جرائم الحرب

جرائم الحرب

جرائم الحرب

تعد جرائم الحرب أقدم الجرائم الدولية التي حول المجتمع الدولي -بفضل جهوده- تحديد عناصرها منذ وقت مبكر نسبيا٬ فقد ساد منطق أن الحرب شر لابد منه٬ ومن الحكمة السعي لتخفيف ويلاتها وحصر نتائجها بقدر الإمكان٬ بحيث تقتصر نتائجها تلك على الجيوش المتحاربة دون الشعوب.

فما مفهوم جرائم الحرب (الفرع الأول)٬ وما شروط حدوثها حسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (الفرع الثاني)٬ وما أركانها (الفرع الثالث).

الفرع الأول: مفهوم جرائم الحرب

لم يكن الحرب في العهود القديمة قواعد تحكمها وتضبط سلوك الأطراف المتحاربة خلالها٬ ثم ما لبثت أن تغيرت الأمور٬ إذ ظهرت مبادئ إنسانية خففت من ويلات الحروب وقسوتها٬ وقد كان وراء ظهور هذه المبادئ والأسس الإنسانية الأديان السماوية٬ التي ساهمت في تهذيب سلوك الأفراد والجماعات٬ بالإضافة إلى الجمعيات والمؤتمرات الدولية (أولا)٬ ثم توالت تعريفات لجرائم الحرب خاصة في المحاكم الجنائية الخاصة وصولا إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ثانيا).

أولا: التطور التاريخي لتقنين جرائم الحرب: 

كانت الحرب في نظر الكثيرين عملا مشروعا٬ بحيث لا يقيد الدولة في الاتجاه إليها سوى مصالحها الخاصة٬ وقد بذلت مجهودات كثيرة لتقييد سلطة الدولة في الاتجاه للحرب كوسيلة مشروعة٬ بل وإحاطتها بقيود تمنع اللجوء للحرب إلا في حالات الضرورة القصوى٬ وفي حقيقة الأمر أن القانون الدولي الإنساني قد لعب دورا في سبيل تجريم الحرب وتدوين العديد من القواعد التي تحكمها.

لم تكن جرائم الحرب٬ بالمعنى الموجود حاليا في العديد من المواثيق الدولية٬ وليد تشريع فقهي واحد٬ بل تضافرت عدة مجهودات لتقنين هذه الجريمة على نحو ما يقرب من قرن من الزمان٬ وكان أهم تلك المجهودات.

1. تصريح باريس عام 1856: جاء هذا التصريح عقب حرب القرم٬ حيث أعلنت خلاله انجلترا وفرنسا بعض المبادئ لتنظيم الجوانب القانونية للحرب البحرية٬ كإلغاء القرصنة البحرية٬ ومد نطاق الحماية لبضائع الأعداء فوق سفن المحايدين٬ وبضائع المحايدين فوق سفن الأعداء.

2.  تقنين القواعد التي تحكم الجيوش في الميدان وفقا لقوانين وعادات الحرب: (قانون ليبر 1863): وهو عبارة عن مجموعة من القواعد الواجب تطبيقها أثناء الحرب الأهلية الأمريكية٬ وبالرغم من أنها لا تعدو أن تكون مجرد تشريع داخلي٬ فإنها تناولت العديد من الموضوعات التي تتعلق بإدارة الحرب٬ مما جعل منها نموذجا تحتذي به العديد من الدول٬ ويعد قانون ليبر أول محاولة جادة لتقنين قواعد وعادات الحرب٬ وبصفة خاصة الحرب البرية.

3 اتفاقية جنيف لعام 1864: دعا مجلس الاتحاد السويسري في أوت 1864 لعقد مؤتمر دبلوماسي دولي لبحث سبل تحسين مصير العسكريين الجرحى والمرضى في الميدان٬ وتمخض هذا المؤتمر عن إبرام اتفاقية دولية تعتبر الأولى من نوعها في شأن تحسين أحوال الجرحى في الجيوش الميدانية.

من أهم المبادئ الواردة فيها: مبدأ حرمة وصيانة الجنود الجرحى والمرضى٬ وحماية عربات الإسعاف والمستشفيات العسكرية ضد الهجمات الحربية٬ والنص على قواعد مقننة لحماية ضحايا الحروب٬  وقد صادقت على تلك الاتفاقية  العديد من الدول٬  في مقدمتها أقطاب القوى الكبرى آنذاك.

بالرغم من أن اتفاقية جنيف لعام 1864 كانت نقطة البداية لحركة إنسانية واسعة لضحايا الحروب٬ فإنها ظلت تشكو من نقائصها٬ فعدلت عدة مرات.

4. إعلان سان بطرسبورغ عام 1868: اهتم الإعلان بحظر استخدام الأسلحة التي تسبب آلاما لا مبرر لها٬ وإقرار ان الهدف المشروع من الحرب وغايته هما إضعاف القوة العسكرية للعدو٬ وقد تم الانتهاء من صياغة الإعلان في 11 ديسمبر عام 1868.

5. مؤتمر لاهاي الأول للسلام عام 1899: عقد مؤتمر لاهاي الأول للسلام بناء على دعوة من قيصر روسيا٬ لعقد مؤتمر دولي لوضع بعض القواعد التي تحكم الحرب٬ وأسفر المؤتمر عن توقيع عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بقانون الحرب٬ منها: الاتفاقية  الثانية الخاصة بقواعد وعادات الحرب٬ والاتفاقية الثالثة الخاصة بالحرب البرية٬ وتم بموجبها مد نطاق تطبيق اتفاقية جنيف لعام 1864 لضحايا الحرب البحرية٬ فضلا عن ثلاثة تصريحات لتجريم إلقاء المقذوفات من البالونات٬ وتحريم استخدام المقذوفات التي لا ينتج عنها سوى غازات ضارة٬ وكذلك تجريم استخدام المقذوفات التي تتفتت داخل الجسم.

6. مؤتمر لاهاي الثاني عام 1907: أسفر مؤتمر لاهاي الثاني عند تبني عدد من الاتفاقيات الدولية٬ فضلا عن التركيز بصفة خاصة على تقنين قانون الحرب٬ بحيث اعتبرت فيما بعد أساسا للنظرية التقليدية في قانون الحرب أيضا٬ فقد حلت اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية محل اتفاقية لاهاي لعام 1899.

شكلت قائمة جرائم الحرب الواردة في تلك الاتفاقية أساس محاكمات (ليبزيج Leipzig)٬ حيث تضمنت المادتين 223 و230 من اتفاقية فرساي- التي قضت بإنشاء المحكمة- ضرورة المحاكمة عن الجرائم المخالفة لقوانين وأعراف الحرب.

7. عهد عصبة الأمم 1920- 1946: لم ينص ميثاق عصبة الأمم على تجريم الحرب بصورة قاطعة وصريحة٬ بل نص على حالات معينة   تكون الحرب فيها غير مشروعة٬ كحالة الالتجاء للحرب لفض نزاع ما بدلا من عرض هذا النزاع على التحكيم٬ أو القضاء٬ أو مجلس العصبة٬ أو إعلان الحرب على الدولة التي قبلت قرار التحكيم٬ أو التزمت بقرار المجلس الصادر بالإجماع.

كذلك٬ فقد نص على أن الدولة التي تشن حربا غير مشروعة٬ سيوقع عليها الجزاءات الاقتصادية والعسكرية المنصوص عليها في المادة (16).

وعلى الرغم من فشل عصبة الأمم بصفة عامة٬ فإنه لا يمكن إغفال بعض الاتفاقيات المهمة التي أبرمت خلال قيامها مثال ذلك:

1. بروتوكول جنيف الخاص بتحريم الالتجاء إلى حرب الغازات والحرب البكتريولوجية عام 1925.

2. تنقيح نصوص اتفاقية جنيف لعام ٬1906 وهي الذي حلت محل اتفاقية جنيف لعام ٬1864 والخاصة بتحسين أحوال الجرحى والمرضى من أفراد الجيوش في الميدان٬ وأسفر ذلك عن وضع اتفاقيتين٬ تختص الأولى بتحسين أحوال الجرحى والمرضى من أفراد الجيوش في الميدان٬ وتتناول الثانية كيفية معاملة أسرى الحرب.

8. ميثاق باريس عام 1928: بغية سد الثغرة الواردة في عهد عصبة الأمم من عدم تجريمها للحرب بصفة قاطعة٬ قامت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بإبرام ميثاق بباريس عام ٬1928 ليكون بمثابة ميثاق عام للسلام تشترك فيه جميع الدول٬ ويحرم استخدام الحرب كوسيلة لفض النزاعات٬ وعرف هذا الميثاق باسم "ميثاق بريان كيلوج" نسبة لوزيري الدولتين صاحبتي الفكرة فيه٬ وقد انضم للميثاق ما يزيد على ستين دولة.

9. اتفاقيات جنيف لعام 1949: رغبة في كفالة أكبر قدر من الحماية لضحايا النزاعات المسلحة٬ تم إبرام أربع اتفاقيات لحماية ضحايا الحرب عام ٬1949 وقد ورد بتلك الاتفاقيات تعداد لبعض جرائم الحرب٬ التي تلتزم الدول الأطراف بالمعاقبة عليها٬ وهي:

1. جرائم منصوص عليها في الاتفاقيات الأربع:

- القتل العمد٬ التعذيب٬ التجارب البيولوجية٬ إحداث آلام كبرى مقصودة٬ الاعتداءات الخطيرة ضد السلامة الجسدية والصحية٬ المعاملة غير الإنسانية.

2. جرائم منصوص عليها في الاتفاقيات الأولى والثانية والثالثة:

- تخريب الأموال والاستيلاء عليها بصورة لا تبررها الضرورات العسكرية٬ والتي تنفذ على نطاق واسع غير مشروع وتعسفي.

3. جرائم وردت في الاتفاقيتين الثالثة والرابعة:

- إكراه شخص على الخدمة في القوات العسكرية لدولة العدو٬ حرمان شخص محمي من حقه في محاكمة قانونية وحيادية٬ حسبما تفرضه الاتفاقيات الدولية٬ إبعاد الأشخاص ونقلهم من أماكن وجودهم بصورة غير مشروعة٬ الاعتقال غير المشروع٬ أخذ الرهائن.

4. جرائم وردت في الاتفاقيتين الأولى والثانية:

- سوء استخدام علم الصليب الأحمر أو شارته٬ والأعلام المماثلة.

طورت اتفاقيات جنيف مفهوم جرائم الحرب الواردة في ميثاق نورمبرج٬ الذي عرف جرائم الحرب كالتالي: إن مخالفة قوانين وأعراف الحرب تشمل - ليس على سبيل الحصر- القتل٬ المعاملة السيئة٬ ترحيل السكان المدنيين للعمل كعبيد أو لأي غرض آخر٬ ويشمل في الأرض المحتلة القتل٬ سوء معاملة الأسري٬ قتل الرهائن٬ نهب الممتلكات العامة أو الخاصة٬ التدمير العشوائي للمدن والقرى٬ التدمير الذي لا تبرره الضرورة الحربية.

10. بروتوكولا جنيف الملحقان لعام 1977: نتيجة العديد من توصيات الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة٬ لضرورة وضع قواعد جديدة لتأمين حماية أفضل للمدنيين والأسري والمقاتلين في النزاعات المسلحة قاطبة٬ قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بوضع مشروعي بروتوكولين تكميليين لاتفاقيات جنيف٬  تم عرضهما على المؤتمر الدبلوماسي الخاص بتطوير القانون الدولي الإنساني٬  والمعقود بجنيف٬  بناء على دعوة حكومة الاتحاد الفيدرالي السويسري٬ وعقد المؤتمر أربع دورات متعاقبة خلال أعوام ٬1974 ٬1975 ٬1976 ٬1977 حتى تم توقيع البروتوكولين في 10 يونيو عام 1977.

يتعلق البروتوكول الأول بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية٬ أما الثاني٬ فيختص بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.

أثناء التصديق على البروتوكول الثاني٬ كان الخيار للدول بين التصديق٬ وبالتالي الاعتراف بالمسؤولية عن جرائم الحرب في النزاعات المسلحة غير الدولية٬ وبين عدم التصديق بالمسؤولية عن جرائم الحرب في النزاعات المسلحة الدولية فقط. وبصفة عامة٬ فإن الفترة الممتدة٬ منذ بدايات تقنين جريمة الحرب وحتى بروتوكولي جنيف الملحقين٬ لم تشهد تقنينا شاملا لجرائم الحرب٬ أو حماية لكافة الضحايا٬ فقد اقتصرت على تقنين أشد جرائم الحرب قسوة وبشاعة٬ وعلى حماية الضحايا من المدنيين أو غير المقاتلين فقط.

ثانيا: تعريف جرائم الحرب في المحاكم الجنائية الدولية الخاصة:

عند وضع تعريف جرائم الحرب بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في مايو 1993 لم يكن هناك من سوابق سوى " قانون جنيف" الذي يشمل الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 ويتضمن حماية ضحايا النزاعات المسلحة٬ و" قانون لاهاي" الذي اعتمد عليه ميثاق نورمبورج٬ ويتضمن طرق ووسائل الحرب٬ وبالتالي فقد شملت المادة الثانية الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف٬ في حين شملت المادة الثالثة انتهاكات قوانين وأعراف الحرب كما هي معرفة في قانون لاهاي.

تم تبني بعد ذلك بعام٬ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية برواندا٬ وقد اعترف مجلس الأمن خلاله بإقرار المسؤولية الدولية عن جرائم الحرب المرتكبة في النزاعات المسلحة غير الدولية٬ الأمر الذي حدا بغرفة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة إلى إعلان قراءة جديدة لطائفتي جرائم الحرب الواردة بالمادتين الثانية والثالثة من نظامها الأساسي في (قضية Tadic)٬ مؤكدة حقيقية أن المسؤولية الدولية عن انتهاكات قوانين وأعراف الحرب تشمل الأفعال المرتكبة خلال النزاعات المسلحة غير الدولية أيضا.

ثالثا: تعريف جرائم الحرب في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:

تناولت المادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جرائم الحرب٬ حيث نصت على ما يلي:

1. يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب٬ ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.

2. لغرض هذا النظام الأساسي٬ تعني "جرائم الحرب":

أ) الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب/ أغسطس ٬1949 أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات صلة:

"1" القتل العمد؛

"2" التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية٬ بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية؛

"3" تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة؛

"4" إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية

تبرر ذلك بالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة؛

"5" إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية؛

"6" تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه  في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية؛

"7" الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع؛

"8" أخذ رهائن.

ب) الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة٬ في النطاق الثابت للقانون الدولي٬ أي فعل من الأفعال التالية:

"1" تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية؛

"2" تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية٬ أي المواقع التي لا تشكل أهدافا عسكرية؛

"3" تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملا بميثاق الأمم المتحدة ماداموا يستحقون الحماية التي توفر المدنيين أو المواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة؛ 

"4" تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة؛

"5" مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافا عسكرية٬ بأية وسيلة كانت؛

"6" قتل أو جرح مقاتل استسلم مختارا٬ يكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع؛

"7" إساءة استعمال علم الهدنة أو علم العدو أو شارته العسكرية وزيه العسكري أو علم الأمم المتحدة أو شاراتها وأزيائها العسكرية٬ وكذلك الشعارات المميزة لاتفاقيات جنيف مما يسفر عن موت الأفراد أو إلحاق إصابات بالغة بهم؛

"8" قيام دولة الاحتلال٬ على نحو مباشر أو غير مباشر٬ بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها٬ أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض وخارجها؛

"9" تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية٬ والآثار التاريخية٬ والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى٬ شريطة ألا تكون أهدافا عسكرية٬

"10" إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف معاد للتشويه البدني أو لأي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي لا تبررها المعالجة الطبية أو معالجة الأسنان والمعالجة في المستشفى للشخص المعني والتي لا تجري لصالحه وتتسبب في وفاة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو في تعريض صحتهم لخطر شديد؛

"11" قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو جيش معاد أو إصابتهم غدرا؛

"12" إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة؛

"13" تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورات الحرب؛

"14" إعلان أن حقوق ودعاوى رعايا الطرف المعادي ملغاة أو معلقة أو لن تكون مقبولة في أية محكمة؛

"15" إجبار رعايا الطرف المعادي على الاشتراك في عمليات حربية موجهة ضد بلدهم٬ حتى وإن كانوا قبل نشوب الحرب في خدمة الدولة المحاربة؛

"16" نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة؛

"17" استخدام السموم أو الأسلحة المسممة؛

"18" استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات وجميع ما في حكمها من السوائل أو المواد أو الأجهزة؛

"19" استخدام الرصاصات التي تتمدد أو تتسطح بسهولة في الجسم البشري٬ مثل الرصاصات ذات الأغلفة الصلبة التي لا تغطى كامل جسم الرصاصة أو الرصاصات المحززة الغلاف؛

"20" استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية تسبب بطبيعتها أضرارا زائدة أو آلاما لا لزوم لها أو أن تكون عشوائية بطبيعتها بالمخالفة للقانون الدولي للمنازعات المسلحة٬ بشرط أن تكون هذه الأسلحة والقذائف والمواد والأساليب الحربية موضع حظر شامل وأن تدرج في مرفق لهذا النظام الأساسي٬ عن طريق تعديل يتفق والأحكام ذات الصلة الواردة في المادتين ٬121 ٬123

"21" الاعتداء على كرامة الشخص٬ وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة؛

"22" الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري على النحو المعرف في الفقرة 2 (و) من المادة ٬7 أو التعقيم القسري٬ أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضا انتهاكا خطيرا لاتفاقيات جنيف؛

"23" استغلال وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين متمتعين بحماية لإضفاء الحصانة من العمليات على نقاط أو مناطق أو قوات عسكرية معينة؛

"24" تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقا للقانون الدولي؛

"25" تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم٬ بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف؛

"26" تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية أو استخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية؛

ج) في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي٬ الانتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة 12 آب/ أغسطس ٬1949 وهي أي من الأفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكا فعليا في الأعمال الحربية٬ بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا سلاحهم وأولئك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الإصابة أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر؛

"1" استعمال العنف ضد الحياة والأشخاص٬ وبخاصة القتل بجميع أنواعه٬ والتشويه٬ والمعاملة القاسية٬ والتعذيب؛

"2" الاعتداء على كرامة الشخص٬ وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة؛

"3" أخذ الرهائن؛

"4" إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلا نظاميا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموما بأنه لا غنى عنها.

د) تنطبق الفقرة 2 (ج) على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي وبالتالي فهي لا تنطبق على حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة؛

ه) الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي٬ في النطاق الثابت للقانون الدولي٬ أي من الأفعال التالية:

"1" توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية؛

"2" تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقية جنيف طبقا للقانون الدولي؛

"3" تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملا بميثاق الأمم المتحدة ما داموا يستحقون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب القانون الدولي للمنازعات المسلحة؛

"4" تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية٬ والآثار التاريخية٬ والمستشفيات٬ وأماكن تجمع المرضى والجرحى٬ شريطة ألا تكون أهدافا عسكرية؛

"5" نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة؛

"6" الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري على النحو المعرف في الفقرة 2 (و) من المادة 7 أو التعقيم القسري٬ أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضا انتهاكا خطيرا للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع؛

"7" تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة أو في جماعات مسلحة أو استخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية؛

"8" إصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين لأسباب تتصل بالنزاع٬ ما لم يكن ذلك بداع  من أمن المدنيين المعنيين أو لأسباب عسكرية ملحة؛

"9" قتل أحد المقاتلين من العدو أو إصابته غدرا؛

"10" إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة؛

"11" إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف آخر في النزاع للتشويه البدني أو لأي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي لا تبررها المعالجة الطبية أو معالجة الأسنان أو المعالجة في المستشفى الشخص المعني والتي لا تجري لصالحه وتتسبب في وفاة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو في تعريض صحتهم لخطر شديد؛

"12" تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورة الحرب؛

و) تنطبق الفقرة (2) (ه) على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي وبالتالي فهي لا تنطبق على حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية٬ مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعة أو غيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة. وتنطبق على المنازعات المسلحة التي تقع في إقليم دولة عندما يوجد صراع مسلح متطاول الأجل بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة منظمة أو فيما بين هذه الجماعات.

3. ليس في الفقرتين 2 (ج) و (د) ما يؤثر على مسؤولية الحكومة عن حفظ أو إقرار القانون والنظام في الدولة أو عن الدفاع عن وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية٬ بجميع الوسائل المشروعة.

الفرع الثاني: شروط حدوث جرائم الحرب حسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:

يقتضي تحقيق عن جرائم الحرب أن يبحث المدعي العام في عدة أمور٬ تتمثل في ارتباط جرائم الحرب بخطة أو سياسة عامة واسعة النطاق (أولا)٬ ارتباط جرائم الحرب بالنزاع المسلح (ثانيا)٬ التأكد من طوائف الجرائم الواردة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ثالثا).

أولا: ارتباط جرائم الحرب بخطة أو سياسة عامة واسعة النطاق:

اقترحت مجموعة من الدول في أثناء المؤتمر التحضيري التركيز على جرائم الحرب الخطيرة التي تمثل قلقا للمجتمع الدولي ككل٬ وذلك لغرضين:

الأول: ألا تنشغل المحكمة بجرائم حرب قليلة الخطورة نسبيا٬ مما يزيد من عبء عمل المحكمة ويكدس القضايا أمامها.

الثاني: ألا تمارس المحكمة ولايتها القضائية على جرائم حرب٬ بمقدور المحاكم الوطنية أو الخاصة متابعتها. ولذلك٬ فقد رأت هذه الدول ضرورة تأكيد إدراج عبارة فقط عند ارتكابها كجزء من خطة أو سياسة مرسومة أو أن تقع على نطاق واسع.

إلا أن هذا الاقتراح كان مثار جدل٬ حيث إن أي جريمة حرب على درجة كافية من الخطورة تستدعي تدخل المحكمة٬ كذلك خشيت بعض الدول من أن إدراج مثل تلك العبارة قد يقلل من عزيمة الدول لمكافحة تلك الجرائم. ومن ناحية أخرى٬ فإن المنهجية واسعة النطاق من العناصر المميزة للجرائم ضد الإنسانية٬ وبالتالي فإن إضفائها على جرائم الحرب أيضا من شأنه أن يقترب بمفهوم جرائم الحرب من مفهوم الجرائم ضد الإنسانية. وعليه٬ فقد تم التوصل لإدراج حل وسط٬ هو إضافة عبارة " ولاسيما" بحيث تكون الأولوية لنظر الجرائم المرتكبة في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لتلك الجرائم.

إن النظام الأساسي قد وسع من نطاق جرائم الحرب٬ مما يسمح للمدعي العام بتوسيع نطاق تحقيقه٬ ولا يقيده في ذلك قيد بخلاف التحقيق عن جريمة الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية التي تستدعي توافر ضوابط معينة. ويرى أن هذا الاتساع قد يدفع المدعي العام إلى البحث عن وسيلة تخرج بعض الحالات من نطاق اختصاصه٬ كأن يحفز القضاء الوطني على ملاحقة تلك الجرائم.

يرى على خلاف ذلك٬ (schabas) أنه كلما كانت قائمة الجرائم طويلة ومفصلة٬ ضاق التفسير٬ وقد أقرت بذلك المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية (kupreski) ويرجع سبب التحديد الدقيق لأحكام المادة (8) إلى خوف الدول وتوترها بشأن نطاق الجريمة ورغبتها في تضييق هذا النطاق.

ثانيا: ارتباط جرائم الحرب بالنزاع المسلح: 

النزاع هو تعارض أو تصادم بين اتجاهات مختلفة أو عدم توافق في المصالح بين طرفين أو أكثر٬ مما يدفع بأطرافه إلى محاولة تغييره أو عدم قبوله. ويكون النزاع دوليا عندما يكون تعارض المصالح بين أشخاص القانون الدولي العام٬ ويكون النزاع الدولي مسلحا إذا أخذ تعارض المصالح شكل الطابع العسكري٬ واندلعت عمليات قتالية بين أطرافه وقد عرفه (pictet) بأنه "أي خلاف ينشأ بين دولتين يؤدي إلى تدخل القوة المسلحة".

يمتد نطاق التحقيق في النزاع المسلح الدولي ليشمل كل إقليم الدول المشتركة في النزاع٬ وإن شمل ذلك أقاليم لم يدر بها النزاع. وبالمثل في النزاع المسلح غير الدولي٬ فيمتد التحقيق ليشمل كافة الإقليم  الواقع تحت سيطرة طرفي النزاع٬ وذلك بحسب قضاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية  (kunarac)٬ وقد اشترط النظام الأساسي أن يرتبط ارتكاب جرائم الحرب " بالنزاع المسلح" سواء كان داخليا أو دوليا٬ إذا لم يوجه للمتهم بارتكاب تلك الجرائم تهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية.

ذهب الفقه إلى ضرورة الارتباط بين الجريمة والنزاع٬ فليست كل جريمة واردة بالمادة (8) يمكن اعتبارها صالحة للتحقيق من قبل المحكمة.

يرى (Schabas) أن الارتباط لا يعني المعية٬ فقد ترتكب جرائم الحرب بعد انتهاء الأعمال العدائية٬ ومثال ذلك الجرائم المتعلقة بتبادل الأسرى.   وقد فسرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة ذلك في قضية (Kunarac) حيث قررت أن: "الارتباط بالنزاع المسلح لا يتطلب أن ترتكب الجريمة مباشرة أثناء النزاع المسلح٬ القانون الدولي الإنساني يمتد يطبق على كافة الإقليم الواقع تحت سيطرة أحد أطراف النزاع٬ سواء كان القتال مستمرا او انتهى".

ترتيبا على ذلك٬  يكفي ارتباط ارتكاب جرائم الحرب بالأعمال العدائية الواقعة في أحد أجزاء الإقليم الواقع تحت سيطرة أحد أطراف النزاع٬ ويتوافر هذا الارتباط إذا ارتكبت الجريمة بعد النزاع أو حتى بعد وقف الأنشطة القتالية كذلك فقد تعرضت لهذا الموضوع في قضية (Tadic) حيث قررت في حكمها أن: "وجود نزاع مسلح أو احتلال٬ وسريان القانون الدولي الإنساني على المنطقة لا يكفي في حد ذاته لخلق ولاية قضائية دولية بصدد كل جريمة خطيرة تم ارتكابها فوق أراضي يوغسلافيا  السابقة٬ فمن أجل أن تقع جريمة معينة في اختصاص المحكمة؛ يلزم أن يثبت وجود علاقة كافية بين الفعل الجنائي المزعوم وبين النزاع المسلح الذي اقتضى سريان القانون الدولي الإنساني.

ثالثا: أنواع الجرائم: 

يمكن تقسيم جرائم الحرب الواردة بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى طائفتين رئيسيتين:

أولا: جرائم الحرب التي تقع في زمن النزاعات المسلحة الدولية: وتشمل جرائم الحرب التي تقع في زمن النزاعات المسلحة الدولية٬ على نحو ما ورد بالنظام الأساسي:

1. الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949: وتشمل الانتهاكات الواردة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام ٬1949 وتعتبر كل دول العالم تقريبا أطرافا في تلك الاتفاقيات٬ وتعترف بموجبها بالاختصاص العالمي للمحاكم عن الجرائم الواردة بها.

استقر العمل الدولي على انطباقها فقط على النزاعات المسلحة الدولية. فقد أقرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية (Tadic) بأن: "الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف تطبق فقط على النزاعات المسلحة الدولية"٬ وذلك بالرغم من أن النظام الأساسي لتلك المحكمة لم يذكر ذلك٬ وعلى المدعي العام٬ في بحثه عن الجرائم الواقعة تحت هذه الفئة٬ أن يبحث في عدة أمور:

أولا: أن تقع تلك الجرائم على شخص ممن تشملهم بالحماية اتفاقية أو أكثر من اتفاقيات جنيف لعام 1949 يعرف النظام الأساسي انتهاكات اتفاقية جنيف بأنها: "أي فعل. ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة"٬ وعلى ذلك٬ فإن ضحايا الانتهاكات الخطيرة لاتفاقيات جنيف يجب أن يكونوا أشخاصا محميين بموجب تلك الاتفاقية. وقد عرفت المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الأشخاص المشمولين بالحماية بأنهم "أولئك الذين يجدون أنفسهم. تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها٬ وقد فسرت محكمة يوغسلافيا السابقة تلك المادة تفسيرا واسعا يمكن معه لشخص ما أن تشمله الحماية٬ برغم انتمائه لنفس قومية محتجزيه٬ وفي حكم لها في قضية (Tardic) أشارت إلى أنه "ليس فقط نص وتاريخ صياغة الاتفاقية؛ وإنما أيضا وهو الأهم؛ هدف وغرد الاتفاقية يفيدون بأن العنصر الحاسم هو وجود ولاء لطرف معين في النزاع وسيطرة لهذا الطرف على أشخاص في منطقة معينة٬ كما قررت أن المادة (4) تهدف إلى أخذ جوهر العلاقات؛  وليس فقط الوصف القانوني بعين الاعتبار.

رأت اللجنة التحضيرية٬ في هذا الخصوص٬ أنه ليس ثمة حاجة لتحديد إضافي لتلك الفئة٬ وقررت إعطاء المحكمة الحرية كاملة في ذلك٬ أسوة بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة.

ثانيا: توافر الركن المعنوي: يجب أن يثبت المدعي العام توافر عنصر العلم والركن المعنوي٬ وذلك بأن يكون مرتكب الجريمة على علم بعنصرين.

أ- أن يكون على علم بالظروف الواقعية التي تثبت الوضع المحمي للضحايا تفسيرا لذلك٬ فقد أوضحت اللجنة التحضيرية أنه يكفي لتحقق هذا العنصر أن يكون الجاني على علم بأن الضحية يدين بالولاء إلى طرف خصم٬ وإن كانت الضحية من نفس جنسيته٬ ولا تهم مسألة علمية بجنسية الضحية.

ب- أن يكون على علم بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح دولي٬ وقد اختلفت آراء  الوفود خلال المؤتمر التحضيري حول الوصف الخاص بدرجة الوعي بالظروف الواقعية التي تثبت النزاع؛ فقد ذهب رأي الأغلبية إلى أنه لا داعي لإثبات أن مرتكب الجرم كان على وعي ببعض الظروف الفعلية؛  فليست هناك حاجة لإثبات وعي المتهم بالحقائق  التي تؤدي لوصف النزاع  كنزاع دولي أو غير دولي؛  كما أنه لا يلزم أن يرقي معيار الظروف الفعلية لحد المعيار الوارد بالمادة (30) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية٬ حيث إنه في أغلب الأحوال يكون وجود النزاع المسلح جليا إلى درجة لا تدعو مجالا للشك بعلم مرتكب الجرم به٬ فضلا عن أن لكل من طرفي النزاع تبريره السياسي الخاص٬ فقد تبرر الدولة تصرفها إزاء مجموعات مسلحة على أساس أنهم إرهابيون أو مجرمون.

2. الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على النزاعات الدولية المسلحة: اشتقت هذه النوعية من الجرائم من مصادر عدة٬ منها لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام ٬1907 والبروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام ٬1949 وميثاق نورمبورج لعام ٬1945 وكذلك بعض القواعد التي تحظر استخدام أسلحة معينة.

لا يشترط في هذه الجرائم أن تقع على فئات محمية٬ ويمكن تقسيم الجرائم المندرجة تحت هذه الفئة إلى:

1. جرائم الحرب المتعلقة بممارسة الأعمال الغذائية٬ وتشمل هذه الطائفة من الجرائم (انظر المادة 8/ب الفقرات 4٬3٬2٬1)

يثور التساؤل في إطار هذه الجرائم الست حول ما إذا كان على المدعي العام أن يثبت حدوث نتيجة ما٬ بمعنى هل تقع هذه الجرائم بمجرد توجيه الهجمات٬ أم أن العبرة بما تسفر عنه هذه الجرائم من أضرار٬ فعلى سبيل المثال٬ إذا تم توجيه هجمات ضد أشخاص أو سكان مدنيين دون أن تتم إصابتهم لعلة ما في السلاح المستخدم٬ فهل تقع جريمة؟

عززت هذا الرأي المحكمة اليوغسلافية في قضية (Blaski)٬ فقد قررت أن "الحالة المعنوية التي تقترن بجميع انتهاكات المادة 3 من النظام الأساسي. تتطلب حدوث التعمد في الأفعال أو في عدم القيام بتلك الأفعال٬ وهو مفهوم يضم كلا من القصد الجنائي والتهور إلى مرتبة الإهمال الجنائي الشديد."

كذلك٬ فقد أضافت أن: "هجوما كهذا لابد وأن يكون قد تم عن معرفة ومقصد٬ وفي ظروف كان يستحيل في ظلها الجهل بكون المدنيين. كأن يتم استهدافهم".

هناك جرائم أخرى تنطوي على ممارسة أعمال عدائية٬ هي:

أ) استغلال وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين متمتعين بحماية لإضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نطاق أو مناطق أو قوات عسكرية معينة.

ب) تعمد تجويع المدنيين كأسلوب بين أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غني عنها لبقائهم٬ بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف. وبالنسبة للجريمة الثانية٬ فقد اتفقت الوفود على أن عبارة "المواد التي لا غني عنها لبقائهم" لا تشمل فقط الطعام والشراب٬ بل أشياء أخرى كالأدوية والأغطية٬ إذا كانت درجة الحرارة منخفضة لدرجة تجعل من الأغطية ضرورة للبقاء على قيد الحياة. وكذلك٬ فإن نية التجويع يجب تفسيرها بالمعنى الواسع للحرمان من مواد لا غني عنها للبقاء على قيد الحياة. أيضا٬ فإن هذه الجريمة تقع وإن لم تسفر عن وفاة شخص أو أكثر من جراء التجويع٬ فهي تقوم بذاتها٬ ولا يشترط أن تسفر عن نتيجة.

2. جرائم الحرب المتصلة باستخدام أسلحة معينة (أنظر المادة 8/ب الفقرات ٬17 ٬18 ٬19 20)

3. الجرائم الجنسية: برغم أن ميثاق نورمبورج واتفاقيات جنيف لم تذكر جريمة الاغتصاب٬ فإنها كانت دائما جريمة الحرب الجنسية الوحيدة٬ ومع ذلك فقد أضاف النظام الأساسي إليها جرائم أخرى تشمل الاستعباد الجنسي٬ والإكراه على البغاء٬ والحمل القسري على النحو المعرف  في الفقرة الثانية من المادة (8)٬ والتعقيم القسري٬ وأي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضا انتهاكا خطيرا لاتفاقيات جنيف.

4. جرائم أخرى: أورد النظام الأساسي جرائم أخرى خارج التصنيف السابق بالمادة /28/ب الفقرات   ٬10 ٬11 ٬13 ٬14 ٬15 ٬16 21.

ثانيا: جرائم الحرب التي تقع في زمن النزاعات المسلحة غير الدولية: يضم هذا النوع من الجرائم الانتهاكات الجسيمة للمادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام ٬1949 فضلا عن الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي٬ في النطاق الثابت للقانون الدولي.

قصد واضعو صياغة نص المادة (3) المشتركة من عبارة النزاعات المسلحة غير الدولية -أساسا- الحروب الأهلية٬ إلا أن الصياغة النهائية جاءت بحيث يمكن أن تشمل أي نزاع آخر ذي طبيعة غير دولية. على أنه يجب ألا يفهم من ذلك أن مفهوم النزاع المسلح غير الدولي يمتد ليشمل حالات الإضرابات والتوترات الداخلية٬ مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف.

1. الانتهاكات الجسيمة للمادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949:

ويجمع هذه الطائفة من الجرائم ركن مشترك٬ هو ارتكابها ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكا فعليا في الأعمال الحربية٬ بمن في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا السلاح٬ أو أولئك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الإصابة أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر؛ وتضم هذه الطائفة أربع جرائم: (أنظر المادة 8/ج الفقرات 4٬3٬2٬1).

2. الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي: لا يوجد اختلاف بين قائمة الجرائم التي تمثل الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة الدولية وبين نظيرتها السارية على النزاعات المسلحة غير الدولية. إلا أن جريمة "إصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين لأسباب تتصل بالنزاع" أتت ضمن الانتهاكات الخطيرة المرتكبة أثناء النزاع المسلح غير الدولي٬ في حين لم يأت النظام الأساسي على ذكرها في الانتهاكات ذات الطابع الدولي.

تشمل الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف جرائم أخرى٬ تعد جرائم حرب إذا ارتكبت فقط في زمن النزاع المسلح الدولي٬ ولا تعتبر كذلك إذا ارتكبت في زمن النزاع المسلح غير الدولي٬ حيث حددت المادة 2/8/ب الفقرات 25٬23٬19٬18٬17٬14٬8٬7٬6٬5٬4٬2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تلك الجرائم.

يتضح من خلال ما تقدم أن جرائم الحرب تتحقق بمجرد الاعتداء على القواعد والأعراف الدولية المنظمة لسير العمليات العسكرية مما يستوجب معاقبة مرتكبيها أمام محاكم جنائية مختصة ومن ثم٬ يمكن أن تعرف جرائم الحرب بأنها: (الأفعال التي تقع أثناء الحرب بالمخالفة لميثاق الحرب كما حددته قوانين الحرب وأعرافها والمعاهدات الدولية).

الفرع الثالث: أركان جرائم الحرب

تتمثل أركان جريمة الإبادة الجماعية بشكل عام في أربعة أركان هي: الركن المادي (أولا)٬ الركن المعنوي (ثانيا)٬ الركن الشرعي (ثالثا)٬ الركن الدولي (رابعا).

أولا: الركن المادي: 

يقوم الركن المادي لهذه الجريمة٬ باستعمال السلاح المحرم دوليا زمن الحرب٬ والاستعمال هنا يفيد ضرب العدو بسلاح موجود ومصنوع وجاهز للاستعمال فحسب٬ إذ لم تتوصل المعاهدات والمواثيق إلى تحريم صنع هذا السلاح أو تحريم إجراء التجارب عليه من أجل تطويره.

لا تقع هذه الجريمة إلا أثناء قيام حالة الحرب أي أثناء نشوبها٬ فلا تقع قبل بدء الحرب ولا بعد انتهاء الحرب٬ إذ من عناصرها أن تقع خلال زمن معين هو زمن الحرب٬ فالحرب في مفهومها الواقعي هي نزاع مسلح أو قتال متبادل بين القوات المسلحة لأكثر من دولة ينهي ما بينها من علاقات سلمية٬ سواء صدر إعلان رسمي أم لم يصدر.

يفيد الاستعمال في هذا المجال العمل المادي المباشر٬ كما يفيد مجرد التحكم والتوجيه أو المراقبة٬ فتطور الأسلحة الحديثة جعلت استعمالها لا يقتصر على العمل المادي المباشر كاستعمال البندقية أو المدفع٬ فهناك أسلحة تتحرك ذاتيا ويقتصر دور الإنسان في عملها على مجرد التوجيه أو المراقبة٬ ولكن ذلك لا يمنع من وجوب اشتراط أن يكون سلوك الإنسان فيها سلوك إيجابي ولو اقتصر الأمر على مجرد التوجيه؛ أو التحكم أو المراقبة أو التخطيط أو إعطاء الأوامر.

ثانيا: الركن المعنوي: 

يقصد به توافر القصد الجنائي لدى الجاني بعنصرية الإرادة العلم بمعنى انصراف إرادته إلى ارتكاب الفعل المجرم وهو يعلم حقيقته٬ فإذا لم يتوافر هذا العلم كان القصد الجنائي منتقيا ولا تقع الجريمة٬ ولا يكفي أن يثبت الجاني أنه لا يعلم بالمعاهدة التي تحظر هذا الفعل٬ وإنما يجب عليه أن يثبت عدم علمه بالعرف الدولي الذي يحرمه٬ كما لا يكفي للانتقاء العلم الامتناع عن التوقيع على المعاهدة التي تحظر الفعل٬ إذ أن هذا الامتناع في حد ذاته يؤكد سوء نية الدولة المبيتة وعلمها بالخطر٬ لكن ينتفي القصد الجنائي إذا لم تكن الإرادة متجهة إلى ارتكاب الفعل المجرم٬ كما لو كانت الدولة تعتقد أنها في حالة دفاع شرعي مثلا٬ والقصد الجنائي المطلوب هنا هو القصد الجنائي العام٬ حيث لا تتطلب المواثيق والمعاهدات غرضا خاصا في النية أو في القصد.

ثالثا: الركن الشرعي: 

يكفي لتجريم الفعل وجود قاعدة تجريمية دولية عرفية٬ أو منصوص عليها في معاهدة دولية٬ والمادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية دليل على تجريم جرائم الحرب.

رابعا: الركن الدولي: 

أن جريمة استعمال السلاح لا تقع إلا أثناء سير العمليات الحربية أي من اللحظة التي تقوم فيها الحرب٬ والحرب نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر٬ وهذا ما يجعل قيام الركن الدولي أمرا واضحا٬ فاشتراط الركن الدولي يعني أن هذه الجريمة لا تقوم بمجرد وقوع حادث تسبب فيه فرد أو حتى مجموعة من الأفراد٬ إذا لم يكونوا أصحاب قرار أو موقع سام في السلطة يؤهلهم لإعلان الحرب.

يقصد بالركن الدولي ارتكاب هذه الجريمة بناء على تخطيط من جانب إحدى الدول المتحاربة وبمعرفة مواطنيها ضد التابعين لدولة الأعداء٬ فهناك شرط يجب توفره في كل من المعتدي والمعتدى  عليه٬ وهو أن يكون كلاهما منتميا لدولة متحاربة مع الأخرى وبالتالي لا يتوافر الركن الدولي في حالة وقوع الجريمة من وطني على وطني  كارتكاب أحد موظفي المستشفيات التي يعالج فيها جرحى الحرب أو  مرضاها عددا من جرائم الأشخاص أو الأموال عليهم٬ كما لا يعد الركن الدولي متوافر إذا كانت الجريمة المرتكبة هي جريمة الخيانة أي تلك المتمثلة في مساعدة الوطنيين للأعداء أيا كانت صورة هذه المساعدة مثل إمدادهم بالسلاح ففي الحالتين تعتبر الجريمة داخلية.

لقد شمل اختصاص المحكمة على جرائم الحرب التي تعد أصل الجرائم الدولية الأخريين وتحدد وتفصل بشكل كبير حيث جاءت المادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة لتحين وتحدد طوائف جرائم الحرب سواء المرتكبة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية٬ مما يظهر تطور فقه القضاء الدولي في هذا المجال٬ ويزيل أي غموض في حالة ارتكاب أفعال مخالفة لاتفاقيات جنيف وقوانين وأعراف الحرب.

غير أن من أهم النقائص التي شابت النظام الأساسي للمحكمة هي: السماح للدول التي تصبح طرفا في النظام الأساسي للمحكمة بإعلان عدم قبولها اختصاص المحكمة على جرائم الحرب المرتكبة سواء من قبل مواطنيها أو ارتكبت في إقليمها لمدة سبع سنوات وفقا للمادة (124) رغم مخالفاتها ذلك لحكم المادة (120) التي لا تجيز التحفظ على هذا النظام.

يمكن القول أن كثرة الحروب في هذا العصر٬ واتساع رقعتها٬ وضعف الحماية الدولية لحقوق الإنسان دون مراعاة لقواعد القانون الدولي الإنساني؛ ولا لقواعد القانون الدولي في حل النزاعات المسلحة ينجز عنها كثير من الجرائم٬ وإفلات كثير من مجرمي الحرب من العقاب؛ وسبب ذلك افتقار المحكمة لجهاز تنفيذي يساعدها على تقديم المتهمين للمثول أمامها٬ أو تنفيذ ما تصدره من أحكام٬ كل هذا انقص من فعاليتها ويبقى عملها مرهون بمدى استجابة الدول للتعاون معها.

المرجع:

  1. د. لونيسي علي، محاضرات في مادة الجرائم الدولية، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ماستر، جامعة آكلي محند ولحاج – البويرة- كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية: 2019/2020، ص85 إلى ص110. 
google-playkhamsatmostaqltradent