الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي

الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي

ويتكون من فرعين:
الفرع الأول: تعريف الفقه الإسلامي.
الفرع الثاني: علاقة الشريعة الإسلامية بالفقه الإسلامي

الفرع الأول: تعريف الفقه الإسلامي

يقصد بالفقه لغة الفهم والعلم بالشيء، كما في قوله تعالى: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ).
ثم استعملت كلمة الفقه في الاصطلاح للدلالة على الإحاطة بأمور الدين كلها سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو الأخلاق أو الأحكام العملية، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
لكن الوضع قد تغير فيما بعد إذ اصطلح الفقهاء وعلماء الأصول على تعريف الفقه بأنه: "العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية".
وعليه، فمن الضروري توضيح المصطلحات الواردة في هذا التعريف:
العلم: هو الفهم.
الأحكام الشرعية: هي خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل الاقتضاء أو التخيير أو الوضع، وعلى ذلك تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين: أحكام تكليفية وأحكام وضعية.
فالحكم الشرعي التكليفي مقتضاه أن الشارع يجعل الشيء واجبا أو محرما أو مندوبا أو مكروها أو مباحا.
الواجب: هو ما طلب الشارع فعله من المكلف على وجه الإلزام كالصيام والصلاة والوفاء بالعقود وأداء الأمانة.
المحرم: هو ما طلب الشارع من المكلف الكف عنه على وجه الإلزام كتحريم الزنا وشرب الخمر والزواج بالمحارم والفوائد الربوية.
المندوب: هو ما طلب الشارع من المكلف فعله على وجه التفضيل، لا الإلزام كالإشهاد على عقد البيع أو الوصية للفقراء من الأقارب.
المكروه: هو ما طلب الشارع من المكلف تركه على وجه الترجيح لا الإلزام كالامتناع عن الأضحية مع القدرة والبيع في المسجد ورد الهبة دون مانع شرعي.
المباح: هو ما خير الشارع المكلف بين فعله وتركه كالقيام بتصرف شرعي ما من بيع وإجارة ومزارعة.
أما الحكم الشرعي الوضعي فمفاده أن يتحقق شيء ما إذا توفر سبب أو شرط أو مانع.
فجعل الله رؤية هلال رمضان سببا في الصوم وجعل ملكية العاقد للمعقود عليه شرطا لصحة البيع وجعل قتل المورث مانعا من الإرث.
أما العملية: فهي المتعلقة بأفعال المكلفين من عبادات ومعاملات كوجوب الصلاة والزكاة وتحريم الاعتداء على المال والدم والعرض.
وبهذا يخرج عن دائرة الفقه ما يختص بالعقيدة والأخلاق.
أما المستنبطة: فيراد منها المتوصل إليها عن طريق الاستدلال أو إعمال الأدلة، والأدلة نوعان:
أدلة إجمالية: وهي مصادر التشريع الإسلامي المتمثلة في القرآن والسنة والإجماع والقياس والتي نرجع إليها لاستقاء الأحكام الشرعية.
وأدلة  تفصيلية: وهي الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي ترشدنا بإعمال العقل والاجتهاد إلى معرفة أحكام أفعال المكلفين من عبادات ومعاملات، فعندما يقول الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)، نعلم أن الصلاة والزكاة واجبتان.
وعندما يقول: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) فهذا يقتضي وجوب الإحسان إلى الوالدين، وقوله: (وَلَا تَجَسَّسُوا) يفيد تحريم التجسس، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، يقتضي الكف عن إتيانها لأنها حرام، كذلك عندما نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، أو يخطب على خطبة أخيه، فيدل على أن الرجل الذي يبيع على بيع أخيه أو يخطب على خطبة أخيه قد وقع في الحرام.

الفرع الثاني: علاقة الشريعة بالفقه

سبق الذكر أن الشريعة الإسلامية تنظم كل مجالات الحياة ما دامت تشمل الأحكام الاعتقادية والأخلاقية والعملية، كما أشرنا إلى أن الفقه يتعلق بالأحكام العملية فقط والمتمثلة في أحكام العبادات والمعاملات وعليه، فإن الفقه مستغرق في الشريعة، وبالتالي فالشريعة أعم وأشمل من الفقه.
إن الفقه كعلم بالأحكام الشرعية العملية، يعتمد على نصوص الشريعة المتمثلة في القرآن والسنة وعلى المصادر الأخرى التي اعترفت لها الشريعة بالحجية والاعتبار كالإجماع والقياس.
إن الشريعة الإسلامية كوحي إلهي والمتمثلة في القرآن والسنة لا يجوز مخالفة الأحكام القطعية التي تتضمنها والتي أراد الله أن يتفق المسلمون بشأنها في كل زمان ومكان سواء تعلق الأمر بالأحكام الاعتقادية أو التهذيبية أو العملية، ومن ذلك قوله تعالي: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وقوله: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"، كل هذه الأحكام تجب مراعاتها مهما اختلف الزمان والمكان ولا يجوز البتة مخالفتها بدعوى حل الضرائب محل الزكاة أو استعمال الواقي (préservatif) أو عدم تبديل الشريك (ne pas changer de partenaire) للوقاية من مرض السيدا أو استعمال كلمة فائدة أو بيع عندما يتعلق الأمر بالربا أو كما فعل اليهود عندما حرم الله عليهم شحوم الميتة والبقر والغنم "جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه"، وهو ما استنكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: "قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه"، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال ذلك عندما قيل له: "يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟"، وعليه لا مجال للتحايل أو ادعاء الاجتهاد عندما يكون النص قطعيا، ومن يفعل ذلك فقد تعدى حدود الله فليحذر نفسه لأن الله تعالى يقول: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ).
أما ما عدا ذلك أي ما يندرج في إطار الاجتهاد والرأي، حيث لا يوجد نص أصلا أو يوجد نص، لكنه يحتمل التأويل، ففي هذه الحالة فالمجال مفتوح للفقهاء لاستنباط الأحكام الشرعية بإعمال العقل والاستدلال، ومما لا شك فيه أنه لا مناص من الاختلاف بينهم في حكمهم على الأشياء، فمثلا اختلفوا بشأن توليه المرأة الإمامة الكبرى والوزارة والقضاء، واختلفوا بخصوص قتل المرتد عن الإسلام... إلخ، وإذا كان المسلمون لا يحل لهم مخالفة الأحكام الفقهية التي لها طابع التشريع أو الوحي الإلهي كما أسلفنا، فإنهم في هذه الحالة غير ملزمين برأي هذا الفقيه أو ذاك إذا كان هناك رأي آخر ذو دليل أقوى، هذا من الناحية النظرية، لكن الفقهاء المسلمين مهما اختلفوا فإن آراءهم تبقى محل تقدير المسلمين كافة.

المرجع:

  1. د. أعمر يحياوي، الخصائص العامة للشريعة الإسلامية، نموذج من الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم، دار هومة، الجزائر، 2009، من ص18 إلى ص 24.
google-playkhamsatmostaqltradent