، فإن المشرع لم يخرج عن القاعدة العامة في المادة 114 من قانون الأسرة وكذا بالنسبة للقوانين الاستثنائية وهذا ما قضت به كل من المادة 2/3 من الأمر رقم 02- 03 المتضمن الأحكام المطبقة على مفقودي فيضانات 10 نوفمبر 2001، وكذا المادة 2/3 من القانون رقم 03-06 المتضمن الأحكام المطبقة على مفقودي زلازل 21 ماي 2003، اضف إلى ذلك المادة 32/1 من الأمر رقم 06-01 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. لكن أهم ما يمكن ملاحظته فيما يخص المدة التي يحكم فيها بموت المفقود في القوانين الاستثنائية، فإن هذه الأخيرة قد قصرت آجال إعداد محاضر المعاينة بفقدان الأشخاص وحددت هذه الآجال في نصوصها، وهذا ما لم تحدده بالنسبة لمدة الحكم بالوفاة. 

اكتفى المشرع في الأمر رقم 02-03 لسنة 2002 المتعلق بمفقودي فيضانات 10 نوفمبر 2001 بتحديد مدة الفصل في دعوى الوفاة في أجل لا يتعدى شهر واحد من تاريخ رفع الدعوى أمامه، غير أنه بالرجوع إلى نصوص الأمر رقم 06-01 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة فقد حدد المدة لرفع دعوى الوفاة بستة (6) أشهر من تاريخ تسليم محاضر معاينة الفقدان، ويفصل القاضي المختص ابتدائيا ونهائيا في الطلب المرفوع أمامه في أجل لا يتجاوز شهرين ابتداء من تاريخ رفع الدعوى. 

يمكن الطعن بالنقض في الحكم القاضي بوفاة المفقود في أجل شهر واحد ابتداء من تاريخ صدور الحكم وهذا ما نصت عليه المواد 2/4 من الأمر رقم 03-06، المتعلق بالأحكام المطبقة على مفقودي زلازل 21 ماي 2003، وكذا المادة 2/4-5 من الأمر رقم 02- 03 المتعلق بفيضانات 10 نوفمبر 2001، وكذا المادة 33 من الأمر رقم 06-01 المتعلق بميثاق السلم والمصالحة الوطنية. 

وتفصل المحكمة العليا في الطعن المرفوع أمامها في أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر من تاريخ رفع الدعوى أو الطعن أمامها وهذا وفقا للمواد 2/5 من الأمر رقم 03-06 السالف الذكر، وكذا المادة 2/4 من 02-03 السالف الذكر، ولكن بالرجوع إلى الأمر رقم 06-01 المشار إليه آنفا فإنه قد مدد آجال الفصل في الطعن إذ جعلها وفقا للمادة 33/2 لا تتجاوز ستة (06) أشهر ابتداء من تاريخ الإخطار. 

الفرع الثاني: الآثار القانونية الناتجة عن صدور الحكم بالفقدان والغياب، والحكم بموت المفقود وعودته حيا

سبق القول أن المشرع الجزائري قد عرّف المفقود في نص المادة 109 من قانون الأسرة بأنه الغائب الذي لا يعرف مكانه ولا حياته أو موته، ولا يعتبر مفقودا إلا بصدور حكم بفقدانه، وهذا الحكم لا يؤثر على شخصية المفقود أو الغائب، إذ يعامل معاملة الشخص الحي سواء لأمواله أو زوجته وذلك إلى غاية صدور الحكم بموته، وهناك تنتهي شخصيته القانونية حكما، فيعامل معاملة الشخص المتوفي، فتوزع أمواله وتنحل الرابطة الزوجية بالوفاة ومنه فلابد من التطرق إلى الآثار الناتجة عن صدور الحكم بالفقدان (أولا) والتي تختلف عن تلك الناتجة عن صدور الحكم بوفاة المفقود (ثانيا) وفي حالة عودة أو رجوع المفقود المحكوم عليه بالموت الحكمي فهناك أيضا آثار تنشأ عن ذلك (ثالثا). 

أولا: الآثار القانونية الناتجة عن صدور الحكم بالفقدان والغياب 

تبقى الشخصية القانونية للمفقود قائمة عند صدور الحكم بالفقدان وذلك قبل صدور الحكم بموته، وينتج عن صدور الحكم بالفقدان عدة آثار قانونية سنبينها كما يلي: 

1- بالنسبة لتعيين مقدم لتصريف شؤونه:  

إن المفقود الصادر في حقه حكم قضائي هو شخص كامل الأهلية ولكن لا يمكن له إدارة شؤونه بنفسه وذلك راجع لغيبته التي تمنعه من ذلك، لذا فيمكن القول بأن الغياب بمثابة مانع مادي يحول دون قدرة الشخص على إجراء التصرفات التي تتطلب أهلية الأداء وليس عارضا من عوارض الأهلية، وهذا ما يستوجب تعيين له شخص آخر وهو المقدم يباشر عنه كل التصرفات وينوب عنه في تسيير أمواله، ويتسلم ما استحقه المفقود من ميراث أو تبرع، وقد يكون المقدم من الأقارب أو غيرهم، كما أن المقدم يكون له حق تسيير أموال المفقود فقط وليس له حق التصرف فيها على اعتبار أن حكم الفقدان حكم سابق عن الحكم القضائي القاضي بوفاة المفقود وٕإلا اعتبر تصرفه باطلا وهذا ما قضت به المحكمة العليا في إحدى قراراتها. 

2- بالنسبة لأموال المفقود:  

نصت المادة 111 من قانون الأسرة على ما يلي "على القاضي عندما يحكم بالفقدان أن يحصر أموال المفقود وأن يعين في حكمه مقدما من الأقارب أو غيرهم لتسيير أموال المفقود ويتسلم ما استحقه من ميراث أو تبرع...". 

ويتبين من خلال ذلك أنه إذا كان للمفقود أموال فإنه لابد من حصرها سواءً كانت عقارية أو منقولة وتعيين مقدما لتسييرها دون أن تكون له سلطة التصرف فيها، وهذه الأموال لا تعتبر من قبل الميراث مطلقا ولا يحق اكتسابها عن طريق الإرث، إذ أن هذا الأخير لا يستحق إلا بثبوت موت المورث حقيقة أو حكما. 

كما لا تقسم أموال المفقود وهذا ما قضت به المادة 115 من قانون الأسرة، فإن كان ماله على الشيوع فلا تتخذ ضده إجراءات القسمة، وعلى العموم يقوم المقدم بتسيير هذه الأموال ولا يتصرف فيها إلا إذا كانت سريعة التلف والفساد، فعليه أن يستأذن القاضي في هذه الحالة ويحتفظ بثمنها إلى غاية ظهور له أن المفقود حيا، ولا تدخل ضمن تركة المفقود إلا في حالة صدور الحكم بوفاته.

3- بالنسبة لزوجة المفقود وأولاده القصر:  

نص المشرع الجزائري صراحة في نص المادة 112 من قانون الأسرة على أحقية زوجة المفقود أو الغائب طلب فك الرابطة الزوجية عن طريق التطليق طبقا لنص المادة 53/5 من نفس القانون، وقد اشترط المشرع طبقا لهذا النص أن تكون الغيبة بعد مرور سنة بدون عذر أو نفقة  وٕإلحاق الأذى أو الضرر بالزوجة، إذ أنه إذا كان الغياب مبرر فلا يقبل طلب الزوجة بالتطليق. أما بالنسبة لأولاد المفقود أو الغائب القصر فإنه تنتقل ولايتهم إلى الأم التي تحل محل الأب الغائب للقيام مكانه بالأمور المستعجلة. 

ثانيا: الآثار القانونية الناتجة عن صدور الحكم بوفاة المفقود

بالرجوع إلى نص المادة 115 من قانون الأسرة فإنها تنص على ما يلي "لا يورث المفقود ولا تقسم أمواله إلا بعد صدور الحكم بموته...".  

يتبين لنا من خلال ما سبق أن شخصية المفقود القانونية تنتهي ابتداءً من تاريخ صدور الحكم باعتباره ميتا، فتفتح تركته وتوزع أمواله، كما تنقضي الرابطة الزوجية التي تربطه بزوجته، وٕإن كان المشرع لم يتناول هذه الحالة الأخيرة في النص السالف الذكر، إلا أن ذلك لا يمنع من القول أن تلك هي أهم الآثار التي تنشأ من جراء صدور الحكم بوفاة المفقود والتي نتناولها كما يلي: 

1- بالنسبة لأموال المفقود:  

بالرجوع إلى نص المادة 115 من قانون الأسرة السالفة الذكر فإن المشرع كان صريح فيما يخص الحكم المطبق على أموال المفقود بعد صدور الحكم بموته، إذ تفتح تركته وتقسم أمواله على الورثة، وهذا تماشيا مع قاعدة لا تركة إلا بعد سداد الديون الثابتة في ذمة

2- بالنسبة لزوجة المفقود:  

بالرجوع إلى نص المادة 59 من قانون الأسرة فقد جاء فيها "تعتد المتوفى عنها زوجها بمضي أربعة أشهر وعشرة أيام وكذا زوجة المفقود من تاريخ صدور الحكم بفقده" نلاحظ جليا ومن خلال هذا النص أن المشرع سوى في الحكم بين كل من زوجة المتوفى عنها زوجها حقيقة وزوجة المفقود المتوفى عنها زوجها حكما، إذ تخضع الزوجتان لنفس الحكم فيما يخص فترة العدة وهي أن تعتدا لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام، وتبدأ فترة العدة بالنسبة لزوجة المفقود من تاريخ صدور الحكم بفقده حسب ما نصت عليه المادة 115 من قانون الأسرة السالفة الذكر، خلافا لزوجة المتوفي حقيقة التي تبدأ فترة عدتها من يوم الوفاة، ولكن كان من الأحسن لو أن المشرع راجع نص المادة 109 من قانون الأسرة واعتبر أن بداية سريان حساب مدة عدة زوجة المفقود هي من تاريخ صدور الحكم بوفاته والذي من آثاره حل الرابطة الزوجية. 

ثالثا: الآثار القانونية الناشئة عن ظهور المفقود المحكوم بموته

إن صدور الحكم بوفاة الشخص المفقود فهو موت حكمي وليس حقيقي إذ يحكم القاضي بذلك تغليبا لوفاته على حياته، وقد يتبين أن الحكم بموت المفقود لم يكن على يقين إذ قد يظهر المفقود حيا وبالتالي يسقط الحكم القاضي بوفاته ويصبح عديم الأثر ويعتبر كأن لم يكن، وبالتالي يسترد المفقود شخصيته القانونية بأثر رجعي وينتج عن ذلك آثار قانونية سواء تعلق الأمر بأمواله أو بالنسبة لزوجته. 

1- آثار ظهور المفقود المحكوم بموته حيا بالنسبة لأمواله:

بالرجوع إلى نص المادة 115 من قانون الأسرة فقد جاء فيها "... وفي حالة رجوعه أو ظهوره حيا يسترجع ما بقي عينا من أمواله أو قيمة ما بيع منها". 

نستخلص تبعا لذلك أن النص القانوني يشير إلى أنه إذا ظهر المفقود حيا بعد صدور الحكم بوفاته فإنه يحق له مبدئيا استرداد أمواله التي وزعت على ورثته والتي هي بين أيديهم والمتحصلين عليها إثر صدور الحكم بوفاته، كما يمكن للمفقود أيضا استرداد قيمة أمواله التي تم التصرف فيها بالبيع، مع العلم أن المشرع الجزائري لم يشر صراحة إلى حالة ظهور المفقود حيا، يكون ذلك عند صدور الحكم بالفقدان أو بالوفاة، وٕإن كان يفهم منها أنه قصد الحالة الثانية، أما عند صدور الحكم بالفقدان، ففي هذه الحالة فقد اعتبر المشرع المفقود حيا، فأمواله تظل ملك له يديرها المقدم المعين لتسيير شؤونه إلى أن يعود أو يحكم بوفاته. 

2- آثار ظهور المفقود المحكوم بموته حيا بالنسبة لزوجته: 

لم يفصل ولم يتناول المشرع الجزائري هذه الحالة المتعلقة بزوجة المفقود في نص المادة 115 من قانون الأسرة وعلى هذا الأساس فلابد من الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية، كما يلي: 

أ‌- حالة عدم زواج زوجة المفقود المحكوم بموته ثانية: إذا ظهر المفقود المحكوم بوفاته ووجد زوجته لم تتزوج ثانية فتكون له دون عقد جديد أو مهر وذلك إذا لم تكن قد طلقت منه نتيجة غيبته، مع العلم أنه يسري نفس الحكم على زوجة المفقود الذي صدر الحكم بفقدانه إذ أن ذلك لا يقطع العلاقة الزوجية بين الطرفين. 

ب‌- حالة زواج زوجة المفقود المحكوم بموته: ففي هذه الحالة نميز بين ما إذا عاد المفقود ووجد زوجته تم العقد عليها إلا أنه لم يتم الدخول بها، ففي هذه الحالة يفسخ العقد الثاني وتعود الزوجة إلى زوجها الأول، فإذا أدركها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها وهذا تبعا لقول عمر بن الخطاب رضي اﷲ عنه، أما إذا كانت عودة المفقود بعد البناء ودخول الزوج الثاني بزوجته فهناك عدة آراء. 

فهناك من يرى أن المفقود في هذه الحالة يخير بين زوجته وصداقها فيما روي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب فكان إجماع على ذلك وهذا ما ذهبت إليه الحنابلة والشافعية، وفي الجدد من هؤلاء الفقهاء فقد ذهبوا إلى القول أن الزوج الأول المفقود هو أحق بها من زوجها الثاني على أنه لما ظهر المفقود حيا تبين أن المرأة تزوجت وهي منكوحة، ومنكوحة الغير ليست من المحللات بل من المحرمات، أما المالكية فقد ذهبوا إلى القول بأن الزوج الثاني أحق بها وقد فاتت على زوجها الأول بدخول الزوج الثاني بها. 

أما المشرع الجزائري الذي يأخذ على الأرجح بالمذهب المالكي وعلى ذلك فإن زوجة المفقود التي أعادت الزواج من رجل آخر لا تعود له إذ ليس له الحق في ذلك، بل تظل مع الزوج الثاني ما دام أنه دخل بها، وأيضا لابد أن يكون حسن النية أي لم يكن يعلم بحياة الزوج الأول (المفقود) ولم يكن باستطاعته أن يعلم إذا ما بذل جهدا معقولا في التحري عنه. 

ويمكن القول في الأخير أنه لابد من تسجيل الحكم بموت المفقود بسجلات الحالة المدنية أي في سجل عقود الوفيات، وعلى هامش عقد زواجه إن كان متزوجا، وعلى هامش عقد الميلاد، وهذا بطلب من النيابة العامة التي تتولى قيد الحكم النهائي بالوفاة، ويسجل منطوق الحكم المصرح بالوفاة طبقا لنص المادة 93/1 طبقا للأمر رقم 70-20 المتضمن قانون الحالة المدنية في سجلات الحالة المدنية لمكان الولادة، وعند الاقتضاء في سجلات آخر مكان أقام فيها المتوفي.  

وبالرجوع إلى نص المادة 94/1 من الأمر رقم 70-20 السالف الذكر فإنه في حالة ظهور الشخص الذي صرح بوفاته قضائيا مرة أخرى في وقت لاحق بحكم التصريح بالوفاة فيتابع وكيل الدولة وكل معني إبطال الحكم ضمن الأشكال المنصوص عليها في المواد 46 وما يليها من نفس القانون، ويسجل بيان إبطال حكم التصريح بالوفاة على هامش قيده في السجل.

المرجع:

  1. د. ربيع زهية، إجراءات التقاضي في شؤون الأسرة، محاضرات موجهة لطلبة السنة الثانية ماستر، تخصص قانون أسرة، جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية: 2020-2021، ص79 إلى ص99. 

google-playkhamsatmostaqltradent