مفهوم البلدية

مفهوم البلدية

مفهوم البلدية

لقد اهتمت الدساتير والنصوص القانونية بالبلدية منذ الاستقلال، وقامت بإعطاء تعريف لها لذلك سوف يتم تسليط على الضوء على مختلف هذه التعاريف (المطلب الأول)، ثم إبراز أهم الخصائص التي تتمتع بها البلدية (المطلب الثاني)، فيما يلي:

المطلب الأول: تعريف البلدية

سوف يتم تناول تعريف البلدية في مختلف الدساتير (أولا)، ثم في مختلف قوانين البلدية التي عرفتها الجزائر (ثانيا). 

أولا- البلدية في الدساتير الجزائرية:

لقد تعرضت جميع الدساتير الجزائرية، إلى البلدية كجماعة إقليمية لا مركزية للدولة، بداية من دستور الجزائر لسنة 1963 إلى دستور الجزائر 2020، وهذا ما سيتم تبيانه فيما يلي:  

* البلدية في دستور سنة 1963: لقد اعتبر دستور الجزائر الصادر في 10 سبتمبر 1963، في المادة 9 منه ،على أن الدولة تتشكل من مجموعات إدارية، يحدد القانون مداها واختصاصاتها.    

واعتبر أن البلدية هي الجماعة الإقليمية الإدارية الاقتصادية والاجتماعية، القاعدية للدولة.

* البلدية في دستور سنة 1976: لقد اهتم دستور 19 نوفمبر 1976، اهتماما كبيرا بالبلدية حيث اعتبرها مجموعة إقليمية للدولة إلى جانب الولاية، واهتم بالمبادئ التي تحكم البلدية والتي على رأسها مبدأ اللامركزية، كما قام بتعريف المجلس الشعبي المنتخب، وقام كذلك، بإعطاء تعريف للبلدية، وذلك في الفقرة الثانية من المادة 36 منه، والتي نصت على ما يلي: "البلدية هي المجمـوعة الإقليـمـية السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في القاعدة".

* البلدية في دستور 1989: لقد عرفت الجزائر مرحلة جديدة بعد دستور 23 فيفري 1989، أحدثت القطيعة مع النظام الاشتراكي السائد سابقا ونظام الحزب الواحد. وتميزت هذه المرحلة بانفتاح سياسي ومجالس منتخبة مبنية على أساس التعددية الحزبية. وفي هذا الصدد، اهتم دستور 1989 بالبلدية، واعتبرها جماعة إقليمية قاعدية للدولة، وهذا في المادة 15 منه.

* البلدية في دستور 1996: لم يختلف دستور الجزائر لسنة 1996، المعدل والمتمم، عن دستور 1989، واهتم هو الآخر بالبلدية واعتبرها جماعة إقليمية قاعدية للدولة، حسب المادة 16 منه.

* البلدية في دستور 2020: لقد نصت المادة 17 من دستور الجزائر لسنة 2020، على ما يلي:" الجماعات المحلية للدولة هي البلدية والولاية. البلدية هي الجماعة القاعدية"، وهو ما يفهم من خلاله أن البلدية هي جماعة محلية القاعدية للدولة". تجب الإشارة أن المؤسس الدستوري استعمل اصطلاح جديد هو "الجماعات المحلية" عوض اصطلاح "الجماعات الإقليمية" الذي سبق أن استعمله في الدساتير السابقة الذكر، وهو الذي نراه أنه لا يعدو سوى تسمية مرادفة لاصطلاح "الجماعات الإقليمية"ـ لا تترتب عليه أي آثار قانونية.

ثانيا- تعريف البلدية في قوانين البلدية: 

لقد اهتمت كل قوانين البلدية منذ الاستقلال بتعريف البلدية، وهو ما سيتم التطرق له فيما يلي:

* تعريف البلدية في قانون البلدية لسنة 1967: عرفت البلدية في الفقرة الأولى من المادة 01 من الأمر رقم 67- 24، المؤرخ في 18 جانفي 1967 الذي يتضمن القانون البلدي، والتي جاء نصها فيما يلي: "البلدية هي الجماعة الإقليمية السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية". ما يلاحظ من خلال هذا التعريف هو أنه جاء واسعا، وشاملا، ويعبر عن التوجه الذي كان سائدا آنذاك وهو التوجه الاشتراكي كخيار سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي في إطار الحزب الواحد، حيث كانت البلدية تتمتع بصلاحيات واسعة وكانت تعتبر البلدية أداة أساسية لممارسة التوجه الاشتراكي.

* تعريف البلدية في قانون البلدية لسنة 1990: عرفت المادة الأولى من القانون رقم 90-08 المؤرخ في 7 أفريل 1990، الذي يتعلق بالبلدية، على أنها " البلدية هي الجماعة الإقليمية الأساسية، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وتحدث بموجب قانون".

* تعريف البلدية في قانون البلدية لسنة 2011: عرفت المادة الأولى من القانون رقم 11-10، المؤرخ في 22 يناير 2011، الذي يتعلق بالبلدية، على أنها: "البلدية هي الجماعة الإقليمية القاعدية للدولة، وتتمتع بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة، وتحدث بموجب قانون".

المطلب الثاني: خصائص البلدية

من خلال التعاريف السابقة يمكن أن نستنتج أهم الخصائص التي تتمتع بها البلدية، والتي تميزها عن المفاهيم المشابهة لها: 

أولا- البلدية هي الجماعة الإقليمية القاعدية للدولة: 

لقد اعتبرت كل الدساتير الجزائرية و قوانين البلدية، البلدية هي الجماعة الإقليمية القاعدية للدولة، ومعنى ذلك أن البلدية هي الوحدة الترابية الأساسية التي يتشكل منه إقليم الدولة. وذلك إلى جانب الولاية التي تعتبر هي الأخرى جماعة إقليمية للدولة. وتشكل سمة الجماعة القاعدية الخاصية التي تميز البلدية عن الولاية، والتي من خلالها يتجسد مبدأ تقريب الإدارة من المواطن، باعتبار أن البلدية هي الخلية الإدارية الأساسية الأقرب للمواطن.

ثانيا- البلدية هي شخص معنوي عام: 

لقد منح المشرع البلدية الشخصية المعنوية وهو ما يؤدي إلى تمتعها بالاستقلالية الإدارية والذمة المالية المستقلة عن الدولة وهذا ما نستشفه من خلال المادة الأولى من قانون البلدية لسنة 2011 كما نتشفه كذلك من خلال المادة 49 من القانون المدني التي اعتبر البلدية من الأشخاص الاعتبارية. وهو ما يترتب عنه تمتع البلدية بكل الآثار المترتبة عن الشخصية المعنوية من قدرة على القيام بالتصرفات القانونية واكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، والاستقلال الإداري والذمة المالية المستقلة وموطن وممثل قانوني وغيرها. وهذا ما يميز البلدية عن المصالح غير ممركزة للدولة كالمديريات التنفيذية على مستوى الولايات، وكذلك الدائرة التي تعتبر هيئة عدم تركيز إداري لا تتمتع بالشخصية المعنوية.

ثالثا- البلدية هيئة لامركزية إدارية إقليمية: 

تعتبر البلدية هيئة لا مركزية إدارية إقليمية تدير الشؤون العمومية المحلية، في إطار الصلاحيات التي حددها القانون. وهو ما يميزها عن الهيئات الإدارية المركزية (رئاسة الجمهورية، الوازرة الأولى، الوزارات، المصالح غير ممركزة للدولة)، كما يميزها كذلك عن المؤسسات العمومية التي تعتبر هيئات تمثل اللامركزية الإدارية المرفقية.

رابعا- البلدية تحدث بموجب قانون: 

تنشأ البلدية بموجب نص تشريعي، يحدد مداها والصلاحيات التي تقوم بها في تسيير الشؤون العمومية المحلية. وهذا ما نصت عليه المادة الأولى من قانون البلدية لسنة 2011. وهو ما يبين المكانة الكبيرة التي تتمتع بها البلدية، وهذا عكس المؤسسات العمومية التي تنشأ بموجب نص تنظيمي.

خامسا- البلدية تخضع لرقابة الدولة: 

إذا كانت البلدية هي جماعة إقليمية للدولة، تتمتع بالاستقلال الإداري    والمالي في ممارسة صلاحياتها إلا أن استقلاليتها ليست مطلقة، وإنما تكون محددة في  إطار احترام مبدأ المشروعية وفي إطار احترام مبدأ وحدة الدولة. وهذا ما يترتب عليه خضوع البلدية لرقابة الدولة في إطار القانون، وهو ما يعرف بالوصاية الإدارية على البلدية.

المطلب الثالث: التطور التاريخي للنظام القانوني للبلدية

يعد الحديث عن التطور التاريخي للنظام القانوني للبلدية هام جدا، لأنه يسمح لنا بمعرفة الم ارحل التي مر بها نظام البلدية عبر مختلف الفترات التي مرت بها الجزائر. ولتسليط الضوء على ذلك سوف يتم التطرق إلى نظام البلدية في الفترة الاستعمارية (المطلب الأول)، ثم نظام البلدية بعد الاستقلال إلى يومنا هذا (المطلب الثاني)، وهذا فيما يلي:

أولا: نظام البلدية في الفترة الاستعمارية (1830-1962):

تميزت البلدية إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر، بأنها كانت وسيلة لبسط نفوذ الاستعمار وتوسيعه وتعزيز تواجده عبر كافة التراب الوطني من جهة، ووسيلة لخدمة الإدارة والأقلية الأوروبية من جهة أخرى. حيث لم تهتم إطلاقا بخدمة هموم ومشاكل الجزائريين آنذاك. وقد خضعت البلدية في هذه الفترة لمجموعة من النصوص القانونية، اختلف شكلها وطبيعتها حسب كل مرحلة، وفي هذا الصدد عرفت البلدية عدة أشكال وصور.

وكان أولها ظهور نوع من الهيئات الإدارية المحلية في سنة 1844، وهو كان ما يسمى بـ:"المكاتب العربية" (bureaux arabs)؛ والتي تميزت بأنها هياكل تشبه البلدية ،وكانت تدار من طرف ضباط جيش الاستعمار هدفها  محاولة إخضاع الجزائريين للاستعمار، والسيطرة عليهم، وكذلك تقوية الاستعمار وتوسيعه وتعزيز انتشاره وبعد سنة 1868، ظهرت أصناف من البلديات تختلف طبيعتها حسب الأوضاع والمناطق، لخصت التنظيم البلدي المحلي الذي كان سائدا في فترة الاستعمار، وتتمثل هذه الأصناف الثلاثة في:

1- البلديات المختلطة: انتشرت هذه البلديات في المناطق التي كان يعيش فيها الجزائريين (الأهالي) بكثرة، لاسيما في القسم الشمالي من إقليم الجزائر، ظهرت ابتداء من سنة 1868، كانت تتشكل من دواوير بلديات ومراكز التعمير وكانت هذه البلديات تدار من طرف موظف من الإدارة الفرنسية يسمى متصرف المصالح المدنية، و لجنة بلدية يرأسها المتصرف مشكلة من أعضاء أوروبيين منتخبين ومن أعضاء جزائريين معينين من السلطة الفرنسية لم يسمح بانتخابهم جزئيا إلا بعد صدور مرسوم 8 فيفري 1919 الذي أصبح يطبق على هذه البلديات.

2- البلديات ذات التصرف العام (ذات الصلاحيات الكاملة): كانت هذه البلديات منتشرة في المناطق التي يقطن فيها المستوطنون الأوروبيون، لاسيما في المدن الكبرى والمناطق الساحلية.

وكانت تطبق أحكامه سارية على الأقلية الأوروبية فقط وبالنسبة محدودة جدا بالنسبة للجزائريين .وفي هذا الصدد، كانت هذه البلديات خاضعة كلية لأحكام القانون البلدي الفرنسي الصادر في 5 أفريل 1884 حيث كانت البلدية تتشكل من هيئتين رئيس البلدية، و مجلس بلدي.

3ا- البلديات الأهلية: كان هذا الصنف من البلديات منتشرا في المناطق العسكرية المتواجدة في الصحراء، تسير من قبل ضباط الجيش الفرنسي بمساعدة أهالي تلك المناطق.

ثانيا: نظام البلدية بعد الاستقلال:

لقد مر نظام البلدية بعد الاستقلال بمجموعة من التطورات عكست المراحل الهامة التي مرت بها الجزائر، والتي بدأت بالمرحلة الانتقالية من 1962-1967 (أولا) ثم مرحلة قانون البلدية لسنة  1967 (ثانيا)، وبعدها مرحلة قانون البلدية لسنة 1990 (ثالثا) وبعدها قانون البلدية لسنة 2011 (رابعا)، وهو ما سيتم تناوله على النحو التالي:

1- البلدية في المرحلة الانتقالية (1962-1967):

عرفت الجزائر غداة الاستقلال فراغا مؤسساتيا وتشريعيا وبشريا رهيبا في جميع المجالات، وهو ما عرفته البلديات كذلك آنذاك مثل بقية المؤسسات، نتيجة هجرة موظفي البلديات الأوروبيين، وهو ما خلق أزمة خطيرة للبلديات الموروثة من الاستعمار، حيث أصبحت أكثر من 1500 بلدية آنذاك مشلولة عن العمل نتيجة الظروف الصعبة التي كانت تعشيها، لاسيما من الناحية التقنية، ومن الناحية المالية ومن أجل تحقيق مبدأ استمرارية المرفق العمومي، قامت الدولة بإنشاء لجان خاصة تتولى مهمة تسيير الشؤون البلدية، يرأسها رئيس يتولى وظيفة رئيس البلدية.

كما قامت ببعض الإصلاحات، من خلالها قلصت الدولة الفتية آنذاك، عدد البلديات من 1535 إلى 676 بلدية، وقامت بإعادة تجميعها وذلك بموجب المرسوم رقم 63-189 المؤرخ في 16 ماي 1963 المتضمن إعادة التنظيم الإقليمي للبلديات. كما حاولت تكييف التنظيم البلدي مع الإيديولوجية الاشتراكية التي تبنتها آنذاك، من أجل بعث التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلديات عن طريق مشاريع التسيير الذاتي القائمة آنذاك.  وتم ذلك من خلال إنشاء لجان مساعدة للبلديات تتمثل في لجنة التدخل الاقتصادي والاجتماعي (C.I.E.S)، والمجلس البلدي لتنشيط القطاع الاشتراكي (C.C.A.S.S) غير أن هذه الإصلاحات باءت بالفشل، نتيجة التسرع في وضعها، وكذلك نقص خبرة التقنية والفنية للموظفين الذين تم تنصيبهم كما أن عدم تنصيب اللجان المذكورة سالفا في الكثير من المناطق جعل من تحقيق أهدافها حبرا على ورق. وهو ما دفع إلى التريث       والتفكير في ضرورة تأسيس قانون بلدية.

إن مرحلة التفكير في إنشاء قانون البلدية ذو صبغة اشتراكية في ظل الحزب الواحد، جاءت كان ضرورة حتمية من أجل مواكبة الفلسفة الإيديولوجية للدولة الفتية آنذاك، القائمة على الاشتراكية كخيار سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي للدولة، ليحل محل التنظيم القانوني البلدي الموروث من الاستعمار الذي كان ليبرالي التوجه وهو ما بدأت الدساتير والمواثيق الصادر آنذاك الحديث عنه.

بدءا من ميثاق طرابلس 1962، ودستور الجزائر لسنة 1963، وميثاق الجزائر لسنة 1964، وأخيرا ميثاق البلدية لسنة 1966 وقد بدأت هذه الفكرة بالتبلور، وتم طرح مشروع قانون البلدية بقوة من طرف المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير، لاسيما بعد التغيير السياسي الحاصل في سنة 1965. وقد عرف هذا المشروع حملة شعبية من أجل شرحه وإثرائه ليتم بعدها إقراره من طرف مجلس الثورة سنة 1967، ليصدر بموجب الأمر رقم 67-24، السالف الذكر.

2- البلدية في قانون البلدية لسنة 1967:

لقد صدر قانون البلدية لسنة 1967 بموجب الأمر رقم 67-24، السالف الذكر وقد تميز هذا القانون بأنه يستمد سماته الأساسية من نموذجين: النموذج اليوغسلافي، وكذا النموذج الفرنسي. فبالنسبة للنموذح اليوغسلافي فقد استمد منه بعض المبادئ الرئيسية، لاسيما تلك التي ترتبط بتكريس النظام الاشتراكي كخيار سياسي اقتصادي اجتماعي وثقافي. فعلى سبيل المثال اقتبس المشرع الجزائري المادة الأولى من الأمر رقم 67-24، حرفيا من المادة الأولى من قانون البلدية اليوغسلافي. 

كما اعتمد في تكوين هيئات البلدية على نظام الحزب الواحد، ومنح الأولوية في تسيير النشاطات الاقتصادية والاجتماعية للعمال والفلاحين. كما وسع من صلاحيات البلدية لتشمل كل المجالات لاسيما في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في ظل فلسفة اشتراكية. غير أن البلدية في الأمر رقم 67-24، كانت تتمتع باستقلال أقل مما كانت تتمتع به البلديات في يوغسلافيا أما بالنسبة للنموذج الفرنسي فقد، استمد بعض المبادئ منه، كتقييد استقلاليتها بالمقارنة مع النموذح اليوغسلافي، وإخضاع البلديات لنظام قانوني موحد ومتجانس، ماعدا مدينة الجزائر التي كانت تخضع لنظام خاص كما استمد نظام الرقابة الإدارية أو ما يعرف بنظام الوصاية الإدارية المشدد من النموذج الفرنسي وقد استمر سريان هذا الأمر إلى غاية 1990.

3- البلدية في قانون البلدية لسنة 1990:

نظم قانو ن البلدية لسنة 1990 المنظم بواسطة القانون رقم 90-08، السالف الذكر في محيط وظروف مغايرة تماما عن تلك التي صدر من خلالها قانون البلدية لسنة 1967. حيث جاء القانون رقم 90-08، في صدد إصلاحات سياسية و اقتصادية و اجتماعية ترجمها دستور جديد، هو دستور الجزائر لسنة 1989 الذي اعتمد مبادئ و أحكام ذات طابع تعددي و ليبرالي، وأحدث القطيعة نهائيا مع الإيديولوجية الاشتراكية و نظام الحزب الواحد، من خلال تبنيه لنظام التعددية السياسية، ومبادئ اللامركزية الإدارية وهي التي انعكست على قانون البلدية  من خلال تبني مبدأ الديمقراطية التمثيلية و التي أدت إلى التنوع السياسي بالمجالس البلدية المنتخبة غير أنه فتح مجال الصراع السياسي داخل المجلس الشعبي البلدي من خلال وضعه لآلية سحب الثقة من رئيس المجلس كما قلص من صلاحيات البلدية بصفة ملحوظة بالمقارنة بما كانت عليه في قانون البلدية لسنة 1967.

ويرجع هذا التقليص إلى تغير في مفهوم البلدية، والتي انتقلت من مفهوم ذو صبغة اشتراكية الإيديولوجية   تعتبر فيه البلدية هي الأداة القاعدية التي تجسد الإيديولوجية الاشتراكية بكل أبعادها، السياسية، الإدارية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية إلى مفهوم ذو طابع ليبرالي تعددي.

4- البلدية في قانون البلدية لسنة 2011:

لقد نظم قانون البلدية لسنة 2011، بواسطة القانون رقم 11-10، السالف الذكر، وقد جاء في إطار ظروف جديدة، منها التعديل الدستوري لسنة 2008 لدستور سنة 1996 والذي اعتمد مبدأ مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة عن طريق ما يعرف بنظام الكوطا. كما جاء بعد الإصلاحات السياسية التي تمت في سنة 2011 بعد ثورات الربيع العربي، وفي ظل التطورات الحاصلة في المجتمع الجزائري (عدد سكان في سنة 2010 بلغ حوالي 36.3 مليون نسمة بالمقارنة مع سنة 1990 التي بلغ في 25 مليون نسمة).

وفي هذا الصدد، قام هذا القانون بإقرار مجموعة من المبادئ كمبدأ المشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية المحلية، ما يعرف بالديمقراطية التشاركية كما قام بإلغاء آلية سحب الثقة من رئيس المجلس، من أجل القضاء على حالة الانسداد بالبلديات، وتعزيز مكانة الهيئة التنفيذية للبلدية، من خلال وضع نواب لرئيس المجلس وتعزيز صلاحياته، ووضع ضمانات لحماية العهدة الانتخابية لرئيس المجلس. كما تم وضع قانون أساسي للمنتخب البلدي. وقام كذلك بإعادة تنظيم مالية البلدية ووضع آليات للتعاون والتضامن بين البلديات. كما أقر نظام الكوطا لتشجيع وتوسيع تمثيل المرأة في الحياة السياسية، لاسيما بعد صدور القانون رقم 12-03 المؤرخ في 12 يناير 2012، الذي يحدد كيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة.

تجب الملاحظة أنه تم إلغاء نظام الكوطا، وذلك بعد صدور قانون جديد للانتخابات، وذلك بموجب الأمر رقم 21-01 المؤرخ في 10 مارس 2021، المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، المعدل والمتمم الذي جاء بنظام انتخابي جديد يتعلق بانتخابات المجالس الشعبية.

يتعارض بصفة تلقائية مع نظام الكوطا، يتمثل في نمط الاقتراع النسبي على القائمة المفتوحة بتصويت تفضيلي دون مزج. على اعتبار أن نظام الكوطا يتلائم فقط مع نمط الاقتراع القائمة المغلقة.

الجدير بالذكر، أن نظام الكوطا تم تعويضه بمبدأ المناصفة في الترشح بين النساء والرجال.

المرجع:

  1. د. طيبون حكيم، مطبوعة بعنوان محاضرات في قانون البلدية، ألقيت على طلبة السنة الأولى ماستر – تخصص قانون إدارة وتسيير الجماعات المحلية، جامعة الجيلالي بونعامة – خميس مليانة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، ص3 إلى ص12. 

google-playkhamsatmostaqltradent