ماهية القانون الجنائي

ماهية القانون الجنائي 

ماهية القانون الجنائي

القانون الجنائي جزءٌ من النظام القانوني العام الذي هو مجموع القواعد القانونية السّائدة في الدّولة، والتي تختلف باختلاف الموضوعات التي تنُظمها. فكيف عرّف الفقه القانون الجنائي؟ وما هي الخصائص التي تمُيزّه عن غيره من القوانين؟ وما هي أنواع القواعد التي تشُكل مضمونه؟ وهل لهذا القانون ارتباط بالعلوم والفروع القانونية الأخرى؟

المطلب الأوّل: مفهوم القانون الجنائي

ـ بالمعنى الواسع يعُرّف القانون الجنائي بأنهّ "مجموع القواعد التي تحُدّد النظام القانوني للفعل المُجرّم وردّ فعل المُجتمع إزاء مُرتكب هذا الفعل بتطبيق عقوبة أو تدبير أمن، والقواعد الإجرائية التي تنُظمّ الدعوى الجزائية". 

وبهذا ينقسم القانون الجنائي إلى قسمين هما القانون الجنائي الموضوعي ويسُمّى قانون العقوبات، والقانون الجنائي الشكلي أو الإجرائي ويسُمّى قانون الإجراءات الجزائية.

ـ بالمعنى الضيقّ هو القانون الجنائي الموضوعي أي قانون العقوبات وهو مجموع القواعد القانونية الخاصّة التي تنُظمّ الجريمة والعقوبة والتدبير الاحترازي، من حيث المبادئ العامّة المُطبقّة على كل الجرائم، ومن حيثُ الأحكام الخاصّة بكل جريمة على حدة.

الفرع الأول: تعريف القانون الجنائي الموضوعي وتسمياته المختلفة:

كيف عرّف الفقه القانون الجنائي الموضوعي؟ وما سرّ تسمياته المُختلفة لدى الفقه والتشريع؟

أوّلا: تعريف القانون الجنائي

يتكوّن مُصطلح هذه المادّة من لفظين "القانون" "الجنائي"

ـ القانون: "مجموع القواعد العامّة والمُجرّدة التي تنُظم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع على نحوٍ مُلزمٍ.

ـ الجنائي: لغة مشتق من الجناية التي تطلق على كل ما يجنيه الإنسان من شرور وآثام. فيقُالُ جنىَ الشَّخْصُ، أي أذنب وارتكبَ جُرْما.

ـ في الاصطلاح الشرعي تعُرّف الجناية بأنهّا "إسمٌ لفعل مُحرّم حلّ بمالٍ أو نفسٍ أو غير ذلك" كالجناية على المال بالنصب والسرّقة، والجناية على النفس والأطراف بالقتل والجرح. وهي مُرادفة للفظ الجريمة ،التي عرّفها الفقه بأنهّا محضورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير أو قصاص.

ـ في الصطلاح القانوني القانون الجنائي هو قانون الجرائم يهتمُّ بالجريمة ومُعاقبة مُرتكبيها. ولذلك يعُرّفه الفقه بأنهّ "مجموع القواعد القانونية التي تحُدّد الجرائم، والعقوبات وتدابير الأمن التي توُقع على مُرتكبيها". 

أهداف القانون الجنائي:

باعتباره جزء من النظام القانوني في الدّولة يسعى القانون الجنائي إلى إقرار قواعد سلوك تحُقق الأمن في المجتمع عن طريق وضع القواعد التجريمية التي تحظر أنماط السلوك التي من شأنها تهديد المجتمع بالضرر وإحداث الاضطراب الاجتماعي، أو تعريض أمنه للخطر، مع تفريد الجزاء المناسب والمكافئ لما وقع من اعتداء.

وضمن هذا المسعى العام في دفع حركة المُجتمع نحو التطور والإزدهار. يكمن دور القانون الجنائي في تأدية الوظائف التالية:

1ــ  يحُدّد الإطار الذي ينبغي أن يكون عليه نشاط الأشخاص الطبيعية والمعنوية حتىّ لا يتعرّضوا للمسؤولية الجنائية لأنهّ يحُدّدُ الوقائع التي تعُدُّ جرائم، والآثار القانونية المُترتبّة عنها وهي الجزاء الجنائي المُطبقّ على مُرتكبيها.

2ــ يكفل حماية فعّالة للحقوق والمصالح الأساسية الجماعية والفردية بأنواعها المادّية والمعنوية.

3ــ يوُفرّ الأمن والطمُأنينة في المُجتمع بأثره الردعي، وبأثر التدابير الاحترازية من العودة إلى الجريمة. 

4ــ يحُقق العدالة بين الناس.

5ــ يكُافح الجريمة وما تخُلفّه من أضرار بالدولة والأفراد. كأضرار الإرهاب والمُخدرات ونهب المال العام والخاص وخطف وقتل الأشخاص.

6ــ له وظيفة أخلاقية تتمثلّ في التعبير عن القيم الجديرة بالحماية في المُجتمع، لأنّ لكُل مُجتمع قيم يؤمن بها ويقوم عليها، يعُبرّ عنها القانون الجنائي بفرض عقوبات على من يعتدي عليها. مثل القيم الإنسانية والأخلاقية وقيم الحرّية الفردية والجماعية

ثانيا: تعدُّد تسميات القانون الجنائي: 

يستعمل الفقه والتشريع ثلاث مُصطلحات للتعبير عن القانون الجنائي:

أ) مُصطلح "قانون العقوبات"

أخذ به التشريع المصري والفرنسي والجزائري، وتبُرّر بأنّ:

1ـ العقوبات هي أبرز ما يمُيزّ هذا القانون، فهي تشُكّل الوسيلة الأساسية في مُكافحة الجريمة.

2ـ يتميزّ هذا القانون عن غيره من القوانين بالعقوبات الشديدة كالإعدام والسجن والحبس والغرامة. 

3ـ تعتمد التشريعات في تصنيف الجرائم من حيث الخطورة على عقوباتها (جِنايات جُنح مُخالفات).

4ـ يتميزّ هذا القانون عن باقي القوانين بما يقُرّره من عقوبات بالمعنى الفنيّ كأداة إصلاح وليس انتقام. 

ويعُاب عليه اقتصاره على العقوبة وإهُمال جانب التجريم وإهمال التدابير الاحترازية الوقائية، ولكن يرُدُّ بأنّ :

ـ التسمية لا تهُمل الجريمة لأنّ هناك تلازم بين فكرتي الجريمة والعقوبة، إذْ لا عقوبة بغير جريمة. 

ـ التسمية لا تهُمل التدابير الاحترازية ولكنّ العقوبة هي الصورة الغالبة للجزاء والتدابير الاحترازية تختلف في طبيعتها عن العقوبة، حيث لا يعتبرها بعض الفقه من أنواع الجزاء بل رد فعل اجتماعي هدفه الوقاية من الجريمة.

ب) مُصطلح "القانون الجزائي"

أخذت بهذا المُصطلح بعض دول العربية مثل تونس والكويت والأردن وسوريا ولبنان، و ينُتقد بأنهّ:

ـ لا تُعبرّ عن ذاتية قانون العقوبات لأنهّ يشمل أنواعا أخرى للجزاء وهي الجزاء المدني والإداري 

ـ أنّ لفظ الجزاء في اللغُة لا يقتصر على معنى الزجر والعقاب، بل يقُصد به كذلك الثواب.

ـ حُجّة اتساع لفظ الجزاء للعقوبة والتدبير الاحترازي غير صحيحة لاختلافهما في الطبيعة.

جـ) مُصطلح "القانون الجنائي" 

المُصطلح أخذت به بعض الدول مثل المغرب، وهو الأكثر استعمالا وشيوعا لدى الفقهاء وفي الأوساط الجامعية الأكاديمية، حيثُ يميل أغلب الأساتذة إلى تعبير القانون الجنائي.

له مدلول لغُوي واسع يشمل كُلّ أنواع الجرائم، ويتضّح ذلك من إطلاق اللفظ على عدد من النظم والمبادئ والنظريات العلمية العالمية مثل "الشرعية الجنائية" و"المُساهمة الجنائية" و"القصد الجنائي" و"المسؤولية الجنائية" و"السياسة الجنائية" و"العلوم الجنائية"Politique Criminelle, Sciences .Intention Criminelle , Participation Criminelle) )Criminelles, Légalité Criminelle

1ـ يعُاب عليه أنهّ يرُكّز على جانب الجريمة ويهُمل جانب العقاب. لكنهّا تعكسُ فكرتي التجريم والعقاب معا، إذ أنّ العمل الجنائي يستتبع حتما عقابا. كما أنّ الكثير من الأنظمة القانونية والفقهية الحديثة لا تميز بين أنواع الجرائم.

2ـ يعُاب عليه أنهّ يرُكّز على الجناية دون الجنحة والمخالفة. لكنهّ مُشتقّ من لفظ "الجناية" وهي أهمّ أنواع الجرائم، ومن السائغ لغُة أن يعُبرّ عن الكُل بجُزئه الأهم.

3ـ يعُاب عليه أنّ له مدلولا واسعا يشمل القواعد الموضوعية وهي الجرائم والعقوبات، والقواعد الشكلية الإجرائية.

د) موقف المُشرّع الجزائري

ـ يستعمل المُشرّع مُصطلح "قانون العقوبات" (Code Pénal) 

ـ في تسمية التقنين المُتعلقّ بالجرائم والعقوبات وفي المادّتين2 و3 منه وغيرها.

ـ في قانون الإجراءات الجزائية مثل المواد 12، 30 منه.

ـ في الدستور بموجب المادّة 140 المُتعلقّة بتحديد الميادين التي يشُرّع فيها البرلمان. 

ـ ويستعمل المُشرّع المُصطلح المُشتق من لفظ "الجزاء": 

ـ قانون الإجراءات الجزائية سمّى، المُتابعة الجزائية في عنوان المواد 65 مُكرّر إلى 65 مُكرّر4 منه.

ـ قانون العقوبات سمّى المسؤولية الجزائية (مثلا في المواد 47-51 مُكرّر، والمادّة 253 مُكرّر).

ـ الدستور سمّى التحرّيات الجزائية (ما 60) و"العقوبات الجزائية" و"المسائل الجزائية" (ما 160).

الفرع الثاني: مضمون القانون الجنائي (قانون العقوبات)

ينقسم قانون العقوبات الجزائري إلى جزئين هما الجزء الأوّل يتناول القسم العام بعنوان "المبادئ العامّة"، والجزء الثاني يتناول القسم الخاص بعُنوان "التجريم".

أوّلا: قانون العقوبات العام (الأحكام العامّة المواد من1 إلى60 مُكرّر1)

ـ أحكام تمهيدية:    

ـ مبدأ الشّرعية الجنائية (ما 01)  

ـ تطبيق قانون العقوبات من حيث الزّمان (ما 02)

ـ تطبيق قانون العقوبات من حيث المكان (ما 03)

ـ الكتاب الأوّل: العقوبات وتدابير الأمن

ـ الباب (1) العقوبات المُطبقّة على الأشخاص الطبيعية (المواد 4-18)  

ـ الباب (1 مكرر) عقوبات الأشخاص المعنوية (المواد 18 مكرر – 18 مكرر 3) 

ـ الباب (2) تدابير الأمن، (المواد 19-26)

ـ الكتاب الثاني: الأفعال والأشخاص الخاضعون للعقوبة

ـ الباب (1) الجريمة: المواد 27-40 (تقسيم الجرائم، المحاولة، تعدّد الجرائم، الأفعال المبرّرة)

ـ الباب (2) مرتكبو الجريمة: م 41-60 (المساهمون في الجريمة، المسؤولية الجزائية، شخصيةّ العقوبة)

ثانيا: قانون العقوبات الخاص (الأحكام الخاصّة المواد من61 إلى467):

أ) الكتاب الثالث: الجنايات والجُنح وعقوباتها: يقُسّم أنواع الجرائم في أربع أبواب

1ـ الباب الأوّل: الجنايات والجُنح ضدّ الشيء العمومي وهي سبع (7) فئات في سبع فصول

2ـ الباب الثاني: الجنايات والجُنح ضدّ الأفراد وهي أربع (4) فئات في أربع فصول

3ـ الباب الثالث: الجرائم الماسّة بالاقتصاد الوطني والمُؤسّسات العمومية وهو مُلغى

4ـ الباب الرّابع: جرائم الغش والتدليس في المواد الغذائية.

ب) الكتاب الرابع: المُخالفات وعقوباتها: يقُسّم المُخالفات إلى فئتين ويبينّ أحكامها المُشتركة

1ـ الباب الأوّل: المُخالفات من الفئة الأولى وكُلهّا من درجة واحدة.

2ـ الباب الثاني: المُخالفات من الفئة الثانية وتقُسّم حسب دراجاتها إلى ثلاث درجات.

3ـ الباب الثالث: أحكام مُشتركة بين مُختلف المُخالفات.

ثالثا: التشريعات العقابية الخاصّة (القوانين المُكمّلة لقانون العقوبات) ومن أمثلتها:

1ـ جرائم المُخدّرات: منصوص عليها في قانون الوقاية من المُخدّرات المؤثرات العقلية والإتجار بهما ومكافحتها القانون رقم 04-18 في 25 ديسمبر 2004. 

2ـ جرائم الفساد: (كالرشوة والاختلاس وجرائم الصفقات العمومية) في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06-01 المؤرّخ في 20 فيفري 2006. 

3ـ جرائم التهريب: في قانون مكافحة التهريب، أمر 05-06 مؤرّخ في 23 غشت 2005.  

4ـ الجرائم الجمركية: في قانون الجمارك رقم 98-10 المُرّخ في 22 غشت 1998.

5ـ الجرائم التجارية: في القانون التجاري كجرائم الإفلاس وجرائم الشيك وجرائم الشركات التجارية.

6ـ جرائم الإستهلاك: في قانون حماية المُستهلك وقمع الغش، رقم 09-03.  

7ـ جرائم الصرف: في قانون الصرف وحركة رؤوس الأموال 96ـ22 المُعدّل والمُتمّم.

8ـ جرائم النقد والقرض: في قانون النقد والقرض 03-11 المؤرّخ في 26 أوت 2003. 

9ـ الجرائم الضريبية: في قانون الضرائب المُباشرة والرسوم المُماثلة القانون 90-36 سنة 1990.

10ـ جرائم البورصة: في قانون بورصة القيم المنقولة الصادر بموجب المرسوم التشريعي 93ـ10.

11ـ مُخالفات المُرور: في قانون تنظيم حركة المرور عبر الطرق وسلامتها وأمنها رقم 01-14 المُؤرخ في 19 غشت 2001 المُعدّل والمُتمّم.

12ـ جرائم المُنافسة: في قانون المُنافسة 03-03 في 19 يوليو 2003 المُعدّل والمتمّم.

13ـ الجرائم البحرية: في القانون البحري بالأمر 76-80 في 23 أكتوبر 1976 المُعدّل والمُتمّم.

14ـ جرائم الصّحة: في قانون الصحّة رقم 18ـ11 المؤرّخ في 2 يوليو 2018

المطلب الثاني: طبيعة القانون الجنائي وعلاقته بفروع القانون والعلوم الجنائية:

يعالج هذا المطلب طبيعة القانون الجنائي ومكانته ضمن النظام القانوني ككل، والعلاقة التي تربطه بفروع القانون الأخرى، ويبين ما إذا كان تابعا لفروع القوانين الأخرى وينسجم معها أم له خُصوصيته التي تجعلهُ قانونا مُستقلا بذاتيته؟

ويبحث هذا المطلب كذلك علاقة القانون الجنائي من حيث موضوعه بالعلوم الجنائية كعلم الإجرام والسياسة الجنائية والبحث الجنائي.

الفرع الأول: طبيعة القانون الجنائي في النظام القانوني العام:

تقُسّم فروع القانون عادة إلى قسمين هما فروع القانون الخاص وفروع القانون العام. وقد وقع الاختلاف بشأن طبيعة القانون الجنائي بسبب تشعّب وتنوع المواضيع التي يعُالجها، حيثُ يصُنفّه البعض في فروع القانون الخاص والبعض الآخر في فروع القانون العام، ويعتبره البعض الآخر ذا طبيعة مُختلطة، لكنهّم يتفقون جميعا على أنّ القانون الجنائي هو قانون مُستقٌّلٌّ بذاته.

أوّلا: ذاتية القانون الجنائي (الإستقلالية وعدم التبعية):

مهما كانت علاقة القانون الجنائي بالقوانين الأخرى لاشتراكه معها في هدف النظام القانوني العام ،فهو قانون مُستقل بذاته ليس  تابعا لأحد فروع القانون للأسباب التالية:

أ) الحُقوق والمصالح التي يحميها القانون الجنائي: 

كثيٌرٌ من هذه الحقوق لا تنُظمها قوانين أخرى، كالحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية، والحق في صيانة العرض، والحفاظ على السمعة والشرف والاعتبار وحُرمة الحياة الخاصّة.

ب) طبيعة الحماية التي يقُرّرُها القانون الجنائي: 

تختلف عن طبيعة الحماية التي تقُرّرها القوانين الأخرى لهذه الحقوق، فالحماية الجنائية بواسطة الحبس والغرامة مثلا، تختلف عن الحماية المدنية بالتعويض، والحماية الإدارية بالقرارات التأديبية.

جـ) مُراعاة الجانب الشخصي للفرد وظروفه النفسية والاجتماعية:

ـ مبدأ تفريد العقوبة لا يوجد إلاّ في القانون الجنائي، فنفس الجريمة قد تختلف عقوبتها من شخص لآخر، وبحسب ظروفه تكون العقوبة التي تلُائمه لإعادة إدماجه في المُجتمع. ولذلك يترك القانون للقاضي مجالا في تقدير العقوبة عندما يحُدّدها بين الحدّين الأدنى والأقصى مثل عقوبة جريمة السرقة في المادّة 350 ق ع هي الحبس من سنة إلى 5 سنوات والغرامة من 000 100 دينار إلى 000 500 دينار. وقد تشُدّد العقوبة بسبب الظروف كذلك.

ـ المسؤولية الجزائية قد تقُّلُّ درجتها بالنسبة للقاصر عن البالغ، وقد تنتفي لأسباب شخصية كانعدام الأهلية والجنون والإكراه، وقد تنتفي لأسباب موضوعية تتعلقّ بالأفعال عندما تكون مُبرّرة، كالدفاع الشرعي وغيره من أسباب الإباحة.

وتختلف مسؤولية المُخطئ عن المتعمّد (مثلا جريمة القتل العمد هو جناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبدّ في المادّتين 261 و 263 ق ع، بينما القتل الخطأ هو جنحة عقوبتها الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات والغرامة من  000 20 دج إلى 000 100 دج في المادّة 288 ق ع). وكذلك الشأن بالنسبة لجرائم الجروح الخطأ في المواد 289 من قانون العقوبات.

بينما في القوانين الأخرى ليس هناك اعتبار للجوانب الشخصية والاجتماعية للفرد، ففي القانون المدني مثلا أُّيُّ ضرر يستلزم التعويض حيث تقوم مسؤولية البالغ والقاصر وعديم الأهلية وكامل الأهلية والمُخطئ والمُتعمّد سواء. 

ثانيا: تصنيف القانون الجنائي في فروع القانون:

هناك من اعتبر القانون الجنائي من فروع القانون الخاص وهناك من اعتبره من القانون العام وهناك من اعتبره ذو طبيعة مُختلطة.

أ) الرأي الأوّل القانون الجنائي من فروع القانون الخاص:

1- أغلب الجرائم التي ينُظمها تقع على الأفراد وتُضرُّ بمصالحهم الخاصّة،

2- وأن القضاء الجزائي الذي يفصل في الجرائم ينتمي إلى القضاء العادي الذي يمثل أمامه الأفراد

3- وأنّ القضاء الجزائي يفصل في طلبات المجني عليه بالتعويض الذي يفصل فيه القضاء المدني

4- وفي بعض الجرائم تقصد القاعدة الجنائية أشخاصا مُعينّين كالأصول والفروع والخدم والزوجين

5- وأنّ المضرور يحقّ له تحريك الدعوى الجزائية، وفي بعض الجرائم لا تحركها النيابة إلا بشكواه

ب) الرأي الثاني الرّاجح: القانون الجنائي فرع من فروع القانون العام:

ـ يحتوي على قواعد آمرة مُتعلقّة بالنظام العام ولا يمُكن تصوّر الاتفاق على مُخالفتها.

ـ ينُظم علاقة طرفاها من جهة الدولة باعتبارها صاحبة الحق في العقاب وتوقيعه، والفرد من جهة ثانية باعتباره مُرتكب للجريمة أو ضحيتها. ولا يتأثر حق الدولة في العقاب بعفو المجني عليه وتنازله عن حقوقه، فالنيابة العامّة مُمثلة المجتمع في الدعوى الجنائية لا يمُكنها التنازل عن هذه الدعوى.

ـ الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والتي تصُيب الأفراد كالقتل والضرب والسرقة، تمُثلّ اعتداءا غير مُباشر على مصالح أساسية للمُجتمع وقيمه، فأصل الحماية الموجهة هنا للحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية وحق الملكية هي حماية للأفراد بصفة عامّة ومصلحة للمُجتمع بأن يكون مُستقرّا آمنا.

ـ ينظم القانون الجنائي الكثير من الجرائم المُوجّهة مُباشرة ضدّ مصالح المجتمع، حيثُ يقع الاعتداءُ على الدّولة باعتبارها مُمثلة للمُجتمع، كجرائم أمن الدولة من جهة الداخل والخارج وجرائم الاختلاس حيثُ لا جدال في انتماء القواعد القانونية التي تنُظم هذه الجرائم إلى القانون العام.

الفرع الثاني: علاقة القانون الجنائي بفروع القانون الأخرى والعلوم الجنائية:

بعدما عرفنا أنّ القانون الجنائي مُستقُّلُّ بذاته وخصوصيته، نبحث مدى ارتباطه بالقوانين الأخرى ،وعلاقته بالعلوم الجنائية التي تبحث في نفس موضوعه أي الجريمة والعقوبة.

أوّلا: علاقة القانون الجنائي بالفروع الأخرى للقانون 

أ) القانون الجنائي والقوانين غير الجنائية:

1) القانون الجنائي هو قانون مُساند للقوانين الأخرى، يعُاونها ويدعمُها بطريقة مُباشرة أو غير مُباشرة عندما يحمي حقوقا تعترف بها وتنُظمها هذه القوانين، فلا يمُكن إلزام الناّس بقانون ما إلا بطريق العقاب على تركه، وذلك هو مجال تدخل القانون الجنائي في القوانين الأخرى بشكل مُباشر أو غير مُباشر:

ـ بشكل مُباشر تمكّن القانون الجنائي من التغلغل في كل فروع القانون ماعدا القانون المدني، حيثُ لا يكاد قانونٌ يخلو من الأحكام الجزائية، وهي التي تسُمّى في مجموعها بالقوانين العقابية الخاصّة.

ـ بشكل غير مُباشر:

- يدَعم القانون المدني بحماية حقوق ينُظمها كحق الملكية وحق الحيازة بالعقاب مثلا على السرقة (ما  

350 وما بعدها ق ع)، النصب والاحتيال (ما 372 ق ع)، خيانة الأمانة (ما 376-382 ق ع)، التعدّي على الأملاك العقارية (ما 386 ق ع)، حرق الممتلكات (ما 395، 396 ق ع(.  

- ويسُاعد القانون التجاري بمعاقبة المساس بالائتمان التجاري وبالأوراق التجارية كجريمة التفليس (ما 383،384 ق ع) وجريمة إصدار شيك بدون رصيد (ما 374-375 ق ع) ويحمي الشركات التجارية من خلال جرائم الشركات التجارية في الباب 2 تحت عنوان أحكام جزائية (المواد 801-840).

- ويسُاعد قانون الأسرة بحماية بعض الحقوق التي ينُظمها، بالعقاب مثلا على الخيانة الزوجية (ما 339 ق ع) وترك الأسرة وعدم تسديد النفقة (م 330-332 ق ع)، ويحمي الأخلاق والأداب بتجريم الفعل الفاضح العلني وهتك العرض والاغتصاب والفسق والدعارة (م333-348 ق ع).

- وله علاقة بالقانون الدستوري في حماية النظام الدستوري للدّولة ومُؤسساتها الدستورية، مثلا بالنصّ على الجنايات والجنح ضدّ الدستور (م102-111 ق ع)، كجرائم الانتخاب، والاعتداء على الحريات. والجنايات والجنح ضدّ أمن الدولة (م61-96 ق ع) كجرائم الخيانة والتجسس والتعدّي على سلطة الدّولة والدفاع الوطني وسلامة أرض الوطن والمؤامرات وحركات التمرّد.

- وتظهر علاقة القانون الجنائي بالقانون الإداري في حماية النظم الإدارية وصيانة الوظيف العمومي من عبث الموظفين والأفراد، بالعقاب على الرشوة واستغلال النفوذ وتواطؤ الموظفين وتجاوز السلطة الإدارية والقضائية (م112-143 ق ع)، أو يكون ضحيتها الموظف كجرائم الإهانة والاعتداء على الموظفين ومؤسسات الدّولة. أو حماية بعض الوثائق والشهادات الإدارية والأختام من التزوير والتقليد ،(م205-229 ق ع)، وانتحال الوظيفة (م 242-253 مُكرّر ق ع).

- يتقاطع القانون الجنائي مع القانون الدّولي فيعُالج تسليم المُجرمين والتعاون الدولي في مجال القضاء الجنائي والحجز والمُصادرة والتسليم المُراقب في مُلاحقة الجرائم العابرة للحدود والجرائم الدولية كجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية وغيرها والقضاء الجنائي الدولي. 

2) يستعين القانون الجنائي بالقوانين الأخرى ومن مظاهر ذلك أنهّ:

ـ يعود إلى القانون المدني مثلا في تعريف عقود الأمانة في جريمة خيانة الأمانة.

ـ ويعود إلى القانون التجاري في تعريف الشيك في جرائم الشيك. 

ـ ويرجع إلى القانون الإداري لتعريف الموظف والوظيفة العمومية بالنسبة للجرائم المُتعلقّة بهما

ـ والقانون الدولي يستعين القانون الجنائي به في تعيين الحدود وتقاسيم البحر عند تطبيق مبدأ الإقليمية ومبدأ الشخصية ومبدأ العينية ومبدأ العالمية، وعند تطبيق قاعدة قانون دولة العلم في السفن والطائرات. 

ـ وينصّ الدستور على عدّة مبادئ جنائية كمبدأ قرينة البراءة (م56) والشرعية الجنائية وعدم رجعية القانون الجنائي (م58) والشرعية الإجرائية (م59) وشخصية العقوبة (م160) وحق الدفاع الجزائية (م169).

ب) قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية

1) يشُكل القانونان وجهين لعُملة واحدة، أو شقين لجسم واحد هو القانون الجنائي بمفهومه الواسع، أحدهما يمُثل الشق الموضوعي والآخر يمُثل الشق الإجرائي وكلاهما يهدف إلى مكافحة الجريمة.

2) لاسبيل إلى تطبيق العقوبة على شخص ولو كان مُعترِفا بجريمته إلا باتباع إجراءات منصوص عليها في ق إ ج، وصدور حكم قضائي.

3) قانون الإجراءات الجزائية هدفه هو تطبيق قانون العقوبات طبقا للمواد 1 مُكرّر و29 من ق إ ج، فبمُجرّد وقوع الجريمة ينشأ للمُجتمع الحق في العقاب يبُينّ إجراءات وكيفيات اقتضائه في قانون الإجراءات الجزائية، فهذا الأخير هو الذي يضع قانون العقوبات موضع التنفيذ، فقانون العقوبات يبقى  حبرا على ورق ويظُّلُّ ساكنا لا يتحرّك إلا بتدخل قانون الإجراءات الجزائية. إذ يرسُم هذا الأخير أساليب البحث والتحرّي عن الجريمة والتحقيق فيها وكيفية إحالة مُرتكبها على القضاء، وإجراءات المُحاكمة والطعن في الحكم.

4) ومن جهة أخرى يتضمّن قانون الإجراءات الجزائية بعض القواعد الجنائية الموضوعية المُتصلة بحماية إجراءات التحقيق والمُحاكمة وسيرها مثل المادّة 43 من ق إ ج التي تجُرّم تغيير حالة الأماكن التي وقعت فيها الجناية. والمادّة 46 التي تجُرّم إفشاء أسرار التحقيق. والمادّة 65 مُكرّر 16، تجُرّم كشف هوية العون المُتسرّب، والمادّة 65 مُكرّر 28، تجُرّم كشف هوية الشاهد والخبير.

ثانيا: علاقة القانون الجنائي بالعلوم الجنائية

العلوم الجنائية تبحث في الجريمة والمُجرم من حيثُ أسباب ارتكاب الجريمة وصفات المجرمين ووسائل علاجهم وتقويمهم، وأغراض العقوبة، مثل علم الإجرام وعلم العقاب والسياسة الجنائية والبوليس الفني والطبّ الشرعي، حيث تقوم هذه العلوم على الدراسات التجريبية بمُلاحظة الظواهر واستقرائها واستخلاص القوانين العلمية التي تحكُمها، بينما القانون الجنائي يضع قائمة الأفعال المُجرّمة والعقوبات وتدابير الأمن المُناسبة لكلّ جريمة. فالعلاقة بين القانون الجنائي والعلوم الجنائية وثيقة.

أ) القانون الجنائي وعلم الإجرام

علم الإجرام هو العلم الذي يدرُس الجريمة كظاهرة سلوكية اجتماعية عن طريق المُلاحظة والاستقراء والتجربة من أجل تحديد الأسباب والعوامل الدافعة إلى ارتكابها، سواء كانت أسبابا وعوامل داخلية نفسية تتعلقّ بشخص المُجرم. أو بالبيئة المحيطة به، وهذا تمهيدا للقضاء على هذه العوامل أو الحدّ منها. والتأثير مُتبادل حيثُ أنّ نجاح قانون العقوبات في مُحاربة الجريمة مُرتبط إلى حدّ كبير بمعرفة أسبابها، فعلم الإجرام يسُاهم في تطوير قانون العقوبات لأنّ المُشرّع يستعين بنتائح هذا العلم، وفي المُقابل فإنّ القانون الجنائي بتعريفه للجريمة يحُدّد الإطار الذي يبحث فيه علم الإجرام عوامل الجريمة.

ب) القانون الجنائي وعلم العقاب

علم العقاب هو مجموع القواعد التي تدرس العقوبات والتدابير الاحترازية لتحديد أغراضها وأساليب تنفيذها بما ينُاسب حاجة المُجتمع في مكافحة الجريمة، فأبحاثه تكشف عن عيوب ونقائص الجزاء الجنائي وأساليب تنفيذه، ويقُدّم لقانون العقوبات الأساليب الحديثة التي توصّل إليها في المُعاملة العقابية، ومن أمثلتها العمل للنفع العام، ونظام الحرية النصفية، والفترة الأمنية، ووقف التنفيذ، والسوار الإلكتروني. وقد استلهم المُشرّع الجزائري من القواعد التي أقرّها مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة ومُعاملة المُجرمين سنة 1955 وأصدر قانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين بالأمر 72-02 سنة 1972، المُعدّل والمُتمّ.

المرجع:

  1. د. فريد روابح، محاضرات في القانون الجنائي العام، موجهة لسنة الثانية لسانس، جامعة محمد لمين دباغين- سطيف، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الجزائر، السنة الجامعية 2018-2019، ص3 إلى ص13.

google-playkhamsatmostaqltradent