ماهية القانون التجاري

ماهية القانون التجاري

ماهية القانون التجاري

إن القانون التجاري وليد البيئة التجارية وما تطلبته المقتضيات الاقتصادية والعلمية من ضرورة وجود تنظيم قانوني خاص يحكم فئة معينة وأعمال معينة. 

الفرع الأول: تعريف القانون التجاري وظروف نشأته وظهوره: 

كون التجارة تلعب دوار هاما في الحياة الاقتصادية كان لابد من وضع نظام قانوني ينظم هذا المجال، هذا ما أدى إلى ظهور القانون التجاري كوليد البيئة التجارية وكرد للمتطلبات الاقتصادية بعد أن نتعرض إلى التعريف الذي استقر عليه الفقه لإعطائه لهذا القانون نستعرض التطورات التاريخية التي وافقت ظهوره. 

أولا: تعريف القانون التجاري 

ظهر القانون التجاري للوجود كقانون مستقل عن القانون المدني الذي كان شريعته العامة تحت ضغط الحاجة الاقتصادية والضرورة العملية التي استلزمت إخضاع فئة معينة من المعاملات (الأعمال التجارية) وفئة معينة من الأشخاص (التجار) لنظام قانوني خاص يتفق مع مقتضيات التجارة ومطالبها. 

بداية يمكن القول بأن الفقهاء عرفوا القانون التجاري بتعريفات مختلفة وذلك حسب الاتجاهات التي يتبعونها في تحديد نطاقه والآراء التي يتبعونها في تحديد محتواه وأكثر التعريفات تعبيرا عن واقع القانون التجاري أنه "فرع من فروع القانون الخاص يشمل مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم طائفة معينة من الأشخاص وهم التجار وطائفة معينة من الأعمال وهي الأعمال التجارية". 

ثانيا: نشأة وتطور القانون التجاري 

يرتبط ظهور القانون التجاري بتاريخ التجارة فالتاريخ له أهمية في نشأة القانون، ويمكن تقسيم نشأة وتطور القانون التجاري عبر العصور إلى ثلاث مراحل: 

•1: العصر القديم 

ترجع أقدم الآثار المعروفة عن التجارة إلى قدماء المصريين والفينيقيين والآشوريين فقد تبادلوا التجارة عبر البحر الأبيض المتوسط وكانت قواعد التجارة بينهم عرفية متحررة من الشكلية تقوم على القوة الملزمة للعقود ومبدأ حسن النية، تميز هدا العصر بقانون حمورابي في بابل فهو الذي وضع في القرن 02 قبل الميلادي بعض قواعد القوانين التجارية الموجودة حاليا كالقرض بالفائدة، الوديعة، والوكالة بعمولة وعقد الشركة...الخ.

•2: العصر الوسيط 

ساهم العرب ابتداء من القرنيين السابع والثامن عشر الميلادي في وضع بعض القواعد التجارية كشركات الأشخاص والإفلاس والسفتجة كما تجدر الإشارة إلى دور الإسلام في إرساء بعض الأحكام كقاعدة حرية الإثبات حيث جاء في الآية 282 من سورة البقرة "يا أيها الذين امنوا إذا تداينتم إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل...إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها". 

ظهرت في هذا العصر عدة قواعد تجارية وكانت هده القواعد قائمة على فكرتين السرعة والائتمان ومنه ظهرت السفتجة (الكمبيالة) التي سمحت بنقل النقود بسهولة من مكان إلى آخر، كما ظهر نظام الإفلاس وقاضي خاص بالتجار للفصل في النزاعات التجارية وظهرت أيضا في هذا العصر شركة التوصية وقاعدة حرية الإثبات في المعاملات التجارية. 

3: العصر الحديث 

ابتداء من القرن السابع عشر مع بناء الدول الكبرى الأوروبية وتوسعها خاصة في المجال الاقتصادي ونظرا لتطور المعاملات التجارية وقوة النظام الملكي آنذاك بدأ التشريع الفعلي لبعض نصوص القانون التجاري نذكر منها النص الصادر سنة 1563 الذي أنشأ اختصاص القضاء التجاري وقد تألقت فرنسا في تحقيق وحدة التشريع التجاري في عهد لويس الرابع عشر ومن أهم النصوص التي صدرت أمران: 

• أولهما الأمر الصادر في مارس 1673 والخاص بالتجارة البرية.

• أما الثاني فهو الأمر الصادر في أوت 1681 والخاص بالتجارة البحرية والذي تميز بوضع قواعد هامة كالتفرقة بين الإفلاس البسيط والإفلاس بالتدليس والتي أخذها عنه فيما بعد القانون التجاري لنابليون.

سنة 1789 تاريخ الثورة الفرنسية ألغيت هذه القوانين وتم تبني مبدأ حرية التجارة والصناعة من خلال المراسيم الصادرة في مارس 1971 التي تلاها بعد ثلاثة أشهر صدور قانون chapelier في جوان 1971 وقد قام بتقرير حرية التجارة والصناعة، تواصل عمل رجال القانون في فرنسا على إصدار تقنين تجاري فرنسي وتجسد دلك في 15 ديسمبر 1807 أي في عهد نابليون بدأت المادة 01 منه بتعريف التاجر دخل حيز التنفيذ في 01 جانفي 1808 وكان يتضمن 648 مادة مقسمة إلى 4 أجزاء: 

- الجزء الأول يخص التجارة بوجه عام.

- الجزء الثاني خاص بالتجارة البحرية

- الجزء الثالث خاص بالإفلاس.

- الجزء الرابع خاص بالقضاء التجاري. 

واصل القانون التجاري الفرنسي تطوره وتحوله نتيجة التطورات الاقتصادية والسياسية فتم حذف نصوص وٕإضافة أخرى حيث صدرت نصوص تجارية هامة منها: قانون 5 جويلية 1844 المتعلق ببراءات الاختراع، قانون 24 جوان 1865 الخاص بالشيك والقانون المتعلق ببيع ورهن المحل التجاري في 17 مارس 1909، وكان للقانون الفرنسي تأثيرا كبيرا في البحر الأبيض المتوسط لاسيما على الجزائر التي أصدرت القانون التجاري عبر الأمر 75 -59 المؤرخ في 26 -9-1975 وقد طرأت عليه تعديلات عديدة آخرها كان في ديسمبر 2015 ( القانون رقم 15- 20 المؤرخ في 30 ديسمبر 2015 يعدل ويتمم الأمر 75- 59 المؤرخ في 26 سبتمبر1975 المتضمن القانون التجاري، جريدة رسمية عدد 71 سنة 2015).

الفرع الثاني: خصائص القانون التجاري ونطاقه

رغـم اسـتقلاله الحـديث عـن القـانون المـدني يتميـز القـانون التجـاري بالعديـد مـن الصـفات التـي تميـزه عـن القـوانين الأخـرى، وأن تحديـد نطـاق القـانون التجـاري لـيس بالمسـألة السـهلة نظـرا لتنـازع تيـارين متعارضـين وهمـا التيـار المركـز علـى المعيـار الموضـوعي والتيـار الـذي يركـز رأيـه علـى الأخذ بالمعيار الشخصي.

أولا: خصائص القانون التجاري:

يتميز ب:  

1: السرعة: على عكس الأعمال المدنية التي تتصف بالبطء حيـث انـه فيهـا وقبـل إبـرام العقـد يجـب المناقشـة، تبـادل الآراء، التـدقيق، احتـرام الشـكليات.. الـخ، فـإن الأعمـال التجاريـة تتسـم بالسرعة باعتبارها تتكرر في حياة التاجر.  

2: الائتمان والثقة: إن اغلب العمليات التجارية تتم بتأجيل الدفع بـين التجـار أنفسـهم مـا يجعلهـم يرتبطـون بـروابط متتابعـة ممـا يخلـق لـديهم الثقـة والائتمـان وهـو مـا يتـرجم علـى قواعـد القـانون التجاري التي لا تتطلب الكثير من الإجراءات كما هو الحال في القوانين الأخرى.  

3: قانون حديث النشأة وسريع التطور: بالمقارنة مع القانون المدني فالقانون التجاري هو قانون حديث النشأة ولم يظهر للوجود كقانون مستقل إلا فـي عهـد قريـب ويعـد قانونـا متطـورا وفـي حركـة مستمرة وقواعده عرضة للتعديلات والتتميمات تحت تأثير تطور الحياة التجارية، فمثلا نجـد حاليـا العديد من القواعد التي تنظم التجارة الالكترونية هي أحكام لم تكن قبلا. 

4: توسع رقعة النظـام العـام فيـه: ويقصـد بفكـرة النظـام العـام وجـود قواعـد آمـرة لا تقبـل مخالفتهـا من طرف الأشخاص، القانون التجاري ورغم احتوائه للعديد مـن القواعـد المكملـة إلا أنـه تكثـر فيـه القواعد الآمرة وذلك نظرا لما تتطلبه الرغبـة فـي حمايـة الأنظمـة الاقتصـادية وحمايـة حركـة رؤوس الأموال.  

ثانيا: نطاق القانون التجاري (مجاله)

اختلفـت الآراء الفقهيـة حـول نطـاق القـانون التجـاري ممـا أدى إلـى طـرح السـؤال التـالي: هـل القانون التجاري يعد قانونا خاصا بالتجار أو أنه قانون خاص بالأعمال التجاريـة؟ انحصـرت هـذه الآراء في نظريتين شهيرتين: 

•1: النظرية الموضوعية(المادية): مضمون هده النظرية فيمـا يتعلـق بالعمـل التجـاري هـي أن نطاق القانون التجاري ينحصر في الأعمال التجارية فتعتبـر هـذه الأخيـرة هـي الأسـاس والدعامة التي يقوم عليها هذا القانون، بحيث إذا قام شخص بعمل تجاري فـإن هـذا العمـل يخضـع للقـانون التجـاري سـواء كـان القـائم بـه تـاجرا أو غيـر تـاجر، فتهـتم هـذه النظريـة بتعريف العمل التجاري وتحديـد الأعمـال التـي تعتبـر تجاريـة، فحسـب أنصـار هـذه النظريـة أن القانون التجاري هو قانون العمل التجاري لا قانون التجار.  

•2: النظرية الشخصية أو الذاتية: تجعل من شخص التاجر أساسا للقانون التجـاري فتـرى هـذه النظريـة أن القـانون التجـاري لا يطبـق إلا علـى التجـار، فأسـاس القـانون التجـاري هـو التـاجر بحيـث لـو قـام شـخص غيـر تـاجر بعمـل تجـاري فإنـه لا يخضـع لأحكـام القـانون التجاري.

• موقف القانون الجزائري:

إذا نظرنا إلى القانون الجزائري الصادر بالأمر رقم 59 لسنة 1975 نجد أن المادة الأولى منه تنص على أن "يعد تاجرا كل من يباشر عملا تجاريا ويتخذه حرفة معتادة له " وقضى في المادة الرابعة بأن "يعد عملا تجاريا بالتبعية، تلك الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة التجارة أو حاجات متجرة والالتزامات بين التجار".

وعلى الرغم من أن المشرع الجزائري أخذ هذين النصين بالنظرية الشخصية إلا أنه لم يلبث أن أخذ بالنظرية الموضوعية حين عدد الأعمال التجارية بحسب موضوعها في المادة الثانية والأعمال التجارية بحسب الشكل في المادة الثالثة، وفضلا عن أن المشرع الجزائري حدد في هذه المواد الأربع مجال ونطاق تطبيق القانون التجاري، فإنه نظم بنصوص واضحة الأحكام التي تسري على التجار دون سواهم كمسك الدفاتر التجارية والقيد في السجل التجاري، ولهذا نرى أن المشرع الجزائري أخذ بمذهب مزدوج، حيث لا نجد قواعده جميعا من طبيعة واحدة وٕإنما استلهمت بعض أحكامه النظرية الشخصية والبعض الآخر اعتنقت النظرية الموضوعية.

المرجع:

  1. أ. بن تومي صحر، محاضرات موجزة في مقياس القانون التجاري، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، المركز الجامعي عبد الحفيظ بو الصوف – ميلة كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، السنة الجامعية: 2021-2022. 

google-playkhamsatmostaqltradent