ماهية القانون الإداري وعلاقته بفروع القانون الأخرى

ماهية القانون الإداري وعلاقته بفروع القانون الأخرى

ماهية القانون الإداري وعلاقته بفروع القانون الأخرى

تقديـــم :

تنقسم القواعد القانونية التي تنظم كل مجتمع إنساني إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد، وقد أصطلح على تسميتها بالقانون الخاص ومن فروعه القانون المدني والقانون التجاري وقانون المرافعات أما النوع الأخر من القواعد فينظم العلاقات التي تنشأ بين الدول أو بين الدولة وهيأتها العامة من ناحية والأفراد من ناحية أخرى عندما تظهر الدولة بمظهر السلطة العامة .
وقد أصطلح على هذا النوع من القواعد القانونية بالقانون العام، ومن فروعه القانون الدولي العام والقانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي.
ومن المعروف أن القانون الإداري فرع من فروع القانون العام الداخلي – تمييزاً له عن القانون العام الخارجي الذي ينظم العلاقات بين الدول والذي يهتم– بسلطات الإدارة العامة من ناحية تكوينها ونشاطها وضمان تحقيقها للمصلحة العامة من الامتيازات الاستثنائية التي تقررها قواعد القانون الإداري.
وعلى ذلك فإن القانون الإداري يختلف اختلافا جوهريا عن القانون الخاص لاختلاف العلاقات القانونية التي يحكمها، واختلاف الوسائل التي تستخدمها السلطات الإدارية في أدائها لوظيفتها من الوسائل قانونية ومادية وبشرية وقد ساهم التطور الكبير في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وازدياد نشاط الدولة وتدخلها في هذه المجالات وعدم كفاءتها بدورها السابق في الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي، في تضاعف دور القانون الإداري ومساهمة في وضع الوسائل المناسبة لإدارة دفة نشاط السلطة العامة.

أولا : مفهوم القانون الإداري

درج أغلب الفقهاء على تعريف القانون الإداري بأنه ذلك الفرع من فروع القانون العام الداخلي الذي يتضمن القواعد القانونية التي تحكم السلطات الإدارية في الدولة من حيث تكوينها ونشاطها بوصفها سلطات عامة تملك حقوقاً وامتيازات استثنائية في علاقاتها بالأفراد.
بينما عرفه آخرون بأنه فرع من فروع القانون العام الذي يحكم الإدارة، أو قانون الإدارة العامة Pouvoir Administratif أو قانون السلطة الإدارية Administration Publique .
في حين عرفه البعض بأنه القانون الذي يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها باعتبارها سلطة عامة.
ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم إلى قسمين رئيسيين، قانون عام وقانون خاص القانون العام، هو القانون الذي ينظم نشاط الدولة وسلطاتها العامة، ويحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها، العامة طرفاً فيها وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية لا مقابل لها في علاقات الأفراد.
أما القانون الخاص فينظم نشاط الأفراد ويحكم العلاقات بينهم أو بينهم وبين الدولة أو إحدى هيئاتها عندما تظهر بمظهر الأفراد العاديين أي ليس بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية .
ويشتمل كل قسم من هذين القسمين على عدة فروع فيشتمل القانون العام على القانون العام الخارجي ويتضمن القانون الدولي العام، والقانون العام الداخلي ويتضمن القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي.
في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانون المدني والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة وغيرها من القوانين الأخرى.
وكما بينا فأن القانون الإداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي يحكم نشاط الإدارة العامة وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورها الحضاري .
وفي هذا المجال يسود مفهومان للإدارة العامة المفهوم العضوي أو الشكلي، والمفهوم الموضوعي أو الوظيفي .
المفهوم العضوي : يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة العامة فيعرف الإدارة العامة بأنها السلطة الإدارية سواء المركزية منها أو اللامركزية، وجميع الهيئات التابعة لها.
بينما يهتم المفهوم الموضوعي: ، بالجانب الوظيفي فيعرف الإدارة العامة بأنها النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لإشباع الحاجات العامة.
وتبعاً لذلك فإن القانون الإداري بمعناه العضوي هو القانون الذي يحكم السلطة الإدارية أو الأجهزة الإدارية في الدولة بينما يمكننا أن نعرف القانون الإداري بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة.
وقد اختلف الفقه في ترجيح أحد المفهومين إلا أن الاتجاه الحديث يقوم على الجمع بينهما ويعرف القانون الإداري : بأنه " القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة، ويحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة ".

ثانيا : علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى

من المهم أن نبين استقلال القانون الإداري عن فروع القانون الأخرى من خلال بيان علاقته ذه القوانين وتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقته بعلم الإدارة العامة.

1- العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري

أن أوضحنا القانون الإداري هو القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة.
أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس في الدولة، والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة والسلطات العامة فيها والعلاقة بينهما وحقوق وحريات الأفراد، والضمانات التي تكفلها .
وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانون الدستوري، فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية وغير المركزية، فإن القانون الدستوري هو القانون الأساسي والذي يسمو على كافة القوانين الأخرى التي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه.
وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكام الكلية أو العامة للسلطة التنفيذية، بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيلية التي تكفل تشغيل الأجهزة الإدارية وأدائها لوظيفتها فالقانون الإداري يكون بذلك امتداداً للقانون الدستوري.
وهو ما أبرزه الفقيه ( بارتلمي) في معرض تمييزه بين القانون الإداري والقانون الدستوري فقال أن القانون : " الدستوري يبين لنا كيف شيدت الآلة الحكومية، أما القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم كل قطعة منها بوظيفتها ."
وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤون الداخلية للمجتمع كونهما يمثلان فرعين من فروع القانون ،العام الداخلي نجد أن الفقه الإنجليزي لا يفرق بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويدرس موضوعات القانونين معاً.
ومع أن الفقه الفرنسي في معظمه يميز بينهما فإن جانباً في الفقه ذهب إلى انتقاد محاولات التمييز بين القانون الإداري والقانون الدستوري ودعا إلى دراستهما معاً، وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي  Dugui وجيز،Jeze Bonnaed وبوتار.
ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :
أ-  من حيث الموضوع : يبحث القانون الدستوري في التنظيم السياسي للدولة من حيث تكوين سلطات الدولة الثلاث والعلاقة بينهما، في حين يبحث القانون الإداري في أعمال السلطة التنفيذية الإدارية منها دون الحكومية.
ب-  من حيث تدرج القوانين : يحتل القانون الدستوري قمة الهرم القانوني في الدولة لأنه يقرر المبادئ الأساسية التي لا يمكن أن تتعداها القوانين الأخرى بما فيها القانون الإداري الذي يحكم بعض المسائل المتفرعة في المبادئ التي أقرها الدستور.

 2- علاقة القانون الإداري بالقانون المالي:

القانون المالي هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة بإدارة الأموال العامة في الدولة, وهو مكمل للقانون الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزة والهيئات الإدارية، ويوضح النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة والحماية القانونية المقررة لهذه الأموال , وكيفية الانتفاع بها، ومن موضوعات هذا القانون كل ما يدخل ضمن إعداد الميزانية العامة في الدولة وسياسة وأنواع الضرائب المفروضة والأشراف والرقابة عليها.

3 -علاقة القانون الإداري بعلم الإدارة العامة:

يتميز القانون الإداري عن علم الإدارة العامة من حيث زاوية اهتمام كل منهما فالقانون الإداري يبحث في التنظيم القانوني للجهاز الإداري ووظيفة كل عنصر في عناصره وعلاقته بالأفراد، بينما تبحث الإدارة العامة في النواحي الفنية والتنظيمية للجهاز الإداري ويمكن تعريفها بأنها ذلك العلم الذي يهتم بدراسة تنظيم وتوجيه وتنسيق نشاط المنظمة الإدارية لتحقيق أهدافها العامة على أكمل وجه.
وكما بينا تشتمل الإدارة العامة على مفهومين، مفهوم عضوي، يهتم بدراسة هيكل المنظمات الإدارية وفروعها، دون البحث في طبيعة النشاط الصادر منها، ومفهوم موضوعي يهتم بدراسة النشاط الإداري لهذه المنظمات بصرف النظر عن شكل المنظمة التي صدر النشاط عنها.
ويظهر الاختلاف بين الإدارة العامة والقانون الإداري من خلال طريقة دراسة الموضوع الإداري محل البحث فالقانون الإداري عندما يبحث في تعريف القرار الإداري فإنه يركز عليه كعمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة للسلطة الإدارية ويتضمن أثراً قانونياً , كذلك يبحث في مشروعية القرار الإداري وشروط صحته ونفاذه وكيفية الطعن, بالإلغاء والتعويض ضد القرارات غير المشروعة.
في حين يعرف علم الإدارة العامة القرار الإداري في خلال البحث في الكيفية العلمية والواقعية التي صدر على أساسها القرار وعملية صنعه والمراحل المختلفة التي مرت بها تلك العملية واكتشاف العيوب والمشاكل التي قد تعيق هذه العملية واقتراح سبل إصلاحها .
وفي مجال الوظيفة العامة يبحث القانون الإداري في المركز القانوني للموظف العام وطبيعة علاقته بالدولة وشروط تعيينه وحقوقه وواجباته والعقوبات التأديبية التي يمكن إيقاعها عليه وضمانا , ته تجاهها ويبحث في طرق انتهاء علاقته ،الوظيفية وما إلى ذلك من أمور تنظمها في الغالب نصوص قانونية .
أما الإدارة العامة فتبحث الوظيفة العامة من ناحيتين، الناحية التنظيمية فيدرس علم الإدارة العامة طبيعة الوظيفة العامة وأسس ترتيب الوظائف العامة وتحديد اختصاص ومواصفات كل وظيفة .
والناحية البشرية حيث تبحث الإدارة العامة عن أفضل نظام إداري لتطبيقه على العاملين في المنظمة الإدارية، وتعرض لطرق اختيارهم، ووسائل رفع كفاءتهم وتدريبهم , والارتفاع بمستوى أدائهم، كما تهتم الإدارة العامة بالحوافز المادية والمعنوية لموظفي الدولة ودراسة مشاكلهم الوظيفية والنفسية، والبحث في سبل إصلاحها.
ومن الجدير بالذكر أن الإدارة العامة تخضع من حيث الأصل إلى قواعد متميزة عن قواعد القانون الخاص، إلا  أنها قد تترل في أحيان أخرى عن استخدام هذه القواعد فتترل مترلة الأفراد، وتطبق قواعد لقانون خاص والقانون  الإداري بمعناه الواسع يعني " قانون الإدارة" أياً كانت القواعد القانونية التي تحكمها قواعد القانون الخاص أم قواعد قانونية متميزة عنها "قواعد القانون العام ،" والقانون الإداري بهذا المعنى موجود في كل مجتمع سواء اخذ بمبدأ الازدواج القانون أم لم يأخذ.
أما القانون الإداري بمعناه الفني أو الضيق فينحصر دوره بما يطبق على الإدارة من قواعد قانونية متميزة ومغايرة لقواعد القانون الخاص ولا يوجد بهذاا المعنى إلا في الدول إلى تأخذ بنظام الازدواج القانوني .
ومع أوجه الاختلاف بين القانون الإداري والإدارة العامة فإن بينهما الكثير من أوجه التقارب من حيث أنها يتعلقان بالبحث في موضوع واحد هو الجهاز الإداري في الدولة وأن انحصرت دراسة كل منها بجانب من جوانبه، حتى أننا نجد أنه في الدول التي لا تأخذ بالازدواج القانوني "النظم الانجلوسكسونية " تشتمل دراسة الإدارة العامة على النواحي القانونية التي يحكمها من حيث الأصل القانون الإداري بالإضافة إلى دراسة الناحية الفنية والتنظيمية.
google-playkhamsatmostaqltradent