المحاضرة 2: انقضاء الالتزام بما يعادل تنفيذه

 انقضاء الالتزام بما يعادل تنفيذه

 انقضاء الالتزام بما يعادل تنفيذه
وتتمثل الطرق التي تعادل التنفيذ العيني كلا من الوفاء بمقابل، والتجديد، والإنابة في الوفاء، والمقاصة، واتحاد الذمة.

المطلب الأول: الوفاء بمقابل (م: 285 – 286 مدني)

الفرع الأول – تعريفه

الوفاء بمقابل عبارة عن اتفاق بين الدائن والمدين، يرضى بمقتضاه الدائن، وهو بسبيل استيفاء حقه، بشيء آخر غير الشيء المستحق أصلا.

الفرع الثاني: أركانه

للوفاء بمقابل ركنان هما الاتفاق على الاستعاضة بمحل جديد مكان المحل الأصلي، وانتقال ملكية المحل الجديد فعلا إلى الدائن.

أولا: الاتفاق على الوفاء بمقابل

يقصد بذلك أن يتفق الدائن والمدين على أن الأخير لا يوفي بالمحل الأصلي (سيارة، أو منزلا، أو نقودا) بل بشيء آخر تنتقل إليه ملكيته (نقودا، أو قطعة أرض، أو سيارة)، ولما كان هذا الاتفاق ليس إلا عقدا فإنه تشترط فيه ما يشترط عادة ما في العقود من أهلية التصرف في الطرفين وسلامة الرضا من العيوب، بالإضافة إلى قانونية المحل والسبب.

ثانيا: انتقال ملكية الشيء فعلا إلى الدائن

يجب أن يتعاصر الاتفاق السابق مع نقل ملكية شيء معين في الحال إلى الدائن، وهذا كله لئلا يصير الاتفاق تجديدا فقط للدين بتغيير المحل، بحيث ينقضي الالتزام القديم وينشأ التزام جديد، بينما هنا لا ينشأ التزام جديد بل تنتقل الملكية مباشرة فيقع بها الوفاء.

الفرع الثالث: آثاره

لما كان الوفاء بمقابل وفاء تمثل في انتقال ملكية شيء معين، فإن المشرع أخضع هذا الأسلوب في انقضاء الالتزام إلى أحكام كل من الوفاء التي سبقت الإشارة إليها وكذا أحكام البيع وخاصة ما تعلق منها بضمان استحقاق الشيء الموفى به وكذا ضمان عيوبه الخفية، كما هي مبسوطة في عقد البيع.

المطلب الثاني: التجديد (م: 287 إلى 293 مدني)

الفرع الأول: تعريفه

التجديد عبارة عن اتفاق يتم من خلاله استبدال دين جديد بدين قديم بتغيير في أحد العناصر المكونة للدين، وعلى هذا يقع التجديد إما بتغير أطراف العقد أو محله أو سببه.

الفرع الثاني: شروطه

يشترط في التجديد أن يكون هناك التزامان قديم وجديد، ومختلفان في عنصر معين، مع توافر نية التجديد لدى طرفي التجديد.

أولا: وجود التزامين قديم وجديد صحيحين

يفترض التجديد أن نكون أمام التزام قديم، فيستعيض عنه المتعاقدان بالتزام جديد، ولتمام ذلك يشترط في الالتزام القديم أن لا يكون باطلا بطلانا مطلقا، لأن التجديد ذاته يؤدي إلى انقضاء الالتزام القديم والالتزام المعدوم (أي الباطل هنا) لا يتم إعدامه من جديد، ما إن الالتزام القديم قابلا للإبطال فقط (بسبب عيوب الإرادة مثلا) وتم تجديده، فإن التجديد ذاته يكون مهددا بالزوال هو الآخر كالالتزام القديم، اللهم إلا إذا تم استخلاص – من التجديد ذاته – نية إجازة العقد القابل للإبطال فينقلب الأخير إلى صحيح ثم يقع تجديده، والالتزام الجديد الناشىء لابد وأن يكون متراخي في التنفيذ، أي يتأخر في تنفيذه على وجوده، لأنه لو نشأ ونفذ في الحال لكنا أمام وفاء بمقابل لا تجديد.

ثانيا: اختلاف الالتزام الجديد عن القديم في عنصر معين

يتمثل التجديد في تغير عناصر أساسية في الالتزام القديم بحيث تتغير طبيعة الالتزام القديم وهذا ما يحصل مثلا بتغير أطراف الالتزام (الدائن أو المدين) وكذلك محل وسبب أو مصدر الالتزام.

أ) تغير الدائن:

يتم التجديد بتغير الدائن بموجب اتفاق ثلاثي يجمع الدائن القديم والجديد والمدين، وفي هذه الحالة يصبح الدائن الجديد المؤهل الوحيد في استيفاء الدين من المدين على اعتبار أن التزاما جديدا نشأ بينهما، وينقضي دين الدائن القديم

ت) تغير المدين:

والتجديد بتغيير المدين، إما أن يحصل بموجب اتفاق بين الدائن والغير بحيث يصبح ذلك الغير هو الملتزم بالدين وتبرأ بذلك ذمة المدين الأصلي من الدين، ولا حاجة في مثل هذا الأسلوب من التجديد إلى رضاء المدين.
أما الطريقة الثانية فتتمثل في اتفاق يجمع المدين الأصلي مع الغير (أي المدين الجديد) ليصبح الأخير هو الملتزم بالدين وتبرأ بذلك ذمة المدين الأصلي، على أن هذا الأسلوب غير ممكن إلا بعد أن يحصل المدين الأصلي على رضاء دائنه (وهذا كأن يتفق بائع مع المشتري بأن يدفع الثمن إلى أحد دائني البائع ويقبل الأخير بأن تبرأ ذمة مدينه الأصلي (البائع) من الدين)، والتجديد في هذه الحالة ليس إلا إنابة كاملة كما سيأتي مهنا.

ج) تغيير الدين:

والتغيير هنا يلحق عناصر جوهرية في الدين ، وهذه إما أن تتعلق بمحل الدين ذاته (كأن يكون المتفق عليه أداء مبلغ نقدي، ثم ينقلب إلى أداء عين معينة أو العكس، أو أداء عين أخرى محل العين المتفق عليها في الأصل، أو أداء إيراد معين بدل الوفاء برأسمال ...) أو بسببه أو مصدره (كأن ينقلب التزام المشتري بالوفاء بالثمن في عقد البيع إلى الوفاء به على سبيل القرض لا البيع، وما قيل في ثمن البيع يقال عن بدل الإيجار أو أجر العمل، أو أن يصبح الكفيل ملتزما بالوفاء بالدين باعتباره مدينا أصليا لا كفيلا ..) على أنه لا يعد من التجديد في شيء، لأنه لا يغير من أصل الدين أو طبيعته (تغيير في مقدار الدين، وإضافة تأمين إلى الالتزام، وتغيير دين مدني إلى تجاري، ولا قيد الديون في حساب جار ..)

ثالثا: نية التجديد

لما كان التجديد يترتب عليه انقضاء الدين القديم وحلول دين جديد محله فإن كل هذا لا يفترض بل يجب إما النص عليه صراحة أو استخلاصه ضمنا من ملابسات المعاملة التي تمت بين أطراف التجديد، وفي غياب هذه النية فإن تغير المدين قد يفسر على أن مدينا أخر التزم مع المدين الأصلي، كما إن التزام المدين بدين جديد يعد التزاما ثانيا يضاف إلى الأول ولا يحل محله وهكذا.

الفرع الثالث: آثاره

يترتب على التجديد أن ينقضي الالتزام القديم بكل خصائصه وضماناته (كأن يكون موصوفا أو له مدة تقادم طويلة، أو تأمين عيني أو شخصي يضمن الوفاء به ...)، وينشأ التزام جديد له خصائصه الذاتية وضماناته إن وجدت، ويلاحظ أن الالتزام الأصلي قد تكون مصادره متعددة عقدية أو غير عقدية، أما الالتزام الجديد فمصدره عقدي لا محالة بفعل التجديد، على أن انقضاء التأمينات بالتجديد ليست قاعدة من النظام العام، وبالتالي يجوز الاتفاق على أنه رغم التجديد فإن تلك الضمانات تنتقل إلى الدين الجديد، على أن هذا الأثر الجديد (أي انتقال التأمينات) يختلف بين أن تكون تلك الضمانات قد قدمها المدين الأصلي أو الغير، فمتى كانت التأمينات العينية (كرهن رسمي أو حيازي) قد قدمها المدين، فإنها لا تنتقل إلى الالتزام الجديد ولا تكون نافذة في حق الغير (الذي قد يكون دائنا لنفس المدين) إلا أن يتم الاتفاق على نقلها مع اتفاق التجديد ذاته، ومثل هذا الاتفاق لا يحتج به الغير إلا أن يكون ثابت التاريخ.
وحتى مع فرض وجود هذا الاتفاق وانتقال تلك التأمينات العينية إلى الدين الجديد، فإنه لا يجب أن يضار الغير (كدائن ثان لنفس المدين له تأمين عيني مرتبته متأخرة عن الدائن الأول) من ذلك، فلو أن الدين الأصلي مقداره 1000 والدين الجديد مقداره 2000 والتأمين العيني مقداره 2000، فإن هذا التأمين، لا يضمن بعد التجديد من الدين الجديد إلا مقدار الدين القديم (أي 1000).
أما إذا كانت التأمينات العينية أو الشخصية (ككفالة شخصية) قد قدمها الغير، فإنها لا تنتقل إلى الالتزام الجديد إلا إن رضي بذلك الغير الذي قدم تلك التأمينات وحتى في هذه الحالة لا يضار الغير من ذلك الانتقال، أي ينتقل في الحدود التي كان ذلك التأمين يكفل الالتزام الأصلي فقط.

المطلب الثالث: الإنابة في الوفاء (م :294 – 296 مدني)

الفرع الأول: تعريفها

تفترض الإنابة (وتسمى أيضا التفويض) وجود مدين ودائن وأجنبي، بحيث يتفق الدائن مع المدين على أجنبي يلتزم بالوفاء بالدين للدائن مكان المدين الأصلي، فمتى كانت نتيجة الاتفاق أن تبرأ ذمة المدين الأصلي من الدين بحيث يبقى الأجنبي وحده المسؤول عن الدين كنا أمام ما يسمى الإنابة الكاملة، أما إن أضيف المدين الجديد فقط إلى المدين الأصلي في تحمل الدين كنا أمام إنابة ناقصة أو قاصرة، ومثال الإنابة الكاملة أن يقرض أ 100 إلى ب ، ثم بعد فترة يشتري من ج بضاعة بقيمة 100، وبدل أن يدفع ثمنها إلى ج، يكلف مدينه ب لأن يلتزم بالوفاء بقيمة القرض إلى البائع ج مباشرة بعد الحصول على رضا هذا الأخير بهذه الإنابة ، بهذه الكيفية (أي بفعل الإنابة) ينقضي دين أ تجاه ج وينقضي دين ب تجاه أ، في نفس الوقت تنشأ علاقة قانونية جديدة بين المدين الجديد والدائن (أي بين ب وج).
هذا وإن كان الغالب أن يكون الأجنبي مدينا للمدين الأصلي إلا أن هذا ليس شرطا، كما لا يشترط أن يكون المدين الأصلي مدينا للدائن، بل قد يكون متبرعا له بمبلغ الدين في ذمة الأجنبي.

الفرع الثاني: شروطها

متى كانت الإنابة كاملة وجب إتفاق الأطراف الثلاثة عليها، مع سبق وجود علاقة مديونية صحيحة بين المدين الأصلي (المنيب) والدائن (المناب لديه) لأنه بغيرها لا يعقل أن يكون هناك تجديد للدين لأن هذا (أي الدين) غير موجود، وأن تتوافر نية التجديد لدى الدائن أي أنه يبرئ ذمة المدين الأصلي من دينه بكل توابعه ليحل محله دين المدين الجديد (المناب) وهذا على اعتبار أن عدم توافر تلك النية يجعل من الإنابة قاصرة فحسب.
ومتى كانت الإنابة قاصرة، وجب توافر الاتفاق الثلاثي هنا أيضا، لكن دون إشتراط توافر المديونية السابقة بين المنيب والمناب لديه لأنه لا وجود لتجديد الدين هنا.

الفرع الثالث: أثارها

أولا: أثار الإنابة الكاملة

أ) علاقة المدين الأصلي بالدائن

يترتب على الإنابة بهذا الشكل أن ينقضي الدين الذي كان في ذمة المدين الأصلي تجاه الدائن ولهذا السبب يعد هذا النوع من الإنابة تجديدا للدين بتغيير المدين، على أن المشرع قيد صحة الإنابة هنا أن لا يجد الدائن المدين الجديد الذي يرجع عليه بالدين معسرا وقت الإنابة، ومتى وجده كذلك بطلت الإنابة إما تأسيسا على الغلط (في صفة اليسار في المدين الجديد) أو التدليس، ويترتب على ذلك أن تبقى ذمة المدين الأصلي مشغولة بالدين كما كانت سابقا.

ب) علاقة المدين الأصلي بالمدين الجديد

متى وفى المدين الجديد بما عليه من التزام تجاه الدائن، فإنه يرجع بما وفاه على المدين الأصلي وهذا متى لم تكن بينهما علاقة مديونية سابقة، ورجوعه عليه في هذه الحالة يؤسس على دعوى وكالة أو فضالة أو إثراء بلا سبب بحسب الأحوال، أما إن كانت بينهما علاقة مديونية فإن وفاء المدين الجديد بما عليه تجاه الدائن يمثل في ذات الوقت وفاءا بما عليه تجاه المدين الأصلي وبالتالي ليس له الرجوع على المدين الأصلي بشيء يذكر.

ج) علاقة المدين الجديد بالدائن

بتمام الإنابة الكاملة ينقضي دين المدين الأصلي لينشأ مكانه دين المدين الجديد الذي لا علاقة له بالدين القديم، ولهذا السبب نجد أن الدفوع التي كان يمكن للمدين الجديد أن يتمسك بها تجاه المدين القديم (باعتباره دائنا له مثلا) ليس له أن يتمسك بها في مواجهة الدائن الجديد، إلا تلك الدفوع المستمدة في علاقة المدين القديم بالدائن، كبطلان إلتزام المدين القديم بطلانا مطلقا أو كان قد إنقضى.

ثانيا: أثار الإنابة القاصرة

إذا كانت الإنابة الكاملة تؤدي إلا انقضاء الالتزام الأصلي وبراءة مدينه منه ونشوء التزام جديد على عاتق المدين الجديد، فإن الإنابة القاصرة – وهي الأصل والأكثر شيوعا – تبقى على الالتزام الأصلي وتضيف لمدين الجديد إلى المدين الأصلي ، مما تمثل تأمينا شخصيا للدائن،والإنابة تكون قاصرة إما بسبب رفض للإنابة الكاملة أو لعدم وجود مديونية سابقة بين الدائن والمدين الأصلي.

أ) علاقة المدين الأصلي بالدائن

يعد كل من المدين الأصلي والمدين الجديد، مدين للدائن، إذ لا ينقضي دين المدين الأصلي إلا بقيام المدين الجديد بالوفاء بالدين للدائن، أو بقيام المدين الأصلي ذاته بذلك الوفاء، ولما كان للدائن مدينان، فإنه يستطيع أن يرجع على المدين الأصلي أولا أو على المدين الجديد أولا.

ب) علاقة المدين الأصلي بالمدين الجديد

متى وفى المدين الجديد بالدين للدائن، ولم يكن في ذات الوقت مدينا للمدين الأصلي ولم يقصد التبرع له بذلك الوفاء، فإنه يستطيع دائما الرجوع على المدين الأصلي بدعوى شخصية (الوكالة أو الفضالة أو الإثراء بلا سبب بحسب الأحوال).
أما إن كان المدين الجديد مدينا للمدين الأصلي وقام بذلك الوفاء، فإنه تقع مقاصة بين الدينين (أي ديني المدين الأصلي والمدين الجديد تجاه بعضهما البعض) على أن المدين الجديد إن وفى بذلك الدين قاصدا في نفس الوقت تجديد الدين بتغيير الدائن (أي بدل دائنه الأولى وهو المدين الأصلي ، يصبح لديه دائن جديد هو الذي يوفي إليه)، فإنه ليس له الرجوع على المدين الأصلي بشيء.

ج) علاقة المدين الجديد بالدائن

يعد المدين الجديد مدينا إضافيا بالنسبة للدائن، وبالتالي لهذا الأخير الرجوع على أي المدينين شاء، ومتى وفى المدين الجديد بالدين انقضى دين المدين الأصلي والجديد معا، هذا مع ملاحظة أن مصدر دينها مختلف : فمصدر دين المدين الأصلي هو علاقة الدائنية الأصلية التي بينه وبين الدائن، أما مصدر دين المدين الجديد فعقد الإنابة هذا والدفوع التي يجوز للمدين الجديد أن يدفع بها هي نفسها التي سبق ذكرها بصدد الإنابة الكاملة.

المطلب الرابع: المقاصة (م: 297 إلى 303 مدني)

الفرع الأول: تعريفها وأنواعها

يقصد بالمقاصة أن يكون لمدين دائنا لدائنه في نفس الوقت، فيترتب عن ذلك أن يعتبر الدائن قد استوفى ماله عند مدينه، بما عند مدينه تجاهه هو وعلى هذا تعد المقاصة أداة وفاء بالدين، ثم هي ضمان للدائن العادي، إذ بالمقاصة يستوفي دينه قبل غيره من الدائنين ودون منافستهم له.
والمقاصة إما أن تكون قانونية وإما أن تكون قضائية أو اتفاقية.

الفرع الثاني : المقاصة القانونية

وسميث بذلك لأنه متى توافرت شروطها التي نص عليها المشرع وقعت بقوة القانون بمجرد أن يتمسك بها أحد المدينين.

أولا : شروطها

أ) تقابل الدينان
ويقصد بذلك أن يكون كل من طرفي المقاصة دائنا ومدينا للآخر بصفتيهما الشخصية وهذا ما يفسر عدم إمكان وقوع لمقاصة عندما يكون أحد أطرافها دائنا أو مدينا لكن بصفته وليا على قاصر أو بصفته شريكا في شركة أو وارثا.
ب) تماثل محل الدينين
ويقصد بهذا أن المقاصة لا تقع إلا بين محال متماثلة أو مثيلة وهذا كالنقود مثلا وباقي الأشياء المثلية متى كانت من نوع واحد وجودة واحدة (كالقمح أو الأرز ...).وعلى هذا لا تقع مقاصة بين أشياء معينة بذاتها، ولا بين نقود وأشياء مثلية كقمح، ولا بين التزامات محلها القيام بعمل أو الامتناع عنه.
ج) – خلو الدينين من النزاع
ولا يكون الدين كذلك إلا أن يكون محدد المقدار من جهة، وثابت في ذمة المدين من جهة أخرى بحيث لا تقوم بشأنه منازعة جدية في ثبوته، ولا يكون الدين معلوم المقدار إذا كان متعلقا بتعويض ترتب على عمل ضار مثلا، أو مبلغ توقف تحديده على خبرة، أو على تصفية تركة ولم يقع أيا من ذلك. والمنازعة في الدين تحصل حينما يرفع النزاع إلى القضاء، لكن ليس هذا شرطا لازما.
د) – أن يكون الدينان مستحقي الوفاء
لما كانت المقاصة نوع من الوفاء الإجباري، ولما كانت القاعدة أن لا يجبر المدين على الوفاء بدين لم يستحق بعد، فإنه يشترط في الدين المراد المقاصة فيه أن يكون واجب الأداء – وتبعا لما قيل لا تجوز المقاصة بين دين حال الأداء وآخر مؤجل، أجلا قانونيا أو اتفاقيا، أما الأجل القضائي (نظرة الميسرة (م: 210 مدني)) فلا يمنع المقاصة.

ثانيا – موانعها

تمتنع المقاصة أحيانا لأسباب قد تعود إلى المحافظة على مصلحة أحد الطرفين فيها أو مصلحة الغير، فهي ممتنعة بسبب أحد الطرفين متى تعلق الأمر بأموال غير قابلة للحجز عليها (كدين النفقات أو المعاشات وأجور العمال) أو دين تمثل في رد عارية أو وديعة أو شيء أخر أنتزع من يد مالكه دون وجه حق، خاصة وأنه في مثل هذه الحالات لا تكون الديون المراد إجراء المقاصة بشأنها متماثلة ولا خالية من النزاع.
ونفس الحكم ينطبق أيضا (أي امتناع المقاصة) ولو هلكت تلك الأشياء فترتب في ذمة المدين بردها دينا تمثل في تعويض ما أتلفه.
وقد تمتنع المقاصة أيضا حفاظا على حقوق الغير، من ذلك أن يوقع الغير حجزا تحت يد المدين، ثم يصبح هذا المدين دائنا لدائنه بعد أن وقع الحجز، فليس لهذا المدين أن يتمسك تجاه الحاجز بالمقاصة بينه وبين دائنه، ونفس الشيء يقال عن الحالة التي تتم فيها حوالة حق، ويقبل المدين (المحال عليه) الحوالة دون تحفظ، فليس له بعدها أن يتمسك تجاه المحال له بالمقاصة بين دينه ودين المحيل على اعتبار أن قبوله للحوالة فيه إقرار بعدم وجود المقاصة أو فيه معنى التنازل عن التمسك بها.

ثالثا – آثارها

يترتب على توافر شروط المقاصة القانونية انقضاء الدينين لكن بقدر الأقل منهما متى كان مقدار أحدهما أكبر من الآخر، ومتى انقضى الدينان انقضت معه توابعه أو ضماناته كالرهن والكفالة وغيرها، وبالرغم من أن المقاصة (أي انقضاء الدينين) تقع بقوة القانون إلا أن المشرع يقرر أنها لا تقع إلا إذا تمسك بها من له مصلحة فيها، وليس للقاضي بالتالي أن يثيرها من تلقاء نفسه، لكن يجوز لمن له الحق في التمسك بها أن ينزل عنها صراحة أو ضمنا بعد أن تكون قد توفرت شروطها، ويترتب على هذا النزول زوال انقضاء الدينين بأثر رجعي.

الفرع الثالث: المقاصة القضائية

يتم اللجوء إلى هذه المقاصة حينما لا يتوافر أحد شرطي المقاصة القانونية : الخال من النزاع ومعلومية المقدار أو هما معا، أما باقي الشروط فيجب توافرها حتما، وتتم هذه المقاصة بمعرفة القضاء ومنه استمدت تسميتها، بحيث يثيرها المدعي عليه الذي يطالب بدين معين، في شكل طلب عارض يرد به دعوى المدعي، بحيث يطلب من القضاء أن يسقط الدين المدعي به قصاصا.
مثال ذلك أن يرفع مؤجر دعوى ضد مستأجر يطالبه فيها بأداء مبلغ الإيجار، فيرد هذا طلبه مدعيا من جهته أن له تعويضا في جانب المؤجر كون أن أحد تابعي المؤجر قد سبه أو شتمه، فدين التعويض هذا غير خال من النزاع وكان يجب عدم الاستجابة لطلب المقاصة، إلا أن القضاء يتولى ذلك متى رأي القاضي أن المستأجر محق في دعواه، وبالتالي يتولى تقدير التعويض ويجري مقاصة بينه وبين دين المؤجر، وهذا المثال يبين أن القاضي يستطيع دائما أن لا يستجيب لطلب المقاصة متى لم تقنعه أدلة المدعي عليه أو قدر أن الفصل في طلب المقاصة يؤخر الفصل في الدعوى الأصلية.
ومتى قضى القاضي بالمقاصة انقضى الدينان بقدر الأقل منهما مع تأميناتهما، أما أثرها فيرتد إلى وقت نشوء الدينين عند البعض وإلى صدور حكم القاضي عند البعض الآخر من الفقه والقضاء أيضا.

الفرع الرابع: المقاصة الاتفاقية

وهذه تتم باختيار أطرافها حينما لا تتوفر شروط المقاصة القانونية، وعلى هذا الأساس تجوز هذه المقاصة ولو تخلف شرط التماثل بين الديون (نقود بقمح) أو الخلو من النزاع أو الاستحقاق (دين حال وأخر مؤجل) أو التقابل (بين كفيل المدين ودائن المدين) .. على أن هذه المقاصة متى وقعت فإنها تسري من تاريخ الاتفاق عليها، وتطبق بشأنها باقي أثار المقاصة كانقضاء الدينين بقدر الأقل منهما مع تأميناتهما.

المطلب الخامس: اتحاد الذمة (م: 304 مدني)

يقصد باتحاد الذمة أن تجتمع في شخص وفي ذات الدين صفتا الدائن والمدين، فيترتب عن ذلك أن ينقضي الدين بالقدر الذي اتحدت فيه الذمة، وغالبا ما يقع اتحاد الذمة بسبب الميراث بحيث يكون لوارث دائنا أو مدينا : فمتى كان الوارث مدينا، فمعنى ذلك أنه صار دائنا لنفسه بمقدرا الدين، فينقضي بالتالي دينه باتحاد الذمة وهذا إذا كان وارثا وحيدا، أما إن كان معه وارثا آخر فإنه يرث نصف الدين وينقضي نصف الدين باتحاد الذمة، ويبقى مدينا بالنصف الثاني للوارث الآخر، ثم يرث نصف التركة الباقية.
أما إن كان الوارث دائنا، فبالميراث يصير دائنا للتركة ومدينا لنفسه، ولما كانت التركة مدينة، فإن الوارث لا يرثها حتى تقضى ديونها وبالتالي ينقضي دين هذا الوارث بالوفاء من التركة، ثم يستوفي الوارث نصيبه من الرتكة، ويلاحظ في هذه الصورة الثانية أنه لم تجتمع في الوارث صفتا الدائن والمدين بسبب القاعدة الفقهية " لا تركة إلا بعد سداد الديون " ولذلك لم يتحقق إتحاد الذمة.
وقد تتحد الذمة لا بفعل الميراث بل بسبب تصرف قانوني، وخير مثال على ذلك ما نصت عليه (م : 400 مدني) بصدد بيع الحقوق المتنازع فيها، فالدائن قد يختار التنازل عن دينه الذي في ذمة مدينه لشخص معين مقابل مبلغ مالي، فيعمد لمدين – بموجب دعوى قضائية – إلى استرداد الذي تم التنازل عنه وهذا بدفع المقابل الذي دفعه المتنازل له للدائن، ومتى تحقق ذلك يكون المدين قد اجتمعت فيه صفة الدائن أيضا وبالتالي صار دائنا ومدينا لنفسه فينقضي دينه باتحاد الذمة.
ويترتب على اتحاد الذمة انقضاء الدين بالقدر الذي اتحدت فيه الذمة ومعه الضمانات التي كانت تكلفه، هذا ومتى زال السبب الذي كان وراء اتحاد الذمة (كالميراث أو الوصية أو الاسترداد أو تصرف آخر) فإن الدين الذي انقضى باتحاد الذمة يعود من جديد بفعل الأثر الرجعي متى كان لزوال ذلك السبب أثرا رجعيا وتعود مع الدين التأمينات التي كانت تضمنه.

المرجع:


  1. أ. دربال عبد الرزاق، الوجيز في أحكام الالتزام في القانون المدني الجزائري، دار العلوم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004، من ص 89 إلى ص 107.
google-playkhamsatmostaqltradent