المحاضرة الثانية : المصادر الداخليّة والدّولية للقانون العام الاقتصادي

المحاضرة الثانية: المصادر الداخليّة والدّولية للقانون العام الاقتصادي

المصادر الداخليّة والدّولية للقانون العام الاقتصادي

  • إعداد: د.عبد المجيد صغير بيرم
تنقسم مصادر التشريع عموما إلى مصادر وطنيّة(محليّة) أو داخليّة ومصادر دولية أو خارجيّة و للقانون العام الاقتصادي كذلك مصادره الداخليّة(المطلب الأول) والدّولية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: المصادر الداخليّة (المحليّة) للقانون العام الاقتصادي

من منطلق أنّه لا يمكننا الحديث عن وجود قانون عام اقتصادي، دون أن نستند عند تناولنا للموضوع، إلى ما جاء في القانون الأساسي للدولة(الدستور)، ثمّ في القوانين واللوائح التنظيمية والقرارات الادارية.بالإضافة إلى ما يتم الاتفاق عليه بين أطراف الانتاج والمتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين في إطار ما أصبح يعرف بالحوار الاجتماعي(Le Dialogue social فضلت استعراض المصادر الداخلية بالتركيز على التجربة الجزائرية في ما يتعلق بالتأسيس لتشريع اقتصادي جزائري كانت الغلبة فيه للقانون العام الاقتصادي(1962-1988) الذي أسّس للدولة المتدخلة في النشاط الاقتصادي(إنتاجا وإدارة وتسيرا وتحديد ا للسعر عند البيع والاستهلاك دون منازع) باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة.
إلا أن دستور 1989 وما كرسه من مبادئ دستوريّة جديدة في مجال إدارة الشأن الاقتصادي لمرحلة التأسيس للدولة المعدّلة أو المعدّلة (Etat Régulateur)[1] قد قلّص من تدخل الدولة كقوّة عمومية في النشاط الاقتصادي الذي لم يعد حكرا على الشركة الوطنية أو المؤسسة العامة الاقتصادية، بل أصبحت الشركة أو المؤسسة التجارية الخاصة الوطنية والأجنبية على حد سواء تلج السوق المحلية(الوطنية) بحماية من الدولة التي تحوز على سلطة اصدار القوانين المنظّمة للاستثمار.والمصادر الداخليّة للقانون العام الاقتصادي فهي مجموعة النصوص التي تصدرها السّلطة التشريعيّة(القوانين)، أو التنفيذيّة(المراسيم والأوامر الرئاسيّة والمقررات الإدارية)، وتخضع هذه المصادر إلى مبدأ التفاضل.

الفرع الأول : الدساتير الجزائرية و التأطير القانوني لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي

و لأهمية الانتقال التشريعي والقانوني والتنظيمي الذي حدث بالجزائر العام 1989(المرسوم الرئاسي رقم 89-18 المؤرخ في 22 رجب عام 1409 الموافق 28 فبراير سنة 1989 والمتعلق بنشر نص تعديل الدستور الموافق عليه في استفتاء 23 فبراير سنة 1989، ج.ر.ج.ج، العدد 09، التاريخ: الأربعاء 23 رجب عام 1409 الموافق أول مارس سنة 1989)، فضلت التقسيم الآتي لهذا الفرع على النحو الآتي؛-الدساتير الجزائرية لمرحلة ما قبل 1989؛-الدساتير الجزائرية لمرحلة ما بعد 1989.
- الدساتير الجزائرية لمرحلة ما قبل سنة 1989:تتميّز دساتير مرحلة ما قبل دستور 1989 بكونها كانت دساتير برامج سياسية واجتماعية واقتصادية قبل أن تكون دساتير -قوانين وذلك ،حسب وجهة نظر العديد من فقهاء القانون الدستوري الجزائري، وسندهم في ذلك أن السلطة السياسية المنبثقة عن ثورة التحرير، قد اختارت الطبيعة السياسية للدولة التي تقود التنمية الاقتصادية، من منطلق ممارستها لمفهوم السيادة الوطنية. وعليه فهي الدولة الوطنية التي تقوم على الاختيار الاشتراكي، والحزب الواحد، والملكية العامة لوسائل الإنتاج.
إنّ الدولة الجزائرية، ومن منطلق المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية للنظام الاشتراكي، أعلنت احتكارها للتجارة الداخلية والخارجية وقيادتها للنشط الاقتصادي(إنتاج وبيع وتحديد التسعيرة النهائية عند الاستهلاك..)، منذ دستور 1963،كما جاء دستور 1976 داعما للنهج التنموي الاشتراكي الذي تحددت ملامحه الأساسية في دستور 1963، بالإضافة إلى وحدوية  الدولة والحزب(حزب جبهة التحرير الوطني)، وعلى المؤسسة الاشتراكية كأداة للتنمية بمفهومها الواسع، وعلى الملكية العمومية لوسائل الإنتاج، و أحادية العمل السياسي في إطار دولة الحزب الواحد، وإعادة التأكيد الدستوري على منع أي شكل من أشكال التعددية السيّاسية والنّقابية في البلد.
ومن المظاهر البارزة لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي(الفترة الممتدة من سنة 1962 و إلى غاية 1989) من منطلق القوّة العمومية(السلطة العمومية..Autorité Publique):- ضمان التسيير المباشر للمرافق العامة من طرف الدولة، باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة، وهو "التسيير الذي تتحمل من خلاله الجماعة العمومية (الدولة، الجماعات المحلية) كل أعباء التسيير ولا يملك المرفق العمومي لوحده الشخصية المعنوية الخاصة به"[2]؛-إن الدولة الاشتراكية هي بمثابة الشخص المعنوي الوحيد المؤهل قانونا بالتعاقد والتملك والتقاضي،وعليه فإن المؤسسة المسيّرة ذاتيا(1962-1965)،والشركة الوطنية (1965-1971)،والمؤسسة الاشتراكية(1971-1988)،والمؤسسة العمومية الاقتصادية(1988) لم تكن تحوز على الشخصية القانونية التي تؤهلها للتملك والتعاقد والتقاضي، "لكونها كانت مرافق ملحقة بالدولة والجماعة المحلية ومندمجة فيها وتابعة لها"[3].
فالمؤسسة الاقتصادية في ظل النظام الاشتراكي لم تكن مطالبة بتحقيق الربحية أو ما يعرف اصطلاحا بالغرض الربحي(à but lucratif)، بقدر ما كانت المؤسسة العمومية الإدارية والاقتصادية مطالبة بتنفيذ برامج اقتصادية ذات مضمون اجتماعي الهدف منه:-تلبية الطلب على الشغل وامتصاص اليد العاملة، وتمكين المواطنين من مناصب شغل تسمح لهم بإيراد مالي(أجر) منتظم بغرض تلبية حاجيات أسرهم ضمن السياسات العامة للدولة التي كانت تقوم على التوزيع العادل للمداخيل؛-إن الدولة كانت تعتبر المؤسسة العمومية الإدارية و الاقتصادية بمثابة ذراعها الاجتماعي في المجتمع، وبالتالي فإنه يجب حمايتها من الإفلاس، أو في حالة عدم القدرة على السداد، فأخضعها المشرع الجزائري للقانون العام في تعاملاتها مع تفرعات الدولة خدمة للمصلحة العليا للمجتمع، كما تميّزت السلطات العمومية الجزائرية بعدم التفريط في المؤسسة العامة الإدارية والاقتصادية.
- الدساتير الجزائرية لما بعد دستور 1989:يعتبر دستور 1989 بمثابة أول دستور قانون بالجزائر، وذلك باعتبار أن ما جاء في أحكامه شكّل نقلة دستورية نوعية في مجال الإقرار الدستوري الصريح بالدولة المعدّلة أو المنظّمة اقتصاديا واجتماعيا، وترسيخ "الفصل بين الدولة باعتبارها سلطة عمومية والدولة باعتبارها المالك لرأسمال المؤسسات الاقتصادية والتجارية"[4]،كما تمّ الفصل بين السلطات الثلاث(التشريعية و التنفيذية والقضائية)،خلافا لدستور 1976 الذي استعمل" تعبير تنظيم السلطات ووزعها بين ستة وظائف هي: السياسية و التنفيذية والتشريعية والقضائية و وظيفة المراقبة والوظيفة التأسيسية"[5].وبالإضافة إلى الإقرار الدستوري لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون، ومنع أي شكل من أشكال التمييز بين المواطنين (المادة:29)، وتكفل الدولة بالحريات الأساسية للإنسان والمواطن (المادة:31)، وضمان الحق في الدفاع الفردي أو الجمعوي عن الحقوق الأساسية للإنسان وحرياته الفردية والجماعية(المادة:33)، والتكريس الدستوري لحرية التعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع(المادة:41)، فقد جاء في دستور 1989 بما يمكن اعتباره مقاربة جديدة لمفهوم الدولة القائمة على:-التعددية السياسية:-إلغاء سيطرة الحزب الواحد على الحياة السياسية في الجزائر؛-الإقرار بمبدأ التعددية السياسية و حرية التجمع و إنشاء الجمعيات؛-إلغاء أي ربط عضوي بين الدولة والحزب أو الأحزاب القانونيّة القائمة؛-الحريّة الاقتصادية:-إلغاء احتكار الدولة للتجارة الداخلية والخارجية؛-فتح السوق المحلي أمام المنتجات من خارج الوطن؛-تحرير الأسعار و تركها لمقتضيات السوق؛- تمكين المتعاملين العموميين والخواص من المبادرة في الشأن الاقتصادي؛-السعي إلى توفير مناخ استثمار مساعد للرأس المال الأجنبي؛-التعددية النقابية:-إلغاء احتكار منظمة الاتحاد العام للعمال الجزائريين للعمل النقابي والانفتاح أمام التعددية النّقابية على مستوى قطاعات النشاط الاقتصادي و الخدمي، والوظيفة العمومية، وتمكين المنظّمات النقابية للعمل و لأصحاب العمل وليدة دستور 1989 من التأسيس و النشاط؛-ممارسة الحق في الإضراب:-تمكين العمال والموظفين من ممارسة الحق في الإضراب بعد أن كان يسمح به على مستوى القطاع الخاص دون عمال القطاع العمومي أو الوظيفة العامة[6]. 
ومن النتائج المباشرة لدستور2016 [7] التي لها علاقة وطيدة بمكانة القانون العام الاقتصادي بالجزائر ضمن السياسات العامة للدولة الجزائرية في ظل اقتصاد السوق الآتي:
- تراجع الدولة باعتبارها سلطة عمومية في مجال إدارة وتسيير النشاط الاقتصادي بكيفية مباشرة وتركها المجال للمؤسسة العمومية الاقتصادية وللقطاع الخاص الوطني والمختلط والأجنبي وفق تدابير قانونية تستمد مرجعتيها من الالتزامات الدولية للجزائر في كل ما يتعلق بضمان وحماية المستثمر الأجنبي؛
-توسيع دائرة استعمال عقد الامتياز المرفقي على المستوى الوطني بعد أن شرعت السلطات العمومية في حل بعض الدواوين، وتمكين القطاع الخاص من تعويض الدولة في استيراد الموّاد والبضائع والمنتوجات والمواد الأولية التي تدخل في التصنيع المحلي؛
-تنفيذ العديد من برامج الهيكلة و التثبيت(Programme d’Ajustement Structurel)مست أسس ومبادئ التنظيم الاقتصادي الجزائري بغرض تحقيق التكييف التشريعي والقانوني مع متطلبات اقتصاد السوق، وتبعات انسحاب الدولة باعتبارها سلطة عمومية من الادارة المباشرة للشركات والمؤسسات العمومية الاقتصادية تحت ضغط الالتزامات الدولية للدولة لجزائرية مع كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي على مدار الفترة الزمنية 1989-1998(أبرمت الجزائر أول اتفاق للتسهيلات المالية مع كل من" صندوق النقد الدولي" و" البنك العالمي" في شهر ماي 1989، والثاني تمّ في جوان 1991، والثالث في شهر ماي 1994، والرابع في شهر ماي 1995)؛
-التوجه نحو التصديق على أهم الاتفاقيات الدولية في مجال الاستثمار والمبادلات التجارية البينية أو المتعددة الأطراف التي من شأنها أن تمكن الدولة الجزائرية من ولوج الفضاء الاقتصادي الدولي القائم على الاقتصاد الحر، والتقليل من تدخل الدولة و أهمها:*التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة فينيويورك الصادرة بتاريخ 10 جوان1958 والخاصة باعتماد القرارات التحكيميّة الأجنبيّة وتنفيذها بموجب القانون رقم:88-18 المؤرخ في 28 ذي القعدة 1408 الموافق لـ 12 جويلية1988 والمتضمن الانضمام لهذه الاتفاقية الدولية[8] ؛*التوقيع والتصديق على الاتفاقية الدولية المتعلقة بتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول و رعايا الدول الأخرى بموجب الأمر رقم :95-04 المؤرخ ـ21 جانفي1995؛*الموافقة على الاتفاقية الدولية المتضمّنة أحداث الوكالة الدّولية لضمان الاستثمارات بموجب الأمر رقم:95-05 المؤرخ في 19 شعان 145 الموافق لـ21 جانفي1995.
أكدت أحكام دستور 2016(ج.ر.ج.ج، العدد 14، التاريخ:07-03-2016) على أن الدولة الجزائريةلم تتنازل عن سيادتها الوطنية وحمايتها لعناصر الوحدة السيّادية، وهي تتعامل مع المؤسسات المالية العالميّة، بل يجد الباحث في الشأن الاقتصادي أنّ الدولة قد تمسكت في دفاعها التقليدي عن أهميّة تواجد عنصر الدولة في عقود الاستثمار، وتثمين الثروات الباطنية والدليل على هذا التمسك.
أبقت الدولة على المفهوم الوطني للملكية العامة التي تشمل باطن الأرض، والمناجم، و المقالع، والموارد الطبيعية للطاقة، والثروات المعدنية الطبيعية والحيّة في مختلف المناطق البحرية والمياه والغابات،كما تشمل النقل بالسكك الحديدية، والنقل البحري والجوي، والبريــد والمواصلات السلكية واللاسلكية (انظر: المادة 18 من الدستور الجزائري الساري المفعول)،كما أنّها أكدت على أن الأملاك الوطنية يحددها القانون وتتكوّن من الأملاك العمومية والخاصة التي تملكها كل من الدولة، والولايـــــة، والبلدية، على أن يتم تسيير الأملاك الوطنية طبقا للقانون(انظر: المادة 20 من الدستور)؛- التزام الدولة الجزائرية بما تتعهد به على الصعيد الدولي تماشيا و التزاماتها الدولية(انظر المادة 150 من الدستور الجزائري لسنة 2016)[9].
بالإضافة إلى الإصرار على أن تنظيم التجارة الخارجية هو من اختصاص الدولة على أن يحدد القانون شروط ممارسة التجارة الخارجية ومراقبتها(أنظر: المادة 21 من الدستور) وتكريس حرية الاستثمار والتجارة على مستوى التراب الوطني(انظر المادة 43 من الدستور)[10]، على أن تمارس هذه الحرية في إطار القانون(التأكيد على أن قانون الدولة المضيفة للاستثمار يشكّل القاعدة لا الاستثناء)، بالإضافة إلى تحسين مناخ الأعمال(Le Climat des affairesوتشجيع ازدهار المؤسسات دون تمييز خدمة للتنمية الاقتصادية الوطنية، وتكفل الدولة بضبط السوق، وحماية المستهلك، و منع الاحتكار و المنافسة غير النزيهة.

الفرع الثاني : القانون كمصدر من المصادر الداخلية للقانون العام الاقتصادي

دخلت الجزائر، بعد التصديق الشعبي الواسع على دستورـ23 فبراير 1989، في إصلاح قانـــوني واسع النطاق كان الهدف منه تحقيق الانتقال السلّس من الدولة المتدخلة في النشاط الاقتصادي نحو الدولة المعدّلة أو المنظّمة. وهي الدولة التي قررت أن تنسحب من هذه الأسواق(الإنتاج و التوزيع وتحديد أسعار الاستهلاك)، و ألا تتدخل إلا في حدود التعديل و ضمان الحدود الدنيا من الضبط الاقتصادي و الاجتماعي(La régulation économique et sociale)الذي يقع على كاهلها.
- تكييف المنظومة القانونية ومتطلبات مرحلة ما بعد دستور 1989:ومن الإصلاحات العميقة التي أجرتها الحكومات المتعاقبة من تاريخ 23 فبراير 1989، ومست معظم القوانين ذات الصّلة بالقانون الاقتصادي بشقيه العمومي و الخاص:-الاصلاح العميق الذي مسّ القانون الاجتماعي في الجزائر من خلال تكريس نظام علاقات عمل جديد تصنع قواعده المفاوضة الجماعية والحوار الاجتماعي بين مختلف أطراف الانتاج(حكومة ومنظّمات نقابيةلأصحاب العمل و العمال)، وقد جاء ليحل محل النظام القانوني القديم الذي حددته نصوص قانون التسيير الاشتراكي للمؤسسات(الأمر رقم:71-74 المؤرخ في 16 نوفمبر 1971 والمتعـلق بالتسيير الاشـتراكي للمؤسسات)، والقانون الأساسي العام للعامل(القانون رقم:78-12 المؤرخ في 05 أوت 1978 والمتضمن القانون الأساسي العام للعامل).
والنتيجة أن أصدرت الجزائر منظومة قانونيّة جديدة في كل ما يتعلق بالعمل أسّست للمفاوضة الجماعية والحق في الاضراب والتعددية النقابية، وفي مقدمتها القوانين الآتية:
-القانون رقم:90-02 والمتعلق بالوقاية من المنازعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الاضراب ؛
-القانون رقم:90-03 والمتعلق بمفتشية العمل؛-القانون رقم:90-04 والمتعلق بتسوية المنازعات الفردية في العمل؛
-القانون رقم:90-11 والمتعلق بعلاقات العمل.
بالإضافة إلى الشروع في تنفيذ برنامج إصلاح المنظومة البنكية والنقدية لتكون ملائمة للتوجهات العامة للدولة نحو المزيد من التحكم في نسب عجز الموازنة العامة، وفي معدلات التضخم من خلال إصدار قانون يتعلق بالنقــد والقرض يتمتع باستقلالية البنك المركزي في إدارة و تسيير كل ما يتعلق بموضوعي النقد و القرض(قانون رقم:90-10 مؤرخ في 19 رمضان 1410 الموافق لـ14 أبريل 1990 المعدل و المتمم)؛
- تعديل قانون الأملاك الوطنية ليكون ظهيرا وسندا للتوجهات الاقتصادية الجديدة التي تقوم على الحق في ممارسة حرية التجارة والاستثمار (قانون رقم:90-30 مؤرخ في 14 جمادي الأول 1411 الموافق لأول ديسمبر 1990 والمتضمن قانون الأملاك الوطنية)؛
-إصلاح المنظومة الجبائية و الجمركية[11] لتواكب أحكامها اشتراطات الدولة المعدّلة التي تقوم على حسن الأداء الضريبي و التحصيل الجبائي.
بالإضافة إلى إصدار أول مرسوم تشريعي يتعلق بترقية الاستثمار بالجزائر(المرسوم التشريعي رقم:93-12 مؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ05 أكتوبر 1993 والمتعلق بترقية الاستثمار- ج.ر.ج.ج-العدد64-السنة 1993)، وهو الإصدار القانوني الأول من نوعه بالجزائر يتضمن تشجيعا مباشرا للاستثمار الخارجي بعد أن كانت الجزائر ترفض أي نوع من الاستثمار خارج الاستثمار العمومي للدولة[12].
- تكييف الطبيعة القانونية للمؤسسة العمومية الاقتصادية: وبالنسبة للإصلاحات التي مست النظام القانوني للمؤسسة العمومية الاقتصادية، منذ تاريخ 23 فبراير 1989، أصدرت الدولة الجزائرية أحد أهم القوانين المنظمة للمؤسسة العمومية الاقتصادية في ظل سوق تنافسي أقرّ المشرع الجزائري بموجبه مصطلح الخوصصة[13](الأمر رقم 01-04 مؤرخ في أول جمادي الثانية 1422 الموافق لـ20 أوت 2001 والمتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها (ج.ر.ج.ج-العدد 47-السنة 2001).و في الإطار العام القاضي بتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أصدرت السلطات العمومية قانون رقم 17-02 مؤرخ في 11 ربيع الثاني 1438 الموافق 10 يناير -جانفي2017  المتضمن القانون التوجيهي لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة(ج.ر.ج.ج-العدد 02- السنة 2017)، بالإضافة إلى قوانين المالية التي أصبحت تتضمن أحكاما و بنودا تخص المؤسسة العمومية الاقتصادية[14] بغرض تمكينها من البقاء في الساحة الاقتصادية بدعم مباشر و غير مباشر من طرف السلطات العمومية.
والدولة الجزائرية، وبعد أن تبنت جميع دساتيرها،بعد دستور 23 فبراير 1989، آليات اقتصاد السوق،لم تتوقف من التدخل في النشاط الاقتصادي بواسطة شركات مساهمات الدولة(Les Sociétés de Gestion des Participations de L’Etat)[15]التي كانت تؤدي و إلى غاية إنشاء المجمعات الصّناعية الكبرى دور المتعامل الاقتصادي بالنيابة عنها باعتبارها صاحبة المسئولية في إدارة وتسيير أموال الدولة وفق قواعد وآليات السوق بعيدا عن القانون العام، بل يسجل الباحث في الشأن الاقتصادي تشجيع السلطات العمومية الجزائرية على حرية الأطراف المتعاقدة في مجال الاستثمار اختيار التحكيم التجاري الدولي عند المنازعة(راجع نص المادة 24 من القانون رقم:16-09 المؤرخ في 03 أوت 2016).هذا ويبقى للدولة حق المبادرة بإنشاء مؤسسات عمومية إدارية و صّناعية وتجارية دون النظر لمعيار تحقيق الربحيّة.

المطلب الثاني : المصادر الدّولية (الخارجية) للقانون العام الاقتصادي

تتحدد المصادر الخارجية للقانون العام الاقتصادي في العديد من المواثيق، والإعلانات، والعهود، والاتفاقيات الدولية التي تكون محلّ تصديق من الدولة المعنية.

الفرع الأول: أهميّة المصادر الخارجية(الدولية)

إنّ الدولة في ظل نظام العولمة الاقتصادية[16]،لم يعد بوسعها أن تحدد نظامها الاقتصادي(إنتاج، وبيع، ومعاملات وإبرام عقود، وتحديد الأسعار، وتنظيم الأسواق، و الشبكات التجارية..) لوحدها، ودون الأخذ بعين الاعتبار المرجعية القانونية الدولية المنظّمة للتجارة والصّناعة والاستثمار والبيئة، و للأثر المباشر لما تصدّق عليه من اتفاقيات ثنائية و متعددة الأطراف في منظومتها القانونية المحليّة.وتأتي أهميّة دراسة ومناقشة المصادر الخارجية( الدولية) للقانون العام الاقتصادي، بغرض الوقوف على دورها في التأسيس لقانون وطني(محلي) في مجال تدخل الدولة في الاقتصاد والتحكم في مواردها الطبيعية،حتى و إن كان ذلك، في إطار آليات وقواعد اقتصاد السوق التي أصبحت غالبة في العلاقات الاقتصادية الدولية.ومن أهم المصادر الدولية للقانون العام الاقتصادي حسب الأهميّة أذكر الآتي:-التوصيات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة: جاء الإعلان الرسمي عن تأسيس منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 24 أكتوبر 1945، واعتماد الميثاق المؤسّس لها بتاريخ 26 جوان 1945،مباشرة بعد الإعلان عن انتهاء الحرب العالمية الثانية(1939-1945)، والتي تحددت أهدافها في الآتي:*تحقيق التعاون بين القانون الدولي والأمن العالمي؛*التنمية الاقتصادية؛*الرقيّ الاجتماعي؛*حقوق الإنسان.وهي المنظّمة الدولية التي تضمّن ميثاقها، و على عكس الميثاق المؤسّس لعصبة الأمم المتحدة سنة 1919، وللمرّة الأولى في تاريخ الوثائق الدولية كلمة "شعوب": (نحن شعوب الأمم المتحدة) والتي جاء تأسيسها كذلك من أجل إقامة رباط وثيق بين الأمن و السلام و التنمية[17]على الصعيد الدولي تكون للشعوب فيها الكلمة الفصل.
مرت الجزائر بمرحلتين أساسيتين في التأسيس لقواعد القانون العام الاقتصادي، وعليه رأيت أنّ من الضرورة بمكان أن أقوم بالتقسيم الآتي:-المرحلة الأولى:( 1962 – 1988) والمتميّزة بغلبة الاستثمار العمومي؛-المرحلة الثانية: (1989) وأبرز صورها اعتماد آليات اقتصاد السوق بمضمون اجتماعي.
- مميّزات المرحلة الأولى (1962-1988):تتحدد مميّزات الفترة الزمنية (1962-1988) في كونها كانت فترة بناء الدولة الجزائرية ذات السيّادة المطلقة على ثرواتها وأراضيها، دولة تقوم على أساس الملكية العامة لوسائل الإنتاج في ظل الدولة المتدخلة في النشاط الاقتصادي.والجزائر كانت من بين الدول التي طالبت بنظام اقتصادي أكثر عدلا يقوم على حماية الثروات الباطنيــة وتوجيهها لتكون في خدمة شعوب العالم النامي[18]، وهي المطلبيّة التنمويّة التي واجهتها الدول الرأسمالية بقوّة.
ومن بين التوصيات التي تمكنت الدّول النامية من استصدارها لتكون دعما دوليا في مطالبتها بحماية أكبر لثرواتها الباطنية، وقد كان سندها في ذلك ما كرسه ميثاق الأمم المتحدة (الفقرة:7-المادة:2) من مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول،أذكر:
-التوصية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخة في 24 ديسمبر 1970 التي تناولت الإستراتيجية الدولية من أجل التنمية في العشرية الثانية للأمم المتحدة.هذا وقد سبق أن اعترف مؤتمر الأمـــــــــم المتحدة للتجارة والتنمية(جنيف-1964) بدور البلدان النامية في التنمية على الصعيد الدولي، وهو المؤتمر الذي طالب المشاركون فيه بمعاملة خاصة[19]. والجزائر التي كانت دبلوماسيتها دبلوماسية هجومية على الصعيد الدولي دفاعا عن مبدأ المساواة السيادية[20]، سعت، وبدعم من مجموعة البلدان النامية، من أجل إحداث تغييرات جذرية في القواعدالكلاسيكية للقانون الدولي، وإعطاء مبدأ السيادة في القانون الدولي بعدا اقتصاديا يشمل السيادة على الثروات الطبيعية الذي يعتبر شرطا أساسيا لضمان استقلالية البلدان النامية[21].
ومن الأساليب القانونية التي تبنتها السلطات العمومية الجزائرية على مدار الفترة الممتدة من سنة 1962 و إلى غاية 1988:-التأميم أو التأميمات(Les nationalisations):والتأميم، حسب ما جاء بالموقع العلمي ويكيبيديا، هو نقل ملكية قطاع معيّن ملكية الدولة، أي تحويله إلى القطاع العام.
ومن قرارات التأميم التي يسجلها التاريخ الجزائري بأحرف من ذهب قرار تأميم المناجم بتاريخ السادس من شهر ماي 1966 التي كانت البداية الفعلية للتأسيس لاقتصاد جزائري مستقل عن  اقتصاد دولة الاحتلال الفرنسي.وهو القرار الذي أعقبه تأميم الفروع البنكية الفرنسية المتواجدة بالجزائر و الإعلان عن إنشاء القرض الشعبي الجزائري، والبنك الوطني الجزائري.
جاءت التأميمات مباشرة بعد أن قرر مجلس قيادة الثورة والحكومة بقيادة الرئيس الراحل هواري بومدين تشكيل لجان لدراسة الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و المالية بتاريخ 22 جويلية 1965 التي كان من مهامها تقديم مقترحات يكون من شأنها إعادة الاعتبار للمؤسسة العامة الاقتصادية. وأفضت اللجان المشكلّة من موظفين ونقابيين وخبراء اقتصاد وقانون ومالية التي كانت تشتغل تحت اشراف وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى اقتراح مشاريع أوامر تخص المؤسسة العامة الإدارية والاقتصادية، بالإضافة إلى اقتراح مفهوم جديد للمرفق العام، وتحديد الطبيعة القانونية للشركات الوطنية على النحو الآتي:-مؤسسة عامة إدارية و مؤسسة عامة صّناعية أو تجارية[22]بالإضافة إلى اعتماد نموذج الشركة الوطنية[23].
و في الإطار ذاته، وبعد الإقرار الرسمي لأول مخطط ثلاثي للتنمية الوطنية(1967-1970) والشروع في التأسيس للمجالس البلدية والولائية المنتخبة العام 1967،والإعلان عن انشاء أول مجلس وطني اقتصادي واجتماعي (06 نوفمبر 1968)[24]، تواصلت التأميمات التي شملت النقـل بمختلـف أنواعـه(البري والجوي و البحري)، واسترجاع المساحات التجارية الكبرى التي كانت تشتغل كفروع للمساحات الكبرى الفرنسية،كما تواصل الإعلان عن إنشاء مؤسسات عامة ادارية على مستوى الولايات والدوائر والبلديات بغرض تكريس تواجد الدولة من جهة وتقديم الخدمة الضرورية في مجال النقل و التعليم و  إصلاح الطرق من جهة ثانية للمواطن.
والجزائر التي كانت عضوا نشطا في المحافل الدولية و أحد أهم الدول المصدّقة على توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تكن سياسة التأميم التي تبنتها في تضاد مع السياسات العامة للهيئة الأمميّة، بل كانت ترجمة للحق في ممارسة السيادة الوطنية على الثروة الباطنية وتوجيهها لما يخدم التنمية الوطنية.
-التخطيط المركزي كأداة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية: اختارت الدولة الجزائرية في الفترة الممتدة من سنة 1970 و إلى غاية 1981 نظام اقتصاد الدولة القائم على التخطيط المركزي الذي تشرف عليه الدولة المركزية عن طريق وزارة التخطيط، والتصنيع السريع[25] الذي كان يقوم على تبني الخطط الرباعية والخماسية في مجال التنميـة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإشراف المباشر على برامج التنمية على مستوى تراب الجمهورية.
بادرت السلطات العمومية، بعد التقييم الإيجابي لأول مشروع  مخطط للتنمية(1967-1970) و نجاح التأميم الذي مسّ قطاعات كانت خارج دائرة الرقابة الحكومية للدولة المستقلة التي قررت ممارسة سيادتها التامة على ثرواتها الوطني كالمناجم والنقل والفروع البنكية، باعتماد أول مخطط رباعي (1970-1973) أعقبة مخطط رباعي ثان(1974-1977)، كما قامت الجزائر باعتماد نموذج المخطط الخماسي، فكان أول مخطط خماسي(1980-1984) أعقبه مخطط خماسي ثان(1985-1989).وبعد الذي ذكرته من أهمية التأميم والمخططات التنموية التي أشرفت عليها الدولة باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة فإن من المظاهر الدّالة على أن الدولة الجزائرية المستقّلة، بعد 132 سنة من الاحتلال الفرنسي الغاشم، قد اختارت الاقتصاد العمومي على حساب الاقتصاد الخاص من خلال الآتي:
- إعطاء الأولوية للملكية الجماعية لوسائل الانتاج(تفضيل المؤسسة العمومية الإدارية والاقتصادية باعتبارهما الأدوات الإدارية والاقتصادية الأكثر ضمانا لتدخل الدولة-بكيفية مباشرة- في النشاط الاقتصادي)؛
-تأميم الورشات والمصانع والوحدات الإنتاجية والخدمية، وتحويل ملكيتها للدولة باعتبارها ممثلة للمجموعة الوطنية؛-تكفل الدولة من خلال تفرعاتها الإدارية والاقتصادية بتوزيع الحاجيات الأساسية للمواطنين دون إشراك للقطاع الخاص؛
-القبول بالقطاع الخاص(غير المستغّل) الحليف للثورة الاشتراكية في إطار السياسات العامة للدولة(قاطرة التنمية) دون القطاع الخاص الرأسمالي أو الطفيلي الذي كان يعتبر خصما للثورة الاشتراكية.
-عقود المفتاح أو الانتاج في اليد كنموذج تنموي للدولة الاشتراكية:وهي نموذج تنموي تبنته الدولة الجزائرية في إطار السياسات التصنيعية أو ما كان بالصّناعة المصنّعة، وقد كانتإما في شكل :-عقود المفتاح في اليد(Accord Clé en Main)[26] :وهو نموذج يخص عقود إنجاز لوحدات إنتاج، أو مركبات صّناعية كاملة التجهيز والمعدات مع متعامل عمومي أو خاص أجنبي يكون فيها هذا الأخير(المتعامل الأجنبي) في موقع مسئولية تكوين جزء من عمال التنفيذ والصيانة و الادارة التقنية في مصنعه الأم.
ويخضع إنجاز هذا المصنع الكامل لما يأتي في الاتفاقية المبرمة بين الطرفين(من تاريخ الشروع في الإنجاز و إلى غاية تسليم المفتاح للبدء في الإنتاج)، أو  في شكل ثان و المتمثل في:-عقود الانتاج في اليد(Accord Production en Main):حيث تمّ تبني هذا النموذج الاقتصادي من الإنجاز و مضمونه أن يقوم المتعامل الأجنبي المكلف بإنجاز مصنع أو وحدة إنتاجية أو خدماتية بمتابعة المشروع المتفق بشأنه إلى غاية تشغيله نهائيا من طرف طواقم إدارية وتقنية جزائرية مع ضمان الصيانة البعدية من طرف الجهة الأجنبية.

الفرع الثاني: أهم مميّزات المرحلة الثانية ( مرحلة ما بعد دستور 1989)

وهي مرحلة أساسية من بناء الدولة الوطنية في ظل نظام اقتصادي جديد يقوم على قواعد وآليات جديدة في مجال تنظيم الاقتصاد الوطني تميزت بتبني العديد من المرجعيات القانونية الدّولية في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاستثمار، وأهمها:
-التصديق على العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية لعام 1966(دخل حيّز التنفيذ بتاريخ:03 جانفي 1976- بموجب القانون رقم:89-08 المؤرخ في 25 أفريل 1989)، بالإضافة إلى التصديق على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 الذي دخل حيّز التنفيذ بتاريخ:03 جانفي 1976؛
-الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التي تخص الاستثمار وأهمها:*اتفاقية مؤتمر الأمم المتحدة المتعلقة باعتماد القرارات التحكيميّة الأجنبية وتنفيذها لعام 1958؛
*الاتفاقية الدولية المتعلقة بتسوية المنازعات المتعلّقة بالاستثمارات بين الدّول و رعايا الدّول الأخرى؛
*الاتفاقية الدّولية المتضمّنة إحداث الوكالة الدّولية لضمان الاستثمارات)؛
-إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف(عقد الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، المنطقة العربية للتبادل الحر..)، بالإضافة إلى تشجيع اللجوء إلى التحكيم التجاري لفض المنازعات المتوّلدة من عقود الاستثمار، بعد أن كانت ترى في اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي مسألة لا تخدم مصالحها ويتنافى مع مقتضيات السيادة الوطنية، و لذلك كانت المنازعات خاضعة لاختصاص المحاكم الوطنية[27]؛
-خوصصة المؤسسات العمومية و فتح رأسمالها التأسيسي أمام القطاع الخاص الوطني(الأمر رقم:01-04 المؤرخ في20 أوت 2001 و المتعلق بتنظيم المؤسسات العموميّة الاقتصادية و تسييرها وخوصصتها)، وتبني مبدأ الشراكة الاقتصادية من خلال التشجيع على الشركات الاقتصادية المختلطة وفق قاعدة:51-49.

الفرع الثاني: الدولة وخوصصة المؤسّسات العمومية الاقتصادية

ولمعالجة الإطار القانوني الجديد المنظّم لخوصصة المؤسّسة العمومية الاقتصادية في ظل التوّجه العام نحو تحرير المؤسّسة العمومية الاقتصادية من الوصاية البيروقراطية، وإدخال الخوصصة كأداة قانونية لتفعيل الأداة الإنتاجية العمومية في ظل سوق أصبحت تحكمه التنافسية واشتراطات السوق فضلت تقسيم هذا المبحث الفرع إلى:

أولا: الخوصصة : التعريف و موقف المشرع الجزائري

تزامن إصدار الأمر  رقم:01-04 المؤرخ في أوّل جمادي الثّانية عام 1422 الموافق لـ20 غشت سنة 2001 و المتعلّق بتنظيم المؤسّسات العموميّة الاقتصادية و تسييرها و خوصصتها[28] و اصدار الأمر رقم:01-03 المؤرخ في أوّل جمادي الثّانية عام 1422 الموافق لـ20 غشت-أوت- 2001 و المتعلّق بتطوير الاستثمار[29] الذي عدّ قانونا استثماريا متقدما بالنسبة لما سبقه من مرسوم تشريعي(المرسوم التشريعي رقم: 93-12 لعام 1993)[30]. 
*الخوصصة: التعريف:لم يدخل  لفظ "الخوصصة "منطقة الشمال الإفريقي ،إلا في ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن شرعت بعض دوله في تنفيذ برامج للتسوية الهيكليّة التي برزت، وبقوّة، (Programme d'Ajustement Structurel)[31] في الثلث الأخير من سبعينيّات القرن الماضي، وبعد أن تعاظم دورها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي العام 1989[32]، والبروز القوي للولايات المتحدة الأمريكية كأهم قطب صناعي وتجاري ومالي يتبنى اللّيبرالية السّياسية كبرنامج سياسي جديدة للاقتصاد العالمي القائم على انفتاح الأسواق، وتدويل أنظمة الإنتاج على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى اتساع دائرة الهيمنة للقطاع الخاص في جلّ البرامج الاقتصادية للدول التي كانت تنتهج النظام الاشتراكي.
إنّ الخوصصة(باللغة الفرنسية:Privatisation وباللغة الإنجليزية:Privatization)[33] ليست ظاهرة جزائرية أو تونسية أو مغربية أو فرنسية، بل هي ظاهرة عالمية بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية مع أول عهدة انتخابية للرئيس رونالد ريغن في سبعينيات القرن الماضي بدعم من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي التابعتين لمؤسسة(BrettonWoods)، لتنتقل إلى بريطانيا بمجيء السيّدة مارجريت تاتشر  لرئاسة الوزراء بالمملكة المتحدة العام 1979 التي ارتبطت فترة حكمها بمصطلح (الخوصصة-Privatisation) حين أعلنت رئيسة الوزراء" التزام حكومتها بتحويل المشروعات المملوكة للدولة إلى القطاع الخاص، وبالتحديد تحويلها إلى أسهم و أنصبة خاصة"[34]، و دول أمريكا اللاتينية في ثمانينيات القرن الماضي، بعد أزمة عدم القدرة على السداد(سداد المديونيّة) التي واجهت دول كالبرازيل والأرجنتين وبعض دول أمريكا الوسطى.وهي الأزمة المالية المتعاظمة على المنظومة النقدية العالمية التي فرضت تدخل كل من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي من أجل الحيلولة دون انهيار النظام المصرفي الدولي عبر برامج التسوية الهيكلية.
والعولمة الاقتصادية(La Mondialisation économique) تعني في المقام الأول:- المزيد من تحرير الاقتصاد عبر؛-الخوصصة وتسريع انتقال المشروعات و المؤسسات العمومية الاقتصادية إلى الخوّاص الوطنيين أو الأجانــب؛-إصدار الدولة لقوانين استثمار مستقطبة للرأس المال الأجنبي مشفوعة بالمزيد من الضمانات القانونية و المزايا الاستثماري.والخوصصة هي أصلا:" تحويل مسؤولية تشغيل المشروعات العامة إلى القطاع الخاص بدلا من الدولة مع الابقاء على مسئولية وضع التشريعات،والإشراف، والمتابعة، والرقابة على الدولة"[35]، أي أننا أمام تحويل للملكية كليا أو جزئيا للمشروعات العامة من القطاع العام إلى القطاع الخاص الوطني منه أو الأجنبي، مع الابقاء على مسئولية الدولة في سن القوانين المنظّمة للخوصصة من منطلق الدولة السيّادية.
وهو التعريف الذي أخذ المشرع الجزائري به في أول قانون جاء لينظم الخوصصة في الجزائر(الأمر رقم: 95-22 المؤرخ في 26 غشت سنة 1995 والمتعلّق بخوصصة المؤسّسات العمومية(ج.ر.ج.ج،عدد:48، التاريخ:03 سبتمبر 1995) بنص المادة الأولى من هذا الأمر: "يحدّد هذا الأمر القواعد العامّة لخوصصة المؤسسات التي تمتلك فيها الدّولة والأشخاص المعنويّون التّابعون للقانون العام، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، جزءا من رأسمالها أو كلّه. وتعني الخوصصة القيام بمعاملة أو معاملات تجارية تتجسد:-إمّا في تحويل ملكيّة كلّ الأصول الماديّة أو المعنويّة في مؤسّسة عموميّة أو جزء منها، أو كلّ رأسمالها أو جزء منه، لصالح أشخاص طبيعيّين أو معنويّين تابعين للقانون الخاصّ؛-و إمّا في تحويل تسيير مؤسسات عموميّة إلى أشخاص طبعيّين أو معنويّين تابعين للقانـــون الخاصّ، وذلك بواسطة صيغ تعاقديّة يجب أن تحدّد كيفيّات تحويل التسيير وممارسته وشروطه".
والخوصصة في الأمر رقم:01-04  والمتمم بموجب الأمر رقم:08-01 المؤرخ في 28 فبراير 2008 والمتعلق بتنظيم المؤسّسة العمومية وتسييرها وخوصصتها (بنص المادة:13) هي:" كلّ صفقة تتجسّد في نقل الملكيّة إلى أشخاص طبعيّين أو معنويّين خاضعين للقانون الخاصّ من غير المؤسّسـات العموميّة، وتشمل هذه العملية:-كلّ رأسمال المؤسّسة أو جزء منه، تحوزه الدّولة مباشرة أو غير مباشرة و / أو الأشخاص المعنويون الخاضعة للقانون العام، و ذلك عن طريق التنازل عن أسهم أوحصص اجتماعية أو اكتتاب للزيادة في الرأسمال؛-الأصول الّتي تشكّل وحدة استغلال مستقلّة في المؤسّسات التابعة للدّولة".
و بما أن الخوصصة أصبحت تشكّل ركيزة أساسيّة للعولمة الاقتصادية المتعاظمة الدور والانتشار على امتداد العالم، رأيت من الواجب، أن أقدّم شرحا اصطلاحيا[36] لمصطلح العولمة و أسّسها وأهدافها حتى يكون الطالب الجامعي المسجل بالسنة الثالثة ماستر-قانون عام- على بيّنة من الموضوع.
علاقة الخوصصة بالعولمة الاقتصادية : والحقيقة أنّه لا يوجد تعريف جامع  لمصطلح "العولمة"، فالكل يرى في العولمة ما يؤسّس لنظريّته الإيديــــولوجية، وعليه، يقف الباحث في الشأن الاقتصادي على أنّ ثمّة تعدّد في التعاريف الخاصّة بالعولمة، إذ منها من يرى في العولمة بمثابة تطوّر طبيعيّ للنظام الرأسمالي الذي تدعّم بالإعلان عن إنشاء المنظمة العالمية للتجارة العام 1994.في حين ترى مدارس ثانية في العولمة انعكاسا حقيقيا للتطوّر الحاصل في الثورة التكنولوجية على الصعيد العالمي بالنظر للانفجار المسجل في عالم الاتصالات التي تنوّعت وتعدّدت وأصبحت في متناول أوسع الفئات الاجتماعية، بالإضافة إلى الإنترنت الذي أصبح الأداة الفضلى بيد الأفراد والمؤسّسات والشركات، وشبكة الاتصال الاجتماعي التي أسّست لتجارة الإلكترونية والعقود التجارية، و هي الشبكة الاتصاليّة الواسعة والأكثر جماهيريّة جعلت من العالم بمثابة قرية صغيرة.
والعولمة بدورها هي في الأصل لفظ إنجليزي (Mondialization)، أو (Internationalization)، أو (Globalization)، وقد تمت ترجمة هذا اللفظ إلى اللّغة الفرنسية بلفظ(Mondialisation)، قبل أن ينتقل اللّفظ  إلى اللغة العربيّة انطلاقا من النصف الثاني من ثمانينيّات القرن الماضي، بعد أن  شرعت بعض دوله في تطبيق برامج للتسوية الهيكلية(تونس ومصر والمغرب)، قبل أن تلتحق أغلب دوله بالمنظومة الاقتصادية الليبرالية بقيادة المؤسّسات المالية العالمية[37] بعد سنة 1990.إلا أنّ ثمّة اجماع فقهي يرى فيالعولمة تكامل العناصر الأساسية الآتية:
-العولمة هي بمثابة سلسلة مترابطة من الظواهر الاقتصاديّة والاجتماعية تقوم على عدّة عناصر أهمها:
*الخوصصة وانسحاب الدولة من النشـاط الاقتصادي؛
*تحرير الأسواق والتجارة؛
*انتشار الاستثمار الأجنبي المباشر؛
*التكامل بين الأسواق الرأسماليّة؛
*تنامي دور الشركات متعددة الجنسيات؛
*تطبيق نظام آليات السوق ودمج هذه الاقتصاديات في الاقتصاد العالمي[38] بدعم من المؤسّسات المالية العالمية. وبالنتيجة فالعولمة هي" تجربة انعدام الحدود ضمن الأبعاد المختلفة للاقتصاد والإعلام والبيئة والخبرة الفنيـة والنزاعات الثقافية العابرة والمجتمع المدني"[39].
الخوصصة: الأساليب و الأهداف:تختلف أساليب وصيّغ الخوصصة باختلاف مقاربات الأنظمة السياسية  والنظريات الاقتصادية في هذا البلد إلى ذاك البلد، كلّ حسب نظرته للأهداف المحددة لخوصصة هذا القطاع واستثناء قطاعات ثانية تراها الدولة قطاعات حيوية وذات بعد استراتيجي.إلا أن القاسم المشترك بين مختلف المدارس و النظريات  الاقتصادية في العالم المتقدّم، أو في العالم الثالث، أو في البلدان الناشئة تتقدمهم الجزائر التي لها تجربتها الخاصة والمتميّزة يكمن في الاتفاق على دور الدولة في سنّ القوانين المتعلّقة بإنهاء الاحتكار الحكومي للتجارة الداخلية والخارجيــــة، والخوصصة، والاستثمار ، وحرية التجارة[40]، والأسعار[41]، والنقد والقرض[42] من منطلق سياديّ ودون أي تدخل في الشأن الداخلي للدولة. 
ولبرامج الخوصصة التي يتم الاتفاق عليها مع المؤسسات المالية العالمية أو تلك التي يتم تحديد محاورها بسيّادية أساليب و أهداف.
-أساليب الخوصصة: ومن أساليب الخوصصة الأكثر تداولا على الصعيدين الإقليمي و الدولي التي تجد دعما ومساندة ومرافقة من جانب المؤسسات المالية العالمية:-التحويل الكلي أو الجزئي للمشروعات و المؤسسات العمومية الإدارية والاقتصادية إلى القطاع الخاص؛-النازل عن إدارة المنشآت العمومية الإدارية أو الاقتصادية لفائدة القطاع الخاص مع الإبقاء على الطابع العمومي للمنشأة، أو المشروع العمومي، أو المؤسسة العمومية الاقتصادية ( إخضاع التسيير الإداري للمؤسسة العمومية الاقتصادية لقواعد التسيير و المانجمانت) أوما يسمى بعقود التسيير للمنشأة الاقتصادية(والخدمية)، أو الفرع(La Branche d’activité) أو المؤسسة بمجملها ؛
- تمليك القطاع الخاص لفروع إنتاج، أو خدمات، أو أنشطة كانت تضمنها المؤسسات العمومية الاقتصادية وفق دفتر شروط متفق عليه.
والدولة الجزائرية التي أسهمت، وبدرجة كبيرة، في التأسيس لاقتصاد عموميّ واسع منذ سبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى بناء منظومة مرفقية عمومية واسعة الانتشار على مستوى التراب الوطني، فإنّها لم تتمكن من مواصلة هذا الخيار الاقتصادي المكلف بعد الأزمة البترولية التي مست سعر النفط على مستوى البورصات الرئيسية له، فكان على الدولة أن بدأت تنسحب من الفضاء الاقتصادي باعتبارها سلطة عمومية، وأن تتبنى خيار الفعالية الاقتصادية.فالمؤسسة العمومية الاقتصادية في ظل آليات اقتصاد السوق هي "شركة تجارية تحوز فيها الدولة، أو أيّ شخص معنوي آخر خاضع للقانون العام، أغلبية رأس المال الاجتماعي مباشرة أو غير مباشرة وهي تخضع للقانون العام[43].
أهداف الخوصصة: ومن الأهداف الرئيسية المعلنة لبرامج الخوصصة على صعيد  الدّول الناميّة التي انضمت إلى النظام الاقتصادي الدولي الجديد الذي تشرف عليه المؤسّسات المالية العالمية منذ سبعينيات القرن الماضي:
-إبعاد الدولة من مسؤولية إدارة وتسيير المنشآت الاقتصادية و الإبقاء على دورها الرقابي و التعديلي في كل ما يخص الشأن الاقتصادي؛-إعادة الهيكلة الاقتصادية والإدارية والمالية للقطاع الاقتصادي العمومي بغرض التقليل من حجم الملكية العمومية للمشاريع والمنشآت والمؤسّسات العمومية الاقتصادية لفائدة القطاع الخاص الوطني أو المختلط أو الأجنبي، وبالتالي الوصول إلى" تخفيف أعباء الموازنة و ضغط العجز فيها"[44].وهو ما يعني السعي المتواصل للسلطات العمومية إلى تجاوز الاختلالات المالية التي قد تثقل السير العادي للاقتصاد الوطني و السعي إلى تحقيـق أعلى معـدلات الانضباط النقدي و تفادي العجز في الميزانية، بالإضافة إلى التحكم في نسب التضخم و ذلك من خلال  تفعيل الأداة الانتاجية للقطاع العمومي الاقتصادي؛-الاستغلال الأمثل للموارد المالية للدولة من خلال" تحسين عمليات التخطيـط و التنظيم والتوجيه والرقابة وزيادة قوة المحاسبة"[45]، وهو ما يعني تعزيز و تقويّة الدور الرقابي و التعديلي و التنظيمي للدولة في كل ما يتعلق الاقتصاد و التجارة و الضرائب، فالدولة لم تعد تاجرا في ظل التنافسية الاقتصادية، إلا أنّه بالإمكان أن توظّف رؤوس أموالها التجارية عن طريق المؤسّسات و الشركات و المنشآت التي تخضع بدورها في تعاملاتها التجارية للقانون التجاري؛
-الدفع إلى مزيد التنافسية بين الشركات و المؤسّسات و المقاولات العمومية و الخاصة وفق قواعد تنافسية متعارف و متفق بشأنها و مكرسة قانونا بغرض تفادي الاحتكار و التنافسية غير الشريفـة و المضاربة في السوق، فالتنافسية السليمة بين القطاعين العمومي و الخاص أو على مستوى القطاع الخاص، من شأنها أن تضاعف الإنتاج، و أن تحسّن السلع و الخدمات و بالتالي تقديم منتوج أو سلعة بأقل تكلفة و جودة أحسن؛-السعي إلى تحرير التجارة وتمكين المتعاملين الاقتصاديين من الولوج إلى السوق العالمية والوقوف على أحدث تقنيات الإنتاج و التسيير الإداري،وإدارة الموارد البشرية على مستوى الوحدة و المؤسّسة الاقتصادية أو التجارية، أو الخدمية بغرض زيادة كفاءة الاستخدام للعنصر البشري وفق ضوابط قانونية وتنظيمية واتفاقية بين مختلف أطراف الإنتاج ، وهو ما يعني وبالضرورة وجود قانون ينظم الأعمال التجارية، و يحدد مسئولية الأطراف المعنية بالعقود التجارية وتطبيقات نظام السوق:-السعي إلى مزيد النجاعة الاقتصادية و الدفع بالمؤسسة العمومية الاقتصادية لتكون وسيلة دعم النمو الاقتصادي في ظل تنافسية قانونية.-الاستفادة من الإيرادات المالية المتحصل عليها من الخوصصة لتمويل مشاريع اقتصادية  ذات مضمون اجتماعي أو تمويل فروع إنتاجية أو خدمية في حالة عسر مالي؛-تقليص هيمنة القطاع العمومي الاقتصادي و تمكين القطاع الخاص من التواجد و التنافس على امتداد الأسوق المحليّة و الدولية.

ثانيا: الخوصصة: موقف المشرع الجزائري

تميّز المشرع الجزائري، منذ أن استعادت الجزائر سيادتها العام 1962 و إلى غاية 1995[46]، بموقف متحفظ جدا من "الخوصصة"، إلا أن المستجدات الاقتصادية التي رمت بثقلها على الاقتصاد الوطني منذ النصف الثاني من سنة 1988 بسبب الأثر السلبي لانهيار أسعار النفط على إيرادات الخزانة العمومية.بالإضافة إلى تبني دستور 1989 لحرية التجارة والصناعة وفق آليات اقتصاد السوق، دفعت المشرع  الجزائري إلى تغيير الوجهة نحو سياسات اقتصادية عامة تدرج الخوصصة كأداة قانونية لتفعيل الرأس المال التجاري للدولة، فكان الأمر رقم:01-04 المؤرخ في 20 غشت-أوت- 2001(ج.ر.ج.ج، عدد:47، التاريخ:22-08-2001) المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 المؤرخ في 28 فبراير 2008(ج.ر.ج.ج، عدد:11، التاريخ:02-03-2008) و المتعلق بتنظيم المؤسّسة العمومية و تسييرها و خوصصتها.
يستشف الباحث في الشأن الاقتصادي الجزائري أن المشرع  الجزائري قد أكّد تحفظه من الموضوع المتعلّق بخوصصة المؤسّسات العمومية الاقتصادية لفائدة القطاع الخاص، بل أبقى التنازل الجزئي أو الكلي للممتلكات التابعـة للمنشآت العمومية الاقتصادية و إلى غاية 2016 في إطار  القطاع العام دون القطاع الخاص[47]، عبر اشتراط أي تنازل أو خوصصة يجب أن تكون في إطار الرأس المال التجاري التابع للدولة-إنّ تحويل ممتلكات المؤسّسة العمومية الاقتصادية، أو التنازل عن جزء منها، أو عن كلّها، وبالتالي التصرف فيها، لا يكون إلا في إطار القانون العام( لا يمكن للقطاع الخاص أن يكون طرفا في هذا التنازل الجزئي أو الكلي للممتلكات العمومية الاقتصادية)[48]، ذلك إن "الرأسمال الاجتماعي للمؤسّسة العمومية الاقتصادية يشكّل رهنا دائما و غير منقوص للدائنين الاجتماعيين"[49].
ولحماية الرأس المال التجاري للدولة أنشأ المشرع الجزائري مجلسا لمساهمات الدولة يوضع تحت سلطة رئيس الحكومة الذي يتولى رئاسته(المادة:8 من  الأمر رقم:01-04 المؤرخ في 20 غشت-أوت- 2001) و يكلّف هذا المجلس بالآتي:-يحدّد الاستراتيجية الشاملة في مجال مساهمة الدّولة والخوصصة؛-يحدّد السياسات والبرامج فيما يخصّ مساهمات الدّولة و ينفذها؛-يحدّد سياسات و برامج الخوصصة و يوافق عليها؛- يدرس ملفّات الخوصصة ويوافق عليها[50].هذا و قد كلّف المشرع الجزائري مجلس مساهمات الدّولة بضبط و تنظيم القطاع العمومي الاقتصادي(الفقرة:1-المادة:11 من الأمر رقم:01-04 المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 لعام 2008).
ويتولّى مؤهلون قانونا من المجلس مهام الجمعية العامّة للمؤسّسات العموميّة الاقتصادية التي تحوز الدولة فيها الرأسمال الاجتماعي مباشرة(الفقرة:1-المادة:12 من الأمر رقم:01-04 المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 لعام 2008)، و يمارسون مهامهم طبقا للشروط وحسب الكيفيات المنصوص عليها في القانون التّجاري فيما يخصّ شركات رؤوس الأموال(الفقرة:2-المادة:12 من الأمر رقم:01-04 المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 لعام 2008).

ثالثا: أولوية  التأسيس لمنظومة حمائية من الآثار السلبية للهيكلة الاقتصادية

سعى المشرع الجزائري، منذ أن ألغى احتكار الدولة للتجارة الداخلية و الخارجية، و أدخل البلاد عصر حرية التجارة و الأسعار و التنافسية الاقتصادية بالاستناد للأحكام الدستورية المكرسة بموجب دستور 1989، إلى توفير المزيد من الحماية القانونية والاقتصادية للأطراف المتضرّرة من برامج الخوصصة بصفة خاصة و كذلك من نتائج برنامج التسوية الهيكلية بصفة عامة، فكان له ان أصدر منظومة قانونية محاورها:
-أولوية حماية الأجراء من التسريح لأسباب اقتصادية؛
-بناء فضاء للحوار والتشاور الاجتماعيين بين مختلف أطراف الإنتاج(حكومة و أصحاب عمل ومنظمات نقابية للعمال)؛
-السعي المتواصل إلى مزيد التحسين لقواعد سير سوق التشغيل.
وبما أن الخوصصة هي نقل أو تحويل ملكية المنشآت و المشروعات العامة والمؤسسات العمومية الاقتصادية جزئيا أو كليا إلى القطاع الخاص، فإن هذا التحويل أو هذا النقل الذي تقوم الدولة باعتبارها المالكة لهذا الرأسمال التجاري بضبه قانونا، له نتائجه السلبية بالضرورة على الأجراء الذين كانوا يشتغلون في هذه المشاريع العمومية، لكن مع التغيير الحاصل في الطبيعة القانونية للمؤسسة الاقتصادية أو المنشأة العامة التي انتقلت من ملكية الدولة إلى ملكية خاصة.
فالدولة المتدخّلة أو دولة الرعاية الكاملة(Etat-providence ) كانت في سبعينيات و إلى غاية تسعينيات القرن الماضي ترى في منصب العمل الذي تقوم بتوفيره  عنصرا للاستقرار الاجتماعي والترقية المهنيّة( عمل قــــــار ودائم)، و كذلك بمثابة عامل مساعد في ضمان أجر ومضمون من طرف الدولة، و أن يكون هذا المدخول المنتظم في إطار قانون عمل تعده الدولة تابع للقانون العام(القاعدة: عقد عمل دائم و غير محدد المدّة)، بالإضافة إلى أن عقد العمل الدائم الذي يبرمه الأجير كان مع جهّة مشغّلة واحدة و ينجز  في موقع عمل معيّن و محدد سلفا.
إنّ نتيجة هذا التحوّل في دور الدولة من متدخّلة(Interventionniste) إلى منظّمة أو معدّلة (Etat-régulateur) أن بدأ عقد العمل غير النموذجي (Un contrat de travail non atypique)[51] يتسع بانسحاب الدولة من الفضاء الاقتصادي كمنتجة و محدّدة لسعر المنتوج و موّزعة، فبرزت علاقات عمل جديدة كعقد العمل محدد المدّة(Contrat à durée déterminé)، و العمل في المنزل(Le travail à domicile)، والعمل بنصف الدوام(Le travail à mi-temps)، وكذلك ظهور عقد المناولة باليد العاملة و معناه امكانية تقديم الجهد العضلي لشركة أو مؤسّسة أو مقاولة غير الشركة أو المؤسّسة أو المقاولة التي أبرمت العقد ( La sous-traitance de la main-d’œuvre ouvrière).
وجد المشرع الوطني(المحلي) في دول العالم النامي، وعلى امتداد الوطن العربي نفسه، أمام تحديات تمويلية واقتصادية واجتماعية بسبب التنافسيّة لشرسة الموجودة بين الأسواق العالمية من أجل استقطاب الاستثمارات الأجنبية من جانب، ومن جانب ثان التزايد الواسع لمستويات التداخل فيما بينها في ظل الهيمنة الواسعة للمؤسسات المالية العالمية بالنظر" لضخامة نمو المبادلات التجارية العالمية وسرعة تحـويلات رؤوس الأمــوال و الاستثمارات الأجنبية"[52].
ولمواجهة الآثار السلبية الناجمة عن تطبيقات برامج التسوية الهيكلية والتحوّل نحو اقتصاد السوق، بادر المشرع الجزائري في إطار السياسية العامة للدولة إلى إصدار مراسيم تشريعية تتعلق بالتأسيس لجهاز للمحافظة على الشغل على مستوى فضاء التشغيل(المرسوم التشريعي رقم:94-09 المؤرخ في 26 أبريل 1994)، وتثبيت نظام للتقاعد المسبق(المرسوم التشريعي رقم:94-10 المؤرخ في 26 ماي 1994).بالإضافة إلى إنشاء صندوق للتأمين ضد البطالة(المرسوم التشريعي رقم:94-188 المؤرخ في 06 جويلية 1994 المتضمن النظام القانوني للصندوق الوطني للتأمين ضد البطالة).
وهو المرسوم التشريعي الذي جاء مكملا للمرسوم التشريعي رقم:94-11 المؤرخ في 26 ماي 1994 المؤسّس للتأمين من البطالة لفائدة الأجراء الذين يفقدون بصفة لا إرادية و لسبب اقتصادي مناصب عملهم .
ومن بين أهم الهيئات العمومية الوطنية التي أسّسها المشرع الجزائري لتكزن بمثابة فضاء عمومي للحوار و التشاور بين مختلف الأطراف المعنية بالتنمية الشاملة (حكومة ومنظّمات نقابية للعمال و أصحاب عمـــل وممثلين عن المجتمع المدني والفلاحة والاقتصـاد والاجتمــــاع و الثقافة):* المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي( Conseil National Économique et Social):
وهو جهاز استشاري للحوار والتشاور في الميادين الاقتصادية و الاجتماعيـــــة والثقافية(المادة:2 من المرسوم الرئاسي رقم:93-225 المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ05 أكتوبر سنة 1993 والمتضمن إنشاء مجلس وطني اقتصادي واجتماعي). ومن المهام الموكلة لهذا المجلس المشكّل من 180 عضو يمثلون مختلف القطاعات الرئيسية للدولة الجزائرية(الاقتصاد والاجتماع والثقافة)[53] :
-ضمان استمرار الحوار و التشاور بين الشركاء الاقتصاديين و الاجتماعيين؛
- تقويم المسائل ذات المنفعة الوطنية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والثقافية و دراستها؛
-تقديم الاقتراحات و التوصيات و إبداء الآراء حول القضايا التي تندرج في نطاق اختصاصاته[54].
ولهذا المجلس لجان دائمة (التقويم، آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، علاقات العمل، التهيئة الإقليمية والبيئة، السكن و الاحتياجات الاجتماعية)[55] تنجز تقارير ودراسات في كل ما يتعلق الأوضاع الاقتصادية والاجتمــــاعية والثقافية، وللمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي كذلك أن يشكّل ،عند الحاجة، لجان فرعية وخاصة أو فرق عمل[56].
يقوم المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي بتحرير تقرير سنوي عن النشاط المنجز،وهو قابل للنشر(المادة:34 من المرسوم الرئاسي رقم:93-225 المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ05 أكتوبر سنة 1993 والمتضمن إنشاء مجلس وطني اقتصادي و اجتماعي).
ويمكن لهذا المجلس أن يستشير، وأن يستمع، وأن يشارك في أشغاله أي شخص يراه مفيدا بسبب كفاءته(المادة:35)، وتزداد أهمية هذا المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي لكونه يضم مختلف أطراف الإنتاج(حكومة ومنظمات أصحاب عمل ومنظّمات نقابية للعمال وممثلين لمجالس ثقافية وطنية)، بالإضافة إلى وجود تمثيل واسعل لخبرات الوطنية في المجالات و القطاعات الاقتصادية والتشريعية والاجتماعية والثقافية.
يؤدي المجلس دورا رقابيا للوضعية الاقتصادية و الاجتماعية، و هو بذلك بمثابة جهاز إنذار مبكر لكل ما قد يواجه الساحة الاقتصاديـة و الاجتماعية الوطنية من مستجدات (هو مكلّف كذلك بالدراسات الاستشرافية و التوّقعات المستقبلية).



[1]-يقصد بالدولة المعدّلة أو الدولة الضاّبطة التخلي عن النشاط الاقتصادي أو الإنتاجي أو الخدمي من منطلق صاحبة السلطة و السيّادة و الابقاء على تدخلها في حدود الرقابة  التحكيم و  توفير الاطار التشريعي و القانوني و التنظيمي  المساعد للأعمال التجارية و الاستثمار، فالدستور المعدّل(1989) ألغى احتكار الدولة للتجارة الداخلية و الخارجية و كرّس الحق في الملكية الفردية و الجماعية.وأوضح دستور2016 على أن الملكية العامة هي ملك المجموعة الوطنية(راجع المادة:18) و تشمل باطن الأرض، و المناجم،  و المقالع، و الموارد الطبيعية للطاقة و الثروات المعدنية الطبيعيــــة و الحية، في مختلف مناطق الأملاك الوطنية البحرية و المياه و الغابات. كما تشمل النقـــل بالسكك الحديدية و النقل البحري و الجوي و البريد و المواصلات السلكية و اللاسلكية و أملاكا أخرى محددة في القانون.
[2]–نادية ضريفي:تسيير المرفق العام و التحولات الجديدة، مرجع سابق،ص:24.
[3]-المرجع نفسه،ص:24.
[4]-المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، مرجع سابق،ص:17.
[5]-سعيد بو الشعير: النظام السياسي الجزائري، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،2013 ص:5.
[6]-الأمر 75-31 المؤرخ في 29 أفريل 1975 و المتعلق بالشروط العامة لعلاقات العمل في القطاع الخاص(ج.ر.ج.ج، العدد 39، التاريخ:16-05-1975).و هو القانون الذي كان ينظم ممارسة الحق النقابي داخل المؤسسات و الشركات الخاصة و قد شكّل مرجعا رئيسا لمرحلة ما بعد التصديق على دستور 1989.
[7]-قانون رقم:16-01 المؤرخ في 06 مارس 2016(ج.ر.ج.ج، العدد 14، التاريخ:07-03-2016).
[8]-كان التصديق على اتفاقية نيويورك لعام 1958 ضمن التوجه الحكومي لإصلاح المؤسسة العمومية الاقتصادية العام 1988(المشرع الجزائري تحدث في القانون رقم:88-01 –القانون التوجيهي للمؤسسة العمومية الاقتصادية- وللمرة الأولى عن اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي). و هي أحد أهم الاتفاقيات الدولية التي تعنى بتنظيم المنازعات التجارية و ضمان الاستثمارات على الصعيد الدولي.
[9]-جاء بنص المادة 150 من الدستور الجزائري (دستور 2016) الآتي: "المعاهدات التي يصدّق عليها رئيس الجمهورية، حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون".
[10]-جاء بنص المادة:43/ ف:1 من القانون رقم:16-09 الآتي: "حرية الاستثمار و التجارة معترف بها و تمارس في إطار القانون".
[11]-قامت السلطات العمومية بتحديث  القانون الجبائي، كما قامت بتعديل و تتميم القانون الجمركي بموجب  أحكام قانون جديد(قانون رقم:17-04 مؤرخ في 19 جمادي الأول 1438 الموافق لـ16 فبراير 2017، المعدل و المتمم للقانون رقم:79-07 مؤرخ في 26 شعبان 1399 الموافق لـ21 جويلية 1979 و المتضمن قانون الجمارك- ج.ر.ج.ج،العدد 11، التاريخ:19 فبراير 2017).
[12]-يعتبر القانون رقم:16-09 و المتعلق بترقية الاستثمار، المؤرخ في 29 شوال 1437 الموافق لـ03 أوت-غشت-2016(ج.ر.ج.ج،العدد 46، التاريخ:03 أوت 2016) أهم قانون محفز للاستثمار الوطني و الأجنبي على حد سواء.
[13]-اختار المشرع الجزائري مصطلح الخوصصة على مصطلح الخصخصة أو الخاصيّة( و هي مصطلحات مستعملة في المشرق و الخليج العربيين).
[14]-نص المادة 62 من القانون رقم:15-18 المؤرخ في 18 ربيع الأول 1437 الموافق لـ30 ديسمبر 2015 و المتضمن قانون المالية لسنة 2016(ج.ر.ج.ج، العدد 72، التاريخ:31 ديسمبر 2016) التي أوجبت على المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تنجز عمليات شراكة عن طريق فتح الرأسمال الاجتماعي لفائدة المساهمة الوطنيّة المقيمة طبقا للتشريع الساري المفعول، الاحتفاظ بنسبة 34% من مجموع الأسهم أو الحصص الاجتماعية.
يمكن المساهم الوطني المقيم، بعد انتهاء مدّة (5) سنوات، و بعد اجراء المعاينة قانونا على احترام جميع التعهدات المكتتبة، رفع أمام مجلس مساهمات الدواة، خيار شراء الأسهم المتبقيّة.
في حالة موافقة المجلس، تتم عملية التنازل بالسعر المتفق عليه مسبقا في ميثاق الشركاء أو بالسعر الذي يحدده المجلس. تحدد كيفيات تطبيق أحكام هذه المادة، عند الحاجة، عن طريق التنظيم.
[15]-هي شركات إدارة و تسيير الأسهم والقيّم المنقولة جاءت كنتيجة  لتطبيقات الأمر رقم 04-01 المؤرخ في 20 أوت 2001  المتعلــــــــــق بتنظيـــــــــــــــــــم وتسيير و خوصصة المؤسسات العمومية الاقتصادية، و هو الأمر الذي حل الشركات القابضة(الهولندينغ) و عوضها بشركات تسيير مساهمات الدولة لفعاليتها في إدارة و تسيير المحافظ المالية للدولة.
و لمزيد الاطلاع على تطبيقات الأمر المذكور أعلاه انظر:-عبدا لحفيظ بقة: الحماية القانونية للعامل في ظل الخوصصة و التسريح الاقتصادي، أطروحة دكتوراه علوم ،جامعة باتنة، 2012-2013، ص:31-33.
[16]-تقوم العولمة الاقتصادية على المؤسسات الماليّة العالمية الآتية:-صندوق النقد الدولي(Fond Monétaire International)-تاريخ الانشاء:1944-البنك العالمي للإنشاء و التعمير و المعروف اختصارا بالبنك العالمي( Banque Mondiale) –تاريخ الانشاء:1944و المنظمة العالمية للتجارة (Organisation Internationale du Commerce)-تاريخ الانشاء:1994.و هي المؤسسات الماليّة المتواجدة على الصعيد الدولي و المعروفة(.. Les Institutions Internationales de BrettonWoodsو تقوم سياساتها على أولوية فتح الأسواق المحلية على حرية التجارة الدولية، وعدم  التحديد الاداري للأسعار (عند الانتاج أو الاستهلاك)، و منع الدول من تحديد اداريّ لقيمة العملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية.
بالإضافة إلى ضمان الدول لحرية النشاط الاقتصادي و التجاري و التسويقي ببضائع و السلع بين الدول دون تعريفات جمركية أو ضرائب مزدوجة. الجزائر عضو فعال في كل من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي منذ الاعلان عن الاستقلال ، إلا أنها لم تنخرط في عضوية المنظمة العالمية للتجارة التي أعلن عن إنشائها سنة 1994 بالمملكة المغربية، و دخلت حيز التنفيذ(النفاذ) في الأول من شهر جانفي-يناير- 1995 ، لأسباب خاصة بها. و للتذكير، لقد انطلقت مفاوضات الانخراط منذ سنة 1997 و هي متواصلة إلى غاية إنجاز هذا البحث.
يرى الدكتور بشير مصيطفي أستاذ باحث و وزير سابق(المرجع: الجزائر و الجولة الـ13 من مفاوضات التجارة العالمية، جريدة الحياة اليومية الصادرة باللغة العربية، الخميس 30 مارس 2017 الموافق لـ02 رجب 1438،ص:12.) أن تأخر انضمام الجزائر للفضاء التجاري العالمي الحر يعود لأسباب كثيرة، لكن أهمها تحفظ الجزائر على عدد من بروتوكولات المنظمة في إدارة الشأن التجاري ، و ضبط السياسة الاقتصادية للبلاد.
[17]-الدبلوملسي (Leopoldo BENITES): ميثاق الأمم المتحدة كأداة منظمة للمجتمع، مجلة الحق، إصدار اتحاد المحامين العرب، العدد الثالث، مصر،1974، ص:3.
[18]-شهدت أشغال الدورة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1974 برئاسة الأمين العام السيد كورت والدهايم (وزير نمساوي سابق داعم لاستقلال الجزائر) مرافعة من أجل نظام اقتصادي عالمي عادل بعيد عن الرأسمالية العالمية قام بها الرئيس الراحل هواري بومدين، و قد جاء هذا التواجد الجزائري القوي بالأمم المتحدة بعد نجاح مؤتمر عدم الانحياز المنعقد بالجزائر سنة 1973.
للتذكير.. لقد شهدت سنة 1974 نشاطا واسعا لكل من صندوق النقد الدّولي و البنك العالمي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية بغرض التقليل من دور و مكانة القطاع العام في كل من أوروبا و أفريقيا و آسيا.
[19]-د.عيبوط محند وعلي :الاستثمارات الأجنبيّة في القانون الجزائري، دار هومة للنشر و التوزيع، الجزائر،2012، ص:34.
[20]-لخص الدكتور عيبوط محند وعلي(المرجع  نفسه، ص:47) مفهوم مبدأ المساواة السيادية يتمثّل في العناصر الآتية:-أن كل الدّول متساوية من الناحية القانونية؛-أن كل الدّول تتمتع بكل حقوقها المترتبة عن سيادتها؛-أن شخصية الدولة محترمة وكذا حدودها الإقليمية و استقلالها السياسي؛-على الدولة،في إطار النظام الدولي، الالتزام بواجباتها و التزاماتها الدّولية.
[21]-المرجع نفسه،ص:47.
[22]-يوجد شبه اتفاق بين فقهاء القانون و الاقتصاد على أن المؤسسة العامة الصناعية أو التجارية هي أحد الأشكال القانونيـــــــــــــــــة في المجالين الصناعـــــــــــي و التجاري تواجدا في كلا النظامين الرأسمالي أو الاشتراكي على حد سواء.  و تقوم المؤسسة العامة الصناعية أو التجارية على جاهزين أساسيين يمنحان تدخلا مرنا للدولة في النشاط الاقتصادي، الأول للمداولة(Organe de délibération) و الثاني للتنفيذ(Organe d’exécution).
و من أهم المؤسسات العامة الصناعية أو التجارية بالجزائر اذكر:-ديوان المطبوعات الجامعية(Office des Publications Universitaires) و كذلك ديوان المطبوعات المدرسية(Office des Publications Éducatives).
هذا و قد تواجد هذا النوع من المؤسسات بالجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي(سيّما بعد الحرب العالمية الأولى) إلا أنها كانت في خدمة ادارة الاحتلال الفرنسي.
[23]-يذكر الأستاذ الباحث الدكتور محمد صغير بعلي (كلية الحقوق و العلوم السياسية-جامعة عنابة) في أطروحة دكتوراه دولة بعنوان: "المؤسسات العمومية الاقتصادية في التشريع الجزائري" ناقشها على مستوى جامعة الجزائر 1-كلية الحقوق- العام 1995-1996 و قام بنشرها في شكل ملخص مفيد المعهد الوطني للدراسات و البحوث النقابية التابع للاتحاد العام للعمال الجزائريين «الشهيد محمد درارني"، الجزائر، الكتاب رقم 2، ديسمبر 1988، ص:19-22، الآتي: "لقد لجأت التشريعات المختلفة إلى هذا الشكل من أشكال المشروعات العامة بدافع من اعتبارات متعددة و لعل أبرزها:-أنها شكل قانوني يسمح بتطبيق القانون التجاري و العادات و الأعراف التجارية و بالتالي امكانية استبعاد القانون الاداري بما يضمنه من اجراءات و مظاهر للسلطة العامة".
[24]-يتكفل المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي(Conseil National Économique et Social )  بكل ما يتعلق بالشأن الاقتصادي و الاجتماعي و كذلك بالوضعية القانونية للمؤسسة العامة الادارية و الاقتصادية و قد كانت تشكيلته(177 عضو) من  إطارات و كوادر تسيير و هيئات سياسية، و من الادارة الاقتصادية و المالية للدولة، و ممثلين عن أهم مؤسسات الانتاج، و البنوك،والتخطيط، و مدراء الشركات الوطنية. و قد كان بمثابة هيئة استشارية تابعة لوزارة التخطيط إلى غاية سنة 1977(تاريخ حلّه) بعد أن تم انتخاب أول مجلس وطني شعبي. 
[25]-« 1970 à 1981 :L’Algérie opte pour un système d’économie d’Etat, de planification centralisée, d’industrialisation rapide. L’investissement étant le fait quasi exclusif de l’Etat, une politique d’investissement n’était  pas nécessaire. Les codes d’investissement adoptés avant 1970 sont oubliés » :Hamid A.TEMMAR, l’économie de l’Algérie ,tome 3, office des publications universitaires, Alger,2015,p 68.
[26]-يقدم الدكتور عمار معاشو (المرجع:الضمانات في العقود الاقتصادية الدولية في التجربة الجزائرية-في عقود المفتاح و الانتاج في اليد-دكتوراه دولة، جامعة الجزائر،1998،ص:83.) تعريفا لعقد المفتاح في اليد أو الانتاج في اليد على النحو الآتي: "هي تلك الاتفاقيات التي بموجبها يتعهد طرف أجنبي بالقيام بعدّة بناءات أو بعضها و تجهيز المركب الصّناعي ثم تسليمه إلى المشتري و هو في حالة عمل أو تشغيل مع تحمل المسئولية المترتبة في حالة عدم مطابقته للمواصفات العقدية، و يكون هذا مقابل ثمن جزافي يتم تحديده من كلا الطرفين و بشرط مشاركة الطرف الوطني في عمليات الإنجاز مع التكفل بتكوين عدد من الموظفين."
و هو التعريف الذي اعتمد عليه الدكتور عيبوط محند على(مرجع سبقت الإشارة إليه، ص:40).
[27]- عيبوط محند وعلي :الاستثمارات الأجنبيّة في القانون الجزائري، مرجع سابق، ص:88.
[28]-الجريدة الرّسميّة للجمهوريّة الجزائريّة، العدد:47، التاريخ:22 غشت-أوت-2001.
[29]- الجريدة الرّسميّة للجمهوريّة الجزائريّة، العدد:47، التاريخ:22 غشت-أوت-2001.
[30]- الجريدة الرّسميّة للجمهوريّة الجزائريّة، العدد:64، التاريخ:10 أكتوبر 1993.
[31]- انطلقت الجمهورية التونسية في برنامج الخوصصة سنة 1987 بعد أن  أمضت أول برنامج للإصلاح الهيكلي مع كل من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي العام 1986، و قد سبقتها المملكة المغربية إلى إبرام اتفاق للإصلاح الهيكلي العام 1985،في حين أبرمت جمهورية مصر العربية أول اتفاق للإصلاح الهيكلي مع المؤسسات المالية العالمية العام 1986.
[32]-برامج التسوية الهيكليّة هي بمثابة برامج يعدها خبراء صندوق النقد الدولي بالتعاون مع البنك الدولي و تخص مختلف الشروط الواجبة التنفيذ في مختلف مجالات الدعم الاجتماعي و تحرير السعار و التجارة و النقد.
[33]-يرى الدكتور محمد  عبدالله الطّاهر(المرجع: الضرورات التي تفرضها سياسة الخصخصة في مجال علاقات العمل، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، لبنان، 2004، ص:165) أن مصطلح الخصخصة-Privatization- لم يرد في المعاجم الإنجليزية، إلا ابتداء من طبعة عام 1982 في قاموس"وييستر".
[34]-محمد  عبدالله الطّاهر: الضرورات التي تفرضها سياسة الخصخصة في مجال علاقات العمل، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، لبنان، 2004، ص:165.
[35]-ناجي أحمد المهدي: الخصخصة و تأثيرها على العمالة في ظل العولمة، كتاب خاص، الجنة العامة لعمال البحرين، العدد:02، البحرين، 2000، ص:67.
[36]-يخلص الأستاذ الدكتور صلاح الدين سلطان (المرجع: مخاطر  العولمة على الأسرة، دار ابن حزم للطّباعة و النشر و التوزيع، الطبعة الأولى، بيروت، 2008، ص:7.) إلى أن لفظ العولمة ببنائه اللغوي لم أجده في كتب المعاجم العربية، حتى المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية لم يورد الكلمة في مادة "علم".
[37]-المؤسّسات المالية العالمية و المعروفة ب"مؤسسات بروتن و ودز" هي: صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و المنظمة العالميّة للتجارة.
[38]-لحسن بونعامة:الحركة العمالية أمام تحديات العولمة و التحولات الاقتصادية الجديدة، كتاب خاص، منشورات المعهد العربي للثقافة العمالية و بحوث العمل بالجزائر التابع لمنظمة العمل العربية، دون تاريخ اصدار، ص:10
[39]-صلاح الدين سلطان:مخاطر العولمة على الأسرة، مرجع سابق، ص:9 و 10( هذا التعريف للباحث أولريش بك منقول من مؤلف بعنوان: ما هي العولمة؟-ترجمة الدكتور أبو العينين دودو، القاهرة، 1999،ص:39.).
[40]- الأمر رقم:03-04 المؤرخ في 19 يوليو  2003 و المتعلق بالقواعد العامة المطبقة على عمليات استيراد البضائع و تصديرها(ج.ر.ج.ج، عدد:43، التاريخ:20-07-2003).
[41]-القانون رقم:89-12 المؤرخ في 05 يوليو 1989 و المتعلق بالأسعار(ج.ر.ج.ج، عدد:29، التاريخ:19-07-1989).
[42]-للسلطات العمومية في الدولة حريّة تنظيم قانون النقد و القرض (التعديل أو التتميم أو الإلغاء) على مستوى إقليمها الترابي وفق أهدافها الاقتصادية و الاجتماعية.
[43]-المادة 2 من الأمر رقم:01-04 المؤرخ في 20 غشت-أوت- 2001(ج.ر.ج.ج، عدد:47، التاريخ:22-08-2001) المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 المؤرخ في 28 فبراير 2008(ج.ر.ج.ج، عدد:11، التاريخ:02-03-2008) و المتعلـــــــــــــــــق بتنظيم المؤسّسة العموميــــــــــــــة و تسييرها وخوصصتها. 
[44]-ناجي أحمد المهدي: الخصخصة و تأثيرها على العمالة في ظل العولمة، مرجع سابق، ص:67.
[45]-محمد عبدالله الطاهر: الضرورات التي تفرضها سياسة الخصخصة في مجال علاقات العمل، مرجع سابق، ص:179.
[46]-الأمر رقم:95-22 المؤرخ في 26 أوت 1995 و المتعلّق بخوصصة المؤسسات العمومية(ج.ر.ج.ج، عدد:48،التاريخ:00-09-1995)، و هو أول قانون يتعلق بالخوصصة يصدره المشرع الجزائري في ظل ظرف اقتصادي شديد الصعوبة و قد جاء مباشرة بعد الاتفاق مع المؤسسات المالية العالمية العام 1994 و قد تمّ إلغاء هذا الأمر بموجب القانون رقم:01-04 المؤرخ في 20 غشت 2001 و المتمم بالأمر رقم:08-01 المؤرخ في 28 فبراير 2008.
[47]-تضمن قانون المالية لسنة 2017 أول فتح للرأس المال الاجتماعي للمؤسسات العمومية الاقتصادية أمام القطاع الخاص الوطني(لقد سبق لي أن أوضحت ذلك سابقا..).
[48]-المادة 4 من الأمر رقم:01-04 المؤرخ في 20 غشت-أوت- 2001..
[49]-انظر الفقرة الثانية من المادة 4 من الأمر رقم:01-04 المؤرخ في 20 غشت-أوت- 2001..
[50]-انظر المادة 9 من الأمر رقم:01-04 المؤرخ في 20 غشت-أوت- 2001(ج.ر.ج.ج، عدد:47، التاريخ:22-08-2001) المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 المؤرخ في 28 فبراير 2008(ج.ر.ج.ج، عدد:11، التاريخ:02-03-2008) و المتعلق بتنظيم المؤسّسة العمومية و تسييرها و خوصصتها. 
[51]-نعني بعلاقة العمل النموذجية أن يكون لعقد العمل المبرم في إطار الدولة الاشتراكية أو الدولة المتدخّلة غايات اجتماعية(أن يضمن للعامل و الأجير و الموظف دخلا ماديا بشكل دائم و منتظم الغاية منه تمكين الفرد من تلبية متطلبات حياة كريمة)، و غايات اقتصادية(ضمان الشغل كعامل ترقية اجتماعية و اقتصادية للفرد)، و كذلك غايات سياسية(ضمان توزيع عادل للثروة الوطنية و مداخيل الدولة.
[52]-سامي العوّادي: التحولات العالميّة و انعكاساتها على أسواق الشغل و علاقات العمل، كتاب خاص، منشورات المركز النقابي للتكوين، تونس، 1998،ص:14.
[53]-جاء بنص المادة :4 من هذا المرسوم الرئاسي: "يتكون المجلس من أعضاء ممثلين و مؤهلين في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. و يضم المجلس 180 عضوا موزعين حسب النسب الآتية:
-50%بعنوان القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية؛ -25 %بعنوان الإدارات و مؤسسات الدولة؛ -25 بعنوان الشخصيات المؤهلة المعيّنة بالنظر إلى تأهيلها الشخصي.
[54]-المادة:3 من المرسوم الرئاسي رقم:93-225 المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ05 أكتوبر سنة 1993 و المتضمن انشاء مجلس وطني اقتصادي و اجتماعي.
[55]- المادة:16 من المرسوم الرئاسي رقم:93-225 المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ05 أكتوبر سنة 1993 و المتضمن انشاء مجلس وطني اقتصادي و اجتماعي
[56]- انظر المواد:17-21 من المرسوم الرئاسي رقم:93-225 المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ05 أكتوبر سنة 1993 و المتضمن انشاء مجلس وطني اقتصادي و اجتماعي
google-playkhamsatmostaqltradent