تقسيمات الجرائم

تقسيمات الجرائم 

تنقسم الجرائم إلى عدة أقسام وذلك حسب عدة معايير. سوف نتناول تقسيمات الجرائم حسب الخطورة إلى جناية، جنحة، ومخالفة. حسب ركنها المادي فهي تنقسم إلى جرائم إيجابية وجرائم سلبية، جرائم وقتية وجرائم مستمرة، جرائم بسيطة وجرائم اعتياد، جرائم مادية وجرائم شكلية، جرائم متابعة الأفعال، جرائم مركبة. من حيث طبيعتها فهي تنقسم إلى جريمة سياسية وجرائم القانون العام، جرائم عادية وجرائم عسكرية. من حيث ركنها المعنوي فهي تنقسم إلى جرائم عمدية وأخرى غير عمدية.

المطلب الأول: تقسيم الجرائم بحسب خطورتها 

تنقسم الجرتئم حسب خطورتها إلى جنايات، جنح، ومخالفات، وتنطبق عليها العقوبات المقررة لكل نوع. فالمعيار المعتمد من طرف المشرع هنا هو خطورة وجسامة الفعل، وتبعا لذلك تعزز العقوبة الخاصة بكل جريمة فلقد نصت المادة 5 من قانون العقوبات على ما يلي: 

- العقوبات في مادة الجنايات هي الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت لمدة تتراوح ما بين خمسة وعشرين سنة (ما عدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى). 

- العقوبات في الجنح هي الحبس لمدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ماعدا الحالات التي تقرر عقوبات بحدود أخرى)، والغرامة التي تتجاوز 20.000 دج.

- العقوبات بالنسبة للمخالفات هي الحبس لمدة لا تتجاوز شهرين، والغرامة من 2000 إلى 20.000دج.

تترتب على هذا التقسيم آثار قانونية منها ما تتعلق بالجانب الموضوعي (قانون العقوبات) وأخرى بالجانب الشكلي (قانون الإجراءات الجزائية). 

الفرع الأول: آثار التقسيم من حيث الجانب الموضوعي 

يعاقب على الاشتراك والتحريض في الجنحة أو الجناية فقط، كما يعاقب على المحاولة في ارتكاب جناية، لا في الجنحة فلا عقاب على المحاولة فيها إلا بنص خاص بينما المخالفة لا يعاقب على المحاولة فيها تماما. 

في الجنح البسيطة والمخالفات يجوز الحكم بإحدى العقوبة البديلة المقررة قانونا، بينما لا يجوز ذلك في الجنايات.

الفرع الثاني: آثار التقسيم في الجانب الإجرائي الشّكلي 

للجرائم الموصوفة بجناية إجراءات خاصة فتختص محكمة الجنايات بالنظر في الجنايات والجنح والمخالفات المرتبطة بها، التحقيق وجوبي في الجنايات وتمر على سلطة تحقيق ثانية هي غرفة الاتهام، كما لا يجوز النظر فيها مباشرة أمام المحكمة. 

بينما الجنح والمخالفات فتعرض أمام القسم الجزائي للمحكمة، كما ان التحقيق اختياري في الجنح وجوزاي في المخالفات إذا طلبه وكيل الجمهورية، ويجوز للمضرور الادعاء مباشرة أمام محكمة الجنح والمخالفات. يمكن أن تخضع الجنح المتلبس بها إلى إجراء المثول الفوري وفقا لنص المادة 339 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية بخلاف الجنايات التي تستوجب التحقيق. 

المطلب الثاني: تقسيم الجرائم باعتبار الركن المادي 

تنقسم الجرائم وفقا لركنها المادّي إلى جرائم إيجابية وجرائم سلبية، جرائم وقتية وجرائم مستمرّة، جرائم بسيطة وجرائم اعتياد، جرائم مادّية وجرائم شكلية، جرائم متتابعة الأفعال وأخرى مرّكّبة. 

الفرع الأول: الجريمة الإيجابية والجريمة السلبية 

أولا: الجريمة الإيجابية 

هي القيام بفعل معين يعاقب عليه القانون، ويفترض فيها أن تكون هناك حركة إرادية من الجاني مثل ضرب شخص لآخر. ويذكر أنّ السّلوك الإيجابي أكثر شيوعا في قانون العقوبات من السّلوك السّلبي.

ثانيا: الجريمة السلبية أو جريمة الامتناع 

هي جريمة لا يتصور الشروع فيها وهي امتناع الشخص عن القيام بفعل إيجابي معين بالرغم من وجود واجب قانوني يلزمه بهذا الفعل. وهي نوعان: 

1. جرائم سلبية بسيطة

لا يشترط فيها حدوث نتيجة معينة بسبب الامتناع مثل ترك الطفل في مكان خالّ، الامتناع عن التبليغ عن جرائم معينة كجرائم التخطيط لارتكاب جرائم الخيانة والتجسس. 

2. جرائم سلبية ذات نتيجة

هي جرائم ترتب نتيجة وهذا هو الذي يحدد العقوبة فيها مثل جريمة ترك الطفل في مكان خال وترتب عنه مرض أو عجز أو موت الفقرات 2، 3، 4 المادة 314 من قانون العقوبات. 

الفرع الثاني: الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة

أولا: الجريمة الوقتية 

هي التي تتطلب من الجاني نشاطا إيجابيا أو سلبيا يبدأ وينتهي في مدة زمنية محددة حيث لا تتحمّل الجريمة الاستمرار ولو تراخت في نتيجتها مثل جريمة القتل أو الضّرب.

ثانيا: الجريمة المستمرة 

يلعب عامل الزّمن دوار مهمّا في إضفاء صفة الاستمرار على الجريمة حيث يستغرق فعلها المادّي فترة زمنية ولو كانت قصيرة، فهذا النشاط ينشأ حالة قانونية هي التي تكون محل التجريم ولا تنتهي هذه الحالة إلا بانتهاء حالة الاستمرار، ومثال ذلك تعمّد إخفاء قاصر مخطوف، إخفاء أشياء متحصّلة من جريمة . والذي يستمرّ في الجريمة هما ركنيها المادّي والمعنوي معا. وللجريمة المستمرّة خصوصيتها مقارنة مع الجريمة الوقتية حيث لا يسري النص الجديد على الجريمة الوقتية إذا ارتكبت قبل صدوره، إلا إذا كان أصلح للمتهم بينما يسري النص الجديد على الجريمة المستمرة سواء كان النص الجديد مخففا أو مشددا للعقوبة (بما أن حالة الاستمرار لا زالت قائمة). وإذا ارتكبت عناصرها في عدة دول فإنها تخضع لقوانين هذه الدول أمّا الجريمة الوقتية تخضع للبلد الذي وقع فيه ركنها المادّي بما أنه قام وانتهى في وقت واحد. 

- المحكمة المختصة في الجريمة الوقتية هي محكمة مكان وقوع الجريمة أو محل إقامة المجرم أو مكان القبض عليه. أمّا المحكمة المختصّة في الجريمة المستمرّة تكون لكلّ مكان قامت فيه حالة الاستمرار كونها تتقادم الدّعوى العمومية في الجريمة المستمرّة ابتداء من تاريخ انتهاء حالة الاستمرار. 

- تتقادم الدعوى العمومية في الجريمة الوقتية ابتداء من تاريخ وقوع الجريمة. بينما تتقادم الدعوى العمومية في الجريمة المستمرة ابتداء من تاريخ انتهاء حالة الاستمرار.

الفرع الثالث: الجرائم البسيطة والجرائم الاعتياد 

أولا: جرائم الاعتياد 

تشترط تكرار النشاط الإجرامي بنفس الأفعال مثلا الاعتياد على ممارسة التسوّل.

ثانيا: الجرائم البسيطة 

تتم بنشاط إجرامي واحد فوري أو مستمر. 

تظهر التفرقة بين الجرائم البسيطة وجرائم الاعتياد فيما يلي: 

- من حيث سريان القانون الجديد ففي الجريمة البسيطة يستفيد الجاني من القانون الأصلح إذا صدر قبل صدور الحكم النهائي. أما في جريمة الاعتياد فإن القانون الجديد الأشد يسري على الفاعل إذا وقع الفعل الثاني في ظله.

- الاختصاص في جرائم الاعتياد يكون لكل محكمة ارتكب في دائرة اختصاصها فعل واحد من أفعال الاعتياد. بينما الاختصاص في الجرائم البسيطة يكون للمحكمة التي وقعت بدائرتها الجريمة. 

- من حيث حجية الشيء المقضي به فإن الحكم الصادر ضد الشخص في جريمة اعتياد لا يمنع من متابعته مرة أخرى إذا ارتكب فعلا كالأفعال السابقة فهنا نصبح بصدد العودة في جريمة الاعتياد. 

- سريان التقادم في جرائم الاعتياد يكون من اليوم التالي لآخر فعل من الأفعال الاعتياد، أمّا في الجرائم البسيطة سريان التقادم يبدأ من تاريخ ارتكاب الفعل المجرم. 

الفرع الرابع: الجريمة المادية والجريمة الشكلية 

أولا: الجريمة المادية 

يحتوي ركنها المادي على نشاط إجرامي ونتيجة مرتبطة بذلك النشاط الإجرامي فتكون النّتيجة لازمة لقيامها وهي من جرائم الضّرر حيث يتطلب المشرع في نموذجها القانوني أن يترتب على سلوك الجاني ضدها. 

ثانيا: الجريمة الشكلية  

هي من جرائم الخطر أو جرائم السلوك حيث لا تحتاج إلى النّتيجة لتحققها حيث يكفي فيها السّلوك فلا علاقة سببية في الجريمة الشكلية ولا تتصور المحاولة فيها، كما لا مجال فيها للعدول الطوعي لأنها تتحقق فور البدء بتنفيذ الفعل. من أمثلتها حمل سلاح بدون رخصة أو حيازة مخدرات.

الفرع الخامس: الجريمة المتتابعة الأفعال  

يعدّ هذا النّوع من الجرائم من جملة جرائم التوحيد الإجرامي وهي تتكوّن من مجموعة من الجرائم وهي من الجرائم العمدية. 

يقوم هذا النوع من الجرائم على تكرار نفس الفعل والعامل الأساسي في الجريمة المتتابعة الأفعال هو وحدة المشروع الإجرامي لدى مرتكبها وهذا ما يجعل من الأفعال المتعددة عملا إجراميا واحدا. ومثال ذلك ضرب المجني عليه عددا من الضربات. فلهذه الجريمة عقوبة واحدة على الرغم من أن كل فعل يعتبر بحد ذاته جريمة لأن الحق المعتدى عليه واحد والغرض الإجرامي واحد. 

وعليه إذا ارتكب الجاني بعض الأفعال في بلد والبعض الأخرى في بلد آخر فإن الجريمة تخضع للقانونين، أمّا التقادم فيبدأ في اليوم التالي لآخر فعل مكون للجريمة.           

الفرع السادس: الجريمة المركبة  

هي الجريمة التي تتضمّن عناصرها الأساسية ارتكاب عدّة أفعال مادية من طبيعة مختلفة مثل جريمة السرقة باستعمال العنف أو التهديد حيث أن هذه الأفعال تشكل جرائم لحد ذاتها لو ارتكبت لوحدها. وينعقد الاختصاص القضائي لكل محكمة ارتكب في دائرتها فعل من أفعال الجريمة فتقادم الدعوى العمومية ابتداء من اليوم التالي لآخر فعل مكون لها. 

المطلب الثالث: تقسيم الجرائم من حيث طبيعتها 

نفرق في هذا المطلب بين الجريمة السياسية والجريمة العسكرية. 

الفرع الأول: الجريمة السياسية 

لم تعرف التشريعات منها التشريع الجزائري، الجريمة السياسية تاركة ذلك للفقه. فمنهم من عرّفها على أنها تلك التي ترتكب بباعث سياسي أي التي يكون الباعث فيها هدفا سياسيا حتى ولو كانت في موضوعها جريمة عادية كجريمة السّرقة. بينما يعرّفها البعض الآخر استنادا إلى المصلحة التي تحميها كونها تمسّ بمصلحة سياسية للدّولة أو بحقّ سياسي لأحد الأفراد فهي تتصل بموضوع الحقّ المعتدى عليه، كالخيانة والتجسّس. 

ووصف الجريمة السياسية يختلف بحسب الزمان والمكان وطبيعة الفلسفة السّياسية المتبعة. ولقد اعتبر المشرع الجزائري الجريمة السياسية تلك الماسّة بالمصلحة السّياسية للدّولة أي أخذ بالمعيار الموضوعي لمّا أقرّ عدم قبول تسليم المجرم إلى دولة أخرى إذا كانت الجناية أو الجنحة صبغة سياسية ، كما أخذ بالباعث لارتكاب الجريمة السياسية فعمل بالمعيار الشّخصي حيث منع تسليم لاجئ سياسي يتمتّع بحقّ اللجوء كما قرّر المشرّع الجزائري كذلك التشديد في العقوبة حالة ارتكاب جريمة سياسية لأنّ الاعتداء على النّظام السّياسي نتائجه أخطر من الذي يُحدثه المجرم العادي.

الفرع الثاني: الجريمة العسكرية 

تنصّ عليها القوانين العقابية العسكرية، فهي جريمة تقع على شخص خاضع للأحكام العسكرية، أو تصيب مصلحة عسكرية.

هي كل فعل صادر عن شخص خاضع لقانون الأحكام العسكرية إخلالا بالنظام العسكري، وقد تكون الجرائم العسكرية بحتة مثل الإهمال في طاعة الأوامر. قد يتعلق الأمر بجرائم القانون العامّ وهي جرائم قانون العقوبات العادي التي ينص قانون القضاء العسكري على اختصاص القضاء العسكري بها وذلك لارتكابها من قبل عسكريين مثل جريمة القتل. أمّا الجرائم العسكرية المختلطة هي جرائم ينص عليها قانون العقوبات وقانون القضاء العسكري مثل جرائم التزوير التي يرتكبها العسكري في الأوراق العسكرية. 

المطلب الرابع: تقسيم الجرائم من حيث الركن المعنوي

يقوم التقسيم هنا علة عنصر القصد الجنائي والخطأ الجنائي فتنقسم إلى جريمة عمدية وجريمة غير عمدية. 

الفرع الأول: الجريمة العمدية 

هي التي يكون القصد الإجرامي أساسا في قيامها. هي التي تتجه إرادة الجاني فيها إلى ارتكاب الفعل وٕإلى إحداث النتيجة مع توافر العلم، فيتحقق فيها القصد الجنائي. فالقصد الجنائي في جريمة السرقة يتحقق باتجاه إرادة الجاني إلى فعل الاستيلاء بقصد تملكه واتجاه إرادته إلى الاعتداء على مال المجني عليه مع علمه بنتائجه. يعاقب على الشروع في الجرائم العمدية لأن من أركانه توافر القصد الجنائي وعقوبتها أشدّ من عقوبة الجريمة غير العمدية عند تعادلها في الوصف والنّوع نظرا لعكسها خطورة إجرامية لدى الجاني. 

الفرع الثاني: الجريمة غير العمدية 

ففي هذه الجريمة تتجه إرادة الجاني إلى الفعل دون النتيجة لعدم توقعها أو تصورها وقد يتوقعها يواصل في الفعل لترجيحه عدم حدوث النتيجة. فأساسها هو الخطأ في إحدى صوره، الإهمال، الرعونة، عدم الانتباه، عدم الاحتياط، عدم مراعاة القوانين والأنظمة. لا يمكن تصور الشروع في الجريمة غير العمدية كون أنّ الجاني لا يريد تحقيق النتيجة أصلا. كما أنّ الاشتراك فيها مستحيل باعتبار أنّ الاشتراك يتطلب انصراف إرادة الشريك إلى تحقيق النّتيجة المُجرمة ويلحق وصف الجريمة غير العمدية إلى كلّ من الجنايات والجنح والمخالفات. وهي استثناء من الأصل كون أنّ الأصل العامّ للتجريم يقوم على فكرة العمد.

المرجع:

  1. د.بوعياد آغا نادية نهال، محاضرات في القانون الجنائي العام، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثانية حقوق جذع مشترك، جامعة أبو بكر بلقايد – تلمسان، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية 2020-2021، من ص17 إلى ص28.

google-playkhamsatmostaqltradent