أثار عقد الهبة

أثار عقد الهبة 

أثار عقد الهبة

يترتب على انعقاد الهبة إذا استوفت لجميع الأركان و الشروط المنصوص عليها في المادة 206 من قانون الأسرة ، آثارا قانونية، والأصل في عقد الهبة انه عقد ملزم لجانب واحد، تلزم شخص الواهب دون الموهوب له إذا تمت بدون عوض، ولكن قد تلزم الموهوب له إذا اشترط الواهب عوضا لهبته، ومن ثم أصبحت عقد الهبة على هذا النحو ملزما لجانبين .

ومن الملاحظ عليه أن قانون الأسرة الجزائري الذي أورد أحكام الهبة، لم يذكر شيئا من التزامات الواهب والموهوب له، مما يستدعي الأمر تطبيق القواعد العامة المقررة في عقد البيع على اعتبار أن عقد الهبة يتفق مع عقد البيع في أن كلاهما من عقود التصرف الملزمة لجانبين إذا كانت الهبة بعوض

المطلب الأول: التزامات الواهب

يقع على عاتق الواهب أن ينقل ملكية الشيء الموهوب ، و أن يقوم بتسليمه للموهوب له ، سواء وقعت الهبة على كل ممتلكات الواهب أو في جزء منها ، أو في منفعة أو في دين لدى الغير .

كما يقع على الواهب ضمان التعرض و الاستحقاق و ضمان العيوب الخفية في حالات معينة كما سيتم بيانه لاحقا .

الفرع الأول: الالتزام بنقل ملكية الشيء الموهوب

تنشئ عقد الهبة ، التزاما في ذمة الواهب ، بنقل ملكية الشيء الموهوب إلى الموهوب له ، و هذا الالتزام ينفذ فورا بحكم القانون استناد إلى نص المادة 202 من قانون الأسرة و المواد 165 ، 166 و 793 من القانون المدني .

وعليه ، إذا كان الشيء الموهوب عقارا فإن ملكية هذا الشيء لا ينتقل في مواجه المتعاقدين أو في حق الغير إلا إذا تم شهر عقد الهبة لدى المحافظة العقارية المختصة إقليميا ، فإذا مات الواهب انتقلت ملكية العقار إلى ورثته و أصبح جزءا من التركة ، يجوز التصرف فيه ، ذلك أن الموهوب له لا يصبح مالكا للشيء الموهوب ما دام أن عقد الهبة لم يشهر ، و يسري في غياب هذا الإجراء جميع الآثار القانونية التي تترتب عن عقد الهبة ما عدا الأثر العيني المتمثل في نقل ملكية الشيء الموهوب ، فيلتزم الواهب بموجب عقد الهبة غير المشهر بتسليم العقار إلى الموهوب له ، مع ضمان عدم التعرض و الاستحقاق و العيوب الخفية، ويلتزم الموهوب له بموجب عقد الهبة غير المشهر بالوفاء بالعوض إذا كان مشترطا في الهبة ، و التزاما بتسلم العقار الموهوب و دفع مصاريف تحرير العقد   .

وإذا كان الشيء الموهوب منقولا ، فإن الملكية في المنقول المعين بالذات تنتقل بالقبض و بالحيازة الفعلية و هذا ما نصت عليه المادة 206 من قانون الأسرة ، و إذا كان المنقول الموهوب غير معين بالذات كهبة عشرة قناطير من القمح ، فلا تتم الهبة و لا تنتقل الملكية فيها إلا بالإفراز استنادا إلى نص المادة 166 من القانون المدني باعتبارها قاعدة عامة يسوغ الأخذ بها لغياب النص على هذا الحكم في قانون الأسرة   .

أما المنقول الذي يستلزم القانون بشأنه إجراءات خاصة لنقل الملكية كإحالة الأسهم و السندات بطريق الهبة ، فنصت المادة 700 من القانون التجاري على وجوب إحالة الأسهم في شكل رسمي تحت طائلة البطلان و أن يتم دفع الثمن بين يدي الموثق الذي يقوم بتحرير العقد ، كما نصت المادة 49 من القانون البحري على العقود المنشئة أو الناقلة لحق ملكية أو الحقوق العينية الأخرى المترتبة على السفن أو حصصها ، فيجب أن تثبت تحت طائلة البطلان بسند رسمي ، مع إلزامية قيدها في سجل السفينة   .

الفرع الثاني: الالتزام بتسليم الشيء الموهوب

يلتزم الواهب بتسليم محل عقد الهبة و محل التسليم هو الشيء الموهوب بالحالة التي كان عليها وقت صدور الهبة ما لم يكن هناك اتفاق مخالف لذلك ، كما يلتزم الواهب بتسليم الموهوب حسب المقدار الذي عين له في العقد ، فإذا نقص كان الواهب مسئولا عن هذا النقص و إذا زاد عن المقدار المحدد فإن الزيادة للواهب لا للموهوب له إذا كان الموهوب قابلا للتبعيض ، أما إذا كان غير قابل للتبعيض فالزيادة للموهوب له دون مقابل ، و يلتزم الواهب أيضا بتسليم الموهوب بالملحقات التي تتبعه كحقوق الارتفاق مثلا   .

فإذا لم يكن الموهوب له قد تسلم الشيء ، أو تحت حيازته ، فإن الواهب يلتزم بتسليمه ، و هذا الالتزام فرع عن التزامه بنقل الملكية ، فإذا كان الموهوب عقارا وجب على الواهب وضعه تحت تصرف الموهوب له حتى يتمكن هذا الأخير من حيازته و هذا هو التسليم الفعلي الذي تقرره المادة 206 من قانون الأسرة بنصها: " تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول و تتم بالحيازة ... " .

وبناء عليه، إذا كان الموهوب دارا يسكنها الواهب، وجب عليه تخليتها بالخروج منها أو تسليم مفاتيحها، وإن كان الموهوب ارض زراعية وجب على الواهب تركها و أخذ ما له فيها من مواشي و آلات زراعية، حتى يتمكن الموهوب له من السيطرة الفعلية المادية على الموهوب، وهو المبدأ الذي سارى عليه الاجتهاد القضائي في العديد من قراراته نذكر منها القرار الصادر بتاريخ 11/01/1982 تحت رقم 25554   .

أما إذا كان الموهوب منقولا  و يتطلب إجراءات خاصة في نقله ، فان التسليم للموهوب لا يتم إلا بعد استيفاء الإجراءات أمام الجهات المعنية (الموثق ، الإدارة) حتى يتمكن الموهوب له من حيازة الموهوب حيازة فعلية، وبخصوص المنقولات التي لا تتطلب في نقلها إجراءات إدارية خاصة، فيكفي أن يتم التسليم بالقبض، أي بوضع الموهوب تحت يد الموهوب له و تمكينه منه دون أي تعرض .

وإذا كان الموهوب في حيازة الموهوب له قبل الهبة بوصفه مستأجرا أو مستعيرا أو مودع عنده، فلا يحتاج هذا الأخير إلى الاستيلاء المادي للموهوب ليتم التسليم ، و إنما يحتاج إلى اتفاق مع الواهب ببقاء الموهوب تحت حيازته كمالك له عن طريق الهبة، وإذا كان الموهوب بيد الغير وجب على الواهب إخبار الموهوب له حتى يتمكن من وضع يده على الشيء الموهوب ، و هذا تطبيقا لنص المادة 207 من قانون الأسرة .

وفي حالة إخلال الواهب بالتزام التسليم ، جاز للموهوب له أن يطالبه قضائيا بالتنفيذ العيني إذا كان ممكنا، فيجبره على تسليمه للشيء الموهوب ما لم يكن للواهب حق الرجوع في الهبة ، أما مسألة فسخ الهبة لعدم التسليم فلا مصلحة للموهوب له في ذلك، إلا إذا أراد التخلص من التزام فرضته الهبة  كعوض أو شرط .

والإخلال بالتزام التسليم ، قد تتبعه مسألة تحمل تبعة هلاك الشيء الموهوب ، فالسؤال المطروح: على من يقع عبء ذلك ، هل يتحملها الواهب أم الموهوب له؟

لم ينضم المشرع الجزائري مسألة تبعة هلاك الشيء الموهوب قبل التسليم ، على عكس المشرع المصري في المادة 496 من القانون المدني بنصها "لا يكون الواهب مسئولا إلا عن فعله العمد أو الخطأ الجسيم"، مما يعني أنه إذا هلك الشيء الموهوب قبل تسليم  كليا او جزئيا بفعل الواهب و كان متعمدا إتلاف ذلك أو ارتكب الخطأ الجسيم ، فإنه يلتزم بتعويض الموهوب له ما لم يكن له حق الرجوع في الهبة ، فيسقط التعويض، ومن ثم لا يسأل الواهب عن الخطأ اليسير .

أما إذا هلك الشيء الموهوب بسبب أجنبي لا دخل للواهب فيه لأن تبعة الهلاك تقع على الموهوب له لا على الواهب خلافا للبيع ، ذلك أن الهبة عادة ما تكون عقدا ملزما لجانب الواهب فتنفسخ الهبة لاستحالة تنفيذها ولا يقابلها أي التزام من جانب الموهوب له ، أما إذا كانت الهبة بعوض ، فإن الموهوب له يتحلل من التزامه بانفساخ الهبة لاستحالة تنفيذها وفقا للمادة 121 من القانون المدني المعدل و المتمم .

و فيما يخص أحكام التسليم فإنه يسري على الالتزام بالتسليم في الهبة ما يسري على الالتزام بالتسليم في البيع المقرر في القواعد العامة .

الفرع الثالث: الالتزام بضمان التعرض و الاستحقاق

لقد أغفل المشرع الجزائري في قانون الأسرة ، التطرق إلى لأحكام ضمان التعرض و الاستحقاق من قبل الواهب ، و بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية نجدها تقتضي أن الواهب لا يضمن للموهوب له لا التعرض الصادر من الغير و لا الاستحقاق المترتب عليه، غير أن التشريعات المدنية العربية تجعل الواهب ضامنا للتعرض و الاستحقاق ، فيضمن الواهب التعرض الصادر منه ، بأن يمتنع عن كل عمل من شأنه التعرض للموهوب له، فلا يجوز للواهب القيام بأعمال مادية يتعدى بها على حقوق الموهوب له، كما لا يجوز له القيام بتصرفات قانونية من شأنها أن تسلب الموهوب له حقوقه، باستثناء ممارسة حقه في الرجوع في الأحوال التي يجوز فيها ذلك، كما يضمن الواهب التعرض الصادر من الغير الذي يدعي حقا على الشيء الموهوب، وذلك خلافا إلى ما ذهب إليه بعض فقهاء الشريعة الاسلامية   .

ولا يحق للموهوب له أن يرجع على الواهب بضمان الاستحقاق إلا إذا تعمد الواهب إخفاء سبب الاستحقاق أو كانت الهبة بعوض ، كأن يخفي الواهب مثلا وثائق تثبت حق الغير في الشيء الموهوب، وهذا ما نصت عليه المادة 494 من القانون المدني المصري: "لا يضمن الواهب استحقاق الشيء الموهوب إلا إذا تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو كانت الهبة بعوض، وفي هذه الحالة يقدر القاضي الموهوب له تعويضا عادلا لما أصابه من ضرر ، و في الحالة الثانية لا يضمن الواهب الاستحقاق إلا بقدر ما أداه من عوض  ..."

الفرع الرابع: الالتزام بضمان العيوب الخفية

اجتمع فقهاء الشريعة الإسلامية على أن الواهب لا يضمن العيوب الخفية في الشيء الموهوب باعتباره تبرعا محضا، وبالرجوع إلى التشريعات المدنية المقارنة كالقانون المدني المصري والسوري والليبي  نجدها قد أقرت بأن الواهب لا يضمن العيوب الخفية في الشيء الموهوب، ومع ذلك و كاستثناء يضمن الواهب العيوب الخفية في حالة ما إذا تعمد إخفاء العيب، وكان العيب مؤثرا و خفيا يصعب رؤيته بالعين المجردة ، كان يهب الواهب منزلا مهددا بالسقوط في أي لحظة بسبب عيب خفي فيه، فإذا حدث هذا يستحق الموهوب له تعويضا عما يصيبه من ضرر في أثاثه و ممتلكاته، ولا يستحق تعويضا عن  الضرر الذي أصاب المنزل في حد ذاته، كما يكون الواهب ضامنا للعيوب الخفية في حالة وجود اتفاق سابق بينه وبين الموهوب له على الضمان

المطلب الثاني: التزامات الموهوب له

اختلفت القوانين الوضعية في تحديد التزامات الموهوب له ، فنجد المشرع الفرنسي يفرض على الموهوب له الالتزام بالاعتراف بالجميل ، في حين نجد المشرع المصري يفرض الالتزام بأداء العوض عند اشتراطه ، أما عن المشرع الجزائري ، و بطريق الاستنتاج الوارد في نص المادة 202/ 2 من قانون الأسرة نجده قد تطرق  إلى التزامات الموهوب له في الالتزام بالشرط المقابل أو العوض، وطبقا للقواعد العامة يلتزم الواهب بتسلم الشيء الموهوب و نفقات إبرام عقد الهبة ، نبين ذلك فيما يلي:

الفرع الأول: الالتزام بأداء الشرط أو العوض

إذا اشترط الواهب في هبته شرطا مضمونه التزام يقوم به الموهوب له أو عوض يقدمه له ، فيقع هذا الالتزام على عاتق الموهوب له ، و قد قضت المادة 202/2 من قانون الأسرة على هذا بنصها "يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف على انجاز الشرط "، و يستفاد من هذا النص أنه يجوز تعليق الهبة على شرط واقف أو فاسخ يلتزم به الموهوب له ، فلا تكون الهبة نافذة إلا بتنفيذ الموهوب له لهذا الشرط، وقد يكون العوض المشترط لمصلحة الواهب أو لمصلحة الغير أو للمصلحة العامة، على أن يكون العوض أقل من قيمة المال الموهوب حتى يكون الفرق بين القيمتين هبة محضة   .

وتجدر الإشارة إلى أن امتناع الموهوب له عن القيام بالالتزام الوارد في عقد الهبة ، جاز للواهب أو ورثته إما المطالبة بتنفيذ الالتزام ، و إما المطالبة بفسخ الهبة و استرداد أو استحقاق الشيء الموهوب وفقا للقواعد المقررة في القانون المدني لاسيما المادة 119 منه .

الفرع الثاني: الالتزام بتسلم الشيء الموهوب

يقابل التزام الواهب بتسليم العقار للموهوب له ، التزام الموهوب له بتسلمه ليصبح تحت حيازته و يتمكن من الانتفاع به على النحو الذي يقتضيه طبيعة الشيء الموهوب ، و التسلم إما أن يكون فعليا ، و إما أن يكون حكميا ، فالموهوب له الذي يحوز الشيء الموهوب قبل إبرام عقد الهبة بصفته مستأجرا أو مرتهنا أو مستعيرا لا يحتاج إلى تسلم جديد و هذا ما يستشف من نص المادة 207 من قانون الأسرة .

الفرع الثالث: الالتزام بنفقات إبرام عقد الهبة

تشمل نفقات الهبة أتعاب الموثق و رسوم التسجيل و مصاريف الشهر العقاري ، و كأصل عام و طبقا لقواعد القانون المدني فإنها تقع على عاتق الموهوب له، و يجوز الاتفاق على أن يتحمل كل من الواهب و الموهوب له نفقات الهبة ، قياسا على نص المادة 393 من القانون المدني، و غالبا ما يتحمل الواهب هذه النفقات حتى ينتقل الشيء الموهوب خالصا من كل تكليف و من أية نفقة أو مصاريف ، و لذلك يجوز الاتفاق على أن يتحمل الواهب مصاريف عقد الهبة   .

المرجع:

د. كحيل حكيمة، مطبوعة بيداغوجية تحت عنوان: عقد الهبة، موجهة لطلبة الماستر، تخصص: قانون الأسرة، جامعة الجيلالي بونعامة- خميس مليانة- كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، السنة الجامعية: 2017/ 2018، ص 46 إلى ص54.

google-playkhamsatmostaqltradent