محاضرة حول الأهلية القانونية في القانون الجزائري

محاضرة حول الأهلية القانونية في القانون الجزائري

محاضرة حول الأهلية القانونية

تمهيد :

وجود الرضاء، وهو الأساس الأول لقيام العقد، وإن كفى وجوده لقيامه الا أنه يلزم أن يجئ صحيحا، وإلا اعترى الفساد العقد، برغم قيامه، ولذا يلزم أن يصدر الرضاء عن شخص متمتع بالأهلية، وأن يكون خاليا من العيوب التي تشوه به، وهي الغلط،والتدليس، والإكراه، والاستغلال.
وسنتناول في هذه المحاضرة الأهلية القانونية

المطلب الأول : الأهلية

تعريف الأهلية :

يقصد بالأهلية صلاح الشخص، لكسب الحقوق وتحمل  الالتزامات، ومباشرة التصرفات القانونية، التي يكون من شأنها أن ترتب له هذا الأمر أو ذاك.
ومن هذا التعريف، يبين أن الأهلية تنقسم إلى نوعين :

أهلية وجوب :

وهي صلاحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بالالتزامات. وأهلية أداء، وهي صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرفات القانونية التي يكون من شأنها أن تكسبه حقا أو أن تحمله التزامات على وجه يعتد به قانونا.
و أحكام الأهلية تمس النظام العام في تصميم، لأنها تؤثر تأثيرا بالغا في حياة الشخص القانونية والاجتماعية، لذا نصت المادة 45 ق م ج على أنه ( ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا لتغيير أحكامها ).
فإذا اتفق شخص رشيد مع آخر على النزول عن أهليته في التصرف في ماله كان هذا النزول باطلا.
ولن نتعرض لأهلية الوجوب، لأننا بصدد صحة الرضاء ولا علاقة لأهلية الوجوب بذلك والذي يهمنا أهلية الأداء، لأن توافرها في المتعاقد ضروري لاعتبار رضائه بالعقد سليما.

أهلية الأداء :

سبق القول أن أهلية الأداء هي صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية، ومناط أهلية الأداء هو التمييز، فإذا كان الشخص فاقد التمييز تماما تكون أهليته معدومة، وإذا كان غير مستكمل للتمييز يكون ناقص الأهلية، ولا يكون كامل الأهلية، الا إذا استكمل جميع عناصر التمييز والتقدير.
وسنتكلم في الأهلية وفق الترتيب التالي :
أولا : تدرج الأهلية مع السن.              ثانيا : عوارض الأهلية.

أولا : تدرج الأهلية مع السن

أوضحنا أن مناط أهلية الأداء هو الإدراك، والتمييز الذي يتوقف على السن، لذا تختلف أهلية الأداء، تبعا لذلك.
ويمر الإنسان بأدوار أربعة أساسية، تتفاوت فيها أهلية أدائه، بين العدم و الكمال، وهذه الأدوار هي :

1 - الدور الأول الجنين :

فله أهلية وجوب ناقصة، ولكن ليس له أهلية أداء.

2 - الدور الثاني : الصبي غير المميز

وهذا الدور يبدأ من الولادة وينتهي ببلوغ الصبي سن الثالثة عشر من عمره، وهي سن التمييز، طبقا للقانون المدني الجزائري، وفي هذه المرحلة من الحياة يكون الصبي فاقد التمييز، وبعبارة أدق يفترض فيه القانون الجزائري ذلك، فتكون أهلية الأداء لديه معدومة طبقا للمادة 42 م ج حتى أهلية الأغتناء لا تثبت له  مثل قبوله هبة، وعلى ذلك إذا صدر منه تصرف ما، كان تصرفه باطلا.
وقد نصت على ذلك المادة 82 من القانون رقم 84-11 (قانون الأسرة ) بقولها ( من لم يبلغ سن التمييز لصغر سنه طبقا للمادة 42 من القانون المدني تعتبر جميع تصرفاته باطلة).
والذي يتولى مباشرة التصرفات عن الصغير يمثله قانونا، وهو الولي أو الوصي، وقد نصت على ذلك المادة 81 من القانون السالف الذكر بقولها ( من كان فاقد الأهلية أو ناقصها لصغر السن أو جنون أو عته، أو سفه، ينوب عنه قانونا ولي، أو وصي أو مقدم طبقا لأحكام هذا القانون ).
والذي يتولى مباشرة التصرفات عن الصغير يمثله قانونا، وهو الولي أو الوصي، وقد نصت على ذلك المادة 81 من القانون السالف الذكر بقولها ( من كان فاقد الأهلية أو ناقصها لصغر السن أو جنون أو عته،أو سفه، ينوب عنه قانونا ولي، أو وصي أو مقدم طبقا لأحكام هذا القانون ).

3 - الدور الثالث : الصبي المميز

ويبدأ هذا الدور من بلوغ الصبي سن الثلاثة عشر من عمره حتى يبلغ سن الرشد وهي تسعة عشر سنة كاملة ( المادة 400 م ج ) وتثبت له أهلية أداء ناقصة ( المادة 43) وفي هذه المرحلة تثبت للصبي ) المميز أهلية الاغتناء، فيبرم التصرفات التي تعود عليه بالنفع، نفعا محضا، دون حاجة الى تدخل وليه أو وصيه فيقبل بمفرده أهلية وكفالة الدين.
أما أهلية الافتقار، فمعدومة عنده أصلا.
وبالنسبة للتصرفات الدائرة بين النفع والضرر، كالبيع والشراء، والإيجار والاستئجار، فله بالنسبة لها أهلية أداء ناقصة، فإذا أجراها تقع قابلة للإبطال، أي صحيحة، ولكن تكون قابلة للإبطال لمصلحة القاصر دون المتعاقد الآخر.
وقد نصت على الأحكام المتقدمة المادة 83 من قانون الأسرة بقولها ( من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد طبقا للمادة (43) من القانون المدني تكون تصرفاته نافذة إذا كانت مترددة بين النفع والضرر، وفي حالة النزاع يرفع الأمر للقضاء ).

4 - الدور الرابع : البالغ الرشيد

ببلوغ سن الرشد، وهي تسعة عشر سنة ميلادية كاملة (40م) يستكمل الصبي أهليته، وإنما يشترط أن يبلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية ( 40م-1) فإذا بلغها مجنونا أو معتوها، بقيت حالة قصره واستمرت الولاية على ماله لوليه أو وصيه حسب الأحوال ( م44 م ج ).
ونصت المادة 86 من قانون الأسرة على ذلك اذ تقول ( من بلغ سن الرشد ولم يحجر عليه يعتبر كامل الأهلية وفقا لأحكام المادة 40 من القانون المدني ).

ترشيد الصبي المميز :

تنص المادة 84 من قانون الأسرة على أنه ( للقاضي أن يأذن لمن يبلغ سن التمييزفي التصرف جزئيا أو كليا في أمواله، بناء على طلب من له مصلحة، وله الرجوع في الاذن اذا ثبت لديه ما يبرر ذلك ).
ويتضح من هذا النص أن من بلغ سن التمييز يستطيع أن ينتقل إلى مرحلة الرشد بإذن من القاضي .. وهو حكم خطير إذ يصبح عديم التمييز راشدا دون أن يمر بمرحلة التمييز .. وقد سبق أن أوضحنا أن سن التمييز في القانون المدني الجزائري متأخر جدا ( الثالثة عشر ) مع العلم بأن التقنينات الأخرى ومنها التقنينات العربية جعلت سن التمييز السابعة، وبمعنى ذلك أن عديم التمييز يصبح حرا رشيدا يتصرف في ماله دون أن يمر بمرحلة التمييز على الإطلاق. ونرى أنه كان من الأفضل أن تكون هناك فترة انتقال بين مرحلة عدم التمييز ومرحلة الرشد أو الترشيد. ولقد أجازت التقنينات العربية الترشيد لمن بلغ سن الثامنة عشر، والتمييز لديها كما قلنا هو بلوغ الصبي سبع سنين، مع العلم أنها لم تعط له الا حق الإدارة فقط دون التصرف في أمواله م 112 مدني مصري، 113 سوري، 114 ليبي ).
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن نص المادة 84 خالف القانون المدني الجزائري الذي جعل سن الترشيد سن الثمانية عشر ( م 38/2) فكان من الواجب أن تكون هي سن الترشيد واحدة حتى لا يتعارض القانونان.

ثانيا : عوارض الأهلية

عوارض الاهلية هي أمور تدرك البالغ الرشيد، تؤدي إلى أن تعدم أهليته أو تنقصها، وسنعرض في ما يلي تلك العوارض ، وهي تنقسم حسب طبيعتها إلى :
(أ‌) عوارض تصيب عقل الإنسان فتعدم إدراكه وتمييزه وهذه هي الجنون والعته الذي يعدم الإدراك.
(ب‌) عوارض تلحق الإنسان في تدبيره فتنقصه، وهذه السفه والعته، الذي ينقص الإدراك.
(ت‌) عارض يصعب مع وجوده على الإنسان التعبير بما يريد، ويتضمن العاهات الجسمانية.

أ - العوارض التي تصيب العقل – الجنون والعته :

الجنون : اضطراب يلحق العقل فيعدم عند صاحبه الإدراك والتمييز.
أما العته : فقد اختلف في تعريفه، فقيل أنه نوع من الجنون يتميز بأن صاحبه لا يلجأ الى العنف، وقال البعض أنه لا يعدم الإدراك كلية.
ويأخذ المعتوه حكم الصبي المميز، كما سيأتي فيما بعد، والتفرقة هذه تأخذ بها الشريعة الإسلامية، ويأخذ بها أيضا القانون المدني الجزائري، لأنه نص على أن العته له حكمان، تطبيقا للمادة 42 يأخذ حكم الجنون، وطبقا للمادة 43 يأخذ حكم السفيه.
ويخلص مما تقدم أن كلا من الجنون، والعته ( إذا كان يعدم الإدراك كالجنون) عاهة تلحق عقل الإنسان فتعدم فيه الإدراك والتمييز، وبالتالي أهلية الأداء، وتنص المادة 42 م ج على ذلك بقولها ( لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون.
يعتبر غير مميز من لم يبلغ الثالثة عشر سنة.

ب – العوارض التي تصيب الإنسان في تدبيره – السفه أو العته :

السفيه هو من يبذر المال على غير مقتضى العقل والشرع، سواء أكان ذلك في وجوه الخير أو الشر، و السفيه كامل العقل، ولكن العلة في تدبير أمره لأنه يسرف في إنفاق ماله.
أما العته المقصود هنا، هو الذي سبق بيانه من أنه لا يفقد صاحبه التمييز والادراك، كلية، وحكمه يأخذ حكم السفيه والصبي المميز، وهو نقص الأهلية طبقا لنص المادة 43 م ج اذ تنص على أنه ( كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو معتوها، يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون).
وعلى ذلك تكون تصرفات السفيه والمعتوه قابلة للإبطال لمصلحتهما.

ت - العوارض التي تصعب على الإنسان التعبير عن إرادته أو العاهات الجسمانية – ونظام المساعدة القضائية

قد يصاب الإنسان بعاهة في جسمه، فلا تمس عقله ولا تصيب تدبيره ولذلك يبقى كامل الأهلية، غير أنه يتعذر عليه بسبب العاهة أو العجز الجسماني التعبير عن إرادته تعبيرا صحيحا،÷ ويخشى أن يقع فريسة الغلط عند إبرامه التصرفات ولذلك قرر القانون نظام المساعدة القضائية، فنصت المادة 80 م ج على أنه ( إذا كان الشخص أصم أبكم،أو أعمى أصم، أو أعمى أبكم وتعذر عليه بسبب تلك العاهة التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له مساعدا قضائيا يعونه في التصرفات التي تقتضيها مصلحته.
ويكون قابلا للإبطال كل تصرف عين من أجله مساعد قضائي إذا صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته بدون حضور المساعد بعد تسجيل قرار المساعدة
ويتضح مما سبق أن المساعدة القضائية، تتقرر للإنسان بشرط أن يجمع بين عاهتين على الأقل من ثلاث، وهي الصمم والعمى والبكم، وكذلك يلزم أن يتعذر عليه التعبير عن إرادته، فإذا أمكن لشخص برغم اجتماع عاهتين لديه، أن يتفهم ظروف التصرف، الذي يجريه، وأن يعبر عما يريده بشأنه، فلا يحق إخضاعه لنظام المساعدة القضائية، وقاضي الموضوع هو الذي يقرر ذلك.

إثبات انعدام الأهلية أو نقصها :

القاعدة الأصلية أن كل شخص كامل الأهلية ما لم يقرر القانون سلبها أو الحد منها : ولذا يقع عبء اثبات انعدام الأهلية أو نقصها على من يدعي ذلك فإذا أراد أحد المتعاقدين إبطال العقد لنقص أهليته فعليه اثبات هذا النقص.
غير أنه اذا كان ناقص الأهلية قد أخفى نقص أهليته عن المتعاقد الآخر بطرق احتيالية، فإن المتعاقد الآخر يحق له في حالة إبطال العقد، مطالبة ناقص الأهلية بالتعويض عن الضرر الذي يسببه له الإبطال.

التمييز بين أهلية الأداء وحالات المنع القانونية :

يجب التفرقة بين أهلية الأداء وما يصيبها من أمور تعدمها أو تنقصها لدى الشخص، وبين حالات أخرى يجد الشخص فيها نفسه، رغم تمام أهليته ممنوعا من مباشرته تصرفا من التصرفات لأسباب لا ترجع إلى التمييز والإدراك، بل تقوم على أسس أخرى.
وفيما يلي بيان بحالات المنع القانونية :
1 – الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون، كأملاك الدولة وفروعها والمخصصة للنفع العام، فهي محبوسة عن التعامل فيها.
2 – المنع الخاص ببعض الطوائف من مباشرة بعض الأعمال القانونية، ومن ذلك تحريم القانون على رجال القضاء وأعوانهم شراء الحقوق المتنازع فيها متى كان النظر في النزاع شأنها يدخل في اختصاص المحاكم، التي يباشرون أعمالهم في دائرتها ( المادتان 402،403، م ج ) ومن ذلك أيضا تحريم القانون شراء الشئ على من عهد إليه ببيعه أو بتقويمه ( المادتان 410، 411 م ج )
فهذا المنع قصد به مراعاة مصلحة عامة أو خاصة، ولا يرجع بحال من الأحوال إلى الأهلية.
3 – تنص المادة 78 مدني جزائري على ما يأتي :
( كل شخص أهل للتعاقد ما لم يطرأ على أهليته عارض يجعله ناقص الأهلية أو فاقدها بحكم القانون )
( معدلة بالقانون رقم 05-10 مؤرخ 20 نوفمبر 2005 )
ومن هؤلاء الأشخاص الذين يصبحون فاقدي الأهلية بحكم القانون، المحكوم عليه بعقوبة جناية خلال مدة قضاء العقوبة، فيكون عديم الأهلية ويمتنع عليه قانونا القيام بالتصرفات القانونية، ويصبح محجورا عليه بقوة القانون بمجرد الحكم عليه بعقوبة جنائية.
وقد قضت المحكمة العليا الجزائرية بأنه :
( من المقرر قانونا أن المحكوم عليه بالحجز القانوني يحرم عليه أثناء تنفيذ العقوبة من مباشرة حقوقه المالية، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف ذلك يعد مخالفا للقانون.
ولما كان من الثابت – في قضية الحال – أن الطاعن محكوم عليه بعقوبة جناية، فإن قضاء الموضوع برفضهم لدعواه الرامية إلى إبطال البيع الذي أنجزه أثناء تنفيذه لعقوبة الجناية يكونوا قد أخطأوا في تطبيق القانون.
ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه ).

التمييز بين أهلية الأداء والولاية :

الأصل أن الأعمال القانونية التي يبرمها الشخص تنتج آثارها في ذمته هو، فإذا أبرم شخص عقد بيع فإن آثار البيع من حقوق والتزامات تنصرف إليه، فالأهلية، كما سبق القول هي قدرة الشخص على مباشرة الأعمال القانونية التي ترتب آثارها بالنسبة إليه، أي في ماله.
ولكن قد يقوم الشخص بالأعمال القانونية دون أن يترتب عليها أي أثر في ذمته، بل تتصرف آثارها في ذمة شخص آخر، كالولي والوصي، فالأعمال القانونية التي يقوم بها تنصرف آثارها في ذمة القاصر، وهذه هي الولاية، فهي صلاحية الشخص للقيام بالأعمال القانونية التي تنتج آثارها في حق الغير، بينما الأهلية، كما رأينا هي صلاحية الشخص للقيام بالأعمال القانونية لتنصرف آثارها في حقه هو.
google-playkhamsatmostaqltradent