الشروع في الجريمة

الشروع في الجريمة 

يتدخل القانون الجنائي بالعقاب على الفعل حتى إن لم تتحقّق النّتيجة حيث يكفي تحقق خطورة الجاني وبدءه في مباشرة فعله كي يتابع وهو ما يسمى بالشروع في الجريمة أو محاولة ارتكابها. إن الجريمة تمر بعدة مراحل قبل أن تنتج أثرها. 

فيبدأ الجاني بمرحلة التفكير والتصميم على ارتكاب الجريمة فيها تتبلور فكرة الجاني وتتجسّد في مشروع إجرامي هي مرحلة النية لارتكاب الجريمة قد تكون قصيرة أو طويلة، وهي مرحلة لا يعتدّ بها القانون ولو ثبت ذلك باعتراف الجاني أو الإبلاغ عليه وذلك لأنها مجرد نوايا والإرادة لم تخرج إلى العالم الخارجي لأن في هذه الآونة لا وجود للركن المادي (السلوك). فهي من البواطن وضررها غير مدرك وقد يعدل الشّخص عن الفكرة التي تراوده. 

تلي هذه المرحلة، مرحلة القيام بالأفعال التحضيرية أين يتأهب الجاني لارتكاب جريمته بالقيام ببعض الأفعال المادية الخارجية كشراء السلاح بغية إزهاق الروح. الأصل في هذه المرحلة عدم العقاب لأنها لا تكشف حتما نية جرمية، كما أن علة عدم العقاب هو التشجيع على العدول. 

تليها أخيرا مرحلة الشروع في الجريمة التي تأتي هذه المرحلة بعد التفكير في الجريمة والتحضير لها، حيث يبدأ الجاني بتنفيذ الجريمة بسلوكيات يُعاقب عليها القانون في الجنايات وفي بعض الجنح، مثل فعل الجاني الذي يريد قتل خصمه فيُصيبهٍ بإصابات يُشفى منها.

الفرع الأول: تعريف الشروع في الجريمة 

المحاولة الجنائية أو الشروع في الجريمة هي جريمة ناقصة بُدء في تنفيذها وتخلف عنها عنصر النتيجة التي كان يريدها الجاني بسبب خيبة أثر الفعل رغم تمامه، أو بسبب عدم اكتمال الفعل بتدخل عوامل خارجة عن الإرادة، أو بسبب استحالة تحقيق النتيجة. 

تنص المادة 30 من قانون العقوبات على انه "كل المحاولات لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة لارتكابها، تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يجد أثرها نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها". وعليه فان هده المرحلة معاقب عليها لان الجاني يقوم بأفعال مادية تدل عن بدءه في تنفيذ الجريمة. 

فانطلاقا من هذا النص يطهر جليا ان للشروع عنصرين. عنصر مادي يتمثل في البدء في التنفيذ مع عدم تمام الجريمة لأسباب خارجية، وعنصر معنوي وهو القصد الجنائي. فإذا تحقق العنصرين استوجب العقاب على الشروع في الجريمة إذا كانت مما يعاقب على الشروع فيها. 

الفرع الثاني: عناصر الشروع في الجريمة 

أولا: البدء في التنفيذ 

هو الفعل الذي ينشئ الخطر على الحقّ الذي يحميه القانون بعقابه على جريمة معيّنة البدء بالتنفيذ عنصر مادّي يتمثل في فعل أو نشاط مادي للسلوك المنفذ للجريمة يكشف عن  نيّة إجرامية معيّنة وقد ثار الجدل الفقهي حول المعيار الذي يميّز به البدء بالتنفيذ عن الأفعال التحضيرية، كحد فاصل بين مرحلتي العقاب واللاعقاب.

قد تلتبس مرحلة البدء في التنفيذ بمرحلة التحضير لارتكابها، باعتبارهما متعاقبتين مما أثار جدلا فقهيا. 

1. المذهب المادي الموضوعي

تعتد هذه النظرية بالخطورة الإجرامية للأفعال وليس بنيّة المجرم وشخصه. فحسبهم البدء في التنفيذ هو الفعل الذي يبدأ به الجاني تحقيق الركن المادي، أي فعل يعتبر جزء في الجريمة حسب النموذج القانوني الذي ينص عليها. فهم يقيدون بالبدء الفعلي في التنفيذ. 

إنّ هذا المذهب تعرض للنقد حيث أنه ضيق العقاب على الشروع حيث يخرج منه عدة أفعال تشكل خطورة على مصالح المجتمع مثل الكسر على الرغم من وجود قصد.

2. المذهب الشخصي

يتحدّث أنصار هذا المذهب على توسيع نطاق المشروع وذلك بعدم الاعتداء بشكل السّلوك الإجرامي وطبيعته، بل بنية المجرم حيث يكشف البدء في التنفيذ خطورة في شخصية الفاعل تدلّ على نيّة شرّيرة لديه، بغض النظر عن الأفعال التي قام بها سواءً كانت خطيرة أم غير خطيرة فيكفي القيام بأفعال تعبر عن خطورة الفاعل ونيته الإجرامية. فحسبهم لو ترك الجاني على حاله لأفضى الفعل حالا ومباشرة إلى تحقق النتيجة، ومثال ذلك وضع السم في الطعام وانتظار تناوله من قبل غريمه. وعليه فالفعل يعتبر شروعا عندما يكون متصلا بالنتيجة الإجرامية أو قريبا منها عند توفر نية ارتكابها. 

لكن ما قد يعاب على هذا المذهب هو عدم انضباطه فإنه يعتمد أساسا على نية الجاني وهي مسألة خطيرة، حيث تنافى الركن المادي والمعنوي، حيث أنّ التركيز على خطورة الجاني يتقاطع ومبدأ الشّرعية كما أنّ الأخذ بهذا المبدأ يؤدّي إلى العقاب على كلّ صور الشّروع. 

ولقد أخذ المشرع الجزائري بالمعيار الشخصي والموضوعي وهذا ما يظهر جليا من خلال المادة 30 من قانون العقوبات حيث تنص على أنه "كل المحاولات لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها..."، أي يكفي لاعتبار الشروع وجود أفعال تؤدي مباشرة إلى تنفيذ الركن المادي وهذه الأفعال هي التي تعبر عن قصد الجاني. كما يطهر المعيار الموضوعي في البدء في التنفيذ عند استعمال المشرع لمصطلح المحاولة بجانب استخدامه لمصطلح المشرع.   

ثانيا: صور الشّروع في الجريمة 

1. الجريمة الموقوفة

الجريمة الموقوفة هي التي انعدمت فيها النتيجة لتوقف تنفيذ الفعل بأسباب خارجة عن إرادة الجاني. ففي هده الحالة فإن الجاني لا يعاقب على ذلك لأن عدوله لم يكن اضطراريا بل اختياريا، ولعل العلة في عدم العقاب في هذه الحالة هو تشجيع الجناة على العدول عن الجريمة. لكن يجب أن يتم العدول في الوقت المناسب، أي قبل تحقق النتيجة في الجرائم التي تتطلب نتيجة. وهي من أبرز صور الشّروع، وغالبا ما توصف بالشّروع النّاقص.

أما إذا بدأ الجاني في تنفيذ الجريمة لكن توقف عن إتمامها نتيجة لأسباب أو ظروف خارجة عن إرادته، فإن القانون الجنائي يتدخل للعقاب على البدء في التنفيذ على الرغم من توقف إتمامها لأن أفعاله تتم على الخطورة الإجرامية وعلى شخصية الجاني. 

2. الجريمة الخائبة

هي التي يستنفذ فيها الجاني كل نشاطه الإجرامي إلاّ أنّ النتيجة لا تحدث نظار لأسباب خارجة من إرادته. تشبه الجريمة الخائبة الجريمة الموقوفة قانونيا حيث كلاهما شروع معاقب عليه، وفي كلاهما يكون السلوك صالحا لأحداث النتيجة إلاّ أنّ النتيجة المقصودة لا تحقق، لكنهما مختلفان في كون الجريمة الخائبة السلوك فيها يكتمل، وعدم إتمام الجريمة يعود إلى عدم تحقق النتيجة، بينما في الجريمة الموقوفة عدم إتمام السلوك وعدم إتمام الجريمة يعود إلى وقف التنفيذ. فالجريمة الخائبة ممكنة الوقوع ولولا الظّروف التي طرأت لتحققت النّتيجة. وهذه الظّروف لا تمسّ جوهر الجريمة في موضوعها ولا في الوسائل المستعملة في تنفيذها.

3. الجريمة المستحيلة

الجريمة المستحيلة هي التي ينفذ فيها الجاني كل نشاطه في سبيل بلوغ النتيجة المعاقب عليها قانونا، ومع ذلك لا تتحقق لاستحالة وقوعها حسب الظروف التي باشر فيها الجاني نشاطه الإجرامي. وترجع استحالة تحقق النتيجة في هذه الجريمة لسبب يجهله الفاعل، ويكون مرتبطا إما بعدم وجود المحل المادي للجريمة؛ كمن يطلق عيارا ناريا على شخص نائم معتقدا أنه حي فإذا به قد فارق الحياة قبل إطلاق الرصاص عليه، وٕإما بعدم كفاية الوسائل المستعملة في تنفيذ الجريمة، ومثاله من يستخدم سلاحا غير صالح بطبيعته للاستعمال، أو دس مادة يعتقد الفاعل أنها سامة في طعام لشخص بقصد تسميمه، في حين أنها ليست كذلك. وعليه إذا كانت الجريمة المستحيلة تشبه الجريمة الخائبة، من حيث أن الجاني فيهما معا يكون قد استنفذ نشاطه الإجرامي لتحقيق الغاية التي يستهدفها ابتداء، إلا أنهما يختلفان اختلافا جوهريا. فالجريمة الخائبة هي بطبيعتها ممكنة الوقوع أصلا وكان من المفروض أن تتحقق نتيجتها لولا تدخل سبب طارئ حال دون تحقق النتيجة. بينما النتيجة الإجرامية في الجريمة المستحيلة كان من المستحيل تحقيقها منذ بداية النشاط الإجرامي ،فالوضع فيها لم يكن ليتغير لو قام به أي شخص آخر يوجد في مثل ظروف الجاني، كما لو كان المجنى عليه ميتا قبل البدء في التنفيذ. 

أشار إليها المشرع في المادة 30 من قانون العقوبات "... حتى ولو لم يمكن الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهلها مرتكبها". ولقد اختلف الفقه في مدى اعتبار الجريمة المستحيلة شروعا معاقبا عليه وفرق بالتالي بين أنواع الاستحالة بنظريتين: 

أ. الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية: 

الاستحالة المطلقة لا يتحقق فيها الغرض من الجريمة، إما لغياب محل الجريمة، أو لعدم صلاحية الوسيلة المستعملة فيها. فهي مستحيلة تماما ويرى أنصار هذا الاتجاه أنه لا محل للعقاب في حالة الاستحالة المطلقة، تتحقق إذا كان لا يمكن تحقق النتيجة حتى ولو تغيرت الظروف التي يشير فيها الفعل، وقد تتعلق الاستحالة بالوسيلة (مسدس لا يصلح) أو بالكفاءة الذاتية للفعل التنفيذي (وضع مادة غير سامة). كما قد تتعلق بالموضوع المادي للجريمة (إطلاق النار على جثة). 

وبناء على هذا فإنه لا عقاب على الاستحالة المطلقة لانعدام الخطر على المصلحة المحمية قانونا. 

أما الاستحالة النسبية فيكون الغرض من الجريمة فيها ممكن ولكن محلها يغيب، كإطلاق الرصاص على فراش شخص يعتقد الجاني أن غريمه نائم فيه والحال أنه غير موجود ويمكن العقاب في الحالة الاستحالة النسبية، سواء تعلقت الاستحالة بالمحل المادي للجريمة كمحاولة شخص السرقة النقود من جيب فارغ، أو بالوسيلة المستخدمة في التنفيذ كإعطاء شخص يراد تسميمه جرعة قليلة من المادة "السامة" غير كافية لإحداث الوفاة هي لا تمنع العقاب إذ هي من قبيل الجريمة الخائبة حيث أن الخطر من فعل الجاني يكون موجودا ولا ينجو المجني عليه منه إلا لحسن حظه وللصدفة فقط.  

ب. الاستحالة المادية والاستحالة القانونية:

يرى أصحاب هذه النظرية وجوب العقاب على الاستحالة المادية. فإنّ تحقق النتيجة فيها يكون أمرا ممكنا من الناحية القانونية لتوافر العناصر المكونة للجريمة، ولكن عدم تحققها راجع إلى ظروف مادية طارئة لا دخل لإرادة الجاني فيها، سواء تعلقت بمحل الجريمة أم بالوسيلة المستخدمة في تنفيذها أنّ مرجعها سبب أو ظرف مادّي لا علم للجاني به كمن يطلق النار على شخص لم يوجد في المكان الذي اعتاد الوقوف به. 

أمّا إذا كان امتناع الجريمة أو عدم تمامها راجعا إلى انتفاء أو عنصر من عناصر الجريمة يشترط القانون وجوده لقيام الجريمة فإن الاستحالة تكون قانونية، كعنصر الإنسان الحي في جريمة القتل، وعنصر ملكية الغير للشيء أو المنقول محل جريمة السرقة. ويقصر أنصار هذا الاتجاه العقاب على الاستحالة المادية دون الاستحالة القانونية. 

ج. موقف المشرع الجزائري: 

من خلال المادة 30 من قانون العقوبات يتبين أن المشرع لم يقرر العقاب على سائر صور الاستحالة بل خصّ بالعقاب على الاستحالة المادية ويقول: "... حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها" وذلك سواء كانت في الوسيلة لعدم انطلاق الذخيرة من البندقية لعدم صلاحيتها للاستعمال أو كانت الاستحالة في المحل كتخلف المجني عليه من المكان. وبينما يستثني الاستحالة القانونية من العقاب وذلك لانتقاء أحد العناصر المكوّنة للجريمة حيث أنّ عدم العقاب عليها يؤسّس على عدم اكتمال أركان الجريمة بتخلف عنصر من عناصرها المقررة قانونا. والجدير بالذّكر أنّ المشرع يعاقب على الشّروع في الجناية وفي الجنحة لا يعاقب على الشّروع إلاّ بنصّ صريح، بينما المخالفة فلا عقاب على الشّروع فيها. 

المرجع:

  1. د. بوعياد آغا نادية نهال، محاضرات في القانون الجنائي العام، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثانية حقوق جذع مشترك، جامعة أبو بكر بلقايد – تلمسان، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية 2020-2021، من ص66 إلى ص74.

google-playkhamsatmostaqltradent