مصادر القانون التجاري وعلاقته بالقوانين الأخرى

مصادر القانون التجاري وعلاقته بالقوانين الأخرى

كلمة مصدر تعني المنبع بصفة عامة وللقانون عدة مصادر أو منابع استقى منها أساسه نقتصر منها على المصادر الرسمية والمصادر التفسيرية وهي الفقه والقضاء باعتبارهما مصدرين تفسيريين يلجأ إليها القاضي إذا أعوزه التشريع ومبادئ الشريعة الإسلامية والعرف، ويقصد بالمصدر الرسمي للقانون المصدر الذي تستمد منه القاعدة قوتها الملزمة على خلاف المصدر التفسيري الذي لا يلزم القاضي بالرجوع إليه إنما يلجأ له من قبيل الاستئناس وللقانون التجاري بصفة عامة كبقية فروع القانون عدة مصادر، كما له علاقة بفروع القانون الأخرى والتي سنتطرق لأهمها في هذا المطلب.  

الفرع الأول: مصادر القانون التجاري

تنص المادة 1 مكرر من القانون التجاري "يسري القانون التجاري على العلاقات بين التجار وفي حالة عدم وجود نص فيه يطبق القانون المدني وأعراف المهنة عند الاقتضاء."

أولا: المصادر الرسمية

تضم التشريع في المرتبة الأولى ثم يليها العرف طبقا للمادة 1 مكرر من القانون التجاري ثم الشريعة الإسلامية -خلافا للقواعد العامة - في المرتبة الثالثة.

1-التشـريع:

هـو المصـدر الأساسـي للقـانون التجـاري حاليـا وعلـى القاضـي اللجـوء إلـى هـذا المصدر أولا للبحث عـن نـص للفصـل فـي النـزاع، وعليـه فـأول مصـدر بالنسـبة للمشـرع الجزائـري هو القانون التجاري لسنة 1975 المعدل والمتمم أكثر من مرة وما نلاحظه على هـذا القـانون هـو أن المشـرع تـأثر بالقـانون الوضـعي الفرنسـي وحـاول الاسـتفادة مـن التطـورات التـي وصـل إليهـا ولا يقتصر التشريع كمصدر للقانون التجاري على التقنين التجاري والتشـريعات اللاحقـة بـل يشـمل أيضـا القـانون المـدني لأنـه الشـريعة العامـة لتنظـيم العلاقـات الاقتصـادية هـذا إذا لـم يوجـد نـص خاص في قانون آخر وذلك تطبيقا لقاعدة الخاص يقيد العام كقانون الأنشطة التجارية مثلا... 

2- العرف التجاري:

كان له دور هام في عصور سابقة لكنه فقد هذه الأهمية نظرا لتدخل المشرع بتقنينه لمعظم القواعد العرفية ،والعرف قاعدة تعامل بها التجار لمدة طويلة مـن الـزمن وذهـب فـي اعتقادهم بأنها قاعدة إلزامية وجب احترامها من أمثلتهـا: إعـذار المـدين فـي المسـائل التجاريـة بـأي طريق أو شـكل بـدلا مـن إعـذاره بالشـكل الرسـمي، تخفـيض الـثمن بـدلا مـن الفسـخ فـي حالـة تسـليم بضاعة من صنف اقل جودة من الصنف المتفق عليه وينشأ العرف بمجرد توفر ركنيين المادي وهو تكرار وقوع الفعل، والمعنوي وهو الاعتقاد بالإلزامية. 

هل يجوز للعرف أن يخالف نصا مكتوبـا؟ مـن المتفـق عليـه انـه لا يجـوز للعـرف أن يخـالف نصـا تجاريا آمرا، غير أن الأمر يثير مناقشته عند وجود تناقض بين نص مدني ونص عرفي؟ 

بعـض الفقهـاء يعتبـرون انـه لابـد مـن تقـديم الـنص المـدني علـى الـنص العرفـي والـبعض ينـادون بالعكس مثلا مصطفى كما طه يعتبر أن مخالفة العرف التجاري لنصوص القـانون المـدني الآمـرة ليس فيهـا تغليـب للعـرف علـى التشـريع فالقـانون المـدني لا يطبـق إلا إذا لـم يوجـد حكـم خـاص فـي القـانون التجـاري، ووجـود عـرف تجـاري معنـاه وجـود قاعـدة قانونيـة تجاريـة خاصـة فـلا حاجـة مـع وجودها إلى تطبيق القواعد المدنية. 

الواقـع يجـب التفرقـة بـين القاعـدة المدنيـة الآمـرة أي التـي لهـا علاقـة بالنظـام العـام والمكملـة أو المفسرة التي ليست لها علاقة بالنظام العام، فلا يجوز تقديم القاعـدة العرفيـة علـى القاعـدة المدنيـة الآمـرة، أمـا فـي حالـة القاعـدة المكملـة يجـوز ذلـك، قـد أعطـى المشـرع للعـرف كامـل أهميتـه عنـد تعديله للقانون التجـاري سـنة 1996 بإعـادة ترتيبـه وجعلـه فـي المرتبـة الثانيـة مـن مصـادر القـانون التجاري لكونه فعـلا اقـرب للمعـاملات التجاريـة والأصـلح لحـل النزاعـات الناشـئة عنهـا خاصـة وأن معظم قواعد القانون التجاري مستمدة سابقا من قواعد عرفية. 

3: الشـريعة الإسـلامية:

علـى القاضـي اللجـوء إليهـا فـي حالـة عـدم وجـود نـص تشـريعي، حـاول المشـرع أن يسـاير التطـور مـع مراعـاة أحكـام الشـريعة الإسـلامية مثـل محاولـة محاربـة الربـا عـن طريق تحريم الفوائد بين الأفراد، المادة 454 قانون مدني جزائري"القرض بين الأفراد يكـون دائمـا بدون أجر ويقع باطلا كل نص يخالف ذلك".

ثانيا: المصادر التفسيرية:

تتمثل في 

1: القضاء:

نقصد به الاجتهاد القضائي الذي تكون مع مرور الزمن، ومن الناحية القانونية وان كـان حكـم المحكمـة لا يلزمهـا ولا يجبـر غيرهـا مـن المحـاكم حتـى ولـو كـان صـادرا عـن المحكمـة العليا ذاتها غير أنه يمكن الاستعانة به في القضايا المماثلة. 

2: الفقه:

هو مجموع ما أدلى به فقهـاء القـانون التجـاري مـن آراء حـول مسـألة معينـة وهـم بصـدد تفسير النصوص القانونية المتعلقة بهـا أو بصـدد التعليـق علـى الأحكـام القضـائية الصـادرة بشـأنها وهـذا مـن أجـل سـد الفـراغ الموجـود فـي النصـوص القانونيـة وتوجيـه المشـرع لإصـدار النصـوص القانونية الملائمة بشأنها، وٕإن لرأي الفقهاء من أساتذة قانون وقضاة ومحامين وغيرهم ممن يجتهد ويكتب في مؤلفاتهم القانونية العلمية دور هام في التأثير على المشرع وذلك باستعانة هذا الأخيـر بآراء ونظرية الفقهاء سواء في مرحلة صياغته لمشاريع القوانين المختلفة أو عند تعديله للنصوص القانونية فأساتذة القانون هم الذين يكونون القضاة تكوينا علميا قانونيا. 

الفرع الثاني: علاقة القانون التجاري بالقوانين الأخرى 

للقانون التجاري علاقة وطيدة بمعظم فروع القانون نذكر منها: 

أولا: علاقة القانون التجاري بالقانون المدني 

يعتبر القانون المدني الشريعة العامة الواجبة التطبيق على جميـع المعـاملات المدنيـة والتجاريـة فـإذا لـم يكـن هنـاك قواعـد تجاريـة خاصـة بالمعـاملات التجاريـة فـي مسـألة معينـة وجـب تطبيـق القانون المدني عليها شريطة أن لا يتعارض مع ما تقتضيه التجارة، فمثلا نجد أن العقود التجارية فـي غالبيتهـا تسـتمد أساسـها مـن القـانون المـدني كعقـد البيـع والإيجـار والنقـل والتـأمين، كـذلك أن للقانون التجاري تأثير علـى القـانون المـدني ومـن أمثلتهـا نجـد انتقـال فكـرة الشخصـية المعنويـة مـن الشـركات التجاريـة إلـى الشـركات المدنيـة كمـا يعتبـر المشـرع الجزائـري الوكـالات ومكاتـب الأعمـال تخضع للقانون التجاري بحسب شكلها حتى ولو كـان موضـوعها مـدنيا، ومنـه نسـتنتج أن كـلا مـن القانونين يؤثر ويتأثر بالآخر. 

* المناداة بوحدة القانون الخاص:

نظرا للصلة الوثيقة بين أحكام القانونين التجاري والمدني ظهر اتجاه في الفقه القانوني ينادي بإدماجهما معا في قانون واحد يطبق على جميع الأفراد وفي جميع المعاملات دون تفرقة بين عمل مدني أو تجاري أو بين تاجر وغير تاجر وذلك بغرض الوصول إلى ما يسمى بوحدة القانون الخاص، ويطالب أنصار هذا الرأي بسريان قواعد القانون التجاري من سرعة وبساطة في الإجراءات على قواعد القانون المدني كلما اقتضى الأمر ذلك حتى يستفيد من ذلك التاجر وغير التاجر، كما أنه إذا كانت إجراءات القانون المدني بها بعض القيود والشكليات في تصرفات معينة أو عقود خاصة نظرا لأهميتها فإنه يمكن فرض هذه القيود والشكليات في التصرفات التجارية الهامة حتى تستقر بشأنها المنازعات.

ويرى أنصار هذا الرأي أن القانون التجاري باعتباره قانون الأعمال في عصرنا هذا إنما يتضمن في الواقع النظرية العامة في الأموال والالتزامات التي تطبق على جميع التصرفات التي تجرى بين الأفراد العاديين وبين من يساهمون في الحياة الاقتصادية بصفة عامة، قد أخذت فعلا بعض البلاد بهذا الاتجاه كما هو الحال في الولايات المتحدة وإنجلترا وسويسرا وإيطاليا حيث استطاعت معظم هذه البلاد إدخال العناصر والصفات التجارية للقانون المدني ومثال ذلك القانون المدني الإيطالي الصادر عام 1942 الذي رد القانون التجاري إلى حظيرة القانون المدني فألغى مجموعة القانون التجاري وأدمج موضوعاتها في مجموعة القانون المدني.

* ضرورة استقلال القانون التجاري:

إن فكرة المناداة بتوحيد أحكام القانون التجاري مع القانون المدني وٕإن كانت تعد منطقية في ظاهرها إلا أنها تخالف في جوهرها حقيقة الأوضاع والضرورات العملية، فما من شك أن المعاملات التجارية لها ما يميزها عن المعاملات المدنية مما يستتبع وضع نظام خاص بها فطبيعة المعاملات التجارية تقتضي السرعة وسهولة الإجراءات وليس من المفيد أن تنتقل هذه التسهيلات إلى الحياة المدنية التي تتسم بطابع الاستقرار والتروي وذلك من شأنه تعميم هذه السرعة في الإجراءات زيادة المنازعات وعدم استقرار التعامل بين المدنيين وصعوبة الإثبات أمام القضاء وخاصة أن مسك الدفاتر مثلا أمر لا يلتزم به سوى التجار كما وأن المناداة بنقل بعض الإجراءات الرسمية والشكلية المدنية إلى العقود التجارية أمر يؤدي في الواقع إلى عرقلة التجارة مهما بلغت أهمية عقودها أو ضخامتها، كما أن تشجيع المدنيين على التعامل بالأوراق التجارية خاصة الكمبيالات (السفاتج) من شأنه أن يدفع بهذه الطائفة من الأفراد إلى مجالات لا شأن لها بها.

ويلاحظ أن البلاد التي أخذت بتوحيد كلا القانونين لم تستطع إدماجها إدماجا كليا حيث ظلت فيها بعض الأحكام والقواعد المستقلة التي تنفرد بها المعاملات التجارية وطائفة التجار ومن الأمثلة على ذلك إنجلترا حيث أصبحت النظم التجارية منفصلة عن مجموع القانون العام مثل قانون بيع البضائع وقانون الإفلاس والشركات وكذلك الحال في كل من القانون السويسري والإيطالي الذي وضع كل منها بعض النظم الخاصة بالتجارة والتجار مثل مسك الدفاتر التجارية والإفلاس.

وللقانون التجاري أصالته في عدة موضوعات لا نجد لها سندا إلا بالمجموعة التجارية مثل الإفلاس وتصفية الأموال وعمليات البنوك خاصة ما يتعلق منها بالحساب الجاري وخطابات الضمان والتحويل المصرفي التي نشأت نتيجة المقتضيات العملية وأقرها القضاء التجاري، والواقع أنه ما من شك في أن لكل من القانون المدني والتجاري مجاله وأن إدماجهما في قانون واحد لا يتناسب مع طبيعة معاملات كل منهما على أن استقلال القانون التجاري لا يعني إنكار الصلة الوثيقة بينه وبين القانون المدني إذ قد يعتمد القانون التجاري على بعض أحكام القانون المدني ويكتفي بالإحالة عليها ويؤدي هذا إلى اعتبار القانون المدني الأصل العام الذي يرجع إليه كمصدر من مصادر القانون التجاري. 

ثانيا: علاقة القانون التجاري بالقانون الاقتصادي

توجـد علاقـة وثيقـة بينهمـا فـإذا كـان القـانون الاقتصـادي يبحـث عـن كيفيـة إشـباع الحاجـات الإنسـانية فـإن القـانون التجـاري يـنظم وسـائل الحصـول علـى هـذه الحاجـات، والقـانون الاقتصـادي يسطر السياسة الاقتصـادية للـبلاد ولابـد علـى التشـريع تكـريس هـذه السياسـة فـي مختلـف نصوصـه كقانون الاستثمار مثلا، كما أدت هذه الصـلة إلـى اعتبـار كـل مؤسسـة اقتصـادية خاضـعة للقـانون التجـاري باعتبارهـا تتخـذ شـكلا مـن أشـكال الشـركات التجاريـة واسـتعانت بالأسـاليب التجاريـة فـي إدارتها واستجماع رأسمالها.

ثالثا: علاقة القانون التجاري بالقانون الدولي

تظهـر علاقتـه بالقـانون الـدولي جليـا نظـرا لازديـاد المعـاملات التجاريـة الدوليـة خاصـة فـي إطـار المبادلات، الصلة وطيدة بين القانون التجاري والقانون الدولي العام نظرا لتدخل الدولة في الحياة الاقتصـادية، فـي سـبيل تحقيـق خطتهـا الاقتصـادية تقـوم الدولـة بـإبرام اتفاقـات تجاريـة دوليـة حتـى ظهر فرع جديد للقانون هو قانون الأعمال الدولي. 

كما توجد صلة بين القانون التجاري والقانون الدولي الخاص هذا الأخيـر يقـوم بتنظـيم العلاقـات التجاريـة التـي تشـمل علـى عنصـر أجنبـي أي التـي تـتم بـين رعايـا الـدول المختلفـة نظـرا لاخـتلاف القواعد الداخلية لكل دولة ومن أجل وضع حد لمشكل تنازع القوانين.

رابعا: علاقة القانون التجاري بالقانون الجبائي والقانون الجنائي 

للقانون التجاري علاقة أيضا ببعض فروع القانون الأخرى كالقانون الجبائي الذي يقوم بتنظيم الضريبة المفروضة على التجار مثل الضريبة على الأرباح التجارية، كما أن هناك علاقـة وطيـدة بين القـانون التجـاري والقـانون الجنـائي إذ يـنظم هـذا الأخيـر الجـرائم والمخالفـات المتعلقـة بممارسـة التجارة كجريمة الإفلاس بالتدليس أو بالتقصير وجريمة إصدار شيك بدون رصيد....الخ.

المرجع:

  1. أ. بن تومي صحر، محاضرات موجزة في مقياس القانون التجاري، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، المركز الجامعي عبد الحفيظ بو الصوف – ميلة كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، السنة الجامعية: 2021-2022. 

google-playkhamsatmostaqltradent